التقييد والإيضاح شرح
مقدمة ابن الصلاح
للحافظ العراقي
11 بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم أعن ويسر
صلى الله عليه وسلم
والحمد لله الذى ألهم
لإيضاح ما أبهم وأفهم إلى الاصطلاح ولو شاء لم نفهم وأشهد أن لا إله إلا الله
الكاشف لما ينوب من الخطوب ويدهم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من أنجد وأتهم
وأعدل من أنقذ وأسهم و صلى الله عليه وسلم
وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
فإن أحسن ما صنف أهل
الحديث فى معرفة الاصطلاح كتاب علوم الحديث لابن الصلاح جمع فيه غرر الفوائد فأوعى
ودعى له زمر الشوارد فأجابت طوعا إلا أن فيه غير موضع قد خولف فيه وأماكن أحز
تحتاج إلى تقييد وتنبيه فأردت أن أجمع عليه نكتا تقيد مطلقه وتفتح مغلقه وقد أورد
عليه غير واحد من المتأخرين إيرادات
12 ليست بصحيحة فرأيت أن أذكرها وأبين تصويب
كلام الشيخ وترجيحه لئلا يتعلق بها من لا يعرف مصطلحات القوم ويتفق من مزجى البضاعات
ما لا يصلح للسوم وقد كان الشيخ الامام العلامة علاء الدين مغلطاى أوقفنى على شئ
جمعه عليه سماه إصلاح ابن الصلاح وقرأ من لفظه موضعا منه ولم أر كتابه المذكور بعد
ذلك وأيضا قد اختصره جماعة وتعقبوه فى مواضع منه فحيث كان الاعتراض عليه غير صحيح
ولا مقبول ذكرته بصيغة اعترض عليه على البناء للمفعول وقد أخبرنى بكتاب ابن الصلاح المذكور
الشيخان الإمامان الحافظان البارعان صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدى العلائى
وبهائى الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن خليل الأموى بقراءتى على
الثانى لجميع الكتاب وسماعا على الأول لبعض الكتاب وإجازة باقيه قالا أنا بجميعه
محمد بن يوسف بن المهتار الدمشقى قال أخبرنا بمؤلفه الشيخ الامام تقى الدين أبو
عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الشهرزورى رحمه الله قراءة عليه فى الخامسة من
عمرى وسميته التقييد والايضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح والله أسأل
وأستعين أن يوفق لإكماله ويعين وأن لا يجعل ما علمنا من العلم علينا وبالا ويجعله
خالصا لوجهه تبارك وتعالى إنه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير قوله ويعنى به محققو العلماء وكملتهم هو بضم
الياء وفتح النون على البناء للمفعول وعليه اقتصر صاحبا الصحاح والمحكم وحكى
الهروى فى الغبريين أنه استعمل على البناء للفاعل أيضا فيقال عنى بكذا يعنى به
وحكاه المطرزى أيضا وأنشد عليه عان بأخراها طويل الشغل قال والمبنى للمفعول أفصح
13 قوله جعله الله مليا بذلك وأملى وفيا بكل
ذلك وأوفى استعمل المصنف هنا مليا وأملى بغير همز على التخفيف وكتبه بالياء
المناسبة قوله وفيا وأوفى وإلا فالأول مهموز من قولهم ملوء الرجل بضم اللام
وبالهمز أى صار مليئا أى ثقه وهو ملئ بين الملاء والملاءة ممدودان قاله الجوهرى
18 النوع الأول معرفة الصحيح
قوله اعلم علمك الله
وإياى أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف انتهى وقد اعترض عليه بأمرين أحدهما أن فى
الترمذى مرفوعا إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه الأولى أن يقول علمنا الله وإياك انتهى
ما اعترض به هذا المعترض والحديث الذى
ذكره من عند الترمذى ليس هكذا وهو حديث أبى بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه ثم قال هذا حديث حسن غريب صحيح ورواه أبو
داود أيضا ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه وقال رحمة الله علينا وعلى
موسى الحديث ورواه النسائى أيضا فى سننه الكبرى وهو عند
مسلم أيضا كما سيأتى فليس فيه ما ذكره من أن كل داع يبدأ بنفسه وإنما هو من
فعله صلى الله عليه وسلم لا من قوله وإذا كان كذلك فهو مقيد بذكره صلى الله عليه وسلم نبيا من الأنبياء كما ثبت فى صحيح مسلم فى حديث
أبى الطويل فى قصة موسى مع الخضر وفيه قال وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ
بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخى وكذا رحمة الله علينا الحديث فأما دعاؤه لغير الأنبياء فلم ينقل أنه كان
يبدأ بنفسه كقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى فى قصة
زمزم قال ابن عباس قال النبى صلى الله
عليه وسلم يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت
زمزم عينا معينا
19 وفى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله
عنها سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ فى سورة بالليل فقال يرحمه الله الحديث
وفى رواية للبخارى إن الرجل هو عباد بن بشر وللبخارى من حديث سلمة ابن
الأكوع من السائق قالوا عامر قال يرحمة الله الحديث فظهر بذلك أن بدأه بنفسه في الدعاء وكان
فيما إذا ذكر نبيا من الأنبياء كما تقدم على أنه قد دعا لبعض الأنبياء ولم يذكر
نفسه معه وذلك فى الحديث المتفق على صحته من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله لوطا لقد كان
يأوى إلى ركن شديد الحديث وفى الصحيحين أيضا من حديث ابن مسعود رضى
الله عنه مرفوعا يرحم الله موسى لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر الأمر الثانى أن ما نقله عن أهل الحديث من
كون الحديث ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة ليس بجيد فإن بعضهم يقسمه إلى قسمين فقط
صحيح وضعيف وقد ذكر المصنف هذا الخلاف فى النوع الثانى فى التاسع من التفريعات
المذكورة فيه فقال من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا فى أنواع
الصحيح لاندراجه فى أنواع ما يحتج به قال وهو الظاهر من كلام أبى عبد الله الحاكم
فى تصرفاته إلى آخر كلامه فكان ينبغى الاحتراز عن هذا الخلاف هنا والجواب أن ما نقله المصنف عن أهله الحديث
قد نقله عنهم الخطابى فى خطبة معالم السنن فقال اعلموا أن الحديث عند أهله على
ثلاثة أقسام حديث صحيح وحديث حسن وحديث سقيم ولم أر من سبق الخطابى إلى تقسيمه ذلك
وإن كان فى كلام المتقدمين ذكر الحسن وهو موجود فى كلام الشافعى رضى الله عنه
والبخارى وجماعة ولكن الخطابى نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة فتبعه
المصنف على ذلك هنا ثم حكى الخلاف فى الموضع الذى ذكره فلم يهمل حكاية الخلاف
والله أعلم
20 قوله أما الحديث الصحيح فهو المسند الذى
يتصل إسناده إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن من يقبل المرسل لا يشترط أن يكون مسندا
وأيضا اشتراط سلامته من الشذوذ والعلة إنما زادها أهل الحديث كما قاله ابن دقيق
العيد فى الاقتراح قال وفى هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيرا من
العلل التى يعلل بها المحدثون لا تجرى على أصول الفقهاء قال ومن شرط الحد أن يكون
جامعا مانعا والجواب أن من يصنف فى
علم الحديث إنما يذكر الحد عند أهله لا من عند غيرهم من أهل علم آخر وفى مقدمة مسلم أن المرسل فى أصل قولنا
وقول أهل العلم بالأخبار وليس بحجة وكون الفقهاء والأصوليين لا يشترطون فى الصحيح
هذين الشرطين لا يفسد الحد عند من يشترطهما على أن المصنف قد احترز عن خلافهم وقال
بعد أن فرغ من الحد وما يحترز به عنه فهذا هو الحديث الذى يحكم له بالصحة بلا خلاف
بين أهل الحديث وقد يختلفون فى صحة
بعض الأحاديث لاختلافهم فى وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم فى اشتراط بعض هذه
الأوصاف كما فى المرسل انتهى كلامه فقد احترز المصنف عما اعترض به عليه فلم يبق
للاعتراض وجه والله اعلم وقوله بلا
خلاف بين أهل الحديث إنما قد نفى الخلاف بأهل الحديث لأن غير أهل الحديث قد
يشترطون فى الصحيح شروطا زائدة على هذه كاشتراط العدد فى الرواية كما فى الشهادة
فقد حكاه الحازمى فى شروط الأئمة عن بعض متأخرى
21 المعتزلة على أنه قد حكى أيضا عن بعض أصحاب
الحديث قال البيهقى فى رسالته إلى أبى محمد الجوينى رحمهما الله رأيت فى الفصول
التى أملاها الشيخ خرسه الله تعالى حكاية عن بعض أصحاب الحديث أنه يشترط فى قبول
الأخبار أن يروى عدلان عن عدلين حتى يتصل مثنى مثنى برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكره قائله إلى آخر
كلامه وكأن البيهقى رآه فى كلام أبى محمد الجوينى فنبهه على أنه لا يعرف عن أهل
الحديث والله أعلم وقوله وقد يختلفون
فى صحة بعض الأحاديث لاختلافهم فى وجود هذه الأوصاف فيه انتهى يريد بقوله هذه
الأوصاف أى أوصاف القبول التى ذكرها فى حد الصحيح وإنما نبهت على ذلك وإن كان
واضحا لأنى رأيت بعضهم قد اعترض عليه فقال إنه يعنى الأوصاف المتقدمة من إرسال
وانقطاع وعضل وشذوذ وشبهها قال وفيه نظر من حيث إن أحدا لم يذكر أن المعضل والشاذ
والمنقطع صحيح وهذا الاعتراض ليس بصحيح فإنه إنما أراد أوصاف القبول كما قدمته
وعلى تقدير أن يكون أراد ما زعم فمن يحتج بالمرسل لا يتقيد بكونه أرسله التابعى بل
لو أرسله أتباع التابعين احتج به وهو عنده صحيح وإن كان معضلا وكذلك من يحتج
بالمرسل يحتج بالمنقطع بل المنقطع والمرسل عند المتقدمين واحد وقال أبو يعلى
الخليلى فى الإرشاد إن الشاذ ينقسم إلى صحيح ومردود فقول هذا المعترض إن أحدا لا
يقول فى الشاذ إنه صحيح مردود بقول الخليلى المذكور والله أعلم
22 قوله على أن جماعة من أهل الحديث خاضوا
غمرة ذلك فاضطربت أقوالهم فذكر الخلاف فى أصح الأسانيد إلى آخر كلامه اعترض عليه
بأن الحاكم وغيره ذكروا أن هذا بالنسبة إلى الأمصار أو إلى الأشخاص وإذا كان كذلك
فلا يبقى خلاف بين هذه الأقوال انتهى كلام المعترض وليس بجيد لأن الحاكم لم يقل إن
الخلاف مقيد بذلك بل قال لا ينبغى أن يطلق ذلك وينبغى أن يقيد بذلك فهذا لا ينفى
الخلاف المتقدم وأيضا ولو قيدناه بالأشخاص فالخلاف موجود فيقال أصح أسانيد على كذا
وقيل كذا وقيل كذا وأصح أسانيد ابن عمر كذا وقيل كذا فالخلاف موجود والله أعلم
23 قوله إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء
الحديث وغيرهما حديثا صحيح الإسناد ولم نجده فى أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته
فى شئ من مصنفات أهل الحديث المعتمدة المشهورة فإنا لا نتجاسر على حزم الحكم بصحته
فقد تعذر فى هذه الأعصار الاستقلال بادراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد إلى آخر
كلامه وقد خالفه فى ذلك الشيخ محيى الدين النووى فقال والأظهر عندى جوازه لمن تمكن
وقويت معرفته انتهى كلامه وما رجحه
النووى هو الذى عليه عمل أهل الحديث فقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن
نقدمهم فيها تصحيحا فمن المعاصرين لابن الصلاح أبو الحسن على بن محمد بن عبد الملك
بن القطان صاحب كتاب بيان الوهم والإيهام وقد صحح فى كتابه المذكور عدة أحاديث
منها حديث ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه
24 فى رجليه ويمسح عليهما ويقول كذلك كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يفعل أخرجه أبو بكر البزار فى مسنده وقال ابن
القطان إنه حديث صحيح ومنها حديث أنس بن مالك رضى الله عنه كان أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة
فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة رواه هكذا قاسم بن أصبغ وصححه ابن
القطان فقال وهو كما ترى صحح وتوفى ابن القطان هذا هو على قضاء سجلماسة من المغرب
سنة ثمان وعشرين وستمائة ذكره ابن الأبار فى التكملة وممن صحح أيضا من المعاصرين له الحافظ ضياء
الدين محمد بن عبد الواحد المقدسى جمع كتابا سماه المختارة التزم فيه الصحة وذكر
فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها فيما أعلم وتوفى الضياء المقدسى فى السنة التى مات
فيها ابن الصلاح سنة ثلاث وأربعين وستمائة وصحح الحافظ زكى الدين عبد العظيم بن
عبد القوى المنذرى حديثا فى جزء له جمع فيه ما ورد فيه غفر له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر وتوفى الزكى عبد العظيم سنة ست وخمسين وستمائة ثم صحح الطبقة التى تلى هذه أيضا فصحح
الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطى حديث جابر مرفوعا ماء زمزم لما شرب
له فى جزء جمعه فى ذلك أورده من رواية عبد الرحمن بن أبى الموال عن محمد بن
المنكدر عن جابر ومن هذه الطريق رواه البيهقى وفي شعب الأيمان وإنما المعروف رواية
عبد الله بن المؤمل عن ابن المنكدر كما رواه ابن ماجه وضعفه النووى وغيره من هذا
الوجه وطريق ابن عباس أصح من طريق جابر ثم صححت الطبقة التى تلى هذه وهم شيوخا
فصحح الشيخ تقى الدين السبكى حديث ابن عمر فى الزيارة فى تصنيفه المشهور كما
أخبرنى به ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذاك منهم إلا أن منهم من لا يقبل ذاك منهم
وكذا كان المتقدمون وبما صحح بعضهم شيئا فأنكر عليه تصحيحه والله أعلم
25 قوله أول من صنف الصحيح البخارى انتهى
اعترض عليه بأن مالكا صنف الصحيح قبله والجواب أن مالكا رحمه الله لم يفرد الصحيح
بل أدخل فيه المرسل والمنقطع والبلاغات ومن بلاغاته أحاديث لا تعرف كما ذكره ابن
عبد البر فلم يفرد الصحيح إذا والله أعلم
قوله وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج انتهى كلامه اعترض عليه بقول أبى
الفضل أحمد بن سلمة كنت مع مسلم بن الحجاج فى تأليف هذا الكتاب سنة خمس ومائتين
هكذا رأيته بخط الذى اعترض على ابن الصلاح سنة خمس ومائتين فقط وأراد بذلك أن
تصنيف مسلم لكتابه قديم فلا يكون تاليا لكتاب البخارى وقد تصحف التاريخ عليه وإنما
هو سنة خمسين ومائتين بزيادة الياء والنون وذلك باطل قطعا لأن مولد مسلم رحمه الله
سنة أربع ومائتين بل البخارى لم يكن فى التاريخ المذكور وصنف فضلا عن مسلم فإن
بينهما فى العمر عشر سنين ولد البخارى سنة أربع وتسعين ومائة
26 قوله فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب
كتاب مسلم على كتاب البخارى إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه
غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسدودا غير ممزوج بمثل ما فى
كتاب البخارى فى تراجم أبوابه من الأشياء التى لم يسندها على الوصف المشروط فى
الصحيح انتهى قلت قد روى مسلم بعد
الخطبة فى كتاب الصلاة بإسناده الى يحيى بن أبى كثير أنه قال لا يستطاع العلم
براحة الجسم فقد مزجه بغير الأحاديث ولكنه نادر جدا بخلاف البخارى والله اعلم
27 قوله وجملة ما فى كتابه الصحيح يعنى
البخارى سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المكررة انتهى هكذا أطلق
ابن الصلاح عدة أحاديثه والمراد بهذا العدد الرواية المشهورة وهى رواية محمد بن
يوسف الفربرى فأما رواية حماد بن شاكر فهى دونها بمائتى حديث وأنقص الروايات رواية
إبراهيم بن معقل فإنها تنقص عن رواية الفربرى ثلاثمائة حديث ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث مسلم وقد
ذكرها النووى من زياداته فى التقريب والتيسير فقال إن عدة أحاديثه نحو أربعة آلاف
بإسقاط المكرر انتهى ولم يذكر عدته بالمكرر وهو يزيد على عدة كتاب البخارى لكثرة
طرقه وقد رأيت عن أبى الفضل أحمد بن سلمة أنه اثنا عشر ألف حديث قوله ثم ان الزيادة فى الصحيح على ما فى
الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشتهرة لأئمة
الحديث كأبى داود الترمذى والنسائى وابن خزيمة والدارقطنى وغيرهم منصوصا على صحته
فيها انتهى كلامه ولا يشترط فى معرفة
الصحيح الزائد على ما فى الصحيحين أن ينص الأئمة المذكورون
28 وغيرهم على صحتها فى كتبهم المعتمدة المشتهرة
كما قيده المصنف بل لو نص أحد منهم على صحته بالإسناد الصحيح كما فى سؤالات يحيى
بن معين وسؤالات الإمام أحمد وغيرهما كفى ذلك فى صحته وهذا واضح وإنما قيده المصنف
بتنصيصهم على صحته فى كتبهم المشتهرة بناء على اختياره المتقدم أنه ليس لأحد أن
يصح فى هذه الأعصار فلا يكفى على هذا وجود التصحيح بلإسناد صحيح كما لا يكفى فى
التصحيح بوجود أصل الحديث بإسناد صحيح
ولكن قد تقدم أن اختياره هذا خالفه فيه النووى وغيره من أهل الحديث فإن
العمل على خلافه كما تقدم والله أعلم
وقوله ويكفى مجرد كونه موجودا فى كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب
ابن خزيمة وكذلك ما يوجد فى الكتب المخرجة على كتاب البخارى وكتاب مسلم ككتاب أبى عوانة
الاسفراينى وكتاب أبى بكر الاسماعيلى وكتاب أبى بكر البرقانى وغيرها من تتمة
لمحذوف أو زيادة شرح فى كثير من أحاديث الصحيحين وكثير من هذا موجود فى الجمع بين
الصحيحين لأبي عبد الله الحميدى انتهى كلامه وهو يقتضى أن ما وجد من الزيادات على
الصحيحين فى كتاب الحميدى يحكم بصحته وليس كذلك لأن المستخرجات المذكورة قد رووها
بأسانيدهم الصحيحة فكانت الزيادات التى تقع فيها صحيحة لوجودها بإسناد صحيح فى
كتاب مشهور على رأي
29 المصنف وأما الذى زاده الحميدى فى الجمع بين
الصحيحين فإنه لم يروه بإسناده حتى ينظر فيه ولا أظهر لنا اصطلاحا أنه يزيد فيه
زوايد التزم فيها الصحة فيقلد فيها وإنما جمع بين كتابين وليست تلك الزيادات فى
واحد من الكتابين فهى غير مقبولة حتى توجد فى غيره بإسناد صحيح والله أعلم وقد نص المصنف بعد هذا فى الفائدة الخامسة
التى تلى هذه أن من نقل شيئا من زيادات الحميدى عن الصحيحين أو أحدهما فهو مخطئ
وهو كما ذكر فمن أنزله أن تلك الزيادات محكوم بصحتها بلا مستند فالصواب ما ذكرناه
والله أعلم قوله واعتنى الحاكم أبو
عبد الله الحافظ بالزيادة فى عدد الحديث الصحيح على ما فى الصحيحين وجمع ذلك فى
كتاب سماه المستدرك أودعه ما ليس فى واحد من الصحيحين مما رآه على شرط الشيخين قد
أخرجا عن رواته فى كتابيهما الى آخر كلامه فيه أمران أحدهما أن قوله أودعه ما ليس
فى واحد من الصحيحين لبس كذلك فقد أودعه أحاديث مخرجه فى الصحيح وهما منه فى ذلك
وهى أحاديث كثيرة منها حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعا لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن
الحديث رواه الحاكم فى مناقب أبى سعيد الخدرى وقد أخرجه مسلم فى صحيحه وقد بين الحافظ أبو عبد الله الذهبى فى
مختصر المستدرك كثيرا من الأحاديث
30 التى أخرجها فى المستدرك وهى فى الصحيح الأمر الثانى أن قوله مما رآه على شرط
الشيخين قد أخرجا عن رواته فى كتابيهما فيه بيان أن ما هو على شرطهما هو مما أخرجا
عن رواته فى كتابيهما ولم يرد الحاكم ذلك فقد قال فى خطبة كتابه المستدرك وأنا
أستعين الله تعالى على اخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج مثلها الشيخان أو أحدهما
فقول الحاكم بمثلهما أى بمثل رواتها لابهم أنفسهم ويحتمل أن يراد بمثل تلك
الأحاديث وفيه نظر ولكن الذى ذكره
المصنف هو الذى فهمه ابن دقيق العيد من عمل الحاكم فإنه ينقل تصحيح الحاكم لحديث
وأنه على شرط البخارى مثلا ثم يعترض عليه بأن فيه فلانا ولم يخرج له البخارى وهكذا
فعل الذهبى فى مختصر المستدرك ولكن ظاهر كلام الحاكم المذكور مخالف لما فهموه عنه
والله أعلم قوله عند ذكر تساهل الحاكم
فالأولى أن تتوسط فى أمره فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة ان
لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به إلا أن تظهر فيه علة
توجب ضعفه انتهى كلامه وقد تعقبه بعض
من اختصر كلامه وهو مولانا قاضى القضاه بدر الدين بن جماعة فقال إنه يتتبع ويحكم
عليه بما يليق بحاله من الحسن أو الصحة أو الضعف وهذا هو الصواب إلا أن الشيخ أبا عمرو رحمه الله رأيه أنه
قد انقطع التصحيح فى هذه الأعصار فليس لأحد أن يصحح فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه
والله أعلم قوله ويقاربه فى حكمه صحيح
أبى حاتم بن حبان البستى انتهى وقد فهم
بعض المتأخرين من كلامه ترجيح كتاب الحاكم على كتاب ابن حبان فاعترض على كلامه هذا
بأن قال أما صحيح ابن حبان فمن عرف شرطه واعتبر كلامه
31 عرف سموه على كتاب الحاكم وما فهمه هذا
المعترض من كلام المصنف ليس بصحيح وإنما أراد أنه يقاربه فى التساهل فالحاكم أشد
تساهلا منه وهو كذلك قال الحازمى ابن حبان أمكن فى الحديث من الحاكم قوله ثم ان التخاريج المذكورة على الكتابين
يستفاد منها فائدتان فذكرهما
32 ولو قال أن هاتين الفائدتين من فائدة
المستخرجات كان أحسن فإن فيها غير هاتين الفائدتين فمن ذلك تكثير طرق الحديث ليرجح
بها عند التعارض قوله وأما الذى حذف
من مبتدإ إسناده واحد أو أكثر وأغلب ما وقع ذلك فى البخارى وهو فى كتاب مسلم قليل
جدا ففى بعضه نظر وينبغى أن يقول ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من
علقه عنه فقد حكم بصحته عنه مثاله قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال
ابن عباس كذا قال مجاهد كذا قال عفان كذا قال القعنبى كذا روى أبو هريرة كذا وما
أشبه ذلك من العبارات فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه فلن
يستجيز إطلاق ذلك إلا اذا صح عنده ذلك عنه ثم اذا كان الذى علق الحديث عنه دون
الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابى وأما ما لم يكن فى لفظه جزم وحكم مثل روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وروى عن فلان كذا وفى الباب عن
النبى صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وما أشبهه من الألفاظ ليس منه حكم منه
بصحة ذلك من ذكره عنه لأن مثل هذه العبارات تستعمل فى الحديث الضعيف أيضا ومع ذلك
فإيراده له فى أثناء الصحيح مستعد بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه والله أعلم
انتهى كلامه وفيه أمور أحدها أن قوله
وهو فى مسلم قليل جدا هو ما ذكر ولكنى رأيت أن أبين موضع ذلك القليل ليضبط فمن ذلك
قول مسلم فى التيمم وروى الليث ابن سعد حدثنى جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز
الأعرج عن عمير مولى بن عباس أنه سمعه يقول أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى
ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبى الجهيم بن الحارث بن العمة
الأنصارى فقال أبو الجهيم أقبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم من نحو بير جمل الحديث
33 وقال مسلم فى البيوع وروى الليث بن سعد حدثنى
جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن ابن هرمز عن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك
أنه كان له مال على عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى الحديث وقال مسلم فى الحدود وروى الليث أيضا عن
عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله وهذان الحديثان
الأخيران قد رواهما مسلم قبل هذين الطريقين متصلا ثم عقبهما بهذين الإسنادين
المعلقين فعلى هذا ليس فى كتاب مسلم بعد المقدمة حديث معلق لم يوصله إلا حديث أبى
الجهم المذكور وفيه بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا ثم عقبه بقول ورواه فلان وقد
جمعها الرشيد العطار فى الغرر والمجموعة وقد تبينت ذلك كله فى كتاب جمعته فيما
تكلم فيه من أحاديث الصحيحين بضعف أو انقطاع والله أعلم الأمر الثانى أن قوله فى أمثلة ما حذف من
مبتدإ إسناده واحد أو أكثر قال عفان كذا قال القعنبى كذا ليس بصحيح ولم يسقط من
هذا الإسناد شئ فإن عفان والعقنبى كلاهما من شيوخ البخارى الذين سمع منهم فما روى
عنهما ولو بصيغة لا نقتضى التصريح بالسماع فهو محمول على الاتصال وقد ذكره ابن
الصلاح كذلك على الصواب فى النوع الحادى عشر من كتابه فى الرابع من التفريعات التى
ذكرها فيه فأنكر على ابن حزم حكمه بالانقطاع على حديث أبى مالك الأشعرى أو أبى
عامر فى تحريم المعازف لأن البخارى أورده قائلا فيه قال هشام بن عمار وهشام بن
عمار أحد شيوخ البخارى وذكر المصنف هنا من أمثلة التعليق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال ابن عباس كذا
وكذا روى أبو هريرة كذا وكذا قال الزهرى عن أبى سلمة
34 عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وهكذا إلى شيوخ
شيوخه قال وأما ما أورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا فى الثالث من
هذه التفريعات انتهى كلامه وسيأتى هناك ذكر ما يعكر على كلامه فراجعه والذى ذكره
فى ثالث التفريعات أن من روى عمن لقيه بأى لفظ كان فإن حكمه الاتصال بشرط السلامة
من التدليس هذا حاصل ما ذكره وهو الصواب وليس البخارى مدلسا ولم يذكره أحد
بالتدليس فيما رأيت إلا أبا عبد الله بن منده فإنه قال فى جزء له فى اختلاف الأئمة
فى القراءة والسماع والمناولة والإجازة أخرج البخارى فى كتبه الصحيحة وغيرها قال
لنا فلان وهى إجازة وقال فلان وهو تدليس قال وكذلك مسلم أخرجه على هذا انتهى كلام
ابن منده وهو مردود عليه ولم يوافقه عليه أحد علمته والدليل على بطلان كلامه أنه ضم مع البخارى
مسلما فى ذلك ولم يقل مسلم فى صحيحه بعد المقدمة عن أحد من شيوخه قال فلان وإنما
روى عنهم بالتصريح فهذا يدلك على توهين كلام ابن منده لكن سيأتى فى النوع الحادى
عشر ما يدلك على أن البخارى قد يذكر الشئ عن بعض شيوخه ويكون بينهما واسطة وهذا هو
التدليس فالله أعلم الأمر الثالث أن
قوله ثم إذا كان الذى علق عنه الحديث دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال
الإسناد بينه وبين الصحابى فيه نقص لابد منه وهو
35 أنه يشترط مع اتصاله ثقة من أبرزه من رجاله
ويحترز بذلك عن مثل قول البخارى وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يستحى منه وقد ذكر المصنف بعد هذا
أن هذا ليس من شرط البخارى قطعا قال ولذلك لم يورده الحميدى فى جمعه بين الصحيحين الأمر الرابع أنه اعترض على المصنف فيما
قاله من ان ما كان مجزوما به فقد حكم بصحته عمن علقه عنه وما لم يكن مجزوما به
فليس فيه حكم بصحته وذلك لأن البخارى يورد بصيغة الشئ التمريض ثم يخرجه فى صحيحه
مسندا ويجزم بالشئ وقد يكون لا يصح ثم استدل المعترض بذلك بأن البخارى قال فى كتاب
الصلاة ويذكر عن أبى موسى كنا نتناوب النبى
صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء
ثم أسنده فى باب فضل العشاء وقال فى كتاب الطب ويذكر عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم فى الرقى بفاتحة الكتاب وهو مذكور عنده هكذا
قال حدثنا سيدان بن مضارب حدثني أبو معشر البراء حدثنا عبد الله بن الأخنس عن ابن
أبى مليكة عن ابن عباس به وقال فى كتاب الأشخاص ويذكر عن جابر أن النبى
صلى الله عليه وسلم رد على المتصدق
صدقته قال وهو حديث صحيح عنده دبر رجل
عبدا ليس له مال غيره فباعه النبى صلى
الله عليه وسلم من نعيم بن النحام وقال فى كتاب الطلاق ويذكر عن على بن أبى طالب
وبن المسيب وذكر نحوا من ثلاثة وعشرين تابعيا كذا قال وفيها ما هو صحيح عنده وفيها
ما هو ضعيف أيضا ثم استدل على الثانى بأن البخارى قال فى كتاب التوحيد فى باب وكان
عرشه على الماء إثر حديث أبى سعيد الناس يصعقون يوم القيامة فإذا أنا بموسى قال
وقال الماجشون وعن عبد الله بن الفضل عن أبى سلمة عن أبى هريرة فأكون أول من بعث
فذكر فى أحاديث الأنبياء حديث الماجشون هذا عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبى
هريرة وكذا رواه مسلم والنسائى ثم قال قال أبو مسعود إنما يعرف عن الماجشون عن ابن
الفضل عن الأعرج انتهى ما اعترض به عليه
والجواب أن ابن الصلاح لم يقل إن صيغة التمريض لا تستعمل إلا فى الضعيف بل
فى كلامه أنها تستعمل فى الصحيح أيضا ألا ترى قوله لأن مثل هذه العبارات
36 تستعمل فى الحديث الضعيف أيضا فقوله أيضا دال
على أنها تستعمل فى الصحيح أيضا فاستعمال البخارى لها فى موضع الصحيح ليس مخالفا
لكلام ابن الصلاح وإنما ذكر المصنف أنا إذا وجدنا عنده حديثا مذكورا بصيغة التمريض
ولم يذكره فى موضع آخر من كتابه مسندا أو تعليقا مجزوما به لم يحكم عليه بالصحة
وهو كلام صحيح ونحن لم نحكم على
الأمثلة التى اعترض بها المعترض إلا بوجودها فى كتابه مسنده فلو لم نجدها فى كتابه
إلا فى مواضع التمريض لم نحكم بصحتها على أن هذه الأمثلة الثلاثة التى اعترض بها
يمكن الجواب عنها بما ستراه والبخارى
رحمه الله حيث علق ما هو صحيح إنما يأتى به بصيغة الجزم وقد يأتى به بغير صيغة
الجزم لغرض آخر غير الضعف وهو إذا اختصر الحديث وآتى به بالمعنى عبر بصيغة التمريض
لوجود الخلاف المشهور فى جواز الرواية بالمعنى والخلاف أيضا فى جواز اختصار الحديث
وإن رأيت أن يتضح لك ذلك فقابل بين موضع التعليق وبين موضع الإسناد تجد ذلك
واضحا فأما المثال الأول فقال البخارى
فى باب ذكر العشاء والعتمة ويذكر عن أبى موسى كنا نتناوب النبى صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء فأعتم بها ثم قال فى باب فضل
العشاء حدثنا محمد بن العلا حدثنا أبو أسامة عن يزيد عن أبى بردة عن أبى موسى قال
كنت أنا وأصحابى الذين قدموا معى فى السفينة نزولا فى بقيع بطحان والنبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكان يتناوب النبى صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم فواقفنا
النبى صلى الله عليه وسلم وله بعض الشغل فى بعض أمره فأعتم بالصلاة حتى
أبهار الليل الحديث فانظر كيف اختصره
هناك وذكره بالمعنى فلهذا عدل عن الجزم لوجود الخلاف فى حواز ذلك والله أعلم وأما المثال الثانى فقال البخارى فى الطب
باب الرقا بفاتحة الكتاب ويذكر عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال بعده باب الشروط فى
الرقية بقطيع من الغنم سيدان بن مضارب أبو محمد الباهلى قال حدثنا أبو معشر يوسف
بن يزيد البراء
37 قال حدثنى عبد الله بن الأخنس أبو مالك عن
ابن أبى مليكه عن ابن عباس أن نفرا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من
أهل الماء فقال هل فيكم من راق فإن فى الماء رجلا لديفا أو سليما فانطلق رجل منهم
فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك فقالوا أخذت
على كتاب الله أجرا فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إن أحق ما أخذتم عليه
أجرا كتاب الله انتهى وإنما لم يأت به البخارى فى الموضع الأول
مجزوما به لقوله فيه عن النبى صلى الله
عليه وسلم والرقية بفاتحة الكتاب ليست فى
الحديث المتصل من قول النبى صلى الله عليه
وسلم ولا من فعله وإنما ذلك من تقديره على
الرقية بها وتقريره أحد وجوه السنن ولكن عزوه إلى النبى صلى الله عليه وسلم من باب الرواية بالمعنى والذى يدلك على أن البخارى إنما لم يجزم به
لما ذكرناه أنه علقه فى موضع آخر بلفظه فجزم به فقال فى كتاب الإجازة باب ما يعطى
فى الرقية بفاتحة الكتاب وقال ابن
عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله على أنه يجوز أن يكون الموضع الذى ذكره
البخارى بغير إسناد عن ابن عباس مرفوعا حديثا آخر فى الرقية بفاتحة الكتاب غير
الحديث الذى رواه كنحو ما وقع فى حديث جابر المذكور بعده وأما المثال الثالث فقوله رد على المتصدق
صدقته هو بغيرلفظ بيع العبد المدبر بل أزيد على هذا وأقول الظاهر أن البخارى لم
يرد الصدقة حديث جابر المذكور فى بيع المدبر وإنما أراد والله أعلم حديث جابر فى
الرجل الذى دخل والنبى صلى الله عليه
وسلم يخطب فأمرهم فتصدقوا عليه فجاء فى
الجمعة الثانية فأمر النبى صلى الله عليه
وسلم بالصدقة فقام ذلك المتصدق عليه فتصدق
بأحد ثوبيه فردة عليه النبى صلى الله عليه
وسلم
38 وهو حديث ضعيف رواه الدارقطنى وهو الذى تأول
به الحنفية قصة سليك الغطفانى فى أمره بتحية المسجد حين دخل فى حال الخطبة والله
أعلم وأما المثال الرابع وهو قوله
ويذكر عن على بن أبى طالب إلى آخره فليس فيه عليه اعتراض لأنه إذا جمع بين ما صح
وبين ما لم يصح أتى بصيغة التمريض لأن صيغة التمريض تستعمل فى الصحيح ولا تستعمل
ولا تستعمل صيغة الجزم فى الضعيف وأما عكس هذا وهو الإتيان بصيغة الجزم فيما ليس
بصحيح فهذا لا يجوز ولا يظن بالبخارى رحمه الله ذلك ولا يمكن أن يجزم بشئ إلا وهو
صحيح عنده وقول البخارى فى التوحيد
وقال الماجشون إلى آخره هو صحيح عند البخارى بهذا السند وكونه رواه فى أحاديث
الأنبياء متصلا فجعل مكان أبى سلمة الأعرج فهذا لا يدل على ضعف الطريق التى فيها
أبو سلمة ولا مانع من أن يكون عند الماجشون فى هذا الحديث إسنادان وأن شيخه عبد
الله بن الفضل سمعت من شيخين من الأعرج ومن أبى سلمة فرواه مرة عن هذا ومرة عن هذا
ويكون الإسناد الذى وصله به البخارى أصح من الإسناد الذى علقه به ولا يحكم على
البخارى بالوهم والغلط بقول أبى مسعود الدمشقى بقوله إنه إنما يعرف عن الأعرج فقد
عرفه البخارى عنهما ووصله مرة عن هذا أو علقه مرة عن هذا الأمر اقتضى ذلك فما وصل
إسناده صحيح وما علقه وجزم به يحكم عليه أيضا بالصحة والله أعلم قوله وكذلك مطلق قول الحافظ أبى نصر الوائلى
السجزى أجمع أهل العلم
39 الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن
جميع ما فى كتاب البخارى مما روى عن النبى
صلى الله عليه وسلم قد صح عنه
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها فى
حبالته انتهى وما ذكره الوايلى لا
يقتضى أنه لا يشك فى صحته ولا أنه مقطوع به لأن الطلاق لا يقع بالشك وقد ذكر
المصنف هذا فى شرح مسلم له فإنه حكى فيه عن إمام الحرمين أنه لو حلف إنسان بطلاق
امرأته أنما فى كتاب البخارى ومسلم مما حكما بصحته من قول النبى
صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق ولا خثته لإجماع علماء المسلمين على
صحتهما ثم قال الشيخ أبو عمرو ولقائل
أن يقول إنه لا يحنث ولو لم يجمع المسلمون على صحتهما للشك فى الحنث فإنه لو حلف
بذلك فى حديث ليس هذه صفته لو يحنث وإن كان راويه فاسقا فعدم الحنث حاصل قبل
الإجماع فلا يضاف إلى الإجماع ثم قال
الشيخ أبو عمرو والجواب أن المضاف إلى الإجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا
وأما عند الشك فمحكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا فعلى هذا يحمل كلام أمام
الحرمين فهو الأليق بتحقيقه وقال
النووى فى شرح مسلم إن ما قاله الشيخ فى تأويل كلام إمام الحرمين فى عدم الحنث فهو
بناء على ما اختاره الشيخ وأما على مذهب الأكثرين فيحتمل أنه أراد أنه لا يحنث
ظاهرا ولا يستحب له التزام الحنث حتى يستحب له الرجعة كما إذا حلف بمثل ذلك فى غير
الصحيحين فإنا لا نحنثه لكن تحب له الرجعة احتياطا لاحتمال الحنث وهو احتمال
ظاهر قال وأما الصحيحان فاحتمال الحنث
فيهما فى غاية من الضعف فلا يحب له الرجعة لضعف احتمال موجبها
40 قوله مثل قول البخارى باب ما يذكر فى
الفخد ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبى صلى الله عليه وسلم الفخد عورة انتهى
اعترض عليه بأن حديث جرهد صحيح وعلى تقدير صحة حديث جرهد ليس على المصنف رد
لأنه لم ينف صحته مطلقا لكن نفى كونه من شرط البخارى فإنه لما مثل به وبحديث بهز
بن حكيم قال فهذا قطعا ليس من شرطه على أنا لا نسلم أيضا صحته لما فيه من الاضطراب
فى إسناده فقيل عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه عن جده وقيل عن زرعة عن جده
ولم يذكر أباه وقيل عن أبيه عن النبى صلى
الله عليه وسلم لم يذكر جده وقيل عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن أبيه عن جده وقيل عن
زرعة بن مسلم عن جده ولم يذكر أباه وقيل عن ابن جرهد عن أبيه ولم يتم وقيل عن عبد
الله بن جرهد عن أبيه وقد أخرجه أبو
داود وسكت عليه والترمذى من طرق وحسنه وقال فى بعض طرقه وما أرى إسناده بمتصل
41 وقال البخارى فى صحيحه حديث أنس أسند
وحديث جرهد أحوط قوله عند ذكر أقسام
الصحيح فأولها صحيح أخرجه البخارى ومسلم جميعا انتهى اعترض عليه بأن الأولى أن نقول صحيح على
شرط الستة وقيل فى الاعتراض عليه أيضا الصواب أن يقول أصحها ما رواه الكتب الستة
والجواب أن من لم يشترط فى كتابه الصحيح لا يزيد تخريجه للحديث قوة نعم ما اتفق
الستة على توثيق رواته أولى بالصحة مما اختلفوا فيه وإن اتفق عليه الشيخان قوله فى الحديث المتفق عليه وهذا القسم
جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقينى النظرى واقع به إلى آخر كلامه وقال فى آخره سوى
أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطنى وغيره وهى معروفة عند
أهل هذا الشأن انتهى كلامه وفيه أمران
أحدهما أن ما ادعاه من أن ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته قد سبقه إليه الحافظ أبو
الفضل محمد بن طاهر المقدسى وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف فقالا إنه
مقطوع به وقد عاب الشيخ عز الدين بن عبد السلام على ابن الصلاح هذا وذكر أن بعض
المعتزلة يرون أن الأمة إذا عملت بحديث
42 اقتضى ذلك القطع بصحته قال وهو مذهب ردئ وقال الشيخ محيى الدين النووى فى التقريب
والتيسير خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر وقال فى شرح مسلم نحو ذلك بزيادة قال ولا
يلزم من اجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه كلام النبى صلى الله عليه وسلم قال وقد اشتد إنكار ابن
برهان الإمام على من قال بما قاله الشيخ وبالغ فى تغليظه الأمر الثانى إن ما استثناه من المواضع
اليسيرة قد أجاب العلماء عنها بأجوبة ومع ذلك فليست بيسيرة بل هى مواضع كثيرة وقد
جمعتها فى تصنيف مع الجواب عنها وقد ادعى ابن حزم فى أحاديث من الصحيحين أنها
موضوعة ورد عليه ذلك كما بينته فى التصنيف المذكور والله أعلم قوله إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة
الصحيح والحسن الآن فى مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة فسبيل من أراد
العلم أو الاحتجاج بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو الاحتجاج به لذى
مذهب أن يرجع
43 إلى أصل قد قابله هو أو ثقه غير بأصول صحيحة
متعددة مروية بروايات متنوعة إلى آخر كلامه ما اشترطه المصنف من المقابلة بأصول
متعددة قد خالفه فيه الشيخ محيى الدين النووى فقال وإن قابلها بأصل معتمد محقق
أجزأه قلت وفى كلام ابن الصلاح فى موضع آخر ما يدل على عدم اشتراط تعدد الأصول
فإنه حين تكلم فى نوع الحسن أن نسخ الترمذى تختلف فى قوله حسن أو حسن صحيح ونحو
ذلك قال فينبغى أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما أتفقت عليه فقوله هنا ينبغى
يعطى عدم اشتراط والله أعلم
النوع الثانى معرفه
الحسن
قوله روينا عن أبى
سليمان الخطابى رحمه الله تعالى أنه قال الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله
انتهى ثم ذكر الشيخ بعد ذلك أنه ليس فى
كلام الترمذى والخطابى ما يفضل الحسن من الصحيح انتهى وفيه أمران أحدهما أن ما
حكاه من صيغة كلام الخطابى قد اعترض عليه فيه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عمر بن
رشيد فيما حكاه الحافظ أبو الفتح اليعمرى فى شرح الترمذى فقال إنه رآه بخط الحافظ
أبى على الجيانى أنه ما عرف مخرجه واستقر حاله أى بالسين المهملة وبالقاف وبالحاء
المهملة دون راء فى أوله قال ابن رشيد وأنا بحظ الجيانى عارف انتهى
44 وما اعترض به ابن رشيد مردود فإن الخطابى
قد قال ذلك فى خطبة كتابه معالم السنن وهو فى النسخ الصحيحة المعتمدة المسموعة كما
ذكره المصنف واشتهر رجاله وليس لقوله واستقر حاله كبير معنى والله أعلم الأمر الثانى أن ما ذكره من أنه ليس فى
كلام الخطابى ما يفصل الحسن من الصحيح ذكره ابن دقيق العيد أيضا فى الاقتراح وزاده
وضوحا فقال ليس فى عبارة الخطابى كبير تلخيص وأيضا فالصحيح قد عرف مخرجه واشتهر
رجاله فيدخل الصحيح فى الحسن واعترض الشيخ تاج الدين التبريزى على كلام الشيخ تقى
الدين بقوله فيه نظر لأنه ذكر من بعد أن الصحيح أخص من الحسن قال ودخول الخاص فى
حد العام ضرورى والتقييد بما يخرجه للحد وهو اعتراض متجه وقد أجاب بعض المتأخرين
عن استشكال حدى الترمذى والخطابى بأن قول الخطابى ما عرف مخرجه هو كقول الترمذى
ويروى نحوه من غير وجه وقول الخطابى اشتهر رجاله يعنى بالسلامة من وصمة الكذب هو
كقول الترمذى ولا يكون فى إسناده من يتهم بالكذب وزاد الترمذى ولا يكون شاذا ولا
حاجة إلى ذكره لأن الشاذ ينافى عرفان المخرج فكأنه كرره بلفظ متباين فلا إشكال
فيما قالاه انتهى وما فسر به قول
الخطابى ما عرف مخرجه بأن يروى من غير وجه لا يدل عليه كلام الخطابى أصلا بل الذى
رأيته فى كلام بعض الفضلاء أن فى قوله ما عرف مخرجه إحترازا عن المرسل وعن خبر
المدلس قبل أن يبين تدليسه وهذا أحسن فى تفسير كلام الخطابى لأن المرسل الذى سقط
بعض إسناده وكذلك المدلس الذى سقط منه بعضه لا يعرف فيهما مخرج الحديث لأنه لا
يدرى من سقط من إسناده بخلاف من أبرز جميع رجاله فقد عرف مخرج الحديث من أين والله
أعلم قوله وروينا عن أبى عيسى الترمذى
رحمه الله أنه يريد بالحسن أن لا يكون فى إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون شاذا أو
يروى من غير وجه نحو ذلك إنتهى
45 اعترض بعض من اختصر كلام ابن الصلاح عليه
فى حكاية هذا عن الترمذى وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال وهذا إن كان قد روى
عن الترمذى أنه قاله ففى أى كتاب له قاله وأين إسناده عنه وإن كان فهم من اصطلاحه
فى كتابه الجامع فليس ذلك بصحيح فإنه يقول فى كثير من الأحاديث هذا حديث حسن غريب
لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى وهذا
الإنكار عجيب فإنه فى آخر العلل التى فى آخر الجامع وهى داخلة فى سماعنا وسماع
المنكر لذلك وسماع الناس نعم ليست فى رواية كثير من المغاربة فإنه وقعت لهم رواية
المبارك ابن عبد الجبار الصيرفى وليست فى روايته عن أبى يعلى أحمد ابن عبد الواحد
وليست فى رواية أبى يعلى عن أبى على السنجى وليست فى رواية أبى على السنجى عن أبى
العباس المحبوبى صاحب الترمذى ولكنها فى رواية عبد الجبار ابن محمد الجراحى عن
المحبوبى ثم اتصلت عنه بالسماع إلى زماننا بمصر والشام وغيرهما من البلاد
الاسلامية ولكن استشكل أبو الفتح اليعمرى كون هذا الحد الذى ذكره الترمذى اصطلاحا
عاما لأهل الحديث فنورد لفظ الترمذى أولا
قال أبو عيسى وما ذكرنا فى هذا الكتاب حديث حسن إنما أردنا به حسن إسناده
عندنا كل حديث يروى لا يكون فى إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروى
من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن انتهى كلامه فقيد الترمذى تفسير الحسن بما ذكره فى
كتابه الجامع فلذلك قال أبو الفتح اليعمرى فى شرح الترمذى إنه لو قال قائل إن هذا
إنما اصطلح عليه الترمذى فى كتابه هذا ولم ينقله اصطلاحا عاما كان له ذلك فعلى هذا
لا ينقل عن الترمذى حد الحديث الحسن بذلك مطلقا فى الاصطلاح العام والله أعلم قوله وقال بعض المتأخرين الحديث الذى فيه
ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن انتهى
وأراد المصنف ببعض المتأخرين هنا أبا الفرج ابن الجوزى فإنه قال هكذا فى
كتابيه الموضوعات والعلل المتناهية
46 قال الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد فى
الاقتراح إن هذا ليس مضبوطا بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره قال وإذا اضطرب
هذا الوصف لم يحصل التعريف المميز للحقيقة
قوله وقد أمعنت النظر فى ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع
استعمالهم فتنقح لى واتضح أن الحديث الحسن قسمان إلى آخر كلامه وقد أنكر بعض
العلماء المتأخرين لفظ إلا معان وقال إنه ليس عربيا وكذلك قول الفقهاء فى التنعم
أمعن فى الطلب ونحو ذلك وقد نظرت فى
ذلك فوجدته مأخوذا من أمعن الفرس فى عدوه أو من أمعن الماء إذا استنبطه وأخرجه وقد
حكى الأزهرى فى تهذيب اللغة عن الليث بن المظفر أمعن الفرس وغيره إذا تباعد فى
عدوه وكذا قال الجوهرى فى الصحاح وحكاه الأزهرى أيضا أمعن الماء إذا أحراه ويحتمل
أنه من أمعن إذا أكثر وهو من الامداد قال أبو عمر والمعن القليل والمعن الكثير
والمعن الطويل والمعن القصير والمعن الإقرار بالحق والمعن الجحود والكفر للنعم
والمعن الماء الطاهر وما ذكره المصنف
من كون الحديث الحسن على قسمين إلى آخر كلامه قد أخذ
47 عليه فيه الشيخ تقى الدين فى الاقتراح إجمالا
فقال بعد أن حكى كلامه وعليه فيه مؤاحذات ومناقشات وقال بعض المتأخرين يرد على القسم الأول
المنقطع والمرسل الذى فى رجاله مستور وروى مثله أو نحوه من وجه آخر ويرد على
الثانى المرسل الذى اشتهر رواته بما ذكر قال فالأحسن أن يقال الحسن ما فى إسناده
المتصل مستور له به شاهد أو مشهود قاصر عن درجة الإتقان وخلا من العلة والشذوذ
والله أعلم قوله الحسن يتقاصر عن
الصحيح فى أن الصحيح من شرطه أن يكون جميع رواته قد تبينت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم
إما بالنقل الصريح أو بالاستفاضة على ما سيبينه إن شاء الله تعالى وذلك غير مشترط
فى الحسن فإنه يكتفى فيه بما سبق ذكره من مجئ الحديث من وجوه وغير ذلك مما تقدم
شرحه انتهى كلامه وفيه أمران أحدهما أنه قد اعترض عليه بأن جميع رواة الصحيح لا
يوجد فيهم هذه الشروط إلا فى النذر اليسير إنتهى
48 والجواب أن العدالة تثبت إما بالتنصيص
عليها كالمصرح بتوثيقهم وهم كثير أو بتخريج من التزم الصحة فى كتابه له فالعدالة
أيضا تثبت بذلك وكذلك الضبط والإتقان درجاته متفاوتة فلا يشترط أعلا وجوه الضبط
كمالك وشعبة بل المراد بالضبط أن لا يكون مغفلا كثير الغلط وذلك بأن يعتبر حديثه
بحديث أهل الضبط والإتقان فان وافقهم غالبا فهو ضابط كما ذكره المصنف فى المسألة
الثانية من النوع الثالث والعشرين وإذا كان كذلك فلا مانع من وجود هذه الصفات فى
رواة صحيح الأحاديث والله أعلم الأمر
الثانى أن قوله فى الحسن إنه يكتفى فيه بما سبق ذكره من مجى الحديث من وجوه فيه
نظر إذ لم يسبق اشتراط مجيئه من وجوه بل من غير وجه كما سبق ذلك فى كلام الترمذى
وعلى هذا فمجيئه من وجهين كاف فى حد الحديث الحسن والله أعلم قول حكاية عن نص الشافعى رضى الله عنه فى
مراسل التابعين أنه يقبل منها المرسل الذى جاء نحوه مسندا وكذلك لو وافقه مرسل آخر
أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعى الأول فى كلام له ذكر فيه وجوها من الاستدلال
على صحة مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر انتهى كلامه وفيه نظر من حيث أن الشافعى
رضى الله عنه إنما يقبل من المراسيل التى اعتضدت بما ذكر مراسيل كبار التابعين
بشروط أخرى فى من أرسل كما نص عليه فى الرسالة فقال والمنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبى صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور منها أن ينظر إلى ما أرسل من
الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى كانت هذه
دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه
49 وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من
يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل
العلم من غير رجاله الذين قبل عنهم فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوى له مرسلة وهى أضعف
من الأولى فإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض
ما يروى عن بعض أصحاب النبى صلى الله عليه
وسلم قولا له فإن وجد يوافق ما روى عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فى هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا
عن أصل يصح إن شاء الله وكذلك إن وجد عوام من أهل للعلم يفتون بمثل معنى ما روى عن
النبى صلى الله عليه وسلم ثم يعتبر عليه
بأن يكون إذا سمى من روى عنه الأصل لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه
فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ فى حديثه لم
يخالفه فان وجد حديثه أنقص كانت فى هذه دلائل على صحة مخرج حديثه ومتى خالف ما
وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا قبول مرسله قال وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما
وصفت أحببنا أن نقبل مرسله ثم قال فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم واحدا يقبل
مرسله لأمور أحدها أنهم أشد تجوزا فيمن يروون عنه والآخر أنه وجد عليهم الدلائل
فيما أرسلوا لضعف مخرجه والآخر كثر الإحالة فى الأخبار وإذا كثرت الإحالة كان أمكن
للوهم وضعف من يقبل عنه هذه عبارة الشافعى رحمه الله فى الرسالة ورواها عنه
بالإسناد الصحيح
50 البيهقى فى المدخل والخطيب فى الكفاية وعلى
هذا فاطلاق الشيخ النقل عن الشافعى ليس بجيد وقد تبعه على ذلك الشيخ محيى الدين فى
عامة كتبه ثم تنبه لذلك فى شرح الوسيط المسمى بالتنقيح وهو من أواخر تصانيفه فقال
فيه وأما الحديث المرسل فليس بحجة عندنا إلا أن الشافعى قال يجوز الاحتجاج بمرسل
الكبار من التابعين بشرط أن يعتضد بأحد أمور أربعة فذكرها وقول النووى هنا يجوز الاحتجاج أخذه من عبارة
الشافعى فى قوله أحببنا أن نقبل مرسله وقد قال البيهقى فى المدخل إن قول الشافعى
أحببنا أراد به اخترنا انتهى وعلى هذا
فلا يلزم أن يكون الاحتجاج به جائزا فقط بل يقال اختار الشافعى الاحتجاج بالمرسل
الموصوف بما ذكر أما كونه على سبيل الجواز أو الوجوب فلا يدل عليه كلامه والله
اعلم قوله الثانى لعل الباحث الفهم
يقول إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها
51 قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل
حديث الأذنان من الرأس ونحوة إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن هذا الحديث رواه ابن
حبان فى صحيحه والجواب أن ابن حبان
أخرجه من رواية شهر بن حوشب عن أبى أمامة وشهر ضعفه الجمهور ومع هذا فهو من قول
أبى أمامة موقوفا عليه وقد بينه أبو داود فى سننه عقب تخريجه له فذكر عن سليمان بن
حرب قال يقولها أبو أمامة وقال حماد بن زيد فلا أدرى أهو من قول النبى صلى الله عليه وسلم أو أبى أمامة وكذا ذكر
الترمذى قول حماد بن زيد ثم قال الترمذى هذا حديث ليس اسناده بذاك القائم انتهى
وقد روى حديث جماعة من الصحابة جمعهم ابن الجوزى فى العلل المتناهية وضعفها كلها
والله أعلم قوله الرابع كتاب أبى عيسى
الترمذى رحمه الله أصل فى معرفة الحديث الحسن وهو الذى نوه باسمه وأكثر من ذكره فى
جامعه ويوجد فى متفرقات من كلام بعض
52 مشايخه والطبقة التى قبله كأحمد بن حنبل
والبخارى وغيرهما انتهى وقد وجد
التعبير به فى شيوخ الطبقة التى قبله أيضا كالشافعى رحمه الله تعالى فقال فى كتاب
اختلاف الحديث عند ذكر حديث ابن عمر
لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا
الحديث حديث ابن عمر مسند حسن الإسناد وقال فيه أيضا وسمعت من يروى بإسناد
حسن أن أبا بكرة ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم أنه ركع دون الصف الحديث
وقد اعترض أيضا على المصنف فى قوله أن الترمذى أكثر من ذكره فى جامعه بأن
يعقوب بن شيبة فى مسنده وأبا على الطوسى شيخ أبى حاتم أكثرا من قولهما حسن صحيح
انتهى وهذا الاعتراض ليس بجيد لأن
الترمذى أول من أكثر من ذلك ويعقوب وأبو على إنما صنفا كتابيهما بعد الترمذى وكأن
كتاب أبى على الطوسى مخرج على كتاب الترمذى لكنه شاركه فى كثير من شيوخه والله
أعلم قوله ومن مظانه أى الحسن سنن أبى
داود روينا عنه أنه قال ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه ثم قال قال وما كان فى
كتابى من حديث فيه وهن شديد فقد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح
من بعض قال ابن الصلاح فعلى
53 هذا ما وجدناه فى كتابه مذكورا مطلقا وليس فى
واحد من الصحيحين ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن عرفاه بأنه من
الحسن عند أبى داود وقد يكون فى ذلك ما ليس بحسن عند غيره ولا مندرج فيما حققنا
ضبط الحسن به إلى آخر كلامه وفيه أمور
أحدها قد اعترض الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد على
المصنف فى هذا فقال ليس يلزم أن يستفاد من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود بضعف
ولا نص عليه غيره بصحة أن الحديث عند أبى داود حسن إذ قد يكون عنده صحيحا وإن لم
يكن عند غيره كذلك حكاه الحافظ أبو الفتح اليعمرى فى شرح الترمذى عن ابن رشيد ثم
قال وهذا تعقب حسن انتهى والجواب عن
اعتراض ابن رشيد أن المصنف إنما ذكر مالنا أن نعرف الحديث به عند أبى داود
والاحتياط أن لا يرتفع به إلى درجة الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبى داود لأن
عبارة أبى داود فهو صالح إلى الاحتجاج به فان كان أبو داود يرى الحسن رتبة بين
الصحيح والضعيف فالاحتياط بل الصواب ما قاله ابن الصلاح وإن كان رأيه كالمتقدمين
أن الحديث ينقسم إلى صحيح وضعيف فما سكت عنه فهو صحيح والاحتياط أن يقال فهو صالح
كما عبر أبو داود به والله أعلم وهكذا
رأيت الحافظ أبا عبد الله بن المواق يفعل فى كتابه بغية النقاد يقول فى الحديث
الذى سكت عليه أبو داود هذا حديث صالح
الأمر الثانى أن الحافظ أبا الفتح اليعمرى تعقب ابن الصلاح هنا بأمر آخر
فقال فى شرح الترمذى لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن وعمله بذلك شبيه بعمل مسلم الذى
54 لا ينبغى أن يحمل كلامه على غيره أنه اجتنب
الضعيف الواهى وأتى بالقسمين الأول والثانى وحديث من مثل به من الرواة من القسمين
الأول والثانى موجود فى كتابه دون القسم الثالث قال فهلا ألزم الشيخ أبو عمرو
مسلما من ذلك ما ألزم به أبا داود فمعنى كلامهما واحد قال
وقول أبى داود وما يشبهه يعنى فى الصحة وما يقاربه يعنى فيها أيضا قال وهو نحو قول
مسلم إنه ليس كل الصحيح نجده عند مالك وشعبة وسفيان فاحتاج أن ينزل إلى مثل حديث
ليث بن أبى سليم وعطاء بن السايب وزيد بن أبى زياد لما يشمل الكل من اسم العدالة
والصدق وأن تفاوتوا فى الحفظ والإتقان ولا فرق بين الطريقين غير أن مسلما شرط
الصحيح فتخرج من حديث الطبقة الثالثة وأبا داود لم يشرط فذكر ما يشتد وهنه عنده
والتزم البيان عنه قال وفى قول أبى داود أن بعضها أصح من بعض ما يشير إلى القدر
المشترك بينهما من الصحة وأن تفاوتت فيه لما يقتضيه صيغة أفعل فى الأكثر انتهى
كلام أبى الفتح والجواب عنه أن مسلما
شرط الصحيح بل الصحيح المجمع عليه فى كتابه فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه
بأنه حسن عنده لما عرف من قصور الحسن عن الصحيح وأبو داود قال إنما سكت عنه فهو
صالح والصالح يجوز أن يكون صحيحا ويجوز أن يكون حسنا عند من يرى الحسن رتبة متوسطة
بين الصحيح والضعيف ولم ينقل لنا عن
أبى داود هل يقول بذلك أو يرى ما ليس بضعيف صحيحا فكان الأولى بل الصواب أن لا
يرتفع بما سكت عنه إلى الصحة حتى يعلم أن رأيه هو الثانى ويحتاج الى نقل الأمر الثالث أن بعض من اختصر كتاب ابن
الصلاح يعقبه بتعقب آخر وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال إن الروايات لسنن أبى
داود كثيرة ويوجد فى بعضها ما ليس فى الأخرى ولأبى عبيد الآجرى عنه اسئله فى الجرح
والتعديل والتصحيح والتعليل كتاب مفيد ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها فى سننه فقول
ابن
55 الصلاح ما سكت عنه فهو حسن ما سكت عليه فى
سننه فقط أو مطلقا هذا مما ينبغى التنبيه عليه والتيقظ له أنتهى كلامه وهو كلام
عجيب وكيف يحسن هذا الاستفسار بعد قول
ابن الصلاح إن من مظان الحسن سنن أبى داود فكيف يحتمل حمل كلامه على الإطلاق فى السنن
وغيرها وكذلك لفظ أبى داود صريح فيه كأنه قال فى رسالته ذكرت فى كتابى هذا الصحيح
إلى آخر كلامه وأما قول ابن كثير من
ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها فى سننه إن أراد به أنه ضعف أحاديث ورجالا فى سؤالات
للآجرى وسكت عليها فى السنن فلا يلزم من ذكره لها فى السؤالات بضعف أن يكون الضعف
شديدا فانه يسكت فى سننه على الضعف الذى ليس بشديد كما ذكره هو نعم إن ذكر فى
السؤالات أحاديث أو رجالا بضعف شديد وسكت عليها فى السنن فهو وارد عليه ويحتاج
حينئذ إلى الجواب والله أعلم قوله الخامس
ما صار اليه صاحب المصابيح من تقسيم أحاديثه إلى نوعين الصحاح والحسان مريدا
بالصحاح ما ورد فى أحد الصحيحين أو فيهما وبالحسان ما أورده أبو داود والترمذى
وأشباههما فى تصانيفهم فهذا اصطلاح لا يعرف إلى آخر كلامه وأجاب بعضهم عن هذا
الايراد على البغوى بأن البغوى بين فى كتابه المصابيح عقب كل حديث كونه صحيحا أو
حسنا أو غريبا ولا يرد عليه ذلك قلت وما ذكره هذا المجيب عن البغوى من أنه يذكر
عقب كل حديث كونه صحيحا أو حسنا أو غريبا ليس كذلك فانه لا يبين الصحيح من الحسن
فيما أورده من السنن وإنما يسكت عليها وإنما يبين الغريب غالبا وقد يبين الضعيف
ولذلك قال فى خطبة كتابه وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه أنهى
56 فالإيرادات باق فى مزجه صحيح ما فى السنن
بما فيها من الحسن وكأنه سكت عن بيان ذلك لاشتراكهما فى الاحتجاج به والله
أعلم قوله السادس كتب المسانيد غير
ملتحقة بالكتب الخمسة التى هى الصحيحان وسنن أبى داود وسنن النسائى وجامع الترمذى
وما جرى مجرها فى الاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا كمسند أبى داود
الطيالسى ومسند عبيد الله ابن موسى ومسند أحمد بن حنبل ومسند إسحق بن راهويه ومسند
عبد بن حميد ومسند الدارمى ومسند ابى يعلى ومسند الحسن بن سفيان ومسند البزار أبى
بكر وأشباهها فهذه عادتهم فيها أن يخرجوا فى مسند كل صحابى ما رووه من حديثه غير
متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به فلذلك تأخرت مرتبها إلى آخر كلامه وفيه أمران
أحدهما أن عدة مسند الدارمى فى جملة هذه المسانيد مما أفرد فيه حديث كل صحابى وحده
وهم منه فانه مرتب الأبواب كالكتب الخمسة واشتهر تسميته بالمسند كما سمى البخارى
المسند الجامع الصحيح وان كان مرتبا على الأبواب لكون أحاديثه مسنده إلا أن مسند
الدارمى كثير الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة والمقطوعة والله أعلم الأمر الثانى أنه اعترض على المصنف بالنسبة
إلى صحة بعض هذه المسانيد بأن أحمد بن حنبل شرط فى مسنده أن لا يخرج إلا حديثا
صحيحا عنده قاله
57 أبو موسى المدينى وبأن إسحق بن راهويه يخرج
مثل ما ورد عن ذلك الصحابى ذكره عنه أبو زرعة الرازى وبأن مسند الدارمى أطلق عليه
اسم الصحيح غير واحد من الحفاظ وبأن مسند البزار بين فيه الصحيح وغيره انتهى ما
اعترض به عليه والجواب أنا لا نسلم أن
أحمد اشترط الصحة فى كتابه والذى رواه أبو موسى المدينى بسنده إليه أنه سئل عن
حديث فقال انظروه فإن كان فى المسند وإلا فليس بحجة وهذا ليس صريحا فى أن جميع ما
فيه حجة بل فيه أن ما ليس فى كتابة ليس بحجة على أن ثم أحاديث صحيحة مخرجة فى
الصحيح وليست فى مسند أحمد منها حديث عائشة فى قصة أم زرع وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق بل فيه
أحاديث موضوعة وقد جمعتها فى جزء وقد ضعف الإمام احمد نفسه أحاديث فيه فمن ذلك
حديث عائشة مرفوعا رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا وفى إسناده عمارة وهو ابن زاذان قال الإمام
أحمد هذا الحديث كذب منكر قال وعمارة يروى أحاديث مناكير وقد أورد ابن الجوزى هذا
الحديث فى الموضوعات وحكى كلام الإمام أحمد المذكور وذكر ابن الجوزى أيضا فى
الموضوعات مما فى المسند حديث عمر ليكونن فى هذه الأمة رجل يقال له الوليد وحديث
أنس ما من معمر يعمر فى الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء
والجنون والجذام والبرص وحديث أنس
عسقلان أحد العروسين بيعت منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم وحديث ابن عمر من احتكر الطعام أربعين ليلة
فقد برأ من الله الحديث وفى الحكم بوضعه نظر وقد صححه الحاكم ومما فيه أيضا من المناكير حديث بريدة
كونوا فى بعث خراسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين ولعبد الله بن أحمد فى المسند أيضا زيادات
فيها الضعيف والموضوع فمن الموضوع
58 حديث سعد بن مالك وحديث ابن عمر أيضا فى سد
الأبواب إلا باب على ذكرهما ابن الجوزى فى الموضوعات أيضا وقال إنهما من وضع
الرافضة وأما مسند إسحق بن راهويه
ففيه الضعيف ولا يلزم من كونه يخرج أمثل ما يجد الصحابى أن يكون جميع ما خرجه
صحيحا بل هو أمثل بالنسبة لما تركه
ومما فيه من الضعيف حديث سليمان بن نافع العبدى عن أبيه قال وفد المنذر بن
ساوى من البحرين حتى أتى مدينة النبى صلى
الله عليه وسلم ومعه أناس وأنا غليم أمسك
جمالهم فسلموا على النبى صلى الله عليه
وسلم ووضع المنذر سلاحه ولبس ثيابا ومسح
لحيته بدهن وأنا مع الجمال أنظر إلى نبى الله
صلى الله عليه وسلم فكأني أنظر إلى
النبي صلى الله عليه وسلم كما أنظر إليك
قال ومات أبى وهو ابن عشرين ومائة قال صاحب الميزان سليمان غير معروف وهو يقتضى أن
نافعا عاش إلى دولة هشام انتهى والمعروف
أن آخر الصحابة موتا أبو الطفيل كما قاله مسلم وغيره والله أعلم وأما مسند الدارمى فلا يخفى ما فيه من
الضعيف لحال رواته أو لإرساله وذلك كثير فيه كما تقدم وأما مسند البزار فإنه مجملا يبين الصحيح
من الضعيف إلا قليلا إلا أنه يتكلم فى تفرد بعض رواة الحديث به ومتابعة غيره عليه
والله أعلم قوله الثامن فى قول الترمذى
وغيره هذا حديث حسن صحيح إشكال لأن الحسن قاصر عن الصحيح كما سبق إيضاحه ففى الجمع
بينهما فى ذلك حديث واحد جمع
59 بين نفى ذلك القصور وإثباته قال وجوابه أن
ذلك راجع إلى الإسناد فاذا روى الحديث الواحد باسنادين أحدهما إسناد حسن والآخر
باسناد صحيح استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن صحيح أى أنه حسن بالنسبة إلى إسناد
صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد
بالحسن معناه اللغوى وهو ما تميل اليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحى
الذى نحن بصدده فاعلم ذلك انتهى كلامه
وقد تعقبه الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد فى الاقتراح بأن الجواب الأول ترد
عليه الأحاديث التى قيل فيها حسن صحيح مع أنه ليس له إلا مخرج واحد قال وفى كلام الترمذى
فى مواضع يقول هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى وقد أجاب بعض المتأخرين عن ابن الصلاح بأن
الترمذى حيث قال هذا يريد به تفرد أحد الرواة به عن الآخر لا التفرد المطلق قال
ويوضح ذلك ما ذكره فى الفتن من حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبى هريرة يرفعه
من أشار إلى أخيه بحديدة الحديث قال فيه هكذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه
فاستغربه من حديث خالد لا مطلقا أنتهى
وهذا الجواب لا يمشى فى المواضع التى يقول فيها لا نعرفه إلا من هذا الوجه
كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقى نصف من شعبان فلا يصوموا
60 قال أبو عيسى حديث أبى هريرة حديث حسن
صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ ورد ابن دقيق العيد الجواب الثانى
بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن وذلك لا
يقوله أحد من المحدثين إذا أجروا على اصطلاحهم انتهى قلت قد أطلقوا على الحديث الضعيف بأنه حسن
وأرادوا حسن اللفظ لا المعنى الاصطلاحى فروى ابن عبد البر فى كتاب بيان آداب العلم
حديث معاذ بن جبل مرفوعا تعلموا العلم فإن تعلمه ذلك لله خشية وطلبه عبادة
ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه
معالم الحلال والحرام ومنار سبيل أهل الجنة وهو الأنس فى الوحشة والصاحب فى الغربة
والمحدث فى الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند
الأخلاء يرفع الله تعالى به أقواما فيجعلهم فى الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم
ويقتدى بفعالهم وينتهى إلى رأيهم ترغب الملائكة فى خلتهم وبأجنحتها تمسحهم يستغفر
لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب
من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات
العلى فى الدنيا والآخرة التفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام به توصل
الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام هو إمام العمل والعمل تابعه يلهمه السعداء أو
يحرمه الأشقياء قال ابن عبد البر وهو
حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد قوى انتهى كلامه فأراد بالحسن حسن اللفظ قطعا فانه من رواية
موسى بن محمد البلقاوى عن عبد الرحيم ابن زيد العمى والبلقاوى هذا كذاب كذبه أبو
زرعة وأبو حاتم ونسبه ابن حبان والعقيلى إلى وضع الحديث والظاهر أن هذا الحديث مما
صنعت يداه وعبد الرحيم بن زيد العمى متروك الحديث أيضا
61 روينا عن أمية بن خالد قال قالت لشعبة تحدث عن
محمد بن عبيد الله العرزمى وتدع عبد الملك بن أبى سليمان وقد كان حسن الحديث قال
من حسنها فررت ولما ضعف ابن دقيق العيد ما أجاب به ابن الصلاح عن الاستشكال
المذكور أجاب عنه بما حاصله أن الحسن لا يشترط فيه قيد القصور عن الصحيح وإنما
يجيئه القصور حيث أنفرد الحسن وأما إذا ارتفع إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة
تبعا للصحة لأن وجود الدرجة العليا وهى الحفظ والإتقان لا ينافى وجود الدنيا
كالصدق فيصح أن يقال حسن باعتبار الصفة الدنيا صحيح باعتبار الصفة العليا قال
ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنا ويؤيده قولهم حسن فى الأحاديث الصحيحة وهذا
موجود فى كلام المتقدمين أنتهى وقد
سبقه إلى نحو ذلك الحافظ أبو عبد الله المواق فقال فى كتابه بغية النقاد لم يخص
الترمذى الحسن بصفة تميزه عن الصحيح فلا يكون صحيحا إلا وهو غير شاذ ولا يكون
صحيحا حتى تكون رواته غير متهمين بل ثقات قال فظهر من هذا أن الحسن عند أبى عيسى
صفة لا تخص هذا القسم بل قد يشركه فيها الصحيح قال كل صحيح عنده حسن وليس كل حسن
صحيحا انتهى كلامه وقد اعترض على ابن
المواق فى هذا الحافظ أبو الفتح اليعمرى فقال فى شرح الترمذى بقى عليه أنه اشترط
فى الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط ذلك فى الصحيح انتهى هكذا اعترض أبو الفتح على ابن المواق بهذا
فى مقدمة شرح الترمذى ثم إنه خالف ذلك فى أثناء الشرح عند حديث عائشة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك فان الترمذى قال عقبه هذا حديث حسن غريب لا
نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبى بردة ولا نعرف فى هذا الباب إلا حديث
عائشة فأجاب أبو الفتح عن هذا الحديث بأن الذى يحتاج إلى مجيئه من غير وجه ما كان
راويه فى درجة المستور ومن لم تثبت عدالته قال وأكثر ما فى الباب أن الترمذى عرف
بنوع منه لا بكل أنواعه وأجاب بعض
المتأخرين وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فى مختصره لعلوم الحديث عن أصل الاستشكال
بما حاصله أن الجمع فى حديث واحد بين الصحة والحسن درجة
62 متوسطة بين الصحيح والحسن فقال والذى يظهر
أنه يشرب الحكم بالصحة على الحديث بالحسن كما يشرب الحسن بالصحة قال فعلى هذا يكون
ما يقول فيه حسن صحيح أعلا رتبة عنده من الحسن ودون الصحيح ويكون حكمه على الحديث
بالصحة المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحسن انتهى وهذا الذى ظهر له تحكم لا دليل عليه وهو
بعيد من فهم معنى كلام الترمذى والله أعلم
قوله وذكر الحافظ أبو طاهر السلفى الكتب الخمسة وقال اتفق على صحتها علماء
المشرق والمغرب وهذا تساهل إلى آخر كلامه وإنما قال السلفى بصحة أصولها كذا ذكره
فى مقدمة الخطابى فقال وكتاب أبى داود فهو أحد الكتب الخمسة التى اتفق أهل الحل
والعقد من الفقهاء وحفاظ الحديث الاعلام النبهاء على قبولها والحكم بصحة أصولها
انتهى ولا يلزم من كون الشئ له أصل
صحيح أن يكون هو صحيحا فقد ذكر ابن الصلاح عند ذكر التعليق أن ما لم يكن فى لفظه
جزم مثل روى فليس فى شئ منه حكم منه بصحة ذلك من ذكره عنه قال ومع ذلك فإيراده له
فى أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله انتهى
فلم يحكم فى هذا بصحة مع كونه له أصل صحيح والله أعلم
63 النوع الثالث معرفة الضعيف
قوله كل حديث لم تجتمع
فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن فهو حديث ضعيف ثم قال وسبيل من أراد
البسط أن يعمد إلى صفة معينة منها فيجعل ما عدمت فيه من غير أن يخلفها جابر على
حسب ما تقرر فى نوع الحسن قسما واحدا ثم قال ثم ما عدم فيه جميع الصفات هو القسم
الآخر الأرذل انتهى كلامه فقوله ثم ما
عدم فيه جميع الصفات أى صفات ما يحتج به وهو الصحيح والحسن وهى ستة اتصال السند أو
جبر المرسل بما يؤكده وعدالة الرجال والسلامة من كثرة الخطأ والغفلة ومجئ الحديث
من وجه آخر حيث كان فى الإسناد مستور ليس منهما كثير الغلط والسلامة من الشذوذ
والسلامة من العلة فجعل المصنف ما عدم فيه هذه الصفات هو القسم الأرذل وخالف ذلك
فى النوع الحادى والعشرين فقال اعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة وما
ذكره هناك هو الصواب أن شر أقسام الضعيف الموضوع لأنه كذب بخلاف ما عدم فيه الصفات
المذكورة فإنه لا يلزم من فقدها كونه كذبا والله أعلم والآخر فى كلام المصنف بقصر الهمز على وزن
الفخذ وهو بمعنى الأرذل
64 النوع الرابع معرفة المسند
قوله ذكر أبو بكر
الخطيب رحمه الله أن المسند عند أهل الحديث هو الذى اتصل إسناده من راويه إلى
منتهاه وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما جاء عن الصحابة
وغيرهم انتهى وقد اعترض عليه بأنه ليس
فى كلام الخطيب دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم لا فى الكفاية ولا فى الجامع والجواب
أنه ليس فى كلام ابن الصلاح التصريح بنقله عنه وإنما حكى كلام الخطيب ثم قال وأكثر
ما يستعمل ذلك إلى آخر كلامه والله أعلم
66 النوع الثامن
قوله قول الصحابى كنا
نفعل كذا أو نقول كذا إن لم يضفه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل الموقوف انتهى
هكذا جزم به المصنف أنه إن لم يضفه إلى زمنه يكون موقوفا وتبع المصنف فى ذلك
الخطيب فإنه كذلك جزم به فى الكفاية
67 والخلاف فى المسألة مشهور واختلف كلام الأئمة
أيضا فى الصحيح وقد حكى النووى الخلاف فى مقدمة شرح مسلم وحكى ما جزم به المصنف عن
الجمهور من المحدثين وأصحاب الفقه والأصول وقد أطلق الحاكم فى علوم الحديث الحكم
برفعه ولم يقيده بإضافته إلى زمنه وكذا أطلق الإمام فخر الدين الرازى فى المحصول
والسيف الآمدى فى الأحكام وقال أبو نصر الصباغ فى كتاب العدة إنه الظاهر ومثله
بقول عائشة رضى الله عنها كانت اليد لا تقطع فى الشئ التافه وحكاه النووى فى شرح
المهذب عن كثير من الفقهاء قال وهو قوى من حيث المعنى قوله وإذا قال الراوى عن التابعى رفع
الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل انتهى ذكر الشيخ فيما يتعلق بالصحابى أربع مسائل
الأولى كنا نفعل كذا أو كانوا يفعلون كذا ونحوهما والثانية أمرنا بكذا ونحوه
والثالثة من السنة كذا والرابعة برفعه
ويبلغ به ونحوهما ثم ذكر فيما يتعلق بالتابعى المسألة الرابعة فقط وسكت عن الحكم
فى الثلث الأول إذا قالها التابعى فأحببت ذكر الحكم فيها فأما المسألة الأولى فإذا
قال التابعى كنا نفعل فليس بمرفوع قطعا وهل هو موقوف لا يخلو إما أن يضيفه إلى زمن
الصحابة أم لا فيحتمل فإن لم يضفه إلى زمنهم فليس بموقوف أيضا بل هو مقطوع وإن
أضافه إلى زمنهم فيحتمل أن يقال إنه موقوف لأن الظاهر اطلاعهم على ذلك وتقريرهم
ويحتمل أن يقال ليس بموقوف أيضا لأن تقرير الصحابى قد لا ينسب إليه بخلاف تقرير
النبى صلى الله عليه وسلم فإنه أحد وجوه
السنن وأما اذا قال التابعى كانوا يفعلون كذا فقال النووى فى شرح مسلم إنه لا يدل
على فعل جميع الأمة بل على البعض فلا حجة فيه إلا أن يصرح بنقله عن أهل الإجماع
فيكون نقلا للاجماع وفى ثبوته بخبر الواحد خلاف وأما المسألة الثانية فإذا قال التابعى
أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا فجزم أبو نصر
68 ابن الصباغ فى كتاب العدة فى أصول الفقه أنه
مرسل وذكر الغزالى فى المستصفى فيه احتمالين من غير ترجيح هل يكون موقوفا أو
مرفوعا مرسلا وحكى ابن الصباغ فى
العدة وجهين فيما إذا قال ذلك سعيد بن المسيب هل يكون حجة أم لا وأما المسألة الثالثة فإذا قال التابعى من السنة كذا كقول عبيد
الله بن عبد الله بن عتبة السنة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على
المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات رواه البيهقى فى سننه فهل هو مرسل مرفوع أو موقوف
متصل فيه وجهان لأصحاب الشافعى حكاهما النووى فى شرح مسلم وشرح المهذب وشرح الوسيط
قال والصحيح أنه موقوف انتهى وحكى
الداودى فى شرح مختصر المزنى أن الشافعى رضى الله عنه كان يرى فى القديم أن ذلك
مرفوع اذا صدر من الصحابى أو التابعى ثم رجع عنه لأنهم قد يطلقونه ويريدون سنة
البلد انتهى وما حكاه الداودى من رجوع
الشافعى عن ذلك فيما إذا قاله الصحابى لم يوافق عليه فقد احتج به فى مواضع من
الجديد فيمكن أن يحمل قوله ثم رجع عنه أى عما إذا قاله التابعى والله أعلم
70 النوع التاسع المرسل
قوله وصورته التى لا
خلاف فيها حديث التابعى الكبير الذى لقى جماعة من
71 الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدى بن الخيار
إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن عبيد الله ابن عدى ذكر فى جملة الصحابة وهذا
الاعتراض ليس بصحيح لأنهم إنما ذكروه جريا على قاعدتهم فى ذكر من عاصره لأن عبيد
الله ولد فى حياته صلى الله عليه
وسلم ولم ينقل أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم كما ذكروا قيس بن أبى حازم وأمثاله ممن لم ير
النبى صلى الله عليه وسلم لكونهم عاصروه على القول الضعيف فى حد الصحابى
وإنما روى عبيد الله بن عدى عن الصحابة عمر وعثمان وعلى فى آخرين ولم يسمع من أبى
بكر فضلا عن النبى صلى الله عليه
وسلم قوله إذا انقطع الإسناد قبل
الوصول إلى التابعى فكان فيه رواية راو لم يسمع من المذكور فوقه فالذى قطع به
الحاكم الحافظ أبو عبد الله وغيره من أهل الحديث أن ذلك لا يسمى مرسلا إلى آخر
كلامه فقوله قبل الوصول إلى التابعى ليس بجيد بل الصواب قبل الوصول إلى الصحابى
فانه لو سقط التابعى أيضا كان منقطعا لا مرسلا عند هؤلاء ولكن هكذا وقع فى عبارة
الحاكم فتبعه المصنف والله أعلم
72 قوله الثانية قول الزهرى وأبى حازم ويحيى
بن سعيد الأنصارى وأشباههم من أصاغر التابعين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى ابن عبد البر أن قوما
لا يسمونه مرسلا بل منقطعا لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين وأكثر
روايتهم عن التابعين انتهى وما ذكر فى
حق من سمى من صغار التابعين أنهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين ليس
بصحيح بالنسبة إلى الزهرى فقد لقى من الصحابة ثلاثة عشر فأكثر وهم عبد الله بن عمر
وسهل بن سعد وأنس بن مالك وعبد الله بن جعفر وربيعة ابن عباد بكسر العين وتخفيف
الموحدة وسنين أبو جميلة والسايب بن يزيد وأبو الطفيل عامر بن وائلة والمسور بن
مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر وعبد الله ابن عامر بن ربيعة ومحمود بن الربيع وسمع
منهم كلهم إلا عبد الله بن جعفر فرآه رؤية وإلا عبد الله بن عمر فقد قال أحمد بن
حنبل ويحيى بن معين إنه لم يسمع منه وقال على ابن المدينى إنه سمع منه وقال ابن
حزم إنه لم يسمع أيضا من عبد الرحمن بان أزهر ثم حكى عن أحمد بن صالح المصرى أنه
قال لم يسمع منه فيما أرى ولم يدركه
قلت وكذا قال أحمد بن حنبل ما أراه سمع منه قال ومعمر وأسامة يقولان عنه
أنه سمع منه ولم يصنعا عندى شيئا وقيل إنه سمع أيضا من جابر بن عبد الله وسمع من
جماعة آخرين مختلف فى صحبتهم منهم محمود بن لبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل
وثعلبة بن أبى مالك القرظى وأبو أمامة بن سهل بن حنيف فهؤلاء سبعة عشر ما بين
صحابى ومختلف فى صحبته وقد تنبه المصنف لهذا الاعتراض فأملى حاشية على هذا المكان
من كتابه فقال قوله الواحد والاثنين كالمثال وإلا فالزهرى قد قيل إنه رأى عشرة من
الصحابة وسمع منهم أنا وسهل بن سعد والسايب بن يزيد ومحمود بن الربيع وسنينا أبا
جميلة وغيرهم وهو مع ذلك أكثر روايته عن التابعين والله أعلم
73 قوله الثالثة إذا قيل فى الاسناد فلان عن
رجل أو عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك فالذى ذكره الحاكم فى معرفة علوم الحديث أنه لا
يسمى مرسلا بل منقطعا وهو فى بعض المصنفات المعتبرة فى أصول الفقه معدود فى أنواع
المرسل انتهى اقتصر المصنف من الخلاف
على هذين القولين وكل من القولين خلاف ما عليه الأكثرون فإن الأكثرين ذهبوا إلى أن
هذا متصل فى إسناده مجهول وقد حكاه عن
74 الأكثرين الحافظ رشيد الدين العطار فى الغرر
المجموعة واختاره شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائى فى كتاب جامع التحصيل وما ذكره المصنف عن بعض المصنفات المعتبرة
ولم يسمعه فالظاهر أنه أراد به البرهان لإمام الحرمين فإنه قال فيه وقول الراوى
اخبرنى رجل أو عدل موثوق به من المرسل أيضا وزاد الإمام فخر الدين فى المحصول على
هذا فقال إن الراوى إذا سمى الأصل باسم لا يعرف به فهو كالمرسل وما ذكره المصنف عن بعض كتب الأصول قد فعله
أبو داود فى كتاب المراسيل فيروى فى بعضها ما أبهم فيه الرجل ويجعله مرسلا بل زاد
البيهقى على هذا فى سننه فجعل ما رواه التابعى عن رجل من الصحابة لم يسم مرسلا
وهذا ليس منه بجيد اللهم إلا إن كان يسميه مرسلا ويجعله حجة كمراسيل الصحابة فهو
قريب وقد روى البخارى عن الحميدى قال
إذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من أصحاب النبى
صلى الله عليه وسلم فهو حجة وإن لم
يسم ذلك الرجل وقال الأثرم قلت لأبى عبد الله يعنى أحمد بن حنبل إذا قال رجل من
التابعين حدثنى رجل من اصحاب النبى صلى
الله عليه وسلم ولم يسمه فالحديث صحيح قال
نعم وقد ذكر المصنف فى آخر هذا النوع التاسع أن الجهالة بالصحابى غير قادحة لأنهم
كلهم عدول وحكاه الحافظ أبو محمد عبد
الكريم الحلبى فى كتاب القدح المعلى عن اكثر العلماء نعم فرق أبو بكر الصيرفى من
الشافعية فى كتاب الدلائل بين أن يرويه التابعى عن الصحابى معنعنا أو مع التصريح
بالسماع فقال وإذا قال فى الحديث بعض التابعين عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم لا يقبل لأنى لا أعلم سمع التابعى من ذلك الرجل
إذ قد يحدث التابعى عن رجل وعن رجلين عن الصحابى ولا أدرى هل أمكن لقاء ذلك الرجل
أم لا فلو علمت إمكانه منه لجعلته كمدرك العصر قال وإذا قال سمعت رجلا من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل لأن
الكل عدول انتهى كلام الصيرفى وهو حسن متجه وكلام من أطلق قبوله محمول على هذا
التفصيل والله أعلم
75 قوله وفى صدر صحيح مسلم المرسل فى أصل
قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة انتهى ومسلم رحمه الله إنما قال ذلك حاكيا على
لسان خصمه الذى نازعه فى اشتراط اللقى فى الإسناد المعنعن فقال فان قال قلته لأنى
وجدت رواة الأخبار قديما وحديثا يروى أحدهم عن الآخر الحديث ولما يعاينه ولا سمع
منه شيئا قط فلما رأيتهم استجادوا رواية الحديث بينهم هكذا على الإرسال من غير
سماع والمرسل من الروايات فى أصل قولنا وقول اهل العلم بالأخبار ليس بحجة احتجت
لما وصفت من العلة إلى البحث عن سماع راوى كل خبر عن راويه إلى آخر كلامه فهذا كما
تراه حكاه على لسان خصمه ولكنه لما لم يرد هذا القدر منه حين رد كلامه كان كأنه
قائل به فلهذا عزاه المصنف إلى كتاب مسلم والله أعلم قوله ثم إنا لم نعد فى أنواع المرسل ونحوه
ما يسمى فى أصول الفقه مرسل الصحابى مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من احداث الصحابة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك
فى حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابى غير قادحة لأن
الصحابة كلهم عدول انتهى وفيه أمران
أحدهما أن قوله لأن روايتهم عن الصحابة ليس بجيد بل الصواب أن يقال لأن اكثر
رواياتهم عن الصحابة إذ قد سمع جماعة من الصحابة من بعض التابعين وسيأتى
76 فى كلام المصنف فى النوع الحادى والأربعين أن
ابن عباس وبقية العبادلة رووا عن كعب الأحبار وهو من التابعين وروى كعب أيضا عن
التابعين وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره فى رواية الصحابة عن التابعين
فبلغوا جمعا كثيرا إلا أن الجواب عن ذلك أن رواية الصحابة عن التابعين غالبها ليست
أحاديث مرفوعة وإنما هى من الإسرائيليات أو حكايات أو موقوفات وبلغنى أن بعض أهل
العلم أنكر أن يكون قد وجد شي من رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة عن النبى صلى الله عليه وسلم فرأيت أن أذكر هنا ما وقع لى من ذلك للفائدة
فمن ذلك حديث سهل بن سعد عن مروان ابن الحكم عن زيد بن ثابت أن النبى
صلى الله عليه وسلم أملى عليه لا
يستوى القاعدون من المؤمنين فجاء ابن أم مكتوم
الحديث رواه البخارى والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح وحديث السائب بن يزيد عن عبد الرحمن بن عبد
القارى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن النبى
صلى الله عليه وسلم قال من نام عن حزبه أو عن شي منه فقرأه ما بين
صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة وحديث جابر
بن عبد الله عن أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق عن عائشة رضى الله عنهم أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع ثم يكسل هل عليهما من غسل
وعائشة جالسة فقال إنى لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل أخرجه مسلم وحديث عمرو بن الحرث المصطلقى عن ابن أخى
زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت خطبنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال
77 يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فإنكن
أكثر أهل جهنم يوم القيامة رواه
الترمذى والنسائى والحديث متفق عليه من غير ذكر ابن أخى زينب جعلاه من رواية عمر
بن الحارث عن زينب نفسها والله أعلم
وحديث يعلى بن أمية عن عبسة بن إبى سفيان عن أخته أم حبيبة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال
من صلى ثنتى عشرة ركعة بالنهار أو بالليل بنى له بيت فى الجنة رواه النسائى وحديث عبد الله بن عمر عن عبد الله بن محمد
بن أبى بكر الصديق عن عائشة قالت قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ألم تر أن
قومك حين بنوا الكعبة قصروا عن قواعد إبراهيم
الحديث رواه الخطيب فى كتاب رواية الصحابة عن التابعين بإسناد صحيح والحديث
متفق عليه من طريق مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن
أبى بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة بذلك فجعله من رواية سالم عن عبد الله بن
محمد وهذا يشهد لصحة طريق الخطيب أن ابن عمر سمعه من عبد الله ابن محمد عن عائشة
والله أعلم وحديث ابن عمر عن صفية بنت
أبى عبيد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء فى الخفين عند الإحرام رواه الخطيب فى الكتاب المذكور والحديث عند
أبى داود من طريق ابن إسحق قال ذكرت لابن شهاب فقال حدثنى سالم أن عبد الله كان
يصنع ذلك يعنى قطع الخفين للمرأة المحرمه ثم حدثته صفية بنت أبى عبيد أن عائشة
حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد كان رخص للنساء فى الخفين فترك
ذلك وحديث جابر بن عبد الله عن أبى عمرو مولى عائشة واسمه ذكوان عن عائشة ان أن النبى
صلى الله عليه وسلم كان يكون جنبا
فيريد الرقاد فيتوضأ وضوءه للصلاة ثم يرقد
رواه أحمد فى مسنده وفى إسناده ابن لهيعة وحديث ابن عباس قال أتى على زمان وانا اقول
أولاد المسلمين مع المسلمين وأولاد المشركين مع المشركين حتى حدثنى فلان عن فلان
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم
78 فقال الله أعلم بما كانوا عاملين قال فلقيت
الرجل فأخبرنى فأمسكت عن قولى رواه أحمد فى مسنده وأبو داود الطيالسى أيضا فى
مسنده وإسناده صحيح وبين روايه عن
الطيالسى وهو يونس بن حبيب أن الصحابى المذكور فى هذا الحديث هو أبى بن كعب وكذا
قال الخطيب وترجم له فى رواية الصحابة عن التابعين عبد الله بن عباس عن صاحب لأبى
بن كعب وحديث ابن عمر عن أسماء بنت
زيد بن الخطاب عن عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر فلما
شق ذلك عليهم أمر بالسواك لكل صلاة
رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله
بن عبد الله بن عمر قال قلت أرايت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر عم ذاك
فقال حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر حدثها فذكره
وفى رواية علقها أبو داود وأسندها الخطيب إلى عبيد الله بن عبد الله بن عمر كذا
أورده الخطيب فى رواية عبد الله بن عمر عن أسماء والظاهر أنه من رواية ابنه عبيد الله بن
عبيد الله بن عمر عن أسماء وإن كانت حدثت أبن عمر نفسه وكذا جعل المزنى فى تهذيب
الكمال الراوى عنها عبد الله بن عبد الله بن عمر وحديث عمر عن أسماء بنت زيد بن
الخطاب عن عبد الله بن حنظلة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لولا أن
أشق على أمتى لأمرنهم بالسواك عند كل صلاة
رواة الخطيب فيه
79 وحديث سليمان بن صرد عن نافع بن جبير بن
مطعم عن أبيه قال تذاكروا غسل الجنابة عند النبى
صلى الله عليه وسلم فقال أما أنا
فأفيض على رأسى ثلاثا الحديث رواه الخطيب وهو متفق عليه من رواية سليمان عن جبير ليس فيه نافع وحديث أبى الطفيل عن بكر بن قرواش عن سعد
بن أبى وقاص قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم شيطان الردهة يحذره رحل من
بجيلة الحديث رواه أبو يعلى الموصلى فى
مسنده قال صاحب الميزان بكر بن قرواش لا يعرف والحديث منكر وحديث أبى هريرة عن أم
عبد الله أبى أبى ذئاب عن أم سلمة سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول ما ابتلى الله عبدا ببلاء وهو على طريقة
يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء له كفارة
رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب المرض والكفارات ومن طريقه الخطيب وحديث ابن عمر عن صفية بنت أبى عبيد عن
حفصة عن النبى صلى الله عليه وسلم من لم يجمع الصوم قبل الصبح فلا صوم له وحديث ابن عمر عن صفية عن حفصة عن النبي
صلى الله عليه وسلم لا يحرم من الرضاع إلا عشر رضعات فصاعدا رواهما الخطيب وفى إسنادهما محمد بن عمر الواقدى وحديث أنس عن وقاص بن ربيعة عن أبى ذر قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل ابن آدم إنك إن دنوت منى شبرا دنوت منك
ذراعا الحديث وحديث أبى الطفيل عن عبد الملك بن أخى أبى
ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنى أنهم لن تسلطوا على قتلى ولن يفتنونى عن
دينى الحديث وحديث أبى أمامة عن عبسة بن أبى سفيان عن
أم حبيبة سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما من رجل مسلم يحافظ على أربع
ركعات قبل الظهر وأربع بعد الظهر فتمسه النار وحديث أبى الطفيل عن حلام بن جزل عن أبى
ذر مرفوعا الناس ثلاث طبقات الحديث روى هذه الأحاديث أيضا الخطيب بأسانيد ضعيفة
فهذه عشرون حديثا من رواية الصحابة مرفوعة عن التابعين عن الصحابة مرفوعة ذكرتها
للفائدة والله أعلم الأمر الثانى أنه
اعترض على المصنف فى قوله ما يسمى فى أصول الفقه بأن المحدثين أيضا يذكرون مراسيل
الصحابة فما وجه تخصيصه بأصول الفقه والجواب أن
80 المحدثين وإن ذكروا مراسيل الصحابة فإنهم لم
يختلفوا فى الاحتجاج بها وأما الأصوليون فقد اختلفوا فيها فذهب الأستاذ أبو إسحق
الاسفراينى إلى أنه لا يحتج بها وخالفه عامة أهل الأصول فجزموا بالاحتجاج بها وفى
بعض شروح المنار فى الأصول الحنفية دعوى الاتفاق على الاحتجاج بها ونقل الاتفاق
مردود بقول الأستاذ أبى اسحق والله أعلم
81 النوع الحادى عشر معرفة المعضل
وقوله وهو عبارة عن ما
سقط من إسناده اثنان فصاعدا انتهى
أطلق المصنف اسم المعضل
على ما سقط منه اثنان فصاعدا ولم يفرق بين أن يسقط ذلك من موضع واحد أو من موضعين
وليس المراد بذلك إلا سقوطهما من موضع واحد فأما اذا سقط راو من مكان ثم راو من موضع
آخر فهو منقطع فى موضعين وليس معضلا فى الاصطلاح وهذا مراد المصنف ويوضح مراده
المثال الذى مثل به بعد وهو قوله ومثاله ما يرويه تابع التابعى قائلا فيه قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم الى آخر كلامه قوله وأصحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل
بفتح الضاد وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أى
مستغلق شديد ولا التفات فى ذلك الى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل فى المثنى
انتهى
82 وأراد المصنف بذلك تخريج قول أهل الحديث
معضل بفتح الضاد على مقتضى اللثة فقال إنه وجد له قولهم أمر عضيل ثم زاده المصنف
إيضاحا فيما أملاه حين قراءة الكتاب عليه فقال إن فعيل يدل على الثلاثى قال فعلى
هذا يكون لنا عضل قاصرا واعضل متعديا وقاصرا كما قالوا ظلم الليل وأظلم الليل
وأظلم الليل انتهى وقد اعترض عليه بأن
فعيلا لا يكون من الثلاثى القاصر والجواب أنه إنما يكون من الثلاثى القاصر إذا كان
فعيل بمعنى مفعول فأما اذا كان بمعنى فاعل فيجئ من الثلاثى القاصر كقولك حريص من
حرص وإنما أراد المصنف بقولهم عضيل أنه بمعنى فاعل من عضل الأمر عاضل وعضيل والله
أعلم وقرأت بخط الحافظ شرف الدين
الحسن بن على بن الصيرفى على نسخة من كتاب ابن الصلاح فى هذا الموضع دلنا قولهم
عضيل على أن ماضيه عضل فيكون أعضله منه لا من أعضل هو وقد جاء ظلم الليل وأظلم
وأظلمه الله وغطش وأغطش وأغطشه الله تعالى والله أعلم قوله وذكر أبو نصر السجزى الحافظ قول الراوى
بلغنى نحو قول مالك بلغنى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمملوك طعامه وكسوته الحديث وقال أصحاب الحديث يسمونه المعضل
أنتهى وقد استشكل كون هذا الحديث معضلا الجواز أن يكون الساقط بين مالك وبين أبى
هريرة واحدا فقد سمع مالك من جماعة من أصحاب أبى هريرة كسعيد المقبرى ونعيم المجمر
ومحمد بن المنكدر فلم جعله معضلا والجواب أن مالكا قد وصل هذا الحديث خارج الموطأ
فرواه عن محمد
83 ابن عجلان عن أبيه عن أبى هريرة فقد عرفنا
سقوط اثنين منه فلذلك سموه معضلا والله أعلم
قوله عند ذكر الاسناد المعنعن والصحيح الذى عليه العمل أنه من قبيل الاسناد
المتصل ثم قال وكاد أبو عمر بن عبد البر الحافظ يدعى إجماع أئمه الحديث على ذلك
إلى آخر كلامه ولا حاجة إلى قوله كاد فقد ادعاه فقال فى مقدمة التمهيد إعلم وفقك
الله أنى تأملت أقاويل أئمة الحديث ونظرت فى كتب من اشترط الصحيح فى النقل منهم
84 ومن لم يشترطه فوجدتهم أجمعوا على قبول
الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم فى ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة وهى عدالة المحدثين
ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة وأن يكونوا برآء من التدليس ثم قال وهو قول مالك
وعامة أهل العلم قوله اختلفوا فى قول
الراوى أن فلانا قال كذا وكذا هل هو بمنزلة عن فى الحمل على الاتصال إذا ثبت
التلاقى بينهما حتى يتبين فيه الانقطاع مثاله مالك عن الزهرى أن سعيد بن المسيب
قال كذا فروينا عن مالك رضى الله عنه أنه كان يروى عن فلان وأن فلانا سواء
85 وعن أحمد بن حنبل رضى الله عنه أنهما
ليسا سواء وحكى ابن عبد البر عن جمهور
أهل العلم أن عن وأن سواء ثم قال وحكى بن عبد البر عن أبى بكر البرديجى أن حرف أن
محمول على الانقطاع حتى يتبين السماع فى ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى ثم قال ابن
الصلاح ووجدت مثل ما حكاه عن البرديجى أبى بكر الحافظ للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة
فى مسنده الفحل فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن ابن الحنفية عن عمار للحافظ قال
أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فسلمت عليه فرد على السلام وجعله
مسندا موصولا وذكر رواية قيس بن سعد كذلك عن عطاء ابن أبى رباح عن ابن الحنفية أن
عمارا مر بالنبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فجعله مرسلا من حيث كونه قال إن عمارا
فعل ولم يقل عن عمار والله أعلم انتهى
وما حكاه المصنف عن أحمد بن حنبل وعن يعقوب بن شيبة من تفرقتهما بين عن وأن
ليس الأمر فيه على ما فهمه من كلامهما ولم يفرق أحمد ويعقوب بين عن وأن لصيغة أن
ولكن لمعنى آخر أذكره وهو أن يعقوب إنما جعله مرسلا من حيث أن ابن الحنفية لم يسند
حكاية القصة إلى عمار وإلا فلو قال ابن الحنفية إن عمارا قال مررت بالنبى صلى الله عليه وسلم لما جعله يعقوب ابن شيبة مرسلا فلما أتى به
بلفظ أن عمارا مر كان محمد بن الحنفية هو الحاكى لقصة لم يدركها لأنه لم يدرك مرور
عمار بالنبى صلى الله عليه وسلم فكان نقله لذلك مرسلا وهذا أمر واضح ولا فرق
بين أن يقول ابن الحنفية إن عمارا مر بالنبى
صلى الله عليه وسلم أو أن
النبى صلى الله عليه وسلم مر به عمار
فكلاهما مرسل بالاتفاق بخلاف ما إذا قال عن عمار قال مررت أو ان عمارا قال مررت
فإن هاتين العبارتين متصلتان لكونهما أسندتا إلى عمار وكذلك ما حكاه المصنف عن
أحمد ابن حنبل من تفرقته بين عن وأن فهو على هذا النحو ويوضح لك ذلك حكاية كلام
أحمد وقد رواه الخطيب وفى الكفاية بإسناده إلى أبى داود قال سمعت أحمد قيل له أن
رجلا قال عروة أن عائشة قالت يا رسول الله وعن عروة عن عائشة سواء قال كيف هذا
سواء ليس هذا سواء انتهى كلام أحمد
86 وانما فرق بين اللفظين لأن عروة فى اللفظ
الأول لم يسند ذلك إلى عائشة ولا ادرك القصة وإلا فلو قال عروة إن عائشة قالت قلت
يا رسول الله لكان ذلك متصلا لأنه أسند ذلك إليها وأما اللفظ الثانى فأسنده عروة إليها
بالعنعنة فكان ذلك متصلا فما فعله أحمد ويعقوب بن شيبة صواب سواء ليس مخالفا لقول
مالك ولا لقول غيره وليس فى ذلك خلاف بين أهل النقل وجملة القول فيه أن الراوى إذا
روى قصة أو واقعة فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم وبين بعض أصحابه والراوى لذلك صحابى قد أدرك
تلك الواقعة حكمنا لها بالاتصال وان لم نعلم أن الصحابى شهد تلك القصة وإن علمنا
أنه لم يدرك الواقعة فهو مرسل صحابى وإن كان الراوى كذلك تابعيا كمحمد بن الحنفية
مثلا فهى منقطعة وإن روى التابعى عن الصحابى قصة أدرك وقوعها كان متصلا ولو لم
يصرح بما يقتضى الاتصال وأسندها إلى الصحابى بلفظ أن فلانا قال أو بلفظ قال قال
فلان فهى متصلة أيضا كرواية ابن الحنفية الأولى عن عمار بشرط سلامة التابعى من
التدليس كما تقدم وإن لم يدركها ولا أسند حكايتها إلى الصحابى فهى منقطعة كرواية
ابن الحنفية الثانية فهذا الحقيق القول فيه
وممن حكى اتفاق أهل النقل على ذلك الحافظ أبو عبد الله بن المواق فى كتاب
بغية النقاد فذكر من عند أبى داود حديث عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة قطع أنفه
يوم الكلاب الحديث وقال إنه عند أبى داود هكذا مرسل قال وقد نبه ابن السكن على
إرساله فقال فذكر الحديث مرسلا قال ابن المواق وهو أمر بين لا خلاف بين أهل
التمييز من أهل هذا الشأن فى انقطاع ما يروى كذلك إذا علم أن الراوى لم يدرك زمان
القصة كما فى هذا الحديث وذكر نحو ذلك أيضا فى حديث أبى قيس أن عمرو بن العاص كان
على سرية الحديث فى التيمم من عند أبى داود أيضا وكذلك فعل ذلك غيره وهو أمر واضح
بين والله اعلم وقد ذكر المصنف بعد ما
حكاه عن مسند يعقوب بن شيبة أن الخطيب مثل هذه المسألة بحديث نافع عن ابن عمر عن
عمر أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم
أينام أحدنا وهو جنب الحديث وفى رواية أخرى عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال يا رسول
الله الحديث ثم قال أى الخطيب ظاهر الرواية الأولى يوجب أن يكون من مسند
89 عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم والثانية ظاهرها يوجب أن يكون من مسند ابن عمر
عن النبى صلى الله عليه وسلم انتهى وهذا يشهد لما ذكرناه الا أن المصنف
اعترض على الخطيب بقوله ليس هذا المثال مماثلا لما نحن بصدده الى آخر كلامه إلا أن
كون الرواية الثانية تدل على أنه من مسند ابن عمر لا يخالف فيه ابن الصلاح وهو
موافق لما ذكرناه وهو المقصود من الاستشهاد به والله أعلم و صلى الله عليه وسلم على محمد وآله قوله الرابع التعليق الذى يذكره أبو عبد
الله الحميدى فى أحاديث من صحيح البخارى قطع إسنادها صورته صورة الانقطاع وليس
حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد
90 ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف
لما علم من شرطه اعترض عليه بأن شرط البخارى إن سمى كتابه المسند الصحيح والصحيح
هو ما فيه من المسند دون ما لم يسنده وهذا الاعتراض يؤيده قول ابن القطان فى بيان
الوهم والإيهام أن البخاى فيما يعلق من الأحاديث فى الأبواب غير مبال بضعف رواتها
فإنها غير معدودة فيما انتخب وإنما يعد من ذلك ما وصل الأسانيد به فاعلم ذلك انتهى
كلام ابن القطان والجواب أن المصنف
إنما يحكم بصحتها إلى من علقها عنه إذا ذكره بصيغة الجزم كما تقدم ولا يظن بالبخارى
أن يجزم القول فيما ليس بصحيح عمن جزم به عنه فأما إذا ذكر فيما أبرز من السند
ضعيفا فإنه ليس صحيحا عند البخارى كما تقدم والله أعلم قوله فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين
البخاري وهشام انتهى وإنما قال ابن حزم فى المحلى هذا حديث منقطع لم يتصل ما بين
البخارى وصدقة بن خالد انتهى وصدقة بن خالد هو شيخ هشام بن عمار فى هذا الحديث
وهذا قريب الا أن المصنف لا يجوز تغيير الألفاظ فى التصانيف وان اتفق المعنى
91 قوله وأما ما أورده أى البخارى كذلك عن
شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا فى الثالث من هذا التفريعات انتهى يريد أن ما
قال فيه البخارى وقال فلان وسمى بعض شيوخه أنه محكوم فيه بالاتصال كالإسناد
المعنعن ويشكل على ما ذكره المصنف هنا أن البخارى قال فى صحيحه فى كتاب الجنائز فى
باب ما جاء فى قاتل النفس وقال حجاج بن منهال حدثنا جرير بن حازم عن الحسن قال
حدثنا جندب فى هذا المسجد فما نسيناه وما نخاف أن يكذب جندب على النبى صلى الله عليه وسلم قال كان برجل خراج فقتل نفسه الحديث فحجاج بن منهال أحد شيوخ البخارى قد
سمع منه أحاديث وقد علق عنه هذا الحديث ولم يسمعه منه وبينه وبينه واسطة بدليل أنه
أورده فى باب ما ذكره عن بني إسرائيل فقال حدثنا محمد حدثنا حجاج حدثنا جرير عن
الحسن قال حدثنا جندب فذكر الحديث فهذا يدل على أنه لم يسمعه من حجاج وهذا
تدليس فلا ينبغى أن يحمل ما علقه عن
شيوخه على السماع منهم ويجوز أن يقال إن البخارى أخذه عن حجاج بن منهال بالمناولة
أو فى حالة المذاكرة على الخلاف الذى ذكره ابن الصلاح وسمعه ممن سمعه منه فلم
يستحسن التصريح باتصاله بينه وبين حجاج لما وقع من تحمله وهو قد صح عنده بواسطة
الذى حدثه به عنه فأتى به فى موضع بصيغة التعليق وفى موضع آخر بزيادة الواسطة وعلى
هذا فلا يسمى ما وقع من البخارى على هذا التقدير تدليسا وعلى كل حال فهو محكوم بصحته
لكونه أتى به بصيغة الجزم كما تقدم فما قاله ابن حزم فى حديث البخارى عن هشام بن
عمار بحديث المعارف من أنه ليس متصلا عند البخارى يمكن أن يكون البخارى أخذه عن
هشام مناولة أو فى المذاكرة فلم يصرح فيه بالسماع
92 وقوله إنه لا يصح وإنه موضع مردود عليه فقد
وصله غير البخارى من طريق هشام بن عمار ومن طريق غيره فقال الاسماعيلى فى صحيحه
حدثنا الحسن وهو ابن سفيان الإمام حدثنا هشام بن عمار وقال الطبرانى فى مسند
الشاميين حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد
وقال أبو داود فى سننه حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر كلاهما عن عبد
الرحمن بن يزيد ابن جابر بإسناده وقد
ذكر المصنف فيما تقدم فى النوع الأول فى أمثلة تعليق البخارى قال القعنبى والقضبى
من شيوخ البخارى فجعله هناك من باب التعليق وخالف ذلك هنا وقد يجاب عن المصنف بما
ذكره هنا عقب الإنكار عن ابن حزم وهو قوله والبخارى رحمه الله قد يفعل مثل ذلك
لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذى علق عنه وقد يفعل ذلك
لكونه قد ذكر ذلك الحديث فى موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك بغير ذلك
فى الاسباب التى لا يصحبها خلل الانقطاع انتهى فحديث النهى عن المعازف من باب ما
هو معروف من جهة الثقات عن هشام كما تقدم وحديث جندب من باب ما ذكره فى موضع آخر
من كتابه مسند وقد اعترض على المصنف فى قوله وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب
التى لا يصحبها خلل الانقطاع بأن حديث جندب الذى ذكر فى الجنائز صحبة خلل للأنقطاع
لأنه لم يأخذه عن حجاج بن منهال والجواب عن المصنف أنه لم يرد بقوله لا يصحبها خلل
للانقطاع أى فى غير الموضع الذى علقه فيه فان التعليق منقطع قطعا وانما أراد أنه
لا يصحبها خلل الانقطاع فى الواقع بأن يكون الحديث معروف الاتصال أما فى كتابه فى موضع آخر كحديث جندب أو فى
غير كتابه كحديث أبى مالك الأشعرى فإنه إنما جزم به حيث علم اتصاله وصحته فى نفس
الأمر كما تقدم والله تعالى أعلم
وأختلف فى محمد شيخ البخارى فى حديث جندب فقيل هو محمد بن يحيى الدهلى
93 وهو الظاهر فإنه روى عن حجاج بن منهال
والبخارى عادته لا ينسبه إذا روى عنه إما لكونه من أقرانه أو لما جرى بينهما وقيل
هو محمد بن جعفر السمنانى قوله ولم
أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط فيه بعض رجال الإسناد من وسطه أو من آخره ولا فى
مثل قوله يروى على فلان ويذكر عن فلان وما أشبهه مما ليس فيه جزم على من ذكر ذلك
عنه بأنه قاله وذكره انتهى وقد سمى غير
واحد من المتأخرين ما ليس بمجزوم تعليقا منهم الحافظ أبو الحجاج المزى كقول
البخارى فى باب مس الحرير من غير لبس ويروى فيه عن الزبيدى عن
94 الزهرى عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم فذكره المزى فى الأطراف
وعلم عليه علامة التعليق للبخارى وكذا فعل غير واحد من الحفاظ يقولون ذكره البخارى
تعليقا مجزوما أو تعليقا غير مجزوم به إلا أنه يجوز أن هذا الاصطلاح متجدد فلا لوم
على المصنف فى قوله إنه لم يجده قوله
أما إذا كان الذى وصله هو الذى أرسله وصله فى وقت وأرسله فى وقت
95 ثم قال أو رفعه واحد فى وقت ووقفه هو أيضا فى
وقت آخر فالحكم على الأصح فى كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع إلى آخر كلامه
وما صححه المصنف هو الذى رجحه أهل الحديث
وصحح الأصوليون خلافه وهو أن الاعتبار بما وقع منه أكثر فإن وقع وصله أو
رفعه أكثر من إرساله أو وقفه فالحكم للوصل والرفع وإن كان الإرسال أو الوقف فأكثر
فالحكم له والله أعلم
النوع الثانى عشر معرفة
التدليس
قوله التدليس قسمان إلى
آخر كلامه
ترك المصنف رحمه الله
قسما ثالثا من أنواع التدليس وهو شر الأقسام وهو الذى يسمونه تدليس التسوية وقد
سماه بذلك أبو الحسن بن القطان وغيره من أهل هذا الشأن وصورة هذا القسم من التدليس
96 أن يجئ المدلس إلى حديث سمعه من شيخ ثقة وقد
سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ثقة فيعمل
المدلس الذى سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط منه شيخ شيخه الضعيف ويجعله من رواية
شيخه الثقة عن الثقة الثانى بلفظ محتمل كالعنعنة ونحوها فيصير الإسناد كله ثقات
ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ فى الإسناد ما
يقتضى عدم قوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل ومثال ذلك ما ذكره أبو محمد بن أبى حاتم فى كتاب
العلل قال سمعت أبى وذكر الحديث الذى رواه إسحق بن راهويه عن بقية قال حدثنى أبو
وهب الأسدى عن نافع عن ابن عمر مرفوعا لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه
فقال أبى إن هذا الحديث له أمر قل من يفهمه روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن
إسحق بن أبى فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبى
صلى الله عليه وسلم قال وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب وهو أسدى فكناه
بقية ونسبه إلى بنى أسد لكيلا يفطن له حتى اذا ترك إسحق ابن أبى فروة من الوسط لا
يهتدى له قال وكان بقية من أفعل الناس لهذا انتهى وممن كان يصنع هذا النوع من التدليس الوليد
بن مسلم وحكى أيضا عن
97 الأعمش وسفيان الثورى فأما الوليد بن مسلم
فحكى الدارقطنى عنه أنه كان يفعله وروينا عن أبى مسهر قال كان الوليد ابن مسلم
يحدث بأحاديث الأوزاعى عن الكذابين ثم يدلسها عنهم وروينا عن صالح جزرة قال سمعت
الهيثم بن خارجة يقول قلت للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث الأوزاعى قال كيف قلت تروى
عن الأوزاعى عن نافع وعن الأوزاعى عن الزهرى وعن الأوزاعى عن يحيى بن سعيد وغيرك
يدخل بين الأوزاعى وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمى وبينه وبين الزهرى إبراهيم
ابن مرة وقرة قال أنبل الأوزاعى أن يروى عن مثل هؤلاء قلت فإذا روى عن هؤلاء وهم
ضعفاء احاديث مناكير فاسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعى عن الثقات ضعف
الأوزاعى فلم يلتفت الى قولى وأما
الأعمش والثورى فقال الخطيب فى الكفاية كان الأعمش والثورى وبقية يفعلون مثل هذا
والله أعلم قال شيخنا الحافظ أبو سعيد
العلائى فى كتاب جامع التحصيل وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرها
أنتهى قلت ومما يلزم منه من الغرور
الشديد أن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويكون المدلس قد صرح بسماعه من
هذا الشيخ الثقة وهو كذلك فتزول تهمة تدليسه فيقف الواقف على هذا السند فلا يرى
فيه موضع علة لأن المدلس صرح باتصاله والثقة الأول ليس مدلسا وقد رواه عن ثقة آخر
فيحكم له بالصحة وفيه ما فيه من الآفة التى ذكرناها وهذا قادح فيمن تعمد فعله
والله أعلم قوله وهو أن يروى عمن لقيه
ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه إلى آخر كلامه هكذا حد
المصنف القسم الأول من قسمى التدليس اللذين ذكرهما وقد حده غير واحد من الحفاظ بما
هو أخص من هذا وهو أن يروى عمن قد سمع منه ما لم يسمعه منه غير أن يذكر أنه سمعه
منه هكذا حده الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار فى جزء له فى
معرفة من يترك حديثه أو يقبل وكذا حده الحافظ أبو الحسن بن محمد بن عبد الملك بن
القطان فى معرفة كتاب بيان الوهم
98 والايهام قال ابن القطان والفرق بينه وبين
الإرسال هو أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه انتهى ويقابل هذا القول فى تضييق حد التدليس
القول الآخر الذى حكاه ابن عبد البر فى التمهيد أن التدليس أن يحدث الرجل بما لم
يسمعه قال ابن عبد البر وعلى هذا فما سلم من التدليس أحد لا مالك ولا غيره وما
ذكره المصنف فى حد التدليس هو المشهور بين أهل الحديث وإنما ذكرت قول البزار وابن
القطان كيلا يغتر بهما من وقف عليهما فيظن موافقة أهل هذا الشان لذلك والله
أعلم قوله أما القسم الأول فمكروه جدا
ثم قال ثم اختلفوا فى قبول رواية من عرف بهذا التدليس فجعله فريق من أهل الحديث
والفقهاء مجروحا بذلك وقالوا لا تقبل روايته بحال بين السماع أو لم يبين والصحيح
التفصيل وان ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم
المرسل وأنواعه ثم قال وأما القسم الثانى فأمره أخف انتهى كلامه وفيه أمور أحدها أن المصنف أجرى الخلاف فى الثقة
المدلس وان صرح بالسماع وقد ادعى أبو الحسن بن القطان نفى الخلاف فيه فذكر فى
كتابه بيان الوهم والإيهام أن يحيى ابن أبى كثير كان يدلس وأنه ينبغى أن يجرى فى
معنعنه الخلاف ثم قال أما إذا صرح بالسماع فلا كلام فيه فإنه ثقة حافظ صدوق فتقبل
منه ذلك بلا خلاف انتهى كلامه والمشهور ما ذكره المصنف من إثبات الخلاف فقد
حكاه الخطيب فى الكفاية عن
99 فريق من الفقهاء وأصحاب الحديث وهكذا حكاه
غيره والمثبت للخلاف مقدم على النافى له والله أعلم الأمر الثانى أن المصنف ذكر أن ما لم يبين
فيه المدلس الاتصال حكمه حكم المرسل فاقتضى كلامه أن من يقبل المرسل يقبل معنعن
المدلس وليس ذلك قول جميع من يحتج بالمرسل بل بعض من يحتج بالمرسل يرد معنعن
المدلس لما فيه من التهمة كما حكاه الخطيب فى الكفاية فقال إن جمهور من يحتج
بالمرسل يقبل خبر المدلس بل زاد النووى على هذا فحكى فى شرح المهذب الاتفاق على أن
المدلس لا يحتج بخبره إذا عنعن وهذا منه إفراط وكان الذى أوقع النووى فى ذلك ما
ذكره البيهقى فى المدخل وابن عبد البر فى التمهيد مما يدل على ذلك أما البيهقى
فإنه حكى عن الشافعى وسائر أهل العلم أنهم لا يقبلون عنعنة المدلس وأما ابن عبد
البر فإنه لما ذكر فى مقدمة التمهيد الحديث المعنعن وأنه يقبل بشروط ثلاثة قال إلا
أن يكون الرجل معروفا بالتدليس فلا يقبل حديثه حتى يقول حدثنا أو سمعت قال فهذا ما
لا أعلم فيه أيضا خلافا انتهى كلامه
وما ذكر من الاتفاق لعله محمول على اتفاق من لا يحتج بالمرسل خصوصا عبارة
البيهقى فإن لفظ سائر قد تطلق ويراد به الباقى لا الجميع والخلاف فى كلام غيرهما
وممن حكاه الحاكم فى كتاب المدخل فإنه قسم الصحيح إلى عشر أقسام خمسة متفق عليها
وخمسة مختلف فيها فذكر من الخمسة المختلف فيها المراسيل وأحاديث المدلسين إذا لم
يذكروا سماعاتهم إلى آخر كلامه وحكى الخلاف أيضا الحافظ أبو بكر الخطيب فى
100 كتاب الكفاية فحكى عن خلق كثير من أهل العلم
أن خبر المدلس مقبول قال وزعموا أن نهاية أمره أن يكون مرسلا والله أعلم الأمر الثالث أن المصنف بين الحكم فيمن عرف
بالقسم الأول من التدليس ولم يبين الحكم فى القسم الثانى وإنما قال إن أمره أخف
فأردت بيان الحكم فيه للفائدة وقد جزم أبو نصر بن الصباغ فى كتاب العدة أن من فعل
ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس وإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب
ألا يقبل خبره وإن كان هو يعتقد فيه الثقة فقد غلط فى ذلك لجواز أن يعرف غيره من
جرحه مالا يعرفه هو وان كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره
حتى يعرف من روى عنه والله أعلم النوع
الثالث عشر معرفة الشاذ
قوله أما ما حكم
الشافعى عليه بالشذوذ فلا اشكال فى أنه غير شاذ مقبول وأما ما حكيناه عن غيره
فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث
إنما الأعمال بالنيات فإنه حديث
فرد تفرد به عمر رضى الله عنه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم تفرد به عمر عن علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن
ابراهيم ثم عنه يحيى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق