2ج 2.==ومالك: أنه لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره، وإليه ذهب أبو بكر الصيدلاني المروزي من الشافعية. والصواب كما قال ابن الصلاح: الأول.
وإذا وجد سماعه في كتابه وهو غير ذاكر له فحكي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز له روايته. وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي، وخالف أبا حنيفة في ذلك صاحباه: محمد ابن الحسن، والقاضي أبو يوسف، فذهبا إلى الجواز. وإليه ذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وقال ابن الصلاح: ((ينبغي أن يبنى على الخلاف في جواز اعتماد الراوي على كتابه في ضبط ما سمعه، فإن ضبط أصل السماع كأصل المسموع، فكما كان الصحيح وما عليه أكثر أهل الحديث تجويز الاعتماد على الكتاب المصون في ضبط المسموع حتى يجوز له أن يروي ما فيه، وإن كان لا يذكر أحاديثه حديثا حديثا، كذلك ليكن هذا إذا وجد شرطه وهو أن يكون السماع بخطه أو بخط من يثق به، والكتاب مصون. قال: وهذا إذا سكنت نفسه إلى صحته فإن شك فيه لم يجز الاعتماد عليه))
(1/503)
624.... وإن يغب وغلبت سلامته ... جازت () لدى جمهورهم روايته
625.... كذلك الضرير والأمي ... لا يحفظان يضبط المرضي
626.... ما سمعا والخلف في الضرير ... أقوى، وأولى منه في البصير
إذا كان اعتماد الراوي على كتابه دون حفظه، وغاب عنه الكتاب بإعارة، أو ضياع، أو سرقة، ونحو ذلك؛ فذهب بعض أهل التشديد في الرواية إلى أنه لا يجوز الرواية منه لغيبته عنه، وجواز التغيير فيه () . والصواب الذي عليه الجمهور أنه إذا كان الغالب على الظن من أمره سلامته من التغيير والتبديل جازت له الرواية منه، لا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه في الغالب إذا غير ذلك، أو شيء منه، لأن باب الرواية مبني على غلبة الظن () .
وقولي: (كذلك () الضرير والأمي) أي: كذلك يجري الخلاف في الضرير والأمي اللذين لا يحفظان حديثه ما. فإذا ضبط سماع هما ثقة، وحفظا كتابيه ما عن التغيير بحيث يغلب على الظن سلامته؛ صحت روايتهما. قال الخطيب: والسماع من البصير الأمي والضرير اللذين لم يحفظا () من المحدث ما سمعاه منه، لكنه كتب لهما، بمثابة واحدة؛ قد منع منه غير واحد من العلماء، ورخص فيه بعضهم () . وقال ابن الصلاح في الضرير الذي لم () يحفظ حديثه من فم من حدثه واستعان بالمأمونين في ضبط سماعه وحفظ كتابه ثم عند روايته في القراءة منه عليه، واحتاط في ذلك على حسب حاله بحيث يحصل معه الظن بالسلامة من التغيير صحت روايته. غير أنه أولى بالخلاف من مثل ذلك في البصير () .
(1/504)
الرواية من الأصل
627.... وليرو من أصل أو المقابل ... به ولا يجوز بالتساهل
628.... مما به اسم شيخه أو أخذا ... عنه لدى الجمهور وأجاز ذا
629.... أيوب والبرسان () قد أجازه ... ورخص الشيخ مع الإجازه
إذا أراد الراوي أن يحدث ببعض مسموعاته فليروه من أصله الذي سمع منه، أو من نسخة مقابلة على أصله بمقابلة ثقة، وهل له أن يحدث من أصل شيخه الذي لم يسمع فيه هو، أو من نسخة كتبت عن شيخه تسكن نفسه إلى صحتها؟ فذكر الخطيب () : أن عامة أصحاب الحديث منعوا من روايته من ذلك، وجاء عن أيوب ومحمد بن بكر البرساني، الترخيص فيه. وحكي عن أبي نصر بن الصباغ: أنه قطع بأنه لا يجوز أن يروي من نسخة سمع منها على شيخه، وليس فيها سماعه، ولا قوبلت بنسخة سماعه؛ وذلك لأنه قد يكون فيها زوائد ليست في نسخة سماعه.
وقولي: (ورخص الشيخ) أي: ابن الصلاح، فقال: ((اللهم إلا أن تكون له إجازة عن شيخه عامة لمروياته، أو نحو ذلك، فيجوز له حينئذ الرواية منها إذ ليس فيه أكثر من رواية تلك الزيادات بالإجازة بلفظ: أخبرنا أو حدثنا، من غير بيان للإجازة فيها. والأمر في ذلك قريب يقع مثله في محل التسامح)) . قال: ((فإن كان الذي في النسخة سماع شيخ شيخه، أو هي مسموعة على شيخ شيخه، أو مروية عن شيخ
(1/505)
شيخه، فينبغي له حينئذ في روايته منها أن تكون له إجازة شاملة من شيخه، ولشيخه إجازة شاملة من شيخه. قال: وهذا تيسير حسن، هدانا الله له)) () .
630.... وإن يخالف حفظه كتابه ... وليس منه فرأوا صوابه:
631.... الحفظ مع تيقن والأحسن ... الجمع كالخلاف ممن يتقن
إذا وجد الحافظ للحديث في كتابه خلاف ما يحفظه، فإن كان إنما حفظ من كتابه فليرجع إلى كتابه. وهذا معنى قولي: (وليس منه) أي: وليس حفظه من كتابه. وإن كان حفظه من فم المحدث، أو من القراءة على المحدث وهو غير شاك في حفظه فليعتمد حفظه، والأحسن أن يجمع بينهما، فيقول: حفظي كذا، وفي كتابي كذا. فهكذا فعل شعبة وغير واحد من الحفاظ.
وقولي: (كالخلاف ممن يتقن) أي: كمسألة ما إذا حفظ شيئا وخالفه فيه بعض الحفاظ المتقنين فإنه يحسن فيه أيضا بيان الأمرين، فيقول: حفظي كذا وكذا، وقال فيه فلان: كذا وكذا، ونحو ذلك. وقد فعل ذلك سفيان الثوري وغيره.
الرواية بالمعنى
632 ... وليرو بالألفاظ من لا يعلم ... مدلولها وغيره فالمعظم
633.... أجاز بالمعنى وقيل: لا الخبر ... والشيخ في التصنيف قطعا قد حظر
634 ... وليقل الراوي: بمعنى، أو كما ... قال ونحوه كشك أبهما
لا يجوز لمن لا يعلم مدلول الألفاظ ومقاصدها، وما يحيل معانيها أن يروي ما سمعه بالمعنى دون اللفظ بلا خلاف. بل يتقيد بلفظ الشيخ، فإن كان عالما بذلك جازت له
(1/506)
الرواية بالمعنى عند أكثر أهل الحديث والفقه والأصول. ومنع بعض أهل الحديث والفقه مطلقا () . وقولي: (وغيره) ، ليست الواو للعطف، بل للأستئناف، أي: وأما غيره وهو الذي يعلم مدلول الألفاظ.
وقولي: (وقيل: لا الخبر) أي: وقيل: لا تجوز الرواية بالمعنى () في الخبر، وهو حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز في غيره () ، والقول الأول هو الصحيح. وقد روينا عن غير واحد من الصحابة التصريح بذلك، ويدل على ذلك روايتهم للقصة الواحدة بألفاظ مختلفة. وقد ورد في المسألة حديث مرفوع رواه ابن منده في " معرفة () الصحابة " () ، من حديث عبد الله بن سليمان ابن أكيمة الليثي () ، قال: قلت يا رسول الله: إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤديه كما أسمع منك، يزيد حرفا، أو ينقص حرفا، فقال: إذ لم تحلوا حراما، ولم تحرموا حلالا، وأصبتم المعنى، فلا بأس.
(1/507)
فذكر ذلك للحسن، فقال: لولا هذا ما حدثنا. قال ابن الصلاح: ((ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريا ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب، فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه. فإن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص، لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والنصب، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب، ولأنه إن ملك تغيير اللفظ، فليس يملك تغيير تصنيف غيره، والله أعلم)) () . وقد تعقب كلامه ابن دقيق العيد، فقال: إنه كلام فيه ضعف () ، قال: ((وأقل ما فيه أنه يقتضي تجويز هذا فيما ينقل من المصنفات إلى أجزائنا وتخاريجنا، فإنه ليس فيه تغيير التصنيف () المتقدم.
قال: وليس هذا جاريا على الاصطلاح، فإن الاصطلاح على أن لا تغير الألفاظ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنفة سواء رويناها فيها أو نقلناها منها)) () ، (قلت: لا نسلم أنه يقتضي جواز التغيير فيما نقلناه إلى تخاريجنا، بل لا يجوز نقله عن ذلك الكتاب، إلا بلفظه دون معناه، سواء في تصانيفنا، أو غيرها، والله أعلم) () .
وقولي: (حظر) أي: منع من قوله تعالى: {وما كان عطآء ربك
محظورا} () ، أي: ممنوعا. وينبغي لمن روى بالمعنى أن يقول، أو كما قال، أو نحو هذا، وما أشبه ذلك. فقد ورد ذلك عن ابن مسعود، وأبي
(1/508)
الدرداء، وأنس، وهم من أعلم الناس بمعاني الكلام.
وقولي: (كشك أبهما) أي: كمسألة ما إذا شك القارئ أو الشيخ في لفظة أو أكثر فقرأها على الشك، فإنه يحسن أن يقول: أو كما قال. قال ابن الصلاح: ((وهو الصواب في مثله؛ لأن قوله: أو كما قال، يتضمن إجازة من الراوي وإذنا في رواية صوابها عنه، إذا بان. ثم لا يشترط إفراد ذلك بلفظة الإجازة لما بيناه قريبا)) .
الاقتصار على بعض الحديث
635.... وحذف بعض المتن فامنع او أجز ... أو إن أتم أو لعالم ومز
636.... ذا بالصحيح إن يكن ما اختصره ... منفصلا عن الذي قد ذكره
637.... وما لذي تهمة أن يفعله ... فإن أبى فجاز أن لا يكمله
638.... أما إذا قطع في الأبواب ... فهو إلى الجواز ذو اقتراب
اختلف العلماء في جواز الاقتصار على بعض الحديث، وحذف بعضه، على أقوال:
أحدها: المنع مطلقا.
والثاني: الجواز مطلقا.
(1/509)
وينبغي تقييد الإطلاق بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمأتي به تعلقا يخل بالمعنى حذفه، كالاستثناء، والحال، ونحو ذلك، كما سيأتي في القول الرابع. فإن كان كذلك لم يجز بلا خلاف، وبه جزم أبو بكر الصيرفي () وغيره، وهو واضح.
والثالث: أنه إن لم يكن رواه على التمام مرة أخرى هو أو غيره، لم يجز. وإن كان رواه على التمام مرة أخرى هو أو غيره جاز () . وإليه الإشارة بقولي: (أو إن أتم) أي: أو أجزه إن أتم مرة ما، منه أو من غيره.
والقول الرابع: وهو الصحيح كما قال ابن الصلاح: ((إنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما نقله، غير متعلق به، بحيث لا يختل البيان، ولا تختلف الدلالة، فيما نقله بترك ما تركه. قال: فهذا ينبغي أن يجوز، وإن لم يجز النقل بالمعنى () ؛ لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين)) () . وإلى تصحيح هذا القول الإشارة بقولي: (ومز ذا بالصحيح) .
وليس للمتهم أن يحذف بعض الحديث، كما ذكر الخطيب () أن من روى حديثا على التمام، وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان أن يتهم بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث؛ لقلة ضبطه، وكثرة غلطه، فواجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه. وقال سليم الرازي: ((من روى بعض الخبر، ثم أراد أن ينقل تمامه، وكان ممن يتهم بأنه زاد في حديثه ؛ كان ذلك عذرا له في ترك الزيادة، وكتمانها)) () . وإليه الإشارة بقولي: (فإن أبى) أي: فإن خالف،
(1/510)
ورواه () ناقصا مرة، فجاز أن لا يكمله بعد ذلك. قال ابن الصلاح: ((من كان هذا حاله، فليس له من الابتداء، أن يروي الحديث غير تام، إذا كان قد تعين عليه أداء تمامه؛ لأنه إذا رواه أولا ناقصا، أخرج باقيه عن حيز الاحتجاج به، ودار بين أن لا يرويه () أصلا فيضيعه رأسا، وبين أن يرويه متهما فيه، فيضيع ثمرته؛ لسقوط الحجة فيه)) () .
وأما تقطيع المصنف للحديث الواحد، وتفريقه في الأبواب بحسب الاحتجاج به على مسألة مسألة، فهو إلى الجواز أقرب، وقد فعله الأئمة: مالك وأحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم من الأئمة () . وحكى الخلال عن أحمد: أنه ينبغي أن لا يفعل () . قال ابن الصلاح: ((ولا يخلو من كراهية)) () .
التسميع بقراءة اللحان، والمصحف
639.... وليحذر اللحان والمصحفا ... على حديثه بأن يحرفا
640.... فيدخلا في قوله: من كذبا ... فحق النحو على من طلبا
641.... والأخذ من أفواههم لا الكتب ... أدفع للتصحيف فاسمع وادأب
أي () : وليحذر الشيخ أن يروي حديثه بقراءة لحان أو مصحف فقد روينا عن الأصمعي قال إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار () ، لأنه لم يكن يلحن،
(1/511)
فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه () وقد روينا نحو () هذا عن حماد بن سلمة أنه قال لإنسان: إن لحنت في حديثي فقد كذبت علي، فإني لا ألحن () وقد كان حماد إماما في ذلك وقد روينا () أن سيبويه شكاه إلى الخليل بن أحمد، قال سألته عن حديث هشام بن عروة عن أبيه في رجل رعف () ، فانتهرني، وقال لي () : أخطأت، إنما هو رعف، أي بفتح العين -، فقال له الخليل: صدق، أتلقى بهذا الكلام أبا أسامة قال ابن الصلاح: فحق على طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يتخلص به عن () شين اللحن، والتحريف، ومعرتهما () وروى الخطيب عن شعبة قال من طلب الحديث ولم يبصر العربية كمثل رجل عليه برنس، وليس له رأس () وروى الخطيب أيضا عن حماد بن سلمة، قال مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو، مثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها () فبتعلم النحو يسلم من اللحن وأما السلامة من التصحيف فسبيلها الأخذ من أفواه أهل العلم، والضبط عنهم، لا من بطون الكتب، فقلما سلم من التصحيف من أخذ العلم من الصحف من غير تدريب المشايخ
(1/512)
إصلاح اللحن، والخطأ
642.... وإن أتى في الأصل لحن أو خطا ... فقيل: يروى كيف جاء غلطا
643.... ومذهب المحصلين يصلح ... ويقرأ الصواب وهو الأرجح
644.... في اللحن لا يختلف المعنى به ... وصوبوا الإبقاء مع تضبيبه
645.... ويذكر الصواب جانبا كذا ... عن أكثر الشيوخ نقلا أخذا
646.... والبدء بالصواب أولى وأسد ... وأصلح الإصلاح من متن ورد
إذا وقع في الأصل لحن أو تحريف، فقيل: يروى على الخطإ، كما وقع. حكي ذلك عن ابن سيرين وعبد الله بن سخبرة. وقيل: يصلح ويقرأ على الصواب، وإليه ذهب الأوزاعي وابن المبارك والمحصلون من العلماء والمحدثين، لا سيما في اللحن الذي لا يختلف المعنى به. وإصلاح مثل ذلك لازم على تجويز الرواية بالمعنى، وهو قول الأكثرين، وقد ذكر ابن أبي خيثمة في كتاب " الإعراب " له: أنه سئل الشعبي والقاسم بن محمد وعطاء ومحمد بن علي بن الحسين: الرجل يحدث بالحديث فيلحن أأحدث كما سمعت؟ أو أعربه؟ فقالوا: لا، بل اعربه. واختار الشيخ عز الدين بن عبد السلام في هذه المسألة ترك الخطأ والصواب أيضا، حكاه عنه ابن دقيق العيد في
(1/513)
" الاقتراح "، فقال: سمعت أبا محمد بن عبد السلام، وكان أحد سلاطين العلماء، كان يرى في هذه المسألة ما لم أره لأحد، أن هذا اللفظ المحتمل لا يروى على الصواب ولا على الخطأ. أما على الصواب، فإنه لم يسمع من الشيخ كذلك، وأما على الخطأ فلأن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقله كذلك، وهذا معنى ما قاله أو قريب منه.
وقولي: (في اللحن) ، هو متعلق بقولي: (وهو الأرجح) أي: الأرجح في هذه الصورة لا مطلقا. قال ابن الصلاح: وأما إصلاح ذلك وتغييره في كتابه وأصله، فالصواب تركه، وتقرير ما وقع في الأصل على ما هو عليه مع التضبيب عليه، وبيان الصواب خارجا في الحاشية. وحكاه القاضي عياض عن عمل أكثر الأشياخ.
(1/514)
قال أبو الحسين بن فارس: وهذا أحسن ما سمعت في هذا الباب.
ثم إذا قرأ الراوي، أو القارئ عليه شيئا من ذلك، فإن شاء قدم ما وقع في الأصل، والرواية ثم يبينالصواب. وإن شاء قدم ما هو الصواب ثم قال: وقع في الرواية كذا وكذا. وهذا أولى من الأول كيلايقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل. قاله ابن الصلاح قال: ((وأصلح ما يعتمد عليه في الإصلاح أن يكون ما يصلح به الفاسد قد ورد في أحاديث أخر، فإن ذاكره آمن من أن يكون متقولا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل)) .
647.... وليأت في الأصل بما لا يكثر ... كابن وحرف حيث لا يغير
648.... والسقط يدرى أن من فوق أتى ... به يزاد بعد يعني مثبتا
إذا كان الساقط من الأصل شيئا يسيرا يعلم أنه سقط في الكتابة، وهو معروف كلفظ: ابن في النسب، وكحرف لا يختلف المعنى به، فلا بأس بإلحاقه في الأصل من غير تنبيه على سقوطه. وقد سأل أبو داود أحمد بن حنبل فقال: وجدت في كتابي: ((حجاج عن جريج عن أبي الزبير)) ، يجوز لي أن أصلحه: ((ابن جريج؟)) فقال: أرجو أن يكون هذا لا بأس به. وقيل لمالك: أرأيت حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يزاد فيه الواو والألف، والمعنى واحد؟ فقال: أرجو أن يكون خفيفا. انتهى. وإذا كان الساقط يعلم أنه
(1/515)
سقط من بعض من تأخر من رواة الحديث، وأن من فوقه من الرواة أتى به، فإنه يزاد في الأصل، ويؤتى قبله بلفظ: يعني، كما فعل الخطيب إذ روى عن أبي عمر ابن مهدي عن المحاملي بسنده إلى عروة عن عمرة - يعني - عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدني إلي رأسه فأرجله. قال الخطيب: كان في أصل ابن مهدي ((عن عمرة، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدني إلي رأسه)) . فألحقنا فيه ذكر (عائشة) ، إذ لم يكن منه بد. وعلمنا أن المحاملي كذلك رواه، وإنما سقط من كتاب شيخنا، وقلنا فيه: ((يعني عن عائشة)) ؛ لأن ابن مهدي لم يقل لنا ذلك. قال: وهكذا رأيت غير واحد من شيوخنا يفعل في مثل هذا، ثم روى عن وكيع قال: ((أنا استعين في الحديث بـ: يعني)) .
649.... وصححوا استدراك ما درس في ... كتابه من غيره إن يعرف
650.... صحته من بعض متن أو سند ... كما إذا ثبته من يعتمد
651.... وحسنوا البيان كالمستشكل ... كلمة في أصله فليسأل
إذا درس من كتابه بعض المتن، أو الإسناد بتقطيع، أو بلل، أو نحو ذلك فإنه يجوز له استدراكه من كتاب غيره، إذا عرف صحته، ووثق بصاحب الكتاب، بأن يكون قد أخذه عن شيخه، وهو ثقة، أو نحو ذلك على الصحيح وممن فعل ذلك نعيم بن حماد وذهب بعض المحدثين إلى المنع من
(1/516)
ذلك قال الخطيب: ولو بين ذلك كان أولى وهكذا الحكم فيما إذا شك المحدث في شيء فاستثبته من ثقة غيره من حفظه، أو كتابه، كما روي ذلك عن أبي عوانة وأحمد بن حنبل، وغيرهما ويحسن أن يبين من ثبته كما فعل يزيد بن هارون، وغيره، وقد روينا في " مسند أحمد "، قال حدثنا يزيد بن هارون، قال أخبرنا عاصم بالكوفة، فلم اكتبه فسمعت شعبة يحدث به، فعرفته به عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر قال اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، ... الحديث وفي غير المسند عن يزيد، قال أخبرنا عاصم وثبتني شعبة، فإن بين أصل التثبيت، ولم يبين من ثبته، فلا بأس به، فعله أبو داود في "سننه" عقب حديث الحكم بن حزن الكلفي، فقال ثبتني في شيء منه بعض أصحابنا
وقولي (كالمستشكل) ، أي كما الحكم كذلك في مسألة ما إذا وجد في أصله كلمة من غريب العربية، أو غيرها غير مقيدة، وأشكلت عليه، فجائز أن يسأل عنها أهل العلم بها، ويرويها على ما يخبرونه به، روي مثل ذلك عن أحمد وإسحاق وغيرهما
(1/517)
اختلاف ألفاظ الشيوخ
652.... وحيث من أكثر من شيخ سمع ... متنا بمعنى لا بلفظ فقنع
653.... بلفظ واحد وسمى الكل: صح ... عند مجيزي النقل معنى ورجح
654.... بيانه مع قال أو مع قالا ... وما ببعض ذا وذا وقالا
655.... اقتربا في اللفظ أو لم يقل: ... صح لهم والكتب إن تقابل
656.... بأصل شيخ من شيوخه فهل ... يسمى الجميع مع بيانه؟ احتمل
إذا سمع الراوي الحديث من شيخين فأكثر بلفظ مختلف، والمعنى واحد جاز له أن يرويه عن شيخيه، أو شيوخه مع تسمية كل، ويسوق لفظ رواية واحد فقط عند من يجيز الرواية بالمعنى، وهم الأكثرون بالشرط المتقدم، والأحسن الراجح أن يبين لفظ الرواية لمن هي بقوله: وهذا لفظ فلان، ونحو ذلك، للخروج من الخلاف. ثم هو مخير بين أن يفرد فعل القول فيخصصه بمن له اللفظ، فيقول: أخبرنا فلان وفلان، واللفظ له، قال: وبين أن يأتي بالفعل لهما فيقول: قالا أخبرنا فلان. وإلى هذا الإشارة بقولي:
(مع قال، أو مع قالا) .
واستحسن لمسلم قوله: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج؛ كلاهما عن أبي خالد، قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد الأحمر. قال ابن الصلاح: ((فإعادته ثانيا ذكر أحدهما خاصة إشعار بأن اللفظ المذكور له)) . قلت: ويحتمل أنه أراد
(2/5)
بإعادته بيان التصريح فيه بالتحديث، وأن الأشج لم يصرح في روايته بالتحديث، والله أعلم.
وقولي: (وما ببعض ذا وذا وقالا) ، الألف في آخر حرف الروي للإطلاق، أي: وما أتى فيه الراوي ببعض لفظ أحد الشيخين، وبعض لفظ الآخر، ولم يبين لفظ أحدهما من الآخر، بل قال: وتقاربا في اللفظ، أو المعنى واحد، ونحو ذلك؛ فهو جائز صحيح عند من يجوز الرواية بالمعنى، وهكذا لو لم يقل وتقاربا، وما أشبهها، فهو جائز صحيح أيضا عند من جوز الرواية بالمعنى، وإليه الإشارة بقولي: (صح لهم) أي: لمجيزي الرواية بالمعنى. قال ابن الصلاح: ((وهذا مما عيب به البخاري أو غيره)) ، أي ترك البيان.
وقولي: (والكتب إن تقابل ... ) إلى آخره، أي: إذا قوبل كتاب من الكتب المصنفة سمعه على شيخين فأكثر بأصل أحد شيخيه، أو أحد شيوخه دون بقيتهم، فهل له أن يسمي جميع شيوخه في روايته لذلك الكتاب مع بيان أي اللفظ للشيخ الذي قابله بأصله؟ قال ابن الصلاح: ((يحتمل أن يجوز كالأول؛ لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن ذكر أنه بلفظه، ويحتمل أنه لا يجوز؛ لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين، حتى يخبر عنها بخلاف ما سبق؛ فإنه اطلع فيه على موافقة المعنى)) .
الزيادة في نسب الشيخ
657.... والشيخ إن يأت ببعض نسب ... من فوقه فلا تزد واجتنب
658.... إلا بفصل نحو هو أو يعني ... أوجئ بأن وانسبن المعني
659.... أما إذا الشيخ أتم النسبا ... في أول الجزء فقط فذهبا
(2/6)
660.... الأكثرون لجواز أن يتم ... ما بعده والفصل أولى وأتم
إذا سمع من شيخ حديثا فاقتصر شيخه في نسب شيخه، أو من فوقه على بعضه، فليس له أن يزيد في النسب على ما ذكر منه شيخه من غير فصل يبين أنه من الزيادة على شيخه، كقوله: هو ابن فلان الفلاني، أو يعني: ابن فلان، او نحو ذلك. وروى الخطيب عن أحمد: أنه كان إذا جاء اسم الرجل غير منسوب، قال: يعني ابن فلان. وروينا في كتاب " اللقط " للبرقاني بإسناده إلى ابن المديني، قال: إذا حدثك الرجل فقال: حدثنا فلان، ولم ينسبه، وأحببت أن تنسبه، فقل: حدثنا فلان أن فلان بن فلان بن فلان حدثه. وأما إذا أتم الشيخ نسب شيخه في أول كتاب أو جزء واقتصر في بقية الكتاب، أو الجزء على اسم الشيخ، فإنه يجوز لمن سمع من الشيخ أن يفرد ما بعد الحديث الأول مع إتمام نسب شيخ شيخه فيه، كما حكاه الخطيب عن أكثر أهل العلم. وحكى عن شيخه أبي بكر أحمد بن علي الأصبهاني أحد الحفاظ أنه كان يقول في مثل هذا: إن فلان بن فلان. وعن بعضهم: أن الأولى أن يقول فيه: يعني ابن فلان. وبعضهم يقول: هو ابن فلان، قال: وهذا الذي استحبه؛ لأن قوما من الرواة كانوا يقولون فيما أجيز لهم: أخبرنا فلان أن فلانا حدثهم. انتهى. ولعله فيما أجيز لشيوخهم، كما تقدم نقله عن الخطابي.
(2/7)
الرواية من النسخ التي إسنادها واحد
661.... والنسخ التي بإسناد قط ... تجديده في كل متن أحوط
662.... والأغلب البدء به ويذكر ... ما بعده مع وبه والأكثر
663.... جوز أن يفرد بعضا بالسند ... لآخذ كذا والإفصاح أسد
664.... ومن يعيد سند الكتاب مع ... آخره احتاط وخلفا ما رفع
النسخ التي إسناد أحاديثها إسناد واحد كنسخة همام بن منبه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ونحوها. الأحوط أن يجدد ذكر الإسناد عند كل حديث منها. ومن أهل الحديث من يفعله. ويوجد ذلك في كثير من الأصول القديمة، وأوجب بعضهم ذلك، وأشرت إلى الخلاف بقولي في آخر الأبيات: (وخلفا ما رفع) . والأغلب الأكثر أن يبدأ بالإسناد في أولها، أو في أول كل مجلس من سماعها، ويدرج الباقي عليه، بقوله، في كل حديث بعد الحديث الأول، وبه، أو وبالإسناد، ونحو ذلك. ثم إن من سمع هكذا يذكر السند في أوله. وإدراج ما بعده عليه هل له أن يفرد ما بعد الحديث الأول بالسند المذكور في أوله؟ ذهب الأكثرون إلى الجواز منهم وكيع وابن معين والأسماعيلي؛ لأن المعطوف له حكم المعطوف عليه وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله. وذهب أبو إسحاق الإسفراييني وبعض أهل الحديث إلى المنع، إلا مع بيان كيفية التحمل. وعلى القول بالجواز،
(2/8)
فالأحسن البيان كما يفعل كثير من المؤلفين، منهم مسلم، كقوله: حدثنا محمد بن رافع، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، وذكر أحاديث منها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة، ... الحديث. وما يفعله بعضهم من إعادة السند في آخر الكتاب، أو الجزء، فهو احتياط وتأكيد، ولا يرفع الخلاف في إفراد كل حديث بالسند.
تقديم المتن على السند
665.... وسبق متن لو ببعض سند ... لا يمنع الوصل ولا أن يبتدي
666.... راو كذا بسند فمتجه ... وقال: خلف النقل معنى يتجه
667.... في ذا كبعض المتن قدمت على ... بعض ففيه ذا الخلاف نقلا
إذا قدم الراوي الحديث على السند، كأن يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كذا وكذا، أخبرنا به فلان، ويذكر سنده، أو قدم بعض الإسناد مع المتن على بقية السند كأن يقول: روى عمرو بن دينار عن جابر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كذا وكذا، أخبرنا به فلان، ويسوق سنده إلى عمرو، فهو إسناد متصل لا يمنع ذلك الحكم باتصاله، ولا يمنع ذلك كمن روى كذلك أي تحمله من شيخه كذلك أنيبتدئ بالإسناد جميعه، أولا، ثم يذكر المتن كما جوزه بعض المتقدمين من أهل الحديث، قال ابن الصلاح: ((وينبغي أن يكون فيه خلاف نحو الخلاف في تقديم بعض المتن على بعض، فقد حكى الخطيب: المنع من ذلك، على القول بأن الرواية على المعنى لا تجوز، والجواز على القول بأن الرواية على المعنى تجوز ولا فرق بينهما في ذلك)) .
(2/9)
إذا قال الشيخ: مثله، أو نحوه
668.... وقوله مع حذف متن مثله ... أو نحوه يريد متنا قبله
669.... فالأظهر المنع من ان يكمله ... بسند الثاني وقيل: بل له
670.... إن عرف الراوي بالتحفظ ... والضبط والتمييز للتلفظ
671.... والمنع في نحو فقط قد حكيا ... وذا على النقل بمعنى بنيا
672.... واختير أن يقول: مثل متن ... قبل ومتنه كذا، ويبني
إذا روى الشيخ حديثا بإسناد له، وذكر متن الحديث. ثم أتبعه بإسناد آخر، وحذف متنه، وأحال به على المتن الأول، بقوله: مثله، أو نحوه، فهل لمن سمع منه ذلك أن يقتصر على السند الثاني، ويسوق لفظ حديث السند الأول؟ فيه ثلاثة أقوال:
أظهرها منع ذلك، وهو قول شعبة. فروينا عنه أنه قال: فلان عن فلان: مثله، لا يجزئ. وروينا عنه أيضا، أنه قال: قول الراوي: نحوه، شك.
والثاني: جواز ذلك إذا عرف أن الراوي لذلك ضابط متحفظ، يذهب إلى تمييز الألفاظ وعد الحروف، فإن لم يعرف ذلك منه، لم يجز. حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم. وروينا عن سفيان الثوري قال: فلان عن فلان مثله يجزئ، وإذا قال: نحوه، فهو حديث.
(2/10)
والثالث: أنه يجوز في قوله: مثله، ولا يجوز في قوله: نحوه. وهو قول يحيى بن معين. وعليه يدل كلام الحاكم أبي عبد الله حيث يقول: لا يحل له أن يقول: مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد، ويحل أن يقول: نحوه، إذا كان على مثل معانيه. قال الخطيب: ((وهذا على مذهب من لم يجز الرواية على المعنى، وأما على مذهب من أجازها فلا فرق بين مثله ونحوه)) . قال الخطيب: وكان غير واحد من أهل العلم، إذا روى مثل هذا يورد الإسناد، ويقول: مثل حديث قبله، متنه كذا وكذا، ثم يسوقه. قال: وكذلك إذا كان المحدث قد قال نحوه. قال: ((وهذا الذي أختاره)) .
673.... وقوله: إذ بعض متن لم يسق ... وذكر الحديث فالمنع أحق
674.... وقيل: إن يعرف كلاهما الخبر ... يرجى الجواز والبيان المعتبر
675.... وقال: إن يجز فبالإجازه ... لما طوى واغتفروا إفرازه
أي: إذا أتى الشيخ الراوي ببعض الحديث وحذف بقيته، وأشار إليه بقوله: وذكر الحديث، أو نحو ذلك، كقوله: وذكره، وكقوله: الحديث، ولم يكن تقدم كمال الحديث، كالصورة الأولى، فليس لمن سمع كذلك أن يتمم الحديث، بل يقتصر على ما سمع منه، إلا مع البيان، كما سيأتي. وهذا أولى بالمنع من المسألة التي قبلها؛ لأن المسألة التي قبلها قد ساق فيها جميع المتن قبل ذلك، بإسناد آخر، وفي هذه الصورة لم يسق إلا هذا القدر من الحديث.
(2/11)
وبالمنع أجاب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، وقال أبو بكر الإسماعيلي: إذا عرف المحدث والقارئ ذلك الحديث فأرجو أن يجوز ذلك. والبيان أولى بأن يقول: كما قال. وطريق من أراد إتمامه أن يقتصر ما ذكره الشيخ منه، ثم يقول: قال، وذكر الحديث. ثم يقول: وتمامه كذا وكذا، ويسوقه. وقال ابن الصلاح بعد حكاية كلام الإسماعيلي: ((إذا جوزنا ذلك، فالتحقيق فيه أنه بطريق الإجازة فيما لم يذكره الشيخ. قال: لكنها إجازة أكيدة قوية من جهات عديدة، فجاز لهذا - مع كون أوله سماعا - أدراج الباقي عليه من غير إفراد له بلفظ الإجازة)) .
إبدال الرسول بالنبي، وعكسه
676.... وإن رسول بنبي أبدلا ... فالظاهر المنع كعكس فعلا
677.... وقد رجا جوازه ابن حنبل ... والنووي صوبه وهو جلي
إذا وقع في الرواية: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهل للسامع أن يقول: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهكذا عكسه، كأن يكون في الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقول: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن الصلاح: ((الظاهر أنه لا يجوز وإن جازت الرواية بالمعنى، فإن شرط ذلك ألا يختلف المعنى، والمعنى في هذا مختلف)) . وكان أحمد إذا كان في الكتاب: النبي، فقال المحدث: رسول الله، ضرب وكتب: رسول الله. قال الخطيب: ((هذا غير لازم، وإنما استحب اتباع اللفظ، وإلا فمذهبه الترخيص في ذلك)) . وقد سأله ابنه صالح: يكون في الحديث رسول الله فيجعل النبي؟! قال: أرجو ألا يكون به
(2/12)
بأس، وقال حماد بن سلمة لعفان وبهز، لما جعلا يغيران النبي من رسول الله: أما أنتما فلا تفقهان أبدا. قلت: وقول ابن الصلاح: أن ((المعنى في هذا مختلف)) لا يمنع جواز ذلك؛ لأنه وإن اختلف معنى النبي والرسول، فإنه لا يختلف المعنى في نسبة ذلك القول لقائله باي وصف وصفه، إذا كان يعرف به. وأما ما استدل به بعضهم على المنع بحديث البراء بن عازب في الصحيح في الدعاء عند النوم، وفيه: ونبيك الذي أرسلت. فقال يستذكرهن: وبرسولك الذي أرسلت، فقال: ((لا وبنبيك الذي أرسلت)) فليس فيه دليل؛ لأن ألفاظ الأذكار توقيفية، وربما كان في اللفظ سر لا يحصل بغيره، ولعله أراد أن يجمع بين اللفظين في موضع واحد. وقال النووي: ((الصواب - والله أعلم - جوازه؛ لأنه لا يختلف به هنا معنى)) .
السماع على نوع من الوهن، أو عن رجلين
678.... ثم على السامع بالمذاكره ... بيانه كنوع وهن خامره
إذا سمع من الشيخ من حفظه في حالة المذاكرة، فعليه بيان ذلك بقوله: حدثنا مذاكرة، أو في المذاكرة، ونحو ذلك؛ لأنهم يتساهلون في المذاكرة. والحفظ خوان، ولهذا كان أحمد يمتنع من رواية ما يحفظه إلا من كتابه، وقد منع عبد الرحمن بن
(2/13)
مهدي وابن المبارك وأبو زرعة الرازي أن يحمل عنهم في المذاكرة شيء. هكذا قال ابن الصلاح: إن عليه بيان ما فيه بعض الوهن. وجعل من أمثلته ما سمعه في المذاكرة فتبعته في ذلك. وفي كلام الخطيب: إنه ليس بحتم، فإنه قال: ((وأستحب أن يقول: حدثناه في المذاكرة)) .
وقولي: (كنوع وهن خامره) أي: كما إذا كان في سماعه نوع من الوهن، فإن عليه بيانه، كأن يسمع من غير أصل، أو كان هو، أو شيخه يتحدث في وقت القراءة عليه، أو ينسخ، أو ينعس، أو كان سماع شيخه، أو سماعه هو بقراءة مصحف، أو لحان، أو كتابة التسميع بخط من فيه نظر، ونحو ذلك، فإن في إغفال ذلك وترك البيان نوعا من التدليس.
679.... والمتن عن شخصين واحد جرح ... لا يحسن الحذف له لكن يصح
680.... ومسلم عنه كنى فلم يوف ... والحذف حيث وثقا فهو أخف
إذا كان الحديث عن رجلين: أحدهما مجروح، كحديث لأنس يرويه عنه مثلا ثابت البناني، وأبان بن أبي عياش، ونحو ذلك، لا يحسن إسقاط المجروح - وهو أبان - والاقتصار على ثابت لجواز أن يكون فيه شيء عن أبان لم يذكره ثابت؛ وحمل لفظ أحدهما على الآخر، قال نحو ذلك أحمد، والخطيب، وقال ابن الصلاح: ((إنه
(2/14)
لا يمتنع ذلك امتناع تحريم؛ لأن الظاهر اتفاق الروايتين، وما ذكر من الاحتمال نادر بعيد)) . قال الخطيب: وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما أسقط المجروح من إلاسناد ويذكر الثقة، ثم يقول: ((وآخر)) كناية عن المجروح. قال: وهذا القول لا فائدة فيه. قال ابن الصلاح: ((وهكذا ينبغي، إذا كان الحديث عن ثقتين أن لا يسقط أحدهما منه؛ لتطرق مثل الاحتمال المذكور إليه، وإن كان محذور الإسقاط فيه أقل، ثم لا يمتنع ذلك)) .
681.... وإن يكن عن كل راو قطعه ... أجز بلا ميز بخلط جمعه
682.... مع البيان كحديث الإفك ... وجرح بعض مقتض للترك
683.... وحذف واحد من الإسناد ... في الصورتين امنع للازدياد
إذا لم يكن سمع جميع الحديث من شيخ واحد فأكثر، بل سمع قطعة من الحديث من شيخ، وقطعة منه من شيخ آخر، فما زاد، فإنه يجوز له أن يخلط الحديث ويرويه عنهما، أو عنهم جميعا، مع بيان أن عن كل شيخ بعض الحديث من غير تمييز لما سمعه من كل شيخ من الآخر، كحديث الإفك في الصحيح من رواية الزهري، حيث قال:
(2/15)
حدثني عروة، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، قال: وكل قد حدثني طائفة من حديثها، ودخل حديث بعضهم في بعض، وأنا أوعى لحديث بعضهم!!؟ فذكر الحديث. فإن اتفق في حديث غير هذا أن كان بعض الرواة في مثل هذه الصورة ضعيفا، فذلك مقتض لطرح جميع الحديث؛ لأنه ما من قطعة من الحديث، إلا وجائز أن تكون عن ذلك الراوي المجروح.
وقولي: (وحذف) ، هو مفعول مقدم، أي: امنع حذف واحد من الإسناد فيما نحن فيه في الصورتين، في صورة ما إذا كان الراويان، أو الرواة كلهم ثقات، وفي صورة ما إذا كان فيهم ضعيف؛ لأنك إذا حذفت واحدا من الإسناد، وأتيت بجميع الحديث، فقد زدت على بقية الرواة ما ليس من حديثهم، وإن حذفت بعض الحديث لم يعلم أن ما حذفته هو رواية من حذفت اسمه فيجب ذكر جميع الرواة في الصورتين معا. والله أعلم.
آداب المحدث
684.... وصحح النية في التحديث ... واحرص على نشرك للحديث
685.... ثم توضأ واغتسل واستعمل ... طيبا وتسريحا وزبر المعتلي
686.... صوتاعلى الحديث وأجلس بأدب ... وهيبة بصدر مجلس وهب
687.... لم يخلص النية طالب فعم ... ولا تحدث عجلا أو إن تقم
688.... أو في الطريق ثم حيث احتيج لك ... في شيء اروه وابن خلاد سلك
689.... بأنه يحسن للخمسينا ... عاما ولا بأس لأربعينا
690.... ورد. والشيخ بغير البارع ... خصص لاكمالك والشافعي
(2/16)
من تصدى لإسماع الحديث، أو الإفادة فيه فليقدم تصحيح النية وإخلاصها، فإنما الأعمال بالنيات، وقد قال سفيان الثوري: قلت لحبيب بن أبي ثابت حدثنا. قال: حتى تجيء النية. وقيل لأبي الأحوص سلام بن سليم حدثنا. فقال: ليست لي نية، فقالوا له: إنك تؤجر. فقال:
يمنونني الخير الكثير وليتني ... نجوت كفافا لا علي ولاليا
وروينا عن حماد بن زيد أنه قال: استغفر الله إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء، وليكن أكبر همه نشر الحديث، والعلم، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتبليغ عنه، وقد كان عروة يتألف الناس على حديثه. وقال سفيان الثوري: تعلموا هذا العلم فإذا علمتموه فتحفظوه، فإذا حفظتموه فاعملوا به، فإذا عملتم به فانشروه. ويستحب له أن يستعمل عند إرادة التحديث ما رويناه عن مالك - رضي الله عنه -، أنه كان إذا أراد أن يحدث توضأ، وجلس على صدر فراشه، وسرح لحيته، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة، وحدث، فقيل له في ذلك، فقال أحب أن أعظم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحدث إلا على طهارة متمكنا، وكان يكره أن يحدث في الطريق، أو وهو قائم، أو يستعجل وقال:
(2/17)
أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وروينا عنه أيضا أنه كان يغتسل لذلك ويتبخر ويتطيب، فإن رفع أحد صوته في مجلسه زبره، وقال: قال الله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} ، فمن رفع صوته عند حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقولي: (وهب لم يخلص النية) أي: وهب أن الطالب لم يخلص نيته فلا تمتنع من تحديثه، بل عم كل طالب علم. وروينا عن الثوري أنه قال: ما كان في الناس أفضل من طلبة الحديث، فقال له ابن مهدي: يطلبونه بغير نية، فقال: طلبهم إياه نية. وروينا عن حبيب بن أبي ثابت ومعمر بن راشد أنهما قالا: طلبنا الحديث وما لنا فيه نية، ثم رزق الله عز وجل النية بعد وروينا عن معمر أيضا، قال: إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله عز وجل. قال الخطيب: ((والذي نستحبه أن يروي المحدث لكل أحد سأله التحديث، ولا يمنع أحدا من الطلبة)) . وقولي: (أو أن تقم) أي: في حال قيامك، فإنه معطوف على الحال التي قبله.
(2/18)
وقولي: (ثم حيث احتيج لك في شيء اروه) ، بيان للوقت الذي يحسن فيه التصدي للإسماع، والتحديث. فإن كان قد احتيج إلى ما عنده، فقد اختلف فيه كلام الخطيب، وابن الصلاح في الوجوب والاستحباب، فلهذا أتيت فيه بصيغة الأمر الصالحة لهما في قولي: (اروه) . قال الخطيب في كتاب " الجامع ": فإن احتيج إليه في رواية الحديث قبل أن يعلوا سنه فيجب عليه أن يحدث، ولا يمتنع؛ لأن نشر العلم عند الحاجة إليه لازم، والممتنع من ذلك عاص آثم. وقال ابن الصلاح: والذي نقوله أنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته، ونشره في أي سن كان. وروينا عن أبي محمد بن خلاد الرامهرمزي في كتابه " المحدث الفاصل "، قال: الذي يصح عندي من طريق الأثر والنظر في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث؛ هو أن يستوفي الخمسين؛ لأنها انتهاء الكهولة، وفيها مجتمع الأشد. قال: ((وليس بمستنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين؛ لأنها حد الاستواء، ومنتهى الكمال، نبيء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو ابن أربعين، وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته ويتوفر عقله ويجود رأيه)) . وتعقبه القاضي عياض في كتاب " الإلماع "، فقال: واستحسانه هذا لا تقوم له حجة بما قال، وكم من السلف المتقدمين، ومن بعدهم من المحدثين من لم ينته إلى هذا السن، ولا استوفى هذا العمر، ومات قبله، وقد نشر من العلم، والحديث ما لا يحصى. هذا عمر بن عبد العزيز توفي ولم يكمل الأربعين، وسعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين.
(2/19)
وكذلك إبراهيم النخعي. وهذا مالك بن أنس قد جلس للناس ابن نيف وعشرين سنة، وقيل: ابن سبع عشرة سنة، والناس متوافرون، وشيوخه أحياء: ربيعة وابن شهاب وابن هرمز ونافع ومحمد بن المنكدر، وغيرهم. وقد سمع منه ابن شهاب حديث الفريعة. ثم قال: وكذلك محمد بن إدريس الشافعي قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة وانتصب لذلك في آخرين من الأئمة المتقدمين والمتأخرين. انتهى كلام القاضي عياض. وقد روينا عن محمد بن بشار بندار، أنه حدث وهو ابن ثماني عشرة سنة. وروينا عن أبي بكر الأعين، قال: كتبنا عن محمد بن إسماعيل البخاري على باب محمد بن يوسف الفريابي، وما في وجهه من شعرة. وروينا عن الخطيب قال: وقد حدثت أنا ولي عشرون
(2/20)
سنة، كتب عني شيخنا أبو القاسم الأزهري أشياء في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. انتهى. وقد حدث شيخنا الحافظ أبو العباس أحمد بن مظفر، وسنه ثماني عشرة سنة، سمع منه الحافظ أبو عبد الله الذهبي سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وحدث عنه في "معجمه" بحديث من " الأفراد " للدارقطني، وقال عقبه: أملاه علي ابن مظفر، وهو أمرد. وقد حدث شيخنا أبو الثناء محمود بن خليفة المنبجي وله عشرون سنة، سمع منه شيخنا العلامة شيخ الإسلام تقي الدين السبكي أحاديث من " فضائل القرآن "، لأبي عبيد.
قلت: وقد سمع مني صاحبنا العلامة أبو محمود محمد بن إبراهيم المقدسي، ولي عشرون سنة، سنة خمس وأربعين، وقد سمع على شيخنا الحافظ عماد الدين بن كثير حديثا من " أمالي ابن سمعون "، ولم أكمل يومئذ ثلاثين سنة، سنة أربع وخمسين بدمشق. وهذا ونحوه من رواية الأكابر عن الأصاغر. وقد حمل ابن الصلاح كلام ابن خلاد على محمل صحيح، فقال: ما ذكره ابن خلاد غير مستنكر، وهو محمول على أنه قاله فيمن يتصدى للتحديث ابتداء من نفسه من غير براعة في العلم تعجلت له قبل السن الذي ذكره. فهذا إنما ينبغي له ذلك بعد استيفاء السن المذكور، فإنه مظنة الاحتياج إلى ما عنده. قال: ((وأما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك، فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت، ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك، أو لأنهم سئلوا ذلك، إما بصريح السؤال، وإما بقرينة الحال)) انتهى كلامه.
وإليه الإشارة بقولي: (والشيخ بغير البارع خصص) أي: خصص كلام ابن خلاد بغير البارع في العلم.
691.... وينبغي الإمساك إذ يخشى الهرم ... وبالثمانين ابن خلاد جزم
692.... فإن يكن ثابت عقل لم يبل ... كأنس ومالك ومن فعل
693.... والبغوي والهجيمي وفئه ... كالطبري حدثوا بعد المائه
لما ذكر السن الذي ينبغي فيه التحديث ذكر بعده السن الذي ينبغي عنده الإمساك عن التحديث، قال القاضي عياض: ((الحد في ترك الشيخ التحديث التغير، وخوف الخرف)) ، وكذا قال ابن الصلاح: ((هو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف، ويخاف عليه فيه أن يخلط، ويروي ما ليس من حديثه. قال: والناس
(2/21)
في بلوغ هذا السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم)) . وروينا عن أبي محمد بن خلاد، قال: فإذا تناهى العمر بالمحدث فأعجب إلي أن يمسك في الثمانين؛ فإنه حد الهرم. قال والتسبيح، والذكر، وتلاوة القرآن؛ أولى بأبناء الثمانين فإن كان عقله ثابتا، ورأيه مجتمعا، يعرف حديثه، ويقوم به، وتحرى أن يحدث احتسابا، رجوت له خيرا؛ كالحضرمي وموسى وعبدان. قال: ولم أر بفهم أبي خليفة وضبطه بأسا مع سنه. انتهى كلامه. وقد حدث جماعة من الصحابة فمن بعدهم بعد مجاوزة الثمانين. فمن الصحابة: أنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، وسهل بن سعد، في آخرين. ومن التابعين: شريح القاضي، ومجاهد، والشعبي، في آخرين. ومن اتباعهم: مالك بن أنس، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، في آخرين منهم. وممن بعدهم، وقد ذكر القاضي عياض أن مالكا قال: ((إنما يخرف الكذابون)) وقد حدث جماعة بعد أن جاوزوا المائة.
فمن الصحابة: حكيم بن حزام، ومن التابعين: شريك بن عبد الله النمري، وممن بعدهم: الحسن بن عرفة، وأبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي، وأبو إسحاق إبراهيم بن علي الهجيمي، حدث وهو ابن مائة وثلاث سنين، والقاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، والحافظ أبو الطاهر أحمد بن محمد السلفي، وغيرهم؛ ولم يتغير أحد منهم. وقرأ القارئ يوما على الهجيمي بعد أن جاوز المائة، وأراد اختباره بذلك.
(2/22)
إن الجبان حتفه من فوقه ... كالكلب يحمي جلده بروقه
فقال له الهجيمي: قل الثور يا ثور! فإن الكلب لا روق له، ففرح الناس بصحة عقله وجودة حسه. قال الجوهري: ((والروق: القرن)) . قال القاضي عياض: ((وإنما كره من كره لإصحاب الثمانين التحديث؛ لأن الغالب على من يبلغ هذا السن اختلال الجسم، والذكر، وضعف الحال، وتغير الفهم، وحلول الخرف؛ مخافة أن يبدأ به التغير والاختلال، فلا يفطن له إلا بعد أن جازت عليه أشياء)) .
694 ... وينبغي إمساك الاعمى إن يخف ... وإن من سيل بجزء قد عرف
695 ... رجحان راو فيه دل فهو حق ... وترك تحديث بحضرة الأحق
696 ... وبعضهم كره الأخذ عنه ... ببلد وفيه أولى منه
أي: وينبغي لمن عمي وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه، أن يمسك عن الرواية. وينبغي أيضا للمحدث إذا سئل بجزء، أو كتاب أن يقرأ عليه، وهو يعلم أن غيره في بلدته أو غيرها أرجح في روايته منه، بكونه أعلى إسنادا منه فيه، أو سماع غيره متصلا بالسماع وفي طريقه هو إجازة، أو غير ذلك من الترجيحات أن يدل السائل على
(2/23)
من هو أحق منه بذلك، فذلك من النصيحة في العلم. وينبغي أيضا أن لا يحدث بحضرة من هو أحق بالتحديث وأولى به منه، فقد كان إبراهيم النخعي إذا اجتمع مع الشعبي لم يتكلم إبراهيم بشيء. وزاد بعضهم على هذا بأن كره الرواية ببلد وفيه من هو أولى منه لسنه، أو غير ذلك. فقد قال يحيى بن معين: الذي يحدث ببلدة وفيها أولى بالتحديث منه أحمق. وروي عنه أنه قال: إذا حدثت ببلد فيه مثل أبي مسهر، فيجب للحيتي أن تحلق.
697 ... ولا تقم لأحد وأقبل ... عليهم وللحديث رتل
698 ... واحمد وصل مع سلام ودعا ... في بدء مجلس وختمه معا
وينبغي للشيخ أن لا يقوم لأحد في حال التحديث . وكذلك قارئ الحديث، فقد بلغنا عن محمد بن أحمد بن عبد الله الفقيه، وهو أبو زيد المروزي، أنه قال: القارئ لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام لأحد فإنه تكتب عليه خطيئة. ويستحب له أن يقبل على من يحدثهم، فقد روينا عن حبيب بن أبي ثابت، قال: من السنة إذا حدث القوم أن يقبل عليهم جميعا. وروينا عنه قال: كانوا يحبون إذا حدث الرجل لا يقبل على الرجل الواحد، ولكن ليعمهم. ويستحب أن يرتل الحديث، ولا يسرده سردا
(2/24)
يمنع السامع من إدراك بعضه. ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يسرد الحديث كسردكم. زاد الترمذي: ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل، يحفظه من جلس إليه. وقال: حديث حسن صحيح. ويستحب له أن يفتتح مجلسه ويختمه بتحميد الله تعالى وصلاة وسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودعاء يليق بالحال. قال ابن الصلاح: ((ومن أبلغ ما يفتتحه به أن يقول: الحمد لله رب العالمين، أكمل الحمد على كل حال، والصلاة والسلام الأتمان على سيد المرسلين، كلما ذكره الذاكرون، وكلما غفل عن ذكره الغافلون، اللهم صل عليه، وعلى آله، وسائر النبيين، وآل كل وسائر الصالحين، نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون)) .
(2/25)
699.... واعقد للاملا مجلسا فذاك من ... أرفع الاسماع والاخذ ثم إن
700.... تكثر جموع فاتخذ مستمليا ... محصلا ذا يقظة مستويا
701.... بعال او فقائما يتبع ما ... يسمعه مبلغا أو مفهما
يستحب للمحدث العارف أن يعقد مجلسا لإملاء الحديث، فإنه من أعلى مراتب الإسماع، والتحمل. فإن كثر الجمع فليتخذ مستمليا يبلغ عنه. فقد فعل ذلك مالك، وشعبة، ووكيع، وأبو عاصم، ويزيد بن هارون، في عدد كثير من الحفاظ، والمحدثين وقد روينا في سنن أبي داود والنسائي من حديث رافع بن عمرو، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يخطب الناس بمنى، حيث ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلي - رضي الله عنه - يعبر عنه. فإن تكاثر الجمع بحيث لا يكفي بمستمل واحد اتخذ مستمليين فأكثر. فقد روينا أن أبا مسلم الكجي، أملى في رحبة غسان. وكان في مجلسه سبعة مستملين، يبلغ كل واحد صاحبه الذي يليه، وكتب الناس عنه قياما بأيديهم المحابر، ثم مسحت الرحبة، وحسب من حضر بمحبرة فبلغ ذلك نيفا وأربعين ألف محبرة سوى النظارة. وروينا أن مجلس عاصم بن علي كان
(2/26)
يحزر بأكثر من مائة ألف إنسان، وكان يستملي عليه هارون الديك وهارون مكحلة.
وليكن المستملي محصلا متيقظا فهما، لا كمستملي يزيد بن هارون حيث سئل يزيد عن حديث فقال: حدثنا به عدة، فصاح المستملي: يا أبا خالد (1) عدة ابن من؟ فقال له: عدة ابن فقدتك! وليكن المستملي على موضع مرتفع من كرسي، أو نحوه وإلا فقائما على قدميه، ليكون أبلغ للسامعين، وعلى المستملي أن يتبع لفظ المملي فيؤديه على وجهه من غير تغيير، وقال الخطيب: ((يستحب له أن لا يخالف لفظه)) . وقال ابن الصلاح: عليه ذلك كما تقدم. وفائدته إبلاغ من لم يبلغه لفظ المملي، وإفهام من بلغه على بعد، ولم يتفهمه. فيتوصل بصوت المستملي إلى تفهمه وتحققه. وقد تقدم الكلام فيمن لم يسمع إلا لفظ المستملي، هل له أن يرويه عن المملي، أو ليس له إلا أن يرويه عن المستملي عنه؟ !
702 ... واستحسنوا البدء بقارئ تلا ... وبعده استنصت ثم بسملا
703 ... فالحمد فالصلاة ثم أقبل ... يقول: من أوما ذكرت وابتهل
704 ... له وصلى وترضى رافعا ... والشيخ ترجم الشيوخ ودعا
واستحسنوا افتتاح مجلس الإملاء بقراءة قارئ لشيء من القرآن العظيم
(2/27)
وقال الخطيب: سورة من القرآن. ثم روى بإسناده إلى أبي نضرة، قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرؤوا سورة، فإذا فرغ القارئ استنصت المستملي أهل المجلس، حيث احتيج للاستنصات. ففي الصحيحين من حديث جرير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له في حجة الوداع: استنصت الناس. فإذا أنصت الناس بسمل المستملي وحمد الله تعالى، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم أقبل على الشيخ المحدث قائلا له: من ذكرت؟ أي: من الشيوخ، أو ما ذكرت؟ أي: من الأحاديث رحمك الله، أو غفر الله لك وهو المراد بقولي: (وابتهل له) أي: ودعا له. وقد روينا عن يحيى بن أكثم، قال: نلت القضاء وقضاء القضاة والوزارة، وكذا، وكذا، ما سررت بشيء مثل قول المستملي: من ذكرت رحمك الله. قال الخطيب: وإذا انتهى المستملي في الإسناد إلى ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - استحب له الصلاة عليه رافعا صوته بذلك، وهكذا يفعل في كل حديث عاد فيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: وإذا انتهى إلى ذكر بعض الصحابة، قال: رضوان الله عليهم، أو رضي الله عنه. انتهى. وكذلك الترضي والترحم عن الأئمة، فقد روى الخطيب أن الربيع بن سليمان قال القارئ يوما: حدثكم الشافعي فلم يقل: - رضي الله عنه -، فقال الربيع: ولا حرف حتى يقال: - رضي الله عنه -.
(2/28)
وقولي: (والشيخ) ، هو مبتدأ، أي: الشيخ المملي يترجم شيوخه الذين يحدث عنهم بذكر أنسابهم، وبعض مناقبهم، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة. قال الخطيب: إذ فعل المستملي ما ذكرته، قال الراوي: حدثنا فلان. ثم نسب شيخه الذي سماه حتى يبلغ بنسبه منتهاه. قال: والجمع بين اسم الشيخ وكنيته أبلغ في إعظامه. ثم قال: إنه يقتصر في الرواية على اسم من لا يشكل كأيوب ويونس ومالك والليث، ونحوهم. وهكذا من كان مشهورا بنسبه إلى أبيه، أو قبيلته. قد اكتفي في كثير من الرواة بذكر ما اشتهر به، وإن لم يسم كابن عون، وابن جريج، وابن لهيعة، وابن عيينة، ونحوهم، وكالشعبي، والنخعي، والزهري، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، ونحوهم. ثم ذكر من اشتهر بلقب، أو كنية، أو نسبة لأم، أو نقص كالعور، ونحوه، وسيأتي. وأما ذكر بعض أوصاف شيوخه، فكقول أبي مسلم الخولاني: حدثني الحبيب الأمين أما هو إلي فحبيب، وأما هو عندي فأمين: عوف بن مالك)) رواه مسلم. وكقول مسروق: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله المبرأة. وكقول عطاء بن أبي رباح: حدثني البحر. يريد: ابن عباس. وكقول الشعبي: حدثنا الربيع ابن خثيم، وكان من معادن الصدق. وكقول ابن
(2/29)
عيينة: حدثنا أوثق الناس: أيوب. وكقول شعبة: حدثني سيد الفقهاء: أيوب. وقال وكيع: حدثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث.
وقال ابن خزيمة: حدثنا من لم تر عيناي مثله: أبو الحسن محمد بن أسلم الطوسي، وحدثني الحافظ أبو سعيد العلائي يوما عن الرضي الطبري، فقال: حدثنا الإمام أبو إسحاق الطبري، وهو أجل شيخ لقيته.
705 ... وذكر معروف بشيء من لقب ... كغندر أو وصف نقص أو نسب
706 ... لأمه فجائز ما لم يكن ... يكرهه كابن علية فصن
قال الخطيب: غلبت ألقاب جماعة من أهل العلم، [على أسمائهم] فاقتصر الناس على ذكر ألقابهم في الرواية عنهم، منهم: غندر محمد بن جعفر، ولوين محمد بن سليمان المصيصي، ومشكدانة عبد الله بن عمر الكوفي، وعارم محمد بن الفضل السدوسي، وسعدويه سعيد بن سليمان
(2/30)
الواسطي، وصاعقة محمد ابن عبد الرحيم البغدادي، ومطين محمد بن عبد الله الحضرمي، ونفطويه إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي. وقال: ((لم يختلف العلماء في أنه يجوز ذكر الشيخ وتعريفه بصفته التي ليست نقصا في خلقته، كالطول والقصر، والزرقة، والشقرة، والحمرة، والصفرة، قال: وكذلك يجوز وصفه بالعرج، والقصر، والعمى، والعور، والعمش، والحول، والإقعاد، والشلل، كعمران القصير، وأبي معاوية الضرير، وهارون بن موسى الأعور، وسليمان الأعمش، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعاصم الأحول، وأبي معمر المقعد، ومنصور الأشل وجماعة)) .
وسئل ابن المبارك عن فلان القصير، وفلان الأعرج، وفلان الأصفر، وحميد الطويل، قال: إذا أراد صفته ولم يرد عيبه فلا بأس. قال الخطيب: وإذا كان معروفا باسم أمه، وهو الغالب عليه، جاز نسبته إليه، مثل: ابن بحينة، وابن أم مكتوم، ويعلى بن منية، والحارث بن البرصاء، وغيرهم من الصحابة، ومن بعدهم كمنصور بن
(2/31)
صفية، وإسماعيل بن علية. واستثنى ابن الصلاح من الجواز ما يكرهه الملقب، فقال: إلا ما يكرهه من ذلك، كما في إسماعيل بن إبراهيم، المعروف بابن علية، وهي أمه، وقيل: أم أمه. روينا عن يحيى بن معين أنه كان يقول: حدثنا إسماعيل بن علية، فنهاه أحمد بن حنبل، وقال: قل: إسماعيل بن إبراهيم، فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه، فقال: قد قبلنا منك يا معلم الخير. انتهى.
ولم يستثن الخطيب ذلك من الجواز، بل: روى هذه الحكاية، والظاهر أن ما قاله أحمد هو على طريق الأدب، لا اللزوم.
707.... وارو في الاملا عن شيوخ قدم ... أولاهم وانتقه وأفهم
708.... ما فيه من فائدة ولا تزد ... عن كل شيخ فوق متن واعتمد
709.... عالي إسناد قصير متن ... واجتنب المشكل خوف الفتن
قال الخطيب: يستحب للراوي ألا يقتصر في إملائه على الرواية عن شيخ واحد من شيوخه، بل يروي عن جماعتهم، ويقدم من علا إسناده منهم. زاد ابن الصلاح: أو يقدم الأولى من وجه آخر، قال: ويتقي ما يمليه ويتحرى المستفاد
(2/32)
منه. قال الخطيب: ومن أنفع ما يملي الأحاديث الفقهية. قال: ((ويستحب أيضا إملاء أحاديث الترغيب)) ، قال: وإذا روى حديثا فيه كلام غريب فسره، أو معنى غامض بينه وأظهره. ثم روى عن ابن مهدي قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لكتبت بجنب كل حديث تفسيره. قال الخطيب: ويستحب للراوي أن ينبه على فضل ما يرويه، ويبين المعاني التي لا يعرفها إلا الحفاظ من أمثاله وذويه فإن كان الحديث عاليا علوا متفاوتا، وصفه بذلك، وهكذا إذا كان راويه غاية في الثقة والعدالة. قال: ويستحب إن روى حديثا معلولا أن يبين علته: وإذا كان في الإسناد اسم يشاكل غيره في الصورة، استحببت له أن يذكر صورة إعجامه. ثم ذكر التنبيه على تاريخ السماع القديم، وكونه انفرد عن شيخه به وكون الحديث لا يوجد إلا عنده. قال الخطيب: ويكون إملاؤه عن كل شيخ حديثا واحدا فإنه أعم للفائدة، وأكثر للمنفعة قال: ويعتمد ما علا سنده وقصر متنه. وروينا عن علي بن حجر أنه كان يقول:
(2/33)
وظيفتنا مائة للغريـ ... ب في كل يوم سوى ما يعاد
شريكية أو هشيمية ... أحاديث فقه قصار جياد
قال الخطيب: وينبغي أن يعتمد في إملائه الرواية عن ثقات شيوخه، ولا يروي عن كذاب، ولا متظاهر ببدعة، ولا معروف بالفسق، قال: ((وليتجنب في أماليه رواية ما لا تحتمله عقول العوام لما لا يؤمن عليهم فيه من دخول الخطأ والأوهام، أن يشبهوا الله تعالى بخلقه، ويلحقوا به ما يستحيل في وصفه، وذلك نحو أحاديث الصفات التي ظاهرها يقتضي التشبيه، والتجسيم، وإثبات الجوارح والأعضاء للأزلي القديم؛ وإن كانت الأحاديث صحاحا ولها في التأويل طرق ووجوه، إلا أن من حقها ألا تروى إلا لأهلها خوفا من أن يضل بها من جهل معانيها، فيحملها على ظاهرها، أو يستنكرها فيردها، ويكذب رواتها، ونقلتها، ثم روى حديث أبي هريرة: ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)) . وقول علي: تحبون أن يكذب الله ورسوله؟ حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون. وقول ابن مسعود: إن الرجل ليحدث بالحديث، فيسمعه من لا يبلغ عقله فهم ذلك الحديث،
(2/34)
فيكون عليه فتنة قال الخطيب: ومما رأى العلماء أن الصدوف عن روايته للعوام أولى: أحاديث الرخص، كحديث الرخصة في النبيذ، ثم ذكر كراهية رواية أحاديث بني إسرائيل المأثورة عن أهل الكتاب، وما نقل عن أهل الكتاب. ثم روى عن الشافعي أن معنى حديث: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. أي لا بأس أن تحدثوا عنهم ما سمعتم وإن استحال أن يكون في هذه الأمة، مثل ما روي أن ثيابهم تطول، والنار التي تنزل من السماء فتأكل القربان. انتهى.
وقال بعض العلماء: إن قوله ولا حرج في موضع الحال، أي حدثوا عنهم حيث لا حرج في التحديث عنهم، كما حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أخبارهم قال الخطيب وعن صحابته، وعن العلماء، فإن روايته تجوز. قال الخطيب: ((وليتجنب ما شجر بين
(2/35)
الصحابة، وقد روى الخطيب في كتاب له في القول في علم النجوم من حديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال إذا ذكر أصحابي فأمسكوا
ورواه ابن عدي من حديث ابن عمر أيضا، وكلاهما لا يصح. (والفتن)
- بفتح الفاء -: مصدر قولك: فتن، حكاه الخليل بن أحمد.
710.... واستحسن الإنشاد في الأواخر ... بعد الحكايات مع النوادر
711.... وإن يخرج للرواة متقن ... مجالس الإملاء فهو حسن
712.... وليس بالإملاء حين يكمل ... غنى عن العرض لزيغ يحصل
جرت عادة غير واحد من الأئمة أن يختم مجالس الإملاء بشيء من الحكايات والنوادر والإنشادات بأسانيدها. قال ابن الصلاح: وذلك حسن. وقد بوب له الخطيب في
(2/36)
" الجامع "، واستدل له بما روى بإسناده إلى علي - رضي الله عنه - قال: روحوا القلوب، وابتغوا لها طرف الحكمة. وعن الزهري: أنه كان يقول لأصحابه: هاتوا من أشعاركم، هاتوا من حديثكم، فإن الأذن مجة والقلب حمض. وعن حماد بن زيد: أنه حدث بأحاديث، ثم قال: لتأخذوا في أبزار الجنة، فحدثنا بالحكايات. وعن كثير بن أفلح، قال: آخر مجلس جالسنا فيه زيد بن ثابت، تناشدنا فيه الشعر.
قال الخطيب: وإن لم يكن الراوي من أهل المعرفة بالحديث، وعلله، واختلاف وجوهه، وطرقه، وغير ذلك من أنواع علومه، فينبغي له أن يستعين ببعض حفاظ وقته في تخريج الأحاديث التي يريد إملاء ها قبل يوم مجلسه. فقد كان جماعة من شيوخنا يفعلون ذلك منهم: أبو الحسين بن بشران والقاضي أبو عمر الهاشمي، وأبو القاسم السراج، وغيرهم. قال ابن الصلاح: ((وإذا نجز الإملاء فلا غنى عن مقابلته، وإتقانه، وإصلاح ما فسد منه بزيغ القلم، وطغيانه)) . هكذا قال ابن الصلاح هنا،
(2/37)
أنه لا غنى عن مقابلة الإملاء، وقد تقدم في كلامه الترخيص في الرواية من الأصل غير المقابل بشروط ثلاثة، ولم يذكر ذلك هنا، فيحتمل أن يحمل هذا على ما تقدم، ويحتمل أن يفرق بين النسخ من أصل السماع، والنسخ من إملاء الشيخ حفظا؛ لأن الحفظ يخون. ولكن المقابلة للإملاء، إنما هي مع الشيخ أيضا من حفظه، لا على أصوله، وليس في كلام الخطيب هنا اشتراط مقابلة الإملاء، وإنما ترجم عليه بقوله: المعارضة بالمجلس المكتوب وإتقانه، وإصلاح ما أفسد منه زيغ القلم، وطغيانه، ثم روى بإسناده إلى زيد بن ثابت، قال: كنت أكتب الوحي عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا فرغت قال: اقرأه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثم يخرج به.
آداب طالب الحديث
713.... وأخلص النية في طلبكا ... وجد وابدأ بعوالي مصركا
714.... وما يهم ثم شد الرحلا ... لغيره ولا تساهل حملا
أول ما يجب على الطالب إخلاص النية، فقد روينا في " سنن أبي داود "، و"ابن ماجه" من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد
(2/38)
عرف الجنة يوم القيامة. وروينا عن حماد بن سلمة قال: من طلب الحديث لغير الله مكر به. قال الخطيب: إذا عزم الله تعالى لامرئ على سماع الحديث وحضرته نية في الاشتغال به، فينبغي أن يقدم المسألة لله تعالى أن يوفقه فيه، ويعينه عليه، ثم يبادر إلى السماع، ويحرص على ذلك من غير توقف، ولا تأخير. وفي " صحيح مسلم " من حديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)) . وليجد الطالب في طلبه، فقد روينا عن يحيى بن أبي كثير، قال: لا ينال العلم براحة الجسد. وروينا عن الشافعي قال: لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملل، وغنى النفس، فيفلح، ولكن من طلبه بذلة النفس، وضيق العيش، وخدمة العلم، أفلح. قال الخطيب: ويعمد إلى أسند شيوخ مصره، وأقدمهم سماعا فيديم الاختلاف إليه، ويواصل العكوف عليه، فيقدم السماع منه، وإن تكافأت أسانيد جماعة من الشيوخ في العلو، وأراد أن يقتصر على السماع من بعضهم، فينبغي أن يتخير المشهور منهم
(2/39)
بطلب الحديث، المشار إليه بالإتقان له، والمعرفة به. وإذا تساووا في الإسناد والمعرفة فمن كان من الأشراف وذوي الأنساب، فهو أولى أن يسمع منه.
وروينا عن الحافظ أبي الفضل صالح بن أحمد التميمي، قال: ينبغي لطالب الحديث ومن عنى به أن يبدأ بكتب حديث بلده، ومعرفة أهله منهم، وتفهمه وضبطه حتى يعلم صحيحها وسقيمها، ويعرف من أهل الحديث بها، وأحوالهم معرفة تامة، إذا كان في بلده علم وعلماء، قديما وحديثا. ثم يشتغل بعد بحديث البلدان والرحلة فيه.
وروينا عن أبي عبيدة، قال: من شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم. وقال الخطيب: المقصود بالرحلة في الحديث أمران:
أحدهما: تحصيل علو الإسناد وقدم السماع. والثاني: لقاء الحفاظ، والمذاكرة لهم، والاستفادة عنهم. فإذا كان الأمران موجودين في بلد الطالب، ومعدومين في غيره، فلا فائدة في الرحلة، فالاقتصار على ما في البلد أولى. فإذا كانا موجودين في بلد الطالب، وفي غيره إلا أن ما في كل واحد من البلدين يختص به، أي: من العوالي والحفاظ؛ فالمستحب للطالب الرحلة لجمع الفائدتين من علو الإسنادين، وعلم الطائفتين. لكن بعد تحصيله حديث بلده وتمهره في المعرفة به. قال: وإذا عزم الطالب على الرحلة، فينبغي له ألا يترك في بلده من الرواة أحدا إلا ويكتب عنه ما تيسر من الأحاديث، وإن قلت فإني سمعت بعض أصحابنا يقول: ضيع ورقة ولا تضيعن شيخا. وروينا عن أحمد
(2/40)
وسأله ابنه عبد الله عمن طلب العلم، ترى له أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه؟ أو ترى له أن يرحل إلى المواضع التي فيها العلم فيسمع منهم؟ قال: يرحل، يكتب عن الكوفيين والبصريين، وأهل المدينة ومكة يشام الناس يسمع منهم. وروينا عن ابن معين، قال: أربعة لا تؤنس منهم رشدا منهم رجل يكتب في بلده، ولا يرحل في طلب الحديث. وقال إبراهيم بن أدهم: إن الله يدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث. قال ابن الصلاح: ولا يحملنه الحرص والشره على التساهل في السماع والتحمل، والإخلال بما عليه في ذلك. وقال الخطيب: ليعلم الطالب أن شهوة السماع لا تنتهي، والنهمة من الطلب لا تنقضي، والعلم كالبحار المتعذر كيلها، والمعادن التي لا ينقطع نيلها.
فلا ينبغي له أن يشتغل في الغربة إلا بما يستحق لأجله الرحلة.
وقولي: (حملا) تمييز، أي: ولا تتساهل في الحمل والسماع.
(2/41)
715.... واعمل بما تسمع في الفضائل ... والشيخ بجله ولا تثاقل
716.... عليه تطويلا بحيث يضجر ... ولا تكن يمنعك التكبر
717.... أو الحيا عن طلب واجتنب ... كتم السماع فهو لؤم واكتب
718.... ما تستفيد عاليا ونازلا ... لا كثرة الشيوخ صيتا عاطلا
719.... ومن يقل إذا كتبت قمش ... ثم إذا رويته ففتش
720.... فليس من ذا والكتاب تمم ... سماعه لا تنتخبه تندم
721.... وإن يضق حال عن استيعابه ... لعارف أجاد في انتخابه
722.... أو قصر استعان ذا حفظ فقد ... كان من الحفاظ من له يعد
723.... وعلموا في الأصل إما خطا ... أو همزتين أو بصاد أو طا
وليستعمل الطالب ما سمع من الحديث في فضائل الأعمال، فقد روينا في حديث علي: أن رجلا قال: يا رسول الله، ما ينفي عني حجة الجهل؟ قال: العلم. قال: فما ينفي عني حجة العلم؟ قال: العمل.
وروينا عن بشر بن الحارث، قال: يا أصحاب الحديث! أدوا زكاة هذا الحديث، اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث.
(2/42)
وروينا عن عمرو بن قيس الملائي، قال: إذا بلغك شيء من الخير فاعمل به، - ولو مرة - تكن من أهله. وروينا عن وكيع، قال: إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به وروينا عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، قال كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به وروينا عن أحمد بن حنبل، قال ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به، حتى مر بي في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا، فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت وليبجل الطالب الشيخ، فقد روينا عن مغيرة، قال كنا نهاب إبراهيم، كما نهاب الأمير وروينا عن البخاري قال ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين. وليحذر من التثقيل عليه لئلا يضجره ويمله. قال الخطيب: وإذا حدثه فيجب أن يأخذ منه العفو ولا يضجره. قال: والإضجار يغير الأفهام، ويفسد الأخلاق، ويحيل الطباع، وقد كان إسماعيل بن أبي خالد من أحسن الناس خلقا، فلم يزالوا به حتى ساء خلقه. وروينا عن محمد بن سيرين: أنه سأله رجل عن حديث وقد أراد أن يقوم، فقال: إنك إن كلفتني ما لم أطق،
(2/43)
ساءك ما سرك مني من خلق. قال ابن الصلاح: ((يخشى على فاعل ذلك أن يحرم الانتفاع)) .
قلت: وقد جربت ذلك، فإن شيخنا أبا العباس أحمد بن عبد الرحمن المرداوي، كان كبر وعجز عن الإسماع حتى كنا نتألفه على قراءة الشيء اليسير، فقرأ عليه بعض أصحابنا فيما بلغني"العمدة" بإجازته من ابن عبد الدائم وأطال عليه فأضجره فكان يقول له الشيخ: لا أحياك الله أن ترويها عني، أو نحو ذلك، فمات الطالب بعد قليل، ولم ينتفع بما سمعه عليه.
وليحذر الطالب أن يمنعه التكبر، أو الحياء عن طلب العلم، فقد ذكر البخاري عن مجاهد قال: ((لا ينال العلم مستحي، ولا مستكبر)) ، وليتجنب الطالب أن يظفر بشيخ، أو بسماع لشيخ فيكتمه لينفرد به عن أضرابه، فذلك لؤم من فاعله، على أنه قد روينا فعل ذلك عن جماعة من الأئمة المتقدمين، كشعبة وسفيان الثوري، وهشيم، والليث، وابن جريج، وسفيان بن عيينة، وابن لهيعة، وعبد الرزاق، فالله أعلم بمقاصدهم في ذلك. وروينا عن مالك قال: من بركة الحديث إفادة بعضهم بعضا
(2/44)
، ونحوه عن ابن المبارك ويحيى بن معين. وروينا عن يحيى بن معين، قال: من بخل بالحديث، وكتم على الناس سماعهم، لم يفلح. وروينا عن إسحاق بن راهويه، قال: قد رأينا أقواما منعوا هذا السماع، فوالله ما أفلحوا ولا أنجحوا. قال الخطيب: ((والذي نستحبه إفادة الحديث لمن لم يسمعه والدلالة على الشيوخ والتنبيه على رواياتهم، فإن أقل ما في ذلك النصح للطالب، والحفظ للمطلوب، مع ما يكتسب به من جزيل الأجر، وجميل الذكر)) ، ثم روى بإسناده إلى ابن عباس رفعه، قال: إخواني تناصحوا في العلم ولا يكتم بعضكم بعضا، فإن خيانة الرجل في علمه، أشد من خيانته في ماله، ثم روى عن الثوري قال: ليفد بعضكم بعضا، وهذا يدل على أن ما روي عنه وعمن تقدم ذكره من الأئمة مما يخالف ذلك محمول على كتمه عمن لم يروه أهلا، أو على من لم يقبل الصواب إذا أرشد إليه، أو نحو ذلك.
وقد قال الخطيب: ((من أداه - لجهله - فرط التيه والإعجاب إلى المحاماة عن الخطأ والمماراة في الصواب، فهو بذلك الوصف مذموم مأثوم، ومحتجز الفائدة عنه غير مؤنب ولا ملوم)) .
(2/45)
وروينا عن الخليل بن أحمد أنه قال لأبي عبيدة معمر بن المثنى: لا تردن على معجب خطأ، فيستفيد منك علما، ويتخذك به عدوا.
ولتكن همة الطالب تحصيل الفائدة، سواء وقعت له بعلو أم بنزول ولا يأنف أن يكتب عمن هو دونه ما يستفيده. روينا عن سفيان ووكيع قالا: لا يكون الرجل من أهل الحديث، حتى يكتب. وقال وكيع: لا يكون عالما حتى يأخذ عمن هو فوقه، وعمن هو دونه، وعمن هو مثله. وكان ابن المبارك يكتب عمن هو دونه، فقيل له، فقال: لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم تقع لي.
وليحذر الطالب أن تكون همته تكثير الشيوخ لمجرد اسم الكثرة وصيتها، قال ابن الصلاح: وليس بموفق من ضيع شيئا من وقته في ذلك.
وروينا عن عفان أنه سمع قوما يقولون: نسخنا كتب فلان، فقال: هذا الضرب من الناس، لا يفلحون. كنا نأتي هذا فنسمع منه ما ليس عند هذا، ونسمع من هذا ما ليس عند هذا، فقدمنا الكوفة، فأقمنا أربعة أشهر، ولو أردنا أن نكتب مائة ألف حديث، لكتبناها، فما كتبنا إلا قدر خمسة آلاف حديث، وما رضينا من أحد إلا بالإملاء؛ إلا شريك فإنه أبى علينا. قال ابن الصلاح: ((وليس من ذلك قول أبي
(2/46)
حاتم الرازي: إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت ففتش)) . والتقميش والقمش أيضا: جمع الشيء من هاهنا وهاهنا. ولم يبين ابن الصلاح ما المراد بذلك، وكأنه أراد: اكتب الفائدة ممن سمعتها ولا تؤخر ذلك حتى تنظر فيمن حدثك، أهو أهل أن يؤخذ عنه أم لا؟ فربما فات ذلك (1) بموت الشيخ أو سفره، أو سفرك. فإذا كان وقت الرواية عنه، أو وقت العمل بذلك، ففتش حينئذ. وقد ترجم عليه الخطيب: باب من قال: يكتب عن كل أحد.
ويحتمل: أن مراد أبي حاتم استيعاب الكتاب المسموع، وترك انتخابه، أو استيعاب ما عند الشيخ وقت التحمل، ويكون النظر فيه حالة الرواية. وقد يكون قصد المحدث تكثير طرق الحديث، وجمع أطرافه، فيكثر لذلك شيوخه ولا بأس بذلك. فقد روينا عن أبي حاتم قال: لو لم نكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه. وقد وصف بالإكثار من الشيوخ سفيان الثوري، وأبو داود الطيالسي، ويونس بن محمد المؤدب، ومحمد بن يونس الكديمي، وأبو عبد الله ابن منده، والقاسم بن داود البغدادي، روينا عنه قال: كتبت عن ستة آلاف شيخ.
وينبغي للطالب أن يسمع، ويكتب ما وقع له من كتاب، أو جزء على التمام، ولا ينتخبه، فربما احتاج بعد ذلك إلى رواية شيء منه لم يكن فيما انتخبه منه، فيندم،
_________
(1) سقطت من النسخ المطبوعة
(2/47)
وقد روينا عن ابن المبارك قال: ما انتخبت على عالم قط، إلا ندمت. وروينا عنه قال: ما جاء من منتق خير قط. وروينا عن يحيى ابن معين قال: صاحب الانتخاب يندم، وصاحب النسخ لا يندم. وقد فرق الخطيب في ذلك بين أن يكون الشيخ عسرا، والطالب واردا غريبا؛ فقال: إذا كان المحدث مكثرا وفي الرواية معسرا، فينبغي للطالب أن ينتقي حديثه، وينتخبه، فيكتب عنه ما لا يجده عند غيره، ويتجنب المعاد من رواياته قال: وهكذا حكم الواردين من الغرباء الذين لا يمكنهم طول الإقامة والثواء. قال: وأما متىلم يتميز للطالب معاد حديثه من غيره، وما يشارك في روايته مما ينفرد به، فالأولى أن يكتب حديثه على الاستيعاب دون الانتقاء والانتخاب. انتهى. وإليه أشرت بقولي: (وإن يضق حال عن استيعابه) أي: لعسر الشيخ، أو لكون الشيخ، أو الطالب واردا غير مقيم، ونحو ذلك.
وقولي: (لعارف) أي: بجودة الانتخاب فقد روينا عن يحيى بن معين قال: دفع إلي ابن وهب كتابين عن معاوية بن صالح خمسمائة أو ستمائة حديث، فانتقيت شرارها لم يكن لي بها يومئذ معرفة.
(2/48)
وإن قصر الطالب عن معرفة الانتخاب وجودته، فقال الخطيب: ((ينبغي أن يستعين ببعض حفاظ وقته على انتقاء ما له غرض في سماعه وكتبه. ثم ذكر من المعروفين بحسن الانتقاء أبا زرعة الرازي، وأبا عبد الرحمن النسائي، وإبراهيم بن أورمة الأصبهاني، وعبيدا العجل، وأبا بكر الجعابي، وعمر البصري، ومحمد بن المظفر، والدارقطني، وأبا الفتح ابن أبي الفوارس، وأبا القاسم هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي.
وقولي: (وعلموا في الأصل) . هذا بيان لما جرت به عادة الحفاظ من تعليمهم في أصل الشيخ على ما انتخبوه. وفائدته لأجل المعارضة أو ليمسك الشيخ أصله، أو لاحتمال ذهاب الفرع، فينقل من الأصل، أو يحدث من الأصل بذلك المعلم عليه.
واختياراتهم لصورة العلامة مختلفة، ولا حرج في ذلك، فكان الدارقطني يعلم بخط عريض، بالحمرة في الحاشية اليسرى، وكان اللالكائي يعلم على أول إسناد الحديث بخط صغير، بالحمرة. وهذا الذي استقر عليه عمل أكثر المتأخرين وكان أبو الفضل علي بن الحسن الفلكي يعلم بصورة همزتين بحبر في الحاشية اليمنى. وكان أبو الحسن علي بن أحمد النعيمي يعلم صادا ممدودة بحبر في الحاشية اليمنى، أيضا. وكان أبو محمد الخلال يعلم طاء ممدودة كذلك. وكان محمد بن طلحة النعالي يعلم بحاءين إحداهما إلى جنب الأخرى كذلك.
(2/49)
724.... ولا تكن مقتصرا أن تسمعا ... وكتبه من دون فهم نفعا
725.... واقرأ كتابا في علوم الأثر ... كابن الصلاح أو كذا المختصر
لا ينبغي للطالب أن يقتصر على سماع الحديث، وكتبه دون معرفته وفهمه، وقد روينا عن أبي عاصم النبيل، قال: الرواية في الحديث بلا دراية، رياسة نذلة. قال الخطيب: هي اجتماع الطلبة على الراوي للسماع عند علو سنه، قال: فإذا تميز الطالب بفهم الحديث، ومعرفته، تعجل بركة ذلك في شبيبته. قال: ولو لم يكن في الاقتصار على سماع الحديث، وتخليده الصحف، دون التمييز بمعرفة صحيحه من فاسده والوقوف على اختلاف وجوهه، والتصرف في أنواع علومه، إلا تلقيب المعتزلة
القدرية من سلك تلك الطريقة بالحشوية؛ لوجب على الطالب الأنفة لنفسه، ودفع ذلك عنه، وعن أبناء جنسه. وروينا عن فارس بن الحسين لنفسه:
(2/50)
يا طالب العلم الذي ... ذهبت بمدته الروايه
كن في الرواية ذا العنا ... ية، بالرواية، والدرايه
وارو القليل وراعه ... فالعلم ليس له نهايه
وقولي: (وكتبه) ، هو منصوب عطفا على محل (أن) المصدرية، فمحلها نصب على نزع الخافض، أي: مقتصرا على سماع الحديث، وكتبه.
وينبغي للطالب أن يقدم قراءة كتاب في علوم الحديث حفظا، أو تفهما، ليعرف مصطلح أهله. قال ابن الصلاح: ((ثم إن هذا الكتاب مدخل إلى هذا الشأن، مفصح عن أصوله، وفروعه، شارح لمصطلحات أهله، ومقاصدهم، ومهماتهم التي ينقص المحدث بالجهل بها نقصا فاحشا، فهو- إن شاء الله تعالى- جدير بأن تقدم العناية به)) . وقولي: (أو كذا المختصر) ، إشارة إلى هذه الأرجوزة.
726 ... وبالصحيحين ابدأن ثم السنن ... والبيهقي ضبطا وفهما ثم ثن
727.... بما اقتضته حاجة من مسند ... أحمد والموطأ الممهد
728.... وعلل، وخيرها لأحمدا ... والدارقطني والتواريخ غدا
729.... من خيرها الكبير للجعفي ... والجرح والتعديل للرازي
730.... وكتب المؤتلف المشهور ... والأكمل الإكمال للأمير
قال الخطيب: ((من أول ما ينبغي أن يستعمله الطالب شدة الحرص على السماع، والمسارعة إليه، والملازمة للشيوخ. ويبتدئ بسماع الأمهات من كتب أهل الأثر، والأصول الجامعة للسنن. وأحقها بالتقديم الصحيحان للبخاري ومسلم،
(2/51)
ومما يتلو الصحيحين: سنن أبي داود، والنسائي، والترمذي، وكتاب ابن خزيمة)) . قال ابن الصلاح: ((ضبطا لمشكلها، وفهما لخفي معانيها. قال: ولا يخدعن عن كتاب " السنن الكبير " للبيهقي، فإنا لا نعلم مثله في بابه. ثم لسائر ما تمس حاجة صاحب الحديث إليه من كتب المسانيد، ك" مسند أحمد "، ومن كتب الجوامع المصنفة في الأحكام. و" موطأ مالك " هو المقدم منها)) . وقال الخطيب - بعد أن ذكر الكتب الخمسة -: ثم كتب المسانيد الكبار، مثل مسند أحمد، وابن راهويه، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي خيثمة، وعبد بن حميد، وأحمد بن سنان، والحسن بن سفيان، وأبي يعلى، وما يوجد من مسند يعقوب بن شيبة، وإسماعيل القاضي، ومحمد بن أيوب الرازي. ثم الكتب المصنفة، مثل كتب ابن جريج، وابن أبي عروبة، وابن المبارك، وابن عيينة، وهشيم، وابن وهب، والوليد بن مسلم، ووكيع، وعبد الوهاب بن عطاء، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وغيرهم. قال: وأما " موطأ مالك "، فهو المقدم في هذا النوع، ويجب أن يبتدأ بذكره على كل كتاب لغيره)) .
ثم الكتب المتعلقة بعلل الحديث، فمنها كتاب أحمد بن حنبل، وابن المديني، وابن أبي حاتم، وأبي علي النيسابوري، والدارقطني، و" التمييز " لمسلم، ثم تواريخ المحدثين، مثل: كتاب ابن معين - رواية عباس، ورواية المفضل الغلابي، ورواية الحسين بن حبان -، وتاريخ خليفة، وأبي حسان الزيادي، ويعقوب الفسوي، وابن أبي خيثمة، وأبي زرعة
(2/52)
الدمشقي، وحنبل بن إسحاق، والسراج. و" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم. قال: ويربي على هذه الكتب كلها، تاريخ محمد بن إسماعيل البخاري، يريد: " التأريخ الكبير ". وله ثلاثة تواريخ. وإلى هذا أشرت بقولي: (من خيرها الكبير للجعفي) أي: البخاري. وقال ابن الصلاح: ((إن من أجود العلل، كتاب أحمد، والدارقطني، ومن أفضل التواريخ، " تاريخ البخاري الكبير "، وكتاب ابن أبي حاتم. ثم قال: ومن كتب الضبط لمشكل الأسماء، قال: ومن أكملها كتاب الإكمال، لأبي نصر بن
ماكولا)) .
731.... واحفظه بالتدريج ثم ذاكر ... به والاتقان اصحبن وبادر
732.... إذا تأهلت إلى التأليف ... تمهر وتذكر وهو في التصنيف
733.... طريقتان جمعه أبوابا ... أو مسندا تفرده صحابا
734.... وجمعه معللا كما فعل ... يعقوب أعلى رتبة وما كمل
ليكن تحفظ الطالب للحديث على التدريج قليلا قليلا، ولا يأخذ نفسه بما لا يطيقه. ففي الحديث الصحيح: ((خذوا من الأعمال ما تطيقون)) . وروينا عن الثوري قال: كنت آتي الأعمش، ومنصورا، فأسمع أربعة أحاديث أو خمسة، ثم
(2/53)
انصرف كراهية أن تكثر، وتفلت. وروينا نحو ذلك عن شعبة، وابن علية، ومعمر. وروينا عن الزهري قال: من طلب العلم جملة، فاته جملة، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان. وقال أيضا فيما رويناه عنه: إن هذا العلم إن أخذته بالمكاثرة له غلبك، ولكن خذه مع الأيام، والليالي أخذا رفيقا، تظفر به.
ومما يعين على دوام الحفظ المذاكرة. روينا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: تذاكروا هذا الحديث، إلا تفعلوا، يدرس. وروينا عن ابن مسعود قال: تذاكروا الحديث، فإن حياته مذاكرته. وروينا نحوه عن أبي سعيد الخدري، وابن عباس. وروينا عن الخليل بن أحمد قال: ذاكر بعلمك، تذكر ما عندك، وتستفد ما ليس عندك. وروينا عن عبد الله ابن المعتز، قال: من أكثر مذاكرة العلماء، لم ينس ما علم، واستفاد ما لم يعلم. وليكن المحدث مصاحبا للإتقان، فقد روينا عن عبد الرحمن بن مهدي قال: الحفظ الإتقان. وإذا تأهل المحدث للتأليف والتخريج،
(2/54)
واستعد لذلك، فليبادر إليه. فقد قال الخطيب: قلما يتمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه، ويستبين الخفي من فوائده؛ إلا من جمع متفرقه، وألف متشتته، وضم بعضه إلى بعض، واشتغل بتصنيف أبوابه، وترتيب أصنافه فإن ذلك الفعل مما يقوي النفس، ويثبت الحفظ، ويذكي القلب، ويشحذ الطبع، ويبسط اللسان، ويجيد البيان، ويكشف المشتبه، ويوضح الملتبس، ويكسب أيضا جميل الذكر، ويخلده إلى آخر الدهر، كما قال الشاعر:
يموت قوم فيحيي العلم ذكرهم ... والجهل يلحق أحياء بأموات
قال: وكان بعض شيوخنا يقول: من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ، وليأخذ قلم التخريج. وروينا عن الحافظ أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري، قال: رأيت عبد الغني بن سعيد الحافظ في المنام، فقال لي: يا أبا عبد الله، خرج وصنف قبل أن يحال بينك وبينه، هذا أنا قد تراني قد حيل بيني وبين ذلك.
ثم إن للعلماء في تصنيف الحديث، وجمعه، طريقتين.
إحداهما: تصنيفه على الأبواب على أحكام الفقه وغيرها، كالكتب الستة، والموطأ، وبقية المصنفات.
والثانية: تصنيفه على مسانيد الصحابة، كل مسند على حدة، كما تقدم.
(2/55)
وروينا عن الدارقطني، قال: أول من صنف مسندا وتتبعه نعيم بن حماد. قال الخطيب: ((وقد صنف أسد بن موسى مسندا، وكان أكبر من نعيم سنا، وأقدم سماعا، فيحتمل أن يكون نعيم سبقه في حداثته)) . قال الخطيب: ((فإن شاء رتب أسماء الصحابة على حروف المعجم، وإن شاء على القبائل، فيبدأ ببني هاشم ثم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النسب. وإن شاء على قدر سوابق الصحابة في الإسلام. قال: وهذه الطريقة أحب إلينا. فيبدأ بالعشرة، ثم بالمقدمين من أهل بدر، ويتلوهم أهل الحديبية، ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح، ثم من أسلم يوم الفتح، ثم الأصاغر الأسنان، كالسائب بن يزيد، وأبي الطفيل. قال ابن الصلاح: ((ثم بالنساء، قال: وهذا أحسن، والأول أسهل)) . قال الخطيب: ((يستحب أن يصنف المسند معللا، فإن معرفة العلل أجل أنواع الحديث)) . وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي، قال: لإن أعرف علة حديث هو عندي، أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثا ليس عندي. وقد جمع يعقوب بن شيبة مسندا معللا. قال الأزهري: ولم يصنف يعقوب المسند كله. قال: وسمعت الشيوخ يقولون: لم يتمم مسند معلل قط. قال: وقيل لي: إن نسخة بمسند أبي هريرة شوهدت بمصر، فكانت مائتي جزء، قال: ولزمه على ما
(2/56)
خرج من المسند عشرة آلاف دينار. قال الخطيب: ((والذي ظهر ليعقوب مسند العشرة وابن مسعود، وعمار، وعتبة بن غزوان، والعباس، وبعض الموالي. هذا الذي رأينا من مسنده)) .
وإلى هذا أشرت بقولي: (وما كمل) وهي من الزوائد على ابن الصلاح.
735.... وجمعوا أبوابا او شيوخا او ... تراجما أو طرقا وقد رأوا
736.... كراهة الجمع لذي تقصير ... كذاك الاخراج بلا تحرير
ومما جرت عادة أهل الحديث أن يخصوه بالجمع والتأليف؛ الأبواب، والشيوخ، والتراجم، والطرق، فأما جمع الأبواب، فهو إفراد باب واحد بالتصنيف، ككتاب
" رفع اليدين "، وباب " القراءة خلف الإمام "، أفردهما البخاري بالتصنيف. وباب
" التصديق بالنظر لله تعالى " أفرده الآجري. وباب " النية "، أفرده ابن أبي الدنيا. وباب " القضاء باليمين مع الشاهد "، أفرده الدارقطني. وباب " القنوت " أفرده ابن منده. وباب " البسملة "، أفرده ابن عبد البر. وغيره وغير ذلك. وأما جمع الشيوخ، فهو جمع حديث شيوخ مخصوصين، كل واحد منهم على انفراده، كجمع " حديث الأعمش " للإسماعيلي، وحديث " الفضيل بن عياض " للنسائي، وحديث " محمد بن جحادة " للطبراني، وغير ذلك، وقد ذكر الخطيب ممن يجمع حديثه: إسماعيل بن أبي خالد، وأيوب بن أبي تميمة، وبيان بن بشر، والحسن بن صالح بن حي، وحماد بن زيد وداود بن أبي هند، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وزائدة، وزهيرا، وزياد بن سعد، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن إسحاق الشيباني، وسليمان بن طرخان، وسليمان بن مهران الأعمش، وشعبة، وصفوان بن سليم، وطلحة بن مصرف، وعبد الله
(2/57)
ابن عون. وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وعبيد الله بن عمر العمري، وأبا
حصين عثمان بن عاصم الكوفي، وعمرو بن دينار المكي، ومالك بن أنس، ومحمد بن جحادة، ومحمد بن سوقة، ومحمد بن مسلم بن شهاب، ومحمد بن واسع، ومسعر بن كدام، ومطر بن طهمان، وهشام بن سعد، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويونس بن عبيد البصري. وروينا عن عثمان ابن سعيد الدارمي، قال: يقال: من لم يجمع حديث هؤلاء الخمسة، فهو مفلس في الحديث: سفيان، وشعبة، ومالك، وحماد بن زيد، وابن عيينة، وهم أصول الدين. وأما جمع التراجم فهو جمع ما جاء بترجمة واحدة من الحديث، كمالك، عن نافع، عن ابن عمر، وسهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، وهشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وأيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، ونحو ذلك. وأما جمع الطرق، فهو جمع طرق حديث واحد، كطرق حديث " قبض العلم " للطوسي، وطرق حديث " من كذب علي متعمدا " للطبراني، وطرق حديث " طلب العلم فريضة ". ونحو ذلك. وقد أدخل الخطيب هذا القسم في جمع الأبواب، وأفرده ابن الصلاح بالذكر، وهو واضح؛ لأن هذا جمع طرق حديث واحد، وذلك جمع باب وفيه أحاديث مختلفة، والله أعلم. وكرهوا الجمع والتأليف لمن هو قاصر عن جودة التأليف. روينا عن علي بن المديني، قال: إذا رأيت المحدث أول ما يكتب الحديث يجمع حديث " الغسل "، وحديث " من كذب علي "، فاكتب على قفاه: لا يفلح. وكذلك كرهوا إخراج التصنيف إلى الناس قبل تهذيبه، وتحريره، وإعادة النظر فيه، وتكريره.
(2/58)
العالي والنازل
737.... وطلب العلو سنة وقد ... فضل بعض النزول وهو رد
738.... وقسموه خمسة فالأول ... قرب من الرسول وهو الأفضل
739.... إن صح الاسنادوقسم القرب ... إلى إمام وعلو نسبي
740.... بنسبة للكتب الستة إذ ... ينزل متن من طريقها أخذ
روينا عن أحمد بن حنبل، قال: طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف. وروينا عن محمد بن أسلم الطوسي، قال: قرب الإسناد قرب، أو قربة إلى الله عز وجل. وقال الحاكم: ((وفي طلب الإسناد العالي سنة صحيحة، فذكر حديث أنس في مجيء الأعرابي، وقوله: يا محمد، أتانا رسولك فزعم كذا، ... الحديث. قال: ولو كان طلب العلو في الإسناد غير مستحب لأنكر عليه سؤاله عما أخبره رسوله عنه، ولأمره بالاقتصار على ما أخبره الرسول عنه)) . ولم يحك الحاكم خلافا في تفضيل العلو،
(2/59)
وحكاه ابن خلاد، ثم الخطيب، فحكيا عن بعض أهل النظر: أن التنزل في الإسناد أفضل؛ لأنه يجب على الراوي أن يجتهد في متن الحديث، وتأويله، وفي الناقل وتعديله، وكلما زاد الاجتهاد زاد صاحبه ثوابا. قال ابن خلاد: ((وهذا مذهب من يزعم أن الخبر أقوى من القياس)) . قال ابن الصلاح: ((وهذا مذهب ضعيف
الحجة)) . قال ابن دقيق العيد: لأن كثرة المشقة ليست مطلوبة لنفسها، قال: ((ومراعاة المعنى المقصود من الرواية، وهو الصحة أولى)) . قلت: وهذا بمثابة من يقصد المسجد لصلاة الجماعة، فيسلك طريقة بعيدة لتكثير الخطا، وإن أداه سلوكها إلى فوات الجماعة التي هي المقصود. وذلك أن المقصود من الحديث التوصل إلى صحته وبعد الوهم. وكلما كثر رجال الإسناد تطرق إليه احتمال الخطأ والخلل، وكلما قصر السند كان أسلم. اللهم إلا أن يكون رجال السند النازل، أوثق، أو أحفظ، أو أفقه، ونحو ذلك، على ما سيأتي في آخر هذا الفصل.
ثم العلو في الإسناد على خمسة أقسام، كما قسمه أبو الفضل محمد بن طاهر في جزء له، أفرده لذلك، وتبعه ابن الصلاح على كونها خمسة أقسام، وإن اختلف كلامهما في ماهية بعض الأقسام، كما سيأتي.
(2/60)
القسم الأول: القرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من حيث العدد بإسناد نظيف غير ضعيف. وإليه الإشارة بقولي: (إن صح الاسناد) ، فأما إذا كان قرب الإسناد مع ضعف بعض الرواة، فلا التفات إلى هذا العلو، لا سيما إن كان فيه بعض الكذابين المتأخرين ممن ادعى سماعا من الصحابة، كإبراهيم بن هدبة، ودينار بن عبد الله، وخراش، ونعيم بن سالم، ويعلى بن الأشدق وأبي الدنيا الأشج، ونحوهم. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في " الميزان ": ((متى رأيت المحدث يفرح بعوالي أبي هدبة، ويعلى بن الأشدق، وموسى الطويل، وأبي الدنيا، وهذا الضرب، فاعلم أنه عامي بعد)) . وهذا القسم الأول هو أفضل أنواع العلو، وأجلها، وأعلى ما يقع للشيوخ في هذا الزمان من الأحاديث الصحاح المتصلة بالسماع؛ ما هو تساعي الإسناد، ولا يقع ذلك في هذه الأزمان إلا من " الغيلانيات "، و" جزء الأنصاري "، و" جزء الغطريف " فقط. أو ما هو مأخوذ منها. ولا يقع لأمثالنا من الصحيح المتصل بالسماع، إلا عشاري الإسناد، وقد يقع لنا التساعي الصحيح، ولكن بإجازة في الطريق،
والله أعلم.
وقول الذهبي في " تأريخ الإسلام " في ترجمة ابن البخاري: وهو آخر من كان في الدنيا بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثمانية رجال ثقات، فإنه يريد مع اتصال السماع. أما مع الإجازة فقد تأخر بعده جماعة، والله أعلم.
(2/61)
والقسم الثاني من أقسام العلو: القرب إلى إمام من أئمة الحديث، كالأعمش وهشيم، وابن جريج، والأوزاعي، ومالك، وسفيان، وشعبة، وزهير، وحماد بن زيد، وإسماعيل بن علية، وغيرهم من أئمة الحديث. وكلام الحاكم يشير إلى ترجيح هذا القسم على غيره، وأنه المقصود من العلو، وإنما يوصف بالعلو إذا صح الإسناد إلى ذلك الإمام بالعدد اليسير، كما صرح به الحاكم، وهو كذلك، كما مر في القسم الأول. وأعلى ما يقع اليوم للشيوخ بينهم وبين هؤلاء الأئمة من حيث العدد مع صحة السند، واتصاله بالسماع أن بينهم وبين الأعمش وهشيم، وابن جريج، والأوزاعي، ثمانية. وبينهم وبين مالك والثوري، وشعبة، وزهير، وحماد بن سلمة، سبعة، وبينهم وبين ابن علية ستة. وقد ساوينا الشيوخ بالنسبة إلى هشيم، فبيننا وبينه سبعة بالسماع الصحيح المتصل.
والقسم الثالث: العلو المقيد بالنسبة إلى رواية الصحيحين، وبقية الكتب الستة. وسماه ابن دقيق العيد: علو التنزيل، ولم يذكر ابن طاهر هذا القسم، وجعل القسم الثالث: علو تقدم السماع، وجمع بينه وبين قسم تقدم الوفاة، فجعلهما قسما واحدا، كما سيأتي ولكن هذا القسم يؤخذ من كلام ابن طاهر في آخر الجزء المذكور، وإن لم يذكره في الأقسام. وليس هذا علوا مطلقا في جميع هذا القسم، وإنما هو بالنسبة لهذه الكتب، إذ الراوي لو روى الحديث من طريق كتاب من الستة يقع أنزل مما لو رواه من غير طريقها، وقد يكون عاليا مطلقا أيضا، مثاله: حديث رواه الترمذي لابن مسعود مرفوعا: يوم كلم الله موسى كانت عليه جبة صوف ... الحديث.
(2/62)
رواه الترمذي عن علي بن حجر عن خلف بن خليفة. فلو رويناه من طريق الترمذي وقع بيننا وبين خلف تسعة، فإذا رويناه من " جزء ابن عرفة "، وقع بيننا وبينه سبعة بعلو درجتين. فهذا مع كونه علوا بالنسبة، فهو أيضا علو مطلق، ولا يقع اليوم لأحد هذا الحديث أعلى من هذا، وكل واحد من شيخنا فمن بعده إلى خلف هو آخر من رواه عن شيخه بالسماع من الجزء المذكور، وقول ابن الصلاح: ((إن هذا النوع من العلو، علو تابع لنزول)) محمول على الغالب، وإلا فهذا الحديث المذكور عال للترمذي، وعال لنا، وليس هو عاليا بالنسبة فقط. وهذا النوع هو الذي يقع فيه الموافقات، والإبدال، والمساواة، والمصافحات، على ما سيأتي بيانها.
741.... فإن يكن في شيخه قد وافقه ... مع علو فهو الموافقه
742.... أو شيخ شيخه كذاك فالبدل ... وإن يكن ساواه عدا قد حصل
743.... فهو المساواة وحيثراجحه ... الأصل بالواحد فالمصافحه
هذا إشارة إلى بيان الموافقة، وما ذكر معها. فالموافقة: أن يروي الراوي حديثا في أحد الكتب الستة بإسناد لنفسه، من غير طريقها، بحيث يجتمع مع أحد الستة في شيخه مع علو هذا الطريق الذي رواه منه على ما لو رواه من طريق أحد الكتب الستة. مثاله: حديث رواه البخاري عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن حميد، عن أنس مرفوعا:
(2/63)
((كتاب الله القصاص)) فإذا رويناه من" جزء الأنصاري " يقع موافقة للبخاري في شيخه مع علو درجة.
وأما البدل: فهو أن يوافقه في شيخ شيخه مع العلو أيضا. وإلى ذلك أشرت بقولي: (كذاك) . مثاله: حديث ابن مسعود الذي رواه الترمذي، وتقدم في شرح الأبيات التي قبل هذه فهذا يطلقون عليه: البدل، وقد يسمونه موافقة مقيدة، فيقال: هو موافقة في شيخ شيخ الترمذي مثلا. ويؤخذ ذلك من قولي: (أو شيخ شيخه) أي: وإن يكن قد وافقه في شيخ شيخه فسماه موافقة في شيخ الشيخ، وأما تقييد الموافقة والبدل بصورة العلو فكذا ذكره ابن الصلاح، أنه لا يطلق عليه ذلك إلا مع العلو، فإنه قال: ولو لم يكن ذلك عاليا فهو أيضا موافقة وبدل، لكن لا يطلق عليه اسم الموافقة والبدل، لعدم الالتفات إليه. قلت: وفي كلام غيره من المخرجين إطلاق اسم الموافقة والبدل؛ مع عدم العلو، فإن علا قالوا: موافقة عالية، أو بدلا عاليا، كذا رأيته في كلام الشيخ جمال الدين الظاهري، وغيره، ورأيت في كلام الظاهري، والذهبي: فوافقناه بنزول. فسمياه مع النزول موافقة، ولكن مقيدة بالنزول، كما قيدها غيرهما بالعلو.
وأما المساواة: فهو أن يكون بين الراوي وبين الصحابي، أو من قبل الصحابي إلى شيخ أحد الستة كما بين أحد الأئمة الستة وبين ذلك الصحابي أو من قبله على ما ذكر. أو يكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما بين أحد الأئمة الستة وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - من العدد. وهذا كله كان يوجد قديما، وأما اليوم فلا توجد المساواة إلا بأن يكون عد ما بين الراوي الآن، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، كعد ما بين أحد الأئمة الستة، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومثال المساواة لشيوخنا، حديث النهي عن نكاح المتعة، أخبرنا به محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني، قال: أنبأنا أسعد بن سعيد بن روح، وعفيفة بنت
(2/64)
أحمد الفارفانية، واللفظ لها، قالا: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية، قالت: أخبرنا أبو بكر بن ريذة، قال: أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني، قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثني الليث ح قال الطبراني: وحدثنا يوسف القاضي، قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا ليث بن سعد، قال: حدثني الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه - سبرة - أنه قال: أذن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة، ... الحديث، وفيه: ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: من كان عنده شيء من هذه
(2/65)
النساء اللاتي يتمتع بهن فليخل سبيلها، واللفظ لحديث يحيىبن بكير.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي، عن قتيبة، عن الليث. فوقع بدلا لهما عاليا. وورد حديث النهي عن نكاح المتعة من حديث جماعة من الصحابة منهم: علي بن أبي طالب وهو متفق عليه من حديثه من طريق مالك. وقد رواه النسائي في جمعه "لحديث مالك" عن زكريا بن يحيى خياط السنة، عن إبراهيم بن عبد الله الهروي، عن سعيد بن محبوب، عن عبثر بن القاسم، عن سفيان الثوري، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله، والحسن ابني محمد ابن علي، عن أبيهما، عن علي. فباعتبار هذا العدد كأن شيخنا ساوى فيه النسائي، وكأني لقيت النسائي وصافحته به، ولله الحمد.
وأما المصافحة: فهو أن يعلو طريق أحد الكتب الستة عن المساواة بدرجة، فيكون الراوي كأنه سمع الحديث من البخاري، أو مسلم مثلا. وهو المراد بقولي:
(وحيث راجحه الأصل) أي: وحيث رجح أحد من الأئمة الستة براو واحد على الراوي الذي وقع له ذلك الحديث، سموه مصافحة، بمعنى: أن الراوي كأنه لقي أحد الأئمة الستة، وصافحه بذلك الحديث. ومثلت بالكتب الستة؛ لأن الغالب على
(2/66)
المخرجين استعمال ذلك بالنسبة إليهم فقط. وقد استعمله الظاهري وغيره بالنسبة إلى مسند أحمد، ولا مشاحة في ذلك. وقد وقع لنا غير ما حديث مصافحة، فمن ذلك: الحديث المتقدم مثالا للمساواة، فإنه مساواة لشيوخنا، مصافحة لنا، كما تقدم، والله أعلم.
744.... ثم علو قدم الوفاة ... أما العلو لا مع التفات
745.... لآخر فقيل للخمسينا ... أو الثلاثين مضت سنينا
هذا القسم الرابع من أقسام العلو، وهو تقدم وفاة الراوي عن شيخ، على وفاة راو آخر عن ذلك الشيخ، مثاله: من سمع " سنن أبي داود " على الزكي عبد العظيم، أعلى ممن سمعه على النجيب الحراني.
ومن سمعه على النجيب، أعلى ممن سمعه على ابن خطيب المزة، والفخر بن البخاري؛ وإن اشترك الأربعة في رواية الكتاب عن شيخ واحد، وهو: ابن طبرزذ؛ لتقدم وفاة الزكي على النجيب، وتقدم وفاة النجيب على من بعده.
(2/67)
روينا عن أبي يعلى الخليلي، قال: ((قد يكون الإسناد يعلو على غيره بتقدم موت راويه، وإن كانا متساويين في العدد)) . وهذا كله بنسبة شيخ إلى شيخ. أما علو الإسناد بتقدم موت الشيخ، لا مع التفات لأمر آخر، أو شيخ آخر، فمتى يوصف بالعلو؟ روينا عن ابن جوصا، قال: إسناد خمسين سنة من موت الشيخ؛ إسناد علو. وروينا عن أبي عبد الله بن منده، قال: إذا مر على الإسناد ثلاثون سنة، فهو عال. وقولي: (سنينا) ، تمييز. والتقييد بالخمسين أريد: من موت الشيخ، لا من وقت السماع عليه، كما صرح به ابن جوصا. وأما كلام ابن منده، فيحتمل أنه أراد من حين السماع، وهو بعيد؛ لأنه يجوز أن يكون شيخه إلى الآن حيا، والظاهر أنه أراد إذا مضى على إسناد كتاب، أو حديث، ثلاثون سنة، وهو في تلك المدة لا يقع أعلى من ذلك، كسماع كتاب البخاري في سنة ستين وسبعمائة مثلا على أصحاب أصحاب ابن الزبيدي، فإنه مضت عليه ثلاثون سنة من موت من كان آخر من يرويه عاليا، وهو الحجار.
(2/68)
746 ... ثم علو قدم السماع ... وضده النزول كالأنواع
747 ... وحيث ذم فهو ما لم يجبر ... والصحة العلو عند النظر
هذا القسم الخامس من أقسام العلو، وهو تقدم السماع من الشيخ، فمن تقدم سماعه من شيخ كان أعلى ممن سمع من ذلك الشيخ نفسه بعده. روينا عن محمد بن طاهر، قال: من العلو تقدم السماع. ولكن جعل ابن طاهر، وتبعه ابن دقيق العيد، هذا القسم، والذي قبله، قسما واحدا، وقال ابن الصلاح: ((إن كثيرا من هذا يدخل في النوع المذكور قبله، وفيه ما لا يدخل مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد، وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا، وسماع الآخر من أربعين سنة)) ، قلت: وأهل الحديث مجمعون على أفضلية المتقدم في حق من اختلط شيخه، أو خرف لهرم، أو مرض، وهو واضح. أما من لم يحصل له ذلك فربما كان السماع المتأخر أرجح، بأن يكون تحديثه الأول قبل أن يبلغ درجة الإتقان، والضبط، ثم كان الشيخ متصفا بذلك في حالة سماع الراوي المتأخر السماع، فلهذا مزية، وفضل على السماع المتقدم، وهو أرفع وأعلى، لكنه علو معنوي على ما سيأتي.
فهذه أقسام العلو ولما جمع ابن طاهر، وابن دقيق العيد، بين قسمي تقدم السماع، وتقدم الوفاة، وجعلاهما قسما واحدا، زادا بدل الساقط: العلو إلى صاحبي الصحيحين ومصنفي الكتب المشهورة. وجعل ابن طاهر هذا قسمين: أحدهما: العلو إلى البخاري ومسلم، وأبي داود وأبي حاتم، وأبي زرعة. والآخر: العلو إلى كتب مصنفة لأقوام، كابن أبي الدنيا، والخطابي، وأشباههما، قال: ابن طاهر: واعلم أن كل حديث عز على المحدث، ولم يجده عاليا ولابد له من إيراده في تصنيف، أو احتجاج به؛ فمن أي وجه أورده، فهو عال لعزته، ثم مثل ذلك بأن البخاري روى عن أماثل أصحاب مالك، ثم روى حديثا لأبي إسحاق الفزاري عن مالك، لمعنى فيه فكان فيه بينه وبين مالك ثلاثة رجال، والله أعلم.
(2/69)
وأما أقسام النزول، فهي خمسة أيضا. فإن كل قسم من أقسام العلو ضده قسم من أقسام النزول، كما قال ابن الصلاح. وقال الحاكم في " علوم الحديث ": ((لعل قائلا يقول: النزول ضد العلو، فمن عرف العلو، فقد عرف ضده. قال الحاكم: وليس كذلك، فإن للنزول مراتب لا يعرفها إلا أهل الصنعة)) ، قال ابن الصلاح: ((هذا ليس نفيا لكون النزول ضد العلو على الوجه الذي ذكرته، بل نفيا لكونه يعرف بمعرفة العلو. قال: وذلك يليق بما ذكره هو في معرفة العلو، فإنه قصر في بيانه وتفصيله، وليس كذلك ما ذكرناه فإنه مفصل تفصيلا مبينا مفهما لمراتب النزول)) . ثم إن النزول حيث ذمه من ذمه، كقول علي بن المديني، وأبي عمرو المستملي، فيما رويناه عنهما: النزول شؤم. وكقول ابن معين فيما رويناه عنه: إلاسناد النازل قرحة في الوجه، فهو محمول على ما إذا لم يكن مع النزول ما يجبره، كزيادة الثقة في رجاله على العالي، أو كونهم أحفظ، أو أفقه، أو كونه متصلا بالسماع وفي العالي حضور، أو إجازة، أو مناولة، أو تساهل بعض رواته في الحمل، ونحو ذلك؛ فإن العدول حينئذ إلى النزول ليس بمذموم، ولا مفضول. وقد روينا عن وكيع قال: الأعمش أحب اليكم عن أبي وائل عن عبد الله؟ أو سفيان، عن منصور عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله؟ فقلنا: الأعمش عن أبي وائل أقرب. فقال:
(2/70)
الأعمش شيخ، وأبو وائل شيخ، وسفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة فقيه، عن فقيه، عن فقيه، عن فقيه. وروينا عن ابن المبارك قال: ليس جودة الحديث قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال.
وروينا عن السلفي قال: الأصل الأخذ عن العلماء فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة على مذهب المحققين من النقلة، والنازل حينئذ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق، كما روينا عن نظام الملك قال: عندي أن الحديث العالي: ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن بلغت رواته مائة. وكما روينا عن السلفي من نظمه:
ليس حسن الحديث قرب رجال ... عند أرباب علمه النقاد
بل علو الحديث بين أولي الحـ ... ـفظ والإتقانصحة الإسناد
وإذا ما تجمعا في حديث ... فاغتنمه فذاك أقصى المراد
قال ابن الصلاح: ((هذا ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث، وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب)) .
(2/71)
الغريب، والعزيز، والمشهور
748.... وما به مطلقا الراوي انفرد ... فهو الغريب وابن مندة فحد
749.... بالانفراد عن إمام يجمع ... حديثه فإن عليه يتبع
750.... من واحد واثنين فالعزيز أو ... فوق فمشهور وكل قد رأوا
751.... منه الصحيح والضعيف ثم قد ... يغرب مطلقا أو اسنادا فقد
ج
قال ابن الصلاح: ((الحديث الذي ينفرد به بعض الرواة، يوصف بالغريب، قال: وكذلك الحديث الذي ينفرد فيه بعضهم بأمر لا يذكره فيه غيره، إما في متنه، وإما
(2/72)
في إسناده)) . وروينا عن أبي عبد الله بن منده قال: الغريب من الحديث كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة ممن يجمع حديثهم إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث يسمى غريبا، فإذا روى عنهم رجلان، أو ثلاثة، واشتركوا يسمى عزيزا، فإذا روى الجماعة عنهم حديثا، يسمي مشهورا، وهكذا قال محمد بن طاهر المقدسي، وكأنه أخذه من كلام ابن منده.
وقولي: (وكل قد رأوا، منه الصحيح والضعيف) أي: إن وصف الحديث بكونه مشهورا، أو عزيزا، أو غريبا، لاينافي الصحة، ولا الضعف، بل قد يكون مشهورا صحيحا، أو مشهورا ضعيفا، أو غريبا صحيحا، أو غريبا ضعيفا، أو عزيزا صحيحا، أو عزيزا ضعيفا. ولم يذكر ابن الصلاح كون العزيز يكون منه الصحيح والضعيف، بل ذكر ذلك في المشهور والغريب فقط. ومثل المشهور الصحيح بحديث: ((الأعمال بالنيات)) وتبع في ذلك الحاكم، وفيه نظر، فإن الشهرة إنما طرأت له من عند يحيى بن سعيد، وأول الإسناد فرد، كما تقدم. وقد نبه على ذلك ابن الصلاح في آخر النوع الحادي والثلاثين، وهو الذي يلي نوع المشهور، وكان ينبغي له أن يمثل بغيره مما مثل به الحاكم أيضا، كحديث: ((إن الله لا يقبض العلم
(2/73)
انتزاعا، ... )) وحديث: ((من أتى الجمعة فليغتسل، ... )) ، وحديث رفع اليدين في الصلاة، وغير ذلك. ومثل ابن الصلاح المشهور الذي ليس بصحيح، بحديث: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) ، وتبع في ذلك أيضا الحاكم، وقد صحح
(2/74)
بعض الأئمة بعض طرق الحديث، كما بينته في تخريج أحاديث " الإحياء ". ومثله الحاكم أيضا، بحديث: ((الأذنان من الرأس)) . وبأمثلة كثيرة بعضها صحيح، وإن لم تخرج في واحد من الصحيحين.
وذكر ابن الصلاحفي أمثلته ما بلغه عن أحمد بن حنبل، قال: أربعة أحاديث تدور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسواق، ليس لها أصل: ((من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة)) ، ((ومن آذى ذميا، فأنا خصمه يوم القيامة)) ، ((ويوم نحركم يوم صومكم)) ، ((وللسائل حق، وإن جاء على فرس)) ، قلت:
(2/75)
وهذا لا يصح عن أحمد، وقد أخرج أحمد في " مسنده " هذا الحديث الرابع عن وكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، كلاهما عن سفيان، عن مصعب بن محمد، عن يعلى ابن أبي يحيى، عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها حسين بن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو إسناد جيد. ويعلى وإن جهله أبو حاتم، فقد وثقه أبو حاتم بن حبان. وأما مصعب، فوثقه يحيى بن معين، وغيره. وأخرجه أبو داود في " سننه " وسكت عنه، فهو عنده صالح. وأخرجه أيضا من حديث علي، وفي إسناده من لم يسم. ورويناه أيضا من حديث ابن عباس، ومن حديث الهرماس بن زياد.
وأما حديث: ((من آذى ذميا)) فقد رواه بنحوه أبو داود أيضا، وسكت عليه، من رواية صفوان بن سليم، عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن آبائهم دنية عن
(2/76)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا من غير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة)) . وهذا إسناد جيد، وإن كان فيه من لم يسم، فإنهم عدة من أبناء الصحابة يبلغون حد التواتر الذي لا يشترط فيه العدالة. فقد روينا في سنن البيهقي، وفيه: ((عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) .
وأما الحديثان الآخران فلا أصل لهما كما ذكر. وأما مثال الغريب الصحيح، فكأفراد الصحيح، وهي كثيرة، منها حديث مالك عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، مرفوعا: ((السفر قطعة من العذاب)) . وأما الغريب الذي ليس بصحيح فهو الغالب على الغرائب. وقد روينا عن أحمد بن حنبل، قال: ((لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب، فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء)) . وروينا عن مالك قال: شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس. وروينا عن عبد الرزاق قال: كنا نرى أن غريب الحديث خير، فإذا هو شر. وقسم الحاكم الغريب إلى ثلاثة أنواع: غرائب الصحيح، وغرائب الشيوخ، وغرائب المتون. وقسمه ابن طاهر إلى خمسة أنواع. وقال ابن الصلاح: إن من الغريب ما هو
(2/77)
غريب متنا، وإسنادا، وهو الحديث الذي تفرد برواية متنه راو واحد. ومنه ما هو غريب إسنادا لا متنا، كالحديث الذي متنه معروف، مروي عن جماعة من الصحابة، إذا تفرد بعضهم بروايته عن صحابي آخر، كان غريبا من ذلك الوجه. قال ومن ذلك: غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة، قال: وهذا الذي يقول فيه الترمذي: غريب من هذا الوجه، قلت: وأشرت إلى القسم الأول بقولي: (ثم قد يغرب مطلقا) ، وإلى الثاني بقولي: (أو اسنادا فقد) أي: فقط.
قال ابن الصلاح: ولا أرى هذا النوع ينعكس، فلا يوجد إذا ما هو غريب متنا، وليس غريبا إسنادا، وإلا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به، فرواه عنه عدد كثيرون، فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول، متصف بالشهرة في طرفه الآخر، كحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) ، وكسائر الغرائب التي اشتملت عليها التصانيف المشتهرة، هكذا قال ابن الصلاح: إنه لا يوجد ما هو غريب متنا لا سندا، إلا بالتأويل الذي ذكره. وقد أطلق أبو الفتح اليعمري ذكر هذا النوع في جملة أنواع الغريب من غير تقيد بآخر السند، فقال في " شرح الترمذي ": ((الغريب على أقسام: غريب سندا ومتنا، ومتنا لا سندا، وسندا لا متنا، وغريب بعض السند فقط، وغريب بعض المتن فقط)) . فالقسم الأول واضح، والقسم الثاني هو الذي أطلقه أبو الفتح، ولم يذكر له مثالا، والقسم الثالث مثاله حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيزبن أبي رواد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((الأعمال بالنية)) . قال الخليلي في
(2/78)
" الإرشاد ": ((أخطأ فيه عبد المجيد، وهو غير محفوظ من حديث زيد بن أسلم بوجه، قال: فهذا مما أخطأ فيه الثقة عن الثقة)) . وقال أبو الفتح اليعمري: ((هذا إسناد غريب كله، والمتن صحيح)) ، والقسم الرابع مثاله حديث رواه الطبراني في " المعجم الكبير " من رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي، ومن رواية عباد بن منصور، فرقهما كلاهما عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة بحديث أم زرع.
والمحفوظ ما رواه عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة، عن عروة عن عائشة. هكذا اتفق عليه الشيخان. وكذا راوه مسلم من رواية سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، عن هشام. قال أبو الفتح: ((فهذه غرابة تخص موضعا من السند، والحديث صحيح)) قلت: ويصلح ما ذكرناه من عند الطبراني مثالا للقسم
الخامس؛ لأن عبد العزيز وعبادا جعلا جميع الحديث مرفوعا، وإنما المرفوع منه
قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كنت لك كأبي زرع لأم زرع)) ، فهذا غرابة بعض المتن، أيضا.
والله اعلم.
(2/79)
752.... كذلك المشهور أيضا قسموا ... لشهرة مطلقة كـ ((المسلم
753.... من سلم الحديث)) والمقصور ... على المحدثين من مشهور
754.... ((قنوته بعد الركوع شهرا)) ... ومنه ذو تواتر مستقرا
755.... في طبقاته كمتن ((من كذب)) ... ففوق ستين رووه والعجب
756.... بأن من رواته للعشره ... وخص بالأمرين فيما ذكره
757.... الشيخ عن بعضهم، قلت: بلى ... ((مسح الخفاف)) وابن مندةإلى
758.... عشرتهم ((رفع اليدين)) نسبا ... ونيفوا عن مائة ((من كذبا))
أي: كما أن المشهور ينقسم إلى صحيح وضعيف، كذلك ينقسم من وجه آخر إلى ما هو مشهور شهرة مطلقة بين أهل الحديث، وغيرهم، كحديث: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) ، وما أشبه ذلك في الشهرة المطلقة، وإلى ما هو مشهور بين أهل الحديث خاصة، كحديث أنس ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرا بعد الركوع، يدعو على رعل؛ وذكوان)) فهذا حديث اتفق عليه الشيخان من رواية سليمان التيمي، عن أبي مجلز واسمه: لاحق بن حميد، عن أنس، وقد رواه عن أنس غير أبي مجلز
(2/80)
، وعن أبي مجلز غير سليمان التيمي، وعن سليمان التيمي جماعة، وهو مشهور بين أهل الحديث، وقد يستغربه غيرهم؛ لأن الغالب على رواية التيمي، عن أنس، كونها بغير واسطة، وهذا الحديث بواسطة أبي مجلز.
ثم إن المشهور أيضا ينقسم باعتبار آخر إلى ما هو متواتر، وإلى ما هو مشهور غير متواتر. وقد ذكر المتواتر الفقهاء والأصوليون وبعض أهل الحديث. قال ابن الصلاح: ((وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص، وإن كان الخطيب قد ذكره في كتابه " الكفاية " ففي كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث)) . قلت: قد ذكره الحاكم، وابن حزم وابن عبد البر. وهو الخبر الذي ينقله عدد يحصل العلم بصدقهم ضرورة. وعبر عنه غير واحد بقوله: عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب. ولا بد من وجود ذلك في رواته من أوله إلى منتهاه، وإلى ذلك أشرت بقولي: (في طبقاته) . قال ابن الصلاح: ومن سئل عن إبراز مثال لذلك أعياه تطلبه. ثم قال: نعم.. حديث: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) ، نراه مثالا لذلك فإنه نقله من الصحابة - رضي الله عنهم - العدد الجم، وهو في " الصحيحين " مروي عن جماعة منهم. قال: وذكر أبو بكر البزار في " مسنده ": أنه رواه نحو من أربعين رجلا من الصحابة. قال: وذكر بعض الحفاظ: أنه رواه اثنان وستون نفسا من الصحابة، وفيهم العشرة المشهود لهم بالجنة. قال: وليس في الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره
(2/81)
ولا يعرف حديث يروى عن أكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا هذا الحديث الواحد قال: وبلغ بهمبعض أهل الحديث أكثر من هذا العدد، وفي بعض ذلك عدد التواتر! انتهى.
وما حكاه ابن الصلاح عن بعض الحفاظ، وأبهمه، هو في كلام ابن الجوزي، فإنه ذكر في مقدمة "الموضوعات"، أنه رواه من الصحابة أحد وستون نفسا، ثم روى بعد ذلك بأوراق عن أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب الإسفراييني، أنه ليس في الدنيا حديث اجتمع عليه العشرة غيره. ثم قال ابن الجوزي قلت: ما وقعت إلي رواية عبد الرحمن بن عوف إلى الآن. قال: ولا عرفت حديثا رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد وستون نفسا، وعلى قول هذا الحافظ اثنان وستون نفسا، إلا هذا الحديث)) . هذا كلامه في النسخة الأولى من الموضوعات، ومن خط الحافظ أبي محمد المنذري نقلت. وأما كلامه المحكي عن الكتاب المذكور في آخر الفصل، فهو في النسخة الأخيرة، فاعلم ذلك. قلت: وما ذكره ابن الصلاح عن بعض الحفاظ، من تخصيص هذا الحديث بهذا العدد، وبكونه من رواية العشرة منقوض
بحديث المسح على الخفين، فقد رواه أكثر من ستين من الصحابة، ومنهم العشرة، ذكر ذلك أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده في كتاب له سماه " المستخرج من كتب الناس ". وذكر صاحب " الإمام " عن ابن
(2/82)
المنذر قال: روينا عن الحسن أنه قال: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح لى الخفين. انتهى. وجعله ابن عبد البر متواترا، فقال: روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسح على الخفين، نحو أربعين من الصحابة، واستفاض، وتواتر. قلت: فهذا مثال آخر للمتواتر، صرح بوصفه بذلك. وإلى ذلك أشرت بقولي: (قلت: بلى مسح الخفاف) .
وأيضا فحديث رفع اليدين قد عزاه غير واحد من الأئمة إلى رواية العشرة أيضا، منهم ابن منده المذكور في كتاب " المستخرج "، والحاكم أبو عبد الله، وجعل ذلك مما اختص به حديث رفع اليدين، قال البيهقي: سمعته يقول: لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلفاء الأربعة، ثم العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، فمن بعدهم من أكابر الصحابة، على تفرقهم في البلاد الشاسعة؛ غير هذه السنة. قال البيهقي: وهو كما قال أستاذنا أبو عبد الله - رضي الله عنه -. فقد روى هذه السنة عن العشرة وغيرهم، وأما عدة من رواه من الصحابة، فقال ابن عبد البر في " التمهيد ": رواه ثلاثة عشر رجلا من الصحابة. وقال السلفي: رواه سبعة عشر. قلت: وقد جمعت رواته فبلغوا نحو الخمسين، ولله الحمد.
وقولي: (ونيفوا عن مائة) أي: ورووا حديث ((من كذب علي متعمدا)) عن مائة ونيف من الصحابة. وقال ابن الجوزي في مقدمة " الموضوعات ": رواه من الصحابة
(2/83)
ثمانية وتسعون نفسا. انتهى. هكذا نقلته من خط علي، ولد المصنف، وهي النسخة الأخيرة من الكتاب المذكور وفيها زوائد ليست في النسخة الأولى التي كتبت عنه. وقد جمع الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي طرقه في جزأين، فبلغ بهم مائة واثنين، وأخبرني بعض الحفاظ: أنه رأى في كلام بعض الحفاظ: أنه رواه مائتان من الصحابة، وأنا أستبعد وقوع ذلك، والله أعلم.
غريب ألفاظ الأحاديث
759.... والنضر أو معمر خلف أول ... من صنف الغريب فيما نقلوا
760.... ثم تلا أبو عبيد واقتفى ... القتبي ثم حمد صنفا
761.... فاعن به ولا تخض بالظن ... ولا تقلد غير أهل الفن
762.... وخير ما فسرته بالوارد ... كالدخ بالدخان لابن صائد
763.... كذاك عند الترمذي، والحاكم ... فسره الجماع وهو واهم
غريب الحديث، هو ما يقع فيه من الألفاظ الغامضة البعيدة عن الفهم. وقد صنف فيه جماعة من الأئمة، واختلفوا في أول من صنف فيه. فقال الحاكم في" علوم الحديث ": ((أول من صنف الغريب في الإسلام النضر بن شميل. ثم صنف فيه أبو
(2/84)
عبيد القاسم بن سلام كتابه الكبير)) قال ابن الصلاح: ((ومنهم من خالفه فقال: أول من صنف فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى)) . وقال الحافظ محب الدين الطبري في كتاب " تقريب المرام ": وقد قيل: إن أول من جمع في هذا الفن شيئا، وألفه أبو عبيدة معمر بن المثنى، ثم النضر بن شميل، ثم عبد الملك بن قريب الأصمعي، وكان في عصر أبي عبيدة، وتأخر، وكذلك قطرب، وغيره من أئمة الفقه، واللغة، جمعوا أحاديث تكلموا على لغتها، ومعناها، في أوراق ذوات عدد، ولم يكن أحد منهم ينفرد عن غيره بكثير حديث لم يذكره الآخر. واستمرت الحال إلى زمن أبي عبيد القاسم بن سلام، وذلك بعد المائتين، فجمع كتابه المشهور في غريب الحديث والآثار. انتهى. ثم بعد ذلك صنف أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري القتبي كتابه المشهور فزاد على أبي عبيد مواضع وتتبعه في مواضع. ثم صنف بعده أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي كتابه في ذلك، فزاد على القتبي، ونبه على أغاليط له.
وصنف فيه جماعة منهم: قاسم بن ثابت بن حزم السرقسطي، وعبد الغافر الفارسي كتابا سماه: " مجمع الغرائب "، وصنف الزمخشري كتابه " الفائق "، وبعده أبو الفرج ابن الجوزي. وكان جمع بين الغريبين: غريبي القرآن والحديث أبو عبيد أحمد
(2/85)
بن محمد الهروي، صاحب أبي منصور الأزهري، وذيل عليه الحافظ أبو موسى المديني ذيلا حسنا. ثم جمع بينهما مقتصرا على غريب الحديث فقط أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، وزاد عليهما زيادات كثيرة، وذلك في كتابه " النهاية ". وبلغني أن الإمام صفي الدين محمود بن محمد بن حامد الأرموي، ذيل عليه ذيلا لم أره، وبلغني أنه كتبه حواش على أصل النهاية فقط، وإن الناس أفردوه. وقد كنت كتبت على نسخة - كانت عندي من النهاية - حواشي كثيرة، وأرجو أن أجمعها، وأذيل عليه بذيل كبير، إن شاء الله تعالى.
وقولي: (فاعن به) أي بعلم الغريب، أي: اجعله من عنايتك، واحفظه، واشتغل به. فإن قيل: إنما تستعمل هذه اللفظة مبينة لما لم يسم فاعله، يقال: عنيت بالأمر عناية، كما جزم به صاحبا " الصحاح " و" المحكم "، وعلى هذا فلا يؤمر منه بصيغة على صيغة افعل. قال الجوهري وإذا أمرت منه قلت: لتعن بحاجتي قلت فيه لغتان: عني، وعني. وممن حكاهما صاحب الغريبين، والمطرزي: وفي الحديث: أنه قال لرجل: لقد عني الله بك. قال ابن الأعرابي: أي: حفظ دينك. قال الهروي: يقال عنيت بأمرك، فأنا معني بك، وعنيت بأمرك أيضا، فأنا عان.
ولا ينبغي لمن تكلم في غريب الحديث أن يخوض فيه رجما بالظن، فقد روينا عن أحمد بن حنبل أنه سئل عن حرف منه، فقال: سلوا أصحاب الغريب، فإني أكره أن
(2/86)
أتكلم في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالظن. وسئل الأصمعي عن حديث: ((الجار أحق بسقبه)) ، فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن العرب تزعم أن السقب: اللزيق.
ولا ينبغي أن يقلد من الكتب المصنفة في الغريب، إلا ما كان مصنفوها أئمة جلة في هذا الشأن. فمن لم يكن من أهله، تصرف فيه فأخطأ. وقد كان بعض العجم يقرأ علي من مدة سنين في " المصابيح " للبغوي، فقرأ حديث: ((إذا سافرتم في الخصب، فأعطوا الإبل حقها، وإذا سافرتم في الجدب، فبادروا بها نقيها)) ، فقرأها نقبها - بفتح النون وبالباء الموحدة بعد القاف - فقلت له: إنما هي نقيها - بالكسر والياء آخر الحروف - فقال: هكذا ضبطه بعض الشراح في طرة الكتاب. فأخذت منه الكتاب، وإذا على الحاشية كما ذكر. وقال النقب: الطريق الضيق بين جبلين. فقلت: هذا خطأ وتصحيف فاحش، وإنما هو النقي، أي: المخ الذي في العظم. ومنه قوله في حديث أم زرع: ((لا سمين فينتقى)) ، وفي حديث
(2/87)
الأضحية: ((والعجفاء التي لا تنقي)) . فليحذر طالب العلم ضبط ذلك من الحواشي، إلا إذا كانت بخط من يعرف خطه من الأئمة.
وأحسن ما يفسر به الغريب ما جاء مفسرا به في بعض طرق الحديث، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح المتفق عليه لابن صائد: ((قد خبأت لك خبيئا فما هو؟ قال: الدخ)) . فالدخ هنا: هو الدخان، وهو لغة فيه. حكاها ابن دريد، وابن السيد، والجوهري، وغيرهم. وحكى ابن السيد فيه أيضا: فتح الدال. وقد روى أبو داود والترمذي من رواية الزهري، عن سالم، عن ابن عمر في هذا الحديث، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((إني قد خبأت لك خبيئة)) -وقال الترمذي: ((خبيئا)) - وخبأ له {يوم تأتي السماء بدخان مبين} قال الترمذي: هذا حديث صحيح،
(2/88)
والحديث متفق عليه دون ذكر الآية. وذكر أبو موسى المديني: أن السر في كونه خبأ له الدخان، أن عيسى - صلى الله عليه وسلم - يقتله بجبل الدخان فهذا هو الصواب في تفسير الدخ هنا. وقد فسره غير واحد على غير ذلك فأخطأ، ومنهم الحاكم في " علوم الحديث "، قال: سألت الأدباء عن تفسير الدخ، قال: يدخها، ويزخها، بمعنى واحد، الدخ والزخ، قال: والمعنى الذي أشار إليه ابن صياد - خذله الله - فيه مفهوم، ثم أنشد لعلي ابن أبي طالب - رضي الله عنه -:
طوبى لمن كانت له مزخه ... يزخها ثم ينام الفخه
فالمزخة - بالفتح -: هي المرأة. قاله الجوهري. ومعنى يزخها: يجامعها. والفخة: أن ينام فينفخ في نومه. هذا الذي فسر الحاكم به الحديث من كونه
(2/89)
الجماع، تخليط فاحش، كما قال ابن الصلاح، ثم إني لم أر في كلام أهل اللغة أن الدخ -بالدال-: هو الجماع. وإنما ذكروه بالزاي فقط. وممن فسره على غير الصواب أيضا أبو سليمان الخطابي فرجح أن الدخ: نبت موجود بين النخيل، وقال: لا معنى للدخان هاهنا، إذ ليس مما يخبأ، إلا أن يريد بـ: خبأت أضمرت وما قاله الخطابي أيضا غير مرضي. وقولي: (والحاكم) ، هو ابتداء كلام مرفوع، (وفسره) : في موضع الخبر.
المسلسل
764.... مسلسل الحديث ما تواردا ... فيه الرواة واحدا فواحدا
765.... حالا لهمأو وصفا اووصفسند ... كقول كلهم: سمعت فاتحد
766.... وقسمه إلى ثمان مثل ... وقلما يسلم ضعفا يحصل
767.... ومنه ذو نقص بقطع السلسله ... كأولية وبعض وصله
التسلسل من صفات الأسانيد، فالحديث المسلسل: هو ما توارد رجال إسناده واحدا فواحدا على حالة واحدة أو صفة واحدة سواء كانت الصفة للرواة، أو للإسناد. وسواء كان ما وقع منه في الإسناد في صيغ الأداء، أو متعلقا بزمن الرواية، أو
(2/90)
بالمكان. وسواء أكانت أحوال الرواة، أو صفاتهم أقوالا، أم أفعالا؟ مثال التسلسل بأحوال الرواة القولية، حديث معاذ بن جبل، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((يا معاذ، إني أحبك، فقل في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)) ، فقد تسلسل لنا بقول كل من رواته: وأنا أحبك فقل.
ومثال التسلسل بأحوال الرواة الفعلية، حديث أبي هريرة قال: شبك بيدي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -، وقال: خلق الله الأرض يوم السبت، ... الحديث. فقد تسلسل لنا تشبيك كل واحد من رواته بيد من رواه عنه. وقد يجتمع تسلسل الأقوال والأفعال في حديث واحد كالحديث الذي أخبرنا به محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري سماعا عليه بدمشق في الرحلة الأولى، قال: أخبرنا والدي، ويحيى بن علي بن محمد القلانسي قالا: أخبرنا علي بن محمد ابن أبي الحسن، قال: حدثنا يحيى بن محمود الثقفي، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن الفضل، قال: حدثنا أحمد بن علي بن خلف، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحاكم، قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد، قال: حدثنا يوسف
(2/91)
ابن عبد الأحد الشافعي، قال: حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني، قال: حدثنا سعيد الأدم، قال: حدثنا شهاب بن خراش، قال: سمعت يزيد الرقاشي يحدث عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره)) قال: وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وقبض أنس على لحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ يزيد بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ شهاب بلحيته، فقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ سعيد بلحيته، وقال: آمنت
بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ سليمان بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ يوسف بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال الحاكم: وأخذ الزبير بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ الحاكم بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ ابن خلف بلحيته،
(2/92)
وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ إسماعيل بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ يحيى الثقفي بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ علي بن محمد بلحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ كل من يحيى بن القلانسي وإسماعيل بن إبراهيم بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وأخذ شيخنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره.
ومثال التسلسل بصفات الرواة القولية، كالحديث المسلسل بقراءة سورة الصف ونحوه. وأحوال الرواة القولية، وصفاتهم القولية، متقاربة بل متماثلة. ومثال التسلسل بصفات الرواة الفعلية، كالحديث المسلسل بالفقهاء، وهو حديث ابن عمر مرفوعا: ((البيعان بالخيار)) فقد تسلسل لنا برواية الفقهاء. وكالحديث المسلسل برواية الحفاظ، ونحو ذلك. ومثال التسلسل بصفات الإسناد والرواية، كقول كل من رواته:
(2/93)
سمعت فلانا، وإليه الإشارة بقولي: (كقول كلهم: سمعت فاتحد) ، لفظ الأداء في جميع الرواة فصار مسلسلا بذلك، وكذلك قول جميعهم حدثنا، أو قولهم: أخبرنا، وقولهم: شهدت على فلان، قال: شهدت على فلان، ونحو ذلك. وجعل الحاكم من أنواعه أن تكون ألفاظ الأداء في جميع الرواة دالة على الاتصال، وإن اختلفت، فقال بعضهم: سمعت، وبعضهم: أخبرنا، وبعضهم: حدثنا، ولم يدخل الأكثرون في المسلسلات إلا ما اتفقت فيه صيغ الأداء بلفظ واحد، ومثال التسلسل في وقت الرواية حديث ابن عباس، قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيد فطر، أو أضحى، ... الحديث. فقد تسلسل لنا برواية كل واحد من الرواة له في يوم عيد وكحديث تسلسل قص الأظفار بيوم الخميس، ونحو ذلك. ومثال التسلسل بالمكان، كالحديث المسلسل بإجابة الدعاء في الملتزم. وأنواع التسلسل كثيرة. وقد ذكره الحاكم في علومه ثمانية أنواع، قال ابن الصلاح: والذي ذكره فيها إنما هو صور، وأمثلة ثمانية، ولا انحصار لذلك في ثمانية.
قلت: لم يقل الحاكم إنه ينحصر في ثمانية أنواع، كما فهمه ابن الصلاح، وإنما قال بعد ذكره الثمانية: ((فهذه أنواع المسلسل من الأسانيد المتصلة التي لا يشوبها تدليس وآثار السماع بين الراويين ظاهرة)) . انتهى.
(2/94)
فالحاكم إنما ذكر من أنواع المسلسل ما يدل على الاتصال. فالأول: المسلسل بـ: سمعت. والثاني: المسلسل بقولهم: قم فصب علي حتى أريك وضوء فلان. والثالث: المسلسل بمطلق ما يدل على الاتصال من ((سمعت)) أو ((أخبرنا)) أو ((حدثنا)) ، وإن اختلفت ألفاظ الرواة. والرابع: المسلسل بقولهم: فإن قيل لفلان: من أمرك بهذا؟ قال: يقول: أمرني فلان. والخامس: المسلسل بالأخذ باللحية، وقولهم: آمنت بالقدر، الحديث، وقد تقدم. والسادس: المسلسل بقولهم: وعدهن في يدي. والسابع: المسلسل بقولهم: شهدت على فلان. والثامن: المسلسل بالتشبيك باليد مع أن من أمثلته ما يدل على الاتصال، ولم يذكره، كالمسلسل بقولهم: أطعمنا وسقانا. والمسلسل بقولهم: أضافنا بالأسودين، التمر والماء. والمسلسل بقولهم: أخذ فلان بيدي. والمسلسل بالمصافحة. والمسلسل بقص الأظفار يوم الخميس، ونحو ذلك. قال ابن الصلاح: ((وخيرها ما كان فيه دلالة على اتصال السماع وعدم التدليس، قال: ومن فضيلة التسلسل اشتماله على مزيد الضبط من الرواة. قال: وقلما تسلم المسلسلات من ضعف، أعني: في وصف التسلسل لا في أصل المتن)) .
ومن المسلسل ما هو ناقص التسلسل بقطع السلسلة في وسطه، أو أوله، أو آخره، كحديث عبد الله بن عمرو المسلسل بالأولية، فإنه إنما يصح التسلسل فيه إلى سفيان بن عيينة، وانقطع التسلسل بالأولية في سماع سفيان من عمرو، وفي سماع عمرو من أبي قابوس، وفي سماع أبي قابوس من عبد الله بن عمرو، وفي سماع عبد الله من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد وقع لنا - بإسناد متصل - التسلسل إلى آخره، ولا يصح ذلك، والله أعلم.
(2/95)
الناسخ، والمنسوخ
768.... والنسخ رفع الشارع السابق من ... أحكامه بلاحق وهو قمن
769.... أن يعتنى به وكان الشافعي ... ذا علمه ثم بنص الشارع
770.... أو صاحب أو عرف التاريخ أو ... أجمع تركا بان نسخ ورأوا
771.... دلالة الإجماع لا النسخ به ... كالقتل في رابعة بشربه
النسخ يطلق لغة: على الإزالة، وعلى التحويل. وأما نسخ الأحكام الشرعية، وهو المحدود هنا، فهو عبارة عن: ((رفع الشارع حكما من أحكامه سابقا، بحكم من أحكامه لاحق)) .
والمراد برفع الحكم: قطع تعلقه بالمكلفين، وإلا فالحكم قديم لا يرتفع. فقولنا: (رفع) ، احتراز عن بيان مجمل، فإنه ليس برفع.
وقولنا: (الشارع) ، احتراز عن إخبار بعض من شاهد النسخ من الصحابة، فإنه لا يكون نسخا، وإن كان التكليف إنما حصل بإخباره لمن لم يكن بلغه قبل ذلك.
(2/96)
وقولنا: حكما من أحكامه احتراز عن رفع الإباحة الأصلية، فإنه لا يسمى نسخا.
وقولنا: سابقا، احتراز عن التخصيص المتصل بالتكليف، كالاستثناء، ونحوه.
وقولنا: بحكم من أحكامه، احتراز عن رفع الحكم لموت المكلف، أو زوال التكليف بجنون، أو نحوه.
وقولنا لاحق، احتراز عن انتهاء الحكم بانتهاء الوقت، كقوله - صلى الله عليه وسلم - إنكم لاقوا العدو غدا، والفطر أقوى لكم، فأفطروا فالصوم - مثلا بعد ذلك اليوم ليس لنسخ متأخر، وإنما المأمور به مؤقت وقد انقضى وقته بعد ذلك اليوم المأمور بإفطاره
وقولي: (وهو قمن) - بفتح القاف وكسر الميم - على إحدى اللغتين، بمعنى: حقيق، أي: وعلم الناسخ والمنسوخ حقيق أن يعتنى به.
وقولي ذا علمه، أي صاحب علمه وقد روينا عن أحمد بن حنبل، أنه قال ما علمنا المجمل من المفسر، ولا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه حتى جالسنا الشافعي
وقولي: (ثم بنص الشارع ... ) إلى آخره. الجار والمجرور هنا متعلق بقولي: بان نسخ أي يتبين النسخ، ويعرف بنص الشارع عليه، أو بنص صاحب من الصحابة عليه، أو بمعرفة التاريخ للواقعتين، أو بأن يجمع على ترك العمل بحديث
(2/97)
فالأول كقوله - صلى الله عليه وسلم - كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها وكنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا ما بدا لكم وكنت نهيتكم عن الظروف، ... الحديث أخرجه مسلم والترمذي وصححه من حديث بريدة بن الحصيب
والثاني كقول جابر كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي وكقول أبي بن كعب كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم أمر بالغسل. رواه أبو داود، والترمذي وصححه، وابن ماجه. هكذا أطلق ابن الصلاح أن مما يعرف النسخ به قول الصحابي، وهو واضح. وخصص أهل الأصول ثبوت النسخ بقوله فيما إذا أخبر: بأن هذا متأخر. فإن
(2/98)
قال: هذا ناسخ. لم يثبت به النسخ. قالوا: لجواز أن يقوله عن اجتهاده، بناء على أن قوله ليس بحجة. وما قاله أهل الحديث أوضح وأشهر. والنسخ لا يصار إليه بالاجتهاد والرأي، وإنما يصار إليه عند معرفة التأريخ. والصحابة أورع من أن يحكم أحد منهم على حكم شرعي بنسخ من غير أن يعرف تأخر الناسخ عنه. وفي كلام الشافعي موافقة لأهل الحديث، فقد قال فيما رواه البيهقي في المدخل ولا يستدل على الناسخ والمنسوخ إلا بخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بوقت يدل على أن أحدهما بعد الآخر، أو بقول من سمع الحديث، أو العامة.
فقوله: أو بقول من سمع الحديث، أراد به قول الصحابة مطلقا، فذكر الوجوه الأربعة التي يعرف بها النسخ، والله أعلم.
والثالث كحديث شداد بن أوس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أفطر الحاجم والمحجوم رواه أبو داود والنسائي، وابن ماجه فذكر الشافعي - رضي الله عنه - أنه منسوخ بحديث ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم صائم أخرجه مسلم فإن ابن عباس إنما صحبه محرما في حجة الوداع سنة عشر. وفي بعض طرق حديث شداد: أن ذلك كان زمن الفتح، وذلك في سنة ثمان، والله أعلم.
(2/99)
والرابع كحديث معاوية قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه رواه أصحاب السنن، أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، قال الترمذي في آخر الجامع جميع ما في هذا الكتاب معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين حديث ابن عباس في الجمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف، ولا سفر، وحديث، إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه)) . قال النووي في " شرح مسلم ": ((وهذا في حديث شارب الخمر هو كما قاله، فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه. قال: وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به)) . قلت: وقوله عن حديث شارب الخمر: أنه كما قاله، فيه نظر من حيث إن ابن حزم خالف في ذلك.
(2/100)
اللهم إلا أن يقال: إن خلاف الظاهرية لا يقدح في الإجماع. وقد ذكر أبو الفتح اليعمري في "شرح الترمذي"، أنه روى ذلك أيضا عن عبد الله بن عمرو، والله أعلم.
ومع الإجماع على خلاف العمل به فقد ورد النسخ لذلك كما قال الترمذي من رواية محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال إن شرب الخمر فاجلدوه، فإن شرب في الرابعة فاقتلوه قال ثم أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك برجل قد شرب الخمر في الرابعة فضربه ولم يقتله، قال وكذلك روى الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، نحو هذا، قال فرفع القتل، وكانت رخصة ولم يجعل أبو بكر الصيرفي الإجماع دليلا على تعين المصير للنسخ، بل جعله مترددا بين النسخ والغلط، فإنه قال في كتابه " الدلائل ": فإن أجمع على إبطال حكم أحدهما، فهو منسوخ، أو غلط، والآخر ثابت. وما قاله محتمل، والله أعلم.
التصحيف
772.... والعسكري والدارقطني صنفا ... فيما له بعض الرواة صحفا
773.... في المتن كالصولي ((ستا)) غير ... ((شيئا)) ، أو الإسناد كابن الندر
774.... صحف فيه الطبري قالا: ... ((بذر)) بالباء ونقط ذالا
(2/101)
معرفة التصحيف فن مهم، وقد صنف فيه أبو الحسن الدارقطني، وصنف فيه أبو أحمد العسكري كتابه المشهور في ذلك، وذكر العسكري من الزوائد على ابن الصلاح بغير تمييز.
ثم التصحيف ينقسم إلى تصحيف في متن الحديث، وإلى تصحيف في الإسناد. وينقسم أيضا إلى تصحيف البصر -وهو الأكثر- وإلى تصحيف السمع -كما سيأتي-. وينقسم أيضا إلى تصحيف اللفظ - وهو الأكثر - وإلى تصحيف المعنى - كما سيأتي -. فمثال التصحيف في المتن ما ذكره الدارقطني: أن أبا بكر الصولي أملى في الجامع حديث أبي أيوب مرفوعا: ((من صام رمضان، وأتبعه ستا من شوال، ... )) . فقال فيه: شيئا - بالشين المعجمة، والياء آخر الحروف -. وكقول هشام بن عروة في حديث أبي ذر: ((تعين ضايعا)) - بالضاد المعجمة والياء آخر الحروف -. والصواب-
(2/102)
بالمهملة والنون -. وكقول وكيع في حديث معاوية: ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين يشققون الحطب)) بفتح الحاء المهملة - وإنما هو بضم المعجمة -. وحكي: أن ابن شاهين صحفه كذلك. وكقول أبي موسى محمد بن المثنى في حديث: ((أو شاة تنعر - بالنون - وإنما هو بالياء آخر الحروف. وكقول أبي بكر الإسماعيلي في حديث عائشة: ((قر الزجاجة)) بالزاي، وإنما هو بالدال المهملة المفتوحة.
(2/103)
ومثال التصحيف في الإسناد ما ذكره الدارقطني: أن محمد بن جرير الطبري قال فيمن روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بني سليم، ومنهم: عتبة بن البذر، قاله: بالموحدة والذال المعجمة، وإنما هو بالنون المضمومة، وفتح الدال المهملة المشددة. وكقول يحيى بن معين: العوام بن مزاحم - بالزاي والحاء المهملة - وإنما هو بالراء والجيم.
775.... وأطلقوا التصحيف فيما ظهرا ... كقوله: ((احتجم)) مكان ((احتجرا))
أي وقد أطلق من صنف في التصحيف، التصحيف على ما لا تشتبه حروفه بغيره، وإنما أخطأ فيه راويه، أو سقط بعض حروفه من غير اشتباه مثاله ما ذكره مسلم في التمييز أن ابن لهيعة صحف في حديث زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجر في المسجد، فقال احتجم بالميم وكما روى يحيى بن سلام المفسر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى {سأريكم دار الفاسقين} ، قال مصر، وقد استعظم أبو زرعة الرازي هذا واستقبحه، وذكر أنه في تفسير سعيد عن قتادة مصيرهم، فأطلقوا على مثل هذا اسم التصحيف، وإن لم يشتبه. ولكنه سقط الضمير والياء، فوقع هكذا.
(2/104)
776.... وواصل بعاصم والأحدب ... بأحول تصحيف سمع لقبوا
777.... وصحف المعنى إمام عنزه ... ظن القبيل بحديث ((العنزه))
778.... وبعضهم ظن سكون نونه ... فقال: شاة خاب في ظنونه
هذا مثال لتصحيف السمع، وتصحيف المعنى. فأما تصحيف السمع فهو: أن يكون الاسم واللقب، أو الاسم واسم الأب على وزن اسم آخر ولقبه، أو اسم آخر واسم أبيه؛ والحروف مختلفة شكلا ونطقا، فيشتبه ذلك على السمع، كأن يكون الحديث لعاصم الأحول فيجعله بعضهم عن واصل الأحدب. فذكر الدارقطني: أنه من تصحيف السمع. وكذا عكسه، مثاله ما ذكره النسائي عن يزيد بن هارون، عن شعبة، عن عاصم الأحول، عن أبي وائل، عن ابن مسعود بحديث: ((أي الذنب أعظم؟ ... الحديث)) . وكذلك ذكره الخطيب في " المدرجات " من طريق مهدي بن ميمون، عن عاصم الأحول، والصواب: واصل الأحدب مكان عاصم الأحول من طريق شعبة، ومهدي، وغيرهما. قال النسائي: حديث يزيد خطأ، إنما هو عن واصل. وقال الخطيب: إن قول بعضهم: عن مهدي بن ميمون، عن عاصم الأحول؛ وهم. قال: وقد رواه شعبة والثوري ومالك بن مغول، وسعيد بن مسروق، عن واصل
(2/105)
الأحدب. عن أبي وائل. قال: وهذا أيضا هو المشهور من رواية مهدي. ومن ذلك ما رواه أبو داود والنسائي من رواية شعبة عن مالك عرفطة، عن عبد خير، عن علي في صفة الوضوء والصواب: خالد بن علقمة، مكان: مالك بن عرفطة. قاله النسائي. وقد نسب شعبة فيه إلى الخطأ أبو داود والنسائي وغيرهما. وقد سمى أحمد بن حنبل هذا تصحيفا، فقال في حديث رواه شعبة عن مالك بن عرفطة، عن عبد خير، عن عائشة في النهي عن الدباء، والمزفت، صحف فيه شعبة، وإنما هو خالد بن علقمة.
وأما تصحيف المعنى، فمثاله ما ذكره الدارقطني: أن أبا موسى محمد بن المثنى العنزي الملقب بالزمن، أحد شيوخ الأئمة الستة، وهو المراد في قولي: (إمام عنزه) ، قال يوما: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة قد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلينا. يريد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى عنزة فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم. وإنما العنزة هنا الحربة
(2/106)
تنصب بين يديه. وأعجب من ذلك ما ذكره الحاكم عن أعرابي: أنه زعم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى نصبت بين يديه شاة فصحفها عنزة - بإسكان النون - ثم رواه بالمعنى على وهمه فاخطأ في ذلك من وجهين، والله أعلم. ومن أمثلة تصحيف المعنى، ما ذكره الخطابي عن بعض شيوخه في الحديث: أنه لما روى حديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة، قال: ما حلقت رأسي قبل الصلاة منذ أربعين سنة. فهم منه تحليق الرؤوس، وإنما المراد تحليق الناس حلقا، والله أعلم.
(2/107)
مختلف الحديث
779.... والمتن إن نافاه متن آخر ... وأمكن الجمع فلا تنافر
780.... كمتن ((لا يورد)) مع ((لا عدوى)) ... فالنفي للطبع وفر عدوا
781.... أولا فإن نسخ بدا فاعمل به ... أو لا فرجح واعملن بالأشبه
هذا فن تكلم فيه الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه وأول من تكلم فيه الإمام الشافعي - رضي الله عنه - في كتابه اختلاف الحديث، ذكر فيه جملة من ذلك يتنبه بها على طريق الجمع، ولم يقصد استيفاء ذلك، ولم يفرده بالتأليف، إنما هو جزء من كتاب "
(2/108)
الأم ". ثم صنف في ذلك أبو محمد بن قتيبة فأتى بأشياء حسنة، وقصر باعه في أشياء قصر فيها. وصنف في ذلك محمد بن جرير الطبري، وأبو جعفر الطحاوي كتابه " مشكل الآثار "، وهو من أجل كتبه وكان الإمام أبو بكر بن خزيمة من أحسن الناس كلاما في ذلك، حتى إنه قال: لا أعرف حديثين صحيحين متضادين، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما.
وجملة الكلام في ذلك: إنا إذا وجدنا حديثين مختلفي الظاهر، فلا يخلو إما أن يمكن الجمع بينهما بوجه ينفي الاختلاف بينهما، أو لا؟ فإن أمكن ذلك بوجه صحيح، تعين الجمع، ولا يصار إلى التعارض، أو النسخ، مع إمكان الجمع، مثاله قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لا يورد ممرض على مصح وقوله فر من المجذوم فرارك من الأسد مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أيضا لا عدوى ولا طيرة، فقد جعلها بعضهم متعارضة، وأدخلها بعضهم في الناسخ والمنسوخ، كأبي حفص بن شاهين والصواب الجمع بينهما، ووجهه أن قوله لا عدوى نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية، وبعض الحكماء، من أن هذه الأمراض تعدي بطبعها، ولهذا قال: ((فمن أعدى الأول)) ، أي: إن الله هو الخالق لذلك بسبب وغير سبب، وإن قوله ((لا يورد ممرض على مصح)) ، ((وفر من المجذوم)) ، بيان لما يخلقه الله من الأسباب عند المخالطة للمريض، وقد يتخلف ذلك عن سببه، وهذا مذهب أهل السنة. كما أن النار لا تحرق بطبعها، ولا الطعام يشبع بطبعه، ولا الماء يروي بطبعه، وإنما
(2/109)
هي أسباب، والقدر وراء ذلك. وقد وجدنا من خالط المصاب بالأمراض التي اشتهرت بالإعداء، ولم يتأثر بذلك. ووجدنا من احترز عن ذلك، الاحتراز الممكن، وأخذ بذلك المرض.
(وعدوا) في آخر البيت، مصدر قولك عدا يعدوا عدوا، إذا أسرع في مشيه، إشارة إلى قوله: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) .
وإن لم يمكن الجمع بين الحديثين المختلفين، فإن عرف المتأخر منهما فإنه يصار حينئذ إلى النسخ، ويعمل بالمتأخر منهما. وإن لم يدل دليل على النسخ، فقد تعارضا حينئذ فيصار إلى الترجيح، ويعمل بالأرجح منهما، كالترجيح بكثرة الرواة، أو بصفاتهم في خمسين وجها من وجوه الترجيحات وأكثر. كذا ذكر ابن الصلاح: أن وجوه الترجيحات خمسون، وأكثر. وتبع في ذلك الحازمي، فإنه كذلك قال في كتاب " الاعتبار " له في الناسخ والمنسوخ. وقد رأينا أن نسردها مختصرة:
الأول: كثرة الرواة.
الثاني: كون أحد الراويين أتقن وأحفظ.
الثالث: كونه متفقا على عدالته.
الرابع: كونه بالغا حالة التحمل.
الخامس: كون سماعه تحديثا، والآخر عرضا.
السادس: كون أحدهما سماعا، أو عرضا، والآخر كتابة، أو وجادة، أو مناولة.
السابع: كونه مباشرا لما رواه.
الثامن: كونه صاحب القصة.
التاسع: كونه أحسن سياقا، واستقصاء لحديثه.
(2/110)
العاشر: كونه أقرب مكانا.
الحادي عشر: كونه أكثر ملازمة لشيخه.
الثاني عشر: كونه سمعه من مشايخ بلده.
الثالث عشر: كون أحد الحديثين له مخارج.
الرابع عشر: كون إسناده حجازيا.
الخامس عشر: كون رواته من بلد لا يرضون التدليس.
السادس عشر: دلالة ألفاظه على الاتصال، كـ: سمعت، و: حدثنا.
السابع عشر: كونه مشافها مشاهدا لشيخه عند الأخذ.
الثامن عشر: عدم الاختلاف في الحديث.
التاسع عشر: كون راويه لم يضطرب لفظه، وهو قريب من الذي قبله.
العشرون: كون الحديث متفقا على رفعه.
الحادي والعشرون: كونه متفقا على اتصاله.
الثاني والعشرون: كون راويه لا يجيز الرواية بالمعنى.
الثالث والعشرون: كونه فقيها.
الرابع والعشرون: كونه صاحب كتاب يرجع إليه.
الخامس والعشرون: كون أحد الحديثين نصا وقولا [والآخر نسب إليه استدلالا واجتهادا] .
السادس والعشرون: كون القول يقارنه الفعل.
السابع والعشرون: كونه موافقا لظاهر القرآن.
الثامن والعشرون: كونه موافقا لسنة أخرى.
التاسع والعشرون: كونه موافقا للقياس.
الثلاثون: كونه معه حديث آخر مرسل، أو منقطع.
الحادي والثلاثون: كونه عمل به الخلفاء الراشدون.
الثاني والثلاثون: كونه مع عمل الأمة.
(2/111)
الثالث والثلاثون: كون ما تضمنه من الحكم منطوقا.
الرابع والثلاثون: كونه مستقلا لا يحتاج إلى إضمار.
الخامس والثلاثون: كون حكمه مقرونا بصفة، والآخر بالاسم.
السادس والثلاثون: كونه مقرونا بتفسير الراوي.
السابع والثلاثون: كون أحدهما قولا، والآخر فعلا، فيرجح القول.
الثامن والثلاثون: كونه لم يدخله التخصيص.
التاسع والثلاثون: كونه غير مشعر بنوع قدح في الصحابة.
الأربعون: كونه مطلقا، والآخر ورد على سبب.
الحادي والأربعون: دلالة الاشتقاق على أحد الحكمين.
الثاني والأربعون: كون أحد الخصمين قائلا بالخبرين.
الثالث والأربعون: كون أحد الحديثين فيه زيادة.
الرابع والأربعون: كونه فيه احتياط للفرض وبراءة الذمة.
الخامس والأربعون: كون أحد الحديثين له نظير متفق على حكمه.
السادس والأربعون: كونه يدل على الحظر، والآخر على الإباحة.
السابع والأربعون: كونه يثبت حكما موافقا لحكم ما قبل الشرع، فقيل: هو أولى، وقيل: هما سواء.
الثامن والأربعون: كون أحد الخبرين مسقطا للحد، فقيل: هو أولى، وقيل: لا ترجيح.
التاسع والأربعون: كونه إثباتا يتضمن النقل عن حكم العقل والآخر نفيا يتضمن الإقرار على حكم العقل.
الخمسون: أن يكون أحدهما في الأقضية، وراويه علي: أو في الفرائض، وراويه زيد ابن ثابت، أو في الحلال والحرام وراويه معاذ بن جبل، وهلم جرا.
(2/112)
فالصحيح الذي عليه الأكثرون، كما قال الحازمي: الترجيح به. وقد اقتصر الحازمي على ذكر هذه الخمسين وجها، قال: وثم وجوه كثيرة أضربنا عن ذكرها، كي لا يطول به هذا المختصر. قلت: وقد خالفه بعض الأصوليين في بعض ما ذكره من وجوه الترجيحات، فرجح مقابله، أو نفى الترجيح. وقد زاد الأصوليون كالإمام فخر الدين الرازي، والسيف الآمدي، وأتباعهما؛ وجوها أخرى للترجيح، إذا انضمت إلى هذه، زادت على المائة. وقد جمعتها فيما جمعته على كلام ابن الصلاح، فلتراجع من هناك، وقد اقتصرت هنا على ما أودعه المحدثون كتبهم، والله أعلم.
خفي الإرسال، والمزيد في الإسناد
782.... وعدم السماع واللقاء ... يبدو به الإرسال ذو الخفاء
783.... كذا زيادة اسم راو في السند ... إن كان حذفه بعن فيه ورد
(2/113)
784.... وإن بتحديث أتى فالحكم له ... مع احتمال كونه قد حمله
785.... عن كل الا حيث ما زيد وقع ... وهما وفي ذين الخطيب قد جمع
ليس المراد هنا بالإرسال ما سقط منه الصحابي، كما هو المشهور في حد المرسل. وإنما المراد هنا: مطلق الانقطاع.
ثم الإرسال على نوعين: ظاهر، وخفي.
فالظاهر هو أن يروي الرجل عمن لم يعاصره بحيث لا يشتبه إرساله باتصاله على أهل الحديث، كأن يروي مالك مثلا عن سعيد بن المسيب، وكحديث رواه النسائي من رواية القاسم بن محمد، عن ابن مسعود، قال أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض نسائه، ثم نام حتى أصبح، ... الحديث فإن القاسم لم يدرك ابن مسعود.
والخفي: هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه، أو عمن لقيه ولم يسمع منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، فهذا قد يخفى على كثير من أهل الحديث، لكونهما قد جمعهما عصر واحد. وهذا النوع أشبه بروايات المدلسين. وقد أفرده ابن الصلاح بالذكر عن نوع المرسل، فتبعته على ذلك.
(2/114)
ويعرف خفي الإرسال بأمور:
أحدها أن يعرف عدم اللقاء بينهما بنص بعض الأئمة على ذلك، أو يعرف ذلك بوجه صحيح، كحديث رواه ابن ماجه من رواية عمر بن عبد العزيز، عن عقبة بن عامر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال رحم الله حارس الحرس، فإن عمر لم يلق عقبة، كما قال المزي في الأطراف
والثاني: بأن يعرف عدم سماعه منه مطلقا بنص إمام على ذلك، أو نحوه، كأحاديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، وهي في السنن الأربعة. فقد روى الترمذي: أن عمرو بن مرة قال لأبي عبيدة: هل تذكر من عبد الله شيئا؟ قال: لا.
والثالث: بأن يعرف عدم سماعه منه لذلك الحديث فقط، وإن سمع منه غيره؛ إما بنص إمام، أو إخباره عن نفسه بذلك في بعض طرق الحديث، أو نحو ذلك.
والرابع: بأن يرد في بعض طرق الحديث زيادة اسم راو بينهما، كحديث رواه عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة
(2/115)
مرفوعا: ((إن وليتموها أبا بكر، فقوي، أمين)) ، فهو منقطع في موضعين؛ لأنه روي عن عبد الرزاق، قال: حدثني النعمان بن أبي شيبة، عن الثوري، وروي أيضا عن الثوري، عن شريك، عن أبي إسحاق.
وهذا القسم الرابع محل نظر لا يدركه إلا الحفاظ النقاد، ويشتبه ذلك على كثير من أهل الحديث؛ لأنه ربما كان الحكم للزائد، وربما كان الحكم للناقص والزائد وهم فيكون من نوع المزيد في متصل الأسانيد؛ فلذلك جمعت بينه وبين نوع خفي الإرسال، وإن كان ابن الصلاح جعلهما نوعين، وكذلك الخطيب أفردهما بالتصنيف، فصنف في الأول كتابا سماه التفصيل لمبهم المراسيل، وصنف في الثاني كتابا سماه تمييز المزيد في متصل الأسانيد، وفي كثير مما ذكره فيه نظر والصواب ما ذكره ابن الصلاح من التفصيل واقتصرت عليه، وهو أن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد، إن كان بلفظة عن في ذلك - وكذلك ما لا يقتضي الاتصال، كـ قال ونحوها - فينبغي أن يحكم بإرساله، ويجعل معللا بالإسناد الذي ذكر فيه الراوي الزائد؛ لأن الزيادة من الثقة مقبولة وإن كان بلفظ يقتضي الاتصال، كـ حدثنا، وأخبرنا، وسمعت، فالحكم للإسناد الخالي عن الرواي الزائد؛ لأن معه الزيادة، وهي إثبات سماعه منه ومثاله حديث رواه مسلم والترمذي من طريق ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن
(2/116)
يزيد بن جابر، عن بسر بن عبيد الله، قال سمعت أبا إدريس الخولاني قال سمعت واثلة يقول سمعت أبا مرثد يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يقول لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها فذكر أبي إدريس في هذا الحديث وهم من ابن المبارك؛ لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن جابر، عن بسر، عن واثلة بلفظ الاتصال بين بسر وواثلة رواه مسلم والترمذي أيضا، والنسائي عن علي بن حجر، عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، عن بسر، قال سمعت واثلة ورواه أبو داود عن إبراهيم بن موسى، عن عيسى بن يونس، عن ابن جابر كذلك وحكى الترمذي عن البخاري قال حديث ابن المبارك خطأ، إنما هو عن بسر بن عبيد الله، عن واثلة، هكذا روى غير واحد عن ابن جابر قال وبسر قد سمع من واثلة وقال أبو حاتم الرازي يرون أن ابن المبارك وهم في هذا قال وكثيرا ما يحدث بسر، عن أبي إدريس، فغلط ابن المبارك، وظن أن هذا مما روي عن أبي ادريس، عن واثلة قال وقد سمع هذا بسر من واثلة نفسه وقال الدارقطني زاد ابن المبارك في هذا أبا إدريس ولا أحسبه إلا أدخل حديثا في حديث فقد حكم هؤلاء الأئمة على ابن المبارك بالوهم في هذا
(2/117)
وقولي: (مع احتمال كونه قد حمله عن كل الا حيث ما زيد وقع وهما) أي: مع جواز أن يكون قد سمعه من هذا، ومن هذا، قال ابن الصلاح: ((فجائز أن يكون سمع ذلك من رجل عنه، ثم سمعه منه نفسه، قال: فيكون بسر في هذا الحديث قد سمعه من أبي إدريس عن واثلة، ثم لقي واثلة فسمعه منه، كما جاء مثله مصرحا به في غير هذا.
اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه، أي: الطريق الزائد - وهما - كنحو ما ذكره أبو حاتم الرازي في المثال المذكور، قال: وأيضا، فالظاهر ممن وقع له مثل هذا أن يذكر السماعين، فإذا لم يجئ عنه ذكر ذلك حملناه على الزيادة المذكورة. وقد وقع في هذا الحديث وهم آخر لمن دون ابن المبارك بزيادة راو آخر في السند، فقال فيه: عن ابن المبارك، قال: حدثنا سفيان عن ابن جابر، حدثني بسر، قال: سمعت أبا إدريس، قال: سمعت واثلة، فذكر سفيان في هذا وهم ممن دون ابن المبارك؛ لأن جماعة ثقات رووه عن ابن المبارك، عن ابن جابر، من غير ذكر سفيان، منهم عبد الرحمن بن مهدي، وحسن بن الربيع، وهناد بن السري وغيرهم. وزاد فيه بعضهم التصريح بلفظ الإخبار بينهما.
وقولي: (وفي ذين) أي: وفي هذين النوعين، وهما: الإرسال الخفي، والمزيد في متصل الأسانيد، قد صنف الخطيب كتابيه اللذين سبق ذكرهما.
(2/118)
معرفة الصحابة
... رائي النبي مسلما ذو صحبة ... وقيل: إن طالت ولم يثبت
787.... وقيل من أقام عاما أو غزا ... معه وذا لابن المسيب عزا
ألف العلماء في معرفة الصحابة كتبا كثيرة منها معرفة الصحابة لأبي حاتم بن حبان البستي، مختصر في مجلدة، ومنها كتاب معرفة الصحابة لأبي عبد الله بن منده، وهو كتاب كبير جليل، وقد ذيل عليه الحافظ أبو موسى المديني بذيل كبير، ومنها الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني كتاب جليل، ومنها كتاب الاستيعاب لابن عبد البر، وهو كثير الفوائد وذيل عليه ابن فتحون بذيل في مجلدة ومنها
معرفة الصحابة للعسكري وهو على غير ترتيب الحروف، وصنف معاجم الصحابة جماعة منهم أبو القاسم البغوي، وابن قانع، والطبراني، إلا أن من صنف المعاجم لا يورد غالبا إلا من له رواية، وإن ذكروا من لا رواية له أيضا
وقد صنف أبو الحسن علي بن محمد بن الأثير الجزري كتابا كبيرا سماه أسد الغابة جمع فيه بين كتاب ابن منده، وذيل أبي موسى عليه، وكتاب أبي نعيم، والاستيعاب، وزاد من غيرها أسماء ولم يقع له ذيل ابن فتحون؛ لكنه يكرر أسماء الصحابة باعتبار أسمائهم وكناهم، وباعتبار الاختلاف في أسمائهم، أو كناهم واختصره جماعة منهم الحافظ أبو عبد الله الذهبي، في مختصر لطيف وقد ذيلت عليه بعدة أسماء لم تقع له وقد اختلف في حد الصحابي من هو؟ على أقوال
(2/119)
أحدها وهو المعروف المشهور بين أهل الحديث أنه من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال إسلامه هكذا أطلقه كثير من أهل الحديث ومرادهم بذلك مع زوال المانع من الرؤية، كالعمى، وإلا فمن صحبه - صلى الله عليه وسلم - ولم يره لعارض بنظره كابن أم مكتوم ونحوه معدود في الصحابة بلا خلاف قال أحمد بن حنبل من صحبه سنة، أو شهرا، أو يوما، أو ساعة، أو رآه؛ فهو من الصحابة وقال البخاري في صحيحه من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه وفي دخول الأعمى الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلما، ولم يصحبه، ولم يجالسه؛ في عبارة البخاري نظر ولو قيل في النظم لاقى النبي كان أولى؛ ولكن تبعت فيه عبارة ابن الصلاح فالعبارة السالمة من الاعتراض أن يقال الصحابي من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلما ثم مات على الإسلام؛ ليخرج من ارتد ومات كافرا، كابن خطل، وربيعة بن أمية، ومقيس بن صبابة، ونحوهم وفي دخول من لقيه مسلما ثم ارتد ثم أسلم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحابة نظر كبير، فإن الردة محبطة للعمل عند أبي حنيفة، ونص عليه الشافعي في الأم، وإن كان الرافعي قد حكى عنه أنها إنما تحبط بشرط اتصالها بالموت، وحينئذ فالظاهر أنها محبطة للصحبة المتقدمة، كقرة بن هبيرة، وكالأشعث بن قيس أما من رجع إلى الإسلام في حياته، كعبد الله بن أبي سرح، فلا مانع من دخوله في الصحبة بدخوله الثاني في الإسلام، والله أعلم
(2/120)
فقولي رائي، اسم فاعل من رأى، والنبي مضاف إليه ومسلما حال من اسم الفاعل، وذو صحبة خبر المبتدأ، والمراد برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم -، رؤيته في حال حياته، وإلا فلو رآه بعد موته قبل الدفن، أو بعده، فليس بصحابي على المشهور، بل إن كان عاصره ففيه الخلاف الآتي ذكره وإن كان ولد بعد موته فليست له صحبة بلا خلاف
واحترزت بقولي مسلما عما لو رآه وهو كافر ثم أسلم بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فإنه ليس بصحابي على المشهور، كرسول قيصر، وقد خرجه أحمد في المسند، وكعبد الله بن صياد، إن لم يكن هو الدجال وقد عده في الصحابة، كذلك أبو بكر بن فتحون في ذيله على الاستيعاب وحكي أن الطبري، وغيره ترجم به هكذا
وقولهم من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، هل المراد رآه في حال نبوته، أو أعم من ذلك؟ حتى يدخل من رآه قبل النبوة، ومات قبل النبوة على دين الحنيفية كزيد بن عمرو بن نفيل فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه يبعث أمة وحده وقد ذكره في الصحابة أبو
(2/121)
عبد الله بن منده وكذلك لو رآه قبل النبوة ثم غاب عنه، وعاش إلى بعد زمن البعثة، وأسلم ثم مات، ولم يره ولم أر من تعرض لذلك، ويدل على أن المراد من رآه بعد نبوته أنهم ترجموا في الصحابة لمن ولد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد النبوة، كإبراهيم، وعبد الله، ولم يترجموا لمن ولد قبل النبوة ومات قبلها كالقاسم وكذلك أيضا ما المراد بقولهم من رآه؟ هل المراد رؤيته له مع تمييزه، وعقله؟ حتى لا يدخل الأطفال الذين حنكهم ولم يروه بعد التمييز، ولا من رآه وهو لا يعقل، أو المراد أعم من ذلك؟ ويدل على اعتبار التمييز مع الرؤية ما قاله شيخنا الحافظ أبو سعيد بن العلائي في كتاب المراسيل في ترجمة عبد الله بن الحارث بن نوفل حنكه النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا له ولا صحبة له بل ولا رؤية أيضا، وحديثه مرسل قطعا وكذلك قال في ترجمة عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري حنكه ودعا له، ولا تعرف له رؤية، بل هو تابعي وحديثه مرسل
والقول الثاني أنه من طالت صحبته له، وكثرت مجالسته على طريق التبع له والأخذ عنه حكاه أبو المظفر السمعاني، عن الأصوليين، وقال إن اسم الصحابي يقع على ذلك من حيث اللغة والظاهر، قال وأصحاب الحديث يطلقون اسم الصحبة على كل من روى عنه حديثا، أو كلمة، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من
(2/122)
الصحابة، قال وهذا لشرف منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أعطوا كل من رآه حكم الصحبة هكذا حكاه أبو المظفر السمعاني عن الأصوليين، وهو قول لبعضهم، حكاه الآمدي وابن الحاجب، وغيرهما وبه جزم ابن الصباغ في العدة فقال الصحابي هو الذي لقي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأقام عنده، واتبعه، فأما من وفد عليه وانصرف عنه من غير مصاحبة، ومتابعة، فلا ينصرف إليه هذا الاسم وقال القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني لا خلاف بين أهل اللغة أن الصحابي مشتق من الصحبة، وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلا كان، أو كثيرا، يقال صحبت فلانا حولا ودهرا وسنة وشهرا ويوما وساعة، قال وذلك يوجب في حكم اللغة إجراءها على من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة من نهار هذا هو الأصل في اشتقاق الاسم ومع ذلك فقد تقرر للأئمة عرف في أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته، واتصل لقاؤه ولا يجرون ذلك على من لقي المرء ساعة،
ومشى معه خطى وسمع منه حديثا فوجب لذلك ألا يجري هذا الاسم في عرف الاستعمال إلا على من هذه حاله وقال الآمدي الأشبه أن الصحابي من رآه
(2/123)
وحكاه عن أحمد بن حنبل، وأكثر أصحابنا، واختاره ابن الحاجب أيضا؛ لأن الصحبة تعم القليل والكثير، نعم في كلام أبي زرعة الرازي، وأبي داود ما يقتضي أن الصحبة أخص من الرؤية، فإنهما قالا في طارق بن شهاب له رؤية، وليست له صحبة وكذلك ما رويناه عن عاصم الأحول قال قد رأى عبد الله بن سرجس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أنه لم تكن له صحبة، ويدل على ذلك أيضا ما رواه محمد بن سعد في الطبقات عن علي بن محمد عن شعبة، عن موسى السيلاني، قال أتيت أنس بن مالك، فقلت أنت آخر من بقي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال قد بقي قوم من الأعراب، فأما من أصحابه فأنا آخر من بقي انتهى قال ابن الصلاح إسناده جيد حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة والجواب عن ذلك أنه أراد إثبات صحبة خاصة ليست لتلك الأعراب، وكذا أراد أبو زرعة وأبو داود نفي الصحبة الخاصة دون العامة
وقولي ولم يثبت أي وليس هو الثبت الذي عليه العمل عند أهل الحديث والأصول
(2/124)
والقول الثالث وهو ما روي عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين، قال ابن الصلاح وكأن المراد بهذا إن صح عنه راجع إلى المحكي عن الأصوليين؛ ولكن في عبارته ضيق يوجب ألا يعد من الصحابة جرير بن عبد الله البجلي ومن شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم، ممن لا نعلم خلافا في عده من الصحابة قلت ولا يصح هذا عن ابن المسيب ففي الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي ضعيف في الحديث
والقول الرابع أنه يشترط مع طول الصحبة الأخذ عنه حكاه الآمدي عن عمرو بن يحيى، فقال ذهب إلى أن هذا الاسم إنما يسمى به من طالت صحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ عنه العلم وحكاه ابن الحاجب أيضا قولا، ولم يعزه لعمرو بن يحيى؛ ولكن أبدل الرواية بالأخذ عنه، وبينهما فرق وعمرو هذا الظاهر أنه الجاحظ، فقد ذكر الشيخ أبو إسحاق في اللمع أن أباه اسمه يحيى، وذلك وهم، وإنما هو عمرو بن بحر أبو عثمان الجاحظ من أئمة المعتزلة، قال فيه ثعلب إنه غير ثقة، ولا مأمون،
(2/125)
ولم أر هذا القول لغير عمرو هذا وكأن ابن الحاجب أخذ هذا القول من كلام الآمدي، ولذلك أسقطته من الخلاف في حد الصحابي تبعا لابن الصلاح
والقول الخامس أنه من رآه مسلما بالغا عاقلا حكاه الواقدي عن أهل العلم فقال رأيت أهل العلم يقولون كل من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أدرك الحلم، فأسلم، وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو ساعة من نهار، انتهى والتقييد بالبلوغ شاذ
والقول السادس أنه من أدرك زمنه - صلى الله عليه وسلم -، وهو مسلم، وإن لم يره وهو
قول يحيى بن عثمان بن صالح المصري فإنه قال وممن دفن، أي بمصر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن أدركه ولم يسمع منه أبو تميم الجيشاني، واسمه عبد الله بن مالك انتهى وإنما هاجر أبو تميم إلى المدينة في خلافة عمر باتفاق أهل السير وممن حكى هذا القول من الأصوليين القرافي في شرح التنقيح وكذلك إن كان صغيرا محكوما بإسلامه تبعا لأحد أبويه، وعلى هذا عمل ابن عبد البر في الاستيعاب وابن منده في
معرفة الصحابة، وقد بين ابن عبد البر في ترجمة الأحنف بن قيس أن ذلك شرطه وقال ابن عبد البر في مقدمة كتابه وبهذا كله يستكمل القرن الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما قاله عبد الله بن أبي أوفى صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد بذلك تفسير القرن، قلت وإنما هو قول زرارة بن أوفى من التابعين القرن مائة وعشرون سنة، وهكذا رواه هو قبل ذلك بأربع ورقات، كل ذلك في مقدمة الاستيعاب
(2/126)
وقد اختلف أهل اللغة في مدة القرن، فقال الجوهري هو ثمانون سنة، قال ويقال ثلاثون وحكى صاحب المحكم فيه ستة أقوال قيل عشر سنين، وقيل عشرون، وقيل ثلاثون، وقيل ستون، وقيل سبعون، وقيل أربعون، قال وهو مقدار أهل التوسط في أعمار أهل الزمان، فالقرن في كل قوم على مقدار أعمارهم
فعلى هذا يكون ما بين الستين والسبعين، كما رواه الترمذي في الحديث المرفوع أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين وأما ابتداء قرنه - صلى الله عليه وسلم - فالظاهر أنه من حين البعثة، أو من حين فشو الإسلام فعلى قول زرارة بن أوفى قد استوعب القرن جميع من رآه، وقد روى ابن منده في الصحابة من حديث عبد الله بن بسر مرفوعا القرن مائة سنة
... وتعرف الصحبة باشتهار أو ... تواتر أو قول صاحب ولو
789.... قد ادعاها وهو عدل قبلا ... وهم عدول قيل لا من دخلا
... في فتنة، والمكثرون ستة ... أنس، وابن عمر، والصديقة
(2/127)
791.... البحر، جابر أبو هريرة ... أكثرهم والبحر في الحقيقة
... أكثر فتوى وهو وابن عمرا ... وابن الزبير وابن عمرو قد جرى
793.... عليهم بالشهرة العبادله ... ليس ابن مسعود ولا من شاكله
... وهو وزيد وابن عباس لهم ... في الفقه أتباع يرون قولهم
هذه الأبيات تجمع ست مسائل:
الأولى: فيما تعرف به الصحبة، وذلك إما بالتواتر، كأبي بكر، وعمر، وبقية العشرة في خلق منهم، وإما بالاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر، كعكاشة بن محصن، وضمام بن ثعلبة، وغيرهما. وإما بإخبار بعض الصحابة عنه أنه صحابي كحممة بن أبي حممة الدوسي، الذي مات بأصبهان مبطونا، فشهد له أبو موسى الأشعري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -، حكم له بالشهادة ذكر ذلك أبو نعيم في "تاريخ أصبهان". وروينا قصته في مسند أبي داود الطيالسي، ومعجم الطبراني. على أنه يجوز أن يكون أبو موسى إنما أراد بذلك شهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن قتله بطنه وفي عمومهم حممة، لا أنه سماه باسمه، والله أعلم.
(2/128)
وإما بإخباره عن نفسه أنه صحابي بعد ثبوت عدالته قبل إخباره بذلك. هكذا أطلق ابن الصلاح تبعا للخطيب، فإنه قال في " الكفاية ": وقد يحكم بأنه صحابي إذا كان ثقة أمينا مقبول القول، إذا قال صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكثر لقائي له، فيحكم بأنه صحابي في الظاهر، لموضع عدالته، وقبول خبره، وإن لم يقطع بذلك كما يعمل بروايته. هكذا ذكره في آخر كلام القاضي أبي بكر، والظاهر أن هذا كلام القاضي، قلت: ولا بد من تقييد ما أطلق من ذلك بأن يكون ادعاؤه لذلك يقتضيه الظاهر. أما لو ادعاه بعد مضي مائة سنة من حين وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لا يقبل وإن كانت قد ثبتت عدالته قبل ذلك، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ((أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى أحد ممن على ظهر الأرض)) ، يريد انخرام ذلك القرن. قال: ذلك في سنة وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وهذا واضح جلي. وقد اشترط الأصوليون في قبول ذلك منه أن يكون قد عرفت معاصرته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الآمدي: فلو قال من عاصره أنا صحابي مع إسلامه، وعدالته، فالظاهر صدقه، وحكاهما ابن الحاجب احتمالين من غير ترجيح، قال: ويحتمل أن لا يصدق لكونه متهما بدعوى رتبة يثبتها لنفسه.
الثانية: الصحابة كلهم عدول، لقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ، ولقوله تعالى:
(2/129)
{كنتم خير أمة أخرجت للناس} قيل: إن المفسرين اتفقوا على أنه وارد في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي سعيد الخدري: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه)) ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته أيضا من حديث ابن مسعود ((خير الناس قرني)) ، وقد سبق تفسير القرن في أول هذه الترجمة، ولغير ذلك من الأحاديث الصحيحة، ولإجماع من يعتد به في الإجماع من الأئمة على ذلك، ثم إن جميع الأمة مجمعة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم. وأما من لابس الفتن منهم - وذلك من حين مقتل عثمان - فأجمع من يعتد به أيضا في الإجماع على تعديلهم إحسانا للظن بهم، وحملا لهم في ذلك على الاجتهاد.
هكذا حكى ابن الصلاح إجماع الأمة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم وفيه نظر، فقد حكى الآمدي وابن الحاجب قولا: أنهم كغيرهم في لزوم البحث عن عدالتهم مطلقا،
(2/130)
وقولا أخر: أنهم عدول إلى وقوع الفتن، فأما بعد ذلك فلا بد من البحث عمن ليس ظاهر العدالة، وذهبت المعتزلة إلى فسق من قاتل عليا منهم، وقيل: يرد الداخلون في الفتن كلهم؛ لأن أحد الفريقين فاسق من غير تعيين، وقيل: يقبل الداخل فيها، إذا انفرد؛ لأن الأصل العدالة وشككنا في فسقه، ولا يقبل مع مخالفه لتحقق فسق أحدهما من غير تعيين.
والذي عليه الجمهور كما قال الآمدي وابن الحاجب: إنهم عدول كلهم مطلقا. وقال الآمدي: إنه المختار، وحكى ابن عبد البر في " الاستيعاب " إجماع أهل الحق من المسلمين، وهم أهل السنة والجماعة على أن الصحابة كلهم عدول.
الثالثة: المكثرون من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة: أنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعائشة الصديقة بنت أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عباس - وهو البحر -، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأكثر الستة حديثا أبو هريرة، قال ذلك أحمد بن حنبل وغيره، وأشرت إلى كون أبي هريرة أكثرهم حديثا، بقولي: (أكثرهم) ، ولم يتعرض ابن الصلاح لترتيب من بعد أبي هريرة في الأكثرية، وبعضهم مقارب لبعض. والذي يدل عليه كلام بقي بن مخلد: أن أكثرهم أبو هريرة، روى خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا، ثم ابن عمر، روى ألفي حديث وستمائة وثلاثين، ثم أنس، روى ألفين ومائتين وستة وثمانين، ثم عائشة روت ألفين ومائتين وعشرة، ثم ابن عباس، روى ألفا وستمائة وستين حديثا، ثم جابر، روى ألفا وخمسمائة وأربعين
(2/131)
حديثا. وليس في الصحابة من يزيد حديثه على ألف إلا هؤلاء، وأبو سعيد الخدري، فإنه روى ألفا ومائة وسبعين حديثا.
الرابعة: أكثر الصحابة فتوى عبد الله بن عباس، قاله أحمد بن حنبل أيضا.
الخامسة: في بيان العبادلة من الصحابة، وقيل لأحمد بن حنبل: من العبادلة؟ فقال: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، قيل له: فأين ابن مسعود؟ قال: لا، ليس من العبادلة، قال البيهقي: وهذا لأنه تقدم موته، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم فإذا اجتمعوا على شيء قيل: هذا قول العبادلة.
وقولي: (وهو وابن عمر) ، الضمير عائد على البحر، وهو ابن عباس؛ لأنه أقرب مذكور، وما ذكر من أن العبادلة هم هؤلاء الأربعة، هو المشهور بين أهل الحديث وغيرهم. واقتصر صاحب " الصحاح " على ثلاثة، وأسقط ابن الزبير. وأما ما حكاه النووي في " التهذيب ": أن الجوهري ذكر فيهم ابن مسعود، وأسقط ابن العاص؛ فوهم، نعم.. وقع في كلام الزمخشري في " المفصل " أن العبادلة: ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس وكذا قال الرافعي في " الشرح الكبير " في الديات، وغلطا في ذلك من حيث الاصطلاح، قال ابن الصلاح: ويلتحق بابن مسعود في
(2/132)
ذلك سائر العبادلة المسمين بعبد الله من الصحابة، وهم نحو مائتين وعشرين نفسا. أي: فلا يسمون العبادلة اصطلاحا، وإلى ذلك أشرت بقولي: (ولا من شاكله) أي: ولا من أشبه ابن مسعود في التسمية بعبد الله.
وقول ابن الصلاح: أنهم نحو مائتين وعشرين كأنه أخذه من " الاستيعاب " لابن عبد البر، فإنه عد ممن اسمه عبد الله مائتين وثلاثين، ومنهم من كرره للاختلاف في اسم أبيه أو في اسمه هو، ومنهم من لم يصحح له صحبة، ومنهم من لم يرو وإنما ذكره لمعاصرته على قاعدته؛ وذلك فوق العشرة فبقي نحو مائتين وعشرين، كما ذكر، ولكن قد ذكر الحافظ أبو بكر بن فتحون فيما ذيله على " الاستيعاب " مائة وأربعة وستين رجلا زيادة على ذلك، وفيهم أيضا من عاصره ولم يره، ومن كرره للاختلاف في اسمه أيضا، واسم أبيه، ومن لم تصح صحبته، ولكن يجتمع من المجموع نحو ثلاثمائة رجل.
السادسة: في بيان من كان له من الصحابة أتباع يقولون برأيه، قال ابن المديني: ((لم يكن من صحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد له أصحاب يقومون بقوله في الفقه إلا ثلاثة: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس، كان لكل رجل منهم أصحاب يقومون بقوله، ويفتون الناس)) . انتهى.
فقولي في البيت: (وهو) أي: ابن مسعود.
(2/133)
795.... وقال مسروق انتهى العلم إلى ... ستة أصحاب كبار نبلا
... زيد أبي الدرداء مع أبي ... عمر، عبد الله مع علي
797.... ثم انتهى لذين والبعض جعل ... الأشعري عن أبي الدردا بدل
في هذه الأبيات بيان الذين انتهى إليهم العلم من أكابر الصحابة، وقد ذكر ذلك مسروق والشعبي، فقال مسروق وجدت علم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى إلى ستة عمر وعلي وأبي وزيد وأبي الدرداء، وعبد الله ابن مسعود ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى اثنين علي وعبد الله
فقولي ثم انتهى لذين أي للأخيرين، وهما علي، وعبد الله، وقد
روى مطرف عن الشعبي عن مسروق نحوه إلا أنه ذكر أبا موسى الأشعري بدل أبي الدرداء، قلت زيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، كلاهما تأخرت وفاته بعد عبد الله بن مسعود، وبعد علي بن أبي طالب، بلا خلاف، فقول مسروق إن علم الستة انتهى لعبد الله وعلي، فيه نظر من هذا الوجه، ولهذا عزوت هذه المقالة لمسروق، ولم أطلقها لتكون العهدة عليه ويصح أن يقال انتهى علمهم إليهما لكونهما ضما علمهم إلى علمهما، وإن تأخرت وفاة زيد، وأبي موسى عن علي، وابن مسعود، والله أعلم
وقال الشعبي كان العلم يؤخذ عن ستة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان عمر وعبد الله وزيد يشبه علم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض وكان علي والأشعري وأبي يشبه علم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض
(2/134)
.. والعد لا يحصرهم فقد ظهر ... سبعون ألفا بتبوك وحضر
799.... الحج أربعون ألفا وقبض ... عن ذين مع أربع آلاف تنض
حصر الصحابة - رضي الله عنهم - بالعد والإحصاء متعذر لتفرقهم في البلدان والبوادي وقد روى البخاري في صحيحه أن كعب بن مالك قال في قصة تخلفه عن غزوة تبوك وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثير لا يجمعهم كتاب حافظ، يعني الديوان؛ ولكن قد جاء ضبطهم في بعض مشاهده كتبوك، وحجة الوداع، وعدة من قبض عنه من الصحابة عن أبي زرعة الرازي على ما فيه من نظر، فروينا عنه أنه سئل عن عدة من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ومن يضبط هذا شهد معه حجة الوداع أربعون ألفا، وشهد معه تبوك سبعون ألفا وروينا عنه أيضا أنه قيل له أليس يقال حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة آلاف حديث؟ قال ومن قال ذا؟ قلقل الله أنيابه، هذا قول الزنادقة، ومن يحصي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه، وفي رواية ممن رآه وسمع منه، فقيل له هؤلاء أين كانوا؟ وأين سمعوا منه؟ قال أهل المدينة، وأهل مكة ومن بينهما والأعراب، ومن شهد معه حجة الوداع، كل رآه وسمع منه بعرفة
(2/135)
وقولي عن ذين أي عن مقدار هذين العددين المذكورين، وهما سبعون ألفا، وأربعون ألفا، مع زيادة أربعة آلاف، فذلك مائة ألف وأربعة عشر ألفا، كما تقدم بيانه
وقولي تنض بكسر النون وتشديد الضاد أي تتيسر، يقال خذ ما نض لك من دين، أي تيسر حكاه الجوهري، والنض والناض، وإن كان إنما يطلق على الدنانير، والدراهم، فقد استعير للصحابة لرواجهم في النقد وسلامتهم من الزيف لعدالة كلهم كما تقدم
وأسقطت الهاء من أربع آلاف؛ لضرورة الشعر، وإن كان الألف مذكرا
... وهم طباق إن يرد تعديد ... قيل: اثنتا عشرة أو تزيد
الصحابة على طبقات باعتبار سبقهم إلى الإسلام أو الهجرة أو شهود المشاهد الفاضلة، وقد اختلف كلام من اعتنى بذكر طبقاتهم في عدها، فقسمهم الحاكم في " علوم الحديث " إلى اثنتي عشرة طبقة.
فالطبقة الأولى: قوم أسلموا بمكة، كالخلفاء الأربعة.
والثانية: أصحاب دار الندوة.
والثالثة: مهاجرة الحبشة.
والرابعة: أصحاب العقبة الأولى.
والخامسة: أصحاب العقبة الثانية، وأكثرهم من الأنصار.
(2/136)
والسادسة: أول المهاجرين الذين وصلوا إليه بقباء قبل أن يدخل المدينة.
والسابعة: أهل بدر.
والثامنة: الذين هاجروا بين بدر والحديبية.
والتاسعة: أهل بيعة الرضوان.
والعاشرة: من هاجر بين الحديبية وفتح مكة، كخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأبي هريرة. قلت: لا يصح التمثيل بأبي هريرة، فإنه هاجر قبل الحديبية عقب خيبر، بل في أواخرها.
والحادية عشرة: مسلمة الفتح.
والثانية عشرة: صبيان وأطفال رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، وفي حجة الوداع، وغيرهما كالسائب بن يزيد، وعبد الله بن ثعلبة ابن أبي صعير، وأبي الطفيل، وأبي جحيفة.
قال ابن الصلاح: ((ومنهم من زاد على ذلك)) . انتهى، وأما ابن سعد، فجعلهم خمس طبقات فقط.
801.... والأفضل الصديق ثم عمر ... وبعده عثمان وهو الأكثر
... أو فعلي قبله خلف حكي ... قلت: وقول الوقف جا عن مالك
803.... فالستة الباقون، فالبدريه ... فأحد، فالبيعة المرضيه
أجمع أهل السنة على أن أفضل الصحابة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإطلاق أبو بكر، ثم عمر، وممن حكى إجماعهم على ذلك أبو العباس القرطبي، فقال ولم يختلف في ذلك
(2/137)
أحد من أئمة السلف ولا الخلف، قال ولا مبالاة بأقوال أهل التشيع، ولا أهل البدع انتهى
وقد حكى الشافعي وغيره إجماع الصحابة والتابعين على ذلك قال البيهقي في كتاب الاعتقاد روينا عن أبي ثور عن الشافعي قال ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة، وإنما اختلف من اختلف منهم في علي وعثمان انتهى وروينا عن جرير بن عبد الحميد، أنه سأل يحيى بن سعيد الأنصاري عن ذلك قال من أدركت من الصحابة والتابعين لم يختلفوا في أبي بكر وعمر وفضلهما إنما كان الاختلاف في علي وعثمان وحكى المازري عن أهل السنة تفضيل أبي بكر، وعن الخطابية تفضيل عمر بن الخطاب، وعن الشيعة تفضيل علي، وعن الراوندية تفضيل العباس، وعن بعضهم الإمساك عن التفضيل وحكاه الخطابي أيضا في المعالم، وحكى أيضا عن بعض مشايخه أنه كان يقول أبو بكر خير وعلي أفضل وهذا تهافت من القول وحكى القاضي عياض أن ابن عبد البر، وطائفة ذهبوا إلى أن من توفي من الصحابة في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل ممن بقي بعده لقوله - صلى الله عليه وسلم - في بعضهم أنا شهيد على هؤلاء، قال النووي وهذا الإطلاق
(2/138)
غير مرضي، ولا مقبول انتهى وهو أيضا مردود بما تقدم من حكاية اجماع الصحابة والتابعين على أفضلية أبي بكر وعمر على سائر الصحابة
واختلف أهل السنة في الأفضل بعد عمر، فذهب الأكثرون كما حكاه الخطابي وغيره إلى تفضيل عثمان على علي وأن ترتيبهم في الأفضلية كترتيبهم في الخلافة، وإليه ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل، كما رواه البيهقي في كتاب الاعتقاد عنهما، وهو المشهور عند مالك، وسفيان الثوري وكافة أئمة الحديث والفقهاء، وكثير من المتكلمين كما قال القاضي عياض، وإليه ذهب أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني؛ ولكنهما اختلفا في أن التفضيل بين الصحابة، هل هو على سبيل القطع، أو الظن؟ فالذي مال إليه الأشعري أنه قطعي، وعليه يدل قول مالك الآتي نقله من المدونة، والذي مال إليه القاضي أبو بكر، واختاره إمام الحرمين في الارشاد أنه ظني، وبه جزم صاحب المفهم وذهب أهل الكوفة - كما قال الخطابي - إلى تفضيل علي على عثمان، وروى بإسناده إلى سفيان الثوري أنه حكاه عن أهل السنة من أهل الكوفة وحكى عن أهل السنة من أهل البصرة أفضلية عثمان، فقيل فما تقول؟ فقال أنا رجل كوفي، ثم قال وقد ثبت عن سفيان في آخر قوليه، تقديم عثمان
(2/139)
وممن ذهب إلى تقديم علي على عثمان أبو بكر بن خزيمة، وقد جاء عن مالك التوقف بين عثمان وعلي، كما حكاه المازري عن المدونة أن مالكا سئل أي الناس أفضل بعد نبيهم؟ فقال أبو بكر، ثم قال أوفي ذلك شك؟ قيل له فعلي وعثمان؟ قال ما أدركت أحدا ممن أقتدي به يفضل أحدهما على صاحبه، ونرى الكف عن ذلك، وفي رواية في المدونة حكاها القاضي عياض أفضلهم أبو بكر، ثم عمر، وحكى القاضي عياض قولا أن مالكا رجع عن الوقف إلى القول الأول قال القرطبي وهو الأصح إن شاء الله قال القاضي عياض ويحتمل أن يكون كفه وكف من اقتدى به لما كان شجر بينهم في ذلك من الاختلاف والتعصب انتهى وقد مال إلى التوقف بينهما إمام الحرمين، فقال الغالب على الظن أن أبا بكر أفضل، ثم عمر وتتعارض الظنون في عثمان وعلي انتهى
والذي استقر عليه مذهب أهل السنة تقديم عثمان، لما روى البخاري وأبو داود والترمذي من حديث ابن عمر، قال كنا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ورواه الترمذي بلفظ كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي أبو بكر وعمر وعثمان، قال هذا حديث صحيح غريب ورواه
(2/140)
الطبراني بلفظ أصرح في التفضيل، وزاد فيه اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - وتقريره لذلك ولفظه كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر وعثمان، فيسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا ينكره، فهذا حكم الخلفاء الأربعة
وأما ترتيب من بعدهم في الأفضلية، فقال الإمام أبو منصور عبد القاهر التميمي البغدادي أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة، ثم البدريون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية
وقولي فأحد فالبيعة المرضيه، هو على حذف المضاف، أي فأهل أحد فأهل البيعة
... قال: وفضل السابقين قد ورد ... فقيل: هم، وقيل: بدري وقد
805.... قيل بل اهلالقبلتين، واختلف ... أيهم أسلم قبل؟ - من سلف
... قيل: أبو بكر، وقيل: بل علي ... ومدعي إجماعه لم يقبل
807.... وقيل زيد وادعى وفاقا ... بعض على خديجة اتفاقا
قال ابن الصلاح وفي نص القرآن تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وهم الذين صلوا إلى القبلتين في قول سعيد بن المسيب وطائفة، منهم
(2/141)
محمد بن الحنفية، ومحمد بن سيرين، وقتادة، وفي قول الشعبي هم الذين شهدوا بيعة الرضوان وهذا معنى قولي فقيل هم وعن محمد بن كعب القرظي وعطاء بن يسار أهل بدر، قال ابن الصلاح روى ذلك عنهما ابن عبد البر فيما وجدناه عنه
قلت لم يوصل ابن عبد البر إسناده بذلك، وإنما ذكر ذلك عن سنيد وساق سند سنيد فقط عن شيخ له لم يسم، عن موسى بن عبيدة، وضعفه الجمهور وقد روى سنيد أيضا قول ابن المسيب، وابن سيرين، والشعبي بأسانيد صحيحة، وكذلك روى ذلك عنهم عبد بن حميد في تفسيره بأسانيد صحيحة، وكذلك رواه عن قتادة عبد الرزاق في تفسيره، ومن طريقه عبد بن حميد
وفي المسألة قول رابع رواه سنيد أيضا بإسناد صحيح إلى الحسن، قال فرق ما بينهم فتح مكة
وأما أول الصحابة إسلاما فقد اختلف فيه السلف على أقوال
(2/142)
أحدها أبو بكر الصديق، وهو قول ابن عباس، وحسان بن ثابت والشعبي والنخعي في جماعة آخرين، ويدل له ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عمرو بن عبسة في قصة إسلامه، وقوله للنبي - صلى الله عليه وسلم - من معك على هذا؟ قال حر وعبد ومعه يومئذ أبو بكر، وبلال ممن آمن به، وروى الحاكم في المستدرك من رواية مجالد بن سعيد، قال سئل الشعبي من أول من أسلم؟ فقال أما سمعت قول حسان
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها ... بعد النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهده ... وأول الناس منهم صدق الرسلا
والقول الثاني أولهم إسلاما علي، روي ذلك عن زيد بن أرقم، وأبي ذر، والمقداد بن الأسود، وأبي أيوب، وأنس بن مالك، ويعلى بن مرة، وعفيف الكندي، وخزيمة بن ثابت، وسلمان الفارسي، وخباب بن الأرت، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري وأنشد المرزباني لخزيمة بن ثابت في علي رضي الله عنهما
أليس أول من صلى لقبلتهم ... وأعلم الناس بالفرقان والسنن؟
(2/143)
وروى الحاكم في المستدرك من رواية مسلم الملائي، قال نبئ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء وقال الحاكم في علوم الحديث لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن عليا أولهم إسلاما قال وإنما اختلفوا في بلوغه، قال ابن الصلاح واستنكر هذا من الحاكم وإلى هذا أشرت بقولي ومدعي إجماعه لم يقبل أي الحاكم، ثم قال الحاكم بعد حكايته لهذا الإجماع والصحيح عند الجماعة أن أبا بكر الصديق أول من أسلم من الرجال البالغين لحديث عمرو بن عبسة
والقول الثالث أن أولهم إسلاما زيد بن حارثة ذكره معمر عن الزهري
والقول الرابع أن أولهم إسلاما أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، روي ذلك عن ابن عباس، والزهري أيضا، وهو قول قتادة ومحمد بن إسحاق في آخرين، وقال النووي إنه الصواب عند جماعة من المحققين وادعى الثعلبي المفسر اتفاق العلماء على ذلك، وأن اختلافهم إنما هو في أول من أسلم بعدها قال ابن عبد البر اتفقوا على أن خديجة أول من آمن، ثم علي بعدها
وجمع بين الاختلاف في ذلك بالنسبة إلى أبي بكر وعلي، بأن الصحيح أن أبا بكر أول من أظهر إسلامه، ثم روي عن محمد بن كعب القرظي أن عليا أخفى إسلامه
(2/144)
من أبي طالب، وأظهر أبو بكر إسلامه؛ ولذلك شبه على الناس قال ابن الصلاح والأورع أن يقال أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان أو الأحداث علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد، ومن العبيد بلال، والله أعلم وقال ابن إسحاق أول من آمن خديجة، ثم علي بن أبي طالب، قال وكان أول ذكر آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة، فكان أول ذكر أسلم بعد علي ثم أبو بكر فأظهر إسلامه ودعا إلى الله فأسلم بدعائه عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام وذكر عمر بن شبة أن خالد بن سعيد بن العاص، أسلم قبل علي
وقولي من سلف، هو فاعل اختلف، وقبل مبني على الضم
... ومات آخرا بغير مرية ... أبو الطفيل مات عام مائة
809.... وقبله السائب بالمدينة ... أو سهل او جابر او بمكة
... وقيل: الاخر بها: ابن عمرا ... إن لا أبو الطفيل فيها قبرا
811.... وأنس بن مالك بالبصرة ... وابن أبي أوفى قضى بالكوفة
(2/145)
.. والشام فابن بسر او ذو باهله ... خلف، وقيل: بدمشق واثله
813.... وأن في حمص ابن بسر قبضا ... وأن بالجزيرة العرس قضى
... وبفلسطين أبو أبي ... ومصر فابن الحارث بن جزي
815.... وقبض الهرماس باليمامة ... وقبله رويفع ببرقة
... وقيل: إفريقية وسلمه ... باديا او بطيبة المكرمه
......
في هذا الفصل بيان آخر من مات من الصحابة مطلقا ومقيدا بالبلدان والنواحي، فأما آخرهم موتا على الإطلاق: فأبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي مات سنة مائة من الهجرة، كذا جزم به ابن الصلاح، وكذا رواه الحاكم في " المستدرك " عن شباب العصفري، وهو خليفة بن خياط، وكذا رويناه في " صحيح مسلم " من رواية إبراهيم بن سفيان قال: ((قال مسلم: مات أبو الطفيل سنة مائة، وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) ، وكذا قال ابن عبد البر: إن وفاته سنة مائة. وقال خليفة بن خياط في غير رواية الحاكم: إنه تأخر بعد المائة، وقيل: توفي سنة اثنتين
(2/146)
ومائة، قاله مصعب بن عبد الله الزبيري، وجزم ابن حبان وابن قانع، وأبو زكريا ابن منده: أنه توفي سنة سبع ومائة، وقد روى وهب بن جرير بن حازم عن أبيه، قال: كنت بمكة سنة عشر ومائة، فرأيت جنازة فسألت عنها، فقالوا: هذا أبو الطفيل، وهذا هو الذي صححه الذهبي في الوفيات: أنه في سنة عشر ومائة.
وأما كونه آخر الصحابة موتا فجزم به مسلم، ومصعب بن عبد الله الزبيري، وأبو زكريا بن منده، وأبو الحجاج المزي وغيرهم، وروينا في "صحيح مسلم" بإسناده إلى أبي الطفيل، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما على وجه الأرض رجل رآه غيري. فتبين أنه آخرهم موتا على الإطلاق، ومات بمكة، فهو آخر من مات بها من الصحابة كما جزم به ابن حبان، وأبو زكريا بن منده، وكذا ذكر علي بن المديني: أنه مات بمكة، وأما ما حكاه بعض المتأخرين عن ابن دريد، من أن عكراش ابن ذؤيب، تأخر بعد ذلك، وأنه عاش بعد الجمل مائة سنة، فهذا باطل لا أصل له، والذي أوقع ابن دريد في ذلك ابن قتيبة، فقد سبقه إلى ذلك، وقاله في كتاب "
(2/147)
المعارف "، وهو إما باطل أو مؤول بأنه استكمل بعد الجمل مائة سنة لا أنه بقي بعدها مائة سنة، والله أعلم.
وأما آخر من مات مقيدا بالنواحي، فاختلفوا في آخر من مات بالمدينة الشريفة على أقوال:
فقيل: السائب بن يزيد، قاله أبو بكر بن أبي داود واختلف في سنة وفاته، فقيل: سنة ثمانين، وقيل: ست وثمانين، وقيل: ثمان وثمانين، وقيل: إحدى وتسعين، قاله الجعد بن عبد الرحمن، والفلاس، وبه جزم ابن حبان، واختلف أيضا في مولده، فقيل: في السنة الثانية من الهجرة، وقيل: في الثالثة.
والقول الثاني:: أن آخرهم موتا بالمدينة: سهل بن سعد الأنصاري، قاله علي بن المديني، والواقدي، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، ومحمد بن سعد، وابن حبان، وابن قانع، وأبو زكريا بن منده، وادعى ابن سعد نفي الخلاف فيه، فقال: ليس بيننا في ذلك اختلاف، وقد أطلق أبو حازم أنه آخر الصحابة موتا، وكأنه أخذه من قول سهل، حيث سمعه يقول: لو مت لم تسمعوا أحدا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والظاهر أنه أراد أهل المدينة إذ لم يكن بقي بالمدينة غيره. وقد اختلف في سنة وفاته أيضا،
(2/148)
فقيل: سنة ثمان وثمانين، قاله أبو نعيم والبخاري والترمذي، وقيل: سنة إحدى وتسعين قاله الواقدي، والمدائني، ويحيى بن بكير، وابن نمير، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ورجحه ابن زبر، وابن حبان. وقد اختلف في وفاته أيضا بالمدينة فالجمهور على أنه مات بها، وقال قتادة: بمصر، وقال أبو بكر ابن أبي داود: بالإسكندرية، ولهذا جعل السائب آخر من مات بالمدينة كما تقدم.
والقول الثالث: إن آخرهم موتا بها جابر بن عبد الله، رواه أحمد بن حنبل عن قتادة، وبه صدر ابن الصلاح كلامه، فاقتضى ترجيحه عنده، وكذا قاله أبو نعيم وهو قول ضعيف؛ لأن السائب مات بالمدينة عنده بلا خلاف، وقد تأخر بعده، وقد اختلف أيضا في مكان وفاة جابر، فالجمهور على أنه مات بالمدينة، وقيل: بقباء. وقيل: بمكة، قاله أبو بكر ابن أبي داود، وإليه أشرت بقولي: (او بمكة) .
واختلف في سنة وفاته، فقيل: سنة اثنتين وسبعين، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع، وقيل: سبع، وقيل: ثمان، وهو المشهور، وقيل: سنة تسع وسبعين. قلت: هكذا اقتصر ابن الصلاح على ثلاثة أقوال في آخر من مات بالمدينة، وقد تأخر بعد الثلاثة
(2/149)
المذكورين بالمدينة محمود بن الربيع الذي عقل مجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه، وهو ابن خمس سنين، وتوفي سنة تسع وتسعين، بتقديم التاء فيهما، فهو إذا آخر الصحابة موتا بالمدينة. وتأخر أيضا بعد الثلاثة محمود بن لبيد الأشهلي، مات بالمدينة سنة ست وتسعين أو خمس وتسعين، وقد قال البخاري: إن له صحبة.
وكذا قال ابن حبان وإن كان مسلم وجماعة عدوه في التابعين.
وأما آخر من مات بمكة منهم، فقيل: جابر بن عبد الله، قاله ابن أبي داود. والمشهور وفاته بالمدينة كما تقدم، وقيل: آخرهم موتا بها عبد الله بن عمر بن الخطاب، قاله قتادة وأبو الشيخ ابن حيان في " تاريخه "، وبه صدر ابن الصلاح كلامه. وقد
(2/150)
اختلف في سنة وفاته، فقيل: سنة ثلاث وسبعين، وقيل: أربع، ورجحه ابن زبر. وممن جزم أنه مات بمكة، ودفن بفخ، ابنه سالم بن عبد الله، وابن حبان، وابن زبر، وغير واحد، وكذلك مصعب بن عبد الله الزبيري؛ ولكنه قال دفن بذي طوى، وإنما يكون جابر أو ابن عمر آخر من مات بمكة إن لم يكن أبو الطفيل مات بها، كما قد قيل، والصحيح: أن أبا الطفيل مات بمكة، كما قاله علي بن المديني وابن حبان وغيرهما، وإلى هذا أشرت بقولي: (إن لا أبو الطفيل فيها قبرا) .
وآخر من مات منهم بالبصرة: أنس بن مالك، قاله قتادة، وأبو هلال، والفلاس، وابن المديني وابن سعد، وأبو زكريا بن منده، وغيرهم،
(2/151)
واختلف في وقت وفاته، فقيل: سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة اثنتين، وقيل: إحدى، وقيل: سنة تسعين، قال ابن عبد البر: وما أعلم أحدا مات بعده ممن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أبا الطفيل.
قلت: قد مات بعده محمود بن الربيع بلا خلاف في سنة تسع وتسعين، كما تقدم، وقد رآه وعقل عنه وحدث عنه، كما في "صحيح البخاري"، والله أعلم.
وكذا تأخر بعده عبد الله بن بسر المازني في قول عبد الصمد بن سعيد، كما سيأتي.
وآخر من مات منهم بالكوفة: عبد الله بن أبي أوفى، قاله قتادة والفلاس وابن حبان وابن زبر وابن عبد البر، وأبو زكريا بن
(2/152)
منده. وذكر ابن المديني: أن آخرهم موتا بالكوفة: أبو جحيفة، والأول أصح، فإن أبا جحيفة توفي سنة ثلاث وثمانين، وقيل: أربع وسبعين، وبقي ابن أبي أوفى بعده إلى سنة ست وثمانين، وقيل: سبع، وقيل: ثمان، نعم.. بقي النظر في ابن أبي أوفى، وعمرو بن حريث، فإنه أيضا مات بالكوفة، فإن كان عمرو بن حريث توفي في سنة خمس وثمانين، فقد تأخر ابن أبي أوفى بعده، وإن كان توفي سنة ثمان وتسعين، كما رواه الخطيب في " المتفق والمفترق "، عن محمد بن الحسن الزعفراني؛ فيكون عمرو بن حريث آخرهم موتا بها، والله أعلم. وابن أبي أوفى آخر من بقي ممن شهد بيعة الرضوان.
(2/153)
وآخر من مات منهم بالشام: عبد الله بن بسر المازني، قاله الأحوص بن حكيم، وابن المديني، وابن حبان، وابن قانع، وابن عبد البر، والمزي، والذهبي. واختلف في وفاته، فقيل: سنة ثمان وثمانين وهو المشهور، وقيل: سنة ست وتسعين، قاله عبد الصمد بن سعيد، وبه جزم أبو عبد الله بن منده، وأبو زكريا بن منده، وقال: إنه صلى للقبلتين.
فعلى هذا هو آخر من بقي ممن صلى للقبلتين.
وقيل: إن آخر من مات بالشام منهم: أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي، روي ذلك عن الحسن البصري وابن عيينة، وبه جزم أبو عبد الله ابن منده، وأشرت إلى الخلاف بقولي: (أو ذو باهله) ، والصحيح الأول، فقد قال البخاري في "
(2/154)
التاريخ الكبير " قال علي: سمعت سفيان، قلت لأحوص: كان أبو أمامة آخر من مات عندكم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كان بعده عبد الله بن بسر، قد رأيته.
واختلف في سنة وفاة أبي أمامة، فقيل: سنة ست وثمانين، وقيل: إحدى وثمانين.
وقولي: (بدمشق واثله) ، إشارة إلى طريقة أخرى سلكها بعضهم في آخر من بقي في نواح من الشام بالنسبة إلى دمشق، وحمص، وفلسطين، وهو أبو زكريا بن منده، فقال في جزء جمعه في آخر من مات من الصحابة فيما رويناه عنه:
آخر من مات بدمشق منهم: واثلة بن الأسقع الليثي، وكذا قاله قتادة؛ ولكن قد اختلف في مكان وفاته، فقال قتادة ودحيم، وأبو زكريا بن منده: مات بدمشق، وقال أبو حاتم الرازي: مات ببيت المقدس. وقال ابن قانع: بحمص. واختلف أيضا في سنة وفاته، فقيل: سنة خمس وثمانين. وقيل: ثلاث. وقيل: سنة ست وثمانين.
وآخر من مات بحمص منهم: عبد الله بن بسر المازني، قاله قتادة، وأبو زكريا بن منده.
(2/155)
وآخر من مات منهم بالجزيرة: العرس بن عميرة الكندي، قاله أبو زكريا بن منده.
وآخر من مات منهم بفلسطين: أبو أبي عبد الله بن أم حرام، قاله أبو زكريا بن منده، وهو ابن امرأة عبادة بن الصامت. واختلف في اسمه، فقال ابن سعد، وخليفة، وابن عبد البر: هو عبد الله بن عمرو بن قيس وقيل: عبد الله بن أبي، وقيل: بن كعب، وقد اختلف أيضا في مكان وفاته. فقيل: إنه مات بدمشق. وذكر ابن سميع: أنه توفي ببيت المقدس، قلت: فإن كان توفي بدمشق، فآخر من مات بفلسطين قيس بن سعد بن عبادة، فقد ذكر أبو الشيخ في " تاريخه " عن بعض ولد سعد: أن قيس بن سعد توفي بفلسطين سنة خمس وثمانين في ولاية عبد الملك؛ لكن المشهور أنه توفي في المدينة في آخر خلافة معاوية، قاله الهيثم بن عدي، والواقدي، وخليفة ابن خياط، وغيرهم.
وآخر من مات منهم بمصر: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، قاله سفيان بن عيينة، وعلي بن المديني، وأبو زكريا بن منده. واختلف في سنة وفاته، فالمشهور: سنة ست وثمانين، وقيل: سنة خمس، وقيل: سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع. وذكر الطحاوي أنه مات بسفط القدور، وهي التي تعرف اليوم بسفط أبي
(2/156)
تراب، وقد قيل: إنه مات باليمامة، حكاه أبو عبد الله بن منده، وقال أيضا: إنه شهد بدرا، فعلى هذا هو آخر البدريين موتا، ولا يصح شهوده بدرا، والله أعلم.
وقولي: (جزي) ، هو بإبدال الهمزة ياء لموافقة القافية.
وآخر من مات منهم باليمامة: الهرماس بن زياد الباهلي، قاله أبو زكريا ابن منده، وذكر عن عكرمة بن عمار، قال: لقيت الهرماس بن زياد سنة اثنتين ومائة.
وآخرهم موتا ببرقة: رويفع بن ثابت الأنصاري، وقال أبو زكريا ابن منده: إنه توفي بإفريقية، وإنه آخر من مات بها من الصحابة، وقال أحمد بن البرقي: توفي ببرقة، وصححه المزي، وقال ابن الصلاح: ((إنه لا يصح وفاته بإفريقية)) ، وكذا ذكر ابن يونس: أنه توفي ببرقة، وهو أمير عليها لمسلمة بن مخلد سنة ثلاث وخمسين، فإن قبره معروف ببرقة إلى اليوم، ووقع في " تهذيب الكمال " نقلا عن ابن يونس: أن وفاته في سنة ست وخمسين. وفي مكان وفاته قول آخر لم يحكه ابن منده، ولا ابن الصلاح، وهو أنه مات بأنطابلس، قاله الليث بن سعد. وقيل: إنه مات بالشام.
وآخر من مات منهم بالبادية: سلمة بن الأكوع، قاله أبو زكريا بن منده، والصحيح أنه مات بالمدينة، قاله ابنه إياس بن سلمة، ويحيى بن بكير، وأبو عبد الله بن منده. ورجحه ابن الصلاح. وأشرت إلى الخلاف بقولي: (او بطيبة المكرمه) .
(2/157)
واختلف أيضا في سنة وفاته، فالصحيح: أنه توفي سنة أربع وسبعين، وقيل: سنة أربع وستين.
وهذا آخر ما ذكره ابن الصلاح من أواخر من مات من الصحابة مقيدا بالأماكن، وبقي عليه مما ذكره أبو زكريا بن منده أن آخر من مات بخراسان منهم: بريدة بن الحصيب، وأن آخر من مات منهم بالرخج منهم: العداء بن خالد بن هوذة، والرخج: من أعمال سجستان.
ومما لم يذكره ابن الصلاح، ولا ابن منده أيضا: أن آخر من مات منهم بأصبهان: النابغة الجعدي، وقد ذكر وفاته بأصبهان أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين "، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان ".
وآخر من مات منهم بالطائف: عبد الله بن عباس.
معرفة التابعين
817.... والتابع اللاقي لمن قد صحبا ... وللخطيب حده أن يصحبا
(2/158)
اختلف في حد التابعي، فقال الحاكم وغيره إن التابعي من لقي واحدا من الصحابة فأكثر، وسيأتي نقل كلام الحاكم في البيت الذي يلي هذا، وعليه عمل الأكثرين
وقد ذكر مسلم وابن حبان سليمان بن مهران الأعمش في طبقة التابعين وقال ابن حبان أخرجناه في هذه الطبقة؛ لأن له لقيا وحفظا رأى أنس بن مالك، وإن لم يصح له سماع المسند عن أنس انتهى وقال علي بن المديني لم يسمع من أنس، وإنما رآه رؤية بمكة يصلي وليس له رواية في شيء من الكتب الستة عن أحد من الصحابة إلا عن عبد الله ابن أبي أوفى في سنن ابن ماجه فقط وقال أبو حاتم الرازي إنه لم يسمع منه وقال الترمذي إنه لم يسمع من أحد من الصحابة، وعده أيضا في التابعين عبد الغني بن سعيد وعد فيهم يحيى بن أبي كثير؛ لكونه لقي أنسا وعد فيهم موسى بن أبي عائشة؛ لكونه لقي عمرو بن حريث وعد فيهم جرير بن حازم لكونه رأى أنسا، وهذا مصير منهم إلى أن التابعي من رأى الصحابي ولكن ابن حبان يشترط أن يكون رآه في سن من يحفظ عنه، فإن كان صغيرا
(2/159)
لم يحفظ عنه فلا عبرة برؤيته، كخلف بن خليفة، فإنه عده في أتباع التابعين، وإن كان رأى عمرو بن حريث؛ لكونه كان صغيرا وقال الخطيب التابعي من صحب الصحابي، والأول أصح، ورجحه ابن الصلاح فقال والاكتفاء في هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في الصحابة نظرا إلى مقتضى اللفظين فيهما وقال النووي في التقريب والتيسير إنه الأظهر انتهى وقد عد الخطيب منصور بن المعتمر من التابعين، ولم يسمع من أحد من الصحابة وقول الخطيب له من الصحابة ابن أبي أوفى، يريد في الرؤية لا في السماع والصحبة ولم أر من ذكره في طبقة التابعين وقال النووي في شرح مسلم
إنه ليس بتابعي؛ ولكنه من أتباع التابعين، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصحابة والتابعين بقوله طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن رأى من رآني ... الحديث، فاكتفى فيهما بمجرد الرؤية
... وهم طباق قيل: خمس عشره ... أولهم: رواة كل العشره
819.... وقيس الفرد بهذا الوصف ... وقيل لم يسمع من ابن عوف
... وقول من عد سعيدا فغلط ... بل قيل: لم يسمع سوى سعد فقط
821.... لكنه الأفضل عند أحمدا ... وعنه قيس وسواه وردا
... وفضل الحسن أهل البصرة ... والقرني أويسا اهل الكوفة
(2/160)
ثم إن التابعين طباق، فجعلهم مسلم في كتاب " الطبقات " ثلاث طبقات. وكذا فعل ابن سعد في " الطبقات "، وربما بلغ بهم أربع طبقات. وقال الحاكم في
" علوم الحديث ": هم خمس عشرة طبقة، آخرهم من لقي أنس بن مالك من أهل البصرة، ومن لقي عبد الله ابن أبي أوفى من أهل الكوفة ومن لقي السائب بن يزيد من أهل المدينة)) وعد الحاكم منهم ثلاث طبقات فقط. وسيأتي نقل كلامه.
فالطبقة الأولى من التابعين من روى عن العشرة بالسماع منهم، وليس في التابعين أحد سمع منهم إلا قيس بن أبي حازم. ذكره عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش. وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: روى عن تسعة من العشرة، ولم يرو عن عبد الرحمن بن عوف)) . وأما قول الحاكم في النوع السابع من " علوم الحديث ": وقد أدرك سعيد بن المسيب أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليا، وطلحة، والزبير إلى آخر العشرة. قال: ((وليس في جماعة التابعين من أدركهم وسمع منهم غير سعيد، وقيس بن أبي حازم)) . انتهى، فهو غلط صريح، وكذا قوله في النوع الرابع عشر: ((فمن الطبقة الأولى قوم لحقوا العشرة منهم سعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن عباد، وأبو ساسان حضين بن المنذر، وأبو وائل،
(2/161)
وأبو رجاء العطاردي)) . انتهى. وقد أنكر ذلك على الحاكم؛ لأن سعيد بن المسيب إنما ولد في خلافة عمر، بلا خلاف، فكيف يسمع من أبي بكر؟ والصحيح أيضا: أنه لم يسمع من عمر، قاله يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي، نعم ... ، أثبت أحمد بن حنبل سماعه منه. وبالجملة فلم يسمع من أكثر العشرة، بل قال بعضهم فيما حكاه ابن الصلاح: أنه لا يصح له رواية عن أحد من العشرة إلا سعد بن أبي وقاص.
المسألة الثالثة: اختلفوا في أفضل التابعين، فقال عثمان الحارثي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أفضل التابعين سعيد بن المسيب، فقيل له: فعلقمة والأسود، فقال: سعيد وعلقمة والأسود)) ، وهو المراد بقولي: (لكنه الأفضل) ، فالضمير لسعيد، وقال علي ابن المديني: هو عندي أجل التابعين، وقال أبو حاتم الرازي: ((ليس في التابعين أنبل من ابن المسيب)) . وقال ابن حبان: ((هو سيد التابعين)) وورد عن أحمد أيضا أنه قال: أفضل التابعين قيس بن أبي حازم وأبو عثمان النهدي، ومسروق، هؤلاء كانوا فاضلين ومن علية التابعين. وعنه أيضا قال: لا أعلم في التابعين مثل أبي عثمان وقيس.
(2/162)
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي: اختلف الناس في أفضل التابعين، فأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب، وأهل البصرة يقولون: الحسن البصري، وأهل الكوفة يقولون: أويس القرني. واستحسنه ابن الصلاح.
قلت: الصحيح، بل الصواب ما ذهب إليه أهل الكوفة، لما روى مسلم في
" صحيحه " من حديث عمر بن الخطاب، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن خير التابعين رجل يقال له: أويس ... )) الحديث. فهذا الحديث قاطع للنزاع. وأما تفضيل أحمد لابن المسيب وغيره فلعله لم يبلغه هذا الحديث، أو لم يصح عنه، أو أراد بالأفضلية: الأفضلية في العلم لا الخيرية، وقد تقدم في " معرفة الصحابة " أن الخطابي نقل عن بعض شيوخه أنه: كان يفرق بين الأفضلية والخيرية، والله أعلم.
823.... وفي نساء التابعين الأبدا ... حفصة مع عمرة أم الدردا
هذا بيان لأفضل التابعيات، فقولي الأبدا أي أبداهن، بمعنى أولهن في الفضل وقد روى أبو بكر بن أبي داود بإسناده إلى إياس بن معاوية قال ما أدركت أحدا أفضله على حفصة، يعني بنت سيرين، فقيل له الحسن وابن سيرين، فقال أما أنا فلا أفضل عليها أحدا وقال أبو بكر ابن أبي داود سيدتا التابعين من النساء
(2/163)
حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن، وثالثتهما وليست كهما أم الدرداء، يريد الصغرى، واسمها هجيمة، ويقال جهيمة فأما أم الدرداء الكبرى، فهي صحابية واسمها خيرة
... وفي الكبار الفقهاء السبعه ... خارجة القاسم ثم عروه
825.... ثم سليمان عبيد الله ... سعيد والسابع ذو اشتباه
... إما أبو سلمة أو سالم ... أو فأبو بكر خلاف قائم
من المعدودين في أكابر التابعين، الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وهم: خارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن، فهؤلاء هم الفقهاء السبعة عند أكثر علماء الحجاز كما قال الحاكم، وجعل ابن المبارك: سالم بن عبد الله بن عمر مكان أبي سلمة بن عبد الرحمن، فقال: كان فقهاء أهل المدينة الذين يصدرون عن آرائهم سبعة، فذكرهم. وذكرهم أبو الزناد، فجعل أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مكان أبي سلمة، أو سالم، فروى ابنه عبد الرحمن عنه، قال: أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم فذكرهم، وقال: هم أهل فقه وصلاح وفضل.
(2/164)
وقد بلغ بهم يحيى بن سعيد: اثني عشر فنقص وزاد، فروى علي بن المديني عنه، قال: فقهاء أهل المدينة اثنا عشر: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة والقاسم بن محمد، وسالم وحمزة وزيد وعبيد الله وبلال بنو عبد الله بن عمر، وأبان بن عثمان بن عفان، وقبيصة بن ذؤيب وخارجة وإسماعيل ابنا زيد بن ثابت.
827.... والمدركون جاهلية فسم ... مخضرمين كسويد في أمم
المخضرمون من التابعين بفتح الراء وهم الذين أدركوا الجاهلية وحياة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليست لهم صحبة، ولم يشترط بعض أهل اللغة نفي الصحبة قال صاحب المحكم رجل مخضرم إذا كان نصف عمره في الجاهلية، ونصفه في الإسلام فمقتضى هذا أن حكيم بن حزام، ونحوه مخضرم، وليس كذلك من حيث الاصطلاح؛ وذلك لأنه متردد بين طبقتين لا يدرى من أيتهما هو، فهذا هو مدلول الخضرمة، قال صاحبا المحكم والصحاح لحم مخضرم، لا يدرى من ذكر هو أو من أنثى انتهى، فكذلك المخضرمون مترددون بين الصحابة للمعاصرة وبين التابعين، لعدم الرؤية، وفي كلام ابن حبان في صحيحه موافقة لكلام صاحب المحكم، فإنه قال والرجل إذا كان في الكفر له ستون سنة، وفي الإسلام ستون سنة يدعى مخضرما؛ لكنه ذكر ذلك عند ذكر أبي عمرو الشيباني، وإنه
كان من المخضرمين فكأنه أراد ممن ليست له صحبة
(2/165)
وحكى الحاكم عن بعض مشايخه أن اشتقاق ذلك من أن أهل الجاهلية كانوا يخضرمون آذان الإبل، أي يقطعونها؛ لتكون علامة لإسلامهم إن أغير عليها أو حوربوا انتهى فعلى هذا يحتمل أن يكون المخضرم - بكسر الراء -كما حكاه فيه بعض أهل اللغة؛ لأنهم خضرموا آذان الإبل، ويحتمل أن يكون بالفتح وأنه اقتطع عن الصحابة وإن عاصر لعدم الرؤية، والله أعلم
وذكر أبو موسى المديني في الصحابة نحو ما حكاه الحاكم عن بعض شيوخه، فقال فيه فسموا مخضرمين، قال وأهل الحديث يفتحون الراء، وأغرب ابن خلكان، فقال قد سمع محضرم بالحاء المهملة وكسر الراء أيضا
وقولي كسويد أي ابن غفلة، في أمم أي في جماعات، وقد عدهم مسلم بن الحجاج فبلغ بهم عشرين، وهم أبو عمرو سعد بن إياس الشيباني، وسويد بن غفلة، وشريح بن هانئ، ويسير بن عمرو بن جابر، وعمرو بن ميمون الأودي، والأسود بن يزيد النخعي، والأسود بن هلال المحاربي، والمعرور بن سويد، وعبد خير بن يزيد الخيواني، وشبيل بن عوف الأحمسي، ومسعود بن
(2/166)
خراش أخو ربعي، ومالك بن عمير، وأبو عثمان النهدي، وأبو رجاء العطاردي، وغنيم بن قيس، وأبو رافع الصائغ، وأبو الحلال العتكي واسمه ربيعة بن زرارة، وخالد بن عمير العدوي، وثمامة بن حزن القشيري، وجبير بن نفير الحضرمي، وممن لم يذكره مسلم أبو مسلم الخولاني، والأحنف بن قيس، وعبد الله بن عكيم، وعمرو بن عبد الله بن الأصم، وأبو أمية الشعباني
... وقد يعد في الطباق التابع ... في تابعيهم إذ يكون الشائع
829.... الحمل عنهم كأبي الزناد ... والعكس جاء وهو ذو فساد
أي قد يعد من صنف في الطبقات بعض التابعين في أتباع التابعين؛ لكون الغالب عليه والشائع عنه روايته عن التابعين، وحمله عنهم كأبي الزناد عبد الله بن ذكوان
قال خليفة بن خياط طبقة عددهم عند الناس في أتباع التابعين، وقد لقوا الصحابة، منهم أبو الزناد، وقد لقي عبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبا أمامة بن سهل بن حنيف، وقال الحاكم نحوه، وزاد أنه أدخل على جابر بن عبد الله أيضا وقال العجلي تابعي ثقة سمع من أنس بن مالك، وذكره مسلم في الطبقة الثالثة من التابعين، وكذا ذكره ابن حبان في طبقة التابعين
(2/167)
ومثل الحاكم أيضا بموسى بن عقبة، فقال وقد أدرك أنس بن مالك، وأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص وقال ابن حبان إنه أدرك عبد الله بن عمر، وسهل بن سعد
وقولي والعكس جاء أي وقد عد بعضهم في التابعين من هو من أتباع التابعين، وذلك صنيع فاسد وخطأ ممن صنعه قال الحاكم طبقة تعد في التابعين، ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة، منهم إبراهيم بن سويد النخعي، ولم يدرك أحدا من الصحابة، قال وليس هذا بإبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه، وبكير بن أبي السميط، لم يصح له عن أنس رواية، إنما أسقط قتادة من الوسط، قلت هو بفتح السين وكسر الميم كذا ضبطه ابن ماكولا وغيره قال الحاكم وبكير بن عبد الله بن الأشج لم يثبت سماعه من عبد الله بن الحارث بن جزء، وإنما رواياته عن التابعين وثابت ابن عجلان الأنصاري، لم يصح سماعه من ابن عباس، إنما يروي عن عطاء وسعيد بن جبير عن ابن عباس، وسعيد بن عبد الرحمن الرقاشي، وأخوه واصل أبو حرة، لم يثبت سماع واحد منهما من أنس انتهى كلام الحاكم وفيه نظر من وجوه
(2/168)
الأول قوله في بكير بن الأشج إنما رواياته عن التابعين، قلت قد روى عن السائب بن يزيد، وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، ومحمود بن لبيد، كما ذكره المزي وغيره، وهم معدودون في الصحابة؛ ولكن ذكره ابن حبان في أتباع التابعين
الثاني ثابت بن عجلان، روى عن أبي أمامة الباهلي، وأنس بن مالك فيما ذكره المزي وغيره؛ ولكن قال ابن حبان ما أرى سماعه من أنس بصحيح وذكره في طبقة أتباع التابعين أيضا
الثالث قوله سعيد بن عبد الرحمن الرقاشي وأخوه واصل أبو حرة، وهم الحاكم في نسبة سعيد أنه الرقاشي، وأنه أخو أبي حرة الرقاشي، وليس واحد منهما رقاشيا، وأبو حرة الرقاشي اسمه حنيفة وأما واصل فليس بأبي حرة الرقاشي، وقد وهم فيه أيضا عبد الغني المقدسي في الكمال فنسب واصلا أبا حرة
الرقاشي، وغلطه المزي وقد ذكر ابن حبان في أتباع التابعين سعيد بن
(2/169)
عبد الرحمن البصري، وأخاه واصلا أبا حرة البصري، وقال أمهما برة مولاة لبني سليم
... وقد يعد تابعيا صاحب ... كابني مقرن ومن يقارب
قد يعد بعض الصحابة في طبقة التابعين، إما لغلط من بعض المصنفين، كما عد الحاكم في الأخوة من التابعين النعمان وسويدا ابني مقرن المزني، وهما صحابيان معروفان من جملة المهاجرين، كما سيأتي في نوع الأخوة والأخوات. وإما لكون ذلك الصحابي من صغار الصحابة، يقارب التابعين في كون روايته أو غالبها عن الصحابة، كما عد مسلم في " الطبقات " يوسف بن عبد الله بن سلام، ومحمود بن لبيد في التابعين، وإلى هذا الإشارة بقولي: ومن يقارب، أي: ومن يقارب التابعين في طبقتهم، والله أعلم.
وقد يعد بعض التابعين في الصحابة وكثيرا ما يقع ذلك فيمن يرسل من التابعين، كما عد محمد بن الربيع الجيزي عبد الرحمن بن غنم الأشعري فيمن دخل مصر من الصحابة، وهو وهم منه على أن الإمام أحمد قد أخرج حديثه في المسند، وذكر ابن
(2/170)
يونس أيضا: أن له صحبة. وكذا حكى ابن منده عن يحيى بن بكير، والليث، وابن لهيعة.
رواية الأكابر عن الأصاغر
831.... وقد روى الكبير عن ذي الصغر ... طبقة وسنا او في القدر
... أو فيهما ومنه أخذ الصحب ... عن تابع كعدة عن كعب
الأصل في هذا الباب رواية النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تميم الداري حديث الجساسة، وهو عند مسلم. ثم إن رواية الأكابر عن الأصاغر على أضرب منها:
أن يكون الراوي أقدم طبقة وأكبر سنا من المروي عنه، كرواية الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، عن مالك بن أنس.
(2/171)
ومنها: أن يكون الراوي أكبر قدرا من المروي عنه لعلمه وحفظه، كرواية مالك، وابن أبي ذئب عن عبد الله بن دينار، وأشباهه، ورواية أحمد، وإسحاق عن عبيد الله بن موسى العبسي.
ومنها: أن يكون الراوي أكبر من الوجهين معا، كرواية عبد الغني بن سعيد، عن محمد بن علي الصوري، وكرواية أبي بكر الخطيب، عن أبي نصر ابن ماكولا، ونحو ذلك.
وقولي: (ومنه أخذ الصحب) أي: ومن هذا النوع، وهو رواية الأكابر عن الأصاغر، رواية الصحابة عن التابعين، كرواية العبادلة الأربعة، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان وأنس بن مالك، عن كعب الأحبار، وكرواية التابعين عن أتباع التابعين، كما تقدم من رواية الزهري، ويحيى بن سعيد عن مالك، ومثل ابن الصلاح أيضا بعمرو ابن شعيب، فقال: ((لم يكن من التابعين، وروى عنه أكثر من عشرين نفسا من التابعين)) . هكذا قال: إنه ليس من التابعين، وتبع في ذلك أبا بكر النقاش، فإنه
قال: لم يكن من التابعين، وقد روى عنه عشرون رجلا من التابعين، وحكاه عبد الغني ابن سعيد، وأقره على كونه ليس من التابعين، ثم قال: جمعتهم ووجدت زيادة على العشرين، ثم عدهم فبلغ بهم تسعة وثلاثين رجلا.
قلت: وعمرو بن شعيب - وإن عده غير واحد في أتباع التابعين - فهو من التابعين، فقد سمع من زينب بنت أبي سلمة، والربيع بنت معوذ بن عفراء ولهما صحبة، وقد حكى المزي كلام عبد الغني، فجعله عن الدارقطني، قال: وكان الدارقطني قد
(2/172)
وافقه على أنه ليس من التابعين، وليس كذلك. انتهى. وقول ابن الصلاح: ((روى عنه أكثر من عشرين من التابعين جمعهم عبد الغني)) ، ليس بجيد، فإنه قد بلغ بهم تسعة وثلاثين رجلا، كما تقدم. قلت: وقد جمعتهم في جزء فبلغت بهم فوق الخمسين، قال ابن الصلاح: وقرأت بخط الحافظ أبي محمد الطبسي: أنه روى عنه نيف وسبعون رجلا من التابعين، والله أعلم. ومن فائدة معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر تنزيل أهل العلم منازلهم، وقد روى أبو داود من حديث عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((أنزلوا الناس منازلهم)) .
رواية الأقران
833.... والقرنا من استووا في السند ... والسن غالبا وقسمين اعدد
... مدبجا وهو إذا كل أخذ ... عن آخر وغيره انفراد فذ
(2/173)
القرينان: من استويا في الإسناد والسن غالبا، والمراد بالاستواء في ذلك على المقاربة، كما قال الحاكم: ((إنما القرينان إذا تقارب سنهما وإسنادهما)) . وقولي: (غالبا) متعلق بالسن فقط، إشارة إلى أنهم قد يكتفون بالإسناد دون السن، قال ابن الصلاح: ((وربما اكتفى الحاكم بالتقارب في الإسناد، وإن لم يوجد التقارب في السن)) .
ثم إن رواية الأقران تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما يسمونه المدبج - بضم الميم وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة وآخره جيم - وذلك: أن يروي كل واحد من القرينين عن الآخر، وبذلك سماه الدارقطني وجمع فيه كتابا حافلا في مجلد.
ومثاله في الصحابة: رواية أبي هريرة عن عائشة، ورواية عائشة عنه، وفي التابعين: رواية الزهري عن أبي الزبير، ورواية أبي الزبير عنه، وفي أتباع التابعين: رواية مالك عن الأوزاعي، ورواية الأوزاعي عنه، وفي أتباع الأتباع: رواية أحمد عن علي بن المديني، ورواية ابن المديني عنه. وتمثيل الحاكم هذا بأحمد وعبد الرزاق ليس بجيد.
والقسم الثاني من رواية الأقران: ما ليس بمدبج، وهو أن يروي أحد القرينين عن الآخر، ولا يروي الآخر عنه فيما يعلم، ومثاله رواية سليمان التيمي عن مسعر، قال الحاكم: ولا أحفظ لمسعر عن سليمان رواية. وقد يجتمع جماعة من الأقران في
(2/174)
حديث واحد، كحديث رواه أحمد بن حنبل عن أبي خيثمة زهير بن حرب، عن يحيى بن معين، عن علي بن المديني، عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: ((كن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من شعورهن حتى يكون كالوفرة)) . وأحمد والأربعة فوقه خمستهم أقران، كما قال الخطيب.
وقولي: (وقسمين) مفعول مقدم لاعدد، و (مدبجا) بدل من قسمين، وغيره منصوب عطفا على: مدبجا تقديره. واعدد ذلك قسمين مدبجا، وغير مدبج، و (انفراد) خبر مبتدأ محذوف، أي: وهو انفراد، (فذ) أي: انفراد أحد القرينين عن الآخر.
الإخوة والأخوات
835.... وأفردوا الأخوة بالتصنيف ... فذو ثلاثة بنو حنيف
... أربعة أبوهم السمان ... وخمسة أجلهم سفيان
(2/175)
837.... وستة نحو بني سيرينا ... واجتمعوا ثلاثة يروونا
... وسبعة بنو مقرن، وهم ... مهاجرون ليس فيهم عدهم
839.... والأخوان جملة كعتبة ... أخي ابن مسعود هما ذو صحبة
قد أفرد أهل الحديث هذا النوع بالتصنيف، وهو معرفة الأخوة من العلماء
والرواة، فصنف فيه علي بن المديني ومسلم بن الحجاج، وأبو داود والنسائي، وأبو العباس السراج
فمثال الأخوة الثلاثة سهل وعباد وعثمان بنو حنيف مصغرا ولا يضر عند أهل العلم بالقوافي فتح نونه في مقابلة كسر نون التصنيف، قال حسان بن ثابت
صلى الإله على الذين تتابعوا ... يوم الرجيع فأكرموا وأثيبوا
رأس السرية مرثد وأميرهم ... وابن البكير أمامهم وخبيب
ومثال الأربعة أولاد أبي صالح السمان، وهم سهيل ومحمد وصالح وعبد الله الذي يقال له عباد، وفي الكامل لابن عدي إنه ليس في أولاد أبي صالح من اسمه محمد؛ إنما هو سهيل وعباد وعبد الله ويحيى وصالح بنو أبي صالح وليس فيهم محمد انتهى فأبدل يحيى بمحمد، وجعل عبادا وعبد الله اثنين، وهو وهم، وسيجيء في فصل الألقاب أن أحمد ويحيى وأبا داود في آخرين، قالوا إن عبد الله هو عباد، ومما
(2/176)
يستغرب في الأخوة الأربعة بنو راشد أبي إسماعيل السلمي، ولدوا في بطن واحد وكانوا علماء، وهم محمد وعمر وإسماعيل ولم يسم البخاري والدارقطني الرابع، ومثال الخمسة سفيان بن عيينة وأخوته آدم وعمران ومحمد وإبراهيم، وقد حدثوا كلهم
وقولي أجلهم أي في العلم، واقتصر ابن الصلاح على كونهم خمسة؛ لكونهم هم الذين رووا، وإلا فقد ذكر غير واحد أن أولاد عيينة عشرة
ومثال الستة بنو سيرين، كلهم من التابعين، وهم محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة، هكذا سماهم يحيى بن معين، والنسائي في الكنى، والحاكم في علوم الحديث؛ ولكنه نقل في التاريخ عن أبي علي الحافظ تسميتهم فزاد فيهم خالد بن سيرين مكان كريمة، فالله أعلم، وذكر ابن سعد في الطبقات عمرة بنت سيرين، وسودة بنت سيرين، أمهما أم ولد كانت لأنس بن مالك؛ ولكن لم أر من ذكر لهاتين رواية، فلا يردان على ابن الصلاح
وقولي واجتمعوا ثلاثة يروون أي اجتمع منهم ثلاثة في إسناد حديث واحد، يروي بعضهم عن بعض، وقد يطارح بذلك، فيقال أي ثلاثة أخوة روى بعضهم عن بعض أو يقيد السؤال بكونهم في حديث واحد وذلك فيما رواه الدارقطني في كتاب العلل بإسناده من رواية هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أخيه يحيى بن سيرين، عن أخيه أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبيك حجا حقا تعبدا ورقا وذكر محمد بن طاهر المقدسي في بعض تخاريجه أن هذا الحديث رواه محمد بن سيرين عن أخيه
(2/177)
يحيى بن سيرين، عن أخيه معبد، عن أخيه أنس بن سيرين فعلى هذا اجتمع منهم أربعة في إسناد واحد، وهو غريب
ومثال السبعة بنو مقرن المزني وهم النعمان، ومعقل، وعقيل، وسويد، وسنان، وعبد الرحمن، قال ابن الصلاح وسابع لم يسم لنا
قلت قد سماه ابن فتحون في ذيل الاستيعاب عبد الله بن مقرن، وذكر أنه كان على ميسرة أبي بكر في قتال الردة، وأن الطبري ذكره كذلك، وذكر ابن فتحون قولا أن بني مقرن عشرة، فالله أعلم
وذكر الطبري أيضا في الصحابة ضرار بن مقرن، حضر فتح الحيرة، وذكر ابن عبد البر ضرار بن مقرن خلف أخاه لما قتل بنهاوند
(2/178)
ومثال السبعة في التابعين بنو عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهم سالم،
وعبد الله، وحمزة، وعبيد الله، وزيد، وواقد، وعبد الرحمن
ومثال الأخوين كثير في الصحابة ومن بعدهم، كعبد الله بن مسعود، وعتبة بن مسعود، كلاهما صحابي
ومما يستغرب في الأخوين أن موسى بن عبيدة الربذي بينه وبين أخيه عبد الله ابن عبيدة في العمر ثمانون سنة
قال ابن الصلاح ولم نطول بما زاد على السبعة لندرته، ولعدم الحاجة إليه في غرضنا هنا قلت وأكثر ما رأيت من الأخوة الذكور المشهورين عشرة، ومنهم بنو العباس بن عبد المطلب، وهم الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وعبد الرحمن، وقثم، ومعبد، وعون، والحارث، وكثير، وتمام وكان أصغرهم وكان العباس يحمله ويقول
تموا بتمام فصاروا عشره
يارب فاجعلهم كراما برره
واجعل لهم ذكرا وانم الثمره
وكان له ثلاث إناث أم كلثوم، وأم حبيب، وأميمة
(2/179)
ومنهم بنو عبد الله بن أبي طلحة، وقد سماهم ابن عبد البر وغيره عشرة وسماهم ابن الجوزي اثني عشر، وهم القاسم، وعمير، وزيد، وإسماعيل، ويعقوب، وإسحاق، ومحمد، وعبد الله، وإبراهيم، وعمر، ويعمر، وعمارة، قال أبو نعيم وكلهم حمل عنه العلم
رواية الآباء عن الأبناء وعكسه
... وصنفوا فيما عن ابن أخذا ... أب كعباس عن الفضل كذا
841.... وائل عن بكر ابنه والتيمي ... عن ابنه معتمر في قوم
صنف أبو بكر الخطيب كتابا في رواية الآباء عن الأبناء، روى فيه من حديث العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين بالمزدلفة وذكر أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب التلقيح أن العباس روى عن ابنه عبد الله حديثا
(2/180)
وكذلك روى وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل ثمانية أحاديث، منها في السنن الأربعة حديثه عن ابنه عن الزهري عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولم على صفية بسويق وتمر
ومنها ما رواه الخطيب من طريق ابن عيينة عن وائل بن داود عن ابنه بكر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخروا الأحمال فإن اليد معلقة، والرجل موثقة قال الخطيب لا يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما نعلمه إلا من جهة بكر وأبيه
(2/181)
وكذلك روى سليمان التيمي عن ابنه معتمر حديثين، وقد روى الخطيب من رواية معتمر بن سليمان التيمي، قال حدثني أبي، قال حدثتني أنت عني، عن أيوب، عن الحسن، قال ويح كلمة رحمة، قال ابن الصلاح وهذا ظريف يجمع أنواعا
(2/182)
وقولي في قوم أي في جماعة رووا عن أبنائهم، فروى أنس بن مالك عن ابنه غير مسمى حديثا، وروى زكريا بن أبي زائدة عن ابنه حديثا وروى يونس بن أبي إسحاق، عن ابنه إسرائيل حديثا، وروى أبو بكر بن عياش عن ابنه إبراهيم حديثا وروى شجاع بن الوليد، عن ابنه أبي هشام الوليد حديثا وروى عمر بن يونس اليمامي، عن ابنه حديثا وروى سعيد بن الحكم المصري، عن ابنه محمد حديثا وروى إسحاق بن البهلول، عن ابنه يعقوب حديثين وروى كثير بن يعقوب البصري، عن ابنه يحيى حديثا وروى يحيى بن جعفر بن أعين، عن ابنه الحسين حديثين، وروى علي بن حرب الطائي عن ابنه الحسن حديثا وروى محمد بن يحيى الذهلي، عن ابنه يحيى حديثا وروى أبو داود السجستاني، عن ابنه أبي بكر عبد الله حديثين وروى علي بن الحسن بن أبي عيسى الدرابجردي، عن ابنه الحسن حديثا وروى الحسن بن سفيان، عن ابنه أبي بكر حديثين وروى أحمد بن شاهين، عن ابنه محمد حديثا وروى أبو بكر بن أبي عاصم عن ابنه عبد الرحمن حديثا وروى عمر بن محمد السمرقندي، عن ابنه محمد حديثا وروى محمد بن عبد الله بن أحمد الصفار، عن ابنه أبي بكر أبياتا قالها وروى أبو الشيخ ابن حيان، عن ابنه عبد الرزاق حكاية وروى الحافظ أبو سعد بن السمعاني، عن ابنه عبد الرحيم في ذيل تاريخ بغداد وروى قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، عن ابنه قاضي القضاة عز الدين حكاية عجيبة
(2/183)
قال ابن الصلاح وأكثر ما رويناه لأب عن ابنه، ما روينا في كتاب الخطيب عن أبي عمر حفص بن عمر الدوري المقرئ عن ابنه أبي جعفر محمد ستة عشر حديثا، أو نحو ذلك
... أما أبو بكر عن الحمراء ... عائشة في الحبة السوداء
843.... فإنه لابن أبي عتيق ... وغلط الواصف بالصديق
قال ابن الصلاح وأما الحديث الذي رويناه عن أبي بكر الصديق، عن عائشة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الحبة السوداء شفاء من كل داء فهو غلط ممن رواه، إنما هو عن أبي بكر بن أبي عتيق، عن عائشة، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق قلت وهكذا رواه البخاري في صحيحه، وفيه التصريح بأنه ابن أبي عتيق؛ ولكن ذكر ابن الجوزي في التلقيح أن أبا بكر الصديق روى عن ابنته عائشة حديثين قال وروت أم رومان عن ابنتها عائشة حديثين، وأبو عتيق هذا، وآباؤه هم الذين قال فيهم موسى بن عقبة لا نعلم أربعة أدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا هؤلاء الأربعة، فذكر أبا بكر الصديق وأباه وابنه عبد الرحمن وابنه محمدا أبا عتيق
(2/184)
.. وعكسه صنف فيه الوائلي ... وهو معال للحفيد الناقل
صنف أبو النصر الوائلي كتابا في رواية الأبناء عن الآباء. ورواية الرجل عن أبيه عن جده من المعالي، كما أخبرني الحافظ أبو سعيد خليل بن العلائي بقراءتي عليه ببيت المقدس، قال: أخبرنا محمد بن يوسف، قال: أخبرنا الإمام أبو عمرو بن الصلاح، قال: حدثني أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد السمعاني، عن عبد الرحمن ابن عبد الجبار الفامي، قال: سمعت أبا القاسم منصور بن محمد العلوي، يقول: الإسناد بعضه عوال، وبعضه معال. وقول الرجل: حدثني أبي عن جدي من المعالي.
845.... ومن أهمه إذا ما أبهما ... الأب أو جد وذاك قسما
... قسمين عن أب فقط نحو أبي ... العشرا عن أبه عن النبي
847.... واسمهما على الشهير فاعلم ... أسامة بن مالك بن قهطم
ومن أهم هذا النوع، وهو رواية الأبناء عن الآباء، ما إذا أبهم اسم الأب أو الجد، فلم يسم بل اقتصر على كونه أبا للراوي، أو جدا له، فيحتاج حينئذ إلى معرفة اسمه وينقسم ذلك إلى قسمين
(2/185)
أحدهما أن تكون الرواية عن أبيه فقط دون جده كرواية أبي العشراء الدارمي، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عند أصحاب السنن الأربعة، فإن أباه لم يسم في طرق الحديث، واختلف في اسم أبي العشراء، واسم أبيه على أقوال
أحدها وهو الأشهر، كما قال ابن الصلاح إنه أسامة بن مالك بن قهطم وهو بكسر القاف، فيما نقله ابن الصلاح من خط البيهقي وغيره وقيل قحطم بالحاء المهملة موضع الهاء
والثاني أن اسمه عطارد بن برز، بتقديم الراء على الزاي، واختلف في الراء، هل هي ساكنة أو مفتوحة؟ وقيل اسم أبيه بلز باللام مكان الراء
والثالث اسمه يسار بن بلز بن مسعود
(2/186)
.. والثان أن يزيد فيه بعده ... كبهز او عمرو أبا أو جده
849.... والأكثر احتجوا بعمرو حملا ... له على الجد الكبير الأعلى
أي والقسم الثاني من رواية الأبناء أن يزيد فيه بعد ذكر الأب أبا آخر فيكون جدا للأول، أو يزيد جدا للأب
فمثال زيادة الأب رواية بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فحكيم هو ابن معاوية بن حيدة القشيري فالصحابي هو معاوية، وهو جد بهز
ومثال زيادة الجد رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وشعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فالصحابي هو عبد الله بن عمرو، وهو جد شعيب
وفي البيت المذكور لف ونشر وتقديم وتأخير، تقديره والثاني أن يزيد بعد الأب أبا كبهز بن حكيم، أو جدا كعمرو بن شعيب
ولعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نسخة كبيرة قد اختلف في الاحتجاج بها على أقوال
أحدها أنها حجة مطلقا إذا صح السند إليه، قال البخاري رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وأبا عبيد، وعامة أصحابنا، يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ما تركه أحد من المسلمين قال البخاري فمن الناس بعدهم؟ زاد في رواية والحميدي وقال مرة اجتمع علي ويحيى
(2/187)
ابن معين وأحمد، وأبو خيثمة، وشيوخ من أهل العلم، فتذاكروا حديث عمرو بن شعيب فثبتوه وذكروا أنه حجة وروي عن أحمد ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، خلاف ما نقله البخاري عنهم، مما يقتضي تضعيف روايته عن أبيه عن جده، وقال أحمد ابن سعيد الدارمي احتج أصحابنا بحديثه، قال ابن الصلاح احتج أكثر أهل الحديث بحديثه حملا لمطلق الجد على الصحابي عبد الله بن عمرو دون ابنه محمد والد شعيب، لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك
والقول الثاني ترك الاحتجاج بها، وهو قول أبي داود فيما رواه أبو عبيد الآجري عنه قال قيل له عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجة عندك؟ قال لا، ولا نصف حجة، وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين، قال روايته عن أبيه عن جده كتاب فمن ههنا جاء ضعفه، وقال ابن عدي إن روايته عن أبيه عن جده مرسلة؛ لأن جده محمدا لا صحبة له وقال ابن حبان في الضعفاء بعد ذكره لعمرو إنه ثقة إذا روى عن الثقات غير أبيه، وإذا روى عن أبيه عن جده، فإن
(2/188)
شعيبا لم يلق عبد الله فيكون منقطعا، وإن أراد جده الأدنى محمدا، فهو لا صحبة له فيكون مرسلا قلت قد صح سماع شعيب من عبد الله بن عمرو، كما صرح به البخاري في التاريخ وأحمد، وكما رواه الدارقطني، والبيهقي في السنن بإسناد صحيح
والقول الثالث التفرقة بين أن يفصح بجده أنه عبد الله أو لا وهو قول الدارقطني حيث قال لعمرو بن شعيب ثلاثة أجداد الأدنى منهم محمد، والأوسط عبد الله، والأعلى عمرو وقد سمع يعني شعيبا من محمد، ومحمد لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسمع من جده عبد الله، فإذا بينه وكشفه فهو صحيح حينئذ، ولم يترك حديثه أحد من الأئمة، ولم يسمع من جده عمرو انتهى، فإذا قال عن جده عبد الله بن عمرو فهو صحيح حينئذ، وكذلك إذا قال عن جده، قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك مما يدل على أن مراده عبد الله لا محمد وفي السنن عدة أحاديث كذلك
والقول الرابع التفرقة بين أن يستوعب ذكر آبائه بالرواية، أو يقتصر على
أبيه عن جده، فإن صرح بهم كلهم، فهو حجة، وإلا فلا، وهو رأي أبي حاتم بن حبان البستي، وروى في صحيحه له حديثا واحدا، هكذا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن محمد بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه مرفوعا ألا
(2/189)
أحدثكم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ ... الحديث
قال الحافظ أبو سعيد العلائي في كتاب الوشي المعلم فيما قرأته عليه ببيت المقدس ما جاء فيه التصريح برواية محمد عن أبيه في السند، فهو شاذ نادر، قال وذكر بعضهم أن محمدا مات في حياة أبيه، وأن أباه كفل شعيبا، ورباه ثم قال شيخنا ولم يذكر أحد من المتقدمين محمدا في كتابه، ولا ترجم له قلت قد ترجم له ابن يونس في تاريخ مصر، وابن حبان في الثقات، قال ابن يونس روى عن أبيه، وروى عنه حكيم بن الحارث الفهمي في أخبار سعيد بن عفير، وابنه شعيب بن محمد والقول الأول أصح والضمير في قولي حملا له، يعود إلى جده المذكور في آخر البيت قبله
... وسلسل الآبا التميمي فعد ... عن تسعة قلت: وفوق ذا ورد
روى عبد الوهاب التميمي عن آبائه حتى عد تسعة آباء؛ وذلك فيما رويناه في
" تاريخ الخطيب " قال: حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن
(2/190)
الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة ابن عبد الله التميمي من لفظه، قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب، وقد سئل عن الحنان المنان، فقال الحنان: هو الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان: الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال. قال الخطيب بين أبي الفرج - يعني: عبد الوهاب - وبين علي في هذا الإسناد تسعة آباء آخرهم أكينة بن عبد الله، وهو الذي ذكر أنه سمع عليا - رضي الله عنه -.
وقد اقتصر ابن الصلاح فيما ذكره من التسلسل بالآباء على هذا العدد، وهو تسعة، وقد ورد التسلسل بأكثر من ذلك من هذا الوجه ومن غيره:
فأما من هذا الوجه فورد التسلسل فيه باثني عشر أبا في حديث مرفوع من طريق رزق الله بن عبد الوهاب التميمي المذكور. أخبرنا به جماعة منهم: شيخنا العلامة برهان الدين إبراهيم بن لاجين الرشيدي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق الأبرقوهي، قال: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد القلانسي قراءة عليه، وأنا حاضر بشيراز، أخبرنا عبد العزيز بن منصور بن محمد الآدمي قال: حدثنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، قال: سمعت أبي -أبا الفرج عبد الوهاب- يقول: سمعت أبي -أبا الحسن عبد العزيز- يقول: سمعت أبي - أبا بكر الحارث - يقول: سمعت أبي - أسدا - يقول: سمعت أبي - الليث - يقول: سمعت أبي - سليمان - يقول: سمعت أبي - الأسود - يقول: سمعت أبي - سفيان - يقول: سمعت أبي - يزيد - يقول: سمعت أبي - أكينة -
(2/191)
يقول: سمعت أبي - الهيثم - يقول: سمعت أبي - عبد الله - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما اجتمع قوم على ذكر إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة)) .
قال الحافظ أبو سعيد العلائي في " الوشي المعلم " فيما قرئ عليه وأنا أسمع: هذا إسناد غريب جدا، ورزق الله كان إمام الحنابلة في زمانه من الكبار المشهورين متقدما في عدة علوم، مات سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وأبوه أبو الفرج إمام مشهور أيضا؛ ولكن جده عبد العزيز متكلم فيه كثيرا، على إمامته، واشتهر بوضع الحديث، وبقية آبائه مجهولون لا ذكر لهم في شيء من الكتب أصلا، وقد تخبط فيهم عبد العزيز أيضا بالتغيير، أي: فزاد في الثاني أبا لأكينة، وهو الهيثم، وجعله من روايته عن أبيه عبد الله وجعله صحابيا فحصل التسلسل في هذا باثني عشر أيضا.
وقد وجدت التسلسل في عدة أحاديث، بأربعة عشر أبا من طريق أهل البيت، منها ما رواه الحافظ أبو سعد ابن السمعاني في " الذيل " قال: أخبرنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي الإمام بقراءتي عليه، وأبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني من لفظه، قالا: حدثنا السيد أبو محمد الحسين بن علي بن أبي طالب من لفظه ببلخ، قال حدثني سيدي والدي أبو الحسن علي بن أبي طالب سنة ست وستين وأربعمائة، قال: حدثني أبي - أبو طالب - الحسن بن عبيد الله سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، قال: حدثني والدي أبو علي عبيد الله بن محمد، قال: حدثني أبي - محمد بن عبيد الله - قال: حدثني أبي عبيد الله بن علي، قال حدثني أبي علي بن الحسن، قال: حدثني أبي - الحسن بن الحسين - قال: حدثني أبي - الحسين بن جعفر، وهو أول من دخل بلخ من هذه الطائفة قال: حدثني أبي - جعفر الملقب بالحجة، قال: حدثني أبي - عبيد الله -، قال: حدثني أبي - الحسين الأصغر -، قال: حدثني أبي - علي بن الحسين بن علي، عن أبيه عن جده علي - رضي الله عنه -
(2/192)
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الخبر كالمعاينة)) . وهذا أكثر ما وقع لنا في عدة التسلسل بالآباء، والله أعلم.
السابق واللاحق
851.... وصنفوا في سابق ولاحق ... وهو اشتراك راويين سابق
852.... موتا كزهري وذي تدارك ... كابن دويد رويا عن مالك
853.... سبع ثلاثون وقرن وافي ... أخر كالجعفي والخفاف
صنف الخطيب كتابا سماه " السابق واللاحق "، وموضوعه: أن يشترك راويان في الرواية عن شخص واحد، وأحد الراويين متقدم، والآخر متأخر، بحيث يكون بين وفاتيهما أمد بعيد. قال ابن الصلاح: ومن فوائد ذلك تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب. ومثال ذلك: أن الإمام مالك بن أنس روى عنه أبو بكر الزهري أحد شيوخه، وروى عنه أيضا زكريا بن دويد الكندي، وقد تأخرت وفاة زكريا ابن دويد بعد موت الزهري مائة وسبعا وثلاثين سنة أو أكثر، فإن وفاة الزهري في سنة أربع وعشرين ومائة، وتأخر زكريا بن دويد إلى سنة نيف وستين ومائتين، قلت: هكذا مثل ابن الصلاح تبعا للخطيب بزكريا بن دويد، وهو وإن كان روى عن مالك،
(2/193)
فإنه أحد الكذابين قال ابن حبان: ((كان يضع الحديث، بل زاد وادعى أنه سمع من حميد الطويل، وروى عنه نسخة موضوعة)) . فلا ينبغي حينئذ أن يمثل به والصواب: أن آخر أصحاب مالك أحمد بن إسماعيل السهمي، كما قاله المزي، وكانت وفاة السهمي سنة تسع وخمسين ومائتين؛ فيكون بينه وبين وفاة الزهري مائة وخمس وثلاثون سنة، والسهمي وإن كان ضعيفا أيضا فإن أبا مصعب شهد له أنه كان يحضر معهم العرض على مالك.
وقولي: (أخر) أي: ابن دويد، وقولي: (كالجعفي والخفاف) أي: كما تقدمت وفاة محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري على وفاة أبي الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري، بهذا المقدار، وهو مائة وسبع وثلاثون سنة. وقد اشتركا في الرواية عن أبي العباس محمد بن إسحاق السراج، فروى عنه البخاري في "تاريخه" وآخر من روى عن السراج الخفاف، وتوفي البخاري سنة ست وخمسين ومائتين، وتوفي الخفاف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، ومن أمثلة ذلك في زماننا: أن الفخر بن البخاري سمع منه الزكي عبد العظيم المنذري، وروى عنه جماعة موجودون بدمشق في هذه السنة، وهي سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، منهم: عمر بن الحسن بن مزيد المزي، ونجم الدين ابن النجم، وصلاح الدين إمام مدرسة الشيخ أبي عمر، وقد توفي الزكي عبد العظيم سنة ست وخمسين وستمائة.
(2/194)
من لم يرو عنه إلا راو واحد
854.... ومسلم صنف في الوحدان ... من عنه راو واحد لا ثان
855.... كعامر بن شهر او كوهب ... هو ابن خنبش وعنه الشعبي
856.... وغلط الحاكم حيث زعما ... بأن هذا النوع ليس فيهما
857.... ففي الصحيح أخرجا المسيبا ... وأخرج الجعفي لابن تغلبا
من أنواع علوم الحديث معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وصنف فيه مسلم كتابه المسمى بكتاب " المنفردات والوحدان "، وعندي به نسخة بخط محمد بن طاهر المقدسي، ولم يره ابن الصلاح كما ذكر.
ومثاله في الصحابة: عامر بن شهر الهمداني، ووهب بن خنبش الطائي، عدادهما في أهل الكوفة، تفرد الشعبي بالرواية عن كل واحد منهما فيما ذكره مسلم وغيره. وحديث عامر بن شهر في السنن لأبي داود، وهو وإن انفرد عنه الشعبي،
(2/195)
فهو مذكور في السير، فقد ذكر سيف، عن طلحة الأعلم، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن أول من اعترض على الأسود العنسي وكابره عامر بن شهر في ناحيته، وكان أحد عمال النبي - صلى الله عليه وسلم - على اليمن، وحديث وهب بن خنبش عند النسائي وابن ماجه. ووقع عند ابن ماجه في رواية له: هرم بن خنبش، وكذا ذكره الحاكم في "علوم الحديث" وتبعه أبو نعيم في " علوم الحديث " له أيضا. قال ابن الصلاح: ((وذلك خطأ)) . قال المزي: ((ومن قال: وهب أكثر وأحفظ؟)) . وقد مثل ابن الصلاح ذلك بأمثلة في الصحابة والتابعين، وعليه في كثير منها اعتراض أوضحتها في كتاب مفرد يتعلق بكتاب ابن الصلاح.
وقد زعم الحاكم في كتابه " المدخل إلى كتاب الإكليل " بأن أحدا من هذا القبيل لم يخرج عنه البخاري ومسلم في صحيحهما. وأشرت إلى ذلك بقولي: (ليس فيهما) أي: ليس في الصحيحين. وتبعه على ذلك البيهقي فقال في كتاب الزكاة من "
(2/196)
سننه " عند ذكر حديث بهز عن أبيه عن جده: ((ومن كتمها فإنا آخذوها وشطر ماله ... )) الحديث. ما نصه: ((فأما البخاري ومسلم فإنهما لم يخرجاه جريا على عادتهما في أن الصحابي أو التابعي إذا لم يكن له إلا راو واحد لم يخرجا حديثه في الصحيحين ... إلى آخر كلامه)) ، وغلط الحاكم في ذلك جماعة منهم: محمد بن طاهر والحازمي. ونقض ذلك عليه بأنهما أخرجا حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب مع أنه لا راوي له غير ابنه سعيد بن المسيب. وكذلك أخرج أبو عبد الله الجعفي البخاري حديث عمرو بن تغلب مرفوعا: ((إني لأعطي الرجل، والذي أدع أحب إلي)) . ولم يرو عن عمرو بن تغلب سوى الحسن البصري، فيما قاله مسلم في كتاب " الوحدان "، والحاكم في " علوم الحديث " وغيرهما. وقال ابن عبد البر: إنه روى عنه أيضا الحكم ابن الأعرج، ولم أر له رواية عنه في شيء من
(2/197)
طرق أحاديث عمرو بن تغلب؛ فلذلك مثلت به، ومثل ابن الصلاح بأمثلة في الصحيح، عليه فيها مؤاخذات فتركتها.
من ذكر بنعوت متعددة
858.... واعن بأن تعرف ما يلتبس ... من خلة يعنى بها المدلس
859.... من نعت راو بنعوت نحو ما ... فعل في الكلبي حتى أبهما
860.... محمد بن السائب العلامه ... سماه حمادا أبو أسامه
861.... وبأبي النضر بن إسحاق ذكر ... وبأبي سعيد العوفي شهر
هذا النوع لبيان من ذكر من الرواة بأنواع من التعريفات من الأسماء، أو الكنى، أو الألقاب، أو الأنساب: أما من جماعة من الرواة عنه يعرفه كل واحد بغير ما عرفه الآخر، أو من راو واحد عنه، فيعرفه مرة بهذا، ومرة بذاك، فيلتبس ذلك على من لا معرفة عنده، بل على كثير من أهل المعرفة والحفظ، وإنما يفعل ذلك كثيرا المدلسون.
وقد تقدم عند ذكر التدليس أن هذا أحد أنواع التدليس ويسمى: " تدليس الشيوخ "، وقد صنف في ذلك الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي كتابا نافعا سماه " إيضاح الإشكال " عندي به نسخة. وصنف فيه الخطيب البغدادي كتابا كبيرا
(2/198)
سماه: " الموضح لأوهام الجمع والتفريق "، بدأ فيه بأوهام البخاري في ذلك، وهو عندي بخط الخطيب.
فمن أمثلة ذلك: ما فعله الرواة عن محمد بن السائب الكلبي العلامة في الأنساب، أحد الضعفاء، فقد روى عنه: أبو أسامة حماد بن أسامة فسماه: حماد بن السائب وروى عنه: محمد بن إسحاق بن يسار فسماه مرة، وكناه مرة: بأبي النضر، ولم يسمه. وروى عنه: عطية العوفي فكناه: بأبي سعيد، ولم يسمه. فأما رواية أبي أسامة عنه، فرواها عبد الغني بن سعيد عن حمزة بن محمد، هو الكناني الحافظ، بسنده إلى أبي أسامة، عن حماد بن السائب، قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس مرفوعا: ((ذكاة كل مسك دباغه)) . ثم قال: ((قال لنا حمزة بن محمد: لا أعلم أحدا روى هذا الحديث عن حماد بن السائب غير أبي أسامة، وحماد هذا ثقة كوفي، وله حديث آخر عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، عن عبد الله في التشهد)) ، قال عبد الغني: ثم قدم علينا الدارقطني، فسألته عن هذا الحديث، وعن حماد بن السائب، فقال لي: الذي روى عنه أبو أسامة، هو محمد بن السائب الكلبي إلا أن أبا أسامة كان يسمه حمادا. قال عبد الغني: فتبين لي أن حمزة قد وهم من وجهين:
أحدهما: أن جعل الرجلين واحدا.
والآخر: أن وثق من ليس بثقة؛ لأن الكلبي عند العلماء غير ثقة، قال عبد الغني: ثم إني نظرت في كتاب " الكنى " لأبي عبد الرحمن النسوي، فوجدته قد وهم فيه وهما أقبح من
(2/199)
وهم حمزة، رأيته قد أخرج هذا الحديث عن أحمد بن علي، عن أبي معمر، عن أبي أسامة حماد بن السائب، وإنما هو عن حماد ابن السائب، فأسقط قوله: عن، وخفي عليه أن الصواب عن أبي أسامة حماد ابن أسامة، وأن حماد بن السائب هو الكلبي، قال عبد الغني: والدليل على صحة قول الدارقطني: أن عيسى بن يونس رواه عن الكلبي مصرحا به غير مخفيه. انتهى. وأما رواية ابن إسحاق عنه، فقال البخاري في " التاريخ الكبير ": ((روى محمد بن إسحاق عن أبي النضر، وهو الكلبي)) ، قال الخطيب - فيما قرأت بخطه -: وهذا القول صحيح. - قال -: فأما رواية ابن إسحاق، عن الكلبي التي كناه فيها، ولم يسمه ثم رواها بإسناده إلى محمد بن إسحاق، عن أبي النضر، عن باذان عن ابن عباس، عن تميم الداري في هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا شهدة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} وقصة جام الفضة.
(2/200)
وأما رواية عطية العوفي عنه، فروى الخطيب - فيما قرأت بخطه - في كتاب
" الموضح " قال: أخبرنا أبو سعيد الصيرفي، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الأصم، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا: أبي، قال: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي، فيأخذ عنه التفسير، قال: وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبو سعيد، وكان هشيم يضعف حديث عطية، وقال عبد الله: حدثني أبي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: سمعت سفيان الثوري، قال: سمعت الكلبي، قال كناني عطية أبا سعيد، قال الخطيب: إنما فعل ذلك ليوهم الناس أنه إنما يروي عن أبي سعيد الخدري. انتهى.
قلت: ومما دلس به الكلبي مما لم يذكره ابن الصلاح تكنيته بأبي هشام، وقد بينه الخطيب فقال - فيما قرأت بخطه -: وهو أبو هشام الذي روى عنه القاسم بن الوليد الهمداني، وكان للكلبي ابن يسمى هشاما، فكناه القاسم به في روايته عنه ثم روى بإسناده إلى القاسم بن الوليد، عن أبي هشام، عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: لما نزلت {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا} فذكر الحديث. ثم روى وجادة إلى ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عن هذا الحديث، فقال: أبو هشام هو الكلبي، وكان كنيته أبو النضر، وكان له ابن يقال له: هشام بن الكلبي، صاحب نحو وعربية، فكناه به. قال: وهو محمد بن السائب بن بشر الذي روى عنه ابن إسحاق. وقد
(2/201)
وهم البخاري في التفريق بينه وبين الكلبي؛ لأنه رجل واحد، بين نسبه محمد بن سعد، وخليفة بن خياط.
وقولي: (واعن) أي: اجعله من عنايتك، وقد تقدم قبل هذا نقلا عن الهروي وغيره، أنه يقال: عني بكذا وعني به، والخلة: بفتح الخاء المعجمة: الخصلة.
أفراد العلم
862.... واعن بالافراد سما أو لقبا ... أو كنية نحو لبي بن لبا
863.... أو مندل عمرو وكسرا نصوا ... في الميم أو أبي معيد حفص
العلم: هو ما يعرف به من جعل علامة عليه من الأسماء والكنى والألقاب فالاسم: ما وضع علامة على المسمى، والكنية: ما صدر بأب أو أم، واللقب: ما دل على رفعة أو ضعة.
(2/202)
ومعرفة أفراد الأعلام نوع من أنواع الحديث، صنف فيه جماعة، منهم: الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي، صنف فيه كتابه المترجم " بالأسماء المفردة " وهو أول كتاب وضع في جمعها مفردة، وإلا فهي مفرقة في " تاريخ البخاري الكبير "، وكتاب " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم في أواخر الأبواب، وقد استدرك أبو عبد الله بن بكير وغيره على كتاب البرديجي في مواضع ليست أفرادا، بل هي مثان ومثالث فأكثر من ذلك، وفي مواضع ليست أسماء، وإنما هي ألقاب، كالأجلح لقب به لجلحة كانت به، واسمه يحيى، وقد مثل ابن الصلاح بجملة من الأسماء والكنى مرتبة على حروف المعجم وبعدة ألقاب، واقتصرت من ذلك على مثال واحد لكل قسم.
فمن أمثلة أفراد الأسماء: لبي بن لبا، صحابي من بني أسد، وكلاهما باللام والباء الموحدة، وهو وأبوه فردان، فالأول مصغر على وزن أبي بن كعب، والثاني مكبر على وزن فتى وعصا.
ومثال أفراد الألقاب: مندل بن علي العنزي، واسمه عمرو، ومندل لقب له وهو بكسر الميم، كما نص عليه الخطيب وغيره، قال ابن الصلاح: ((ويقولونه كثيرا بفتحها)) . انتهى.
ورأيت بخط الحافظ أبي الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي نقلا عن خط الحافظ محمد بن ناصر: أن الصواب فيه فتح الميم.
(2/203)
ومثال الأفراد في الكنى: أبو معيد - بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وآخره دال مهملة - واسمه: حفص بن غيلان.
فقولي: (سما) - بضم السين - لغة في الاسم، وهو منصوب على التمييز. وقولي: (أو مندل) ، هو مجرور عطفا على (لبي) ، وكذلك قولي: (أبي معيد) . و (عمرو) و (حفص) : مرفوعان على الخبرية، لمبتدأ محذوف، أي: هو عمرو وهو حفص، (وكسرا) : نصب على نزع الخافض، أي: ونصوا على كسر في الميم.
الأسماء والكنى
864.... واعن بالاسماوالكنى وقد قسم ... الشيخ ذا لتسعاو عشر قسم
865.... من اسمه كنيته انفرادا ... نحو أبي بلال او قد زادا
866.... نحو أبي بكر بن حزم قد كني ... أبا محمد بخلف فافطن
(2/204)
867.... والثانمنيكنى ولااسماندري ... نحو أبي شيبة وهو الخدري
868.... ثم كنى الألقاب والتعدد ... نحو أبي الشيخ أبي محمد
869.... وابن جريج بأبي الوليد ... وخالد كني للتعديد
870.... ثم ذوو الخلف كنى وعلما ... أسماؤهم وعكسه وفيهما
871.... وعكسه وذو اشتهار بسم ... وعكسه أبو الضحى لمسلم
من فنون أصحاب الحديث: معرفة أسماء ذوي الكنى، ومعرفة كنى ذوي الأسماء، وتنبغي العناية بذلك، فربما ورد ذكر الراوي مرة بكنيته، ومرة باسمه فيظنهما من لا معرفة له بذلك رجلين، وربما ذكر الراوي باسمه وكنيته معا فتوهمه بعضهم رجلين، كالحديث الذي رواه الحاكم من رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن أبي الوليد، عن جابر مرفوعا: ((من صلى خلف الإمام، فإن قراء ته له قراءة)) ، قال الحاكم: ((عبد الله بن شداد هو نفسه
(2/205)
أبو الوليد)) ، بينه علي بن المديني. قال الحاكم: ((ومن تهاون بمعرفة الأسامي، أورثه مثل هذا الوهم)) . قلت: وربما وقع عكس ذلك كما تقدم قبله بنوع في قول النسائي: عن أبي أسامة حماد بن السائب. فوهم في ذلك، وإنما هو عن حماد بن السائب، وأبو أسامة إنما اسمه حماد بن أسامة، وحماد بن السائب هو محمد بن السائب الكلبي، والله أعلم.
ولقد بلغني عن بعض من درس في الحديث ممن رأيته أنه أراد الكشف عن ترجمة أبي الزناد، فلم يهتد إلى معرفة ترجمته من كتب الأسماء؛ لعدم معرفته باسمه مع كون اسمه معروفا عند المبتدئين من طلبة الحديث، وهو عبد الله بن ذكوان، وأبو الزناد لقب له، وكنيته: أبو عبد الرحمن.
وقد صنف في ذلك جماعة منهم: علي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والنسائي، وأبو بشر الدولابي، وأبو أحمد الحاكم، وأبو عمر بن عبد البر.
وكتاب أبي أحمد الحاكم أجل ما صنف في ذلك، وأكبره، فإنه يذكر فيه من عرف اسمه، ومن لم يعرف اسمه، وكتاب مسلم والنسائي لم يذكرا فيهما غالبا إلا من عرف اسمه غالبا.
(2/206)
والذين صنفوا في ذلك بوبوا الأبواب على الكنى، وبينوا أسماء أصحابها، إلا أن النسائي رتب حروف كتابه على ترتيب غريب ليس على ترتيب حروف المعجم المشهورة عند المشارقة، ولا على اصطلاح المغاربة، ولا على ترتيب حروف أبجد، ولا على ترتيب حروف كثير من أهل اللغة، ك" العين " و" المحكم "، وهذا ترتيبها: أل ب ت ث ي ن س ش ر ز د ذ ك ط ظ ص ض ف ق وه م ع غ ج ح خ، وقد نظمت ترتيبها في بيتين في أول كل كلمة منها حرف وهي:
إذا لم بي ترح ثوى يوم نأيهم ... سرت شمأل رقت زوت داء ذي كمد
طوت ظئر صدر ضاق في قيد وجده ... هدت من عمى غي جوى حرها خمد
وقد قسم ابن الصلاح معرفة الأسماء والكنى إلى عشرة أقسام من وجه وإلى تسعة أقسام من وجه آخر. فقولي: (لتسع او عشر) ليس ذلك للشك في كلام ابن الصلاح؛ ولكنه فرق ذلك في نوعين، وجمعتهما في نوع واحد فذكر في النوع الأول، وهو: النوع الموفي خمسين من كتابه. وهو "بيان أسماء ذوي الكنى" تسعة أقسام. ثم قال -في النوع الذي يليه-: وهو "معرفة كنى المعروفين بالأسماء"- وهذا من وجه ضد النوع الذي قبله - ومن شأنه أن يبوب على الأسماء ثم يبين كناها بخلاف ذلك، ومن وجه آخر يصلح لأن يجعل قسما من أقسام ذلك من حيث كونه قسما من أقسام أصحاب الكنى وقل من أفرده بالتصنيف، قال: وبلغنا أن لأبي حاتم بن حبان البستي فيه كتابا.
(2/207)
قلت: وإنما جمعته مع النوع الذي قبله؛ لأن الذين صنفوا في الكنى جمعوا النوعين معا: من عرف بالكنية، ومن عرف بالاسم.
القسم الأول: من اسمه كنيته، وهذا القسم ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: من لا كنية له، غير الكنية التي هي اسمه، وإليه أشرت بقولي: (انفرادا) أي: ليس له كنية إلا ذلك، ومثال ذلك أبو بلال الأشعري، وأبو حصين بن يحيى الرازي، فقال كل منهما: - اسمي وكنيتي - واحد. وكذا قال أبو بكر بن عياش المقرئ: ليس لي اسم غير أبي بكر. وقد اختلف في اسمه على أحد عشر قولا. وصحح أبو زرعة أن اسمه شعبة، وقد ذكره ابن الصلاح في القسم السادس وصحح أن اسمه كنيته، كما تقدم.
والقسم الثاني من القسم الأول: من له كنية أخرى زيادة على اسمه الذي هو كنيته، ومثاله أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، فقيل: اسمه أبو بكر، وكنيته أبو محمد. ونحوه: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، أحد الفقهاء السبعة، اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن على ما قاله ابن الصلاح. وذكر الخطيب: أنه لا
(2/208)
نظير لهذين الاسمين في ذلك، قال ابن الصلاح: ((وقد قيل: إنه لا كنية لابن حزم غير الكنية التي هي اسمه)) انتهى، وأشرت إلى هذا بقولي: (بخلف) أي: اختلف في تكنيته بأبي محمد.
والقسم الثاني من أصل التقسيم: من عرف بكنيته ولم نقف له على اسم فلم ندر هل اسمه كنيته كالأول، أو له اسم ولم نقف عليه؟ مثاله: أبو شيبة الخدري من الصحابة، مات في حصار القسطنطينية، ودفن هناك، وكأبي أناس -بالنون-، وأبي مويهبة من الصحابة أيضا، وكأبي بكر ابن نافع مولى ابن عمر، وأبي النجيب - بالنون -، وقيل: بالمثناة من فوق المضمومة مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأبي حرب بن أبي الأسود، وأبي حريز الموقفي.
والقسم الثالث: من لقب بكنية كأبي الشيخ ابن حيان، اسمه عبد الله بن محمد بن جعفر، وكنيته أبو محمد، وأبو الشيخ لقب له، وممن لقب بكنيته: أبو تراب علي بن
(2/209)
أبي طالب - رضي الله عنه -، وأبو الزناد، وأبو الرجال، وأبو تميلة، وأبو الآذان، وأبو حازم العبدوي.
والقسم الرابع: من له كنيتان فأكثر، وهو المراد بقولي: (والتعدد) أي: تعددت كنيته، وفي الكلام لف ونشر، أي: ثم كنى الألقاب كأبي الشيخ وكنى التعدد، كابن جريج، كني بأبي الوليد وبأبي خالد، وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وكان يقال: المنصور بن عبد المنعم الفراوي ذو الكنى؛ كان له ثلاث كنى: أبو بكر، وأبو الفتح، وأبو القاسم.
والقسم الخامس: من اختلف في كنيته على قولين، أو أقوال، وقد علم اسمه فلم يختلف فيه. قال ابن الصلاح: ((ولعبد الله بن عطاء الإبراهيمي الهروي من المتأخرين فيه مختصر؛ وذلك كأسامة بن زيد الحب، أبي زيد أو أبي محمد أو أبي عبد الله أو أبي خارجة، أقوال. وكأبي بن كعب أبي المنذر، وقيل: أبو الطفيل. وكقبيصة بن ذؤيب أبي إسحاق، وقيل: أبو سعيد. وكالقاسم بن محمد، أبي عبد الرحمن، وقيل: أبو محمد. وكسليمان بن بلال أبي أيوب، وقيل: أبو محمد.
قال ابن الصلاح: ((وفي بعض من ذكر في هذا القسم من هو في نفس الأمر ملتحق بالذي قبله)) ، وقولي: (كنى) ، في موضع نصب على التمييز.
(2/210)
والقسم السادس: عكس الذي قبله، وهو من اختلف في اسمه وعرفت كنيته فلم يختلف فيها: كأبي هريرة الدوسي، اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو عشرين قولا، قاله ابن عبد البر. وقال النووي: ثلاثين قولا، وذكر ابن إسحاق: أن اسمه عبد الرحمن بن صخر، وصححه أبو أحمد الحاكم في " الكنى "، والرافعي في " التذنيب "، والنووي، وآخرون.
وصحح الشيخ شرف الدين الدمياطي - أعلم المتأخرين بالأنساب -: أن اسمه عمير بن عامر. وكأبي بصرة الغفاري، اسمه حميل - بضم الحاء المهملة - مصغرا على الأصح، وقيل: بالجيم مكبرا. وكأبي جحيفة وهب، وقيل: وهب الله، وكأبي بردة بن أبي موسى الأشعري: عامر، عند الجمهور، وقال ابن معين:
(2/211)
الحارث. وكأبي بكر بن عياش المقرئ، وقد تقدم في القسم الأول.
والقسم السابع: من اختلف في كنيته واسمه معا، وإليه الإشارة بقولي: (وفيهما) ، ومثاله: سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو لقب له، واسمه: عمير أو صالح أو مهران، أقوال، وكنيته أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو البختري.
والقسم الثامن: من لم يختلف في كنيته ولا في اسمه بل علما معا، وإليه أشرت بقولي في أول البيت الأخير: (وعكسه) أي: لم يختلف في واحد منهما؛ وذلك كأئمة المذاهب أبي حنيفة النعمان، وآباء عبد الله سفيان الثوري ومالك، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن محمد بن حنبل - رضي الله عنهم -.
والقسم التاسع: من اشتهر باسمه دون كنيته، وقولي: (بسم) - بضم السين - لغة في الاسم، وهي غير لغة القصر فيه.
وهذا القسم هو الذي أفرده ابن الصلاح بنوع على حدة، كطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، والحسن بن علي في آخرين. كنية كل واحد منهم أبو محمد، وكالزبير بن العوام، والحسين بن علي، وحذيفة، وسلمان، وجابر في آخرين، كنوا بأبي عبد الله، وكعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر في آخرين، كنوا بأبي
عبد الرحمن، وفي هذا النوع كثرة لا يحتاج مثله إلى مثال.
والقسم العاشر: عكس الذي قبله وهو من اشتهر بكنيته دون اسمه، كأبي الضحى: مسلم بن صبيح، وأبوه -بضم الصاد المهملة- وأبي إدريس الخولاني:
(2/212)
عائذ الله. وأبي إسحاق السبيعي: عمرو. وأبي حازم الأعرج سلمة، وخلق لا يحصون.
الألقاب
872.... واعن بالالقاب فربما جعل ... الواحد اثنين الذي منها عطل
873.... نحو الضعيف أي بجسمه ومن ... ضل الطريق باسم فاعل ولن
874.... يجوز ما يكرهه الملقب ... وربما كان لبعض سبب
875.... كغندر محمد بن جعفر ... وصالح جزرة المشتهر
مما تنبغي العناية به معرفة ألقاب المحدثين، والعلماء، ومن ذكر معهم، وربما
وهم العاطل من معرفة الألقاب، فجعل الرجل الواحد اثنين، إذ يكون قد ذكر مرة
باسمه، ومرة بلقبه. وقد وقع ذلك لجماعة من أكابر الحفاظ، منهم: علي بن المديني، وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش، فرقوا بين عبد الله بن أبي صالح أخي سهيل، وبين عباد بن أبي صالح، فجعلوهما اثنين. وقال الخطيب -فيما قرأت بخطه- في " الموضح ": ((وعبد الله بن أبي صالح، كان يلقب عبادا، وليس عباد بأخ له، اتفق على ذلك أحمد بن حنبل، ويحيى ابن معين، وأبو حاتم الرازي، وأبو داود السجستاني، وموسى بن هارون بن عبد الله البغدادي، ومحمد بن إسحاق السراج)) . وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في فصل الأخوة والأخوات.
(2/213)
وقد صنف في الألقاب جماعة من الحفاظ: أبو بكر الشيرازي، وأبو الفضل الفلكي، وأبو الوليد بن الدباغ، وأبو الفرج بن الجوزي، ومثال ذلك: الضعيف والضال، وإليه أشرت بقولي: (ومن ضل الطريق باسم فاعل) أي: من ضل، فحذف الجار والمجرور؛ لدلالة الكلام عليه، قال عبد الغني بن سعيد: رجلان جليلان لزمهما لقبان قبيحان: معاوية بن عبد الكريم الضال، وإنما ضل في طريق مكة،
وعبد الله بن محمد الضعيف، وإنما كان ضعيفا في جسمه لا في حديثه. انتهى. وقيل: إنه من باب الأضداد، كما قيل في الزنجي مسلم بن خالد، قاله ابن حبان، وإنه قيل له: الضعيف؛ لإتقانه وضبطه.
ثم الألقاب تنقسم: إلى ما لا يكرهه الملقب به، كأبي تراب - لقب علي - رضي الله عنه - فقد قال سهل بن سعد في الحديث المتفق عليه ما كان له اسم أحب إليه منه، وكبندار - لقب محمد بن بشار - فهذا لا إشكال في جواز تعريفه به.
وإلى ما يكرهه الملقب به، فلا يجوز تعريفه به، وقد تقدم الكلام على ذلك في أواخر آداب المحدث.
ثم الألقاب قد لا يعرف سبب التلقيب بها؛ وذلك موجود في كثير منها، وقد يذكر السبب في ذلك، ولعبد الغني بن سعيد في ذلك كتاب مفيد؛ وذلك كغندر وجزرة، فأما غندر - فهو لقب محمد بن جعفر البصري - وكان سبب تلقيبه
(2/214)
بذلك: أن ابن جريج قدم البصرة، فحدث بحديث عن الحسن البصري، فأنكروه عليه وشغبوا، قال ابن عائشة: إنما لقب غندرا ابن جريج من ذلك اليوم الذي كان يكثر الشغب عليه، فقال: اسكت يا غندر. وأهل الحجاز يسمون المشغب غندرا.
ثم كان بعده جماعة يلقب كل منهم غندرا، فمنهم من اسمه محمد بن جعفر: أبو الحسين الرازي، وأبو بكر البغدادي الحافظ، وأبو الطيب البغدادي.
وأما جزرة: فهو لقب أبي علي صالح بن محمد البغدادي الحافظ. وروى الحاكم: أن صالحا سئل: لم لقبت بجزرة؟ فقال: قدم عمرو بن زرارة بغداد فاجتمع عليه خلق عظيم فلما كان عند الفراغ من المجلس سئلت: من أين سمعت؟ فقلت: من حديث الجزرة، فبقيت علي. انتهى، وذلك في حديث عبد الله بن بسر: أنه كان يرقي بخرزة -بالخاء المعجمة وتقديم الراء- فصحفها صالح - بالجيم وتقديم الزاي -.
وذكر ابن الصلاح عدة صالحة من الألقاب، فحذفتها اختصارا، وهي غنجار: اثنان، وشباب وزنيج، ورسته وسنيد، وبندار، وقيصر، والأخفش: جماعة، ومربع، وعبيد العجل، وكيلجة، وماغمه، وعلان وسجادة، ومشكدانه، ومطين، وعبدان، وحمدان، ووهبان.
(2/215)
المؤتلف والمختلف
876.... واعن بما صورته مؤتلف ... خطا ولكن لفظه مختلف
877.... نحو سلام كله فثقل ... لا ابن سلام الحبروالمعتزلي
878.... أبا علي فهو خف الجد ... وهو الأصحفي أبي البيكندي
879.... وابن أبي الحقيق وابن مشكم ... والأشهر التشديد فيه فاعلم
880.... وابن محمد بن ناهض فخف ... أو زده هاء فكذا فيه اختلف
881.... قلت: وللحبر ابن أخت خفف ... كذاك جد السيدي والنسفي
من فنون الحديث المهمة: معرفة المؤتلف خطا والمختلف لفظا من الأسماء والألقاب والأنساب ونحوها، وينبغي لطالب الحديث أن يعتني بمعرفة ذلك، وإلا كثر عثاره، وافتضحبين أهله.
وصنف فيه جماعة من الحفاظ كتبا مفيدة، وأول من صنف فيه: عبد الغني بن سعيد، ثم شيخه الدارقطني. وقد تقدم أن أكمل ما صنف فيهكتاب " الإكمال " لأبي نصر بن ماكولا. وذيل عليه الحافظ أبو بكر بن نقطة بذيل مفيد ثم ذيل على ابن نقطة بذيلين صغيرين: أحدهما للحافظ جمال الدين ابن الصابوني، والآخر للحافظ
(2/216)
منصور بن سليم، المعروف بابن العمادية. وقد ذيل عليهما الحافظ علاء الدين مغلطاي بذيل كبير؛ لكن أكثره أسماء شعراء، وفي أنساب العرب، وجمع فيه الحافظ أبو عبد الله الذهبي مجلدا سماه "مشتبه النسبة"؛ ولكنه أجحف في الاختصار واعتمد على ضبط القلم، فلا يعتمد على كثير من نسخه، وقد فات جميع من صنف فيه ألفاظ كثيرة، علقت منها جملة وإن يسر الله تعالى جمعتها مع ما تقدم في مجموع واحد؛ ليكون أسهل لتناولها إن شاء الله تعالى.
ثم المؤتلف والمختلف ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما ليس له ضابط يرجع إليه، وإنما يعرف بالنقل والحفظ، وهو الأكثر.
والثاني: ما يدخل تحت الضبط، وقد ذكرت من هذا القسم الثاني جملة منه تبعا لابن الصلاح، ثم هذا القسم على قسمين:
أحدهما: على العموم من غير تقييد بتصنيف، ويضبط بأن يقال: ليس لهم فلان إلا كذا والباقون كذا.
والثاني من القسم الثاني: مخصوص بما في الصحيحين، " والموطأ "، فمن القسم الأول: سلام وسلام، وجميعه بالتشديد إلا خمسة، وهم: سلام والد عبد الله بن سلام الحبر الصحابي، وسلام جد أبي علي الجبائي المعتزلي، واسم أبي علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام، وسلام والد محمد بن سلام بن الفرج البيكندي البخاري شيخ البخاري على خلاف فيه، فجزم غنجار في " تاريخ بخارى "، والخطيب، وابن ماكولابالتخفيف، وقال ابن الصلاح: إنه أثبت، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"في محمد بن سلام بالتشديد. وكذا قال أبو علي الجياني في
(2/217)
"تقييد المهمل": إنه بالتشديد، وقال صاحب " المشارق "و " المطالع ": إنالتثقيل أكثر. قلت: وكأنه اشتبه عليهما بشخص آخر، يسمى: محمد بن سلام البيكندي أيضا، فإنه بالتشديد فيما ذكره الخطيب في " التلخيص "وغيره، ويعرف بالبيكندي الصغير، وهو محمد بن سلام بن السكن البيكندي، حدث عن الحسن بن سوار الخراساني، وعلي بن الجعد الجوهري، روى عنه عبيد الله بن واصل البخاري، فأما البيكندي شيخ البخاري، فقد روينا بالإسناد إليه أنه قال: أنا محمد بن سلام بالتخفيف، وهذا قاطع للنزاع فيه، وسلام بن أبي الحقيق اليهودي، وقال المبرد في " الكامل ": ليس في العرب سلام مخفف اللام إلا والد عبد الله بن سلام، وسلام بن أبي الحقيق، قال: وزاد آخرون: سلام بن مشكم خمارا كان في الجاهليةوالمعروف فيه التشديد، والله أعلم.
وسلام بن محمد بن ناهض المقدسي، هكذا روى عنه أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ فسماه سلاما، وروى عنه الطبرانيفسماه سلامة بزيادة هاء في آخره، وإلى هذا أشرت بقولي: (وكذا فيه اختلف) أي: الخلف في هذا إنما هو في زيادة الهاء في آخره وحذفها لا في التشديد والتخفيف، هكذا اقتصرابن الصلاحفي ضبط سلام المخفف على هذا المقدار، ولهم ثلاثة أسماء مخففة أيضا، ذكرتها من الزيادات عليه في البيت الأخير، وهم: سلام ابن أخت عبد الله بن سلام، معدود في الصحابة عده فيهم ابن فتحون في تذييله على " الاستيعاب "، ولعبد الله بن سلام أخ يقال له: سلمة بن
(2/218)
سلام، وإنما لم استدركه على ابن الصلاح؛ لأن والدهما مذكور، ولا حاجة إلى ذكر سلمة، وقد ذكر سلمة في الصحابة ابن منده؛ ولكن قال ابن فتحون في تذييله على "الاستيعاب": إن سلمة هو ابن أخي عبد الله بن سلام، فالله أعلم.
وجد السيدي وهو سعد بن جعفر بن سلام السيدي، روى عن ابن البطي، ومات سنة أربع عشرة وستمائة، ذكره ابن نقطة في " التكملة "-فيما قرأت بخطه- له. وكذلك جد النسفي الأعلى وهو: أبو نصر محمد ابن يعقوب بن إسحاق بن محمد بن موسى بن سلام النسفي السلامي، نسب إلى جده، روى عن زاهر بن أحمد، توفي بعد الثلاثين وأربعمائة، ذكره الذهبي في " مشتبه النسبة ".
والبيكندي - بكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح الكاف وسكون النون وبعدها دال مهملة، هكذا قيده بكسر أوله أبو علي الجياني.
والنسفي - بفتح النون والسين - قيده السمعانيوغيره، وهو منسوب إلى نسف - بكسر النون - فتحت للنسب كالنمري.
882.... عين أبي بن عمارة اكسر ... وفي خزاعة كريز كبر
ومن ذلكعمارة وعمارة، وليس لنا عمارة - بكسر العين - إلا أبي ابن عمارة من الصحابة، قال ابن الصلاح: ومنهم من ضمه، قال: ومن عداه: عمارة
- بالضم -.
(2/219)
قلت: يرد على كلامه عمارة - بفتح العين وتشديد الميم - وهم جماعة من النسوة، منهن: عمارة بنت عبد الوهاب الحمصية، وعمارة بنت نافع بن عمر الجمحي، وعمارة جدة أبييوسف محمد بن أحمد الصيدنانيالرقي.
ومن الرجال: يزيد، وعبد الله، وبحاث بنو ثعلبة بن خزمة بن أصرم ابن عمرو بن عمارة، معدودون في الصحابة. وعبد الله بن زياد بن عمرو ابن زمزمةبن عمرو بن عمارة البلوي، شهد بدرا. ومدرك بن عبد الله بن القمقام بن عمارة ولاه عمر بن عبد العزيز الجزيرة. وجعفر بن أحمد بن علي ابن عبد الله بن عمارة الحربي، روى عن سعيد بن البناء، وولداه قاسم وأحمد ابنا جعفر بن أحمد بن عمارة. وأبو عمر محمد بن عمر بن علي بن عمارة الحربي. وأبو القاسم محمد بن عمارة البخاري النجار الحربي. وبنو عمارة البلوي بطن.
ومن ذلك: كريز - بفتح الكاف وكسر الراء - مكبرا، وكريز مصغرا، وكله مصغر إلا في خزاعة فقط. وحكى الجياني في " تقييد المهمل " عن محمد بن وضاح فتح الكاف في خزاعة، وضمها في عبد شمس بن عبد مناف، قال ابن الصلاح: ((وضمها موجود أيضا في غيرهما، قال: ولا يستدرك في المفتوح بأيوب بن كريزالراوي عن عبد الرحمن بن غنم؛ لكون عبد الغني ذكره بالفتح؛ لأنه بالضم كذلك ذكره الدارقطنيوغيره)) ، أي: كابن ماكولا.
(2/220)
883.... وفي قريش أبدا حزام ... وافتح في الانصار برا حرام
ومن ذلك: حزام -بكسر الحاء وبالزاي-، وحرام - بالفتح وبالراء - ففي قريش الأول، وفي الأنصار الثاني، وليس المراد بذلك إلا ضبط ما في قريش والأنصار وإلا فقد وقع حزام - بالزاي - في خزاعة وبني عامر بن صعصعة وغيرهما، ووقع حرام - بالراء - في بلي: اسم قبيلة، وخثعم، وجذام، وتميم بن مر. وفي خزاعة أيضا، وفي عذرة، وبني فزارة، وهذيل وغيرهم، كما هو مبين في كتاب "الأمير" وغيره، والله أعلم.
884.... في الشام عنسي بنون، وببا ... في كوفة والشين واليا غلبا
885.... في بصرةوما لهم من اكتنى ... أبا عبيدة بفتح والكنى
886.... في السفر بالفتح وما لهم عسل ... إلا ابن ذكوانوعسل فجمل
ومن ذلك: عنسي - بالنون والسين المهملة -، وعبسي - بالموحدة والمهملة أيضا -، وعيشي - بالمثناة من تحت والشين المعجمة -.
(2/221)
فالأول في الشاميين، منهم: عمير بن هانيء، وبلال بن سعد، كلاهما تابعي.
والثاني: في الكوفيين، منهم: عبيد الله بن موسى.
والثالث: في البصريين، منهم: عبد الرحمن بن المبارك، كذا قال الحاكم في
" علوم الحديث "، وللخطيب البغدادي نحوه فيما حكاه عنه أبو علي بن البرداني، قال ابن الصلاح: ((وهذا على الغالب)) . وأشرت إلى ذلك بقولي: (غلبا) . وزاد الحاكمفي هذه الترجمة: والقيسيون، أي: بالقاف بطن من تميم.
ومما وقع نادرا مخالفا للغالب عمار بن ياسر، فإنه عنسي - بالنون - وهو معدود في أهل الكوفة، وقد احترز ابن ماكولا عن ذلك بقوله: وعظم عنس في الشام، وكذا قال السمعاني، وقال ابن ماكولا في العيشي - بالمثناة والمعجمة - عامتهم بالبصرة، وقال السمعاني: نزلوا البصرة.
ومن ذلك: من اكتنى بأبي عبيدة، فكلهم بضم العين مصغرا، قال الدارقطني:
((لا نعلم أحدا يكنى بأبي عبيدة بالفتح)) .
ومن ذلك: السفر - بإسكان الفاء -، والسفر - بفتحها -، قال ابن الصلاح: ((وجدت الكنى من ذلك بالفتح والباقي بالإسكان، قال: ومن المغاربة من سكن الفاء منأبي السفرسعيد بن يحمد. قال: وذلك خلاف ما يقول أصحاب الحديث
(2/222)
حكاه الدارقطنيعنهم)) . قلت: لهم في الأسماء والكنى: سقر -بسكون القاف-، وقد يرد ذلك على إطلاقه، فمن الأسماء: سقر بن حبيب الغنوي، وسقر بن حبيب آخر، وسقر بن عبد الله، وسقر بن عبد الرحيم ابن أخي شعبة، وسقر بن عبد الرحمن شيخ لأبي يعلى، وسقر بن حسين الحذاء، وسقر بن عداس. وفي الكنى: أبو السقر يحيى بن يزداد.
ولهم أيضا: شقر - بفتح الشين المعجمة والقاف -: حي من بني تميم ينسب إليه الشقريون. ومعاوية الشقر - بكسر القاف -: شاعر.
ومن ذلك: عسل - بكسر العين وسكون السين المهملتين -، وعسل- بفتحهما -. قال ابن الصلاح: ((وجدت الجميع من القبيل الأول إلا عسل بن ذكوان الأخباري البصري، فإنه بالفتح، ذكره الدارقطنيوغيره. قال: ووجدته بخط الإمام أبي منصور الأزهري في كتابه " تهذيب اللغة ": بالكسر والإسكان أيضا، قال: ولا أراه ضبطه، والله أعلم)) .
887.... والعامري بن علي عثام ... وغيره فالنونوالإعجام
ومن ذلك: غنام - بالغين المعجمة والنون المشددة -، وعثام - بالعين المهملة والثاء المثلثة المشددة -، قال ابن الصلاح: ((ولا نعرفمن هذا القبيل الثاني غير عثام ابن علي العامريالكوفي والد علي بن عثام الزاهد، والباقون من الأول منهم: غنام ابن أوس، صحابي بدري)) .
(2/223)
قلت: ولهم من القبيل الثاني أيضا حفيد المذكور، وهو عثام بن علي بن عثام بن علي العامري، وهذا لا يرد على كلامي في النظم؛ لأن كلا منهما عثام بن علي العامري، فهو داخل تحت كلامي، ويرد على ابن الصلاح؛ لتقييده الترجمة بوالد علي بن عثام، ولا نعرف لعثام الثاني ولدا اسمه: علي.
888.... وزوج مسروق قمير صغروا ... سواه ضما ولهممسور
889.... ابن يزيد وابن عبد الملك ... وما سوى ذينفمسور حكي
ومن ذلك قمير مكبرا، وقمير مصغرا، والجميع: بضم القاف مصغرا إلا امرأة مسروق بن الأجدع: قمير بنت عمرو، فإنها - بفتح القاف وكسرالميم -، والله أعلم.
ومن ذلك مسور، ومسور.
فالأول: - بضم الميم، وفتح السين المهملة، وتشديد الواو - مسور بن يزيد المالكيالكاهلي له صحبة، ومسوربن عبد الملك اليربوعي، قال ابن الصلاح: ((ومن سواهما فيما نعلم بكسر الميم وإسكان السين، والله أعلم)) .
قلت: لم يذكر ابن ماكولا بالتشديد إلا ابن يزيد فقط. ولم يستدركه ابن نقطة، ولا من ذيل عليه. وقد ذكر البخاري في "التاريخ الكبير"مسور بن عبد الملك في
(2/224)
باب مسور بن مخرمة، وهذا يدل على أنه عنده مخفف، وذكر في باب الواحد: مسور ابن يزيد، ومسور بن مرزوق، وهذا يقتضي أن يكون ابن مرزوق بالتشديد عنده، والله أعلم. وأما الذهبي فتبع ما قاله ابن الصلاح، وكأنه قلده في ذلك.
890.... ووصفوا الحمال في الرواة ... هارون والغير بجيم ياتي
ومن ذلك الحمال والجمال، قال ابن الصلاح: لا نعرف في رواة الحديث، أو فيمن ذكر منهم في كتب الحديث المتداولة، الحمال - بالحاء المهملة - صفة لا اسما إلا هارون بن عبد الله الحمال، والد موسى بن هارون الحمال الحافظ، وكانبزازا فلما تزهد حمل)) . حكاه عبد الغني بن سعيد، عن القاضي أبي الطاهر. وحكى ابن الجارود في " الكنى "، عن موسى بن هارون: أنه كان حمالا ثم تحول إلى البز. وزعم الخليلي وابنالفلكي: أنه لقب بالحمال؛ لكثرة ما حمل من العلم، قال ابن الصلاح: ((ولا أرى ما قالاه يصح، قال: ومن عداه: فالجمال- بالجيم -، منهم: محمد بن مهران الجمال)) .
قلت: وقوله: صفة لا اسما، احترز به عمناسمه حمال كأبيض بن حمال المأربيله صحبة، وحمال بن مالك ونحوهما.
(2/225)
واحترز بـ " رواة الحديث " عن غيرهم من الفقهاء والزهاد، كرافع بن نصر الحمال الفقيه، صاحب أبي إسحاق، وأيوب الحمال أحد الزهاد ببغداد، وبنان الحمال أحد أولياء مصر، على أن بنانا الحمال قد روى عن الحسن ابن عرفة وغيره، وإنما لم أورده على كلام ابن الصلاح؛ لأنه لم يكن مشهورا برواية الحديث، والله أعلم.
وكذلك سمع رافع الحمال من أبي عمر بن مهدي، وممن روى أيضا: أبو القاسم مكي بن علي بن بنانالحمال، وأحمد بن محمد بن الدبس الحمال أحد شيوخ أبي بن النرسي.
891.... ووصفوا حناطا اوخباطا ... عيسى ومسلما كذا خياطا
ومن ذلك: الحناط - بالحاء المهملة والنون -، والخباط - بالمعجمة والموحدة -، والخياط - بالمعجمة والمثناة من تحت - وذلك مذكور في مظانه.
والمقصود بذكر هذا البيت أنه قد تجتمع الأوصاف الثلاثة في اسم واحد، فيؤمن الغلط فيه، ويكون اللافظ مصيبا كيف ما وصفه، وذلك في اسمين وهما: عيسى بن أبي عيسى الحناط، ومسلم بن أبي مسلم الخباط، هكذا ذكره الدارقطني، وابن ماكولا: أنه اجتمع في كل منهما الأوصاف الثلاثة وذلك مشهور بالنسبة إلى عيسى، قاله فيه يحيى بن معين، وقاله هو عن نفسه فيما حكاه محمد بن سعد. ولكن عيسىاشتهر بمهملة ونون، واشتهر مسلم بمعجمة وموحدة، ورجح الذهبي في كل واحد ما اشتهر به.
(2/226)
892.... والسلمي افتح في الانصارومن ... يكسر لامه كأصله لحن
أي: إن السلمي إذا جاء في الأنصار فهو بفتح السين واللام أيضا، كجابر بن
عبد الله، وأبي قتادة وغيرهما، وهو نسبة إلى بني سلمة بفتح السين وكسر اللام، وفتحت في النسب كالنمري والصدفي وبابهما. قال السمعاني: ((وهذه النسبة عند النحويين، قال: وأصحاب الحديث يكسرون اللام)) . قال ابن الصلاح: ((وأكثر أهل الحديث يقولونه بكسر اللام على الأصل، وهو لحن)) ، واقتصر ابن باطيش في " مشتبه النسبة " على كسر اللام، وجعل المفتوح اللام نسبة إلى سلمية - من عمل حماة -، وتشتبه هذه الترجمة بالسلمي - بضم السين وفتح اللام - نسبة إلى بني سليم، كعباس بن مرداس، وبالسلمي - بالفتح وسكون اللام - نسبة إلى بعض أجداد المنتسب، والله أعلم.
وهذه النسبة أدخلها ابن الصلاحفي القسم الثاني فنقلتها إلى هذا القسم الأول؛ لكونها لا تتعلق بما في الصحيحين، والموطأ، والله أعلم.
893.... ومن هنا لمالك ولهما ... بشارا افردأب بندارهما
894.... ولهما سيار أي أبو الحكم ... وابن سلامةوبالياقبل جم
هذا هو القسم الثاني الذي ذكره ابن الصلاح، وهو المخصوص بما في " الموطأ " والصحيحين للبخاري ومسلم، وهما المرادان من قولي: (لهما) فمن ذلك بشار، وسيار، ويسار.
(2/227)
فالأول: بالباء الموحدة بعدها شين معجمة مشددة، وليس في الصحيحين منه إلا اسم واحد، وهو بشار والد بندار، واسمه: محمد بن بشار، أحد شيوخهما. قاله أبو علي الغساني في "تقييد المهمل". قال الذهبي: وبشار نادر في التابعين معدوم في الصحابة. انتهى.
والثاني: بسين مهملة ثم ياء مثناة من تحت مشددة، وفي الصحيحين منه: سيار بن أبي سيار، ورد: أن كنيته أبو الحكم. وسيار بن سلامة.
والثالث: بتقديم الياء على السين المخففة، وهو (جم) أي: كثير في الصحيحين والموطأ، كسليمان بن يسار، وأخيه عطاء، وسعيد بن يسار وغيرهم. وقد أدخل ابن ماكولافي هذه الترجمة: سنانا - بنونين -، وقد يشتبه بذلك، وقال الذهبي: لا يلتبس.
895.... وابن سعيد بسرمثل المازني ... وابن عبيد الله وابن محجن
896.... وفيه خلف. وبشيرا اعجم ... في ابن يسار وابن كعب واضمم
897.... يسير بن عمرو اوأسير ... والنون فيأبي قطننسير
ومن ذلك بشر وبسر.
فالأول: - بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة -. والثاني:
(2/228)
- بضم الموحدة وسكون المهملة -. وجميع ما في الصحيحين " والموطأ " من الأول إلاأربعة أسماء، وهم: بسربن سعيد، وبسر المازني -والد عبد الله بن بسر-، وبسر بن عبيد الله الحضرمي، وبسر بن محجن الديلي.
وقد اختلف في هذا الرابع، فذهب مالك والجمهور إلى أنه بالمهملة. وقال سفيان الثوري: بشر - كالجادة -، وقال الدارقطني: إن الثوري رجع عنهفيما يقال؛ وكونه بالمعجمة حكاه أحمد بن صالح المصري، عن جماعة من ولده ورهطه، وابن محجن حديثه في "الموطأ"فقط، وليس في واحد من الصحيحين، ولم يذكر ابن الصلاح بسرا المازني، وحديثه في "صحيح مسلم" على ما ذكره المزي في "التهذيب"، إنما ذكر ابنه
(2/229)
عبد الله بن بسر. [وكان حقه أن يذكره حتى يعرف أنه في الصحيح، وإن كان يعرف ضبطه من ضبط ابنه عبد الله، قلت] : وقد تشتبه هذه الترجمة بأبي اليسر. كعب بن عمرو وهو بالمثناة من تحت والسين المهملة المفتوحتين، وحديثه في " صحيح مسلم "؛ ولكنه ملازم لأداة التعريف غالبا بخلاف القسمين الأوليين، والله أعلم.
ومن ذلك بشير، ويسير، ونسير، وبشير.
فالأول: - بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة - بشير بن يسار الحارثي المدني حديثه في الصحيحين " والموطأ "، وبشير بن كعب العدوي عند البخاري.
والثاني: - بضم الياء المثناة من تحت، وفتح السين المهملة -، وهو يسير بن عمرو، وقيل: يسير بن جابر، حديثه في الصحيحين، ويقال فيه أيضا: أسير بالهمزة.
والثالث: - بضم النون وفتح السين المهملة -، وهو نسير والد قطنابن نسير.
والرابع: - بفتح الباء الموحدة، وكسر الشين المعجمة -، وهو الجادة.
وجميع ما في الصحيحين " والموطأ " خلا الأسماء الأربعة المتقدمة، فهو من هذا القسم الرابع، منهم: بشير بن أبي مسعود، وبشير بن نهيك، وغيرهما.
898.... جد علي بن هاشم بريد ... وابن حفيد الأشعري بريد
899.... ولهما محمد بن عرعره ... بن البرند فالأمير كسره
(2/230)
ومن ذلك: بريد، وبريد، وبرند، ويزيد.
فالأول: - بفتح الباء الموحدة وكسر الراء بعدها ياء مثناة من تحت -، وهو جد علي بن هاشم بن البريد، روى له مسلم.
والثاني: - مصغر بضم الباء وفتح الراء -، وهو بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، روى له الشيخان، قلت: وروى البخاريحديث مالك بن الحويرث في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي آخره: ((كصلاة شيخنا أبي بريد عمرو بن سلمة، فذكر أبو ذر الهروي، عن أبي محمد الحموي، عن الفربري، عن البخاري: أبي بريد - بضم الموحدة وفتح الراء -، وكذا ذكر مسلم في " الكنى "كنية عمرو بن سلمة، والذي وقع عند عامة رواة البخاري: يزيد - بفتح الياء المثناة من تحت وكسر الزاي -، كالجادة، وقال عبد الغني: لم أسمعه من أحد بالزاي، قال: ومسلم بن الحجاج أعلم.
والثالث: - بكسر الباء الموحدة والراء بعدها نون ساكنة -، وهو جد محمد بن عرعرة بن البرند السامي، اتفقا عليه أيضا هكذا ذكر الأمير أبو نصر بن ماكولاأنه بكسر الباء والراء، وفي كتاب " عمدة المحدثين ": أنه بفتح الباء والراء. وحكى أبو علي الجياني، عن ابن الفرضي أنه يقال: بالفتح والكسر، قال: والأشهر الكسر. وكذا قال القاضي عياض، وابن الصلاح أيضا: إنه الأشهر.
(2/231)
والرابع: يزيد - بفتح المثناة من تحت وكسر الزاي -، وهو الجادة، وكل ما في الصحيحين " والموطأ "، فهو من هذا إلا الأسماء المذكورة.
900.... ذو كنية بمعشر والعاليه ... براء أشدد وبجيم جاريه
901.... ابن قدامةكذاك والد ... يزيد قلت وكذاك الأسود
902.... ابن العلاوابن أبي سفيان ... عمرو، فجد ذا وذا سيان
ومن ذلك: البراء، والبراء.
فالأول: بتشديد الراء، وهو أبو معشر البراء، واسمه: يوسف بن يزيد، وحديثه في الصحيحين، وأبو العالية البراء، قيل: اسمه زياد بن فيروز، وقيل: غير ذلك، وحديثه أيضا في الصحيحين.
والثاني: بتخفيف الراء، جماعة، منهم: البراء بن عازب.
وجميع ما في الصحيحين " والموطأ " من هذا القسم إلا الكنيتين المذكورتين.
ومن ذلك: جارية، وحارثة.
فالأول: بالجيم وبالمثناة من تحت بعد الراء، وهو: جارية بن قدامة، ويزيد بن جارية، هكذا ذكر ابن الصلاح. تبعا لصاحب " المشارق ".
ويزيد بن جارية مذكور في " الموطأ "، وقد روى مالكأيضا والبخاري أيضا من رواية القاسم بن محمد عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد ابن جارية، عن خنساء بنت خذام، فذكره ليزيد بن جارية صحيح. وأما جارية بن قدامة، فوقع ذكره في كتاب الفتن من البخاري.
(2/232)
قلت: وفي الصحيح اسمان آخران لم يذكرهما ابن الصلاح، أشرت إليهما بقولي: (قلت: وكذاك الأسود ... ) إلى آخره، وهما: الأسود بن العلاء بن جارية الثقفي، روى له مسلم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة حديث: ((البئر جبار ... )) الحديث في الحدود، وعمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي، روى له البخاريعن أبي هريرة قصة قتل خبيب، وروى له مسلمعن أبي هريرة حديث: ((لكل نبي دعوة يدعو بها ... )) الحديث.
وأريد بجد عمرو: جده الأعلى، على أنه وقع في البخاري في موضعمنه: عمرو بن أسيد بن جارية.
والثاني: حارثة - بالحاء المهملة والثاء المثلثة -، وهم من عدا المذكورين منهم: زيد بن حارثة الحب، وحارثة بن وهب الخزاعي، وحارثة بن النعمان وحارثة بن سراقة.
903.... محمد بن خازم لا تهمل ... والد ربعي حراش اهمل
904.... كذا حريزالرحبي وكنيه ... قد علقت وابن حدير عده
ومن ذلك: خازم، وحازم.
فالأول: بالخاء المعجمة، وهو محمد بن خازم، أبو معاوية الضرير.
والثاني: بالحاء المهملة، منهم: أبو حازم الأعرج، وجرير بن حازم، وكل ما فيها من هذا القسم إلا محمد بن خازم المذكور.
ومن ذلك: حراش، وخراش.
(2/233)
فالأول: بكسر الحاء المهملة، وفتح الراء، وآخره شين معجمة، وهو حراش والد ربعي بن حراش وليس في الكتب الثلاثة من هذا غيره.
والثاني: خراش - بكسر الخاء المعجمة -، والباقي كالذي قبله، منهم: شهاب بن خراش، وآخرون. قلت: أدخل ابن ماكولافي هذا الباب: خداشا - بكسر الخاء المعجمة وبالدال موضع الراء -، وقد روى مسلمفي " صحيحه " عن خالد بن خداش، ولكن قال الذهبي في " مشتبه النسبة ": إن خداشا بالدال لا يلتبس، فلذلك لم استدركه على ابن الصلاح.
ومن ذلك: حريز، وجرير.
فالأول: بفتح الحاء المهملة وكسر الراء بعدها ياء مثناة من تحت ساكنة وآخره زاي، وهو: حريزبن عثمان الرحبي الحمصي، روى له البخاري، وكذلك أبو حريز عبد الله بن الحسين الأزدي قاضي سجستان، علق له البخاري وهو المراد بقولي: (وكنيه قد علقت) ، وقولي: (كذا حريز) أي: كذا أهمل حاء ه.
والثاني: بفتح الجيم وكسر الراء وتكرارها وهو الموجود في الكتب الثلاثة ما عدا المذكورين أولا، منهم: جرير بن عبد الله البجلي، وجرير بن حازم، وربما اشتبه بهذه
(2/234)
الترجمة: حدير - بضم الحاء المهملة وفتح الدال وآخره راء - منهم: عمران بن حدير، روى له مسلم، ومنهم: زيد وزياد ابنا حدير، لهما ذكر في المغازي من " صحيح البخاري " من غير رواية، وهو بعيد الاشتباه فلهذا لم أسمهم.
905.... حضيناعجمه أبو ساسانا ... وافتح أبا حصين ايعثمانا
906.... كذاك حبان بن منقذ ومن ... ولده وابن هلال واكسرن
907.... ابن عطية مع ابن موسى ... ومن رمى سعدا فنال بؤسا
ومن ذلك: حضين، وحضين، وحصين.
فالأول: بضم الحاء المهملة، وفتح الضاد المعجمة، وسكون الياء المثناة من تحت، وآخره نون، وهو حضين بن المنذر أبو ساسان، روى له مسلم. قال الحافظ أبو الحجاج المزي: ((لا نعرف في رواة العلم من اسمه: حضين بضاد معجمة سواه)) . انتهى، وفي الصحيحين في قصة عتبان بن مالك من طريق ابن شهاب، قال: سألت الحضين بن محمد الأنصاري عن حديث محمود ابن الربيع فصدقه، فزعم الأصيلي والقابسي - فيما حكاه صاحب " المشارق " وغيره عنهما: أنه بالضاد المعجمة، قال القابسي: وليس في الكتاب - أي: البخاري - غيره، قال المزي: ((وذلك وهم فاحش)) . قال القاضيعياض: وصوابه كما للجماعة بصاد مهملة.
(2/235)
والثاني: بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، وهو أبو حصين عثمان بن عاصم الأسدي، حديثه في الصحيحين، قال أبو علي الجياني: ولا أعلم في الكتابين بفتح الحاء غير هذا.
والثالث: حصين - بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين - وهو الموجود في الكتب الثلاثة فيما عدا الترجمتين المذكورتين، منهم: عمران بن حصين.
قلت: وقد يشتبه هذا الباب بحضير، كالقسم الأول، إلا أنه بالراء مكان النون، وفي الكتب الثلاثة: أسيد بن حضير الأشهلي، أحد النقباء ليلة العقبة، ولكنه لا يلتبس في الغالب فلم استدركه، والله أعلم.
ومن ذلك حبان، وحبان، وحيان.
فالأول: بفتح الحاء المهملة، وتشديد الباء الموحدة، وهو حبان ابن منقذ، له ذكر في " الموطأ ": أنه كان عنده امرأتان، وابنه: واسعابن حبان بن منقذ، حديثه في " الموطأ "والصحيحين. وهو المراد بقولي: (ومن ولده) وابنه حبان بن
(2/236)
واسع بن حبان، روى له مسلم. وابن عمه محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ، حديثه في " الموطأ " والصحيحين. وحبان بن هلال الباهلي حديثه في الصحيحين، وقد يرد حبان هذا في الصحيح مطلقا غير منسوب إلى أبيه، فيتميز بشيوخه، وذلك: حبان، عن شعبة. وحبان، عن وهيب. وحبان، عن همام. وحبان، عن أبان. وحبان، عن سليمان بن المغيرة. وحبان، عن أبي عوانة. قاله القاضي عياض في " المشارق "، وتبعه عليه ابن الصلاح، والمراد به في الأمثلة المذكورة: حبان بن هلال.
والثاني: حبان - بكسر الحاء المهملة والباقي كالذي قبله - وهو: حبان ابن عطية السلمي، له ذكر في البخاري في قصة حاطب بن أبي بلتعة. وقد جزم بما تقدم فيه من أنه بالكسر ابن ماكولاوالمشارقة، وبه صدر صاحب " المشارق " كلامه، وذكر أبو الوليد الفرضي: أنه بالفتح، وحكاه أبو علي الجياني، وصاحب " المشارق " عن بعض رواة أبي ذر، قالا: وهو وهم.
وحبان بن موسى السلمي المروزي، روى عنه الشيخان في صحيحيهما، وهو حبان غير منسوب أيضا عن عبد الله بن المبارك.
وبالكسر أيضا: حبان بن العرقة، له ذكر في الصحيحينفي حديث عائشة أن سعد بن معاذ رماه رجل من قريش يقال له: حبان بن العرقة، هذا هو المشهور. وحكى ابن ماكولا أن ابن عقبة ذكر في المغازي: أنه جبار - بالجيم - قال: والأول أصح.
(2/237)
انتهى. والعرقة هذه أمه فيما قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، واختلف في ضبط هذا الحرف، فالمشهور أنه بعين مفتوحة ثم راء مكسورة بعدها قاف. وحكى ابن ماكولا عن الواقدي: أنه بفتح الراء، والأول أشهر. وقيل لها ذلك لطيب رائحتها، واسمها فيما قال ابن الكلبي: قلابة - أي: بكسر القاف - بنت سعيد - أي: بضم السين - ابن سهم، وتكنى أم فاطمة. واختلف في اسم أبيه، فقيل: حبان بن قيس، وقيل: ابن أبي قيس.
والثالث: حيان - بفتح الحاء المهملة بعدها ياء مثناة من تحت - وهو بقية ما في الكتب الثلاثة بعدما تقدم ضبطه هنا.
قلت: وقد يشتبه بهذه المادة: جبار، وخيار.
فالأول: بفتح الجيم وتشديد الباء الموحدة وآخره راء، وهو: جبار بن صخر، شهد بدرا، له ذكر عند مسلمفي حديث عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار ... الحديث في أواخر الكتاب.
والثاني: بكسر الخاء المعجمة بعدها ياء مثناة من تحت، مخففة وآخره راء أيضا، وهو عبيد الله بن عدي بن الخيار، وحديثه في الصحيحين.
908.... خبيبا اعجم في ابن عبد الرحمن ... وابن عدي وهو كنية كان
909.... لابن الزبير ورياح اكسر بيا ... أبا زياد بخلاف حكيا
(2/238)
ومن ذلك: خبيب، وحبيب.
فالأول: بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها ياء مثناة من تحت ساكنة وآخره باء موحدة، وهو خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف الأنصاري، حديثه في الصحيحين " والموطأ "، وهو الوارد ذكره في الصحيحين غير منسوب، عن حفص بن عاصم، وفي " صحيح مسلم " أيضا: عن عبد الله بن محمد بن معن، وجده خبيب، كذلك بمعجمة إلا أنه ليس له رواية في شيء من الكتب الثلاثة المذكورة. وخبيب بن عدي، له ذكر في البخاري في حديث أبي هريرة في سرية عاصم بن ثابت الأنصاري، وقتل خبيب وهو القائل:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان للهمصرعي
وكذلك أبو خبيب كنية عبد الله بن الزبير، كني بابنهخبيب بن عبد الله، وليس لابنه خبيب ذكر في شيء من الكتب الثلاثة المذكورة، وإنما روى له النسائي حديثا واحدا، ولم يسمه، وإنما قال: عن ابن عبد الله، وسماه غيره خبيبا، والله أعلم.
(2/239)
والثاني: حبيب - بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة -، وهو الموجود في الكتب الثلاثة فيما عدا من ذكر أنه بالمعجمة، منهم: حبيب بن أبي ثابت، وحبيب بن الشهيد، وحبيب المعلم، ويزيد بن أبي حبيب، وغيرهم.
ومن ذلك: رياح، ورباح.
فالأول: بكسر الراء بعدها ياء مثناة من تحت، وهو زياد بن رياح القيسي البصري، ويكنى أبا رياح أيضا كاسم أبيه، وقيل: كنيته أبو قيس تابعي، له في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة حديثان، أحدهما حديث: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة)) ، والثاني: حديث: ((بادروا بالأعمال ستا)) . وما ذكرناه من أنه بكسر الراء وبالمثناة، هو قول الأكثرين، وبه جزم عبد الغني وابن ماكولا. وحكى صاحب "المشارق" عن ابن الجارود أنه بباء موحدة، كالقسم الثاني، وأن البخاري ذكر فيه الوجهين، وفي التابعين من أهل البصرة أيضا رجل سمي زياد بن رياح الهذلي، كنيته: أبو رياح أيضا، وهو بكسر الراء، وبالمثناة أيضا، رأى أنس بن مالك، وروى عن الحسن البصري وهو متأخر الطبقة عن القيسي، ذكره الخطيب في " المتفق والمفترق "؛ ولكنه جعل هذه الكنية لهذا، وجزم في الأول بأنه أبو قيس،
(2/240)
وكذلك فعل ابن ماكولا، وخالفهما المزي فصدر كلامه في الأول بأنه أبو رياح، فالله أعلم.
والثاني: بفتح الراء بعدها باء موحدة، وهو الموجود في الكتب الثلاثة بعد زياد بن رياح منهم: رباح بن أبي معروف، عند مسلم، وعطاء بن أبي رباح في الصحيحين و" الموطأ "، وزيد بن أبي رباح عند مالك والبخاري وغير ذلك.
910.... واضمم حكيما في ابن عبد الله قد ... كذا رزيق بن حكيم وانفرد
911.... زبيد بن الصلت واضمم واكسر ... وفي ابن حيان سليم كبر
ومن ذلك: حكيم، وحكيم.
فالأول: مصغر بضم الحاء المهملة وفتح الكاف، وهو حكيم بن عبد الله بن قيس ابن مخرمة القرشي المصري. روى له مسلم في صحيحه ثلاثة أحاديث، ويسمى أيضا الحكيم - بالألف واللام -، وهو كذلك في بعض طرق حديثه.
ورزيق بن حكيم الأيلي والي أيلة لعمر بن عبد العزيز، وذكر ابن الحذاء: أنه كان حاكما بالمدينة، ورزيق: مصغر أيضا -بتقديم الراء-، ويكنى أبا حكيم أيضا، كاسم أبيه، له ذكر في " الموطأ " في الحدود، روى مالك عن رزيق بن حكيم: أن رجلا يقال له: مصباح ... فذكر القصة. وله ذكر في البخاري في باب الجمعة في
(2/241)
القرى والمدن. قال يونس: كتب رزيق بن حكيم إلى ابن شهاب، وأنا معه يومئذ بوادي القرى: هل ترى أن أجمع؟ ورزيق يومئذ على أيلة ... فذكر القصة.
وما ذكرناه من أنه بضم الحاء هو الصواب، كما قاله علي بن المديني. وحكى صاحب " تقييد المهمل " عنه: أن سفيان - يعني: ابن عيينة - كثيرا ما كان يقول: حكيم - يعني: بالفتح -.
والثاني: مكبر بفتح الحاء وكسر الكاف، وهو جميع ما في الكتب الثلاثة ما عدا الاسمين المذكورين، منهم: حكيم بن حزام، وحكيم ابن أبي حرة، له عند البخاري حديث واحد، وبهز بن حكيم، علق له البخاري، وغير ذلك، والله أعلم.
ومن ذلك: زييد، وزبيد.
فالأول: بضم الزاي وكسرها أيضا وفتح الياء المثناة من تحت بعدها ياء مثناة من تحت أيضا ساكنة، وآخره دال مهملة. وهو زييد بن الصلت بن معدي كرب الكندي، له ذكر في " الموطأ " من رواية هشام بن عروة عنه أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ... فذكر القصة. وروى مالك أيضا في " الموطأ " عن الصلت بن زييد، عن غير واحد من أهله: أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب، وهو بالشجرة وإلى جنبه كثير بن الصلت، قال عمر: ممن ريح هذا الطيب؟ ... فذكر القصة.
قال عبد الغني بن سعيد: إن الصلت بن زييد، هو ابن زييد بن الصلت المتقدم. وحكى ابن الحذاء قولين آخرين فيهما بعد، والصلت بن زييد هذا ولي قضاء المدينة. وأما قول ابن الحذاء: أن أباه زييد بن الصلت كان قاضي المدينة في زمن هشام
(2/242)
ابن عبد الملك، فوهم منه، والله أعلم. وقولي: (واضمم واكسر) أي: الزاي من زييد، ففيه وجهان.
والثاني: زبيد - بضم الزاي بعدها موحدة مفتوحة -، منهم: زبيد اليامي، وأبو زبيد عبثر بن القاسم، والله أعلم.
ومن ذلك: سليم، وسليم.
فالأول: مكبر - بفتح السين المهملة وكسر اللام -، وهو سليم بن حيان حديثه في الصحيحين، وليس فيهما سليم غيره.
والثاني: مصغر - بضم السين وفتح اللام -، وهو بقية ما في الكتب الثلاثة، منهم: سليم بن عامر الخبائري، وأبو الشعثاء سليم بن أسود المحاربي، وسليم بن أخضر، وسليم بن جبير، وغيرهم. وقد ذكر ابن الصلاح بعد هذا: سلم وسالم، ولا يشتبه لزيادة الألف، فلهذا حذفته.
912.... وابن أبي سريج احمد إئتسا ... بولد النعمان وابن يونسا
ومن ذلك: سريج، وشريح.
فالأول: - بضم السين المهملة وآخره جيم - وهو أحمد بن أبي سريج، روى عنه البخاري في " صحيحه "، واسم أبي سريج: الصباح، وقيل: هو أحمد بن عمر بن أبي سريج، وكذلك: سريج بن النعمان، روى عنه البخاري أيضا. وذكر الجياني: أن مسلما روى عن رجل عنه، فالله أعلم.
سريج بن يونس حديثه في الصحيحين، وهو أحد من سمع منه مسلم، وروى عنه البخاري بواسطة.
والثاني: شريح - بضم الشين المعجمة وآخره حاء مهملة -، وهو بقية ما في الكتب الثلاثة، منهم: شريح القاضي، وأبو شريح الخزاعي، وعبد الرحمن ابن شريح:
(2/243)
أبو شريح الإسكندراني، وغيرهم. وقولي: (ائتسا) أي: له أسوة بالمذكورين في كونه بالسين المهملة والجيم.
وذكر ابن الصلاح هنا: سلمان وسليمان، ولا يشتبهان لزيادة ياء التصغير في الثاني، فلهذا أسقطته.
913.... عمرو مع القبيلة ابن سلمه ... واختر بعبد الخالق بن سلمه
ومن ذلك: سلمة، وسلمة.
فالأول: بكسر اللام، وهو عمرو بن سلمة الجرمي إمام قومه، اختلف في صحبته، وكذلك القبيلة بنو سلمة من الأنصار، واختلف في عبد الخالق بن سلمة أحد من روى له مسلم، وليس له عنده إلا حديث واحد في قدوم وفد عبد القيس، وسؤالهم عن الأشربة، فقال فيه يزيد بن هارون: ابن سلمة - بفتح اللام -، وقال ابن علية: سلمة - بكسرها -، وممن حكى فيه الوجهين: ابن ماكولا. وقولي: (واختر) أي: إن شئت فتحته، وإن شئت كسرته، والله أعلم. وذكر ابن الصلاح بعد هذا سنانا وشيبان، ولا يلتبس لزيادة الياء في شيبان، ولذلك لم أذكره، والله أعلم.
914.... والد عامر كذا السلماني ... وابن حميد وولد سفيان
915.... كلهم عبيدة مكبر ... لكن عبيد عندهم مصغر
(2/244)
ومن ذلك: عبيدة، وعبيدة.
فالأول: عبيدة مكبر - بفتح العين وكسر الباء وآخره هاء التأنيث -، وليس في الكتب الثلاثة منهم إلا أربعة أسماء:
الأول: عامر بن عبيدة الباهلي، وقد ضبط عن المهلب: عبيدة بالضم. قال صاحب " المشارق ": ((وهو وهم)) .
وقع ذكره عند البخاري، في كتاب " الأحكام " فقال: ((قال معاوية بن عبد الكريم القرشي: شهدت عبد الملك بن يعلى، قاضي البصرة وإياس بن معاوية، والحسن، وثمامة بن عبد الله بن أنس، وبلال بن أبي بردة، وعبد الله بن بريدة الأسلمي، وعامر بن عبيدة، وعباد بن منصور، يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود)) .
والثاني من الأسماء: عبيدة بن عمرو، ويقال: ابن قيس السلماني، حديثه في الصحيحين.
والثالث: عبيدة بن حميد، روى له البخاري.
والرابع: عبيدة بن سفيان الحضرمي، حديثه في الموطأ، وصحيح مسلم وليس له عندهما إلا حديث واحد، وهو حديث أبي هريرة في تحريم: ((كل ذي ناب من السباع)) . وفي " صحيح البخاري ": أن الزبير، قال: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد ابن العاص ... الحديث. والمعروف فيه الضم. وذكر صاحب " المشارق ": أن البخاري ذكره بالضم، وأنه حكى عنه الحميدي الفتح والضم.
(2/245)
والثاني من لفظي الترجمة: عبيدة مصغر - بضم العين وفتح الباء -، وهو بقية من ذكر في الكتب الثلاثة، منهم: عبيدة بن الحارث بن المطلب، وعبيدة بن معتب، وسعد ابن عبيدة، وعبد الله بن عبيدة بن نشيط، وغيرهم.
ومن ذلك عبيد، وعبيد، كلاهما بغير هاء التأنيث.
فالأول: مصغر، وهو جميع ما في الكتب الثلاثة، حيث وقع، قاله ابن
الصلاح تبعا لصاحب " المشارق ".
والثاني: عبيد مكبر، وليس في واحد من الكتب الثلاثة، وهو اسم جماعة من الشعراء: عبيد بن الأبرص، وعبيد بن زهير، وعبيد بن قماص، وفي الصحابة جماعة ينسبون إلى عوف بن عبيد بن عويج.
916.... وافتح عبادة أبا محمد ... واضمم أبا قيس عبادا أفرد
ومن ذلك: عبادة، وعبادة.
فالأول: بفتح العين المهملة، وتخفيف الباء الموحدة، وهو محمد بن عبادة الواسطي شيخ البخاري. وليس فيها بالفتح غيره.
والثاني: بضم العين، وهو بقية الموجود في الكتب الثلاثة، منهم: عبادة ابن الصامت، وحفيده عبادة بن الوليد، وعبادة بن نسي.
ومن ذلك: عباد، وعباد.
فالأول: بضم العين المهملة، وتخفيف الباء الموحدة، وهو قيس بن عباد القيسي الضبعي البصري. حديثه في الصحيحين، وليس فيها بالضم والتخفيف غيره، إلا أن صاحب " المشارق " حكى: أنه وقع عند أبي عبد الله محمد بن مطرف بن المرابط في " الموطأ ": عباد بن الوليد بن عبادة، قال: وهو خطأ، وللكل عبادة بن الوليد - كما تقدم - وهو الصواب.
(2/246)
والثاني: عباد - بفتح العين، وتشديد الباء -، وهو باقي من ذكر في الكتب الثلاثة، كعباد بن تميم المازني، وعباد بن عبد الله بن الزبير، وابن أخيه عباد بن حمزة، وعباد بن العوام في آخرين.
917.... وعامر بجالة ابن عبده ... كل وبعض بالسكون قيده
ومن ذلك: عبدة، وعبدة.
فالأول: بفتح العين المهملة، وفتح الباء الموحدة أيضا، وليس فيها كذلك إلا اسمان:
الأول: عامر بن عبدة البجلي الكوفي، روى له مسلم في مقدمة الصحيح، عن ابن مسعود، قوله: ((إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم، فيحدثهم ... )) الحديث.
هكذا ذكره بالفتح علي بن المديني، ويحيى بن معين، وأبو علي الجياني، والتميمي، والصدفي، وابن الحذاء، وبه صدر الدارقطني، وابن ماكولا كلاميهما، وحكيا أنه قيل فيه: عبدة بسكون الباء. قال صاحب " المشارق ": وحكي لنا عن بعض شيوخنا: عبد - بغير هاء -. قال: وهو وهم.
أما عامر بن عبدة الذي روى عنه أبو أسامة، فهو بإسكان الباء ولكن ليس له رواية في الكتب الثلاثة، ولا في بقية الستة. وقول الذهبي - فيما قرأته بخطه في "المشتبه": أنه يشتبه بعامر بن عبدة الباهلي: وهم، إنما الباهلي عامر بن عبيدة بزيادة ياء مثناة من تحت بعد الباء الموحدة المكسورة، وقد تقدم في عبيدة.
والثاني من الاسمين: بجالة بن عبدة التميمي، ثم العنبري البصري، روى له البخاري في كتاب " الجزية "، قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية، فجاءنا كتاب
(2/247)
عمر قبل موته بسنة ... الحديث. وقد قيده بالفتح الدارقطني، وابن ماكولا، والجياني. وحكى صاحب " المشارق ": أنه ذكره كذلك البخاري في " التاريخ " وأصحاب الضبط، قال: وقال فيه الباجي: عبدة، قال: وقال البخاري فيه أيضا: عبدة بالإسكان، قال: ويقال فيه أيضا: عبد.
والثاني من لفظي الترجمة: عبدة - بفتح العين، وسكون الباء -، وهو بقية ما في الكتب الثلاثة من ذلك، منهم: عبدة بن سليمان الكلابي، وعبدة ابن أبي لبابة، وغيرهما. وقولي: (ابن عبده) : هو بالألف؛ لأن (ابن) ليس في موضع الصفة لبجالة؛ وإنما هو ابتداء جملة في موضع الخبر، أي: كل من المذكورين: ابن عبدة. وقولي: (وبعض بالسكون قيده) أي: في كل واحد من الاسمين جميعا.
918.... عقيل القبيل وابن خالد ... كذا أبو يحيى وقاف واقد
919.... لهم كذا الأيلي لا الأبلي ... قال: سوى شيبان والرا فاجعل
920.... بزارا انسب ابن صباح حسن ... وابن هشام خلفا، ثم انسبن
921.... بالنون سالما وعبد الواحد ... ومالك بن الأوس نصريا يرد
ومن ذلك عقيل، وعقيل.
فالأول: مصغر - بضم العين المهملة وفتح القاف -، من ذلك بنو عقيل القبيلة المعروفة، لهم ذكر في حديث عمران بن حصين عند مسلم: كانت ثقيف حلفاء لبني
(2/248)
عقيل، وذكر حديث العضباء، وأنها كانت لرجل من بني عقيل. وكذا عقيل بن خالد الأيلي، حديثه في الصحيحين، وكذا يحيى بن عقيل الخزاعي البصري، روى له مسلم. وهو المراد بقولي: (كذا أبو يحيى) .
والثاني: بفتح العين، وكسر القاف، مكبر، منهم: عقيل بن أبي طالب، مذكور في الحديث المتفق عليه: ((وهل ترك لنا عقيل من رباع)) . وليست له رواية عندهما.
ومن ذلك: واقد، ووافد.
فالأول: بالقاف، وهو جميع ما في الكتب الثلاثة، منهم: واقد بن عبد الله بن عمر، وابن ابن أخيه: واقد بن محمد بن زيد، وغيرهما.
والثاني: وافد - بالفاء -، وليس في شيء من الكتب الثلاثة، قاله صاحب " المشارق "، وتبعه ابن الصلاح، ومنهم: وافد بن موسى الذارع، ووافد بن سلامة، ذكرهما الأمير وغيره.
ومن ذلك: الأيلي، والأبلي.
فالأول: بفتح الهمزة وسكون الياء المثناة من تحت، منهم: هارون بن سعيد الأيلي، ويونس بن يزيد الأيلي، وعقيل بن خالد الأيلي، وغيرهم. قال القاضي عياض في " المشارق ": وليس فيها أبلي، أي: في الكتب الثلاثة، وتعقبه ابن الصلاح، فقال: ((روى مسلم الكثير عن شيبان بن فروخ، وهو أبلي - بالباء الموحدة - قال: لكن إذا لم يكن في شيء من ذلك منسوبا لم يلحق عياضا منه تخطئة، والله أعلم)) .
(2/249)
ومن ذلك: البزار، والبزاز.
فالأول: آخره راء مهملة، وهو الحسن بن الصباح البزار، من شيوخ البخاري، وخلف بن هشام البزار من شيوخ مسلم. قال ابن الصلاح: ((لا نعرف في الصحيحين بالراء المهملة إلا هما)) . قلت: ذكر الجياني في " تقييد المهمل " في هذه الترجمة: يحيى ابن محمد بن السكن البزار من شيوخ البخاري. وبشر بن ثابت البزار، استشهد به البخاري. قلت: ولم يقع ذكرهما في البخاري منسوبين، بل خاليين من النسبة، فلذلك لم استدركهما في النظم على ابن الصلاح، والله أعلم.
والثاني: البزاز - بزاي مكررة -، وهو باقي المذكورين في الصحيحين، منهم: محمد بن الصباح البزاز، ومحمد بن عبد الرحيم البزاز المعروف بصاعقة وغيرهما.
ومن ذلك: النصري، والبصري.
فالأول: بالنون والصاد المهملة، وذلك في ثلاثة أسماء: الأول: سالم النصري مولى النصريين، وهو مولى مالك بن أوس النصري، الآتي ذكره، روى له مسلم. واسم أبي سالم: عبد الله، قال عبد الغني بن سعيد في "إيضاح الإشكال": سالم أبو عبد الله المديني، وهو سالم مولى مالك بن أوس وهو سالم مولى النصريين، وهو سالم مولى المهريين، وهو سالم سبلان، وهو سالم مولى شداد الذي روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وهو أبو عبد الله الذي روى عنه بكير بن الأشج، وذكر: أنه كان شيخا كبيرا. وهو
(2/250)
سالم أبو عبد الله الدوسي، وهو سالم مولى دوس. وذكر صاحب " المشارق ": أنه وقع عند العذري مولى النضريين - بالضاد المعجمة -، قال: وهو وهم.
والثاني من الأسماء: عبد الواحد بن عبد الله النصري. له في صحيح البخاري حديث واحد، عن واثلة بن الأسقع في أعظم الفرى.
والثالث: مالك بن أوس بن الحدثان النصري، مخضرم، وقد اختلف في صحبته، حديثه في " الموطأ " والصحيحين. وليس فيهما بالنون إلا هؤلاء الثلاثة، قاله ابن الصلاح، وأوس بن الحدثان مذكور في " صحيح مسلم " في الصيام، غير منسوب.
والثاني من لفظي الترجمة: بالباء الموحدة وفيها الكسر والفتح، والكسر أصح وهو بقية ما في الكتب الثلاثة.
922.... والتوزي محمد بن الصلت ... وفي الجريري ضم جيم يأتي
923.... في اثنين: عباس سعيد وبحا ... يحيى بن بشر بن الحريري فتحا
ومن ذلك: التوزي، والثوري.
فالأول: بفتح التاء المثناة من فوق، والواو المشددة المفتوحة، والزاي، وهو أبو يعلى محمد بن الصلت التوزي، أصله من توز من بلاد فارس. ويقال: توج -بالجيم-، سكن البصرة، روى عنه البخاريفي كتاب الردة حديث العرنيين. وليس فيها التوزي غيره.
(2/251)
والثاني: بفتح المثلثة، وسكون الواو، بعدها راء مهملة، وهو من عدا محمد بن الصلت المذكور، منهم: أبو يعلى الثوري. قال صاحب " المشارق " وهو يلتبس بالمذكور أولا. يريد من حيث اتفاق كنيتهما أيضا. واسم أبي يعلى هذا: منذر بن يعلى، حديثه في الصحيحين.
ومن ذلك: الجريري، والحريري.
فالأول: بضم الجيم، وفتح الراء، وسكون الياء المثناة من تحت بعدها راء أيضا، نسبة إلى جرير مصغرا. وهو جرير بن عباد - بضم العين وتخفيف الباء الموحدة -. وهو عباس بن فروخ الجريري، حديثه في الصحيحين. وسعيد ابن إياس الجريري، حديثه في الصحيحين أيضا. وكذا إذا ورد في الصحيحين الجريري غير مسمى، عن أبي نضرة، فالمراد به: سعيد. هكذا اقتصر ابن الصلاح، تبعا لصاحب " المشارق " على الجريري غير مسمى، عن أبي نضرة وقد ورد في الصحيح غير مسمى في غير روايته، عن أبي نضرة في غير ما موضع، منها: في " مسلم " في الكسوف، عن الجريري، عن حيان بن عمير، وغير ذلك.
هكذا اقتصر أيضا تبعا لصاحب " المشارق " على ما فيها من الجريري بضم الجيم. وزاد الجياني في " التقييد ": حيان بن عمير الجريري، له عند مسلم حديث واحد في الكسوف. وأبان بن تغلب الجريري، مولاهم، روى له مسلم أيضا وحده، قلت: ولم استدرك هذين الاسمين على ابن الصلاح؛ لأنهما وإن كانا في كتاب " مسلم " فهما باسميهما غير منسوبين.
(2/252)
والثاني: الحريري - بفتح الحاء المهملة وكسر الراء -، وهو يحيى بن بشر الحريري، روى له مسلم في "صحيحه". وقول ابن الصلاح: أنه شيخ البخاري ومسلم، تبع في ذلك صاحب "المشارق"، وتبع صاحب "المشارق" صاحب " تقييد المهمل "، وسبقهم إلى ذلك الحاكم أبو عبد الله، فذكر يحيى ابن بشر الحريري فيمن اتفق على إخراجه البخاري ومسلم ، وكذلك ذكره الكلاباذي فيمن أخرج له البخاري في " صحيحه ".
ولم يصنعوا كلهم شيئا، ولم يخرج له البخاري، وإنما أخرج ليحيى بن بشر البلخي، فجعلهما الجياني والكلاباذي واحدا، وهو وهم منهما. وممن تبعهما، وهما رجلان مختلفا البلدة والوفاة، وممن فرق بينهما ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "، والخطيب في " المتفق والمفترق "، وبه جزم الحافظ أبو الحجاج المزي في " التهذيب " وقد أوضحت ذلك فيما جمعته على كتاب ابن الصلاح. وقد اقتصر ابن الصلاح في هذه الترجمة على الجريري والحريري، وزاد الجياني في كتاب " تقييد المهمل " الجريري - بفتح الجيم - وكسر الراء، وهو يحيى بن أيوب الجريري من ولد جرير بن عبد الله البجلي. وقال: ذكره البخاري مستشهدا به في أول كتاب " الأدب "، وكذا ذكره صاحب " المشارق "، فقال: وفي البخاري يحيى بن أيوب الجريري - بفتح الجيم - في
(2/253)
أول كتاب " الأدب "، قلت: ولم استدركه على ابن الصلاح؛ لأن البخاري لم يذكر نسبته؛ إنما ذكره باسمه، واسم أبيه فقط، فليس في البخاري إذا هذا اللفظ.
924.... وانسب حزاميا سوى من أبهما ... فاختلفوا والحارثي لهما
925.... وسعد الجاري فقط وفيالنسب ... همدان وهو مطلقا قدما غلب
ومن ذلك: الحزامي والحرامي.
فالأول: بكسر الحاء المهملة، وبالزاي، منهم: إبراهيم بن المنذر الحزامي، والضحاك بن عثمان الحزامي، وغيرهما. وقال ابن الصلاح: ((إنه حيث وقع فيهما فهو بالزاي غير المهملة)) . انتهى.
وقولي: (سوى من أبهما فاختلفوا) ، هو من الزيادات على ابن الصلاح، أي: سوى من وقع في الصحيح وأبهم اسمه، فلم يسم بل فيه فلان الحزامي، فإن فيه خلافا؛ وذلك في " صحيح مسلم " في أواخر الكتاب في حديث أبي اليسر، قال: كان لي على فلان بن فلان الحزامي مال، فأتيت أهله ... الحديث. وقد اختلفوا في ضبط هذه النسبة، فرواه أكثر الرواة - كما قال القاضي عياض - بحاء مهملة مفتوحة وراء، وعند الطبري: الحزامي - بكسرها وبالزاي -. وعند ابن ماهان: الجذامي - بضم الجيم وذال معجمة -. وقال ابن الصلاح في حاشية أملاها على كتابه: لا يرد هذا؛ لأن المراد بكلامنا المذكور ما وقع من ذلك في أنساب الرواة. وكذا قال النووي في كتاب
(2/254)
" الإرشاد ". وهذا ليس بجيد؛ لأن ابن الصلاح وتبعه النووي ذكرا في هذا القسم غير واحد ليس لهم في الصحيح، ولا في " الموطأ " رواية، بل مجرد ذكر، كما تقدم إيضاحه في هذا الفصل؛ فلذلك استثنيته.
والثاني: بفتح الحاء المهملة والراء، وهو فلان بن فلان الحرامي المتقدم على رواية الأكثرين. وعد أبو علي الجياني في هذا القسم من ينسب إلى بني حرام من الأنصار، منهم: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الحرامي، وجماعة سواهم كذا ذكر أبو علي، وفيه نظر؛ فإني لا أعلم في واحد من الصحيحين ورود هذه النسبة عند ذكره؛ وإنما يذكر أسماءهم غير منسوبة، فلذلك لم استدركه على ابن الصلاح. وقد ذكر صاحب " المشارق " فيما يشتبه بهذه المادة: الجذامي - بضم الجيم وبالذال المعجمة -، فذكر: فروة ابن نعامة الجذامي، وهو الذي أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغلة، وقد لا يلتبس فلهذا لم أذكره.
ومن ذلك: الحارثي، والجاري.
فالأول: بالحاء المهملة، وكسر الراء، بعدها ثاء مثلثة، وهو جميع ما وقع من ذلك في الصحيحين، منهم: أبو أمامة الحارثي، صحابي له رواية عند مسلم في كتاب " الإيمان " - بكسر الهمزة - في حديث: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه)) ... الحديث.
والثاني: الجاري - بالجيم وبعد الراء ياء النسبة -، وهو: سعد الجاري. روى له مالك في " الموطأ "، عن زيد بن أسلم، عن سعد الجاري مولى عمر ابن الخطاب، سألت ابن عمر عن الحيتان يقتل بعضها بعضا ... الحديث قال صاحب " المشارق ": ينسب إلى جده. وقال ابن الصلاح: ((منسوب إلى الجار مرفأ السفن بساحل المدينة)) . انتهى. والمرفأ: - بضم الميم وإسكان الراء وفتح الفاء، مهموز مقصور، قال
(2/255)
الجوهري: ((أرفأت السفينة قربتها من الشط. قال: وذلك الموضع مرفأ)) . وقال الذهبي في " مشتبه النسبة ": ((الجار: موضع بالمدينة)) .
وذكر أبو علي الجياني فيما يشتبه بهذه المادة الخارفي - بالخاء المعجمة وبالفاء مكان الياء - منهم: عبد الله بن مرة الخارفي، وقد لا يلتبس.
ومن ذلك الهمداني، والهمذاني.
فالأول: بإسكان الميم وإهمال داله، وهم المنسوبون إلى قبيلة همدان، وهو جميع ما في "الموطأ" والصحيحين. قال ابن الصلاح: ((وليس فيها الهمذاني بالذال المنقوطة)) . قال صاحب "المشارق": لكن فيهما من هو من مدينة همذان ببلاد الجبل؛ إلا أنه غير منسوب في شيء من هذه الكتب. قال: إلا أن في البخاري: مسلم بن سالم الهمداني، ضبطه الأصيلي بسكون الميم، بخط يده وهو في الصحيح، قال: ووجدته في بعض النسخ للنسفي - بفتح الميم وذال معجمة-، وهو وهم، وإنما نسبه: نهدي، ويعرف بالجهني؛ لأنه كان نازلا فيهم. انتهى. وهذا الاسم وقع عند البخاري في كتاب "الأنبياء" في ذكر إبراهيم في حديث كعب ابن عجرة: ((ألا أهدي لك هدية)) ؟، وفيه: حدثنا أبو فروة مسلم بن سالم الهمداني، قال الجياني: وأراه وهما، قال أحمد بن حنبل: أبو فروة الهمداني، اسمه عروة، وأبو فروة النهدي، اسمه مسلم بن سالم. قال: وكان ابن مهدي لا يفصل بين هذين. وهذا اللفظ في الجملة وقع في البخاري على الوهم، وليس بهمداني على الوجهين معا، وقد ذكر ابن أبي خيثمة حديث البخاري هذا فقال: فيه أبو فروة الجهني، وهو الصواب، والله أعلم.
والثاني: بفتح الميم وبالذال المعجمة، قال أبو علي الجياني: منهم: أبو أحمد المرار بن حمويه الهمذاني، يقال: إن البخاري حدث عنه عن أبي غسان في كتاب"الشروط". انتهى.
(2/256)
قلت: ليس في جميع نسخ البخاري ذكر نسبه والذي في أكثر الروايات: حدثنا أبو أحمد، لم يزد على كنيته. وفي رواية أبي ذر: حدثنا أبو أحمد مرار ابن حمويه، ويؤكد كونه المرار بن حمويه، أن موسى ابن هارون الحمال، روى هذا الحديث عن مرار بن حمويه، عن أبي غسان محمد بن يحيى، كرواية البخاري، وقد قيل: إن أبا أحمد غير المرار، فالله أعلم. قال ابن ماكولا: ((والهمداني في المتقدمين بسكون الميم أكثر، وبفتح الميم في المتأخرين أكثر)) . قال ابن الصلاح: ((وهو كما قال)) . وإليه أشرت بقولي: (وهو مطلقا قدما غلب) أي: غلب همدان بالسكون في المتقدمين. وقولي: (مطلقا) أي: من غير تقييد بالصحيحين و" الموطأ "، والله أعلم. وقال الذهبي في " مشتبه النسبة ": ((والصحابة، والتابعون، وتابعوهم، من القبيلة، وأكثر المتأخرين من المدينة. قال: ولا يمكن استيعاب هؤلاء، ولا هؤلاء)) .
وقرأت بخطه أن شيرويه-يعني: ابن شهردار الديلمي، أدخل في "تاريخ همذان" له خلقا من القبيلة وهما. قلت: ومما خرج عن الغالب: أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الهمداني، فهو متأخر -بالسكون-، وأبو الفضل محمد بن محمد بن عطاف الهمداني، بعد الخمسمائة . وجعفر بن علي الهمداني. وعلي بن عبد الصمد السخاوي الهمداني. وعبد الحكم بن حاتم الهمداني. وعبد المعطي بن فتوح الهمداني. أربعتهم من أصحاب السلفي، وأبو إسحاق بن أبي الدم الهمداني، قاضي حماة، ومنصور بن سليم الهمداني الحافظ المعروف بابن العمادية، وآخرون.
(2/257)
المتفق والمفترق
926.... ولهم المتفق المفترق ... ما لفظه وخطه متفق
... لكن مسمياته لعدة ... نحو ابن أحمد الخليل ستة
من أنواع فنون الحديث:
معرفة المتفق والمفترق: وهو ما اتفق خطه ولفظه أيضا، وافترق مسمياته. وللخطيب فيه كتاب نفيس، وربما فاته بعض تراجم كان ينبغي له ذكرها؛ وإنما يحسن إيراد ذلك فيما إذا اشتبه الراويان المتفقان في الاسم؛ لكونهما متعاصرين واشتركا في بعض شيوخهما، أو في الرواة عنهما.
وذلك ينقسم إلى ثمانية أقسام:
الأول: من اتفقت أسماؤهم، وأسماء آبائهم، مثاله: الخليل بن أحمد، ستة رجال، ذكر الخطيب منهم اثنين فقط، وهما الأولان، فالأول: الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم، أبو عبد الرحمن الأزدي الفراهيدي البصري النحوي -صاحب العروض- وهو أول من استخرجه، وصاحب كتاب " العين " في اللغة، وشيخ سيبويه، روى
(2/258)
عن عاصم الأحول، وآخرين، ذكره ابن حبان في " الثقات "، مولده سنة مائة، واختلف في وفاته، فقيل: سنة سبعين ومائة، وقيل: سنة بضع وستين، وقيل: سنة خمس وسبعين، قال أبو بكر بن أبي خيثمة: أول من سمي في الإسلام أحمد: أبو الخليل بن أحمد العروضي، وكذا قال المبرد: فتش المفتشون فما وجدوا بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - من اسمه أحمد قبل أبي الخليل بن أحمد. انتهى. واعترض على هذه المقالة بأبي السفر سعيد بن أحمد، فإنه أقدم، وأجيب: بأن أكثر أهل العلم قالوا فيه: يحمد - بالياء - وقاله ابن معين: أحمد.
والثاني: الخليل بن أحمد أبو بشر المزني، ويقال السلمي بصري أيضا، روى عن المستنير بن أخضر، روى عنه محمد بن يحيى بن أبي سمينة، وعبد الله بن محمد المسندي،
(2/259)
والعباس بن عبد العظيم العنبري، ذكره ابن حبان في " الثقات " أيضا، وقال النسائي في " الكنى ": أبو بشر خليل بن أحمد بن بصري - وليس بصاحب العروض - قال الخطيب: ورأيت شيخا من شيوخ أصحاب الحديث، يشار إليه بالفهم والمعرفة قد جمع أخبار الخليل بن أحمد العروضي، وما روي عنه فأدخل في جمعه حديث الخليل بن أحمد هذا. قال: ولو أنعم النظر لعلم أن ابن أبي سمينة، والمسندي، وعباسا العنبري، يصغرون عن إدراك الخليل بن أحمد العروضي؛ لأنه قديم.
قلت: قد ذكر البخاري في " التاريخ الكبير ": أن عبد الله بن محمد الجعفي - وهو المسندي - سمع من خليل بن أحمد النحوي -صاحب العروض-، عن عثمان بن حاضر، فالله أعلم. وكلام البخاري يقتضي: أن هاتين الترجمتين واحدة، وقد فرق بينهما النسائي، وابن حبان، والخطيب، وهو الظاهر، والله أعلم.
والثالث: الخليل بن أحمد بصري أيضا، يروي عن عكرمة، ذكره أبو الفضل الهروي في كتاب " مشتبه أسماء المحدثين "، فيما حكاه ابن الجوزي في " التلقيح " عن خط شيخه عبد الوهاب الأنماطي عنه.
قلت: وأخشى أن يكون هذا هو الخليل بن أحمد النحوي، فإنه روى عن غير واحد من التابعين.
والرابع: الخليل بن أحمد بن الخليل، أبو سعيد السجزي الفقيه الحنفي، قاضي سمرقند، توفي بها سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، حدث عن ابن خزيمة، وابن صاعد والبغوي، وغيرهم. سمع منه الحاكم وذكره في " تاريخ نيسابور ".
(2/260)
والخامس: الخليل بن أحمد، أبو سعيد البستي القاضي المهلبي. ذكر ابن الصلاح: أنه سمع من الخليل بن أحمد السجزي المذكور، ومن أحمد بن المظفر البكري، وغيرهما، حدث عنه البيهقي.
والسادس: الخليل بن أحمد بن عبد الله بن أحمد، أبو سعيد البستي الفقيه الشافعي. ذكره الحميدي في "تاريخ الأندلس". وذكر ابن بشكوال في "الصلة": أنه قدم الأندلس من العراق في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وروى عن أبي محمد بن النحاس بمصر، وأبي سعيد الماليني، وأبي حامد الإسفراييني، وغيرهم. وحكى عن أبي محمد بن خزرج أن مولده سنة ستين وثلاثمائة، روى عنه أبو العباس أحمد بن عمر العذري. قلت: وأخشى أيضا أن يكون هذا هو الذي قبله؛ ولكن هكذا فرق بينهما ابن الصلاح، فالله أعلم.
وقد أسقطت من الستة الذين ذكرهم ابن الصلاح واحدا، وهو الخليل ابن أحمد، أصبهاني يروي عن روح بن عبادة؛ لأنه وهم فيه، وإنما هو الخليل ابن محمد، ووهم فيه قبله ابن الجوزي، وأبو الفضل الهروي، فإنه عده فيمن اسمه الخليل بن أحمد وهو في " تاريخ أصبهان " لأبي نعيم على الصواب: الخليل ابن محمد أبو العباس العجلي، وروى من طريقه عدة أحاديث. وجعلت مكانه الخليل بن أحمد البصري، الذي يروي
(2/261)
عن عكرمة كما ذكره أبو الفضل الهروي إن لم يكن هو الخليل النحوي. وسأذكر بعد هذا جماعة يعوض منهم عن هذين الاسمين، إن كانا مكررين.
وقد وقع في أصل سماعنا من " صحيح ابن حبان " في النوع التاسع والمائة من القسم الثاني: أخبرنا الخليل بن أحمد بواسط، قال: حدثنا جابر بن الكردي فذكر حديثا، قلت: والظاهر أنه الخليل بن محمد، فإنه سمع منه بواسط عدة أحاديث متفرقة في أنواع الكتاب، ونبهت عليه لئلا يغتر به ويستدرك.
وممن سمي أيضا الخليل بن أحمد: الخليل بن أحمد البغدادي، يروي عن يسار بن حاتم، ذكره ابن النجار في " الذيل ". والخليل بن أحمد أبو القاسم الشاعر المصري روى عنه الحافظ أبو القاسم بن الطحان، وذكره في ذيله على " تاريخ مصر "، وقال: توفي سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. والخليل ابن أحمد ابن علي أبو طاهر الجوسقي الصرصري، سمع من أبيه، وابن البطي وشهدة وغيرهم، روى عنه الحافظان: ابن النجار، وابن الدبيثي، وذكره كل منهما في " الذيل "، وتوفي سنة أربع وثلاثين وستمائة، قاله ابن النجار.
928.... وأحمد بن جعفر وجده ... حمدان هم أربعة تعده
هذا مثال القسم الثاني من أقسام المتفق والمفترق، وهو أن تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم، نحو أحمد بن جعفر بن حمدان، أربعة متعاصرون في طبقة واحدة
(2/262)
فالأول أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك، أبو بكر البغدادي القطيعي، سمع من عبد الله بن أحمد بن حنبل المسند، والزهد توفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة، وروى عنه أبو نعيم الأصبهاني، وآخرون كثيرون
والثاني أحمد بن جعفر بن حمدان بن عيسى السقطي البصري، يكنى أبا بكر أيضا، يروي عن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدورقي وغيره، وروى عنه أبو نعيم أيضا وغيره وتوفي سنة أربع وستين وثلاثمائة، وقد جاوز المائة
والثالث أحمد بن جعفر بن حمدان الدينوري، حدث عن عبد الله بن محمد بن سنان الروحي، روى عنه علي بن القاسم بن شاذان الرازي وغيره
والرابع أحمد بن جعفر بن حمدان أبو الحسن الطرسوسي، روى عن عبد الله بن جابر، ومحمد بن حصن بن خالد الطرسوسيين، وروى عنه القاضي أبو الحسن الخطيب بن عبد الله بن محمد الخصيبي المصري
ومن غرائب الاتفاق في ذلك محمد بن جعفر بن محمد، ثلاثة متعاصرون ماتوا في سنة واحدة، وكل منهم في عشر المائة، وهم
أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم الأنباري البندار
والحافظ أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر النيسابوري
وأبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن كنانة البغدادي
ماتوا في سنة ستين وثلاثمائة
(2/263)
.. ولهم الجوني أبو عمرانا ... اثنان والآخر من بغدانا
هذا مثال للقسم الثالث: وهو أن تتفق الكنية والنسبة معا، نحو أبي عمران
الجوني، رجلان.
فالأول: بصري، وهو أبو عمران عبد الملك بن حبيب الجوني التابعي المشهور، وسماه الفلاس: عبد الرحمن، ولم يتابع على ذلك، وتوفي سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل: سنة ثمان وعشرين، وقيل: سنة ثلاث وعشرين.
والثاني: متأخر الطبقة عنه، وهو: أبو عمران موسى بن سهل بن عبد الحميد الجوني، روى عن الربيع بن سليمان وطبقته، روى عنه الإسماعيلي والطبراني، وغيرهما. وهو بصري، سكن بغداد. وبغدان - بالنون - لغة فيها.
ومن ذلك: أبو عمر الحوضي اثنان ذكرهما الخطيب.
930.... كذا محمد بن عبد الله ... هما من الأنصار ذو اشتباه
هذا مثال للقسم الرابع وهو أن يتفق الاسم واسم الأب والنسبة، نحو محمد بن عبد الله الأنصاري، رجلان متقاربان في الطبقة
(2/264)
فالأول القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري، شيخ البخاري، وصاحب الجزء المشهور، توفي سنة خمس عشرة ومائتين، عن سبع وتسعين سنة
والثاني أبو سلمة محمد بن عبد الله بن زياد الأنصاري مولاهم، بصري أيضا، ضعفه العقيلي، وأبو أحمد الحاكم، وابن حبان، وغيرهم قيل إنه جاوز المائة وقد اقتصر ابن الصلاح على هاتين الترجمتين تبعا للخطيب وقال الحافظ أبو الحجاج المزي في التهذيب محمد بن عبد الله الأنصاري ثلاثة، فذكر المتقدمين وزاد محمد بن عبد الله بن حفص بن هشام بن زيد بن أنس بن مالك الأنصاري، وهو بصري أيضا، روى عنه ابن ماجه، وذكره ابن حبان في الثقات قلت وممن اشترك معهم في هذا محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، وإنما اقتصر الخطيب على المذكورين أولا؛ لتقاربهما في الطبقة، اشتركا في الرواية عن حميد الطويل، وسليمان التيمي، ومالك بن دينار، وقرة بن خالد وأشرت إلى اشتباه الأمر بينهما بقولي ذو اشتباه وأما الثالث فإنه متأخر الطبقة عنهما، روى عن محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري المذكور أولا وأما الرابع فمتقدم الطبقة عليهما ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، والله أعلم
(2/265)
.. ثم أبو بكر بن عياش لهم ... ثلاثة قد بينوا محلهم
هذا مثال لقسم خامس من هذا النوع لم يفرده ابن الصلاح بالتقسيم؛ وإنما أدخله في القسم الثالث، وقال: ((إنه مما يقاربه)) ، وهو أن تتفق كناهم، وأسماء أبائهم، نحو أبي بكر بن عياش، ثلاثة:
فالأول: أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ راوي قراءة عاصم، اختلف في اسمه على أحد عشر قولا، وقد تقدم في القسم الأول من الأسماء والكنى أن أبا زرعة صحح أن اسمه شعبة، وصحح ابن الصلاح، والمزي أن اسمه كنيته. مات في عشر المائة، قيل: سنة اثنتين وتسعين ومائة، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع.
والثاني: أبو بكر بن عياش الحمصي، روى عن عثمان بن شباك الشامي، وروى عنه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي. قال الخطيب: وعثمان، وأبو بكر مجهولان، وجعفر كان غير ثقة.
والثالث: أبو بكر بن عياش بن حازم السلمي، مولاهم الباجدائي، اسمه حسين، روى عن جعفر بن برقان، روى عنه علي بن جميل الرقي، وغيره. قال الخطيب: وكان فاضلا أديبا، وله كتاب مصنف في غريب الحديث. مات سنة أربع ومائتين، بباجداء، قاله: هلال بن العلاء.
(2/266)
932.... وصالح أربعة كلهم ... ابن أبي صالح اتباع هم
هذا مثال لقسم سادس من هذا النوع وهو عكس ما قبله أن تتفق أسماؤهم، وكنى آبائهم، نحو صالح بن أبي صالح، أربعة، كلهم من التابعين، ولم يذكر الخطيب في كتابه إلا الثلاثة الأولين
فالأول صالح بن أبي صالح، أبو محمد المدني، واسم أبي صالح نبهان وقال أبو زرعة هو صالح بن صالح بن نبهان، وكنية نبهان أبو صالح، وهو صالح مولى التوأمة بنت أمية بن خلف الجمحي، روى عن أبي هريرة، وابن عباس، وأنس، وغيرهم من الصحابة مختلف في الاحتجاج به، توفي سنة خمس وعشرين ومائة
والثاني صالح بن أبي صالح السمان، واسم أبي صالح ذكوان أبو عبد الرحمن المدني، روى عن أنس، روى له مسلم، والترمذي حديثا واحدا
والثالث صالح بن أبي صالح السدوسي، روى عن علي، وعائشة، روى عنه خلاد بن عمرو، ذكره البخاري في التاريخ، وابن حبان في الثقات
(2/267)
والرابع صالح بن أبي صالح المخزومي الكوفي، مولى عمرو بن حريث، واسم أبي صالح مهران، روى عن أبي هريرة، روى عنه أبو بكر بن عياش، ذكره البخاري في
التاريخ، وله عند الترمذي حديث ضعفه يحيى بن معين، وجهله النسائي وهذا الرابع لم يذكره الخطيب
قلت ومما لم يذكراه صالح بن أبي صالح الأسدي، روى عن الشعبي، روى عنه زكريا بن أبي زائدة، ذكره البخاري في التاريخ، وروى له النسائي حديثا، وإنما لم يذكراه؛ لكونه متأخر الطبقة عن الأربعة المذكورين وأيضا فسماه بعضهم صالح بن صالح الأسدي، قال البخاري وصالح بن أبي صالح أصح
... ومنه ما في اسم فقط ويشكل ... كنحو حماد إذا ما يهمل
934.... فإن يك ابن حرب او عارم قد ... أطلقه فهو ابن زيد أو ورد
... عن التبوذكي أو عفان ... أو ابن منهال فذاك الثاني
أي: ومن أقسام المتفق والمفترق - وهو القسم السابع منه -: أن يتفق الاسم
فقط، ويقع في السند ذكر الاسم فقط، مهملا من غير ذكر أبيه أو نسبة تميزه، ونحو ذلك. وكذلك: أن تتفق الكنية فقط، ويذكر بها في الإسناد من غير تمييز بغيرها.
(2/268)
فمثاله في الاسم: أن يطلق في الإسناد: حماد، من غير أن ينسب، هل هو ابن زيد أو ابن سلمة؟ ويتميز ذلك عند أهل الحديث بحسب من أطلق من الرواة عنه، فإن كان الذي أطلق الرواية عنه سليمان بن حرب أو عارم، فالمراد حينئذ: حماد بن زيد، قاله محمد بن يحيى الذهلي، وكذا قاله أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي في كتاب " المحدث الفاصل "، والمزي في " التهذيب ".
وإن كان الذي أطلقه أبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي، فمراده: حماد بن سلمة. قاله الرامهرمزي إلا أن ابن الجوزي قال في " التلقيح ": إن التبوذكي ليس يروي إلا عن حماد بن سلمة خاصة، وكذلك إذا أطلقه عفان، فقد روى محمد بن يحيى الذهلي عن عفان، قال: إذا قلت لكم حدثنا حماد، ولم أنسبه، فهو ابن سلمة، وقال الرامهرمزي: إذا قال عفان: حدثنا حماد أمكن أن يكون أحدهما كذا، قال الرامهرمزي: وهو ممكن، لولا ما حكاه الذهلي عن عفان من اصطلاحه، فزال أحد الاحتمالين، فلهذا اقتصرت في النظم على أن المراد: ابن سلمة، وإن كان ابن الصلاح حكى القولين، وكذا اقتصر المزي في " التهذيب " على أن المراد: ابن سلمة، وهو الصواب، والله أعلم. وكذا إذا أطلق ذلك حجاج بن منهال، فالمراد: ابن سلمة، قاله
(2/269)
محمد بن يحيى الذهلي، والرامهرمزي والمزي أيضا. قلت: وكذا إذا أطلقه هدبة بن خالد، فالمراد: ابن سلمة، قاله المزي في " التهذيب ".
وقولي: (فذاك الثاني) ، أي: حماد بن سلمة، وقيل له الثاني، أي: في الذكر؛ لكونه قد تقدم ذكر ابن زيد، وإلا فابن سلمة أقدم وفاة من ابن زيد فليس المراد في الوفاة، بل في الذكر.
قلت: وإنما يزيد الإشكال إذا كان من أطلق ذلك قد روى عنهما معا. أما إذا لم يرو إلا عن أحدهما، فلا إشكال حينئذ عند أهل المعرفة.
وممن انفرد بالرواية عن حماد بن زيد دون ابن سلمة: أبو الربيع الزهراني وقتيبة، ومسدد، وأحمد بن عبدة الضبي، وآخرون.
وممن انفرد بحماد بن سلمة، دون حماد بن زيد: بهز بن أسد، وآخرون لهم موضع غير هذا. ومثل ابن الصلاح أيضا بما إذا أطلق عبد الله في السند، ثم حكى عن سلمة بن سليمان، قال: إذا قيل بمكة: عبد الله، فهو ابن الزبير، وإذا قيل بالكوفة، فهو ابن مسعود، وإذا قيل بالبصرة، فهو ابن عباس، وإذا قيل بخراسان، فهو ابن المبارك. وقال الخليلي في " الإرشاد ": ((إذا قال المصري: عبد الله، فهو ابن عمرو - يعني: ابن العاص - وإذا قاله المكي، فهو ابن عباس - قلت: لكن قال النضر بن شميل: إذا قال الشامي: عبد الله، فهو ابن عمرو بن العاص - قال: وإذا قال المدني:
(2/270)
عبد الله، فهو ابن عمر)) . قال الخطيب: وهذا القول صحيح، قال: وكذلك يفعل بعض المصريين في عبد الله بن عمرو بن العاص.
ومثل ابن الصلاح لاتفاق الكنية بأبي حمزة -بالحاء والزاي- عن ابن عباس إذا أطلق، قال: وذكر بعض الحفاظ أن شعبة روى عن سبعة كلهم أبو حمزة، عن ابن عباس، وكلهم بالحاء والزاي إلا واحدا، فإنه بالجيم - أي: والراء - وهو أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي. فإذا أطلق، فهو نصر بن عمران، وإذا روي عن غيره، فهو يذكر اسمه، أو نسبه)) ، والله أعلم.
وللخطيب كتاب مفيد في هذا القسم سماه " المكمل في بيان المهمل ".
936.... ومنه ما في نسب كالحنفي ... قبيلا او مذهبا او باليا صف
أي ومن أقسام المتفق والمفترق وهو القسم الثامن منه أن يتفقا في النسب من حيث اللفظ، ويفترقا من حيث إن ما نسب إليه أحدهما، غير ما نسب إليه الآخر
ولمحمد بن طاهر المقدسي في هذا القسم تصنيف حسن
نحو الحنفي، والحنفي فلفظ النسب واحد
(2/271)
وأحدهما منسوب إلى القبيلة، وهم بنو حنيفة، منهم أبو بكر عبد الكبير ابن عبد المجيد الحنفي، وأخوه أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي أخرج لهما الشيخان
والثاني منسوب إلى مذهب أبي حنيفة، وفيهم كثرة
وقولي او باليا صف، أي انسب إلى القسم الثاني وهو ما نسب للمذهب بزيادة ياء مثناة من تحت، فقل حنيفي، فقد كان جماعة من أهل الحديث، منهم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، يفرقون بين النسبة للقبيلة والمذهب بذلك
قال ابن الصلاح ولم أجد ذلك عن أحد من النحويين إلا عن أبي بكر بن الأنباري الإمام، قاله في الكافي
ومثل ابن الصلاح أيضا بالآملي، والآملي
فالأول آمل طبرستان، قال السمعاني أكثر أهل العلم من أهل طبرستان من أهل آمل
والثاني إلى آمل جيحون شهر بالنسبة إليها عبد الله بن حماد الآملي روى عنه البخاري في صحيحه، قال وما ذكره الغساني، ثم القاضي عياض من أنه
(2/272)
منسوب إلى آمل طبرستان، فهو خطأ قلت لم يرو البخاري في صحيحه عنه مصرحا بنسبه، ولا بأبيه، وإنما حدث في موضع، عن عبد الله غير منسوب عن يحيى بن معين وفي موضع آخر عن عبد الله غير منسوب عن سليمان بن
عبد الرحمن، فاختلف في مراده بعبد الله، فقيل هو الآملي، قاله الكلاباذي، وقيل هو عبد الله بن أبي القاضي الخوارزمي، وهو الظاهر؛ فإنه روى في كتاب الضعفاء مصرحا به عدة أحاديث، عن سليمان بن عبد الرحمن، وغيره
(2/273)
تلخيص المتشابه
... ولهم قسم من النوعين ... مركب متفق اللفظين
938.... في الاسم لكن أباه اختلفا ... أو عكسه أو نحوه وصنفا
... فيه الخطيب نحو موسى بن علي ... وابن علي وحنان الأسدي
هذا النوع يتركب من النوعين اللذين قبله، وهو: أن يتفق الاسمان في اللفظ والخط، ويفترقا في الشخص، ويأتلف أسماء أبويهما في الخط، ويختلفا في اللفظ، أو على العكس، بأن يأتلف الاسمان خطا، ويختلفا لفظا، ويتفق أسماء أبويهما لفظا، أو نحو ذلك، بأن يتفق الاسمان والكنيتان لفظا، وتختلف نسبتهما نطقا، أو تتفق النسبة لفظا، ويختلف الاسمان أو الكنيتان لفظا، وما أشبه ذلك. وقد صنف في ذلك الخطيب كتابه المسمى بـ " تلخيص المتشابه " وهو من أحسن كتبه.
فمثال الأول: موسى بن علي، وموسى بن علي.
فالأول: بفتح العين مكبرا، وهم جماعة متأخرون، ليس في الكتب الستة منهم أحد، ولا في " تاريخ البخاري "، ولا في كتاب ابن أبي حاتم، إلا الثاني الذي فيه الخلاف، منهم: موسى بن علي أبو عيسى الختلي، وموسى بن علي أبو علي الصواف.
(2/274)
والثاني: بضم العين مصغرا، وهو موسى بن علي بن رباح اللخمي المصري - أمير مصر - اشتهر بضم العين مصغرا، وصحح البخاري، وصاحب " المشارق " الفتح، وروينا عن موسى، قال: اسم أبي: علي؛ ولكن بنو أمية قالوا: علي بن رباح، وفي حرج من قال: علي. وروينا عنه أيضا قال: من قال موسى بن علي لم أجعله في حل. وروينا أيضا ذلك عن أبيه قال: لا أجعل أحدا في حل يصغر اسمي. وقال محمد بن سعد: ((أهل مصر يفتحون، وأهل العراق يضمون)) . وقال الدارقطني: كان يلقب بعلي، وكان اسمه عليا، وقد اختلف في سبب تصغيره، فقال أبو عبد الرحمن المقرئ: كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي، قتلوه، فبلغ ذلك رباحا، فقال: هو علي، وقال ابن حبان في "الثقات": ((كان أهل الشام يجعلون كل علي عندهم عليا لبغضهم عليا - رضي الله عنه -، ومن أجله ما قيل لعلي ابن رباح: علي بن رباح، ولمسلمة بن علي: مسلمة بن علي)) .
ومثال الثاني: وهو عكس الأول، سريج بن النعمان، وشريح بن النعمان، وكلاهما مصغر.
(2/275)
فالأول: بالسين المهملة والجيم، وهو سريج بن النعمان بن مروان اللؤلؤي البغدادي، روى عنه البخاري، وروى له أصحاب السنن، تقدم ذكره في " المؤتلف والمختلف ".
والثاني: بالشين المعجمة، والحاء المهملة: شريح بن النعمان الصائدي الكوفي
- تابعي - له في السنن الأربعة حديث واحد عن علي ابن أبي طالب.
ومثال الثالث: محمد بن عبد الله المخرمي، ومحمد بن عبد الله المخرمي.
فالأول: بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة، وكسر الراء المشددة، نسبة إلى المخرم من بغداد، وهو محمد بن عبد الله بن المبارك أبو جعفر القرشي البغدادي المخرمي الحافظ قاضي حلوان، روى عنه البخاري، وأبو داود والنسائي.
والثاني: محمد بن عبد الله المخرمي -بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء-المكي، قال ابن ماكولا: لعله من ولد مخرمة بن نوفل، روى عن الشافعي، روى عنه عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة، ليس بالمشهور.
ومثال الرابع: أبو عمرو الشيباني، وأبو عمرو السيباني.
فالأول: بفتح الشين المعجمة، وسكون الياء المثناة من تحت بعدها باء موحدة وقبل ياء النسبة نون، جماعة منهم: أبو عمرو سعيد بن إياس الشيباني الكوفي - تابعي مخضرم - وحديثه في الكتب الستة، توفي سنة ثمان وتسعين.
(2/276)
وأبو عمرو الشيباني: هارون بن عنترة بن عبد الرحمن، كوفي أيضا من أتباع التابعين، حديثه في سنن أبي داود والنسائي. وهذا هو المعروف من أن كنيته أبو عمرو، وكذا كناه يحيى بن سعيد، وابن المديني، وأحمد بن حنبل والبخاري والنسائي، وأبو أحمد الحاكم، والخطيب، وغيرهم. وأما ما اقتصر عليه المزي من أن كنيته: أبو عبد الرحمن، فوهم.
وأبو عمرو الشيباني النحوي اللغوي كوفي أيضا، نزل بغداد، اسمه: إسحاق بن مرار، بكسر الميم، عند عبد الغني بن سعيد، وبفتحها عند الدارقطني، وشدد بعضهم الراء على وزن عمار، له ذكر في " صحيح مسلم " بكنيته فقط، في تفسير حديث: ((أخنع اسم عند الله، رجل يسمى ملك الأملاك)) ، توفي سنة عشر ومائتين.
والثاني: بفتح السين المهملة، والباقي سواء، وهو أبو عمرو السيباني - تابعي مخضرم أيضا - من أهل الشام، اسمه زرعة، وهو عم الأوزاعي، ووالد يحيى بن أبي عمرو، له عند البخاري في كتاب " الأدب "، حديث واحد موقوف على عقبة ابن عامر.
ومثال الخامس: حنان الأسدي، وحيان الأسدي.
(2/277)
فالأول: بفتح الحاء المهملة، والنون المخففة، وآخره نون أيضا، وهو حنان الأسدي، من بني أسد بن شريك - بضم الشين - البصري. روى عن أبي عثمان النهدي حديثا مرسلا، روى عنه حجاج الصواف، ويعرف بصاحب الرقيق، وهو عم مسرهد، والد مسدد.
والثاني: حيان - بتشديد الياء المثناة من تحت، والباقي سواء -، وهو حيان بن حصين الأسدي الكوفي، يكنى أبا الهياج -تابعي- له في " صحيح مسلم " حديث عن علي في " الجنائز ".
وحيان الأسدي شامي تابعي أيضا، له في " صحيح ابن حبان " حديث عن واثلة ابن الأسقع، ويعرف بحيان بن أبي النضر.
ومثال السادس: أبو الرجال الأنصاري، وأبو الرحال الأنصاري.
فالأول: بكسر الراء، وتخفيف الجيم، اسمه محمد بن عبد الرحمن مدني، روى عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، وغيرها، حديثه في الصحيحين.
والثاني: بفتح الراء، وتشديد الحاء المهملة، بصري، اسمه محمد بن خالد، وقيل: خالد بن محمد، له عند الترمذي حديث واحد، عن أنس، وهو ضعيف.
(2/278)
ومما يشبه هذه الأقسام: ابن عفير المصري، وابن غفير المصري، وكلاهما مصغر.
فالأول: بالعين المهملة، سعيد بن كثير بن عفير، أبو عثمان المصري، وقد ينسب إلى جده، روى عنه البخاري، وروى مسلم عن واحد عنه.
والثاني: بالغين المعجمة، اسمه الحسن بن غفير المصري، قال الدارقطني:
((متروك)) ، وله أقسام أخر، لا حاجة بنا إلى التطويل بها.
وقد أدخل فيه الخطيب، وابن الصلاح ما لا يأتلف خطه، كـ: ثور بن يزيد، وثور بن زيد، وعمرو بن زرارة، وعمر بن زرارة. فلم أذكره؛ لعدم الاشتباه في الغالب.
المشتبه المقلوب
940.... ولهم المشتبه المقلوب ... صنف فيه الحافظ الخطيب
... كابن يزيد الاسود الرباني ... وكابن الاسود يزيد اثنان
هذا النوع مما يقع فيه الاشتباه في الذهن، لا في صورة الخط؛ وذلك أن يكون اسم أحد الراويين كاسم أبي الآخر خطا ولفظا، واسم الآخر كاسم أبي الأول فينقلب على بعض أهل الحديث، كما انقلب على البخاري ترجمة مسلم ابن الوليد المدني فجعله الوليد بن مسلم، كالوليد بن مسلم الدمشقي المشهور، وخطأه في ذلك ابن أبي حاتم في
(2/279)
كتاب له في خطأ البخاري في " تاريخه " حكاية عن أبيه، وهذه الترجمة ليست في بعض نسخ التاريخ. وقد صنف الخطيب في ذلك كتابا سماه: " رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب ". ومثاله: الأسود بن يزيد، ويزيد بن الأسود.
فالأول: هو النخعي المشهور خال إبراهيم النخعي من كبار التابعين وعلمائهم، حديثه في الكتب الستة، والرباني: هو العالم العامل المعلم، قاله ثعلب. وقال الجوهري: المتأله والعارف بالله تعالى. وقد كان الأسود يصلي كل يوم سبعمائة ركعة، وسافر ثمانين حجة وعمرة من الكوفة، لم يجمع بينهما.
والثاني: يزيد بن الأسود الخزاعي، له صحبة، وله في السنن حديث
واحد، قال ابن حبان: ((عداده في أهل مكة)) ، وقال المزي: ((في الكوفيين)) ، ويزيد بن الأسود الجرشي - تابعي مخضرم - يكنى أبا الأسود سكن الشام، واستسقوا به فسقوا للوقت حتى كادوا لا يبلغون منازلهم. وقولي: (اثنان) ، إشارة إلى أن يزيد بن الأسود اثنان.
(2/280)
من نسب إلى غير أبيه
942.... ونسبوا إلى سوى الآباء ... إما لأم كبني عفراء
... وجدة نحو ابن منية، وجد ... كابن جريح وجماعة وقد
944.... ينسب كالمقداد بالتبني ... فليس للأسود أصلا بابن
المنسوبون إلى غير آبائهم على أقسام
القسم الأول من نسب إلى أمه كبني عفراء، وهم معاذ، ومعوذ، وعوذ، وقيل عوف بالفاء، وعفراء أمهم، وهي عفراء بنت عبيد بن ثعلبة من بني النجار، واسم أبيهم الحارث بن رفاعة بن الحارث من بني النجار أيضا، وشهد بنو عفراء بدرا، فقتل منهم اثنان بها عوف ومعوذ، وبقي معاذ إلى زمن عثمان،
وقيل إلى زمن علي، فتوفي بصفين، وقيل إنه جرح أيضا ببدر، ورجع إلى المدينة فمات بها
ومن أمثلة ذلك من الصحابة بلال بن حمامة، وسهل، وسهيل ابنا بيضاء، وشرحبيل بن حسنة، وعبد الله بن بحينة، وسعد بن حبتة
ومن التابعين فمن بعدهم محمد بن الحنفية، وإسماعيل بن علية، وإبراهيم بن هراسة
(2/281)
وقد صنف فيمن عرف بأمه الحافظ علاء الدين مغلطاي تصنيفا حسنا، هو عندي بخطه في ثلاث وستين ورقة
والقسم الثاني من نسب إلى جدة دنيا كانت أو عليا، كيعلى بن منية الصحابي المشهور، اسم أبيه أمية بن أبي عبيدة، ومنية أم أبيه في قول الزبير بن بكار، وكذا قال ابن ماكولا إنها جدته أم أبيه الأدنى، وقال الطبري إنها أم يعلى نفسه، ورجحه المزي، وقال ابن عبد البر لم يصب الزبير وأما قول ابن وضاح أن منية أبوه، فوهم، حكاه صاحب المشارق، والمعروف الصواب أن منية اسم امرأة، واختلف في نسبها، فقيل منية بنت الحارث بن جابر، قاله ابن ماكولا، وقيل منية بنت جابر عمة عتبة بن غزوان، قاله الطبري وقيل منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان، حكاه الدارقطني عن أصحاب الحديث وأصحاب التاريخ، ورجحه المزي
(2/282)
ومثال من نسب إلى جدته العليا بشير بن الخصاصية، الصحابي المشهور، واسم أبيه معبد، وقيل نذير، وقيل زيد، وقيل شراحيل والخصاصية أم الثالث من أجداده، قاله ابن الصلاح، ويقال هي أمه، حكاه ابن الجوزي في التلقيح، وقال الرامهرمزي الخصاصية اسمها كبشة، وقيل ماوية بنت عمرو بن الحارث الغطريف
ومن ذلك في المتأخرين أبو أحمد عبد الوهاب بن سكينة، فسكينة أم أبيه، واسم أبيه علي بن علي
ومن ذلك فيما قيل الشيخ مجد الدين بن تيمية صاحب المنتقى، وبقية أهل بيته، فقيل إن جدته من وادي التيم
والقسم الثالث من نسب إلى جده، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، وكذلك قول الأعرابي في الحديث الصحيح أيكم ابن عبد المطلب
ومثاله في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح، وهو عامر بن عبد الله بن الجراح وحمل بن النابغة، هو ابن مالك بن النابغة ومجمع بن جارية، هو ابن يزيد بن جارية، وقيل هما اثنان وأحمد بن جزء، هو ابن سواء بن جزء
(2/283)
وفي الأئمة ابن جريج، هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ومثله ابن الماجشون، وابن أبي ذئب، وابن أبي ليلى، وابن أبي مليكة، وأحمد بن حنبل وأبو بكر ابن أبي شيبة، وأخواه عثمان والقاسم، وابن يونس صاحب تاريخ مصر، وابن مسكين من بيوت المصريين، اشتهروا ببني مسكين من زمن النسائي إلى زماننا هذا، وجدهم الحارث بن مسكين أحد شيوخ النسائي
والقسم الرابع من نسب إلى رجل لكونه تبناه، كالمقداد بن الأسود، فليس هو بابن الأسود، وإنما كان في حجر الأسود بن عبد يغوث، وتبناه فنسب إليه، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة الكندي وكالحسن بن دينار أحد الضعفاء - فدينار زوج أمه، واسم أبيه واصل، قاله يحيى بن معين، والفلاس، والجوزجاني، وابن حبان، وغيرهم، قال ابن الصلاح وكأن هذا خفي على ابن أبي حاتم، حيث قال فيه الحسن بن دينار بن واصل، فجعل واصلا جده قلت وقد جعل بعضهم دينارا جده، رواه أبو العرب في كتاب الضعفاء، عن يحيى بن محمد بن يحيى بن سلام، عن أبيه، عن الحسن جده، قال الحسن بن واصل بن دينار، ودينار جده
(2/284)
المنسوبون إلى خلاف الظاهر
... ونسبوا لعارض كالبدري ... نزل بدرا عقبة ابن عمرو
946.... كذلك التيمي سليمان نزل ... تيما وخالد بحذاء جعل
... جلوسه ومقسم لما لزم ... مجلس عبد الله مولاه وسم
قد ينسب الراوي إلى نسبة من مكان، أو وقعة، أو قبيلة، أو صنعة، وليس الظاهر الذي يسبق إلى الفهم من تلك النسبة مرادا، بل لعارض عرض من نزوله ذلك المكان، أو تلك القبيلة، أو نحو ذلك.
ومثاله: أبو مسعود البدري، واسمه: عقبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لم يشهد بدرا في قول أكثر أهل العلم، وهو قول ابن شهاب، ومحمد بن إسحاق، والواقدي، ويحيى بن معين، وإبراهيم الحربي، وبه جزم السمعاني، وأما البخاري، فعده في الصحيح ممن شهد بدرا، وروى في صحيحه حديث عروة بن الزبير: أخر المغيرة ابن شعبة العصر، وهو أمير الكوفة، فدخل عليه أبو مسعود، عقبة بن عمرو الأنصاري - جد زيد بن حسن -، شهد
(2/285)
بدرا ... الحديث، وقال شعبة عن الحكم: كان أبو مسعود بدريا. وقال محمد بن سعد: شهد أحدا وما بعدها، ولم يشهد بدرا، قال: وليس بين أصحابنا في ذلك اختلاف. وقال ابن عبد البر: ((لا يصح شهوده بدرا)) . انتهى. وذكر إبراهيم الحربي أنه إنما نسب لذلك؛ لأنه كان ساكنا ببدر، وقد شهد العقبة مع السبعين، وكان أصغر من شهدها.
ومن ذلك: سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر، قال البخاري في التاريخ: يعرف بالتيمي؛ كان ينزل بني تيم، وهو مولى بني مرة، وروى السمعاني أن ابنه - المعتمر - قال له: يا أبت تكتب التيمي ولست بتيمي؟ قال: تيم الدار، وروى الأصمعي، عن ابنه المعتمر، قال: قال أبي: إذا كتبت فلا تكتب التيمي، ولا تكتب المري، فإن أبي كان مكاتبا لبحير بن حمران، وإن أمي كانت مولاة لبني سليم، فإن كان أدى الكتابة فالولاء لبني مرة، وهو مرة بن عباد بن ضبيعة بن قيس، فاكتب القيسي وإن لم يكن أدى الكتابة، فالولاء لبني سليم، وهم من قيس عيلان، فاكتب القيسي.
ومن ذلك: أبو عمرو الأوزاعي، وفيروز الحميري، وإبراهيم بن يزيد الخوزي، وأبو خالد الدالاني، وعبد الملك بن سليمان العرزمي، ومحمد بن سنان العوقي -بالقاف وفتح الواو - وأبو سعيد المقبري، وإسماعيل بن محمد المكي، نزل كل منهم فيما نسب إليه.
ومن ذلك أحمد بن يوسف السلمي -شيخ مسلم- كانت أمه منهم، وحفيده أبو عمرو بن نجيد، وأبو عبد الرحمن السلمي سبط ابن نجيد المذكور.
(2/286)
وقريب من ذلك: خالد الحذاء، وهو خالد بن مهران. واختلف في سبب انتسابه لذلك فقال يزيد بن هارون فيما حكاه البخاري في" التاريخ ": ما حذا نعلا قط، إنما كان يجلس إلى حذاء فنسب إليه، وكذا قال محمد بن سعد: ((لم يكن بحذاء، ولكن كان يجلس إليهم)) ، قال: وقال فهد بن حيان: لم يحذ خالد قط، وإنما كان يقول: احذ على هذا النحو؛ فلقب: الحذاء.
وقريب منه أيضا: مقسم مولى ابن عباس، هو مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، قاله البخاري وغيره، وقيل له: مولى ابن عباس؛ للزومه له.
ومن ذلك: يزيد الفقير، كان يشكو فقار ظهره.
المبهمات
948.... ومبهم الرواة ما لم يسمى ... كامرأة في الحيض وهي أسما
... ومن رقى سيد ذاك الحي ... راق أبي سعيد الخدري
950.... ومنه نحو ابن فلان، عمه ... عمته، زوجته، ابن أمه
(2/287)
من أنواع علوم الحديث معرفة من أبهم ذكره في الحديث، أو في الإسناد من الرجال والنساء، وقد صنف في ذلك جماعة من الحفاظ منهم عبد الغني ابن سعيد، والخطيب، وأبو القاسم بن بشكوال، وهو أكبر كتاب جمع فيه ثلاثمائة حديث، وواحدا وعشرين حديثا، ولكنه على غير ترتيب، ورتب الخطيب كتابه على الحروف في الشخص المبهم، وجملة ما في كتاب الخطيب مائة وواحد وسبعون حديثا، واختصره النووي ورتبه على الحروف في راوي الحديث وهو أسهل للكشف، وزاد فيه بعض أسماء ويستدل على معرفة الشخص المبهم بوروده مسمى في بعض طرق الحديث، وهو واضح، أو بتنصيص أهل السير على كثير منهم، وربما استدلوا بورود حديث آخر أسند فيه لمعين ما أسند لذلك الراوي المبهم في ذلك الحديث، وفيه نظر، من حيث إنه يجوز وقوع تلك الواقعة لشخصين اثنين
ومن أمثلة ذلك حديث عائشة أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسلها من المحيض، قال خذي فرصة من مسك، فتطهري بها ... الحديث، متفق عليه من رواية منصور بن صفية، عن أمه، عن عائشة وهذه المرأة المبهمة في رواية منصور، اسمها أسماء، والحجة في ذلك ما رواه مسلم في أفراده من رواية إبراهيم بن المهاجر، قال سمعت صفية، تحدث عن عائشة أن أسماء سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن غسل الحيض، فذكر الحديث
(2/288)
وقد اختلف من صنف في المبهمات في تعيين أسماء هذه، فقال الخطيب بنت يزيد بن السكن الأنصارية، وقال ابن بشكوال هي أسماء بنت شكل، وهذا هو الصواب، فقد ثبت ذلك في بعض طرق الحديث في صحيح مسلم، وقال النووي في مختصر المبهمات يجوز أن تكون القصة جرت للمرأتين في مجلس أو مجلسين
ومن ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن ناسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا في سفر فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فلم يضيفوهم، فقالوا لهم هل فيكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ أو مصاب، فقال رجل منهم نعم، فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب، فبرئ الرجل ... الحديث أخرجه الأئمة الستة، وهذا لفظ مسلم، وقد روى البخاري القصة من حديث ابن عباس، قال الخطيب الراقي هو أبو سعيد الخدري، راوي الحديث، وكذا قال ابن الصلاح تبعا له، وفيه نظر من حيث إن في بعض طرقه عند مسلم من حديث أبي سعيد فقام معه رجل منا، ما كنا نظنه يحسن رقية ... الحديث
(2/289)
وفيه فقلنا أكنت تحسن رقية؟ قال ما رقيته إلا بفاتحة الكتاب وفي رواية له ما كنا نأبنه برقية وهذا ظاهر في أنه غيره إلا أن يقال لعل ذلك وقع مرتين، مرة لغيره، ومرة له، والله أعلم
ومن أمثلة المبهم ابن فلان غير مسمى، مثاله ما رواه أصحاب السنن الأربعةمن حديث يزيد بن شيبان، قال أتانا ابن مربع الأنصاري، ونحن بعرفة، فقال إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم، يقول لكم قفوا على مشاعركم ... الحديث وابن مربع هذا بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وآخره عين مهملة، واختلف في اسمه، فقيل يزيد، وقيل زيد، وقيل عبد الله، قاله الواقدي، ومحمد بن سعد
(2/290)
ومن ذلك عم فلان، مثاله ما رواه النسائي من رواية علي بن يحيى بن
خلاد، عن أبيه، عن عم له بدري، في حديث المسيء صلاته، وقوله ارجع فصل، فإنك لم تصل ... نحو حديث أبي هريرة العم المبهم في الحديث هو رفاعة بن رافع الزرقي، كما سمي في سنن أبي داود وغيرها
وفي الصحيح حديث رافع بن خديج، عن بعض عمومته في النهي عن المخابرة، واسم عمه ظهير بن رافع
وفي الجامع للترمذي من رواية زياد بن علاقة، عن عمه مرفوعا اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق ... الحديث، عمه هو قطبة بن مالك، كما في صحيح مسلم في حديث آخر
ومن ذلك عمة فلان، مثاله ما رواه النسائي أيضا من رواية حصين ابن محصن، عن عمة له أنها أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - لحاجة، فلما فرغت، قال أذات زوج أنت؟ قالت نعم ... الحديث، واسم عمته هذه أسماء، قاله أبو علي ابن السكن، وابن ماكولا وكذلك ذكره ابن بشكوال أيضا في المبهمات
(2/291)
وفي الصحيح من حديث جابر في قتل أبيه يوم أحد، فجعلت عمتي تبكيه ... الحديث اسم عمته فاطمة بنت عمرو بن حرام، وقعت مسماة في مسند أبي داود الطيالسي، وسماها الواقدي هندا
ومن ذلك زوجة فلان، كحديث عقبة بن الحارث، قال تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت إني قد أرضعتكما ... الحديث، ووقع في البخاري تكنيتها بأم يحيى بنت أبي إهاب، ولم تسم فيه، قال ابن بشكوال، واسمها غنية بنت أبي إهاب بن عزيز بن قيس قلت ووقع في بعض طرق الحديث من رواية إسماعيل بن أمية، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث، قال تزوجت زينب بنت أبي إهاب، فالله أعلم
وفي الصحيح جاءت امرأة رفاعة القرظي ... الحديث في تزوجها بـ عبد الرحمن بن الزبير - بفتح الزاي - مكبرا، واختلف في اسمها، فقيل تميمة بنت وهب، وقيل تميمة - بضم التاء - وقيل سهيمة
(2/292)
ومن ذلك أيضا زوج فلانة، كحديث سبيعة الأسلمية، أنها ولدت بعد وفاة زوجها بليال ... الحديث، وهو في الصحيح، وزوجها هو سعد بن خولة
ومن ذلك ابن أم فلان، نحو حديث أم هانئ أنها قالت زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا أجرته ... الحديث ابن أمها هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كما هو مسمى في رواية مالك في الموطأ، وكذلك ابن أم مكتوم الأعمى، مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، يرد في الصحيح غير مسمى، واختلف في اسمه، فقيل عبد الله، وقيل عمرو، وقيل غير ذلك
تواريخ الرواة والوفيات
... ووضعوا التاريخ لما كذبا ... ذووه حتى بان لما حسبا
952.... فاستكمل النبي والصديق ... كذا علي وكذا الفاروق
(2/293)
.. ثلاثة الأعوام والستينا ... وفي ربيع قد قضى يقينا
954.... سنة إحدى عشرة، وقبضا ... عام ثلاث عشرة التالي الرضا
... ولثلاث بعد عشرين عمر ... وخمسة بعد ثلاثين غدر
956.... عاد بعثمان، كذاك بعلي ... في الأربعين ذو الشقاء الأزلي
الحكمة في وضع أهل الحديث التاريخ لوفاة الرواة ومواليدهم وتواريخ السماع وتاريخ قدوم فلان مثلا البلد الفلاني؛ ليختبروا بذلك من لم يعلموا صحة دعواه، كما روينا عن سفيان الثوري، قال لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ أو كما قال وروينا في تاريخ بغداد للخطيب، عن حسان بن يزيد، قال لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ نقول للشيخ سنة كم ولدت؟ فإذا أقر بمولده عرفنا صدقه من كذبه وقال حفص بن غياث القاضي إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين - بفتح النون المشددة تثنية سن وهو العمر - يريد احسبوا سنه وسن من كتب عنه، وسأل إسماعيل بن عياش رجلا اختبارا أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ فقال سنة ثلاث عشرة - يعني ومائة - فقال أنت تزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين، قال إسماعيل مات خالد سنة ست ومائة وقد روى يحيى بن صالح عن إسماعيل أنه توفي سنة خمس وقد وقع لعفير بن معدان نظير هذا مع من ادعى أنه سمع من
(2/294)
خالد؛ ولكن عفيرا قال إنه توفي سنة أربع ومائة وهو قول دحيم، ومعاوية بن صالح، وسليمان الخبائري، ويزيد بن عبد ربه، وقال إنه قرأه في ديوان العطاء كذلك، ورجحه ابن حبان، وبه جزم الذهبي في العبر وأما ابن سعد فحكى الإجماع على أنه توفي سنة ثلاث ومائة، وهو قول الهيثم بن عدي، والمدائني، ويحيى بن معين، والفلاس، ويعقوب بن شيبة في آخرين وأما أبو عبيد، وخليفة بن خياط، فقالا إنه بقي إلى سنة ثمان ومائة، ورجحه ابن قانع، فالله أعلم
وقد سأل أبو عبد الله الحاكم محمد بن حاتم الكشي عن مولده، لما حدث عن عبد بن حميد، فقال سنة ستين ومائتين، فقال سمع هذا من عبد بعد موته بثلاث عشرة سنة وقال أبو عبد الله الحميدي إنه مما يجب تقديم التهمم به وفيات الشيوخ، قال وليس فيه كتاب كأنه يريد الاستقصاء، وإلا ففيه كتب، كالوفيات لابن زبر، والوفيات لابن قانع، وقد اتصلت الذيول على ابن زبر إلى زماننا هذا، فذيل عليه الحافظ أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني، وذيل على الكتاني أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني ذيلا صغيرا نحو عشرين سنة، وذيل على
(2/295)
الأكفاني الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل، وذيل على ابن المفضل الحافظ أبو محمد عبد العظيم ابن عبد القوي المنذري بذيل كبير مفيد، وذيل على المنذري الشريف عز الدين أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني، وذيل على الشريف المحدث شهاب الدين أحمد بن أيبك الدمياطي إلى الطاعون، سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وذيلت على ابن أيبك والذيول المتأخرة أبسط من الأصل، وأكثر فوائد
والضمير في قولي ذووه يعود على الكذب؛ لتقدم الفعل الدال عليه
وقد ذكر ابن الصلاح عيونا من ذلك هنا، فاقتصر على وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والعشرة المشهود لهم بالجنة، ومن عاش من الصحابة ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام والأئمة الفقهاء الخمسة، والأئمة الحفاظ الخمسة وسبعة بعدهم من الحفاظ، انتفع بتصانيفهم، فاقتصرت على ذلك تبعا له
وقد اختلف في مقدار سن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه - أبي بكر وعمر - وابن عمه علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -
فالصحيح في سنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ثلاث وستون سنة، وهو قول عائشة، ومعاوية، وجرير بن عبد الله البجلي، وابن عباس، وأنس في المشهور عنهما وإن كان قد صح عن أنس أنه توفي على رأس ستين أيضا، فالعرب قد تترك الكسور، وتقتصر
(2/296)
على رؤوس الأعداد، وبه قال من التابعين ومن بعدهم ابن المسيب، والقاسم، والشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، ومحمد بن إسحاق، وصححه ابن عبد البر، والجمهور وقيل ستون سنة، ثبت ذلك عن أنس، وروي عن فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قول عروة بن الزبير، ومالك، وقيل خمس وستون، روي ذلك عن ابن عباس، وأنس أيضا ودغفل بن حنظلة، وقيل اثنان وستون، رواه ابن أبي خيثمة، عن قتادة
(2/297)
وأما أبو بكر، فالأصح فيه أيضا أنه عاش ثلاثا وستين، صح ذلك عن معاوية، وأنس، وهو قول الأكثرين، وبه جزم ابن قانع، والمزي، والذهبي، وقيل عاش خمسا وستين، حكاه ابن الجوزي، وقال ابن حبان في كتاب الخلفاء كان له يوم مات اثنان وستون سنة وثلاثة أشهر، واثنان وعشرون يوما
وأما عمر، فالأصح فيه أيضا أنه عاش ثلاثا وستين، صح ذلك أيضا عن معاوية، وأنس، وبه جزم ابن إسحاق، وهو قول الجمهور، ويدل عليه قولهم: ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وفي مبلغ سنه ثمانية أقوال أخر:
قيل ست وستون، وهو قول ابن عباس وقيل خمس وستون، وهو قول ابنه عبد الله بن عمر، والزهري، فيما حكاه ابن الجوزي عنهما وقيل إحدى وستون، وهو قول قتادة وقيل ستون، وبه جزم ابن قانع في الوفيات وقيل تسع وخمسون وقيل سبع وخمسون وقيل ست وخمسون وهذه الأقوال الثلاثة رويت عن نافع مولى ابن عمر وقيل خمس وخمسون، رواه البخاري في التاريخ عن ابن عمر، وبه جزم ابن حبان في كتاب الخلفاء
(2/298)
وأما علي، فقال أبو نعيم الفضل بن دكين، وغير واحد إنه قتل وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكذلك قال عبد الله بن عمر، وصححه ابن عبد البر، وهو أحد الأقوال المروية عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وبه صدر ابن الصلاح كلامه وقيل أربع وستون وقيل خمس وستون وروي هذان القولان عن أبي جعفر محمد بن علي أيضا، واقتصر ابن الصلاح من الخلاف على هذه الأقوال الثلاثة وقيل اثنان وستون، وبه جزم ابن حبان في كتاب الخلفاء وقيل ثمان وخمسون، وهو المذكور في تاريخ البخاري، عن محمد بن علي وقيل سبع وخمسون، وبه صدر ابن قانع كلامه، وقدمه ابن الجوزي والمزي عند حكاية الخلاف
وأما تاريخ وفياتهم فتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة، ولا خلاف بين أهل السير في الشهر، وكذلك لا خلاف في أن ذلك كان يوم الاثنين، وممن صرح به من الصحابة عائشة، وابن عباس، وأنس، ومن التابعين أبو سلمة بن عبد الرحمن، والزهري، وجعفر بن محمد وآخرون، وإنما اختلفوا أي يوم كان من الشهر؟ فجزم ابن إسحاق، ومحمد ابن سعد، وسعيد بن عفير، وابن
حبان، وابن عبد البر، بأنه يوم الاثنين، لا ثنتي عشرة ليلة خلت منه، وبه
(2/299)
جزم ابن الصلاح أيضا، والنووي في شرح مسلم، وغيره، والذهبي في العبر، وصححه ابن الجوزي، وبه صدر المزي كلامه، واستشكله السهيلي، كما سيأتي
وقال موسى بن عقبة إنه كان مستهل الشهر، وبه جزم ابن زبر في الوفيات ورواه أبو الشيخ ابن حيان في تاريخه، عن الليث بن سعد وقال سليمان التيمي لليلتين خلتا منه، ورواه أبو معشر عن محمد بن قيس أيضا
والقول الأول وإن كان قول الجمهور،، فقد استشكله السهيلي من حيث التاريخ؛ وذلك لأن الوقفة كانت في حجة الوداع يوم الجمعة بالاتفاق، لحديث عمر - المتفق عليه -، وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يكون ثاني عشر شهر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة يوم الاثنين، لا على تقدير كمال الشهور الثلاثة، ولا على تقدير نقصانها، ولا على تقدير كمال بعضها ونقص بعضها؛ لأن ذا الحجة أوله الخميس، فإن نقص هو والمحرم وصفر، كان ثاني عشر شهر ربيع الأول يوم الخميس، وإن كمل الثلاثة كان ثاني عشره يوم الأحد، وإن نقص بعضها وكمل البعض، كان ثاني عشره إما الجمعة، أو السبت، وهذا التفصيل لا محيص عنه، وقد رأيت بعض أهل العلم يجيب عن هذا الإشكال بأنه تفرض الشهور الثلاثة كوامل، ويكون قولهم لاثنتي
(2/300)
عشرة ليلة خلت منه، أي بأيامها كاملة، فتكون وفاته بعد استكمال ذلك، والدخول في الثالث عشر، وفيه نظر من حيث إن الذي يظهر من كلام أهل السير نقصان الثلاثة، أو اثنين منها، بدليل ما رواه البيهقي في دلائل النبوة بإسناد صحيح إلى سليمان التيمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وكان أول يوم مرض فيه يوم السبت، وكانت وفاته اليوم العاشر يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، فهذا يدل على أن أول صفر يوم السبت، فلزم نقصان ذي الحجة والمحرم، وقوله فكانت وفاته اليوم العاشر، أي من مرضه، يدل على نقص صفر أيضا، ويدل على ذلك أيضا ما رواه الواقدي عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال اشتكى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر إلى أن قال اشتكى ثلاثة عشر يوما، وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول فهذا يدل على نقصان الشهور أيضا؛ إلا أنه جعل مدة مرضه أكثر مما في حديث التيمي، ويجمع بينهما بأن المراد بهذا ابتداؤه، وبالأول اشتداده، والواقدي وإن ضعف في الحديث، فهو من أئمة أهل السير، وأبو معشر نجيح مختلف فيه، ويرجح ذلك وروده عن بعض الصحابة؛ وذلك فيما رواه الخطيب في الرواة عن مالك من رواية سعيد بن مسلم بن قتيبة الباهلي، حدثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرض ثمانية، فتوفي لليلتين خلتا من ربيع الأول ... الحديث، فاتضح أن قول سليمان التيمي ومن وافقه راجح، من حيث التاريخ، وكذلك قول ابن شهاب مستهل شهر ربيع الأول، فيكون أحد الشهور الثلاثة ناقصا، والله أعلم
وكذلك من المشكل قول ابن حبان، وابن عبد البر ثم بدأ به مرضه الذي مات منه يوم الأربعاء، لليلتين بقيتا من صفر إلى آخر كلامهما، فهذا مما لا يمكن؛ لأنه
(2/301)
يقتضي أن أول صفر الخميس، وهو غير ممكن، وقول من قال لإحدى عشرة ليلة بقيت منه أولى بالصواب، وهو يقتضي وفاته ثاني شهر ربيع الأول، وأما وقت وفاته من اليوم، فقال ابن الصلاح ضحى، قلت وفي صحيح مسلم من حديث أنس وآخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث وفيه فألقى السجف، وتوفي من آخر ذلك اليوم
وهذا يدل على أنه تأخر بعد الضحى، والجمع بينهما أن المراد أول النصف الثاني، فهو آخر وقت الضحى، وهو من آخر النهار باعتبار أنه من النصف الثاني، ويدل عليه ما رواه ابن عبد البر بإسناده إلى عائشة، قالت مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنا لله وإنا إليه راجعون - ارتفاع الضحى، وانتصاف النهار يوم الاثنين وذكر موسى بن عقبة في مغازيه، عن ابن شهاب توفي يوم الاثنين حين زاغت الشمس، فبهذا يجمع بين مختلف الحديث في الظاهر، والله أعلم
وتوفي أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - سنة ثلاث عشرة، واختلف في أي شهورها توفي، فجزم ابن الصلاح بأنه في جمادى الأولى، وهو قول الواقدي، وعمرو بن علي الفلاس، وكذا جزم به المزي في التهذيب، فقيل يوم الاثنين، وقيل ليلة الثلاثاء لثمان، وقيل لثلاث بقين منه، وجزم ابن إسحاق، وابن زبر، وابن قانع، وابن حبان، وابن عبد البر، وابن الجوزي، والذهبي في العبر بأنه في
(2/302)
جمادى الآخرة، فقال ابن حبان ليلة الاثنين لسبع عشرة مضت منه، وقال ابن إسحاق يوم الجمعة لسبع ليال بقين منه، وقال الباقون لثمان بقين منه، وحكاه ابن عبد البر عن أكثر أهل السير، إما عشية يوم الاثنين، أو ليلة الثلاثاء، أقوال حكاها ابن عبد البر زاد ابن الجوزي بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء
وتوفي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في آخر يوم من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين، وقول المزي، والذهبي قتل لأربع، أو ثلاث بقين من ذي الحجة، فإن أرادا بذلك لما طعنه أبو لؤلؤة، فإنه طعنه يوم الأربعاء عند صلاة الصبح لأربع، وقيل لثلاث بقين منه، وعاش ثلاثة أيام بعد ذلك، واتفقوا على أنه دفن مستهل المحرم سنة أربع وعشرين، وقال الفلاس إنه مات يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين
وتوفي عثمان بن عفان مقتولا شهيدا سنة خمس وثلاثين في ذي الحجة أيضا، قيل يوم الجمعة، الثامن عشر منه، وهذا هو المشهور، وادعى ابن ناصر الإجماع على ذلك، وليس بجيد، فقد قيل إنه قتل يوم التروية لثمان خلت منه، قاله الواقدي، وادعى الإجماع عليه عندهم، وقيل لليلتين بقيتا منه، وقال أبو عثمان النهدي، قيل في وسط أيام التشريق، وقيل لثنتي عشرة خلت منه، قاله الليث بن سعد، وقيل لثلاث عشرة خلت منه، وبه صدر ابن الجوزي كلامه، وقيل في أول سنة ست وثلاثين، والأول أشهر
(2/303)
وأما ما وقع في تاريخ البخاري من أنه مات سنة أربع وثلاثين، فقال ابن ناصر هو خطأ من راويه
وأما قاتله الذي أشرت إليه بقولي عاد، فاختلف فيه، فقيل هو جبلة ابن الأيهم، وقيل سودان بن حمران، وقيل رومان اليماني، وقيل رومان رجل من بني أسد بن خزيمة، وقيل غير ذلك، واختلف في مبلغ سنه، فقيل ثمانون، قاله ابن إسحاق، وقيل ست وثمانون، قاله قتادة، ومعاذ بن هشام، عن أبيه، وقيل اثنتان وثمانون، قاله أبو اليقظان، وادعى الواقدي اتفاق أهل السير عليه، وقيل ثمان وثمانون سنة، وقيل تسعون
وتوفي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مقتولا شهيدا في شهر رمضان سنة أربعين، واختلف في أي أيام الشهر، أو لياليه قتل؟ فقال أبو الطفيل، والشعبي، وزيد بن وهب ضرب لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان وقبض في أول ليلة من العشر الأواخر وقال ابن إسحاق يوم الجمعة لسبع عشرة خلت منه، وقال ابن حبان ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت منه، فمات غداة يوم الجمعة، وبه جزم الذهبي في العبر، وقيل ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت منه، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، وقيل لإحدى عشرة خلت منه، حكاه ابن عبد البر أيضا، وقيل لإحدى عشرة بقيت منه، قاله الفلاس، وقال ابن الجوزي ضرب يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت منه، وقيل ليلة إحدى وعشرين، فبقي الجمعة والسبت، ومات ليلة الأحد، قاله ابن أبي شيبة، وقيل
(2/304)
مات يوم الأحد، وأما قول ابن زبر قتل ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت منه سنة تسع وثلاثين، فوهم، لم أر من تابعه عليه، وكان الذي قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي أشقى الأخرين، كما في حديث صهيب وذكر النسائي من حديث عمار بن ياسر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعلي أشقى الناس الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذا، ووضع يده على رأسه، حتى تخضب هذه، يعني لحيته، وأشرت إلى ذلك بقولي ذو الشقاء الأزلي
957.... وطلحة مع الزبير جمعا ... سنة ست وثلاثين معا
أي: توفي طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام في سنة واحدة، وهي سنة ست وثلاثين وفي شهر واحد، وقيل: في يوم واحد، قتل كلاهما في وقعة الجمل، فكان طلحة أول قتيل قتل في الوقعة، وكانت وقعة الجمل لعشر خلون من جمادى الآخرة، هكذا جزم به الواقدي، وابن سعد، وخليفة بن خياط، وابن زبر، وابن عبد البر، وابن الجوزي، وآخرون.
(2/305)
قال خليفة: يوم الجمعة، وقال ابن سعد، وابن زبر، وابن الجوزي، والجمهور: يوم الخميس. وقال الليث بن سعد: إن وقعة الجمل كانت في جمادى الأولى، وكذا قال ابن حبان: إن يوم الجمل لعشر ليال خلون من جمادى الأولى، والأول هو المشهور المعروف في تاريخ الجمل، إنه في جمادى الآخرة. وتناقض فيه كلام ابن عبد البر، فقال ما تقدم نقله عنه في ترجمة طلحة، وقال في ترجمة الزبير: في جمادى الأولى، ووهم في ذلك، وتبعه ابن الصلاح في هذا فقال: إن وفاتهما في جمادى الأولى، واختلف كلام المزي أيضا في " التهذيب " كابن عبد البر، فقال في طلحة: جمادى الآخرة، وقال في الزبير: جمادى الأولى، وسبب ذلك كلام ابن عبد البر، وكذلك قول أبي نعيم في طلحة: قتل في رجب، وقول سليمان بن حرب: قتل في ربيع، أو نحوه، قولان مرجوحان.
والذي رمى طلحة هو مروان بن الحكم على الصحيح، وأما الزبير فقتله عمرو بن جرموز، فقيل: قتله يوم الجمل، قاله الواقدي، وابن عبد البر، وابن الجوزي، والمزي، وقال البخاري في "التاريخ الكبير": قتل في رجب، وكذا قال ابن حبان في أول كلامه، ثم قال: إنه قتل من آخر يوم صبيحة الجمل، وهذا يقتضي أنه في الحادي عشر من جمادى الآخرة، فالله أعلم.
(2/306)
وأما مبلغ سنهما، فقال ابن حبان، والحاكم: إنهما كانا ابني أربع وستين سنة، وهو قول الواقدي في طلحة، وقيل فيهما غير ذلك، فقيل: كان لطلحة ثلاث وستون، قاله أبو نعيم، وقيل: اثنتان وستون، قاله عيسى بن طلحة، وهو قول الواقدي، وقيل: ستون، قاله المدائني، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، وقيل: خمس وسبعون، حكاه ابن عبد البر، وقال: ما أظن ذلك، وقيل: كانت للزبير سبع وستون، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، وقيل: ست وستون، وقيل: ستون، وقيل تسع وخمسون، وقيل: خمس وسبعون.
958.... وعام خمسة وخمسين قضى ... سعد، وقبله سعيد فمضى
... سنة إحدى بعد خمسين وفي ... عام اثنتين وثلاثين تفي
960.... قضى ابن عوف، والأمين سبقه ... عام ثماني عشرة محققه
أي توفي سعد بن أبي وقاص سنة خمس وخمسين، قاله الواقدي، والهيثم ابن عدي، وابن نمير، وأبو موسى الزمن، والمدائني، وحكاه
(2/307)
ابن زبر، عن عمرو بن علي الفلاس، ورجحه ابن حبان، وقال المزي إنه المشهور وقيل في وفاته غير ذلك، فقيل سنة خمسين، وقيل إحدى وخمسين، وقيل أربع وخمسين، حكاه ابن عبد البر، عن الفلاس، والزبير بن بكار، والحسن بن عثمان وقيل ست وخمسين، وقيل سبع وخمسين، وقيل ثمان وخمسين، قاله أبو نعيم وكانت وفاته في قصره بالعقيق، وحمل على أعناق الرجال فدفن بالبقيع، واختلف في مبلغ سنه، فقيل ثلاث وسبعون، واقتصر عليه ابن الصلاح، وقيل أربع وسبعون، وبه جزم الفلاس، وابن زبر، وابن قانع، وابن حبان، وقيل اثنان وثمانون، وقيل ثلاث وثمانون، قاله أحمد بن حنبل وهو آخر العشرة موتا - رضي الله عنهم - أجمعين
وتوفي سعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين، قاله الواقدي، والهيثم بن عدي، والمدائني، ويحيى بن بكير، وابن نمير وخليفة بن خياط، وقال ابن عبد البر سنة خمسين أو إحدى وخمسين، وكذا حكاه الواقدي عن بعض ولد سعيد بن زيد،
(2/308)
وقال عبيد الله بن سعد الزهري سنة اثنتين وخمسين وقال البخاري في التاريخ
الكبير سنة ثمان وخمسين ولا يصح فإن سعد ابن أبي وقاص شهده، ونزل في حفرته، وتوفي قبل سنة ثمان على الصحيح، وكانت وفاته أيضا بالعقيق، وحمل إلى المدينة، وقيل مات بالكوفة ودفن بها، ولا يصح، واختلف في مبلغ سنه، فقال المدائني ثلاث وسبعون، وقال الفلاس أربع وسبعون
وتوفي عبد الرحمن بن عوف في سنة اثنتين وثلاثين، قاله عروة بن الزبير، والهيثم بن عدي، والفلاس، وأبو موسى الزمن، والمدائني، والواقدي، وخليفة بن خياط، وابن بكير في رواية ابن البرقي، وابن قانع، وابن الجوزي، وقيل توفي سنة إحدى وثلاثين، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، قال يحيى بن بكير في رواية الذهلي وأبو نعيم الأصبهاني سنة إحدى أو اثنتين، وقيل توفي سنة ثلاث وثلاثين واختلف في مبلغ سنه، فقيل خمس وسبعون، قاله يعقوب بن إبراهيم بن سعد، والواقدي، وابن زبر، وابن قانع وابن حبان، وأبو نعيم الأصبهاني، وبه صدر ابن عبد البر كلامه وقيل اثنتان وسبعون روي ذلك عن ابنه أبي سلمة بن
(2/309)
عبد الرحمن، وقيل ثمان وسبعون، قاله إبراهيم بن سعد، والأول أشهر، وعليه اقتصر ابن الصلاح
وتوفي أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح، سنة ثماني عشرة في طاعون عمواس، وهو ابن ثمان وخمسين سنة قاله الواقدي، ومحمد بن سعد، والفلاس، وابن قانع، وابن حبان، وابن عبد البر، وغيرهم، وهو متفق عليه
... وعاش حسان كذا حكيم ... عشرين بعد مائة تقوم
962.... ستون في الإسلام ثم حضرت ... سنة أربع وخمسين خلت
... وفوق حسان ثلاثة، كذا ... عاشوا، وما لغيرهم يعرف ذا
964.... قلت حويطب بن عبد العزى ... مع ابن يربوع سعيد يعزى
... هذان مع حمنن وابن نوفل ... كل إلى وصف حكيم فاجمل
966.... وفي الصحاب ستة قد عمروا ... كذاك في المعمرين ذكروا
(2/310)
في هذه الأبيات ذكر من عاش من الصحابة مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام، قال ابن الصلاح شخصان من الصحابة عاشا في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين
أحدهما حكيم بن حزام، وكان مولده في جوف الكعبة قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة
والثاني حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري، وروى ابن إسحاق أنه وأباه - ثابتا - والمنذر، وحراما، عاش كل واحد منهم عشرين ومائة
(2/311)
سنة، وذكر أبو نعيم الحافظ أنه لا يعرف في العرب مثل ذلك لغيرهم -قال ابن الصلاح وقد قيل إن حسان مات سنة خمسين
قلت اقتصر ابن الصلاح في هذا الفصل على اثنين، وقد زدت عليه أربعة اشتركوا معهما في ذلك، فصاروا ستة مشتركين في هذا الوصف
فالأول حسان بن ثابت الأنصاري، قال الواقدي إنه عاش مائة وعشرين، وحكى ابن عبد البر الاتفاق عليه، فقال لم يختلفوا أنه عاش مائة وعشرين سنة، منها ستون في الجاهلية، وستون في الإسلام انتهى وقد خالف ابن حبان في ذلك فقال مات وهو ابن مائة وأربع سنين، ومات أبوه وهو ابن مائة وأربع سنين، ومات جده وهو ابن مائة وأربع سنين، قال وقد قيل لكل واحد منهم عشرون ومائة سنة واختلف في وفاته، فقيل سنة أربع وخمسين، قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، وبه جزم الذهبي في العبر، وقيل سنة خمسين، حكاه ابن عبد البر، وقيل سنة أربعين قاله الهيثم بن عدي، والمدائني، وأبو موسى الزمن، وابن قانع، وكذا قال ابن حبان مات أيام قتل علي بن أبي طالب، وقيل إنه مات قبل الأربعين في خلافة علي، وبه صدر ابن عبد البر كلامه
والثاني حكيم بن حزام بن خويلد، وهو ابن أخي خديجة بنت خويلد، أسلم في الفتح، وعاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام، قاله البخاري حكاية عن إبراهيم بن المنذر الحزامي، وقاله أيضا مصعب ابن عبد الله الزبيري، وابن حبان، وابن عبد البر، واختلف في وفاته، فقيل سنة أربع وخمسين، قاله الواقدي، والهيثم بن عدي، وابن نمير، والمدائني، ومصعب الزبيري، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وخليفة بن خياط، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ويحيى بن بكير، وابن قانع، وقال ابن حبان إنه الصحيح، وبه جزم ابن عبد البر وقيل سنة ستين،
(2/312)
قاله البخاري وقيل سنة ثمان وخمسين وقيل سنة خمسين، وكانت وفاته بالمدينة
والثالث حويطب بن عبد العزى القرشي العامري من مسلمة الفتح، روى الواقدي عن إبراهيم بن جعفر بن محمود عن أبيه، قال كان حويطب قد بلغ عشرين ومائة سنة، ستين سنة في الجاهلية، وستين سنة في الإسلام وقال ابن حبان سنه سن حكيم بن حزام، وعاش في الإسلام ستين سنة، وفي الجاهلية ستين سنة وقال ابن عبد البر أدركه الإسلام وهو ابن ستين سنة، أو نحوها وكانت وفاته سنة أربع وخمسين، قاله الهيثم ابن عدي، وأبو موسى الزمن، ويحيى بن بكير، وخليفة بن خياط، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وابن قانع، وابن حبان، وغيرهم وقيل إنه مات سنة اثنتين وخمسين، وكانت وفاته بالمدينة
والرابع سعيد بن يربوع القرشي من مسلمة الفتح، مات بالمدينة سنة أربع وخمسين، وله مائة وعشرون سنة، قاله الواقدي، وخليفة بن خياط، وابن حبان، وكذا قال أبو عبيد، وابن عبد البر إنه مات سنة أربع وخمسين، وقيل بلغ مائة وأربعا وعشرين سنة، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، ومات بالمدينة، وقيل بمكة
(2/313)
والخامس حمنن بن عوف القرشي الزهري أخو عبد الرحمن بن عوف، وهو بفتح الحاء المهملة، وسكون الميم وفتح النون الأولى قال الدارقطني في كتاب الأخوة والأخوات أسلم ولم يهاجر إلى المدينة، وعاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة وكذا قال ابن عبد البر إنه عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وذكر بعض أهل التاريخ، أنه توفي سنة أربع وخمسين
والسادس مخرمة بن نوفل القرشي الزهري، والد المسور بن مخرمة من مسلمة الفتح، توفي سنة أربع وخمسين، قاله الهيثم بن عدي، وابن نمير، والمدائني، وابن قانع، وابن حبان وقد اختلف في مبلغ سنه، فقال الواقدي يقال إنه كان له حين مات مائة وعشرون سنة، وهكذا جزم به أبو زكريا بن منده في جزء له جمع فيه من عاش مائة وعشرين من الصحابة وجزم ابن زبر، وابن حبان، وابن
عبد البر بأنه بلغ مائة وخمس عشرة سنة، وكانت وفاته بالمدينة، وقد ذكر ابن منده في الجزء المذكور جماعة آخرين من الصحابة عاشوا مائة وعشرين سنة؛ لكن لم يعلم كون نصفها في الجاهلية، ونصفها في الإسلام؛ لتقدم وفاتهم على المذكورين، أو تأخرها، أو عدم معرفة التاريخ لموتهم، فمنهم عاصم بن عدي بن الجد العجلاني،
(2/314)
صاحب عويمر العجلاني في قصة اللعان حكى ابن عبد البر عن عبد العزيز بن عمران، عن أبيه، عن جده أنه عاش مائة وعشرين سنة، وكذا ذكر أبو زكريا بن منده، وقال ابن عبد البر توفي سنة خمس وأربعين، وقد بلغ قريبا من مائة وعشرين سنة، وقال الواقدي، وابن حبان بلغ مائة وخمس عشرة سنة
ومنهم المنتجع جد ناجية، ذكره العسكري في الصحابة، وقال كان له مائة وعشرون سنة، ولا يصح حديثه
ومنهم نافع أبو سليمان العبدي، روى إسحاق بن راهويه، عن ابنه سليمان، قال مات أبي وله عشرون ومائة سنة، وكذا ذكره ابن قانع
ومنهم اللجلاج العامري، ذكر ابن سميع، وابن حبان أيضا أنه عاش مائة وعشرين سنة، وكذا حكاه ابن عبد البر، عن بعض بني اللجلاج
ومنهم سعد بن جنادة العوفي الأنصاري، وهو والد عطية العوفي، ذكره ابن منده في الصحابة، ولم يذكر عمره، وذكره أبو زكريا بن منده فيمن عاش كذلك
(2/315)
ومنهم عدي بن حاتم الطائي، توفي سنة ثمان وستين، عن مائة وعشرين سنة، قاله ابن سعد، وخليفة بن خياط وقيل سنة ست وستين وقيل سنة سبع وستين، ولم يذكره ابن منده في الجزء المذكور
... وقبض الثوري عام إحدى ... من بعد ستين وقرن عدا
968.... وبعد في تسع تلي سبعينا ... وفاة مالك، وفي الخمسينا
... ومائة أبو حنيفة قضى ... والشافعي بعد قرنين مضى
970.... لأربع ثم قضى مأمونا ... أحمد في إحدى وأربعينا
في هذه الأبيات وفيات أصحاب المذاهب الخمسة، وقد كان الثوري معدودا فيهم، له مقلدون إلى بعد الخمسمائة، وممن ذكره معهم الغزالي في الإحياء، فتوفي أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري سنة إحدى وستين ومائة بالبصرة، قاله أبو داود الطيالسي، وابن معين، وابن سعد وادعى الاتفاق عليه وابن حبان، وزاد في شعبان في دار عبد الرحمن بن مهدي، وقال يحيى بن سعيد في أولها، واختلف في مولده، فقال العجلي وغير واحد سنة سبع وتسعين، وقال ابن حبان سنة خمس وتسعين
(2/316)
وتوفي أبو عبد الله مالك بن أنس بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة، قاله الواقدي، والمدائني، وأبو نعيم، ومصعب بن عبد الله، وزاد في صفر، وإسماعيل بن أبي أويس، وقال في صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول، وبه جزم الذهبي في العبر واختلف في مولده، فقيل سنة تسعين، وقيل إحدى، وقيل ثلاث، وقيل أربع، وبه جزم الذهبي، وقيل سبع
وتوفي أبو حنيفة النعمان بن ثابت سنة خمسين ومائة، قاله روح بن عبادة، والهيثم بن عدي، وقعنب بن المحرر، وأبو نعيم الفضل بن دكين وسعيد بن كثير ابن عفير، وزادا في رجب، وكذا قال ابن حبان، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين سنة إحدى وخمسين وقال مكي بن إبراهيم البلخي سنة ثلاث وخمسين والمحفوظ الأول، وكانت وفاته ببغداد، وكان مولده سنة ثمانين، قاله حفيده إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة
وتوفي أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، سنة أربع ومائتين، قاله الفلاس، ويوسف القراطيسي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وزاد في آخر يوم من رجب، وقال ابن يونس في ليلة الخميس آخر ليلة من رجب، وأما ابن حبان، فقال
(2/317)
في شهر ربيع الأول، ودفن عند مغيب الشمس بالفسطاط، ورجعوا ورأوا هلال شهر ربيع الآخر والأول أشهر، وقال ابن عدي إنه قرأه على لوح عند قبره وكان مولده سنة خمسين ومائة، فعاش أربعا وخمسين سنة، قاله ابن عبد الحكم، والفلاس، وابن حبان، وقال ابن زبر مات وهو ابن اثنتين وخمسين سنة، والأول أشهر وأصح
وتوفي أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين
على الصحيح المشهور، ولكن اختلفوا في الشهر الذي مات فيه، وفي اليوم، فقال ابنه عبد الله بن أحمد توفي يوم الجمعة ضحوة، ودفناه بعد العصر لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر، وهكذا قال الفضل بن زياد وقال نصر بن القاسم الفرائضي يوم الجمعة لثلاث عشرة بقين منه وقال ابن عمه حنبل بن إسحاق بن حنبل مات يوم الجمعة في شهر ربيع الأول وقال عباس الدوري، ومطين لاثنتي عشرة خلت منه، زاد عباس يوم الجمعة ببغداد، وأما مولده فكان في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، نقله ابناه عبد الله، وصالح عنه
(2/318)
.. ثم البخاري ليلة الفطر لدى ... ست وخمسين بخرتنك ردى
972.... ومسلم سنة إحدى في رجب ... من بعد قرنين وستين ذهب
... ثم لخمس بعد سبعين أبو ... داود، ثم الترمذي يعقب
974.... سنة تسع بعدها وذو نسا ... رابع قرن لثلاث رفسا
في هذه الأبيات بيان وفيات أصحاب الكتب الخمسة
فتوفي أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ليلة السبت، عند صلاة العشاء ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين، قاله الحسن بن الحسين البزار قال وولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة وكانت وفاته بخرتنك - قرية بقرب سمرقند وذكر ابن دقيق العيد في شرح الإلمام أنها بكسر الخاء، والمعروف فتحها، وكذا ذكره السمعاني، وما ذكر من أنه مات بخرتنك، هو المعروف، وبه جزم السمعاني وغيره، وذكر ابن يونس في تاريخ الغرباء أنه مات بمصر بعد الخمسين ومائتين، ولم أره لغيره، والظاهر أنه وهم
وقولي ردى، أي ذهب، فأما بمعنى الهلاك فردي بكسر الدال
وتوفي أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، عشية يوم الأحد ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين، قاله محمد بن يعقوب بن الأخرم،
(2/319)
فيما حكاه الحاكم عنه، واختلف في مبلغ سنه، فقيل خمس وخمسون، وبه جزم ابن الصلاح، وقيل ستون، وبه جزم الذهبي في العبر والمعروف أن مولده سنة أربع ومائتين، فعلى هذا يكون عمره بين السنين المذكورين، وكانت وفاته بنيسابور
وتوفي أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني بالبصرة يوم الجمعة سادس عشر شوال سنة خمس وسبعين ومائتين، وكان مولده فيما حكاه أبو عبيد الآجري عنه في سنة ثنتين ومائتين
وتوفي أبو عيسى محمد بن عيسى السلمي الترمذي بها ليلة الاثنين لثلاث عشرة ليلة مضت من شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، قاله الحافظ أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري، وغنجار في تاريخ بخارى، وابن ماكولا في الإكمال وأما قول الخليلي في الإرشاد أنه مات بعد الثمانين ومائتين فقاله على الظن، وليس بصحيح
وتوفي أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي بفلسطين في صفر سنة ثلاث وثلاثمائة، قاله الطحاوي، وابن يونس، وزاد يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت منه، وكذا قال الحافظ أبو عامر العبدري، أنه مات في التاريخ المذكور بالرملة - مدينة فلسطين - ودفن ببيت المقدس وقال أبو علي الغساني ليلة الاثنين وقال الدارقطني حمل إلى مكة فمات بها في شعبان سنة ثلاث وقال أبو عبد الله بن منده عن مشايخه
(2/320)
إنه مات بمكة سنة ثلاث وثلاثمائة وكان مولده سنة أربع عشرة ومائتين، ونسا من كور نيسابور، وقيل من أرض فارس، قال الرشاطي والقياس النسوي
وقولي رفسا، بيان لسبب موته، وهو ما حكى ابن منده، عن مشايخه أنه سئل بدمشق عن معاوية، وما روي من فضائله، فقال ألا يرضى معاوية رأسا برأس حتى يفضل، فما زالوا يرفسونه في خصييه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة ومات بها وذكر الدارقطني أن ذلك كان بالرملة، وعاش النسائي ثمانيا وثمانين سنة
ولم يذكر ابن الصلاح وفاة ابن ماجه فتبعته، وكانت وفاته سنة ثلاث وسبعين ومائتين، يوم الثلاثاء، لثمان بقين من شهر رمضان، قاله جعفر بن إدريس، قال وسمعته يقول ولدت سنة تسع ومائتين، وكذا قاله الخليلي في الإرشاد أنه مات سنة ثلاث وسبعين، وقيل مات سنة خمس وسبعين
... ثم لخمس وثمانين تفي ... الدارقطني، ثمت الحاكم في
976.... خامس قرن عام خمسة فني ... وبعده بأربع عبد الغني
(2/321)
.. ففي الثلاثين: أبو نعيم ... ولثمان بيهقي القوم
978.... من بعد خمسين وبعد خمسة ... خطيبهم والنمري في سنة
في هذه الأبيات بيان وفيات أصحاب التصانيف الحسنة، بعد الخمسة المذكورين، قال ابن الصلاح سبعة من الحفاظ في ساقتهم، أحسنوا التصنيف، وعظم الانتفاع بتصانيفهم في أعصارنا فذكرهم، وهم
أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي، توفي بها يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، قاله عبد العزيز الأزجي، وكان مولده في سنة ست وثلاثمائة، قاله عبد الملك بن بشران، زاد غيره في ذي القعدة أيضا، فعاش ثمانين سنة
ثم الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري، المعروف بابن البيع صاحب المستدرك والتاريخ وعلوم الحديث وغيرها، توفي سنة خمس وأربعمائة بنيسابور، قاله الأزهري، وعبد الغافر في السياق، ومحمد بن يحيى المزكي، وزاد في صفر وكان مولده أيضا بنيسابور في شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة
ثم أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي المصري، توفي لسبع خلون من صفر سنة تسع وأربعمائة، قاله أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي، وعاش سبعا وتسعين
(2/322)
ثم أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، صاحب الحلية ومعرفة الصحابة، وغير ذلك، توفي بكرة يوم الاثنين لعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة، قاله يحيى بن عبد الوهاب بن منده وسئل عن مولده، فقال في رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة
ثم أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، صاحب التصانيف المشهورة، توفي بنيسابور، عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ونقل تابوته إلى بيهق، قاله السمعاني، قال وكان مولده سنة أربع وثمانين وثلاثمائة
ثم الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، توفي بها في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة، قاله ابن شافع، وقال غيره في سابع ذي الحجة، قال ومولده في جمادى الآخرة، سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وقيل سنة اثنتين، وهو المحكي عن الخطيب نفسه وتوفي في هذه السنة أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي في سلخ شهر ربيع الآخر منها بشاطبة من
الأندلس، عن خمس وتسعين سنة، وخمسة أيام، وكان مولده - فيما حكاه عنه
طاهر بن مفوز - يوم الجمعة، والإمام يخطب لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة
(2/323)
معرفة الثقات والضعفاء
... واعن بعلم الجرح والتعديل ... فإنه المرقاة للتفضيل
980.... بين الصحيح والسقيم واحذر ... من غرض، فالجرح أي خطر
... ومع ذا فالنصح حق ولقد ... أحسن يحيى في جوابه وسد
982.... لأن يكونوا خصماء لي أحب ... من كون خصمي المصطفى إذ لم أذب
... وربما رد كلام الجارح ... كالنسئي في أحمد بن صالح
984.... فربما كان لجرح مخرج ... غطى عليه السخط حين يحرج
أي واجعل من عنايتك معرفة الثقات والضعفاء، فهو من أجل أنواع الحديث، فإنه المرقاة إلى التفرقة بين صحيح الحديث وسقيمه، وفيه لأئمة الحديث تصانيف، منها ما أفرد في الضعفاء، وصنف فيه البخاري، والنسائي، والعقيلي، والساجي، وابن حبان، والدارقطني، والأزدي، وابن عدي؛ ولكنه ذكر في كتابه الكامل كل من تكلم فيه، وإن كان ثقة، وتبعه على ذلك الذهبي في الميزان، إلا أنه لم يذكر أحدا من الصحابة والأئمة المتبوعين، وفاته جماعة، ذيلت عليه ذيلا في مجلد
(2/324)
ومنها ما أفرد في الثقات، وصنف فيه ابن حبان، وابن شاهين، ومن المتأخرين صاحبنا شمس الدين محمد بن أيبك السروجي، ولم يكمله، عندي منه بخطه الأحمدون في مجلد
ومنها ما جمع بين الثقات والضعفاء، ك تاريخ البخاري، وتاريخ أبي بكر ابن أبي خيثمة، وهو كثير الفوائد، ووطبقات ابن سعد، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والتمييز للنسائي، وغيرها
وليحذر المتصدي لذلك من الغرض في جانبي التوثيق، والتجريح، فالمقام خطر ولقد أحسن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، حيث يقول أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحكام، ومع كون الجرح خطرا، فلا بد منه للنصيحة في الدين، وقيل إن أبا تراب النخشبي، قال لأحمد بن حنبل لا تغتاب العلماء، فقال له أحمد ويحك هذا نصيحة، ليس هذا غيبة انتهى
وقد أوجب الله تعالى الكشف والتبيين عند خبر الفاسق، بقوله تعالى {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجرح بئس أخو العشيرة
(2/325)
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة، وقال في التعديل إن عبد الله رجل صالح، إلى غير ذلك من صحيح الأخبار
وقد تكلم في الرجال جماعة من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم، ذكرهم
الخطيب، وأما قول صالح جزرة أول من تكلم في الرجال شعبة ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم بعده أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وهؤلاء فإنه يريد أول من تصدى لذلك، وإلا فقد تكلم في ذلك قبل شعبة ولقد أحسن يحيى بن سعيد القطان، إذ قال له أبو بكر بن خلاد أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟ فقال لأن يكونوا خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول لي لم لم تذب الكذب عن حديثي؟
ثم إن الجارح وإن كان إماما معتمدا في ذلك، فربما أخطأ فيه، كما جرح النسائي أحمد بن صالح المصري، بقوله غير ثقة ولا مأمون، وهو ثقة إمام حافظ، احتج به البخاري في صحيحه، وقال ثقة، ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحجة، وكذا وثقه أبو حاتم الرازي، والعجلي، وآخرون وقد قال أبو يعلى الخليلي اتفق الحفاظ على أن كلام النسائي فيه تحامل، ولا يقدح كلام أمثاله فيه، وقد بين ابن عدي سبب كلام النسائي فيه، فقال سمعت محمد بن هارون البرقي يقول حضرت
(2/326)
مجلس أحمد، فطرده من مجلسه، فحمله ذلك على أن تكلم فيه قال الذهبي في الميزان آذى النسائي نفسه بكلامه فيه، وقال ابن يونس لم يكن أحمد عندنا، كما قال النسائي لم يكن له آفة غير الكبر، وقد تكلم فيه يحيى بن معين فيما رواه معاوية بن صالح عنه، وفي كلامه ما يشير إلى الكبر، فقال كذاب يتفلسف، رأيته يخطر في جامع مصر فنسبه إلى الفلسفة، وأنه يخطر في مشيته، ولعل ابن معين لا يدري ما الفلسفة؟ فإنه ليس من أهلها
وقد ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد الوجوه التي تدخل الآفة منها في ذلك، وهي خمسة
أحدها الهوى والغرض، وهو شرها، وهو في تواريخ المتأخرين كثير
والثاني المخالفة في العقائد
والثالث الاختلاف بين المتصوفة، وأهل علم الظاهر
والرابع الكلام بسبب الجهل بمراتب العلوم، وأكثر ذلك في المتأخرين؛ لاشتغالهم بعلوم الأوائل، وفيها الحق كالحساب، والهندسة، والطب، وفيها الباطل كالطبيعيات، وكثير من الإلهيات، وأحكام النجوم
والخامس الأخذ بالتوهم مع عدم الورع
هذا حاصل كلامه، وهو واضح جلي، وقد عقد ابن عبد البر في كتاب العلم بابا لكلام الأقران المتعاصرين بعضهم في بعض، ورأى أن أهل العلم لا يقبل جرحهم إلا ببيان واضح
(2/327)
وقولي فربما كان لجرح مخرج، كالجواب عن سؤال مقدر، وهو أنه إذا نسب مثل النسائي، وهو إمام حجة في الجرح والتعديل إلى مثل هذا فكيف يوثق بقوله في ذلك؟ وأجاب ابن الصلاح بأن عين السخط تبدي مساوي لها في الباطن مخارج صحيحة، تعمى عنها بحجاب السخط، لا أن ذلك يقع من مثله تعمدا لقدح يعلم بطلانه، والله أعلم
معرفة من اختلط من الثقات
... وفي الثقات من أخيرا اختلط ... فما روى فيه أو ابهم سقط
986.... نحو عطاء وهو ابن السائب ... وكالجريري سعيد، وأبي
... إسحاق، ثم ابن أبي عروبة ... ثم الرقاشي أبي قلابة
988.... كذا حصين السلمي الكوفي ... وعارم محمد والثقفي
(2/328)
.. كذا ابن همام بصنعا إذ عمي ... والرأي فيما زعموا والتوأمي
990.... وابن عيينة مع المسعودي ... وآخرا حكوه في الحفيد
... ابن خزيمة مع الغطريفي ... مع القطيعي أحمد المعروف
قال ابن الصلاح: ((هذا فن عزيز مهم، لم أعلم أحدا أفرده بالتصنيف، واعتنى به مع كونه حقيقا بذلك جدا)) ، قلت: وبسبب كلام ابن الصلاح، أفرده شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي بالتصنيف في جزء، حدثنا به، ولكنه اختصره ولم يبسط الكلام فيه، ورتبهم على حروف المعجم.
ثم الحكم فيمن اختلط أنه لا يقبل من حديثه ما حدث به في حال الاختلاط، وكذا ما أبهم أمره وأشكل، فلم ندر أحدث به قبل الاختلاط، أو بعده؟ وما حدث به قبل الاختلاط قبل، وإنما يتميز ذلك باعتبار الرواة عنهم، فمنهم من سمع منهم قبل الاختلاط فقط، ومنهم من سمع بعده فقط، ومنهم من سمع في الحالين، ولم يتميز.
فممن اختلط في آخر عمره: عطاء بن السائب، قال ابن حبان: ((اختلط بأخرة، ولم يفحش خطؤه)) . انتهى.
وممن سمع منه قبل الاختلاط: شعبة وسفيان الثوري، قاله يحيى بن معين، ويحيى بن سعيد القطان، إلا أن القطان استثنى حديثين سمعهما منه شعبة بأخرة عن
(2/329)
زادان، وكذلك حماد بن زيد سمع منه قبل أن يتغير، قاله يحيى بن سعيد القطان، وكذا قال النسائي: رواية حماد بن زيد وشعبة وسفيان عنه جيدة.
وممن سمع منه بعد الاختلاط: جرير بن عبد الحميد، وخالد بن عبد الله الواسطي، وإسماعيل بن علية، وعلي بن عاصم، قاله أحمد بن حنبل، وكذلك سمع منه بعد التغير: محمد بن فضيل بن غزوان، وممن سمع منه أيضا بأخرة: هشيم، قاله أحمد بن عبد الله العجلي. قلت: قد روى له البخاري في صحيحه حديثا من رواية هشيم عنه، وليس له عند البخاري غير هذا الحديث الواحد. وممن سمع منه في الحالتين معا: أبو عوانة، قاله عباس الدوري عن يحيى بن معين، قال: ولا يحتج بحديثه. أي: بحديث أبي عوانة عنه.
وممن اختلط أخيرا: أبو مسعود سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة احتج به الشيخان، ولم يشتد تغيره، قال يحيى بن سعيد عن كهمس: أنكرنا الجريري أيام الطاعون، وكذا قال النسائي: ثقة أنكر أيام الطاعون. وقال أبو حاتم الرازي: تغير حفظه قبل موته، فمن كتب عنه قديما، فهو صالح.
قلت: وممن سمع منه قبل التغير: شعبة، وسفيان الثوري، والحمادان، وإسماعيل بن علية، ومعمر، وعبد الوارث بن سعيد، ويزيد بن زريع، ووهيب بن خالد، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي؛ وذلك لأن هؤلاء كلهم سمعوا من أيوب
(2/330)
السختياني، وقد قال أبو داود، فيما رواه عنه أبو عبيد الآجري: كل من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد. انتهى.
وممن سمع منه بعد التغير: محمد بن أبي عدي، وإسحاق الأزرق، ويحيى بن سعيد القطان، ولذلك لم يحدث عنه شيئا. وقد روى الشيخان للجريري من رواية بشر ابن المفضل، وخالد بن عبد الله، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبد الوارث بن سعيد عنه، وروى له مسلم فقط من رواية جعفر بن سليمان الضبعي، وحماد بن أسامة، وحماد بن سلمة، وشعبة، وسفيان الثوري، وسالم بن نوح، وابن المبارك، وعبد الوهاب الثقفي، ووهيب بن خالد، ويزيد بن زريع، وعبد الواحد بن زياد، ويزيد بن هارون وقد قيل: إن يزيد بن هارون، إنما سمع منه بعد التغير، فقد روى ابن سعد عنه، قال: سمعت منه سنة اثنتين وأربعين ومائة، وهي أول سنة دخلت البصرة، ولم ننكر منه شيئا، قال: وكان قيل لنا: إنه قد اختلط، وقال ابن حبان: كان قد اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين، قال: وقد رآه يحيى القطان، وهو مختلط، ولم يكن اختلاطه فاحشا، مات سنة أربع وأربعين ومائة.
ومنهم: أبو إسحاق السبيعي، واسمه عمرو بن عبد الله، ثقة احتج به
الشيخان، قال أحمد بن حنبل: ثقة. لكن هؤلاء الذين حملوا عنه بأخرة وقال يعقوب الفسوي: قال ابن عيينة: حدثنا أبو إسحاق في المسجد، ليس معنا ثالث، قال الفسوي: فقال بعض أهل العلم: كان قد اختلط، وإنما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه. انتهى. وكذا قال الخليلي: إن سماعه منه بعد ما اختلط.
(2/331)
قلت: ولم يخرج له الشيخان من رواية ابن عيينة عنه شيئا، إنما أخرج له من طريقه الترمذي، وكذلك النسائي في عمل اليوم والليلة، وأنكر صاحب " الميزان " اختلاطه، فقال: شاخ ونسي، ولم يختلط، قال: وقد سمع منه سفيان بن عيينة، وقد تغير قليلا. واختلف في وفاته، فقيل: سنة ست وعشرين ومائة. وقيل: سبع. وقيل: ثمان. وقيل: تسع.
ومنهم: سعيد بن أبي عروبة، واسم أبي عروبة: مهران، ثقة، احتج به الشيخان؛ لكنه اختلط، وطالت مدة اختلاطه فوق العشر سنين على ما يأتي من الخلاف، قال أبو حاتم: هو قبل أن يختلط ثقة. وقد اختلف في ابتداء اختلاطه، فقال دحيم: اختلط مخرج إبراهيم سنة خمس وأربعين ومائة، وكذا قال ابن حبان: اختلط سنة خمس وأربعين ومائة، وبقي خمس سنين في اختلاطه مات سنة خمسين ومائة. وقال يحيى بن معين: خلط بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن سنة اثنتين وأربعين، يعني: ومائة، ومن سمع منه بعد ذلك ليس بشيء.
قلت: هكذا اقتصر ابن الصلاح حكاية عن يحيى بن معين أن هزيمة إبراهيم سنة اثنتين وأربعين، والمعروف سنة خمس وأربعين، كما تقدم هذا هو المذكور في التواريخ أن خروجه فيها، وإنه قتل فيها يوم الاثنين لخمس ليال بقين من ذي القعدة، واحتز رأسه.
(2/332)
فممن سمع من ابن أبي عروبة قبل اختلاطه: عبد الله بن المبارك، ويزيد بن زريع، قاله ابن حبان وغيره، وكذلك شعيب بن إسحاق سمع منه سنة أربع وأربعين قبل أن يختلط بسنة، وكذلك يزيد بن هارون صحيح السماع منه، قاله ابن معين، وكذلك عبدة ابن سليمان، قال ابن معين: إنه أثبت الناس سماعا منه، وقال ابن عدي: ((أرواهم عنه عبد الأعلى السامي، ثم شعيب بن إسحاق، وعبدة بن سليمان، وعبد الوهاب الخفاف، وأثبتهم فيه يزيد بن زريع، وخالد بن الحارث، ويحيى القطان)) . قلت: قد قال عبدة بن سليمان عن نفسه، أنه سمع منه في الاختلاط، إلا أن يريد بذلك بيان اختلاطه، وأنه لم يحدث بما سمعه منه في الاختلاط، والله أعلم. وسمع منه قديما: سرار ابن مجشر، أشار إليه النسائي في " سننه الكبرى "، وقال أبو عبيد الآجري، عن أبي داود: كان عبد الرحمن يقدمه على يزيد بن زريع، وهو من قدماء أصحاب سعيد بن أبي عروبة، ومات قديما.
وممن سمع منه في الاختلاط: أبو نعيم الفضل بن دكين، ووكيع، والمعافى بن عمران الموصلي. قلت: وقد روى له الشيخان من رواية خالد بن الحارث، وروح بن عبادة، وعبد الأعلى الشامي، وعبد الرحمن بن عثمان البكراوي، ومحمد بن سواء السدوسي، ومحمد بن أبي عدي، ويزيد بن زريع، ويحيى بن سعيد القطان عنه. وروى له البخاري فقط من رواية بشر بن المفضل، وسهل بن يوسف، وابن المبارك، وعبد الوارث بن سعيد، ومحمد ابن عبد الله الأنصاري، وكهمس بن المنهال عنه. وروى له مسلم فقط من رواية ابن علية، وأبي أسامة، وسعيد بن عامر الضبعي، وسالم ابن نوح، وأبي خالد الأحمر، وعبد الوهاب بن عطاء، وعبدة بن سليمان، وعلي بن مسهر، وعيسى بن يونس، ومحمد بن بكر البرساني، وغندر عنه.
(2/333)
قلت: وقد قال ابن مهدي: سمع غندر منه في الاختلاط. وأما مدة اختلاط سعيد، فقد تقدم قول ابن حبان أنها خمس سنين، وقال صاحب " الميزان ": ثلاث عشرة سنة، وخالف في ذلك في " العبر "، فقال: عشر سنين، مع قوله فيهما: أنه توفي سنة ست وخمسين، وكذا قال الفلاس، وأبو موسى الزمن، وغير واحد في وفاته. وقيل: سنة سبع وخمسين ومائة.
ومنهم: أبو قلابة الرقاشي، واسمه: عبد الملك بن محمد بن عبد الله أحد شيوخ ابن خزيمة، قال فيه ابن خزيمة: حدثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد. قلت: وممن سمع منه آخرا ببغداد: أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك، وأبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، وآخرون. فعلى قول ابن خزيمة سماعهم منه بعد الاختلاط. وكانت وفاته سنة ست وسبعين ومائتين ببغداد.
ومنهم: حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي، أحد الثقات الأثبات، احتج به الشيخان، ووثقه أحمد، وأبو زرعة، والعجلي، وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقة ساء حفظه في الآخر، وكذا قال يزيد بن هارون: إنه اختلط. وقال النسائي: تغير،
(2/334)
وأما علي بن عاصم، فقال: إنه لم يختلط، كذا حكاه صاحب " الميزان " عنه.
وقولي: (السلمي) ، من الزيادات على ابن الصلاح، وفائدته عدم الاشتباه، فإن في الكوفيين أربعة كلهم حصين بن عبد الرحمن، ليس فيهم بهذا النسب إلا هذا.
ومنهم: عارم اسمه: محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي، وعارم لقب له، وهو أحد الثقات الأثبات، روى عنه البخاري في "صحيحه"، ومسلم بواسطة، قال البخاري: ((تغير في آخر عمره)) . وقال أبو حاتم: اختلط في آخر عمره، وزال عقله، فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح، قال: وكتبت عنه قبل الاختلاط سنة أربع عشرة، ولم أسمع منه بعدما اختلط. فمن سمع منه قبل سنة عشرين ومائتين، فسماعه جيد، وأبو زرعة لقيه سنة اثنتين وعشرين. وقال الحسين بن عبد الله الذارع، عن أبي داود: بلغنا أن عارما أنكر سنة ثلاث عشرة، ثم راجعه عقله، واستحكم به الاختلاط سنة ست عشرة، وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره، وتغير حتى كاد لا يدري ما يحدث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة، فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرون، فإذا لم يعلم هذا من هذا ترك الكل. وأنكر صاحب "الميزان"، هذا القول من ابن حبان، ووصفه بالتسخيف والتهوير، وحكى قول الدارقطني: تغير بأخرة، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر، وهو ثقة.
(2/335)
إذا تقرر ذلك، فممن سمع منه قبل اختلاطه: أحمد بن حنبل، وعبد الله ابن محمد المسندي، وأبو حاتم الرازي، وأبو علي محمد بن أحمد بن خالد الزريقي، وقال ابن الصلاح: ما رواه عنه: البخاري، ومحمد بن يحيى الذهلي، وغيرهما من الحفاظ، ينبغي أن يكون مأخوذا عنه قبل اختلاطه. انتهى، وممن سمع منه بعد اختلاطه: أبو زرعة الرازي، وعلي بن عبد العزيز البغوي. وكانت وفاته سنة أربع وعشرين
ومائتين.
ومنهم: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، أحد الثقات الذين احتج بهم الشيخان. قال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: اختلط بأخرة. وقال عقبة بن مكرم العمي: اختلط قبل موته بثلاث سنين، أو أربع سنين، قال صاحب " الميزان ": لكنه ما ضر تغيره حديثه، فإنه ما حدث بحديث في زمن التغير، ثم استدل بقول أبي داود: تغير جرير بن حازم، وعبد الوهاب الثقفي، فحجب الناس عنهم. ومات سنة أربع وتسعين ومائة، وقيل: سنة أربع وثمانين.
ومنهم: عبد الرزاق بن همام الصنعاني، احتج به الشيخان، قال أحمد: أتيناه قبل المائتين وهو صحيح البصر. ومن سمع منه بعد ما ذهب بصره، فهو ضعيف السماع، وقال أيضا: كان يلقن بعدما عمي، وقال النسائي: فيه نظر، لمن كتب عنه بأخرة. انتهى.
(2/336)
فممن سمع منه قبل اختلاطه: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ووكيع في آخرين. وممن سمع منه بعد اختلاطه: أحمد بن محمد بن شبوية، وإبراهيم بن منصور الرمادي، ومحمد بن حماد الظهراني، وإسحاق بن إبراهيم الدبري، قال إبراهيم الحربي: مات عبد الرزاق وللدبري ست سنين، أو سبع سنين. وقال ابن عدي: استصغر في عبد الرزاق، قال الذهبي: إنما اعتنى به أبوه فأسمعه منه تصانيفه، وله سبع سنين، أو نحوها، وقد احتج به أبو عوانة في " صحيحه "، وغيره. انتهى. وكأن من احتج به لم يبال بتغيره؛ لكونه إنما حدثه من كتبه، لا من حفظه، قال ابن الصلاح: وجدت فيما روى الطبراني عن الدبري عنه أحاديث استنكرتها جدا. فأحلت أمرها على ذلك، وتوفي سنة إحدى عشرة ومائتين.
ومنهم - فيما زعموا -: ربيعة الرأي - شيخ مالك - وهو: ربيعة ابن أبي عبد الرحمن، واسم أبيه: فروخ، وهو أحد الأئمة الثقات، احتج به الشيخان، ولم أر من ذكر أنه اختلط إلا ابن الصلاح، فقال: ((قيل: إنه تغير في آخر عمره، وترك الاعتماد عليه لذلك)) ، فلذلك أتيت بقولي: (فيما زعموا) ، وقد وثقه أحمد، وأبو حاتم، والعجلي، والنسائي، وآخرون. إلا أن ابن سعد بعد أن وثقه،
(2/337)
قال: ((كانوا يتقونه لموضع الرأي)) ، وذكره النباتي في " ذيل الكامل "، وقال: إن البستي ذكره في الزيادات، قلت: قد ذكره البستي في " الثقات "، وقال: توفي سنة ست وثلاثين ومائة.
ومنهم: صالح مولى التوأمة، وهو: صالح بن نبهان، اختلف في الاحتجاج به، قال أحمد: أدركه مالك، وقد اختلط وهو كبير، وما أعلم به بأسا ممن سمع منه قديما، فقد روى عنه أكابر أهل المدينة. وقال ابن معين: ثقة خرف قبل أن يموت، فمن سمع منه قبل، هو ثبت. وقيل له: إن مالكا تركه، فقال: إنما أدركه بعد أن خرف، وقال ابن المديني: ثقة إلا أنه خرف وكبر. وقال ابن حبان: ((تغير في سنة خمس وعشرين ومائة وجعل يأتي بما يشبه الموضوعات عن الثقات، فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميز، واستحق الترك)) . وحكى ابن الصلاح كلام ابن حبان مقتصرا عليه.
قلت: قد ميز الأئمة بعض من سمع منه قديما، ممن سمع منه بعد التغير، فممن سمع منه قديما: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، قاله يحيى بن معين، وعلي بن
(2/338)
المديني، والجوزجاني، وابن عدي. وكذلك ابن جريج، وزياد بن سعد، قاله ابن عدي. وممن سمع منه بعد الاختلاط: مالك، والسفيانان، ومات سنة خمس وعشرين ومائة، وقيل: سنة ست.
ومنهم: سفيان بن عيينة أحد الأئمة الثقات، قال يحيى بن سعيد القطان: أشهد أنه اختلط سنة سبع وتسعين، فمن سمع منه في هذه السنة، وبعد هذا، فسماعه لا شيء، هكذا حكاه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، عن القطان. قال صاحب " الميزان ": ((وأنا أستبعده، وأعده غلطا من ابن عمار، فإن القطان مات في صفر من سنة ثمان وتسعين، وقت قدوم الحاج، ووقت تحدثهم عن أخبار الحجاز، فمتى تمكن يحيى بن سعيد من أن يسمع اختلاط سفيان؟ ثم يشهد عليه بذلك، والموت قد نزل به، ثم قال: فلعله بلغه ذلك في أثناء سنة سبع. وقال سمع منه فيها، أي: سنة سبع، محمد بن عاصم صاحب ذلك الجزء العالي، قال: ويغلب على ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع، فأما سنة ثمان وتسعين ففيها مات، ولم يلقه أحد فيها، فإنه توفي قبل قدوم الحاج بأربعة أشهر. قال ابن الصلاح: ((ويحصل نظر في كثير من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من ابن عيينة، وأشباهه)) ، وقال ابن الصلاح: ((إنه توفي سنة تسع وتسعين)) .
(2/339)
قلت: والمعروف ما تقدم، فإنه مات بمكة يوم السبت، أول شهر رجب سنة ثمان وتسعين، قاله محمد بن سعد، وابن زبر، وابن حبان، إلا أنه قال آخر يوم من جمادى الآخرة.
ومنهم: المسعودي، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، قال ابن سعد: ثقة إلا أنه اختلط في آخر عمره، ورواية المتقدمين عنه صحيحة. وقال أبو حاتم: ((تغير بأخرة قبل موته بسنة، أو سنتين)) وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كان ثقة، فلما كان بأخرة اختلط. وقال أحمد: إنما اختلط ببغداد، ومن سمع منه بالكوفة والبصرة، فسماعه جيد. وقال ابن معين: من سمع منه زمان أبي جعفر، فهو صحيح السماع، ومن سمع منه في زمان المهدي فليس سماعه بشيء. قلت: وكانت وفاة أبي جعفر المنصور بمكة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين، وكانت مدة اختلاطه، كما قال أبو حاتم، فإن المسعودي مات سنة ستين ومائة ببغداد، وقال ابن حبان: اختلط حديثه فلم يتميز، فاستحق الترك. وكذا قال أبو الحسن بن القطان: كان لا يتميز في الأغلب ما رواه قبل اختلاطه، مما رواه بعد.
(2/340)
قلت: قد ميز الأئمة بين جماعة ممن سمع منه في الصحة، أو الاختلاط. فممن سمع منه قديما قبل الاختلاط: وكيع، وأبو نعيم الفضل بن دكين، قاله أحمد بن حنبل. وممن سمع منه بعد الاختلاط: أبو النضر هاشم ابن القاسم وعاصم بن علي، قاله أحمد أيضا، وكذلك سمع منه بأخرة: عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، قاله ابن نمير. وقد قيل: إن أبا داود الطيالسي سمع منه بعد ما تغير، قاله سلم بن قتيبة.
ومنهم من المتأخرين: أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة حفيد الحافظ أبي بكر بن خزيمة، وكذلك أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين الغطريفي الجرجاني، فذكر الحافظ أبو علي البرذعي، ثم السمرقندي في " معجمه " أنه بلغه أنهما اختلطا في آخر عمرهما.
قلت: أما الحفيد فقد اختلط قبل موته بثلاث سنين وتجنب الناس الرواية عنه، توفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وقد احتج الإسماعيلي بالغطريفي في " صحيحه "، وتوفي سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
ومنهم: أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي راوي " مسند أحمد " و" الزهد " له.
قال ابن الصلاح: اختل في آخر عمره، وخرف، حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه، وقال صاحب " الميزان ": ذكر هذا أبو الحسن بن الفرات، ثم قال: فهذا
(2/341)
غلو وإسراف، وقد وثقه البرقاني، والحاكم. وتوفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة، لسبع بقين من ذي الحجة، قال ابن الصلاح: ((واعلم أن ما كان من هذا القبيل محتجا بروايته في الصحيحين، أو أحدهما، فإنا نعرف على الجملة: أن ذلك مما تميز وكان مأخوذا عنه قبل الاختلاط، والله أعلم)) .
طبقات الرواة
992.... وللرواة طبقات تعرف ... بالسن والأخذ، وكم مصنف
993.... يغلط فيها، وابن سعد صنفا ... فيها ولكن كم روى عن ضعفا
من المهمات معرفة طبقات الرواة؛ فإنه قد يتفق اسمان في اللفظ، فيظن أن أحدهما الآخر، فيتميز ذلك بمعرفة طبقتيهما، إن كانا من طبقتين، فإن كانا من طبقة واحدة فربما أشكل الأمر، وربما عرف ذلك بمن فوقه، أو دونه من الرواة، فربما كان أحد المتفقين في الاسم لا يروي عمن روى عنه الآخر، فإن اشتركا في الراوي الأعلى وفيمن روى عنهما، فالإشكال حينئذ أشد. وإنما يميز ذلك أهل الحفظ والمعرفة.
ويعرف كون الراويين أو الرواة من طبقة واحدة، بتقاربهم في السن، وفي الشيوخ الآخذين عنهم، إما بكون شيوخ هذا هم شيوخ هذا أو تقارب شيوخ هذا من شيوخ هذا في الأخذ، كما تقدمت الإشارة إلى نحو ذلك في رواية الأقران، فإن مدلول الطبقة
(2/342)
لغة: القوم المتشابهون، وأما في الاصطلاح فالمراد: المتشابه في الأسنان، والإسناد، وربما اكتفوا بالمتشابه في الإسناد.
وبسبب الجهل بمعرفة الطبقات غلط غير واحد من المصنفين، فربما ظن راويا راويا آخر غيره، وربما أدخل راويا في غير طبقته. وقد تقدم لذلك أمثلة في أواخر معرفة التابعين.
وقد صنف في الطبقات جماعة، فمنهم من اختصر، كخليفة بن خياط، ومسلم بن الحجاج، ومنهم من طول كمحمد بن سعد في " الطبقات الكبرى "، وله ثلاثة تصانيف في ذلك، وكتابه الكبير كتاب جليل، كثير الفائدة، وابن سعد ثقة في نفسه، وثقه أبو حاتم وغيره، ولكنه كثير الرواية في الكتاب المذكور عن الضعفاء، كمحمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي. ويقتصر كثيرا على اسمه واسم أبيه من غير نسب، وكهشام بن محمد ابن السائب الكلبي، ونصر بن باب الخراساني في آخرين منهم. على أن أكثر شيوخه أئمة ثقات، كسفيان بن عيينة، وابن علية، ويزيد بن هارون، ومعن بن عيسى، وهشيم، وأبي الوليد الطيالسي، وأبي أحمد الزبيري، وأنس ابن عياض، وغيرهم، ولكنه أكثر الرواية في الكتاب المذكور عن شيخيه الأولين.
ثم إنه قد يكون الراوي من طبقة؛ لمشابهته لتلك الطبقة من وجه، ومن طبقة أخرى غيرها؛ لمشابهته لها من وجه آخر.
(2/343)
وأنس بن مالك ونحوه من صغار الصحابة من طبقة العشرة عند من عد الصحابة كلهم طبقة واحدة، كابن حبان في " الثقات " لاشتراكهم في الصحبة وهو من طبقة أخرى دون طبقة العشرة، عند من عد الصحابة طباقا، والتابعين طباقا، كابن سعد، وقد تقدم في معرفة الصحابة أنهم اثنتا عشرة طبقة، أو أكثر، وتقدم في معرفة التابعين أنهم خمس عشرة طبقة، والله أعلم.
الموالي من العلماء والرواة
994.... وربما إلى القبيل ينسب ... مولى عتاقة وهذا الأغلب
995.... أو لولاء الحلف كالتيمي ... مالك او للدين كالجعفي
996.... وربما ينسب مولى المولى ... نحو سعيد بن يسار أصلا
من المهمات معرفة الموالي من العلماء والرواة، وأهم ذلك أن ينسب إلى القبيلة مولى لهم، مع إطلاق النسب، فربما ظن أنهم منهم صليب بحكم ظاهر الإطلاق، وربما وقع من ذلك خلل في الأحكام الشرعية في الأمور المشترط فيها النسب، كالإمامة العظمى، والكفاءة في النكاح، ونحو ذلك.
وقد صنف في الموالي أبو عمر الكندي، ولكن بالنسبة إلى المصريين لا مطلقا. ثم الموالي المنسوبون إلى القبائل منهم من يكون المراد به مولى العتاقة، وهذا هو الأغلب،
(2/344)
كأبي البختري الطائي، وأبي العالية الرياحي، والليث ابن سعد الفهمي، وعبد الله بن المبارك الحنظلي، وعبد الله بن صالح الجهني - كاتب الليث - ونحوهم.
ومنهم: من يكون المراد به ولاء الحلف، كالإمام مالك بن أنس، هو أصبحي صليبة، وقيل له: التيمي؛ لكون نفره (أصبح) موالي لتيم قريش بالحلف، وقيل: لأن جده - مالك بن أبي عامر - كان أجيرا لطلحة بن عبيد الله التيمي، وطلحة مختلف بالتجارة، وهذا قسم آخر غير هذا القسم الثاني الذي تقدم.
ومنهم: من أريد به ولاء الإسلام، كالإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وقيل له: الجعفي؛ لأن جده كان مجوسيا وأسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي، وكالحسن ابن عيسى الماسرجسي، قيل له: مولى ابن المبارك لإسلامه على يديه.
وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها، كأبي الحباب سعيد بن يسار، قيل له: الهاشمي؛ لأنه مولى شقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
هكذا اقتصر ابن الصلاح على هذا القول. وقيل: إنه مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل: مولى الحسن بن علي، وقيل: مولى بني النجار. فليس حينئذ بمولى لبني هاشم.
ومن هذا القسم: عبد الله بن وهب القرشي الفهري المصري، فإنه مولى يزيد بن رمانة، ويزيد بن رمانة مولى يزيد بن أنيس الفهري، وقد أدخله ابن الصلاح في أمثلة القسم الأول، وهو بهذا أليق.
(2/345)
ثم ذكر ابن الصلاح قصة الزهري مع عبد الملك بن مروان، وسؤاله عمن يسود أهل مكة، ثم اليمن، ثم مصر، ثم الشام، ثم الجزيرة، ثم خراسان، ثم البصرة، ثم الكوفة، وجواب الزهري له، وأن كلهم موال إلا الذي بالكوفة، وهو إبراهيم النخعي، فإنه من العرب، وقول عبد الملك عند ذلك: ويلك يا زهري فرجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر، والعرب تحتها، وهذا من عبد الملك، إما فراسة، أو بلغه من أهل العلم، أو أهل الكتاب، فالله أعلم.
أوطان الرواة وبلدانهم
997.... وضاعت الأنساب في البلدان ... فنسب الأكثر للأوطان
998.... وإن يكن في بلدتين سكنا ... فابدأ بالاولى وبثم حسنا
999.... وإن يكن من قرية من بلدة ... ينسب لكل وإلى الناحية
مما يحتاج إليه أهل الحديث، معرفة أوطان الرواة وبلدانهم، فإن ذلك ربما ميز بين الاسمين المتفقين في اللفظ، فينظر في شيخه وتلميذه الذي روى عنه، فربما كانا - أو
(2/346)
أحدهما - من بلد أحد المتفقين في الاسم، فيغلب على الظن أن بلديهما هو المذكور في السند، لا سيما إذا لم يعرف له سماع بغير بلده.
وأيضا ربما استدل بذكر وطن الشيخ، أو ذكر مكان السماع على الإرسال بين الراويين إذا لم يعرف لهما اجتماع عند من لا يكتفي بالمعاصرة. وسمعت شيخنا الحافظ أبا محمد عبد الله بن محمد بن أبي بكر القرشي، يقول غير مرة: كنت أسمع بقراءة الحافظ أبي الحجاج المزي كتاب " عمل اليوم والليلة " للحسن بن علي بن شبيب المعمري، فمر حديث من رواية يونس بن محمد المؤدب، عن الليث بن سعد، فقلت للمزي: في أين سمع يونس من الليث؟ فقال: لعله سمع منه في الحج، ثم استمر في القراءة، ثم قال: لا الليث ذهب في الرسيلة إلى بغداد فسمع منه هناك. انتهى.
وإنما حدث للعرب الانتساب إلى البلاد والأوطان لما غلب عليها سكنى القرى، والمدائن، وضاع كثير من أنسابها، فلم يبق لها غير الانتساب إلى البلدان، وقد كانت العرب تنسب قبل ذلك إلى القبائل، فمن سكن في بلدتين، وأراد الانتساب إليهما فليبدأ بالبلد الذي سكنها أولا، ثم بالثانية التي انتقل إليها، وحسن أن يأتي بـ (ثم) في النسب للبلدة الثانية، فيقول مثلا: المصري ثم الدمشقي. ومن كان من أهل قرية من قرى بلدة، فجائز أن ينسب إلى القرية، وإلى البلدة أيضا، وإلى الناحية التي منها تلك البلدة، فمن هو؟ من أهل داريا مثلا، أن يقول في نسبه: الداري، والدمشقي، والشامي، فإن أراد الجمع بينها، فليبدأ بالأعم، فيقول: الشامي الدمشقي الداري.
(2/347)
1000.... وكملت بطيبة الميمونه ... فبرزت من خدرها مصونه
1001.... فربنا المحمود والمشكور ... إليه منا ترجع الأمور
1002.... وأفضل الصلاة والسلام ... على النبي سيد الأنام
أي: كملت هذه الأرجوزة بطيبة - مدينة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان الفراغ منها: يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة، سنة ثمان وستين وسبعمائة، وكان أول بروزها إلى الخارج بالمدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وكمل هذا الشرح عليها في يوم السبت التاسع والعشرين، في شهر رمضان المعظم قدره، سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، بالخانقاه الطشتمرية خارج القاهرة المحروسة.
وأجزت لكل من سمع مني الأرجوزة المذكورة، أو بعضها أن يروي عني جميع هذا الشرح عليها، وجميع ما يجوز لي وعني روايته.
(2/348)
وإذا وجد سماعه في كتابه وهو غير ذاكر له فحكي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز له روايته. وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي، وخالف أبا حنيفة في ذلك صاحباه: محمد ابن الحسن، والقاضي أبو يوسف، فذهبا إلى الجواز. وإليه ذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وقال ابن الصلاح: ((ينبغي أن يبنى على الخلاف في جواز اعتماد الراوي على كتابه في ضبط ما سمعه، فإن ضبط أصل السماع كأصل المسموع، فكما كان الصحيح وما عليه أكثر أهل الحديث تجويز الاعتماد على الكتاب المصون في ضبط المسموع حتى يجوز له أن يروي ما فيه، وإن كان لا يذكر أحاديثه حديثا حديثا، كذلك ليكن هذا إذا وجد شرطه وهو أن يكون السماع بخطه أو بخط من يثق به، والكتاب مصون. قال: وهذا إذا سكنت نفسه إلى صحته فإن شك فيه لم يجز الاعتماد عليه))
(1/503)
624.... وإن يغب وغلبت سلامته ... جازت () لدى جمهورهم روايته
625.... كذلك الضرير والأمي ... لا يحفظان يضبط المرضي
626.... ما سمعا والخلف في الضرير ... أقوى، وأولى منه في البصير
إذا كان اعتماد الراوي على كتابه دون حفظه، وغاب عنه الكتاب بإعارة، أو ضياع، أو سرقة، ونحو ذلك؛ فذهب بعض أهل التشديد في الرواية إلى أنه لا يجوز الرواية منه لغيبته عنه، وجواز التغيير فيه () . والصواب الذي عليه الجمهور أنه إذا كان الغالب على الظن من أمره سلامته من التغيير والتبديل جازت له الرواية منه، لا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه في الغالب إذا غير ذلك، أو شيء منه، لأن باب الرواية مبني على غلبة الظن () .
وقولي: (كذلك () الضرير والأمي) أي: كذلك يجري الخلاف في الضرير والأمي اللذين لا يحفظان حديثه ما. فإذا ضبط سماع هما ثقة، وحفظا كتابيه ما عن التغيير بحيث يغلب على الظن سلامته؛ صحت روايتهما. قال الخطيب: والسماع من البصير الأمي والضرير اللذين لم يحفظا () من المحدث ما سمعاه منه، لكنه كتب لهما، بمثابة واحدة؛ قد منع منه غير واحد من العلماء، ورخص فيه بعضهم () . وقال ابن الصلاح في الضرير الذي لم () يحفظ حديثه من فم من حدثه واستعان بالمأمونين في ضبط سماعه وحفظ كتابه ثم عند روايته في القراءة منه عليه، واحتاط في ذلك على حسب حاله بحيث يحصل معه الظن بالسلامة من التغيير صحت روايته. غير أنه أولى بالخلاف من مثل ذلك في البصير () .
(1/504)
الرواية من الأصل
627.... وليرو من أصل أو المقابل ... به ولا يجوز بالتساهل
628.... مما به اسم شيخه أو أخذا ... عنه لدى الجمهور وأجاز ذا
629.... أيوب والبرسان () قد أجازه ... ورخص الشيخ مع الإجازه
إذا أراد الراوي أن يحدث ببعض مسموعاته فليروه من أصله الذي سمع منه، أو من نسخة مقابلة على أصله بمقابلة ثقة، وهل له أن يحدث من أصل شيخه الذي لم يسمع فيه هو، أو من نسخة كتبت عن شيخه تسكن نفسه إلى صحتها؟ فذكر الخطيب () : أن عامة أصحاب الحديث منعوا من روايته من ذلك، وجاء عن أيوب ومحمد بن بكر البرساني، الترخيص فيه. وحكي عن أبي نصر بن الصباغ: أنه قطع بأنه لا يجوز أن يروي من نسخة سمع منها على شيخه، وليس فيها سماعه، ولا قوبلت بنسخة سماعه؛ وذلك لأنه قد يكون فيها زوائد ليست في نسخة سماعه.
وقولي: (ورخص الشيخ) أي: ابن الصلاح، فقال: ((اللهم إلا أن تكون له إجازة عن شيخه عامة لمروياته، أو نحو ذلك، فيجوز له حينئذ الرواية منها إذ ليس فيه أكثر من رواية تلك الزيادات بالإجازة بلفظ: أخبرنا أو حدثنا، من غير بيان للإجازة فيها. والأمر في ذلك قريب يقع مثله في محل التسامح)) . قال: ((فإن كان الذي في النسخة سماع شيخ شيخه، أو هي مسموعة على شيخ شيخه، أو مروية عن شيخ
(1/505)
شيخه، فينبغي له حينئذ في روايته منها أن تكون له إجازة شاملة من شيخه، ولشيخه إجازة شاملة من شيخه. قال: وهذا تيسير حسن، هدانا الله له)) () .
630.... وإن يخالف حفظه كتابه ... وليس منه فرأوا صوابه:
631.... الحفظ مع تيقن والأحسن ... الجمع كالخلاف ممن يتقن
إذا وجد الحافظ للحديث في كتابه خلاف ما يحفظه، فإن كان إنما حفظ من كتابه فليرجع إلى كتابه. وهذا معنى قولي: (وليس منه) أي: وليس حفظه من كتابه. وإن كان حفظه من فم المحدث، أو من القراءة على المحدث وهو غير شاك في حفظه فليعتمد حفظه، والأحسن أن يجمع بينهما، فيقول: حفظي كذا، وفي كتابي كذا. فهكذا فعل شعبة وغير واحد من الحفاظ.
وقولي: (كالخلاف ممن يتقن) أي: كمسألة ما إذا حفظ شيئا وخالفه فيه بعض الحفاظ المتقنين فإنه يحسن فيه أيضا بيان الأمرين، فيقول: حفظي كذا وكذا، وقال فيه فلان: كذا وكذا، ونحو ذلك. وقد فعل ذلك سفيان الثوري وغيره.
الرواية بالمعنى
632 ... وليرو بالألفاظ من لا يعلم ... مدلولها وغيره فالمعظم
633.... أجاز بالمعنى وقيل: لا الخبر ... والشيخ في التصنيف قطعا قد حظر
634 ... وليقل الراوي: بمعنى، أو كما ... قال ونحوه كشك أبهما
لا يجوز لمن لا يعلم مدلول الألفاظ ومقاصدها، وما يحيل معانيها أن يروي ما سمعه بالمعنى دون اللفظ بلا خلاف. بل يتقيد بلفظ الشيخ، فإن كان عالما بذلك جازت له
(1/506)
الرواية بالمعنى عند أكثر أهل الحديث والفقه والأصول. ومنع بعض أهل الحديث والفقه مطلقا () . وقولي: (وغيره) ، ليست الواو للعطف، بل للأستئناف، أي: وأما غيره وهو الذي يعلم مدلول الألفاظ.
وقولي: (وقيل: لا الخبر) أي: وقيل: لا تجوز الرواية بالمعنى () في الخبر، وهو حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز في غيره () ، والقول الأول هو الصحيح. وقد روينا عن غير واحد من الصحابة التصريح بذلك، ويدل على ذلك روايتهم للقصة الواحدة بألفاظ مختلفة. وقد ورد في المسألة حديث مرفوع رواه ابن منده في " معرفة () الصحابة " () ، من حديث عبد الله بن سليمان ابن أكيمة الليثي () ، قال: قلت يا رسول الله: إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤديه كما أسمع منك، يزيد حرفا، أو ينقص حرفا، فقال: إذ لم تحلوا حراما، ولم تحرموا حلالا، وأصبتم المعنى، فلا بأس.
(1/507)
فذكر ذلك للحسن، فقال: لولا هذا ما حدثنا. قال ابن الصلاح: ((ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريا ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب، فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه. فإن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص، لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والنصب، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب، ولأنه إن ملك تغيير اللفظ، فليس يملك تغيير تصنيف غيره، والله أعلم)) () . وقد تعقب كلامه ابن دقيق العيد، فقال: إنه كلام فيه ضعف () ، قال: ((وأقل ما فيه أنه يقتضي تجويز هذا فيما ينقل من المصنفات إلى أجزائنا وتخاريجنا، فإنه ليس فيه تغيير التصنيف () المتقدم.
قال: وليس هذا جاريا على الاصطلاح، فإن الاصطلاح على أن لا تغير الألفاظ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنفة سواء رويناها فيها أو نقلناها منها)) () ، (قلت: لا نسلم أنه يقتضي جواز التغيير فيما نقلناه إلى تخاريجنا، بل لا يجوز نقله عن ذلك الكتاب، إلا بلفظه دون معناه، سواء في تصانيفنا، أو غيرها، والله أعلم) () .
وقولي: (حظر) أي: منع من قوله تعالى: {وما كان عطآء ربك
محظورا} () ، أي: ممنوعا. وينبغي لمن روى بالمعنى أن يقول، أو كما قال، أو نحو هذا، وما أشبه ذلك. فقد ورد ذلك عن ابن مسعود، وأبي
(1/508)
الدرداء، وأنس، وهم من أعلم الناس بمعاني الكلام.
وقولي: (كشك أبهما) أي: كمسألة ما إذا شك القارئ أو الشيخ في لفظة أو أكثر فقرأها على الشك، فإنه يحسن أن يقول: أو كما قال. قال ابن الصلاح: ((وهو الصواب في مثله؛ لأن قوله: أو كما قال، يتضمن إجازة من الراوي وإذنا في رواية صوابها عنه، إذا بان. ثم لا يشترط إفراد ذلك بلفظة الإجازة لما بيناه قريبا)) .
الاقتصار على بعض الحديث
635.... وحذف بعض المتن فامنع او أجز ... أو إن أتم أو لعالم ومز
636.... ذا بالصحيح إن يكن ما اختصره ... منفصلا عن الذي قد ذكره
637.... وما لذي تهمة أن يفعله ... فإن أبى فجاز أن لا يكمله
638.... أما إذا قطع في الأبواب ... فهو إلى الجواز ذو اقتراب
اختلف العلماء في جواز الاقتصار على بعض الحديث، وحذف بعضه، على أقوال:
أحدها: المنع مطلقا.
والثاني: الجواز مطلقا.
(1/509)
وينبغي تقييد الإطلاق بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمأتي به تعلقا يخل بالمعنى حذفه، كالاستثناء، والحال، ونحو ذلك، كما سيأتي في القول الرابع. فإن كان كذلك لم يجز بلا خلاف، وبه جزم أبو بكر الصيرفي () وغيره، وهو واضح.
والثالث: أنه إن لم يكن رواه على التمام مرة أخرى هو أو غيره، لم يجز. وإن كان رواه على التمام مرة أخرى هو أو غيره جاز () . وإليه الإشارة بقولي: (أو إن أتم) أي: أو أجزه إن أتم مرة ما، منه أو من غيره.
والقول الرابع: وهو الصحيح كما قال ابن الصلاح: ((إنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما نقله، غير متعلق به، بحيث لا يختل البيان، ولا تختلف الدلالة، فيما نقله بترك ما تركه. قال: فهذا ينبغي أن يجوز، وإن لم يجز النقل بالمعنى () ؛ لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين)) () . وإلى تصحيح هذا القول الإشارة بقولي: (ومز ذا بالصحيح) .
وليس للمتهم أن يحذف بعض الحديث، كما ذكر الخطيب () أن من روى حديثا على التمام، وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان أن يتهم بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث؛ لقلة ضبطه، وكثرة غلطه، فواجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه. وقال سليم الرازي: ((من روى بعض الخبر، ثم أراد أن ينقل تمامه، وكان ممن يتهم بأنه زاد في حديثه ؛ كان ذلك عذرا له في ترك الزيادة، وكتمانها)) () . وإليه الإشارة بقولي: (فإن أبى) أي: فإن خالف،
(1/510)
ورواه () ناقصا مرة، فجاز أن لا يكمله بعد ذلك. قال ابن الصلاح: ((من كان هذا حاله، فليس له من الابتداء، أن يروي الحديث غير تام، إذا كان قد تعين عليه أداء تمامه؛ لأنه إذا رواه أولا ناقصا، أخرج باقيه عن حيز الاحتجاج به، ودار بين أن لا يرويه () أصلا فيضيعه رأسا، وبين أن يرويه متهما فيه، فيضيع ثمرته؛ لسقوط الحجة فيه)) () .
وأما تقطيع المصنف للحديث الواحد، وتفريقه في الأبواب بحسب الاحتجاج به على مسألة مسألة، فهو إلى الجواز أقرب، وقد فعله الأئمة: مالك وأحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم من الأئمة () . وحكى الخلال عن أحمد: أنه ينبغي أن لا يفعل () . قال ابن الصلاح: ((ولا يخلو من كراهية)) () .
التسميع بقراءة اللحان، والمصحف
639.... وليحذر اللحان والمصحفا ... على حديثه بأن يحرفا
640.... فيدخلا في قوله: من كذبا ... فحق النحو على من طلبا
641.... والأخذ من أفواههم لا الكتب ... أدفع للتصحيف فاسمع وادأب
أي () : وليحذر الشيخ أن يروي حديثه بقراءة لحان أو مصحف فقد روينا عن الأصمعي قال إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار () ، لأنه لم يكن يلحن،
(1/511)
فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه () وقد روينا نحو () هذا عن حماد بن سلمة أنه قال لإنسان: إن لحنت في حديثي فقد كذبت علي، فإني لا ألحن () وقد كان حماد إماما في ذلك وقد روينا () أن سيبويه شكاه إلى الخليل بن أحمد، قال سألته عن حديث هشام بن عروة عن أبيه في رجل رعف () ، فانتهرني، وقال لي () : أخطأت، إنما هو رعف، أي بفتح العين -، فقال له الخليل: صدق، أتلقى بهذا الكلام أبا أسامة قال ابن الصلاح: فحق على طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يتخلص به عن () شين اللحن، والتحريف، ومعرتهما () وروى الخطيب عن شعبة قال من طلب الحديث ولم يبصر العربية كمثل رجل عليه برنس، وليس له رأس () وروى الخطيب أيضا عن حماد بن سلمة، قال مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو، مثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها () فبتعلم النحو يسلم من اللحن وأما السلامة من التصحيف فسبيلها الأخذ من أفواه أهل العلم، والضبط عنهم، لا من بطون الكتب، فقلما سلم من التصحيف من أخذ العلم من الصحف من غير تدريب المشايخ
(1/512)
إصلاح اللحن، والخطأ
642.... وإن أتى في الأصل لحن أو خطا ... فقيل: يروى كيف جاء غلطا
643.... ومذهب المحصلين يصلح ... ويقرأ الصواب وهو الأرجح
644.... في اللحن لا يختلف المعنى به ... وصوبوا الإبقاء مع تضبيبه
645.... ويذكر الصواب جانبا كذا ... عن أكثر الشيوخ نقلا أخذا
646.... والبدء بالصواب أولى وأسد ... وأصلح الإصلاح من متن ورد
إذا وقع في الأصل لحن أو تحريف، فقيل: يروى على الخطإ، كما وقع. حكي ذلك عن ابن سيرين وعبد الله بن سخبرة. وقيل: يصلح ويقرأ على الصواب، وإليه ذهب الأوزاعي وابن المبارك والمحصلون من العلماء والمحدثين، لا سيما في اللحن الذي لا يختلف المعنى به. وإصلاح مثل ذلك لازم على تجويز الرواية بالمعنى، وهو قول الأكثرين، وقد ذكر ابن أبي خيثمة في كتاب " الإعراب " له: أنه سئل الشعبي والقاسم بن محمد وعطاء ومحمد بن علي بن الحسين: الرجل يحدث بالحديث فيلحن أأحدث كما سمعت؟ أو أعربه؟ فقالوا: لا، بل اعربه. واختار الشيخ عز الدين بن عبد السلام في هذه المسألة ترك الخطأ والصواب أيضا، حكاه عنه ابن دقيق العيد في
(1/513)
" الاقتراح "، فقال: سمعت أبا محمد بن عبد السلام، وكان أحد سلاطين العلماء، كان يرى في هذه المسألة ما لم أره لأحد، أن هذا اللفظ المحتمل لا يروى على الصواب ولا على الخطأ. أما على الصواب، فإنه لم يسمع من الشيخ كذلك، وأما على الخطأ فلأن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقله كذلك، وهذا معنى ما قاله أو قريب منه.
وقولي: (في اللحن) ، هو متعلق بقولي: (وهو الأرجح) أي: الأرجح في هذه الصورة لا مطلقا. قال ابن الصلاح: وأما إصلاح ذلك وتغييره في كتابه وأصله، فالصواب تركه، وتقرير ما وقع في الأصل على ما هو عليه مع التضبيب عليه، وبيان الصواب خارجا في الحاشية. وحكاه القاضي عياض عن عمل أكثر الأشياخ.
(1/514)
قال أبو الحسين بن فارس: وهذا أحسن ما سمعت في هذا الباب.
ثم إذا قرأ الراوي، أو القارئ عليه شيئا من ذلك، فإن شاء قدم ما وقع في الأصل، والرواية ثم يبينالصواب. وإن شاء قدم ما هو الصواب ثم قال: وقع في الرواية كذا وكذا. وهذا أولى من الأول كيلايقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل. قاله ابن الصلاح قال: ((وأصلح ما يعتمد عليه في الإصلاح أن يكون ما يصلح به الفاسد قد ورد في أحاديث أخر، فإن ذاكره آمن من أن يكون متقولا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل)) .
647.... وليأت في الأصل بما لا يكثر ... كابن وحرف حيث لا يغير
648.... والسقط يدرى أن من فوق أتى ... به يزاد بعد يعني مثبتا
إذا كان الساقط من الأصل شيئا يسيرا يعلم أنه سقط في الكتابة، وهو معروف كلفظ: ابن في النسب، وكحرف لا يختلف المعنى به، فلا بأس بإلحاقه في الأصل من غير تنبيه على سقوطه. وقد سأل أبو داود أحمد بن حنبل فقال: وجدت في كتابي: ((حجاج عن جريج عن أبي الزبير)) ، يجوز لي أن أصلحه: ((ابن جريج؟)) فقال: أرجو أن يكون هذا لا بأس به. وقيل لمالك: أرأيت حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يزاد فيه الواو والألف، والمعنى واحد؟ فقال: أرجو أن يكون خفيفا. انتهى. وإذا كان الساقط يعلم أنه
(1/515)
سقط من بعض من تأخر من رواة الحديث، وأن من فوقه من الرواة أتى به، فإنه يزاد في الأصل، ويؤتى قبله بلفظ: يعني، كما فعل الخطيب إذ روى عن أبي عمر ابن مهدي عن المحاملي بسنده إلى عروة عن عمرة - يعني - عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدني إلي رأسه فأرجله. قال الخطيب: كان في أصل ابن مهدي ((عن عمرة، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدني إلي رأسه)) . فألحقنا فيه ذكر (عائشة) ، إذ لم يكن منه بد. وعلمنا أن المحاملي كذلك رواه، وإنما سقط من كتاب شيخنا، وقلنا فيه: ((يعني عن عائشة)) ؛ لأن ابن مهدي لم يقل لنا ذلك. قال: وهكذا رأيت غير واحد من شيوخنا يفعل في مثل هذا، ثم روى عن وكيع قال: ((أنا استعين في الحديث بـ: يعني)) .
649.... وصححوا استدراك ما درس في ... كتابه من غيره إن يعرف
650.... صحته من بعض متن أو سند ... كما إذا ثبته من يعتمد
651.... وحسنوا البيان كالمستشكل ... كلمة في أصله فليسأل
إذا درس من كتابه بعض المتن، أو الإسناد بتقطيع، أو بلل، أو نحو ذلك فإنه يجوز له استدراكه من كتاب غيره، إذا عرف صحته، ووثق بصاحب الكتاب، بأن يكون قد أخذه عن شيخه، وهو ثقة، أو نحو ذلك على الصحيح وممن فعل ذلك نعيم بن حماد وذهب بعض المحدثين إلى المنع من
(1/516)
ذلك قال الخطيب: ولو بين ذلك كان أولى وهكذا الحكم فيما إذا شك المحدث في شيء فاستثبته من ثقة غيره من حفظه، أو كتابه، كما روي ذلك عن أبي عوانة وأحمد بن حنبل، وغيرهما ويحسن أن يبين من ثبته كما فعل يزيد بن هارون، وغيره، وقد روينا في " مسند أحمد "، قال حدثنا يزيد بن هارون، قال أخبرنا عاصم بالكوفة، فلم اكتبه فسمعت شعبة يحدث به، فعرفته به عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر قال اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، ... الحديث وفي غير المسند عن يزيد، قال أخبرنا عاصم وثبتني شعبة، فإن بين أصل التثبيت، ولم يبين من ثبته، فلا بأس به، فعله أبو داود في "سننه" عقب حديث الحكم بن حزن الكلفي، فقال ثبتني في شيء منه بعض أصحابنا
وقولي (كالمستشكل) ، أي كما الحكم كذلك في مسألة ما إذا وجد في أصله كلمة من غريب العربية، أو غيرها غير مقيدة، وأشكلت عليه، فجائز أن يسأل عنها أهل العلم بها، ويرويها على ما يخبرونه به، روي مثل ذلك عن أحمد وإسحاق وغيرهما
(1/517)
اختلاف ألفاظ الشيوخ
652.... وحيث من أكثر من شيخ سمع ... متنا بمعنى لا بلفظ فقنع
653.... بلفظ واحد وسمى الكل: صح ... عند مجيزي النقل معنى ورجح
654.... بيانه مع قال أو مع قالا ... وما ببعض ذا وذا وقالا
655.... اقتربا في اللفظ أو لم يقل: ... صح لهم والكتب إن تقابل
656.... بأصل شيخ من شيوخه فهل ... يسمى الجميع مع بيانه؟ احتمل
إذا سمع الراوي الحديث من شيخين فأكثر بلفظ مختلف، والمعنى واحد جاز له أن يرويه عن شيخيه، أو شيوخه مع تسمية كل، ويسوق لفظ رواية واحد فقط عند من يجيز الرواية بالمعنى، وهم الأكثرون بالشرط المتقدم، والأحسن الراجح أن يبين لفظ الرواية لمن هي بقوله: وهذا لفظ فلان، ونحو ذلك، للخروج من الخلاف. ثم هو مخير بين أن يفرد فعل القول فيخصصه بمن له اللفظ، فيقول: أخبرنا فلان وفلان، واللفظ له، قال: وبين أن يأتي بالفعل لهما فيقول: قالا أخبرنا فلان. وإلى هذا الإشارة بقولي:
(مع قال، أو مع قالا) .
واستحسن لمسلم قوله: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج؛ كلاهما عن أبي خالد، قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد الأحمر. قال ابن الصلاح: ((فإعادته ثانيا ذكر أحدهما خاصة إشعار بأن اللفظ المذكور له)) . قلت: ويحتمل أنه أراد
(2/5)
بإعادته بيان التصريح فيه بالتحديث، وأن الأشج لم يصرح في روايته بالتحديث، والله أعلم.
وقولي: (وما ببعض ذا وذا وقالا) ، الألف في آخر حرف الروي للإطلاق، أي: وما أتى فيه الراوي ببعض لفظ أحد الشيخين، وبعض لفظ الآخر، ولم يبين لفظ أحدهما من الآخر، بل قال: وتقاربا في اللفظ، أو المعنى واحد، ونحو ذلك؛ فهو جائز صحيح عند من يجوز الرواية بالمعنى، وهكذا لو لم يقل وتقاربا، وما أشبهها، فهو جائز صحيح أيضا عند من جوز الرواية بالمعنى، وإليه الإشارة بقولي: (صح لهم) أي: لمجيزي الرواية بالمعنى. قال ابن الصلاح: ((وهذا مما عيب به البخاري أو غيره)) ، أي ترك البيان.
وقولي: (والكتب إن تقابل ... ) إلى آخره، أي: إذا قوبل كتاب من الكتب المصنفة سمعه على شيخين فأكثر بأصل أحد شيخيه، أو أحد شيوخه دون بقيتهم، فهل له أن يسمي جميع شيوخه في روايته لذلك الكتاب مع بيان أي اللفظ للشيخ الذي قابله بأصله؟ قال ابن الصلاح: ((يحتمل أن يجوز كالأول؛ لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن ذكر أنه بلفظه، ويحتمل أنه لا يجوز؛ لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين، حتى يخبر عنها بخلاف ما سبق؛ فإنه اطلع فيه على موافقة المعنى)) .
الزيادة في نسب الشيخ
657.... والشيخ إن يأت ببعض نسب ... من فوقه فلا تزد واجتنب
658.... إلا بفصل نحو هو أو يعني ... أوجئ بأن وانسبن المعني
659.... أما إذا الشيخ أتم النسبا ... في أول الجزء فقط فذهبا
(2/6)
660.... الأكثرون لجواز أن يتم ... ما بعده والفصل أولى وأتم
إذا سمع من شيخ حديثا فاقتصر شيخه في نسب شيخه، أو من فوقه على بعضه، فليس له أن يزيد في النسب على ما ذكر منه شيخه من غير فصل يبين أنه من الزيادة على شيخه، كقوله: هو ابن فلان الفلاني، أو يعني: ابن فلان، او نحو ذلك. وروى الخطيب عن أحمد: أنه كان إذا جاء اسم الرجل غير منسوب، قال: يعني ابن فلان. وروينا في كتاب " اللقط " للبرقاني بإسناده إلى ابن المديني، قال: إذا حدثك الرجل فقال: حدثنا فلان، ولم ينسبه، وأحببت أن تنسبه، فقل: حدثنا فلان أن فلان بن فلان بن فلان حدثه. وأما إذا أتم الشيخ نسب شيخه في أول كتاب أو جزء واقتصر في بقية الكتاب، أو الجزء على اسم الشيخ، فإنه يجوز لمن سمع من الشيخ أن يفرد ما بعد الحديث الأول مع إتمام نسب شيخ شيخه فيه، كما حكاه الخطيب عن أكثر أهل العلم. وحكى عن شيخه أبي بكر أحمد بن علي الأصبهاني أحد الحفاظ أنه كان يقول في مثل هذا: إن فلان بن فلان. وعن بعضهم: أن الأولى أن يقول فيه: يعني ابن فلان. وبعضهم يقول: هو ابن فلان، قال: وهذا الذي استحبه؛ لأن قوما من الرواة كانوا يقولون فيما أجيز لهم: أخبرنا فلان أن فلانا حدثهم. انتهى. ولعله فيما أجيز لشيوخهم، كما تقدم نقله عن الخطابي.
(2/7)
الرواية من النسخ التي إسنادها واحد
661.... والنسخ التي بإسناد قط ... تجديده في كل متن أحوط
662.... والأغلب البدء به ويذكر ... ما بعده مع وبه والأكثر
663.... جوز أن يفرد بعضا بالسند ... لآخذ كذا والإفصاح أسد
664.... ومن يعيد سند الكتاب مع ... آخره احتاط وخلفا ما رفع
النسخ التي إسناد أحاديثها إسناد واحد كنسخة همام بن منبه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ونحوها. الأحوط أن يجدد ذكر الإسناد عند كل حديث منها. ومن أهل الحديث من يفعله. ويوجد ذلك في كثير من الأصول القديمة، وأوجب بعضهم ذلك، وأشرت إلى الخلاف بقولي في آخر الأبيات: (وخلفا ما رفع) . والأغلب الأكثر أن يبدأ بالإسناد في أولها، أو في أول كل مجلس من سماعها، ويدرج الباقي عليه، بقوله، في كل حديث بعد الحديث الأول، وبه، أو وبالإسناد، ونحو ذلك. ثم إن من سمع هكذا يذكر السند في أوله. وإدراج ما بعده عليه هل له أن يفرد ما بعد الحديث الأول بالسند المذكور في أوله؟ ذهب الأكثرون إلى الجواز منهم وكيع وابن معين والأسماعيلي؛ لأن المعطوف له حكم المعطوف عليه وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله. وذهب أبو إسحاق الإسفراييني وبعض أهل الحديث إلى المنع، إلا مع بيان كيفية التحمل. وعلى القول بالجواز،
(2/8)
فالأحسن البيان كما يفعل كثير من المؤلفين، منهم مسلم، كقوله: حدثنا محمد بن رافع، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، وذكر أحاديث منها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة، ... الحديث. وما يفعله بعضهم من إعادة السند في آخر الكتاب، أو الجزء، فهو احتياط وتأكيد، ولا يرفع الخلاف في إفراد كل حديث بالسند.
تقديم المتن على السند
665.... وسبق متن لو ببعض سند ... لا يمنع الوصل ولا أن يبتدي
666.... راو كذا بسند فمتجه ... وقال: خلف النقل معنى يتجه
667.... في ذا كبعض المتن قدمت على ... بعض ففيه ذا الخلاف نقلا
إذا قدم الراوي الحديث على السند، كأن يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كذا وكذا، أخبرنا به فلان، ويذكر سنده، أو قدم بعض الإسناد مع المتن على بقية السند كأن يقول: روى عمرو بن دينار عن جابر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كذا وكذا، أخبرنا به فلان، ويسوق سنده إلى عمرو، فهو إسناد متصل لا يمنع ذلك الحكم باتصاله، ولا يمنع ذلك كمن روى كذلك أي تحمله من شيخه كذلك أنيبتدئ بالإسناد جميعه، أولا، ثم يذكر المتن كما جوزه بعض المتقدمين من أهل الحديث، قال ابن الصلاح: ((وينبغي أن يكون فيه خلاف نحو الخلاف في تقديم بعض المتن على بعض، فقد حكى الخطيب: المنع من ذلك، على القول بأن الرواية على المعنى لا تجوز، والجواز على القول بأن الرواية على المعنى تجوز ولا فرق بينهما في ذلك)) .
(2/9)
إذا قال الشيخ: مثله، أو نحوه
668.... وقوله مع حذف متن مثله ... أو نحوه يريد متنا قبله
669.... فالأظهر المنع من ان يكمله ... بسند الثاني وقيل: بل له
670.... إن عرف الراوي بالتحفظ ... والضبط والتمييز للتلفظ
671.... والمنع في نحو فقط قد حكيا ... وذا على النقل بمعنى بنيا
672.... واختير أن يقول: مثل متن ... قبل ومتنه كذا، ويبني
إذا روى الشيخ حديثا بإسناد له، وذكر متن الحديث. ثم أتبعه بإسناد آخر، وحذف متنه، وأحال به على المتن الأول، بقوله: مثله، أو نحوه، فهل لمن سمع منه ذلك أن يقتصر على السند الثاني، ويسوق لفظ حديث السند الأول؟ فيه ثلاثة أقوال:
أظهرها منع ذلك، وهو قول شعبة. فروينا عنه أنه قال: فلان عن فلان: مثله، لا يجزئ. وروينا عنه أيضا، أنه قال: قول الراوي: نحوه، شك.
والثاني: جواز ذلك إذا عرف أن الراوي لذلك ضابط متحفظ، يذهب إلى تمييز الألفاظ وعد الحروف، فإن لم يعرف ذلك منه، لم يجز. حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم. وروينا عن سفيان الثوري قال: فلان عن فلان مثله يجزئ، وإذا قال: نحوه، فهو حديث.
(2/10)
والثالث: أنه يجوز في قوله: مثله، ولا يجوز في قوله: نحوه. وهو قول يحيى بن معين. وعليه يدل كلام الحاكم أبي عبد الله حيث يقول: لا يحل له أن يقول: مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد، ويحل أن يقول: نحوه، إذا كان على مثل معانيه. قال الخطيب: ((وهذا على مذهب من لم يجز الرواية على المعنى، وأما على مذهب من أجازها فلا فرق بين مثله ونحوه)) . قال الخطيب: وكان غير واحد من أهل العلم، إذا روى مثل هذا يورد الإسناد، ويقول: مثل حديث قبله، متنه كذا وكذا، ثم يسوقه. قال: وكذلك إذا كان المحدث قد قال نحوه. قال: ((وهذا الذي أختاره)) .
673.... وقوله: إذ بعض متن لم يسق ... وذكر الحديث فالمنع أحق
674.... وقيل: إن يعرف كلاهما الخبر ... يرجى الجواز والبيان المعتبر
675.... وقال: إن يجز فبالإجازه ... لما طوى واغتفروا إفرازه
أي: إذا أتى الشيخ الراوي ببعض الحديث وحذف بقيته، وأشار إليه بقوله: وذكر الحديث، أو نحو ذلك، كقوله: وذكره، وكقوله: الحديث، ولم يكن تقدم كمال الحديث، كالصورة الأولى، فليس لمن سمع كذلك أن يتمم الحديث، بل يقتصر على ما سمع منه، إلا مع البيان، كما سيأتي. وهذا أولى بالمنع من المسألة التي قبلها؛ لأن المسألة التي قبلها قد ساق فيها جميع المتن قبل ذلك، بإسناد آخر، وفي هذه الصورة لم يسق إلا هذا القدر من الحديث.
(2/11)
وبالمنع أجاب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، وقال أبو بكر الإسماعيلي: إذا عرف المحدث والقارئ ذلك الحديث فأرجو أن يجوز ذلك. والبيان أولى بأن يقول: كما قال. وطريق من أراد إتمامه أن يقتصر ما ذكره الشيخ منه، ثم يقول: قال، وذكر الحديث. ثم يقول: وتمامه كذا وكذا، ويسوقه. وقال ابن الصلاح بعد حكاية كلام الإسماعيلي: ((إذا جوزنا ذلك، فالتحقيق فيه أنه بطريق الإجازة فيما لم يذكره الشيخ. قال: لكنها إجازة أكيدة قوية من جهات عديدة، فجاز لهذا - مع كون أوله سماعا - أدراج الباقي عليه من غير إفراد له بلفظ الإجازة)) .
إبدال الرسول بالنبي، وعكسه
676.... وإن رسول بنبي أبدلا ... فالظاهر المنع كعكس فعلا
677.... وقد رجا جوازه ابن حنبل ... والنووي صوبه وهو جلي
إذا وقع في الرواية: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهل للسامع أن يقول: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهكذا عكسه، كأن يكون في الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقول: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن الصلاح: ((الظاهر أنه لا يجوز وإن جازت الرواية بالمعنى، فإن شرط ذلك ألا يختلف المعنى، والمعنى في هذا مختلف)) . وكان أحمد إذا كان في الكتاب: النبي، فقال المحدث: رسول الله، ضرب وكتب: رسول الله. قال الخطيب: ((هذا غير لازم، وإنما استحب اتباع اللفظ، وإلا فمذهبه الترخيص في ذلك)) . وقد سأله ابنه صالح: يكون في الحديث رسول الله فيجعل النبي؟! قال: أرجو ألا يكون به
(2/12)
بأس، وقال حماد بن سلمة لعفان وبهز، لما جعلا يغيران النبي من رسول الله: أما أنتما فلا تفقهان أبدا. قلت: وقول ابن الصلاح: أن ((المعنى في هذا مختلف)) لا يمنع جواز ذلك؛ لأنه وإن اختلف معنى النبي والرسول، فإنه لا يختلف المعنى في نسبة ذلك القول لقائله باي وصف وصفه، إذا كان يعرف به. وأما ما استدل به بعضهم على المنع بحديث البراء بن عازب في الصحيح في الدعاء عند النوم، وفيه: ونبيك الذي أرسلت. فقال يستذكرهن: وبرسولك الذي أرسلت، فقال: ((لا وبنبيك الذي أرسلت)) فليس فيه دليل؛ لأن ألفاظ الأذكار توقيفية، وربما كان في اللفظ سر لا يحصل بغيره، ولعله أراد أن يجمع بين اللفظين في موضع واحد. وقال النووي: ((الصواب - والله أعلم - جوازه؛ لأنه لا يختلف به هنا معنى)) .
السماع على نوع من الوهن، أو عن رجلين
678.... ثم على السامع بالمذاكره ... بيانه كنوع وهن خامره
إذا سمع من الشيخ من حفظه في حالة المذاكرة، فعليه بيان ذلك بقوله: حدثنا مذاكرة، أو في المذاكرة، ونحو ذلك؛ لأنهم يتساهلون في المذاكرة. والحفظ خوان، ولهذا كان أحمد يمتنع من رواية ما يحفظه إلا من كتابه، وقد منع عبد الرحمن بن
(2/13)
مهدي وابن المبارك وأبو زرعة الرازي أن يحمل عنهم في المذاكرة شيء. هكذا قال ابن الصلاح: إن عليه بيان ما فيه بعض الوهن. وجعل من أمثلته ما سمعه في المذاكرة فتبعته في ذلك. وفي كلام الخطيب: إنه ليس بحتم، فإنه قال: ((وأستحب أن يقول: حدثناه في المذاكرة)) .
وقولي: (كنوع وهن خامره) أي: كما إذا كان في سماعه نوع من الوهن، فإن عليه بيانه، كأن يسمع من غير أصل، أو كان هو، أو شيخه يتحدث في وقت القراءة عليه، أو ينسخ، أو ينعس، أو كان سماع شيخه، أو سماعه هو بقراءة مصحف، أو لحان، أو كتابة التسميع بخط من فيه نظر، ونحو ذلك، فإن في إغفال ذلك وترك البيان نوعا من التدليس.
679.... والمتن عن شخصين واحد جرح ... لا يحسن الحذف له لكن يصح
680.... ومسلم عنه كنى فلم يوف ... والحذف حيث وثقا فهو أخف
إذا كان الحديث عن رجلين: أحدهما مجروح، كحديث لأنس يرويه عنه مثلا ثابت البناني، وأبان بن أبي عياش، ونحو ذلك، لا يحسن إسقاط المجروح - وهو أبان - والاقتصار على ثابت لجواز أن يكون فيه شيء عن أبان لم يذكره ثابت؛ وحمل لفظ أحدهما على الآخر، قال نحو ذلك أحمد، والخطيب، وقال ابن الصلاح: ((إنه
(2/14)
لا يمتنع ذلك امتناع تحريم؛ لأن الظاهر اتفاق الروايتين، وما ذكر من الاحتمال نادر بعيد)) . قال الخطيب: وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما أسقط المجروح من إلاسناد ويذكر الثقة، ثم يقول: ((وآخر)) كناية عن المجروح. قال: وهذا القول لا فائدة فيه. قال ابن الصلاح: ((وهكذا ينبغي، إذا كان الحديث عن ثقتين أن لا يسقط أحدهما منه؛ لتطرق مثل الاحتمال المذكور إليه، وإن كان محذور الإسقاط فيه أقل، ثم لا يمتنع ذلك)) .
681.... وإن يكن عن كل راو قطعه ... أجز بلا ميز بخلط جمعه
682.... مع البيان كحديث الإفك ... وجرح بعض مقتض للترك
683.... وحذف واحد من الإسناد ... في الصورتين امنع للازدياد
إذا لم يكن سمع جميع الحديث من شيخ واحد فأكثر، بل سمع قطعة من الحديث من شيخ، وقطعة منه من شيخ آخر، فما زاد، فإنه يجوز له أن يخلط الحديث ويرويه عنهما، أو عنهم جميعا، مع بيان أن عن كل شيخ بعض الحديث من غير تمييز لما سمعه من كل شيخ من الآخر، كحديث الإفك في الصحيح من رواية الزهري، حيث قال:
(2/15)
حدثني عروة، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، قال: وكل قد حدثني طائفة من حديثها، ودخل حديث بعضهم في بعض، وأنا أوعى لحديث بعضهم!!؟ فذكر الحديث. فإن اتفق في حديث غير هذا أن كان بعض الرواة في مثل هذه الصورة ضعيفا، فذلك مقتض لطرح جميع الحديث؛ لأنه ما من قطعة من الحديث، إلا وجائز أن تكون عن ذلك الراوي المجروح.
وقولي: (وحذف) ، هو مفعول مقدم، أي: امنع حذف واحد من الإسناد فيما نحن فيه في الصورتين، في صورة ما إذا كان الراويان، أو الرواة كلهم ثقات، وفي صورة ما إذا كان فيهم ضعيف؛ لأنك إذا حذفت واحدا من الإسناد، وأتيت بجميع الحديث، فقد زدت على بقية الرواة ما ليس من حديثهم، وإن حذفت بعض الحديث لم يعلم أن ما حذفته هو رواية من حذفت اسمه فيجب ذكر جميع الرواة في الصورتين معا. والله أعلم.
آداب المحدث
684.... وصحح النية في التحديث ... واحرص على نشرك للحديث
685.... ثم توضأ واغتسل واستعمل ... طيبا وتسريحا وزبر المعتلي
686.... صوتاعلى الحديث وأجلس بأدب ... وهيبة بصدر مجلس وهب
687.... لم يخلص النية طالب فعم ... ولا تحدث عجلا أو إن تقم
688.... أو في الطريق ثم حيث احتيج لك ... في شيء اروه وابن خلاد سلك
689.... بأنه يحسن للخمسينا ... عاما ولا بأس لأربعينا
690.... ورد. والشيخ بغير البارع ... خصص لاكمالك والشافعي
(2/16)
من تصدى لإسماع الحديث، أو الإفادة فيه فليقدم تصحيح النية وإخلاصها، فإنما الأعمال بالنيات، وقد قال سفيان الثوري: قلت لحبيب بن أبي ثابت حدثنا. قال: حتى تجيء النية. وقيل لأبي الأحوص سلام بن سليم حدثنا. فقال: ليست لي نية، فقالوا له: إنك تؤجر. فقال:
يمنونني الخير الكثير وليتني ... نجوت كفافا لا علي ولاليا
وروينا عن حماد بن زيد أنه قال: استغفر الله إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء، وليكن أكبر همه نشر الحديث، والعلم، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتبليغ عنه، وقد كان عروة يتألف الناس على حديثه. وقال سفيان الثوري: تعلموا هذا العلم فإذا علمتموه فتحفظوه، فإذا حفظتموه فاعملوا به، فإذا عملتم به فانشروه. ويستحب له أن يستعمل عند إرادة التحديث ما رويناه عن مالك - رضي الله عنه -، أنه كان إذا أراد أن يحدث توضأ، وجلس على صدر فراشه، وسرح لحيته، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة، وحدث، فقيل له في ذلك، فقال أحب أن أعظم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحدث إلا على طهارة متمكنا، وكان يكره أن يحدث في الطريق، أو وهو قائم، أو يستعجل وقال:
(2/17)
أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وروينا عنه أيضا أنه كان يغتسل لذلك ويتبخر ويتطيب، فإن رفع أحد صوته في مجلسه زبره، وقال: قال الله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} ، فمن رفع صوته عند حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقولي: (وهب لم يخلص النية) أي: وهب أن الطالب لم يخلص نيته فلا تمتنع من تحديثه، بل عم كل طالب علم. وروينا عن الثوري أنه قال: ما كان في الناس أفضل من طلبة الحديث، فقال له ابن مهدي: يطلبونه بغير نية، فقال: طلبهم إياه نية. وروينا عن حبيب بن أبي ثابت ومعمر بن راشد أنهما قالا: طلبنا الحديث وما لنا فيه نية، ثم رزق الله عز وجل النية بعد وروينا عن معمر أيضا، قال: إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله عز وجل. قال الخطيب: ((والذي نستحبه أن يروي المحدث لكل أحد سأله التحديث، ولا يمنع أحدا من الطلبة)) . وقولي: (أو أن تقم) أي: في حال قيامك، فإنه معطوف على الحال التي قبله.
(2/18)
وقولي: (ثم حيث احتيج لك في شيء اروه) ، بيان للوقت الذي يحسن فيه التصدي للإسماع، والتحديث. فإن كان قد احتيج إلى ما عنده، فقد اختلف فيه كلام الخطيب، وابن الصلاح في الوجوب والاستحباب، فلهذا أتيت فيه بصيغة الأمر الصالحة لهما في قولي: (اروه) . قال الخطيب في كتاب " الجامع ": فإن احتيج إليه في رواية الحديث قبل أن يعلوا سنه فيجب عليه أن يحدث، ولا يمتنع؛ لأن نشر العلم عند الحاجة إليه لازم، والممتنع من ذلك عاص آثم. وقال ابن الصلاح: والذي نقوله أنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته، ونشره في أي سن كان. وروينا عن أبي محمد بن خلاد الرامهرمزي في كتابه " المحدث الفاصل "، قال: الذي يصح عندي من طريق الأثر والنظر في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث؛ هو أن يستوفي الخمسين؛ لأنها انتهاء الكهولة، وفيها مجتمع الأشد. قال: ((وليس بمستنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين؛ لأنها حد الاستواء، ومنتهى الكمال، نبيء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو ابن أربعين، وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته ويتوفر عقله ويجود رأيه)) . وتعقبه القاضي عياض في كتاب " الإلماع "، فقال: واستحسانه هذا لا تقوم له حجة بما قال، وكم من السلف المتقدمين، ومن بعدهم من المحدثين من لم ينته إلى هذا السن، ولا استوفى هذا العمر، ومات قبله، وقد نشر من العلم، والحديث ما لا يحصى. هذا عمر بن عبد العزيز توفي ولم يكمل الأربعين، وسعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين.
(2/19)
وكذلك إبراهيم النخعي. وهذا مالك بن أنس قد جلس للناس ابن نيف وعشرين سنة، وقيل: ابن سبع عشرة سنة، والناس متوافرون، وشيوخه أحياء: ربيعة وابن شهاب وابن هرمز ونافع ومحمد بن المنكدر، وغيرهم. وقد سمع منه ابن شهاب حديث الفريعة. ثم قال: وكذلك محمد بن إدريس الشافعي قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة وانتصب لذلك في آخرين من الأئمة المتقدمين والمتأخرين. انتهى كلام القاضي عياض. وقد روينا عن محمد بن بشار بندار، أنه حدث وهو ابن ثماني عشرة سنة. وروينا عن أبي بكر الأعين، قال: كتبنا عن محمد بن إسماعيل البخاري على باب محمد بن يوسف الفريابي، وما في وجهه من شعرة. وروينا عن الخطيب قال: وقد حدثت أنا ولي عشرون
(2/20)
سنة، كتب عني شيخنا أبو القاسم الأزهري أشياء في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. انتهى. وقد حدث شيخنا الحافظ أبو العباس أحمد بن مظفر، وسنه ثماني عشرة سنة، سمع منه الحافظ أبو عبد الله الذهبي سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وحدث عنه في "معجمه" بحديث من " الأفراد " للدارقطني، وقال عقبه: أملاه علي ابن مظفر، وهو أمرد. وقد حدث شيخنا أبو الثناء محمود بن خليفة المنبجي وله عشرون سنة، سمع منه شيخنا العلامة شيخ الإسلام تقي الدين السبكي أحاديث من " فضائل القرآن "، لأبي عبيد.
قلت: وقد سمع مني صاحبنا العلامة أبو محمود محمد بن إبراهيم المقدسي، ولي عشرون سنة، سنة خمس وأربعين، وقد سمع على شيخنا الحافظ عماد الدين بن كثير حديثا من " أمالي ابن سمعون "، ولم أكمل يومئذ ثلاثين سنة، سنة أربع وخمسين بدمشق. وهذا ونحوه من رواية الأكابر عن الأصاغر. وقد حمل ابن الصلاح كلام ابن خلاد على محمل صحيح، فقال: ما ذكره ابن خلاد غير مستنكر، وهو محمول على أنه قاله فيمن يتصدى للتحديث ابتداء من نفسه من غير براعة في العلم تعجلت له قبل السن الذي ذكره. فهذا إنما ينبغي له ذلك بعد استيفاء السن المذكور، فإنه مظنة الاحتياج إلى ما عنده. قال: ((وأما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك، فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت، ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك، أو لأنهم سئلوا ذلك، إما بصريح السؤال، وإما بقرينة الحال)) انتهى كلامه.
وإليه الإشارة بقولي: (والشيخ بغير البارع خصص) أي: خصص كلام ابن خلاد بغير البارع في العلم.
691.... وينبغي الإمساك إذ يخشى الهرم ... وبالثمانين ابن خلاد جزم
692.... فإن يكن ثابت عقل لم يبل ... كأنس ومالك ومن فعل
693.... والبغوي والهجيمي وفئه ... كالطبري حدثوا بعد المائه
لما ذكر السن الذي ينبغي فيه التحديث ذكر بعده السن الذي ينبغي عنده الإمساك عن التحديث، قال القاضي عياض: ((الحد في ترك الشيخ التحديث التغير، وخوف الخرف)) ، وكذا قال ابن الصلاح: ((هو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف، ويخاف عليه فيه أن يخلط، ويروي ما ليس من حديثه. قال: والناس
(2/21)
في بلوغ هذا السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم)) . وروينا عن أبي محمد بن خلاد، قال: فإذا تناهى العمر بالمحدث فأعجب إلي أن يمسك في الثمانين؛ فإنه حد الهرم. قال والتسبيح، والذكر، وتلاوة القرآن؛ أولى بأبناء الثمانين فإن كان عقله ثابتا، ورأيه مجتمعا، يعرف حديثه، ويقوم به، وتحرى أن يحدث احتسابا، رجوت له خيرا؛ كالحضرمي وموسى وعبدان. قال: ولم أر بفهم أبي خليفة وضبطه بأسا مع سنه. انتهى كلامه. وقد حدث جماعة من الصحابة فمن بعدهم بعد مجاوزة الثمانين. فمن الصحابة: أنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، وسهل بن سعد، في آخرين. ومن التابعين: شريح القاضي، ومجاهد، والشعبي، في آخرين. ومن اتباعهم: مالك بن أنس، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة، في آخرين منهم. وممن بعدهم، وقد ذكر القاضي عياض أن مالكا قال: ((إنما يخرف الكذابون)) وقد حدث جماعة بعد أن جاوزوا المائة.
فمن الصحابة: حكيم بن حزام، ومن التابعين: شريك بن عبد الله النمري، وممن بعدهم: الحسن بن عرفة، وأبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي، وأبو إسحاق إبراهيم بن علي الهجيمي، حدث وهو ابن مائة وثلاث سنين، والقاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، والحافظ أبو الطاهر أحمد بن محمد السلفي، وغيرهم؛ ولم يتغير أحد منهم. وقرأ القارئ يوما على الهجيمي بعد أن جاوز المائة، وأراد اختباره بذلك.
(2/22)
إن الجبان حتفه من فوقه ... كالكلب يحمي جلده بروقه
فقال له الهجيمي: قل الثور يا ثور! فإن الكلب لا روق له، ففرح الناس بصحة عقله وجودة حسه. قال الجوهري: ((والروق: القرن)) . قال القاضي عياض: ((وإنما كره من كره لإصحاب الثمانين التحديث؛ لأن الغالب على من يبلغ هذا السن اختلال الجسم، والذكر، وضعف الحال، وتغير الفهم، وحلول الخرف؛ مخافة أن يبدأ به التغير والاختلال، فلا يفطن له إلا بعد أن جازت عليه أشياء)) .
694 ... وينبغي إمساك الاعمى إن يخف ... وإن من سيل بجزء قد عرف
695 ... رجحان راو فيه دل فهو حق ... وترك تحديث بحضرة الأحق
696 ... وبعضهم كره الأخذ عنه ... ببلد وفيه أولى منه
أي: وينبغي لمن عمي وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه، أن يمسك عن الرواية. وينبغي أيضا للمحدث إذا سئل بجزء، أو كتاب أن يقرأ عليه، وهو يعلم أن غيره في بلدته أو غيرها أرجح في روايته منه، بكونه أعلى إسنادا منه فيه، أو سماع غيره متصلا بالسماع وفي طريقه هو إجازة، أو غير ذلك من الترجيحات أن يدل السائل على
(2/23)
من هو أحق منه بذلك، فذلك من النصيحة في العلم. وينبغي أيضا أن لا يحدث بحضرة من هو أحق بالتحديث وأولى به منه، فقد كان إبراهيم النخعي إذا اجتمع مع الشعبي لم يتكلم إبراهيم بشيء. وزاد بعضهم على هذا بأن كره الرواية ببلد وفيه من هو أولى منه لسنه، أو غير ذلك. فقد قال يحيى بن معين: الذي يحدث ببلدة وفيها أولى بالتحديث منه أحمق. وروي عنه أنه قال: إذا حدثت ببلد فيه مثل أبي مسهر، فيجب للحيتي أن تحلق.
697 ... ولا تقم لأحد وأقبل ... عليهم وللحديث رتل
698 ... واحمد وصل مع سلام ودعا ... في بدء مجلس وختمه معا
وينبغي للشيخ أن لا يقوم لأحد في حال التحديث . وكذلك قارئ الحديث، فقد بلغنا عن محمد بن أحمد بن عبد الله الفقيه، وهو أبو زيد المروزي، أنه قال: القارئ لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام لأحد فإنه تكتب عليه خطيئة. ويستحب له أن يقبل على من يحدثهم، فقد روينا عن حبيب بن أبي ثابت، قال: من السنة إذا حدث القوم أن يقبل عليهم جميعا. وروينا عنه قال: كانوا يحبون إذا حدث الرجل لا يقبل على الرجل الواحد، ولكن ليعمهم. ويستحب أن يرتل الحديث، ولا يسرده سردا
(2/24)
يمنع السامع من إدراك بعضه. ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يسرد الحديث كسردكم. زاد الترمذي: ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل، يحفظه من جلس إليه. وقال: حديث حسن صحيح. ويستحب له أن يفتتح مجلسه ويختمه بتحميد الله تعالى وصلاة وسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودعاء يليق بالحال. قال ابن الصلاح: ((ومن أبلغ ما يفتتحه به أن يقول: الحمد لله رب العالمين، أكمل الحمد على كل حال، والصلاة والسلام الأتمان على سيد المرسلين، كلما ذكره الذاكرون، وكلما غفل عن ذكره الغافلون، اللهم صل عليه، وعلى آله، وسائر النبيين، وآل كل وسائر الصالحين، نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون)) .
(2/25)
699.... واعقد للاملا مجلسا فذاك من ... أرفع الاسماع والاخذ ثم إن
700.... تكثر جموع فاتخذ مستمليا ... محصلا ذا يقظة مستويا
701.... بعال او فقائما يتبع ما ... يسمعه مبلغا أو مفهما
يستحب للمحدث العارف أن يعقد مجلسا لإملاء الحديث، فإنه من أعلى مراتب الإسماع، والتحمل. فإن كثر الجمع فليتخذ مستمليا يبلغ عنه. فقد فعل ذلك مالك، وشعبة، ووكيع، وأبو عاصم، ويزيد بن هارون، في عدد كثير من الحفاظ، والمحدثين وقد روينا في سنن أبي داود والنسائي من حديث رافع بن عمرو، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يخطب الناس بمنى، حيث ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلي - رضي الله عنه - يعبر عنه. فإن تكاثر الجمع بحيث لا يكفي بمستمل واحد اتخذ مستمليين فأكثر. فقد روينا أن أبا مسلم الكجي، أملى في رحبة غسان. وكان في مجلسه سبعة مستملين، يبلغ كل واحد صاحبه الذي يليه، وكتب الناس عنه قياما بأيديهم المحابر، ثم مسحت الرحبة، وحسب من حضر بمحبرة فبلغ ذلك نيفا وأربعين ألف محبرة سوى النظارة. وروينا أن مجلس عاصم بن علي كان
(2/26)
يحزر بأكثر من مائة ألف إنسان، وكان يستملي عليه هارون الديك وهارون مكحلة.
وليكن المستملي محصلا متيقظا فهما، لا كمستملي يزيد بن هارون حيث سئل يزيد عن حديث فقال: حدثنا به عدة، فصاح المستملي: يا أبا خالد (1) عدة ابن من؟ فقال له: عدة ابن فقدتك! وليكن المستملي على موضع مرتفع من كرسي، أو نحوه وإلا فقائما على قدميه، ليكون أبلغ للسامعين، وعلى المستملي أن يتبع لفظ المملي فيؤديه على وجهه من غير تغيير، وقال الخطيب: ((يستحب له أن لا يخالف لفظه)) . وقال ابن الصلاح: عليه ذلك كما تقدم. وفائدته إبلاغ من لم يبلغه لفظ المملي، وإفهام من بلغه على بعد، ولم يتفهمه. فيتوصل بصوت المستملي إلى تفهمه وتحققه. وقد تقدم الكلام فيمن لم يسمع إلا لفظ المستملي، هل له أن يرويه عن المملي، أو ليس له إلا أن يرويه عن المستملي عنه؟ !
702 ... واستحسنوا البدء بقارئ تلا ... وبعده استنصت ثم بسملا
703 ... فالحمد فالصلاة ثم أقبل ... يقول: من أوما ذكرت وابتهل
704 ... له وصلى وترضى رافعا ... والشيخ ترجم الشيوخ ودعا
واستحسنوا افتتاح مجلس الإملاء بقراءة قارئ لشيء من القرآن العظيم
(2/27)
وقال الخطيب: سورة من القرآن. ثم روى بإسناده إلى أبي نضرة، قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرؤوا سورة، فإذا فرغ القارئ استنصت المستملي أهل المجلس، حيث احتيج للاستنصات. ففي الصحيحين من حديث جرير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له في حجة الوداع: استنصت الناس. فإذا أنصت الناس بسمل المستملي وحمد الله تعالى، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم أقبل على الشيخ المحدث قائلا له: من ذكرت؟ أي: من الشيوخ، أو ما ذكرت؟ أي: من الأحاديث رحمك الله، أو غفر الله لك وهو المراد بقولي: (وابتهل له) أي: ودعا له. وقد روينا عن يحيى بن أكثم، قال: نلت القضاء وقضاء القضاة والوزارة، وكذا، وكذا، ما سررت بشيء مثل قول المستملي: من ذكرت رحمك الله. قال الخطيب: وإذا انتهى المستملي في الإسناد إلى ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - استحب له الصلاة عليه رافعا صوته بذلك، وهكذا يفعل في كل حديث عاد فيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: وإذا انتهى إلى ذكر بعض الصحابة، قال: رضوان الله عليهم، أو رضي الله عنه. انتهى. وكذلك الترضي والترحم عن الأئمة، فقد روى الخطيب أن الربيع بن سليمان قال القارئ يوما: حدثكم الشافعي فلم يقل: - رضي الله عنه -، فقال الربيع: ولا حرف حتى يقال: - رضي الله عنه -.
(2/28)
وقولي: (والشيخ) ، هو مبتدأ، أي: الشيخ المملي يترجم شيوخه الذين يحدث عنهم بذكر أنسابهم، وبعض مناقبهم، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة. قال الخطيب: إذ فعل المستملي ما ذكرته، قال الراوي: حدثنا فلان. ثم نسب شيخه الذي سماه حتى يبلغ بنسبه منتهاه. قال: والجمع بين اسم الشيخ وكنيته أبلغ في إعظامه. ثم قال: إنه يقتصر في الرواية على اسم من لا يشكل كأيوب ويونس ومالك والليث، ونحوهم. وهكذا من كان مشهورا بنسبه إلى أبيه، أو قبيلته. قد اكتفي في كثير من الرواة بذكر ما اشتهر به، وإن لم يسم كابن عون، وابن جريج، وابن لهيعة، وابن عيينة، ونحوهم، وكالشعبي، والنخعي، والزهري، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، ونحوهم. ثم ذكر من اشتهر بلقب، أو كنية، أو نسبة لأم، أو نقص كالعور، ونحوه، وسيأتي. وأما ذكر بعض أوصاف شيوخه، فكقول أبي مسلم الخولاني: حدثني الحبيب الأمين أما هو إلي فحبيب، وأما هو عندي فأمين: عوف بن مالك)) رواه مسلم. وكقول مسروق: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله المبرأة. وكقول عطاء بن أبي رباح: حدثني البحر. يريد: ابن عباس. وكقول الشعبي: حدثنا الربيع ابن خثيم، وكان من معادن الصدق. وكقول ابن
(2/29)
عيينة: حدثنا أوثق الناس: أيوب. وكقول شعبة: حدثني سيد الفقهاء: أيوب. وقال وكيع: حدثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث.
وقال ابن خزيمة: حدثنا من لم تر عيناي مثله: أبو الحسن محمد بن أسلم الطوسي، وحدثني الحافظ أبو سعيد العلائي يوما عن الرضي الطبري، فقال: حدثنا الإمام أبو إسحاق الطبري، وهو أجل شيخ لقيته.
705 ... وذكر معروف بشيء من لقب ... كغندر أو وصف نقص أو نسب
706 ... لأمه فجائز ما لم يكن ... يكرهه كابن علية فصن
قال الخطيب: غلبت ألقاب جماعة من أهل العلم، [على أسمائهم] فاقتصر الناس على ذكر ألقابهم في الرواية عنهم، منهم: غندر محمد بن جعفر، ولوين محمد بن سليمان المصيصي، ومشكدانة عبد الله بن عمر الكوفي، وعارم محمد بن الفضل السدوسي، وسعدويه سعيد بن سليمان
(2/30)
الواسطي، وصاعقة محمد ابن عبد الرحيم البغدادي، ومطين محمد بن عبد الله الحضرمي، ونفطويه إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي. وقال: ((لم يختلف العلماء في أنه يجوز ذكر الشيخ وتعريفه بصفته التي ليست نقصا في خلقته، كالطول والقصر، والزرقة، والشقرة، والحمرة، والصفرة، قال: وكذلك يجوز وصفه بالعرج، والقصر، والعمى، والعور، والعمش، والحول، والإقعاد، والشلل، كعمران القصير، وأبي معاوية الضرير، وهارون بن موسى الأعور، وسليمان الأعمش، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعاصم الأحول، وأبي معمر المقعد، ومنصور الأشل وجماعة)) .
وسئل ابن المبارك عن فلان القصير، وفلان الأعرج، وفلان الأصفر، وحميد الطويل، قال: إذا أراد صفته ولم يرد عيبه فلا بأس. قال الخطيب: وإذا كان معروفا باسم أمه، وهو الغالب عليه، جاز نسبته إليه، مثل: ابن بحينة، وابن أم مكتوم، ويعلى بن منية، والحارث بن البرصاء، وغيرهم من الصحابة، ومن بعدهم كمنصور بن
(2/31)
صفية، وإسماعيل بن علية. واستثنى ابن الصلاح من الجواز ما يكرهه الملقب، فقال: إلا ما يكرهه من ذلك، كما في إسماعيل بن إبراهيم، المعروف بابن علية، وهي أمه، وقيل: أم أمه. روينا عن يحيى بن معين أنه كان يقول: حدثنا إسماعيل بن علية، فنهاه أحمد بن حنبل، وقال: قل: إسماعيل بن إبراهيم، فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه، فقال: قد قبلنا منك يا معلم الخير. انتهى.
ولم يستثن الخطيب ذلك من الجواز، بل: روى هذه الحكاية، والظاهر أن ما قاله أحمد هو على طريق الأدب، لا اللزوم.
707.... وارو في الاملا عن شيوخ قدم ... أولاهم وانتقه وأفهم
708.... ما فيه من فائدة ولا تزد ... عن كل شيخ فوق متن واعتمد
709.... عالي إسناد قصير متن ... واجتنب المشكل خوف الفتن
قال الخطيب: يستحب للراوي ألا يقتصر في إملائه على الرواية عن شيخ واحد من شيوخه، بل يروي عن جماعتهم، ويقدم من علا إسناده منهم. زاد ابن الصلاح: أو يقدم الأولى من وجه آخر، قال: ويتقي ما يمليه ويتحرى المستفاد
(2/32)
منه. قال الخطيب: ومن أنفع ما يملي الأحاديث الفقهية. قال: ((ويستحب أيضا إملاء أحاديث الترغيب)) ، قال: وإذا روى حديثا فيه كلام غريب فسره، أو معنى غامض بينه وأظهره. ثم روى عن ابن مهدي قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لكتبت بجنب كل حديث تفسيره. قال الخطيب: ويستحب للراوي أن ينبه على فضل ما يرويه، ويبين المعاني التي لا يعرفها إلا الحفاظ من أمثاله وذويه فإن كان الحديث عاليا علوا متفاوتا، وصفه بذلك، وهكذا إذا كان راويه غاية في الثقة والعدالة. قال: ويستحب إن روى حديثا معلولا أن يبين علته: وإذا كان في الإسناد اسم يشاكل غيره في الصورة، استحببت له أن يذكر صورة إعجامه. ثم ذكر التنبيه على تاريخ السماع القديم، وكونه انفرد عن شيخه به وكون الحديث لا يوجد إلا عنده. قال الخطيب: ويكون إملاؤه عن كل شيخ حديثا واحدا فإنه أعم للفائدة، وأكثر للمنفعة قال: ويعتمد ما علا سنده وقصر متنه. وروينا عن علي بن حجر أنه كان يقول:
(2/33)
وظيفتنا مائة للغريـ ... ب في كل يوم سوى ما يعاد
شريكية أو هشيمية ... أحاديث فقه قصار جياد
قال الخطيب: وينبغي أن يعتمد في إملائه الرواية عن ثقات شيوخه، ولا يروي عن كذاب، ولا متظاهر ببدعة، ولا معروف بالفسق، قال: ((وليتجنب في أماليه رواية ما لا تحتمله عقول العوام لما لا يؤمن عليهم فيه من دخول الخطأ والأوهام، أن يشبهوا الله تعالى بخلقه، ويلحقوا به ما يستحيل في وصفه، وذلك نحو أحاديث الصفات التي ظاهرها يقتضي التشبيه، والتجسيم، وإثبات الجوارح والأعضاء للأزلي القديم؛ وإن كانت الأحاديث صحاحا ولها في التأويل طرق ووجوه، إلا أن من حقها ألا تروى إلا لأهلها خوفا من أن يضل بها من جهل معانيها، فيحملها على ظاهرها، أو يستنكرها فيردها، ويكذب رواتها، ونقلتها، ثم روى حديث أبي هريرة: ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)) . وقول علي: تحبون أن يكذب الله ورسوله؟ حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون. وقول ابن مسعود: إن الرجل ليحدث بالحديث، فيسمعه من لا يبلغ عقله فهم ذلك الحديث،
(2/34)
فيكون عليه فتنة قال الخطيب: ومما رأى العلماء أن الصدوف عن روايته للعوام أولى: أحاديث الرخص، كحديث الرخصة في النبيذ، ثم ذكر كراهية رواية أحاديث بني إسرائيل المأثورة عن أهل الكتاب، وما نقل عن أهل الكتاب. ثم روى عن الشافعي أن معنى حديث: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. أي لا بأس أن تحدثوا عنهم ما سمعتم وإن استحال أن يكون في هذه الأمة، مثل ما روي أن ثيابهم تطول، والنار التي تنزل من السماء فتأكل القربان. انتهى.
وقال بعض العلماء: إن قوله ولا حرج في موضع الحال، أي حدثوا عنهم حيث لا حرج في التحديث عنهم، كما حفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أخبارهم قال الخطيب وعن صحابته، وعن العلماء، فإن روايته تجوز. قال الخطيب: ((وليتجنب ما شجر بين
(2/35)
الصحابة، وقد روى الخطيب في كتاب له في القول في علم النجوم من حديث ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال إذا ذكر أصحابي فأمسكوا
ورواه ابن عدي من حديث ابن عمر أيضا، وكلاهما لا يصح. (والفتن)
- بفتح الفاء -: مصدر قولك: فتن، حكاه الخليل بن أحمد.
710.... واستحسن الإنشاد في الأواخر ... بعد الحكايات مع النوادر
711.... وإن يخرج للرواة متقن ... مجالس الإملاء فهو حسن
712.... وليس بالإملاء حين يكمل ... غنى عن العرض لزيغ يحصل
جرت عادة غير واحد من الأئمة أن يختم مجالس الإملاء بشيء من الحكايات والنوادر والإنشادات بأسانيدها. قال ابن الصلاح: وذلك حسن. وقد بوب له الخطيب في
(2/36)
" الجامع "، واستدل له بما روى بإسناده إلى علي - رضي الله عنه - قال: روحوا القلوب، وابتغوا لها طرف الحكمة. وعن الزهري: أنه كان يقول لأصحابه: هاتوا من أشعاركم، هاتوا من حديثكم، فإن الأذن مجة والقلب حمض. وعن حماد بن زيد: أنه حدث بأحاديث، ثم قال: لتأخذوا في أبزار الجنة، فحدثنا بالحكايات. وعن كثير بن أفلح، قال: آخر مجلس جالسنا فيه زيد بن ثابت، تناشدنا فيه الشعر.
قال الخطيب: وإن لم يكن الراوي من أهل المعرفة بالحديث، وعلله، واختلاف وجوهه، وطرقه، وغير ذلك من أنواع علومه، فينبغي له أن يستعين ببعض حفاظ وقته في تخريج الأحاديث التي يريد إملاء ها قبل يوم مجلسه. فقد كان جماعة من شيوخنا يفعلون ذلك منهم: أبو الحسين بن بشران والقاضي أبو عمر الهاشمي، وأبو القاسم السراج، وغيرهم. قال ابن الصلاح: ((وإذا نجز الإملاء فلا غنى عن مقابلته، وإتقانه، وإصلاح ما فسد منه بزيغ القلم، وطغيانه)) . هكذا قال ابن الصلاح هنا،
(2/37)
أنه لا غنى عن مقابلة الإملاء، وقد تقدم في كلامه الترخيص في الرواية من الأصل غير المقابل بشروط ثلاثة، ولم يذكر ذلك هنا، فيحتمل أن يحمل هذا على ما تقدم، ويحتمل أن يفرق بين النسخ من أصل السماع، والنسخ من إملاء الشيخ حفظا؛ لأن الحفظ يخون. ولكن المقابلة للإملاء، إنما هي مع الشيخ أيضا من حفظه، لا على أصوله، وليس في كلام الخطيب هنا اشتراط مقابلة الإملاء، وإنما ترجم عليه بقوله: المعارضة بالمجلس المكتوب وإتقانه، وإصلاح ما أفسد منه زيغ القلم، وطغيانه، ثم روى بإسناده إلى زيد بن ثابت، قال: كنت أكتب الوحي عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا فرغت قال: اقرأه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثم يخرج به.
آداب طالب الحديث
713.... وأخلص النية في طلبكا ... وجد وابدأ بعوالي مصركا
714.... وما يهم ثم شد الرحلا ... لغيره ولا تساهل حملا
أول ما يجب على الطالب إخلاص النية، فقد روينا في " سنن أبي داود "، و"ابن ماجه" من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد
(2/38)
عرف الجنة يوم القيامة. وروينا عن حماد بن سلمة قال: من طلب الحديث لغير الله مكر به. قال الخطيب: إذا عزم الله تعالى لامرئ على سماع الحديث وحضرته نية في الاشتغال به، فينبغي أن يقدم المسألة لله تعالى أن يوفقه فيه، ويعينه عليه، ثم يبادر إلى السماع، ويحرص على ذلك من غير توقف، ولا تأخير. وفي " صحيح مسلم " من حديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)) . وليجد الطالب في طلبه، فقد روينا عن يحيى بن أبي كثير، قال: لا ينال العلم براحة الجسد. وروينا عن الشافعي قال: لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتملل، وغنى النفس، فيفلح، ولكن من طلبه بذلة النفس، وضيق العيش، وخدمة العلم، أفلح. قال الخطيب: ويعمد إلى أسند شيوخ مصره، وأقدمهم سماعا فيديم الاختلاف إليه، ويواصل العكوف عليه، فيقدم السماع منه، وإن تكافأت أسانيد جماعة من الشيوخ في العلو، وأراد أن يقتصر على السماع من بعضهم، فينبغي أن يتخير المشهور منهم
(2/39)
بطلب الحديث، المشار إليه بالإتقان له، والمعرفة به. وإذا تساووا في الإسناد والمعرفة فمن كان من الأشراف وذوي الأنساب، فهو أولى أن يسمع منه.
وروينا عن الحافظ أبي الفضل صالح بن أحمد التميمي، قال: ينبغي لطالب الحديث ومن عنى به أن يبدأ بكتب حديث بلده، ومعرفة أهله منهم، وتفهمه وضبطه حتى يعلم صحيحها وسقيمها، ويعرف من أهل الحديث بها، وأحوالهم معرفة تامة، إذا كان في بلده علم وعلماء، قديما وحديثا. ثم يشتغل بعد بحديث البلدان والرحلة فيه.
وروينا عن أبي عبيدة، قال: من شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم. وقال الخطيب: المقصود بالرحلة في الحديث أمران:
أحدهما: تحصيل علو الإسناد وقدم السماع. والثاني: لقاء الحفاظ، والمذاكرة لهم، والاستفادة عنهم. فإذا كان الأمران موجودين في بلد الطالب، ومعدومين في غيره، فلا فائدة في الرحلة، فالاقتصار على ما في البلد أولى. فإذا كانا موجودين في بلد الطالب، وفي غيره إلا أن ما في كل واحد من البلدين يختص به، أي: من العوالي والحفاظ؛ فالمستحب للطالب الرحلة لجمع الفائدتين من علو الإسنادين، وعلم الطائفتين. لكن بعد تحصيله حديث بلده وتمهره في المعرفة به. قال: وإذا عزم الطالب على الرحلة، فينبغي له ألا يترك في بلده من الرواة أحدا إلا ويكتب عنه ما تيسر من الأحاديث، وإن قلت فإني سمعت بعض أصحابنا يقول: ضيع ورقة ولا تضيعن شيخا. وروينا عن أحمد
(2/40)
وسأله ابنه عبد الله عمن طلب العلم، ترى له أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه؟ أو ترى له أن يرحل إلى المواضع التي فيها العلم فيسمع منهم؟ قال: يرحل، يكتب عن الكوفيين والبصريين، وأهل المدينة ومكة يشام الناس يسمع منهم. وروينا عن ابن معين، قال: أربعة لا تؤنس منهم رشدا منهم رجل يكتب في بلده، ولا يرحل في طلب الحديث. وقال إبراهيم بن أدهم: إن الله يدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث. قال ابن الصلاح: ولا يحملنه الحرص والشره على التساهل في السماع والتحمل، والإخلال بما عليه في ذلك. وقال الخطيب: ليعلم الطالب أن شهوة السماع لا تنتهي، والنهمة من الطلب لا تنقضي، والعلم كالبحار المتعذر كيلها، والمعادن التي لا ينقطع نيلها.
فلا ينبغي له أن يشتغل في الغربة إلا بما يستحق لأجله الرحلة.
وقولي: (حملا) تمييز، أي: ولا تتساهل في الحمل والسماع.
(2/41)
715.... واعمل بما تسمع في الفضائل ... والشيخ بجله ولا تثاقل
716.... عليه تطويلا بحيث يضجر ... ولا تكن يمنعك التكبر
717.... أو الحيا عن طلب واجتنب ... كتم السماع فهو لؤم واكتب
718.... ما تستفيد عاليا ونازلا ... لا كثرة الشيوخ صيتا عاطلا
719.... ومن يقل إذا كتبت قمش ... ثم إذا رويته ففتش
720.... فليس من ذا والكتاب تمم ... سماعه لا تنتخبه تندم
721.... وإن يضق حال عن استيعابه ... لعارف أجاد في انتخابه
722.... أو قصر استعان ذا حفظ فقد ... كان من الحفاظ من له يعد
723.... وعلموا في الأصل إما خطا ... أو همزتين أو بصاد أو طا
وليستعمل الطالب ما سمع من الحديث في فضائل الأعمال، فقد روينا في حديث علي: أن رجلا قال: يا رسول الله، ما ينفي عني حجة الجهل؟ قال: العلم. قال: فما ينفي عني حجة العلم؟ قال: العمل.
وروينا عن بشر بن الحارث، قال: يا أصحاب الحديث! أدوا زكاة هذا الحديث، اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث.
(2/42)
وروينا عن عمرو بن قيس الملائي، قال: إذا بلغك شيء من الخير فاعمل به، - ولو مرة - تكن من أهله. وروينا عن وكيع، قال: إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به وروينا عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، قال كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به وروينا عن أحمد بن حنبل، قال ما كتبت حديثا إلا وقد عملت به، حتى مر بي في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا، فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت وليبجل الطالب الشيخ، فقد روينا عن مغيرة، قال كنا نهاب إبراهيم، كما نهاب الأمير وروينا عن البخاري قال ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين. وليحذر من التثقيل عليه لئلا يضجره ويمله. قال الخطيب: وإذا حدثه فيجب أن يأخذ منه العفو ولا يضجره. قال: والإضجار يغير الأفهام، ويفسد الأخلاق، ويحيل الطباع، وقد كان إسماعيل بن أبي خالد من أحسن الناس خلقا، فلم يزالوا به حتى ساء خلقه. وروينا عن محمد بن سيرين: أنه سأله رجل عن حديث وقد أراد أن يقوم، فقال: إنك إن كلفتني ما لم أطق،
(2/43)
ساءك ما سرك مني من خلق. قال ابن الصلاح: ((يخشى على فاعل ذلك أن يحرم الانتفاع)) .
قلت: وقد جربت ذلك، فإن شيخنا أبا العباس أحمد بن عبد الرحمن المرداوي، كان كبر وعجز عن الإسماع حتى كنا نتألفه على قراءة الشيء اليسير، فقرأ عليه بعض أصحابنا فيما بلغني"العمدة" بإجازته من ابن عبد الدائم وأطال عليه فأضجره فكان يقول له الشيخ: لا أحياك الله أن ترويها عني، أو نحو ذلك، فمات الطالب بعد قليل، ولم ينتفع بما سمعه عليه.
وليحذر الطالب أن يمنعه التكبر، أو الحياء عن طلب العلم، فقد ذكر البخاري عن مجاهد قال: ((لا ينال العلم مستحي، ولا مستكبر)) ، وليتجنب الطالب أن يظفر بشيخ، أو بسماع لشيخ فيكتمه لينفرد به عن أضرابه، فذلك لؤم من فاعله، على أنه قد روينا فعل ذلك عن جماعة من الأئمة المتقدمين، كشعبة وسفيان الثوري، وهشيم، والليث، وابن جريج، وسفيان بن عيينة، وابن لهيعة، وعبد الرزاق، فالله أعلم بمقاصدهم في ذلك. وروينا عن مالك قال: من بركة الحديث إفادة بعضهم بعضا
(2/44)
، ونحوه عن ابن المبارك ويحيى بن معين. وروينا عن يحيى بن معين، قال: من بخل بالحديث، وكتم على الناس سماعهم، لم يفلح. وروينا عن إسحاق بن راهويه، قال: قد رأينا أقواما منعوا هذا السماع، فوالله ما أفلحوا ولا أنجحوا. قال الخطيب: ((والذي نستحبه إفادة الحديث لمن لم يسمعه والدلالة على الشيوخ والتنبيه على رواياتهم، فإن أقل ما في ذلك النصح للطالب، والحفظ للمطلوب، مع ما يكتسب به من جزيل الأجر، وجميل الذكر)) ، ثم روى بإسناده إلى ابن عباس رفعه، قال: إخواني تناصحوا في العلم ولا يكتم بعضكم بعضا، فإن خيانة الرجل في علمه، أشد من خيانته في ماله، ثم روى عن الثوري قال: ليفد بعضكم بعضا، وهذا يدل على أن ما روي عنه وعمن تقدم ذكره من الأئمة مما يخالف ذلك محمول على كتمه عمن لم يروه أهلا، أو على من لم يقبل الصواب إذا أرشد إليه، أو نحو ذلك.
وقد قال الخطيب: ((من أداه - لجهله - فرط التيه والإعجاب إلى المحاماة عن الخطأ والمماراة في الصواب، فهو بذلك الوصف مذموم مأثوم، ومحتجز الفائدة عنه غير مؤنب ولا ملوم)) .
(2/45)
وروينا عن الخليل بن أحمد أنه قال لأبي عبيدة معمر بن المثنى: لا تردن على معجب خطأ، فيستفيد منك علما، ويتخذك به عدوا.
ولتكن همة الطالب تحصيل الفائدة، سواء وقعت له بعلو أم بنزول ولا يأنف أن يكتب عمن هو دونه ما يستفيده. روينا عن سفيان ووكيع قالا: لا يكون الرجل من أهل الحديث، حتى يكتب. وقال وكيع: لا يكون عالما حتى يأخذ عمن هو فوقه، وعمن هو دونه، وعمن هو مثله. وكان ابن المبارك يكتب عمن هو دونه، فقيل له، فقال: لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم تقع لي.
وليحذر الطالب أن تكون همته تكثير الشيوخ لمجرد اسم الكثرة وصيتها، قال ابن الصلاح: وليس بموفق من ضيع شيئا من وقته في ذلك.
وروينا عن عفان أنه سمع قوما يقولون: نسخنا كتب فلان، فقال: هذا الضرب من الناس، لا يفلحون. كنا نأتي هذا فنسمع منه ما ليس عند هذا، ونسمع من هذا ما ليس عند هذا، فقدمنا الكوفة، فأقمنا أربعة أشهر، ولو أردنا أن نكتب مائة ألف حديث، لكتبناها، فما كتبنا إلا قدر خمسة آلاف حديث، وما رضينا من أحد إلا بالإملاء؛ إلا شريك فإنه أبى علينا. قال ابن الصلاح: ((وليس من ذلك قول أبي
(2/46)
حاتم الرازي: إذا كتبت فقمش، وإذا حدثت ففتش)) . والتقميش والقمش أيضا: جمع الشيء من هاهنا وهاهنا. ولم يبين ابن الصلاح ما المراد بذلك، وكأنه أراد: اكتب الفائدة ممن سمعتها ولا تؤخر ذلك حتى تنظر فيمن حدثك، أهو أهل أن يؤخذ عنه أم لا؟ فربما فات ذلك (1) بموت الشيخ أو سفره، أو سفرك. فإذا كان وقت الرواية عنه، أو وقت العمل بذلك، ففتش حينئذ. وقد ترجم عليه الخطيب: باب من قال: يكتب عن كل أحد.
ويحتمل: أن مراد أبي حاتم استيعاب الكتاب المسموع، وترك انتخابه، أو استيعاب ما عند الشيخ وقت التحمل، ويكون النظر فيه حالة الرواية. وقد يكون قصد المحدث تكثير طرق الحديث، وجمع أطرافه، فيكثر لذلك شيوخه ولا بأس بذلك. فقد روينا عن أبي حاتم قال: لو لم نكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه. وقد وصف بالإكثار من الشيوخ سفيان الثوري، وأبو داود الطيالسي، ويونس بن محمد المؤدب، ومحمد بن يونس الكديمي، وأبو عبد الله ابن منده، والقاسم بن داود البغدادي، روينا عنه قال: كتبت عن ستة آلاف شيخ.
وينبغي للطالب أن يسمع، ويكتب ما وقع له من كتاب، أو جزء على التمام، ولا ينتخبه، فربما احتاج بعد ذلك إلى رواية شيء منه لم يكن فيما انتخبه منه، فيندم،
_________
(1) سقطت من النسخ المطبوعة
(2/47)
وقد روينا عن ابن المبارك قال: ما انتخبت على عالم قط، إلا ندمت. وروينا عنه قال: ما جاء من منتق خير قط. وروينا عن يحيى ابن معين قال: صاحب الانتخاب يندم، وصاحب النسخ لا يندم. وقد فرق الخطيب في ذلك بين أن يكون الشيخ عسرا، والطالب واردا غريبا؛ فقال: إذا كان المحدث مكثرا وفي الرواية معسرا، فينبغي للطالب أن ينتقي حديثه، وينتخبه، فيكتب عنه ما لا يجده عند غيره، ويتجنب المعاد من رواياته قال: وهكذا حكم الواردين من الغرباء الذين لا يمكنهم طول الإقامة والثواء. قال: وأما متىلم يتميز للطالب معاد حديثه من غيره، وما يشارك في روايته مما ينفرد به، فالأولى أن يكتب حديثه على الاستيعاب دون الانتقاء والانتخاب. انتهى. وإليه أشرت بقولي: (وإن يضق حال عن استيعابه) أي: لعسر الشيخ، أو لكون الشيخ، أو الطالب واردا غير مقيم، ونحو ذلك.
وقولي: (لعارف) أي: بجودة الانتخاب فقد روينا عن يحيى بن معين قال: دفع إلي ابن وهب كتابين عن معاوية بن صالح خمسمائة أو ستمائة حديث، فانتقيت شرارها لم يكن لي بها يومئذ معرفة.
(2/48)
وإن قصر الطالب عن معرفة الانتخاب وجودته، فقال الخطيب: ((ينبغي أن يستعين ببعض حفاظ وقته على انتقاء ما له غرض في سماعه وكتبه. ثم ذكر من المعروفين بحسن الانتقاء أبا زرعة الرازي، وأبا عبد الرحمن النسائي، وإبراهيم بن أورمة الأصبهاني، وعبيدا العجل، وأبا بكر الجعابي، وعمر البصري، ومحمد بن المظفر، والدارقطني، وأبا الفتح ابن أبي الفوارس، وأبا القاسم هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي.
وقولي: (وعلموا في الأصل) . هذا بيان لما جرت به عادة الحفاظ من تعليمهم في أصل الشيخ على ما انتخبوه. وفائدته لأجل المعارضة أو ليمسك الشيخ أصله، أو لاحتمال ذهاب الفرع، فينقل من الأصل، أو يحدث من الأصل بذلك المعلم عليه.
واختياراتهم لصورة العلامة مختلفة، ولا حرج في ذلك، فكان الدارقطني يعلم بخط عريض، بالحمرة في الحاشية اليسرى، وكان اللالكائي يعلم على أول إسناد الحديث بخط صغير، بالحمرة. وهذا الذي استقر عليه عمل أكثر المتأخرين وكان أبو الفضل علي بن الحسن الفلكي يعلم بصورة همزتين بحبر في الحاشية اليمنى. وكان أبو الحسن علي بن أحمد النعيمي يعلم صادا ممدودة بحبر في الحاشية اليمنى، أيضا. وكان أبو محمد الخلال يعلم طاء ممدودة كذلك. وكان محمد بن طلحة النعالي يعلم بحاءين إحداهما إلى جنب الأخرى كذلك.
(2/49)
724.... ولا تكن مقتصرا أن تسمعا ... وكتبه من دون فهم نفعا
725.... واقرأ كتابا في علوم الأثر ... كابن الصلاح أو كذا المختصر
لا ينبغي للطالب أن يقتصر على سماع الحديث، وكتبه دون معرفته وفهمه، وقد روينا عن أبي عاصم النبيل، قال: الرواية في الحديث بلا دراية، رياسة نذلة. قال الخطيب: هي اجتماع الطلبة على الراوي للسماع عند علو سنه، قال: فإذا تميز الطالب بفهم الحديث، ومعرفته، تعجل بركة ذلك في شبيبته. قال: ولو لم يكن في الاقتصار على سماع الحديث، وتخليده الصحف، دون التمييز بمعرفة صحيحه من فاسده والوقوف على اختلاف وجوهه، والتصرف في أنواع علومه، إلا تلقيب المعتزلة
القدرية من سلك تلك الطريقة بالحشوية؛ لوجب على الطالب الأنفة لنفسه، ودفع ذلك عنه، وعن أبناء جنسه. وروينا عن فارس بن الحسين لنفسه:
(2/50)
يا طالب العلم الذي ... ذهبت بمدته الروايه
كن في الرواية ذا العنا ... ية، بالرواية، والدرايه
وارو القليل وراعه ... فالعلم ليس له نهايه
وقولي: (وكتبه) ، هو منصوب عطفا على محل (أن) المصدرية، فمحلها نصب على نزع الخافض، أي: مقتصرا على سماع الحديث، وكتبه.
وينبغي للطالب أن يقدم قراءة كتاب في علوم الحديث حفظا، أو تفهما، ليعرف مصطلح أهله. قال ابن الصلاح: ((ثم إن هذا الكتاب مدخل إلى هذا الشأن، مفصح عن أصوله، وفروعه، شارح لمصطلحات أهله، ومقاصدهم، ومهماتهم التي ينقص المحدث بالجهل بها نقصا فاحشا، فهو- إن شاء الله تعالى- جدير بأن تقدم العناية به)) . وقولي: (أو كذا المختصر) ، إشارة إلى هذه الأرجوزة.
726 ... وبالصحيحين ابدأن ثم السنن ... والبيهقي ضبطا وفهما ثم ثن
727.... بما اقتضته حاجة من مسند ... أحمد والموطأ الممهد
728.... وعلل، وخيرها لأحمدا ... والدارقطني والتواريخ غدا
729.... من خيرها الكبير للجعفي ... والجرح والتعديل للرازي
730.... وكتب المؤتلف المشهور ... والأكمل الإكمال للأمير
قال الخطيب: ((من أول ما ينبغي أن يستعمله الطالب شدة الحرص على السماع، والمسارعة إليه، والملازمة للشيوخ. ويبتدئ بسماع الأمهات من كتب أهل الأثر، والأصول الجامعة للسنن. وأحقها بالتقديم الصحيحان للبخاري ومسلم،
(2/51)
ومما يتلو الصحيحين: سنن أبي داود، والنسائي، والترمذي، وكتاب ابن خزيمة)) . قال ابن الصلاح: ((ضبطا لمشكلها، وفهما لخفي معانيها. قال: ولا يخدعن عن كتاب " السنن الكبير " للبيهقي، فإنا لا نعلم مثله في بابه. ثم لسائر ما تمس حاجة صاحب الحديث إليه من كتب المسانيد، ك" مسند أحمد "، ومن كتب الجوامع المصنفة في الأحكام. و" موطأ مالك " هو المقدم منها)) . وقال الخطيب - بعد أن ذكر الكتب الخمسة -: ثم كتب المسانيد الكبار، مثل مسند أحمد، وابن راهويه، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي خيثمة، وعبد بن حميد، وأحمد بن سنان، والحسن بن سفيان، وأبي يعلى، وما يوجد من مسند يعقوب بن شيبة، وإسماعيل القاضي، ومحمد بن أيوب الرازي. ثم الكتب المصنفة، مثل كتب ابن جريج، وابن أبي عروبة، وابن المبارك، وابن عيينة، وهشيم، وابن وهب، والوليد بن مسلم، ووكيع، وعبد الوهاب بن عطاء، وعبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وغيرهم. قال: وأما " موطأ مالك "، فهو المقدم في هذا النوع، ويجب أن يبتدأ بذكره على كل كتاب لغيره)) .
ثم الكتب المتعلقة بعلل الحديث، فمنها كتاب أحمد بن حنبل، وابن المديني، وابن أبي حاتم، وأبي علي النيسابوري، والدارقطني، و" التمييز " لمسلم، ثم تواريخ المحدثين، مثل: كتاب ابن معين - رواية عباس، ورواية المفضل الغلابي، ورواية الحسين بن حبان -، وتاريخ خليفة، وأبي حسان الزيادي، ويعقوب الفسوي، وابن أبي خيثمة، وأبي زرعة
(2/52)
الدمشقي، وحنبل بن إسحاق، والسراج. و" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم. قال: ويربي على هذه الكتب كلها، تاريخ محمد بن إسماعيل البخاري، يريد: " التأريخ الكبير ". وله ثلاثة تواريخ. وإلى هذا أشرت بقولي: (من خيرها الكبير للجعفي) أي: البخاري. وقال ابن الصلاح: ((إن من أجود العلل، كتاب أحمد، والدارقطني، ومن أفضل التواريخ، " تاريخ البخاري الكبير "، وكتاب ابن أبي حاتم. ثم قال: ومن كتب الضبط لمشكل الأسماء، قال: ومن أكملها كتاب الإكمال، لأبي نصر بن
ماكولا)) .
731.... واحفظه بالتدريج ثم ذاكر ... به والاتقان اصحبن وبادر
732.... إذا تأهلت إلى التأليف ... تمهر وتذكر وهو في التصنيف
733.... طريقتان جمعه أبوابا ... أو مسندا تفرده صحابا
734.... وجمعه معللا كما فعل ... يعقوب أعلى رتبة وما كمل
ليكن تحفظ الطالب للحديث على التدريج قليلا قليلا، ولا يأخذ نفسه بما لا يطيقه. ففي الحديث الصحيح: ((خذوا من الأعمال ما تطيقون)) . وروينا عن الثوري قال: كنت آتي الأعمش، ومنصورا، فأسمع أربعة أحاديث أو خمسة، ثم
(2/53)
انصرف كراهية أن تكثر، وتفلت. وروينا نحو ذلك عن شعبة، وابن علية، ومعمر. وروينا عن الزهري قال: من طلب العلم جملة، فاته جملة، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان. وقال أيضا فيما رويناه عنه: إن هذا العلم إن أخذته بالمكاثرة له غلبك، ولكن خذه مع الأيام، والليالي أخذا رفيقا، تظفر به.
ومما يعين على دوام الحفظ المذاكرة. روينا عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: تذاكروا هذا الحديث، إلا تفعلوا، يدرس. وروينا عن ابن مسعود قال: تذاكروا الحديث، فإن حياته مذاكرته. وروينا نحوه عن أبي سعيد الخدري، وابن عباس. وروينا عن الخليل بن أحمد قال: ذاكر بعلمك، تذكر ما عندك، وتستفد ما ليس عندك. وروينا عن عبد الله ابن المعتز، قال: من أكثر مذاكرة العلماء، لم ينس ما علم، واستفاد ما لم يعلم. وليكن المحدث مصاحبا للإتقان، فقد روينا عن عبد الرحمن بن مهدي قال: الحفظ الإتقان. وإذا تأهل المحدث للتأليف والتخريج،
(2/54)
واستعد لذلك، فليبادر إليه. فقد قال الخطيب: قلما يتمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه، ويستبين الخفي من فوائده؛ إلا من جمع متفرقه، وألف متشتته، وضم بعضه إلى بعض، واشتغل بتصنيف أبوابه، وترتيب أصنافه فإن ذلك الفعل مما يقوي النفس، ويثبت الحفظ، ويذكي القلب، ويشحذ الطبع، ويبسط اللسان، ويجيد البيان، ويكشف المشتبه، ويوضح الملتبس، ويكسب أيضا جميل الذكر، ويخلده إلى آخر الدهر، كما قال الشاعر:
يموت قوم فيحيي العلم ذكرهم ... والجهل يلحق أحياء بأموات
قال: وكان بعض شيوخنا يقول: من أراد الفائدة فليكسر قلم النسخ، وليأخذ قلم التخريج. وروينا عن الحافظ أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري، قال: رأيت عبد الغني بن سعيد الحافظ في المنام، فقال لي: يا أبا عبد الله، خرج وصنف قبل أن يحال بينك وبينه، هذا أنا قد تراني قد حيل بيني وبين ذلك.
ثم إن للعلماء في تصنيف الحديث، وجمعه، طريقتين.
إحداهما: تصنيفه على الأبواب على أحكام الفقه وغيرها، كالكتب الستة، والموطأ، وبقية المصنفات.
والثانية: تصنيفه على مسانيد الصحابة، كل مسند على حدة، كما تقدم.
(2/55)
وروينا عن الدارقطني، قال: أول من صنف مسندا وتتبعه نعيم بن حماد. قال الخطيب: ((وقد صنف أسد بن موسى مسندا، وكان أكبر من نعيم سنا، وأقدم سماعا، فيحتمل أن يكون نعيم سبقه في حداثته)) . قال الخطيب: ((فإن شاء رتب أسماء الصحابة على حروف المعجم، وإن شاء على القبائل، فيبدأ ببني هاشم ثم الأقرب فالأقرب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النسب. وإن شاء على قدر سوابق الصحابة في الإسلام. قال: وهذه الطريقة أحب إلينا. فيبدأ بالعشرة، ثم بالمقدمين من أهل بدر، ويتلوهم أهل الحديبية، ثم من أسلم وهاجر بين الحديبية والفتح، ثم من أسلم يوم الفتح، ثم الأصاغر الأسنان، كالسائب بن يزيد، وأبي الطفيل. قال ابن الصلاح: ((ثم بالنساء، قال: وهذا أحسن، والأول أسهل)) . قال الخطيب: ((يستحب أن يصنف المسند معللا، فإن معرفة العلل أجل أنواع الحديث)) . وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي، قال: لإن أعرف علة حديث هو عندي، أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثا ليس عندي. وقد جمع يعقوب بن شيبة مسندا معللا. قال الأزهري: ولم يصنف يعقوب المسند كله. قال: وسمعت الشيوخ يقولون: لم يتمم مسند معلل قط. قال: وقيل لي: إن نسخة بمسند أبي هريرة شوهدت بمصر، فكانت مائتي جزء، قال: ولزمه على ما
(2/56)
خرج من المسند عشرة آلاف دينار. قال الخطيب: ((والذي ظهر ليعقوب مسند العشرة وابن مسعود، وعمار، وعتبة بن غزوان، والعباس، وبعض الموالي. هذا الذي رأينا من مسنده)) .
وإلى هذا أشرت بقولي: (وما كمل) وهي من الزوائد على ابن الصلاح.
735.... وجمعوا أبوابا او شيوخا او ... تراجما أو طرقا وقد رأوا
736.... كراهة الجمع لذي تقصير ... كذاك الاخراج بلا تحرير
ومما جرت عادة أهل الحديث أن يخصوه بالجمع والتأليف؛ الأبواب، والشيوخ، والتراجم، والطرق، فأما جمع الأبواب، فهو إفراد باب واحد بالتصنيف، ككتاب
" رفع اليدين "، وباب " القراءة خلف الإمام "، أفردهما البخاري بالتصنيف. وباب
" التصديق بالنظر لله تعالى " أفرده الآجري. وباب " النية "، أفرده ابن أبي الدنيا. وباب " القضاء باليمين مع الشاهد "، أفرده الدارقطني. وباب " القنوت " أفرده ابن منده. وباب " البسملة "، أفرده ابن عبد البر. وغيره وغير ذلك. وأما جمع الشيوخ، فهو جمع حديث شيوخ مخصوصين، كل واحد منهم على انفراده، كجمع " حديث الأعمش " للإسماعيلي، وحديث " الفضيل بن عياض " للنسائي، وحديث " محمد بن جحادة " للطبراني، وغير ذلك، وقد ذكر الخطيب ممن يجمع حديثه: إسماعيل بن أبي خالد، وأيوب بن أبي تميمة، وبيان بن بشر، والحسن بن صالح بن حي، وحماد بن زيد وداود بن أبي هند، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وزائدة، وزهيرا، وزياد بن سعد، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن إسحاق الشيباني، وسليمان بن طرخان، وسليمان بن مهران الأعمش، وشعبة، وصفوان بن سليم، وطلحة بن مصرف، وعبد الله
(2/57)
ابن عون. وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وعبيد الله بن عمر العمري، وأبا
حصين عثمان بن عاصم الكوفي، وعمرو بن دينار المكي، ومالك بن أنس، ومحمد بن جحادة، ومحمد بن سوقة، ومحمد بن مسلم بن شهاب، ومحمد بن واسع، ومسعر بن كدام، ومطر بن طهمان، وهشام بن سعد، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويونس بن عبيد البصري. وروينا عن عثمان ابن سعيد الدارمي، قال: يقال: من لم يجمع حديث هؤلاء الخمسة، فهو مفلس في الحديث: سفيان، وشعبة، ومالك، وحماد بن زيد، وابن عيينة، وهم أصول الدين. وأما جمع التراجم فهو جمع ما جاء بترجمة واحدة من الحديث، كمالك، عن نافع، عن ابن عمر، وسهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، وهشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وأيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، ونحو ذلك. وأما جمع الطرق، فهو جمع طرق حديث واحد، كطرق حديث " قبض العلم " للطوسي، وطرق حديث " من كذب علي متعمدا " للطبراني، وطرق حديث " طلب العلم فريضة ". ونحو ذلك. وقد أدخل الخطيب هذا القسم في جمع الأبواب، وأفرده ابن الصلاح بالذكر، وهو واضح؛ لأن هذا جمع طرق حديث واحد، وذلك جمع باب وفيه أحاديث مختلفة، والله أعلم. وكرهوا الجمع والتأليف لمن هو قاصر عن جودة التأليف. روينا عن علي بن المديني، قال: إذا رأيت المحدث أول ما يكتب الحديث يجمع حديث " الغسل "، وحديث " من كذب علي "، فاكتب على قفاه: لا يفلح. وكذلك كرهوا إخراج التصنيف إلى الناس قبل تهذيبه، وتحريره، وإعادة النظر فيه، وتكريره.
(2/58)
العالي والنازل
737.... وطلب العلو سنة وقد ... فضل بعض النزول وهو رد
738.... وقسموه خمسة فالأول ... قرب من الرسول وهو الأفضل
739.... إن صح الاسنادوقسم القرب ... إلى إمام وعلو نسبي
740.... بنسبة للكتب الستة إذ ... ينزل متن من طريقها أخذ
روينا عن أحمد بن حنبل، قال: طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف. وروينا عن محمد بن أسلم الطوسي، قال: قرب الإسناد قرب، أو قربة إلى الله عز وجل. وقال الحاكم: ((وفي طلب الإسناد العالي سنة صحيحة، فذكر حديث أنس في مجيء الأعرابي، وقوله: يا محمد، أتانا رسولك فزعم كذا، ... الحديث. قال: ولو كان طلب العلو في الإسناد غير مستحب لأنكر عليه سؤاله عما أخبره رسوله عنه، ولأمره بالاقتصار على ما أخبره الرسول عنه)) . ولم يحك الحاكم خلافا في تفضيل العلو،
(2/59)
وحكاه ابن خلاد، ثم الخطيب، فحكيا عن بعض أهل النظر: أن التنزل في الإسناد أفضل؛ لأنه يجب على الراوي أن يجتهد في متن الحديث، وتأويله، وفي الناقل وتعديله، وكلما زاد الاجتهاد زاد صاحبه ثوابا. قال ابن خلاد: ((وهذا مذهب من يزعم أن الخبر أقوى من القياس)) . قال ابن الصلاح: ((وهذا مذهب ضعيف
الحجة)) . قال ابن دقيق العيد: لأن كثرة المشقة ليست مطلوبة لنفسها، قال: ((ومراعاة المعنى المقصود من الرواية، وهو الصحة أولى)) . قلت: وهذا بمثابة من يقصد المسجد لصلاة الجماعة، فيسلك طريقة بعيدة لتكثير الخطا، وإن أداه سلوكها إلى فوات الجماعة التي هي المقصود. وذلك أن المقصود من الحديث التوصل إلى صحته وبعد الوهم. وكلما كثر رجال الإسناد تطرق إليه احتمال الخطأ والخلل، وكلما قصر السند كان أسلم. اللهم إلا أن يكون رجال السند النازل، أوثق، أو أحفظ، أو أفقه، ونحو ذلك، على ما سيأتي في آخر هذا الفصل.
ثم العلو في الإسناد على خمسة أقسام، كما قسمه أبو الفضل محمد بن طاهر في جزء له، أفرده لذلك، وتبعه ابن الصلاح على كونها خمسة أقسام، وإن اختلف كلامهما في ماهية بعض الأقسام، كما سيأتي.
(2/60)
القسم الأول: القرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من حيث العدد بإسناد نظيف غير ضعيف. وإليه الإشارة بقولي: (إن صح الاسناد) ، فأما إذا كان قرب الإسناد مع ضعف بعض الرواة، فلا التفات إلى هذا العلو، لا سيما إن كان فيه بعض الكذابين المتأخرين ممن ادعى سماعا من الصحابة، كإبراهيم بن هدبة، ودينار بن عبد الله، وخراش، ونعيم بن سالم، ويعلى بن الأشدق وأبي الدنيا الأشج، ونحوهم. قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في " الميزان ": ((متى رأيت المحدث يفرح بعوالي أبي هدبة، ويعلى بن الأشدق، وموسى الطويل، وأبي الدنيا، وهذا الضرب، فاعلم أنه عامي بعد)) . وهذا القسم الأول هو أفضل أنواع العلو، وأجلها، وأعلى ما يقع للشيوخ في هذا الزمان من الأحاديث الصحاح المتصلة بالسماع؛ ما هو تساعي الإسناد، ولا يقع ذلك في هذه الأزمان إلا من " الغيلانيات "، و" جزء الأنصاري "، و" جزء الغطريف " فقط. أو ما هو مأخوذ منها. ولا يقع لأمثالنا من الصحيح المتصل بالسماع، إلا عشاري الإسناد، وقد يقع لنا التساعي الصحيح، ولكن بإجازة في الطريق،
والله أعلم.
وقول الذهبي في " تأريخ الإسلام " في ترجمة ابن البخاري: وهو آخر من كان في الدنيا بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثمانية رجال ثقات، فإنه يريد مع اتصال السماع. أما مع الإجازة فقد تأخر بعده جماعة، والله أعلم.
(2/61)
والقسم الثاني من أقسام العلو: القرب إلى إمام من أئمة الحديث، كالأعمش وهشيم، وابن جريج، والأوزاعي، ومالك، وسفيان، وشعبة، وزهير، وحماد بن زيد، وإسماعيل بن علية، وغيرهم من أئمة الحديث. وكلام الحاكم يشير إلى ترجيح هذا القسم على غيره، وأنه المقصود من العلو، وإنما يوصف بالعلو إذا صح الإسناد إلى ذلك الإمام بالعدد اليسير، كما صرح به الحاكم، وهو كذلك، كما مر في القسم الأول. وأعلى ما يقع اليوم للشيوخ بينهم وبين هؤلاء الأئمة من حيث العدد مع صحة السند، واتصاله بالسماع أن بينهم وبين الأعمش وهشيم، وابن جريج، والأوزاعي، ثمانية. وبينهم وبين مالك والثوري، وشعبة، وزهير، وحماد بن سلمة، سبعة، وبينهم وبين ابن علية ستة. وقد ساوينا الشيوخ بالنسبة إلى هشيم، فبيننا وبينه سبعة بالسماع الصحيح المتصل.
والقسم الثالث: العلو المقيد بالنسبة إلى رواية الصحيحين، وبقية الكتب الستة. وسماه ابن دقيق العيد: علو التنزيل، ولم يذكر ابن طاهر هذا القسم، وجعل القسم الثالث: علو تقدم السماع، وجمع بينه وبين قسم تقدم الوفاة، فجعلهما قسما واحدا، كما سيأتي ولكن هذا القسم يؤخذ من كلام ابن طاهر في آخر الجزء المذكور، وإن لم يذكره في الأقسام. وليس هذا علوا مطلقا في جميع هذا القسم، وإنما هو بالنسبة لهذه الكتب، إذ الراوي لو روى الحديث من طريق كتاب من الستة يقع أنزل مما لو رواه من غير طريقها، وقد يكون عاليا مطلقا أيضا، مثاله: حديث رواه الترمذي لابن مسعود مرفوعا: يوم كلم الله موسى كانت عليه جبة صوف ... الحديث.
(2/62)
رواه الترمذي عن علي بن حجر عن خلف بن خليفة. فلو رويناه من طريق الترمذي وقع بيننا وبين خلف تسعة، فإذا رويناه من " جزء ابن عرفة "، وقع بيننا وبينه سبعة بعلو درجتين. فهذا مع كونه علوا بالنسبة، فهو أيضا علو مطلق، ولا يقع اليوم لأحد هذا الحديث أعلى من هذا، وكل واحد من شيخنا فمن بعده إلى خلف هو آخر من رواه عن شيخه بالسماع من الجزء المذكور، وقول ابن الصلاح: ((إن هذا النوع من العلو، علو تابع لنزول)) محمول على الغالب، وإلا فهذا الحديث المذكور عال للترمذي، وعال لنا، وليس هو عاليا بالنسبة فقط. وهذا النوع هو الذي يقع فيه الموافقات، والإبدال، والمساواة، والمصافحات، على ما سيأتي بيانها.
741.... فإن يكن في شيخه قد وافقه ... مع علو فهو الموافقه
742.... أو شيخ شيخه كذاك فالبدل ... وإن يكن ساواه عدا قد حصل
743.... فهو المساواة وحيثراجحه ... الأصل بالواحد فالمصافحه
هذا إشارة إلى بيان الموافقة، وما ذكر معها. فالموافقة: أن يروي الراوي حديثا في أحد الكتب الستة بإسناد لنفسه، من غير طريقها، بحيث يجتمع مع أحد الستة في شيخه مع علو هذا الطريق الذي رواه منه على ما لو رواه من طريق أحد الكتب الستة. مثاله: حديث رواه البخاري عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن حميد، عن أنس مرفوعا:
(2/63)
((كتاب الله القصاص)) فإذا رويناه من" جزء الأنصاري " يقع موافقة للبخاري في شيخه مع علو درجة.
وأما البدل: فهو أن يوافقه في شيخ شيخه مع العلو أيضا. وإلى ذلك أشرت بقولي: (كذاك) . مثاله: حديث ابن مسعود الذي رواه الترمذي، وتقدم في شرح الأبيات التي قبل هذه فهذا يطلقون عليه: البدل، وقد يسمونه موافقة مقيدة، فيقال: هو موافقة في شيخ شيخ الترمذي مثلا. ويؤخذ ذلك من قولي: (أو شيخ شيخه) أي: وإن يكن قد وافقه في شيخ شيخه فسماه موافقة في شيخ الشيخ، وأما تقييد الموافقة والبدل بصورة العلو فكذا ذكره ابن الصلاح، أنه لا يطلق عليه ذلك إلا مع العلو، فإنه قال: ولو لم يكن ذلك عاليا فهو أيضا موافقة وبدل، لكن لا يطلق عليه اسم الموافقة والبدل، لعدم الالتفات إليه. قلت: وفي كلام غيره من المخرجين إطلاق اسم الموافقة والبدل؛ مع عدم العلو، فإن علا قالوا: موافقة عالية، أو بدلا عاليا، كذا رأيته في كلام الشيخ جمال الدين الظاهري، وغيره، ورأيت في كلام الظاهري، والذهبي: فوافقناه بنزول. فسمياه مع النزول موافقة، ولكن مقيدة بالنزول، كما قيدها غيرهما بالعلو.
وأما المساواة: فهو أن يكون بين الراوي وبين الصحابي، أو من قبل الصحابي إلى شيخ أحد الستة كما بين أحد الأئمة الستة وبين ذلك الصحابي أو من قبله على ما ذكر. أو يكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما بين أحد الأئمة الستة وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - من العدد. وهذا كله كان يوجد قديما، وأما اليوم فلا توجد المساواة إلا بأن يكون عد ما بين الراوي الآن، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، كعد ما بين أحد الأئمة الستة، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومثال المساواة لشيوخنا، حديث النهي عن نكاح المتعة، أخبرنا به محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني، قال: أنبأنا أسعد بن سعيد بن روح، وعفيفة بنت
(2/64)
أحمد الفارفانية، واللفظ لها، قالا: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية، قالت: أخبرنا أبو بكر بن ريذة، قال: أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني، قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثني الليث ح قال الطبراني: وحدثنا يوسف القاضي، قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا ليث بن سعد، قال: حدثني الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه - سبرة - أنه قال: أذن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة، ... الحديث، وفيه: ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: من كان عنده شيء من هذه
(2/65)
النساء اللاتي يتمتع بهن فليخل سبيلها، واللفظ لحديث يحيىبن بكير.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي، عن قتيبة، عن الليث. فوقع بدلا لهما عاليا. وورد حديث النهي عن نكاح المتعة من حديث جماعة من الصحابة منهم: علي بن أبي طالب وهو متفق عليه من حديثه من طريق مالك. وقد رواه النسائي في جمعه "لحديث مالك" عن زكريا بن يحيى خياط السنة، عن إبراهيم بن عبد الله الهروي، عن سعيد بن محبوب، عن عبثر بن القاسم، عن سفيان الثوري، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله، والحسن ابني محمد ابن علي، عن أبيهما، عن علي. فباعتبار هذا العدد كأن شيخنا ساوى فيه النسائي، وكأني لقيت النسائي وصافحته به، ولله الحمد.
وأما المصافحة: فهو أن يعلو طريق أحد الكتب الستة عن المساواة بدرجة، فيكون الراوي كأنه سمع الحديث من البخاري، أو مسلم مثلا. وهو المراد بقولي:
(وحيث راجحه الأصل) أي: وحيث رجح أحد من الأئمة الستة براو واحد على الراوي الذي وقع له ذلك الحديث، سموه مصافحة، بمعنى: أن الراوي كأنه لقي أحد الأئمة الستة، وصافحه بذلك الحديث. ومثلت بالكتب الستة؛ لأن الغالب على
(2/66)
المخرجين استعمال ذلك بالنسبة إليهم فقط. وقد استعمله الظاهري وغيره بالنسبة إلى مسند أحمد، ولا مشاحة في ذلك. وقد وقع لنا غير ما حديث مصافحة، فمن ذلك: الحديث المتقدم مثالا للمساواة، فإنه مساواة لشيوخنا، مصافحة لنا، كما تقدم، والله أعلم.
744.... ثم علو قدم الوفاة ... أما العلو لا مع التفات
745.... لآخر فقيل للخمسينا ... أو الثلاثين مضت سنينا
هذا القسم الرابع من أقسام العلو، وهو تقدم وفاة الراوي عن شيخ، على وفاة راو آخر عن ذلك الشيخ، مثاله: من سمع " سنن أبي داود " على الزكي عبد العظيم، أعلى ممن سمعه على النجيب الحراني.
ومن سمعه على النجيب، أعلى ممن سمعه على ابن خطيب المزة، والفخر بن البخاري؛ وإن اشترك الأربعة في رواية الكتاب عن شيخ واحد، وهو: ابن طبرزذ؛ لتقدم وفاة الزكي على النجيب، وتقدم وفاة النجيب على من بعده.
(2/67)
روينا عن أبي يعلى الخليلي، قال: ((قد يكون الإسناد يعلو على غيره بتقدم موت راويه، وإن كانا متساويين في العدد)) . وهذا كله بنسبة شيخ إلى شيخ. أما علو الإسناد بتقدم موت الشيخ، لا مع التفات لأمر آخر، أو شيخ آخر، فمتى يوصف بالعلو؟ روينا عن ابن جوصا، قال: إسناد خمسين سنة من موت الشيخ؛ إسناد علو. وروينا عن أبي عبد الله بن منده، قال: إذا مر على الإسناد ثلاثون سنة، فهو عال. وقولي: (سنينا) ، تمييز. والتقييد بالخمسين أريد: من موت الشيخ، لا من وقت السماع عليه، كما صرح به ابن جوصا. وأما كلام ابن منده، فيحتمل أنه أراد من حين السماع، وهو بعيد؛ لأنه يجوز أن يكون شيخه إلى الآن حيا، والظاهر أنه أراد إذا مضى على إسناد كتاب، أو حديث، ثلاثون سنة، وهو في تلك المدة لا يقع أعلى من ذلك، كسماع كتاب البخاري في سنة ستين وسبعمائة مثلا على أصحاب أصحاب ابن الزبيدي، فإنه مضت عليه ثلاثون سنة من موت من كان آخر من يرويه عاليا، وهو الحجار.
(2/68)
746 ... ثم علو قدم السماع ... وضده النزول كالأنواع
747 ... وحيث ذم فهو ما لم يجبر ... والصحة العلو عند النظر
هذا القسم الخامس من أقسام العلو، وهو تقدم السماع من الشيخ، فمن تقدم سماعه من شيخ كان أعلى ممن سمع من ذلك الشيخ نفسه بعده. روينا عن محمد بن طاهر، قال: من العلو تقدم السماع. ولكن جعل ابن طاهر، وتبعه ابن دقيق العيد، هذا القسم، والذي قبله، قسما واحدا، وقال ابن الصلاح: ((إن كثيرا من هذا يدخل في النوع المذكور قبله، وفيه ما لا يدخل مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد، وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا، وسماع الآخر من أربعين سنة)) ، قلت: وأهل الحديث مجمعون على أفضلية المتقدم في حق من اختلط شيخه، أو خرف لهرم، أو مرض، وهو واضح. أما من لم يحصل له ذلك فربما كان السماع المتأخر أرجح، بأن يكون تحديثه الأول قبل أن يبلغ درجة الإتقان، والضبط، ثم كان الشيخ متصفا بذلك في حالة سماع الراوي المتأخر السماع، فلهذا مزية، وفضل على السماع المتقدم، وهو أرفع وأعلى، لكنه علو معنوي على ما سيأتي.
فهذه أقسام العلو ولما جمع ابن طاهر، وابن دقيق العيد، بين قسمي تقدم السماع، وتقدم الوفاة، وجعلاهما قسما واحدا، زادا بدل الساقط: العلو إلى صاحبي الصحيحين ومصنفي الكتب المشهورة. وجعل ابن طاهر هذا قسمين: أحدهما: العلو إلى البخاري ومسلم، وأبي داود وأبي حاتم، وأبي زرعة. والآخر: العلو إلى كتب مصنفة لأقوام، كابن أبي الدنيا، والخطابي، وأشباههما، قال: ابن طاهر: واعلم أن كل حديث عز على المحدث، ولم يجده عاليا ولابد له من إيراده في تصنيف، أو احتجاج به؛ فمن أي وجه أورده، فهو عال لعزته، ثم مثل ذلك بأن البخاري روى عن أماثل أصحاب مالك، ثم روى حديثا لأبي إسحاق الفزاري عن مالك، لمعنى فيه فكان فيه بينه وبين مالك ثلاثة رجال، والله أعلم.
(2/69)
وأما أقسام النزول، فهي خمسة أيضا. فإن كل قسم من أقسام العلو ضده قسم من أقسام النزول، كما قال ابن الصلاح. وقال الحاكم في " علوم الحديث ": ((لعل قائلا يقول: النزول ضد العلو، فمن عرف العلو، فقد عرف ضده. قال الحاكم: وليس كذلك، فإن للنزول مراتب لا يعرفها إلا أهل الصنعة)) ، قال ابن الصلاح: ((هذا ليس نفيا لكون النزول ضد العلو على الوجه الذي ذكرته، بل نفيا لكونه يعرف بمعرفة العلو. قال: وذلك يليق بما ذكره هو في معرفة العلو، فإنه قصر في بيانه وتفصيله، وليس كذلك ما ذكرناه فإنه مفصل تفصيلا مبينا مفهما لمراتب النزول)) . ثم إن النزول حيث ذمه من ذمه، كقول علي بن المديني، وأبي عمرو المستملي، فيما رويناه عنهما: النزول شؤم. وكقول ابن معين فيما رويناه عنه: إلاسناد النازل قرحة في الوجه، فهو محمول على ما إذا لم يكن مع النزول ما يجبره، كزيادة الثقة في رجاله على العالي، أو كونهم أحفظ، أو أفقه، أو كونه متصلا بالسماع وفي العالي حضور، أو إجازة، أو مناولة، أو تساهل بعض رواته في الحمل، ونحو ذلك؛ فإن العدول حينئذ إلى النزول ليس بمذموم، ولا مفضول. وقد روينا عن وكيع قال: الأعمش أحب اليكم عن أبي وائل عن عبد الله؟ أو سفيان، عن منصور عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله؟ فقلنا: الأعمش عن أبي وائل أقرب. فقال:
(2/70)
الأعمش شيخ، وأبو وائل شيخ، وسفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة فقيه، عن فقيه، عن فقيه، عن فقيه. وروينا عن ابن المبارك قال: ليس جودة الحديث قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال.
وروينا عن السلفي قال: الأصل الأخذ عن العلماء فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة على مذهب المحققين من النقلة، والنازل حينئذ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق، كما روينا عن نظام الملك قال: عندي أن الحديث العالي: ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن بلغت رواته مائة. وكما روينا عن السلفي من نظمه:
ليس حسن الحديث قرب رجال ... عند أرباب علمه النقاد
بل علو الحديث بين أولي الحـ ... ـفظ والإتقانصحة الإسناد
وإذا ما تجمعا في حديث ... فاغتنمه فذاك أقصى المراد
قال ابن الصلاح: ((هذا ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث، وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب)) .
(2/71)
الغريب، والعزيز، والمشهور
748.... وما به مطلقا الراوي انفرد ... فهو الغريب وابن مندة فحد
749.... بالانفراد عن إمام يجمع ... حديثه فإن عليه يتبع
750.... من واحد واثنين فالعزيز أو ... فوق فمشهور وكل قد رأوا
751.... منه الصحيح والضعيف ثم قد ... يغرب مطلقا أو اسنادا فقد
ج
قال ابن الصلاح: ((الحديث الذي ينفرد به بعض الرواة، يوصف بالغريب، قال: وكذلك الحديث الذي ينفرد فيه بعضهم بأمر لا يذكره فيه غيره، إما في متنه، وإما
(2/72)
في إسناده)) . وروينا عن أبي عبد الله بن منده قال: الغريب من الحديث كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة ممن يجمع حديثهم إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث يسمى غريبا، فإذا روى عنهم رجلان، أو ثلاثة، واشتركوا يسمى عزيزا، فإذا روى الجماعة عنهم حديثا، يسمي مشهورا، وهكذا قال محمد بن طاهر المقدسي، وكأنه أخذه من كلام ابن منده.
وقولي: (وكل قد رأوا، منه الصحيح والضعيف) أي: إن وصف الحديث بكونه مشهورا، أو عزيزا، أو غريبا، لاينافي الصحة، ولا الضعف، بل قد يكون مشهورا صحيحا، أو مشهورا ضعيفا، أو غريبا صحيحا، أو غريبا ضعيفا، أو عزيزا صحيحا، أو عزيزا ضعيفا. ولم يذكر ابن الصلاح كون العزيز يكون منه الصحيح والضعيف، بل ذكر ذلك في المشهور والغريب فقط. ومثل المشهور الصحيح بحديث: ((الأعمال بالنيات)) وتبع في ذلك الحاكم، وفيه نظر، فإن الشهرة إنما طرأت له من عند يحيى بن سعيد، وأول الإسناد فرد، كما تقدم. وقد نبه على ذلك ابن الصلاح في آخر النوع الحادي والثلاثين، وهو الذي يلي نوع المشهور، وكان ينبغي له أن يمثل بغيره مما مثل به الحاكم أيضا، كحديث: ((إن الله لا يقبض العلم
(2/73)
انتزاعا، ... )) وحديث: ((من أتى الجمعة فليغتسل، ... )) ، وحديث رفع اليدين في الصلاة، وغير ذلك. ومثل ابن الصلاح المشهور الذي ليس بصحيح، بحديث: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) ، وتبع في ذلك أيضا الحاكم، وقد صحح
(2/74)
بعض الأئمة بعض طرق الحديث، كما بينته في تخريج أحاديث " الإحياء ". ومثله الحاكم أيضا، بحديث: ((الأذنان من الرأس)) . وبأمثلة كثيرة بعضها صحيح، وإن لم تخرج في واحد من الصحيحين.
وذكر ابن الصلاحفي أمثلته ما بلغه عن أحمد بن حنبل، قال: أربعة أحاديث تدور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسواق، ليس لها أصل: ((من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة)) ، ((ومن آذى ذميا، فأنا خصمه يوم القيامة)) ، ((ويوم نحركم يوم صومكم)) ، ((وللسائل حق، وإن جاء على فرس)) ، قلت:
(2/75)
وهذا لا يصح عن أحمد، وقد أخرج أحمد في " مسنده " هذا الحديث الرابع عن وكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، كلاهما عن سفيان، عن مصعب بن محمد، عن يعلى ابن أبي يحيى، عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها حسين بن علي، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو إسناد جيد. ويعلى وإن جهله أبو حاتم، فقد وثقه أبو حاتم بن حبان. وأما مصعب، فوثقه يحيى بن معين، وغيره. وأخرجه أبو داود في " سننه " وسكت عنه، فهو عنده صالح. وأخرجه أيضا من حديث علي، وفي إسناده من لم يسم. ورويناه أيضا من حديث ابن عباس، ومن حديث الهرماس بن زياد.
وأما حديث: ((من آذى ذميا)) فقد رواه بنحوه أبو داود أيضا، وسكت عليه، من رواية صفوان بن سليم، عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن آبائهم دنية عن
(2/76)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا من غير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة)) . وهذا إسناد جيد، وإن كان فيه من لم يسم، فإنهم عدة من أبناء الصحابة يبلغون حد التواتر الذي لا يشترط فيه العدالة. فقد روينا في سنن البيهقي، وفيه: ((عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) .
وأما الحديثان الآخران فلا أصل لهما كما ذكر. وأما مثال الغريب الصحيح، فكأفراد الصحيح، وهي كثيرة، منها حديث مالك عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، مرفوعا: ((السفر قطعة من العذاب)) . وأما الغريب الذي ليس بصحيح فهو الغالب على الغرائب. وقد روينا عن أحمد بن حنبل، قال: ((لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب، فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء)) . وروينا عن مالك قال: شر العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس. وروينا عن عبد الرزاق قال: كنا نرى أن غريب الحديث خير، فإذا هو شر. وقسم الحاكم الغريب إلى ثلاثة أنواع: غرائب الصحيح، وغرائب الشيوخ، وغرائب المتون. وقسمه ابن طاهر إلى خمسة أنواع. وقال ابن الصلاح: إن من الغريب ما هو
(2/77)
غريب متنا، وإسنادا، وهو الحديث الذي تفرد برواية متنه راو واحد. ومنه ما هو غريب إسنادا لا متنا، كالحديث الذي متنه معروف، مروي عن جماعة من الصحابة، إذا تفرد بعضهم بروايته عن صحابي آخر، كان غريبا من ذلك الوجه. قال ومن ذلك: غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة، قال: وهذا الذي يقول فيه الترمذي: غريب من هذا الوجه، قلت: وأشرت إلى القسم الأول بقولي: (ثم قد يغرب مطلقا) ، وإلى الثاني بقولي: (أو اسنادا فقد) أي: فقط.
قال ابن الصلاح: ولا أرى هذا النوع ينعكس، فلا يوجد إذا ما هو غريب متنا، وليس غريبا إسنادا، وإلا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به، فرواه عنه عدد كثيرون، فإن إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول، متصف بالشهرة في طرفه الآخر، كحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) ، وكسائر الغرائب التي اشتملت عليها التصانيف المشتهرة، هكذا قال ابن الصلاح: إنه لا يوجد ما هو غريب متنا لا سندا، إلا بالتأويل الذي ذكره. وقد أطلق أبو الفتح اليعمري ذكر هذا النوع في جملة أنواع الغريب من غير تقيد بآخر السند، فقال في " شرح الترمذي ": ((الغريب على أقسام: غريب سندا ومتنا، ومتنا لا سندا، وسندا لا متنا، وغريب بعض السند فقط، وغريب بعض المتن فقط)) . فالقسم الأول واضح، والقسم الثاني هو الذي أطلقه أبو الفتح، ولم يذكر له مثالا، والقسم الثالث مثاله حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيزبن أبي رواد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((الأعمال بالنية)) . قال الخليلي في
(2/78)
" الإرشاد ": ((أخطأ فيه عبد المجيد، وهو غير محفوظ من حديث زيد بن أسلم بوجه، قال: فهذا مما أخطأ فيه الثقة عن الثقة)) . وقال أبو الفتح اليعمري: ((هذا إسناد غريب كله، والمتن صحيح)) ، والقسم الرابع مثاله حديث رواه الطبراني في " المعجم الكبير " من رواية عبد العزيز بن محمد الدراوردي، ومن رواية عباد بن منصور، فرقهما كلاهما عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة بحديث أم زرع.
والمحفوظ ما رواه عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة، عن عروة عن عائشة. هكذا اتفق عليه الشيخان. وكذا راوه مسلم من رواية سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، عن هشام. قال أبو الفتح: ((فهذه غرابة تخص موضعا من السند، والحديث صحيح)) قلت: ويصلح ما ذكرناه من عند الطبراني مثالا للقسم
الخامس؛ لأن عبد العزيز وعبادا جعلا جميع الحديث مرفوعا، وإنما المرفوع منه
قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كنت لك كأبي زرع لأم زرع)) ، فهذا غرابة بعض المتن، أيضا.
والله اعلم.
(2/79)
752.... كذلك المشهور أيضا قسموا ... لشهرة مطلقة كـ ((المسلم
753.... من سلم الحديث)) والمقصور ... على المحدثين من مشهور
754.... ((قنوته بعد الركوع شهرا)) ... ومنه ذو تواتر مستقرا
755.... في طبقاته كمتن ((من كذب)) ... ففوق ستين رووه والعجب
756.... بأن من رواته للعشره ... وخص بالأمرين فيما ذكره
757.... الشيخ عن بعضهم، قلت: بلى ... ((مسح الخفاف)) وابن مندةإلى
758.... عشرتهم ((رفع اليدين)) نسبا ... ونيفوا عن مائة ((من كذبا))
أي: كما أن المشهور ينقسم إلى صحيح وضعيف، كذلك ينقسم من وجه آخر إلى ما هو مشهور شهرة مطلقة بين أهل الحديث، وغيرهم، كحديث: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) ، وما أشبه ذلك في الشهرة المطلقة، وإلى ما هو مشهور بين أهل الحديث خاصة، كحديث أنس ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرا بعد الركوع، يدعو على رعل؛ وذكوان)) فهذا حديث اتفق عليه الشيخان من رواية سليمان التيمي، عن أبي مجلز واسمه: لاحق بن حميد، عن أنس، وقد رواه عن أنس غير أبي مجلز
(2/80)
، وعن أبي مجلز غير سليمان التيمي، وعن سليمان التيمي جماعة، وهو مشهور بين أهل الحديث، وقد يستغربه غيرهم؛ لأن الغالب على رواية التيمي، عن أنس، كونها بغير واسطة، وهذا الحديث بواسطة أبي مجلز.
ثم إن المشهور أيضا ينقسم باعتبار آخر إلى ما هو متواتر، وإلى ما هو مشهور غير متواتر. وقد ذكر المتواتر الفقهاء والأصوليون وبعض أهل الحديث. قال ابن الصلاح: ((وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص، وإن كان الخطيب قد ذكره في كتابه " الكفاية " ففي كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث)) . قلت: قد ذكره الحاكم، وابن حزم وابن عبد البر. وهو الخبر الذي ينقله عدد يحصل العلم بصدقهم ضرورة. وعبر عنه غير واحد بقوله: عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب. ولا بد من وجود ذلك في رواته من أوله إلى منتهاه، وإلى ذلك أشرت بقولي: (في طبقاته) . قال ابن الصلاح: ومن سئل عن إبراز مثال لذلك أعياه تطلبه. ثم قال: نعم.. حديث: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) ، نراه مثالا لذلك فإنه نقله من الصحابة - رضي الله عنهم - العدد الجم، وهو في " الصحيحين " مروي عن جماعة منهم. قال: وذكر أبو بكر البزار في " مسنده ": أنه رواه نحو من أربعين رجلا من الصحابة. قال: وذكر بعض الحفاظ: أنه رواه اثنان وستون نفسا من الصحابة، وفيهم العشرة المشهود لهم بالجنة. قال: وليس في الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره
(2/81)
ولا يعرف حديث يروى عن أكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا هذا الحديث الواحد قال: وبلغ بهمبعض أهل الحديث أكثر من هذا العدد، وفي بعض ذلك عدد التواتر! انتهى.
وما حكاه ابن الصلاح عن بعض الحفاظ، وأبهمه، هو في كلام ابن الجوزي، فإنه ذكر في مقدمة "الموضوعات"، أنه رواه من الصحابة أحد وستون نفسا، ثم روى بعد ذلك بأوراق عن أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب الإسفراييني، أنه ليس في الدنيا حديث اجتمع عليه العشرة غيره. ثم قال ابن الجوزي قلت: ما وقعت إلي رواية عبد الرحمن بن عوف إلى الآن. قال: ولا عرفت حديثا رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد وستون نفسا، وعلى قول هذا الحافظ اثنان وستون نفسا، إلا هذا الحديث)) . هذا كلامه في النسخة الأولى من الموضوعات، ومن خط الحافظ أبي محمد المنذري نقلت. وأما كلامه المحكي عن الكتاب المذكور في آخر الفصل، فهو في النسخة الأخيرة، فاعلم ذلك. قلت: وما ذكره ابن الصلاح عن بعض الحفاظ، من تخصيص هذا الحديث بهذا العدد، وبكونه من رواية العشرة منقوض
بحديث المسح على الخفين، فقد رواه أكثر من ستين من الصحابة، ومنهم العشرة، ذكر ذلك أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده في كتاب له سماه " المستخرج من كتب الناس ". وذكر صاحب " الإمام " عن ابن
(2/82)
المنذر قال: روينا عن الحسن أنه قال: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح لى الخفين. انتهى. وجعله ابن عبد البر متواترا، فقال: روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسح على الخفين، نحو أربعين من الصحابة، واستفاض، وتواتر. قلت: فهذا مثال آخر للمتواتر، صرح بوصفه بذلك. وإلى ذلك أشرت بقولي: (قلت: بلى مسح الخفاف) .
وأيضا فحديث رفع اليدين قد عزاه غير واحد من الأئمة إلى رواية العشرة أيضا، منهم ابن منده المذكور في كتاب " المستخرج "، والحاكم أبو عبد الله، وجعل ذلك مما اختص به حديث رفع اليدين، قال البيهقي: سمعته يقول: لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخلفاء الأربعة، ثم العشرة الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، فمن بعدهم من أكابر الصحابة، على تفرقهم في البلاد الشاسعة؛ غير هذه السنة. قال البيهقي: وهو كما قال أستاذنا أبو عبد الله - رضي الله عنه -. فقد روى هذه السنة عن العشرة وغيرهم، وأما عدة من رواه من الصحابة، فقال ابن عبد البر في " التمهيد ": رواه ثلاثة عشر رجلا من الصحابة. وقال السلفي: رواه سبعة عشر. قلت: وقد جمعت رواته فبلغوا نحو الخمسين، ولله الحمد.
وقولي: (ونيفوا عن مائة) أي: ورووا حديث ((من كذب علي متعمدا)) عن مائة ونيف من الصحابة. وقال ابن الجوزي في مقدمة " الموضوعات ": رواه من الصحابة
(2/83)
ثمانية وتسعون نفسا. انتهى. هكذا نقلته من خط علي، ولد المصنف، وهي النسخة الأخيرة من الكتاب المذكور وفيها زوائد ليست في النسخة الأولى التي كتبت عنه. وقد جمع الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي طرقه في جزأين، فبلغ بهم مائة واثنين، وأخبرني بعض الحفاظ: أنه رأى في كلام بعض الحفاظ: أنه رواه مائتان من الصحابة، وأنا أستبعد وقوع ذلك، والله أعلم.
غريب ألفاظ الأحاديث
759.... والنضر أو معمر خلف أول ... من صنف الغريب فيما نقلوا
760.... ثم تلا أبو عبيد واقتفى ... القتبي ثم حمد صنفا
761.... فاعن به ولا تخض بالظن ... ولا تقلد غير أهل الفن
762.... وخير ما فسرته بالوارد ... كالدخ بالدخان لابن صائد
763.... كذاك عند الترمذي، والحاكم ... فسره الجماع وهو واهم
غريب الحديث، هو ما يقع فيه من الألفاظ الغامضة البعيدة عن الفهم. وقد صنف فيه جماعة من الأئمة، واختلفوا في أول من صنف فيه. فقال الحاكم في" علوم الحديث ": ((أول من صنف الغريب في الإسلام النضر بن شميل. ثم صنف فيه أبو
(2/84)
عبيد القاسم بن سلام كتابه الكبير)) قال ابن الصلاح: ((ومنهم من خالفه فقال: أول من صنف فيه أبو عبيدة معمر بن المثنى)) . وقال الحافظ محب الدين الطبري في كتاب " تقريب المرام ": وقد قيل: إن أول من جمع في هذا الفن شيئا، وألفه أبو عبيدة معمر بن المثنى، ثم النضر بن شميل، ثم عبد الملك بن قريب الأصمعي، وكان في عصر أبي عبيدة، وتأخر، وكذلك قطرب، وغيره من أئمة الفقه، واللغة، جمعوا أحاديث تكلموا على لغتها، ومعناها، في أوراق ذوات عدد، ولم يكن أحد منهم ينفرد عن غيره بكثير حديث لم يذكره الآخر. واستمرت الحال إلى زمن أبي عبيد القاسم بن سلام، وذلك بعد المائتين، فجمع كتابه المشهور في غريب الحديث والآثار. انتهى. ثم بعد ذلك صنف أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري القتبي كتابه المشهور فزاد على أبي عبيد مواضع وتتبعه في مواضع. ثم صنف بعده أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي كتابه في ذلك، فزاد على القتبي، ونبه على أغاليط له.
وصنف فيه جماعة منهم: قاسم بن ثابت بن حزم السرقسطي، وعبد الغافر الفارسي كتابا سماه: " مجمع الغرائب "، وصنف الزمخشري كتابه " الفائق "، وبعده أبو الفرج ابن الجوزي. وكان جمع بين الغريبين: غريبي القرآن والحديث أبو عبيد أحمد
(2/85)
بن محمد الهروي، صاحب أبي منصور الأزهري، وذيل عليه الحافظ أبو موسى المديني ذيلا حسنا. ثم جمع بينهما مقتصرا على غريب الحديث فقط أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، وزاد عليهما زيادات كثيرة، وذلك في كتابه " النهاية ". وبلغني أن الإمام صفي الدين محمود بن محمد بن حامد الأرموي، ذيل عليه ذيلا لم أره، وبلغني أنه كتبه حواش على أصل النهاية فقط، وإن الناس أفردوه. وقد كنت كتبت على نسخة - كانت عندي من النهاية - حواشي كثيرة، وأرجو أن أجمعها، وأذيل عليه بذيل كبير، إن شاء الله تعالى.
وقولي: (فاعن به) أي بعلم الغريب، أي: اجعله من عنايتك، واحفظه، واشتغل به. فإن قيل: إنما تستعمل هذه اللفظة مبينة لما لم يسم فاعله، يقال: عنيت بالأمر عناية، كما جزم به صاحبا " الصحاح " و" المحكم "، وعلى هذا فلا يؤمر منه بصيغة على صيغة افعل. قال الجوهري وإذا أمرت منه قلت: لتعن بحاجتي قلت فيه لغتان: عني، وعني. وممن حكاهما صاحب الغريبين، والمطرزي: وفي الحديث: أنه قال لرجل: لقد عني الله بك. قال ابن الأعرابي: أي: حفظ دينك. قال الهروي: يقال عنيت بأمرك، فأنا معني بك، وعنيت بأمرك أيضا، فأنا عان.
ولا ينبغي لمن تكلم في غريب الحديث أن يخوض فيه رجما بالظن، فقد روينا عن أحمد بن حنبل أنه سئل عن حرف منه، فقال: سلوا أصحاب الغريب، فإني أكره أن
(2/86)
أتكلم في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالظن. وسئل الأصمعي عن حديث: ((الجار أحق بسقبه)) ، فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن العرب تزعم أن السقب: اللزيق.
ولا ينبغي أن يقلد من الكتب المصنفة في الغريب، إلا ما كان مصنفوها أئمة جلة في هذا الشأن. فمن لم يكن من أهله، تصرف فيه فأخطأ. وقد كان بعض العجم يقرأ علي من مدة سنين في " المصابيح " للبغوي، فقرأ حديث: ((إذا سافرتم في الخصب، فأعطوا الإبل حقها، وإذا سافرتم في الجدب، فبادروا بها نقيها)) ، فقرأها نقبها - بفتح النون وبالباء الموحدة بعد القاف - فقلت له: إنما هي نقيها - بالكسر والياء آخر الحروف - فقال: هكذا ضبطه بعض الشراح في طرة الكتاب. فأخذت منه الكتاب، وإذا على الحاشية كما ذكر. وقال النقب: الطريق الضيق بين جبلين. فقلت: هذا خطأ وتصحيف فاحش، وإنما هو النقي، أي: المخ الذي في العظم. ومنه قوله في حديث أم زرع: ((لا سمين فينتقى)) ، وفي حديث
(2/87)
الأضحية: ((والعجفاء التي لا تنقي)) . فليحذر طالب العلم ضبط ذلك من الحواشي، إلا إذا كانت بخط من يعرف خطه من الأئمة.
وأحسن ما يفسر به الغريب ما جاء مفسرا به في بعض طرق الحديث، كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح المتفق عليه لابن صائد: ((قد خبأت لك خبيئا فما هو؟ قال: الدخ)) . فالدخ هنا: هو الدخان، وهو لغة فيه. حكاها ابن دريد، وابن السيد، والجوهري، وغيرهم. وحكى ابن السيد فيه أيضا: فتح الدال. وقد روى أبو داود والترمذي من رواية الزهري، عن سالم، عن ابن عمر في هذا الحديث، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((إني قد خبأت لك خبيئة)) -وقال الترمذي: ((خبيئا)) - وخبأ له {يوم تأتي السماء بدخان مبين} قال الترمذي: هذا حديث صحيح،
(2/88)
والحديث متفق عليه دون ذكر الآية. وذكر أبو موسى المديني: أن السر في كونه خبأ له الدخان، أن عيسى - صلى الله عليه وسلم - يقتله بجبل الدخان فهذا هو الصواب في تفسير الدخ هنا. وقد فسره غير واحد على غير ذلك فأخطأ، ومنهم الحاكم في " علوم الحديث "، قال: سألت الأدباء عن تفسير الدخ، قال: يدخها، ويزخها، بمعنى واحد، الدخ والزخ، قال: والمعنى الذي أشار إليه ابن صياد - خذله الله - فيه مفهوم، ثم أنشد لعلي ابن أبي طالب - رضي الله عنه -:
طوبى لمن كانت له مزخه ... يزخها ثم ينام الفخه
فالمزخة - بالفتح -: هي المرأة. قاله الجوهري. ومعنى يزخها: يجامعها. والفخة: أن ينام فينفخ في نومه. هذا الذي فسر الحاكم به الحديث من كونه
(2/89)
الجماع، تخليط فاحش، كما قال ابن الصلاح، ثم إني لم أر في كلام أهل اللغة أن الدخ -بالدال-: هو الجماع. وإنما ذكروه بالزاي فقط. وممن فسره على غير الصواب أيضا أبو سليمان الخطابي فرجح أن الدخ: نبت موجود بين النخيل، وقال: لا معنى للدخان هاهنا، إذ ليس مما يخبأ، إلا أن يريد بـ: خبأت أضمرت وما قاله الخطابي أيضا غير مرضي. وقولي: (والحاكم) ، هو ابتداء كلام مرفوع، (وفسره) : في موضع الخبر.
المسلسل
764.... مسلسل الحديث ما تواردا ... فيه الرواة واحدا فواحدا
765.... حالا لهمأو وصفا اووصفسند ... كقول كلهم: سمعت فاتحد
766.... وقسمه إلى ثمان مثل ... وقلما يسلم ضعفا يحصل
767.... ومنه ذو نقص بقطع السلسله ... كأولية وبعض وصله
التسلسل من صفات الأسانيد، فالحديث المسلسل: هو ما توارد رجال إسناده واحدا فواحدا على حالة واحدة أو صفة واحدة سواء كانت الصفة للرواة، أو للإسناد. وسواء كان ما وقع منه في الإسناد في صيغ الأداء، أو متعلقا بزمن الرواية، أو
(2/90)
بالمكان. وسواء أكانت أحوال الرواة، أو صفاتهم أقوالا، أم أفعالا؟ مثال التسلسل بأحوال الرواة القولية، حديث معاذ بن جبل، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((يا معاذ، إني أحبك، فقل في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)) ، فقد تسلسل لنا بقول كل من رواته: وأنا أحبك فقل.
ومثال التسلسل بأحوال الرواة الفعلية، حديث أبي هريرة قال: شبك بيدي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -، وقال: خلق الله الأرض يوم السبت، ... الحديث. فقد تسلسل لنا تشبيك كل واحد من رواته بيد من رواه عنه. وقد يجتمع تسلسل الأقوال والأفعال في حديث واحد كالحديث الذي أخبرنا به محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري سماعا عليه بدمشق في الرحلة الأولى، قال: أخبرنا والدي، ويحيى بن علي بن محمد القلانسي قالا: أخبرنا علي بن محمد ابن أبي الحسن، قال: حدثنا يحيى بن محمود الثقفي، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن الفضل، قال: حدثنا أحمد بن علي بن خلف، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحاكم، قال: حدثنا الزبير بن عبد الواحد، قال: حدثنا يوسف
(2/91)
ابن عبد الأحد الشافعي، قال: حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني، قال: حدثنا سعيد الأدم، قال: حدثنا شهاب بن خراش، قال: سمعت يزيد الرقاشي يحدث عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حلوه ومره)) قال: وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وقبض أنس على لحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ يزيد بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ شهاب بلحيته، فقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ سعيد بلحيته، وقال: آمنت
بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ سليمان بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ يوسف بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال الحاكم: وأخذ الزبير بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ الحاكم بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ ابن خلف بلحيته،
(2/92)
وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ إسماعيل بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ يحيى الثقفي بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ علي بن محمد بلحيته وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، قال: وأخذ كل من يحيى بن القلانسي وإسماعيل بن إبراهيم بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وأخذ شيخنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بلحيته، وقال: آمنت بالقدر خيره وشره، حلوه ومره.
ومثال التسلسل بصفات الرواة القولية، كالحديث المسلسل بقراءة سورة الصف ونحوه. وأحوال الرواة القولية، وصفاتهم القولية، متقاربة بل متماثلة. ومثال التسلسل بصفات الرواة الفعلية، كالحديث المسلسل بالفقهاء، وهو حديث ابن عمر مرفوعا: ((البيعان بالخيار)) فقد تسلسل لنا برواية الفقهاء. وكالحديث المسلسل برواية الحفاظ، ونحو ذلك. ومثال التسلسل بصفات الإسناد والرواية، كقول كل من رواته:
(2/93)
سمعت فلانا، وإليه الإشارة بقولي: (كقول كلهم: سمعت فاتحد) ، لفظ الأداء في جميع الرواة فصار مسلسلا بذلك، وكذلك قول جميعهم حدثنا، أو قولهم: أخبرنا، وقولهم: شهدت على فلان، قال: شهدت على فلان، ونحو ذلك. وجعل الحاكم من أنواعه أن تكون ألفاظ الأداء في جميع الرواة دالة على الاتصال، وإن اختلفت، فقال بعضهم: سمعت، وبعضهم: أخبرنا، وبعضهم: حدثنا، ولم يدخل الأكثرون في المسلسلات إلا ما اتفقت فيه صيغ الأداء بلفظ واحد، ومثال التسلسل في وقت الرواية حديث ابن عباس، قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيد فطر، أو أضحى، ... الحديث. فقد تسلسل لنا برواية كل واحد من الرواة له في يوم عيد وكحديث تسلسل قص الأظفار بيوم الخميس، ونحو ذلك. ومثال التسلسل بالمكان، كالحديث المسلسل بإجابة الدعاء في الملتزم. وأنواع التسلسل كثيرة. وقد ذكره الحاكم في علومه ثمانية أنواع، قال ابن الصلاح: والذي ذكره فيها إنما هو صور، وأمثلة ثمانية، ولا انحصار لذلك في ثمانية.
قلت: لم يقل الحاكم إنه ينحصر في ثمانية أنواع، كما فهمه ابن الصلاح، وإنما قال بعد ذكره الثمانية: ((فهذه أنواع المسلسل من الأسانيد المتصلة التي لا يشوبها تدليس وآثار السماع بين الراويين ظاهرة)) . انتهى.
(2/94)
فالحاكم إنما ذكر من أنواع المسلسل ما يدل على الاتصال. فالأول: المسلسل بـ: سمعت. والثاني: المسلسل بقولهم: قم فصب علي حتى أريك وضوء فلان. والثالث: المسلسل بمطلق ما يدل على الاتصال من ((سمعت)) أو ((أخبرنا)) أو ((حدثنا)) ، وإن اختلفت ألفاظ الرواة. والرابع: المسلسل بقولهم: فإن قيل لفلان: من أمرك بهذا؟ قال: يقول: أمرني فلان. والخامس: المسلسل بالأخذ باللحية، وقولهم: آمنت بالقدر، الحديث، وقد تقدم. والسادس: المسلسل بقولهم: وعدهن في يدي. والسابع: المسلسل بقولهم: شهدت على فلان. والثامن: المسلسل بالتشبيك باليد مع أن من أمثلته ما يدل على الاتصال، ولم يذكره، كالمسلسل بقولهم: أطعمنا وسقانا. والمسلسل بقولهم: أضافنا بالأسودين، التمر والماء. والمسلسل بقولهم: أخذ فلان بيدي. والمسلسل بالمصافحة. والمسلسل بقص الأظفار يوم الخميس، ونحو ذلك. قال ابن الصلاح: ((وخيرها ما كان فيه دلالة على اتصال السماع وعدم التدليس، قال: ومن فضيلة التسلسل اشتماله على مزيد الضبط من الرواة. قال: وقلما تسلم المسلسلات من ضعف، أعني: في وصف التسلسل لا في أصل المتن)) .
ومن المسلسل ما هو ناقص التسلسل بقطع السلسلة في وسطه، أو أوله، أو آخره، كحديث عبد الله بن عمرو المسلسل بالأولية، فإنه إنما يصح التسلسل فيه إلى سفيان بن عيينة، وانقطع التسلسل بالأولية في سماع سفيان من عمرو، وفي سماع عمرو من أبي قابوس، وفي سماع أبي قابوس من عبد الله بن عمرو، وفي سماع عبد الله من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد وقع لنا - بإسناد متصل - التسلسل إلى آخره، ولا يصح ذلك، والله أعلم.
(2/95)
الناسخ، والمنسوخ
768.... والنسخ رفع الشارع السابق من ... أحكامه بلاحق وهو قمن
769.... أن يعتنى به وكان الشافعي ... ذا علمه ثم بنص الشارع
770.... أو صاحب أو عرف التاريخ أو ... أجمع تركا بان نسخ ورأوا
771.... دلالة الإجماع لا النسخ به ... كالقتل في رابعة بشربه
النسخ يطلق لغة: على الإزالة، وعلى التحويل. وأما نسخ الأحكام الشرعية، وهو المحدود هنا، فهو عبارة عن: ((رفع الشارع حكما من أحكامه سابقا، بحكم من أحكامه لاحق)) .
والمراد برفع الحكم: قطع تعلقه بالمكلفين، وإلا فالحكم قديم لا يرتفع. فقولنا: (رفع) ، احتراز عن بيان مجمل، فإنه ليس برفع.
وقولنا: (الشارع) ، احتراز عن إخبار بعض من شاهد النسخ من الصحابة، فإنه لا يكون نسخا، وإن كان التكليف إنما حصل بإخباره لمن لم يكن بلغه قبل ذلك.
(2/96)
وقولنا: حكما من أحكامه احتراز عن رفع الإباحة الأصلية، فإنه لا يسمى نسخا.
وقولنا: سابقا، احتراز عن التخصيص المتصل بالتكليف، كالاستثناء، ونحوه.
وقولنا: بحكم من أحكامه، احتراز عن رفع الحكم لموت المكلف، أو زوال التكليف بجنون، أو نحوه.
وقولنا لاحق، احتراز عن انتهاء الحكم بانتهاء الوقت، كقوله - صلى الله عليه وسلم - إنكم لاقوا العدو غدا، والفطر أقوى لكم، فأفطروا فالصوم - مثلا بعد ذلك اليوم ليس لنسخ متأخر، وإنما المأمور به مؤقت وقد انقضى وقته بعد ذلك اليوم المأمور بإفطاره
وقولي: (وهو قمن) - بفتح القاف وكسر الميم - على إحدى اللغتين، بمعنى: حقيق، أي: وعلم الناسخ والمنسوخ حقيق أن يعتنى به.
وقولي ذا علمه، أي صاحب علمه وقد روينا عن أحمد بن حنبل، أنه قال ما علمنا المجمل من المفسر، ولا ناسخ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منسوخه حتى جالسنا الشافعي
وقولي: (ثم بنص الشارع ... ) إلى آخره. الجار والمجرور هنا متعلق بقولي: بان نسخ أي يتبين النسخ، ويعرف بنص الشارع عليه، أو بنص صاحب من الصحابة عليه، أو بمعرفة التاريخ للواقعتين، أو بأن يجمع على ترك العمل بحديث
(2/97)
فالأول كقوله - صلى الله عليه وسلم - كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها وكنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا ما بدا لكم وكنت نهيتكم عن الظروف، ... الحديث أخرجه مسلم والترمذي وصححه من حديث بريدة بن الحصيب
والثاني كقول جابر كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي وكقول أبي بن كعب كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم أمر بالغسل. رواه أبو داود، والترمذي وصححه، وابن ماجه. هكذا أطلق ابن الصلاح أن مما يعرف النسخ به قول الصحابي، وهو واضح. وخصص أهل الأصول ثبوت النسخ بقوله فيما إذا أخبر: بأن هذا متأخر. فإن
(2/98)
قال: هذا ناسخ. لم يثبت به النسخ. قالوا: لجواز أن يقوله عن اجتهاده، بناء على أن قوله ليس بحجة. وما قاله أهل الحديث أوضح وأشهر. والنسخ لا يصار إليه بالاجتهاد والرأي، وإنما يصار إليه عند معرفة التأريخ. والصحابة أورع من أن يحكم أحد منهم على حكم شرعي بنسخ من غير أن يعرف تأخر الناسخ عنه. وفي كلام الشافعي موافقة لأهل الحديث، فقد قال فيما رواه البيهقي في المدخل ولا يستدل على الناسخ والمنسوخ إلا بخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بوقت يدل على أن أحدهما بعد الآخر، أو بقول من سمع الحديث، أو العامة.
فقوله: أو بقول من سمع الحديث، أراد به قول الصحابة مطلقا، فذكر الوجوه الأربعة التي يعرف بها النسخ، والله أعلم.
والثالث كحديث شداد بن أوس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أفطر الحاجم والمحجوم رواه أبو داود والنسائي، وابن ماجه فذكر الشافعي - رضي الله عنه - أنه منسوخ بحديث ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم صائم أخرجه مسلم فإن ابن عباس إنما صحبه محرما في حجة الوداع سنة عشر. وفي بعض طرق حديث شداد: أن ذلك كان زمن الفتح، وذلك في سنة ثمان، والله أعلم.
(2/99)
والرابع كحديث معاوية قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه رواه أصحاب السنن، أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، قال الترمذي في آخر الجامع جميع ما في هذا الكتاب معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين حديث ابن عباس في الجمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف، ولا سفر، وحديث، إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه)) . قال النووي في " شرح مسلم ": ((وهذا في حديث شارب الخمر هو كما قاله، فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه. قال: وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به)) . قلت: وقوله عن حديث شارب الخمر: أنه كما قاله، فيه نظر من حيث إن ابن حزم خالف في ذلك.
(2/100)
اللهم إلا أن يقال: إن خلاف الظاهرية لا يقدح في الإجماع. وقد ذكر أبو الفتح اليعمري في "شرح الترمذي"، أنه روى ذلك أيضا عن عبد الله بن عمرو، والله أعلم.
ومع الإجماع على خلاف العمل به فقد ورد النسخ لذلك كما قال الترمذي من رواية محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال إن شرب الخمر فاجلدوه، فإن شرب في الرابعة فاقتلوه قال ثم أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك برجل قد شرب الخمر في الرابعة فضربه ولم يقتله، قال وكذلك روى الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، نحو هذا، قال فرفع القتل، وكانت رخصة ولم يجعل أبو بكر الصيرفي الإجماع دليلا على تعين المصير للنسخ، بل جعله مترددا بين النسخ والغلط، فإنه قال في كتابه " الدلائل ": فإن أجمع على إبطال حكم أحدهما، فهو منسوخ، أو غلط، والآخر ثابت. وما قاله محتمل، والله أعلم.
التصحيف
772.... والعسكري والدارقطني صنفا ... فيما له بعض الرواة صحفا
773.... في المتن كالصولي ((ستا)) غير ... ((شيئا)) ، أو الإسناد كابن الندر
774.... صحف فيه الطبري قالا: ... ((بذر)) بالباء ونقط ذالا
(2/101)
معرفة التصحيف فن مهم، وقد صنف فيه أبو الحسن الدارقطني، وصنف فيه أبو أحمد العسكري كتابه المشهور في ذلك، وذكر العسكري من الزوائد على ابن الصلاح بغير تمييز.
ثم التصحيف ينقسم إلى تصحيف في متن الحديث، وإلى تصحيف في الإسناد. وينقسم أيضا إلى تصحيف البصر -وهو الأكثر- وإلى تصحيف السمع -كما سيأتي-. وينقسم أيضا إلى تصحيف اللفظ - وهو الأكثر - وإلى تصحيف المعنى - كما سيأتي -. فمثال التصحيف في المتن ما ذكره الدارقطني: أن أبا بكر الصولي أملى في الجامع حديث أبي أيوب مرفوعا: ((من صام رمضان، وأتبعه ستا من شوال، ... )) . فقال فيه: شيئا - بالشين المعجمة، والياء آخر الحروف -. وكقول هشام بن عروة في حديث أبي ذر: ((تعين ضايعا)) - بالضاد المعجمة والياء آخر الحروف -. والصواب-
(2/102)
بالمهملة والنون -. وكقول وكيع في حديث معاوية: ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين يشققون الحطب)) بفتح الحاء المهملة - وإنما هو بضم المعجمة -. وحكي: أن ابن شاهين صحفه كذلك. وكقول أبي موسى محمد بن المثنى في حديث: ((أو شاة تنعر - بالنون - وإنما هو بالياء آخر الحروف. وكقول أبي بكر الإسماعيلي في حديث عائشة: ((قر الزجاجة)) بالزاي، وإنما هو بالدال المهملة المفتوحة.
(2/103)
ومثال التصحيف في الإسناد ما ذكره الدارقطني: أن محمد بن جرير الطبري قال فيمن روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بني سليم، ومنهم: عتبة بن البذر، قاله: بالموحدة والذال المعجمة، وإنما هو بالنون المضمومة، وفتح الدال المهملة المشددة. وكقول يحيى بن معين: العوام بن مزاحم - بالزاي والحاء المهملة - وإنما هو بالراء والجيم.
775.... وأطلقوا التصحيف فيما ظهرا ... كقوله: ((احتجم)) مكان ((احتجرا))
أي وقد أطلق من صنف في التصحيف، التصحيف على ما لا تشتبه حروفه بغيره، وإنما أخطأ فيه راويه، أو سقط بعض حروفه من غير اشتباه مثاله ما ذكره مسلم في التمييز أن ابن لهيعة صحف في حديث زيد بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجر في المسجد، فقال احتجم بالميم وكما روى يحيى بن سلام المفسر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى {سأريكم دار الفاسقين} ، قال مصر، وقد استعظم أبو زرعة الرازي هذا واستقبحه، وذكر أنه في تفسير سعيد عن قتادة مصيرهم، فأطلقوا على مثل هذا اسم التصحيف، وإن لم يشتبه. ولكنه سقط الضمير والياء، فوقع هكذا.
(2/104)
776.... وواصل بعاصم والأحدب ... بأحول تصحيف سمع لقبوا
777.... وصحف المعنى إمام عنزه ... ظن القبيل بحديث ((العنزه))
778.... وبعضهم ظن سكون نونه ... فقال: شاة خاب في ظنونه
هذا مثال لتصحيف السمع، وتصحيف المعنى. فأما تصحيف السمع فهو: أن يكون الاسم واللقب، أو الاسم واسم الأب على وزن اسم آخر ولقبه، أو اسم آخر واسم أبيه؛ والحروف مختلفة شكلا ونطقا، فيشتبه ذلك على السمع، كأن يكون الحديث لعاصم الأحول فيجعله بعضهم عن واصل الأحدب. فذكر الدارقطني: أنه من تصحيف السمع. وكذا عكسه، مثاله ما ذكره النسائي عن يزيد بن هارون، عن شعبة، عن عاصم الأحول، عن أبي وائل، عن ابن مسعود بحديث: ((أي الذنب أعظم؟ ... الحديث)) . وكذلك ذكره الخطيب في " المدرجات " من طريق مهدي بن ميمون، عن عاصم الأحول، والصواب: واصل الأحدب مكان عاصم الأحول من طريق شعبة، ومهدي، وغيرهما. قال النسائي: حديث يزيد خطأ، إنما هو عن واصل. وقال الخطيب: إن قول بعضهم: عن مهدي بن ميمون، عن عاصم الأحول؛ وهم. قال: وقد رواه شعبة والثوري ومالك بن مغول، وسعيد بن مسروق، عن واصل
(2/105)
الأحدب. عن أبي وائل. قال: وهذا أيضا هو المشهور من رواية مهدي. ومن ذلك ما رواه أبو داود والنسائي من رواية شعبة عن مالك عرفطة، عن عبد خير، عن علي في صفة الوضوء والصواب: خالد بن علقمة، مكان: مالك بن عرفطة. قاله النسائي. وقد نسب شعبة فيه إلى الخطأ أبو داود والنسائي وغيرهما. وقد سمى أحمد بن حنبل هذا تصحيفا، فقال في حديث رواه شعبة عن مالك بن عرفطة، عن عبد خير، عن عائشة في النهي عن الدباء، والمزفت، صحف فيه شعبة، وإنما هو خالد بن علقمة.
وأما تصحيف المعنى، فمثاله ما ذكره الدارقطني: أن أبا موسى محمد بن المثنى العنزي الملقب بالزمن، أحد شيوخ الأئمة الستة، وهو المراد في قولي: (إمام عنزه) ، قال يوما: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة قد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلينا. يريد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى عنزة فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم. وإنما العنزة هنا الحربة
(2/106)
تنصب بين يديه. وأعجب من ذلك ما ذكره الحاكم عن أعرابي: أنه زعم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى نصبت بين يديه شاة فصحفها عنزة - بإسكان النون - ثم رواه بالمعنى على وهمه فاخطأ في ذلك من وجهين، والله أعلم. ومن أمثلة تصحيف المعنى، ما ذكره الخطابي عن بعض شيوخه في الحديث: أنه لما روى حديث النهي عن التحليق يوم الجمعة قبل الصلاة، قال: ما حلقت رأسي قبل الصلاة منذ أربعين سنة. فهم منه تحليق الرؤوس، وإنما المراد تحليق الناس حلقا، والله أعلم.
(2/107)
مختلف الحديث
779.... والمتن إن نافاه متن آخر ... وأمكن الجمع فلا تنافر
780.... كمتن ((لا يورد)) مع ((لا عدوى)) ... فالنفي للطبع وفر عدوا
781.... أولا فإن نسخ بدا فاعمل به ... أو لا فرجح واعملن بالأشبه
هذا فن تكلم فيه الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه وأول من تكلم فيه الإمام الشافعي - رضي الله عنه - في كتابه اختلاف الحديث، ذكر فيه جملة من ذلك يتنبه بها على طريق الجمع، ولم يقصد استيفاء ذلك، ولم يفرده بالتأليف، إنما هو جزء من كتاب "
(2/108)
الأم ". ثم صنف في ذلك أبو محمد بن قتيبة فأتى بأشياء حسنة، وقصر باعه في أشياء قصر فيها. وصنف في ذلك محمد بن جرير الطبري، وأبو جعفر الطحاوي كتابه " مشكل الآثار "، وهو من أجل كتبه وكان الإمام أبو بكر بن خزيمة من أحسن الناس كلاما في ذلك، حتى إنه قال: لا أعرف حديثين صحيحين متضادين، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما.
وجملة الكلام في ذلك: إنا إذا وجدنا حديثين مختلفي الظاهر، فلا يخلو إما أن يمكن الجمع بينهما بوجه ينفي الاختلاف بينهما، أو لا؟ فإن أمكن ذلك بوجه صحيح، تعين الجمع، ولا يصار إلى التعارض، أو النسخ، مع إمكان الجمع، مثاله قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لا يورد ممرض على مصح وقوله فر من المجذوم فرارك من الأسد مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أيضا لا عدوى ولا طيرة، فقد جعلها بعضهم متعارضة، وأدخلها بعضهم في الناسخ والمنسوخ، كأبي حفص بن شاهين والصواب الجمع بينهما، ووجهه أن قوله لا عدوى نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية، وبعض الحكماء، من أن هذه الأمراض تعدي بطبعها، ولهذا قال: ((فمن أعدى الأول)) ، أي: إن الله هو الخالق لذلك بسبب وغير سبب، وإن قوله ((لا يورد ممرض على مصح)) ، ((وفر من المجذوم)) ، بيان لما يخلقه الله من الأسباب عند المخالطة للمريض، وقد يتخلف ذلك عن سببه، وهذا مذهب أهل السنة. كما أن النار لا تحرق بطبعها، ولا الطعام يشبع بطبعه، ولا الماء يروي بطبعه، وإنما
(2/109)
هي أسباب، والقدر وراء ذلك. وقد وجدنا من خالط المصاب بالأمراض التي اشتهرت بالإعداء، ولم يتأثر بذلك. ووجدنا من احترز عن ذلك، الاحتراز الممكن، وأخذ بذلك المرض.
(وعدوا) في آخر البيت، مصدر قولك عدا يعدوا عدوا، إذا أسرع في مشيه، إشارة إلى قوله: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) .
وإن لم يمكن الجمع بين الحديثين المختلفين، فإن عرف المتأخر منهما فإنه يصار حينئذ إلى النسخ، ويعمل بالمتأخر منهما. وإن لم يدل دليل على النسخ، فقد تعارضا حينئذ فيصار إلى الترجيح، ويعمل بالأرجح منهما، كالترجيح بكثرة الرواة، أو بصفاتهم في خمسين وجها من وجوه الترجيحات وأكثر. كذا ذكر ابن الصلاح: أن وجوه الترجيحات خمسون، وأكثر. وتبع في ذلك الحازمي، فإنه كذلك قال في كتاب " الاعتبار " له في الناسخ والمنسوخ. وقد رأينا أن نسردها مختصرة:
الأول: كثرة الرواة.
الثاني: كون أحد الراويين أتقن وأحفظ.
الثالث: كونه متفقا على عدالته.
الرابع: كونه بالغا حالة التحمل.
الخامس: كون سماعه تحديثا، والآخر عرضا.
السادس: كون أحدهما سماعا، أو عرضا، والآخر كتابة، أو وجادة، أو مناولة.
السابع: كونه مباشرا لما رواه.
الثامن: كونه صاحب القصة.
التاسع: كونه أحسن سياقا، واستقصاء لحديثه.
(2/110)
العاشر: كونه أقرب مكانا.
الحادي عشر: كونه أكثر ملازمة لشيخه.
الثاني عشر: كونه سمعه من مشايخ بلده.
الثالث عشر: كون أحد الحديثين له مخارج.
الرابع عشر: كون إسناده حجازيا.
الخامس عشر: كون رواته من بلد لا يرضون التدليس.
السادس عشر: دلالة ألفاظه على الاتصال، كـ: سمعت، و: حدثنا.
السابع عشر: كونه مشافها مشاهدا لشيخه عند الأخذ.
الثامن عشر: عدم الاختلاف في الحديث.
التاسع عشر: كون راويه لم يضطرب لفظه، وهو قريب من الذي قبله.
العشرون: كون الحديث متفقا على رفعه.
الحادي والعشرون: كونه متفقا على اتصاله.
الثاني والعشرون: كون راويه لا يجيز الرواية بالمعنى.
الثالث والعشرون: كونه فقيها.
الرابع والعشرون: كونه صاحب كتاب يرجع إليه.
الخامس والعشرون: كون أحد الحديثين نصا وقولا [والآخر نسب إليه استدلالا واجتهادا] .
السادس والعشرون: كون القول يقارنه الفعل.
السابع والعشرون: كونه موافقا لظاهر القرآن.
الثامن والعشرون: كونه موافقا لسنة أخرى.
التاسع والعشرون: كونه موافقا للقياس.
الثلاثون: كونه معه حديث آخر مرسل، أو منقطع.
الحادي والثلاثون: كونه عمل به الخلفاء الراشدون.
الثاني والثلاثون: كونه مع عمل الأمة.
(2/111)
الثالث والثلاثون: كون ما تضمنه من الحكم منطوقا.
الرابع والثلاثون: كونه مستقلا لا يحتاج إلى إضمار.
الخامس والثلاثون: كون حكمه مقرونا بصفة، والآخر بالاسم.
السادس والثلاثون: كونه مقرونا بتفسير الراوي.
السابع والثلاثون: كون أحدهما قولا، والآخر فعلا، فيرجح القول.
الثامن والثلاثون: كونه لم يدخله التخصيص.
التاسع والثلاثون: كونه غير مشعر بنوع قدح في الصحابة.
الأربعون: كونه مطلقا، والآخر ورد على سبب.
الحادي والأربعون: دلالة الاشتقاق على أحد الحكمين.
الثاني والأربعون: كون أحد الخصمين قائلا بالخبرين.
الثالث والأربعون: كون أحد الحديثين فيه زيادة.
الرابع والأربعون: كونه فيه احتياط للفرض وبراءة الذمة.
الخامس والأربعون: كون أحد الحديثين له نظير متفق على حكمه.
السادس والأربعون: كونه يدل على الحظر، والآخر على الإباحة.
السابع والأربعون: كونه يثبت حكما موافقا لحكم ما قبل الشرع، فقيل: هو أولى، وقيل: هما سواء.
الثامن والأربعون: كون أحد الخبرين مسقطا للحد، فقيل: هو أولى، وقيل: لا ترجيح.
التاسع والأربعون: كونه إثباتا يتضمن النقل عن حكم العقل والآخر نفيا يتضمن الإقرار على حكم العقل.
الخمسون: أن يكون أحدهما في الأقضية، وراويه علي: أو في الفرائض، وراويه زيد ابن ثابت، أو في الحلال والحرام وراويه معاذ بن جبل، وهلم جرا.
(2/112)
فالصحيح الذي عليه الأكثرون، كما قال الحازمي: الترجيح به. وقد اقتصر الحازمي على ذكر هذه الخمسين وجها، قال: وثم وجوه كثيرة أضربنا عن ذكرها، كي لا يطول به هذا المختصر. قلت: وقد خالفه بعض الأصوليين في بعض ما ذكره من وجوه الترجيحات، فرجح مقابله، أو نفى الترجيح. وقد زاد الأصوليون كالإمام فخر الدين الرازي، والسيف الآمدي، وأتباعهما؛ وجوها أخرى للترجيح، إذا انضمت إلى هذه، زادت على المائة. وقد جمعتها فيما جمعته على كلام ابن الصلاح، فلتراجع من هناك، وقد اقتصرت هنا على ما أودعه المحدثون كتبهم، والله أعلم.
خفي الإرسال، والمزيد في الإسناد
782.... وعدم السماع واللقاء ... يبدو به الإرسال ذو الخفاء
783.... كذا زيادة اسم راو في السند ... إن كان حذفه بعن فيه ورد
(2/113)
784.... وإن بتحديث أتى فالحكم له ... مع احتمال كونه قد حمله
785.... عن كل الا حيث ما زيد وقع ... وهما وفي ذين الخطيب قد جمع
ليس المراد هنا بالإرسال ما سقط منه الصحابي، كما هو المشهور في حد المرسل. وإنما المراد هنا: مطلق الانقطاع.
ثم الإرسال على نوعين: ظاهر، وخفي.
فالظاهر هو أن يروي الرجل عمن لم يعاصره بحيث لا يشتبه إرساله باتصاله على أهل الحديث، كأن يروي مالك مثلا عن سعيد بن المسيب، وكحديث رواه النسائي من رواية القاسم بن محمد، عن ابن مسعود، قال أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض نسائه، ثم نام حتى أصبح، ... الحديث فإن القاسم لم يدرك ابن مسعود.
والخفي: هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه، أو عمن لقيه ولم يسمع منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، فهذا قد يخفى على كثير من أهل الحديث، لكونهما قد جمعهما عصر واحد. وهذا النوع أشبه بروايات المدلسين. وقد أفرده ابن الصلاح بالذكر عن نوع المرسل، فتبعته على ذلك.
(2/114)
ويعرف خفي الإرسال بأمور:
أحدها أن يعرف عدم اللقاء بينهما بنص بعض الأئمة على ذلك، أو يعرف ذلك بوجه صحيح، كحديث رواه ابن ماجه من رواية عمر بن عبد العزيز، عن عقبة بن عامر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال رحم الله حارس الحرس، فإن عمر لم يلق عقبة، كما قال المزي في الأطراف
والثاني: بأن يعرف عدم سماعه منه مطلقا بنص إمام على ذلك، أو نحوه، كأحاديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، وهي في السنن الأربعة. فقد روى الترمذي: أن عمرو بن مرة قال لأبي عبيدة: هل تذكر من عبد الله شيئا؟ قال: لا.
والثالث: بأن يعرف عدم سماعه منه لذلك الحديث فقط، وإن سمع منه غيره؛ إما بنص إمام، أو إخباره عن نفسه بذلك في بعض طرق الحديث، أو نحو ذلك.
والرابع: بأن يرد في بعض طرق الحديث زيادة اسم راو بينهما، كحديث رواه عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة
(2/115)
مرفوعا: ((إن وليتموها أبا بكر، فقوي، أمين)) ، فهو منقطع في موضعين؛ لأنه روي عن عبد الرزاق، قال: حدثني النعمان بن أبي شيبة، عن الثوري، وروي أيضا عن الثوري، عن شريك، عن أبي إسحاق.
وهذا القسم الرابع محل نظر لا يدركه إلا الحفاظ النقاد، ويشتبه ذلك على كثير من أهل الحديث؛ لأنه ربما كان الحكم للزائد، وربما كان الحكم للناقص والزائد وهم فيكون من نوع المزيد في متصل الأسانيد؛ فلذلك جمعت بينه وبين نوع خفي الإرسال، وإن كان ابن الصلاح جعلهما نوعين، وكذلك الخطيب أفردهما بالتصنيف، فصنف في الأول كتابا سماه التفصيل لمبهم المراسيل، وصنف في الثاني كتابا سماه تمييز المزيد في متصل الأسانيد، وفي كثير مما ذكره فيه نظر والصواب ما ذكره ابن الصلاح من التفصيل واقتصرت عليه، وهو أن الإسناد الخالي عن الراوي الزائد، إن كان بلفظة عن في ذلك - وكذلك ما لا يقتضي الاتصال، كـ قال ونحوها - فينبغي أن يحكم بإرساله، ويجعل معللا بالإسناد الذي ذكر فيه الراوي الزائد؛ لأن الزيادة من الثقة مقبولة وإن كان بلفظ يقتضي الاتصال، كـ حدثنا، وأخبرنا، وسمعت، فالحكم للإسناد الخالي عن الرواي الزائد؛ لأن معه الزيادة، وهي إثبات سماعه منه ومثاله حديث رواه مسلم والترمذي من طريق ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن
(2/116)
يزيد بن جابر، عن بسر بن عبيد الله، قال سمعت أبا إدريس الخولاني قال سمعت واثلة يقول سمعت أبا مرثد يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يقول لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها فذكر أبي إدريس في هذا الحديث وهم من ابن المبارك؛ لأن جماعة من الثقات رووه عن ابن جابر، عن بسر، عن واثلة بلفظ الاتصال بين بسر وواثلة رواه مسلم والترمذي أيضا، والنسائي عن علي بن حجر، عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، عن بسر، قال سمعت واثلة ورواه أبو داود عن إبراهيم بن موسى، عن عيسى بن يونس، عن ابن جابر كذلك وحكى الترمذي عن البخاري قال حديث ابن المبارك خطأ، إنما هو عن بسر بن عبيد الله، عن واثلة، هكذا روى غير واحد عن ابن جابر قال وبسر قد سمع من واثلة وقال أبو حاتم الرازي يرون أن ابن المبارك وهم في هذا قال وكثيرا ما يحدث بسر، عن أبي إدريس، فغلط ابن المبارك، وظن أن هذا مما روي عن أبي ادريس، عن واثلة قال وقد سمع هذا بسر من واثلة نفسه وقال الدارقطني زاد ابن المبارك في هذا أبا إدريس ولا أحسبه إلا أدخل حديثا في حديث فقد حكم هؤلاء الأئمة على ابن المبارك بالوهم في هذا
(2/117)
وقولي: (مع احتمال كونه قد حمله عن كل الا حيث ما زيد وقع وهما) أي: مع جواز أن يكون قد سمعه من هذا، ومن هذا، قال ابن الصلاح: ((فجائز أن يكون سمع ذلك من رجل عنه، ثم سمعه منه نفسه، قال: فيكون بسر في هذا الحديث قد سمعه من أبي إدريس عن واثلة، ثم لقي واثلة فسمعه منه، كما جاء مثله مصرحا به في غير هذا.
اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه، أي: الطريق الزائد - وهما - كنحو ما ذكره أبو حاتم الرازي في المثال المذكور، قال: وأيضا، فالظاهر ممن وقع له مثل هذا أن يذكر السماعين، فإذا لم يجئ عنه ذكر ذلك حملناه على الزيادة المذكورة. وقد وقع في هذا الحديث وهم آخر لمن دون ابن المبارك بزيادة راو آخر في السند، فقال فيه: عن ابن المبارك، قال: حدثنا سفيان عن ابن جابر، حدثني بسر، قال: سمعت أبا إدريس، قال: سمعت واثلة، فذكر سفيان في هذا وهم ممن دون ابن المبارك؛ لأن جماعة ثقات رووه عن ابن المبارك، عن ابن جابر، من غير ذكر سفيان، منهم عبد الرحمن بن مهدي، وحسن بن الربيع، وهناد بن السري وغيرهم. وزاد فيه بعضهم التصريح بلفظ الإخبار بينهما.
وقولي: (وفي ذين) أي: وفي هذين النوعين، وهما: الإرسال الخفي، والمزيد في متصل الأسانيد، قد صنف الخطيب كتابيه اللذين سبق ذكرهما.
(2/118)
معرفة الصحابة
... رائي النبي مسلما ذو صحبة ... وقيل: إن طالت ولم يثبت
787.... وقيل من أقام عاما أو غزا ... معه وذا لابن المسيب عزا
ألف العلماء في معرفة الصحابة كتبا كثيرة منها معرفة الصحابة لأبي حاتم بن حبان البستي، مختصر في مجلدة، ومنها كتاب معرفة الصحابة لأبي عبد الله بن منده، وهو كتاب كبير جليل، وقد ذيل عليه الحافظ أبو موسى المديني بذيل كبير، ومنها الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني كتاب جليل، ومنها كتاب الاستيعاب لابن عبد البر، وهو كثير الفوائد وذيل عليه ابن فتحون بذيل في مجلدة ومنها
معرفة الصحابة للعسكري وهو على غير ترتيب الحروف، وصنف معاجم الصحابة جماعة منهم أبو القاسم البغوي، وابن قانع، والطبراني، إلا أن من صنف المعاجم لا يورد غالبا إلا من له رواية، وإن ذكروا من لا رواية له أيضا
وقد صنف أبو الحسن علي بن محمد بن الأثير الجزري كتابا كبيرا سماه أسد الغابة جمع فيه بين كتاب ابن منده، وذيل أبي موسى عليه، وكتاب أبي نعيم، والاستيعاب، وزاد من غيرها أسماء ولم يقع له ذيل ابن فتحون؛ لكنه يكرر أسماء الصحابة باعتبار أسمائهم وكناهم، وباعتبار الاختلاف في أسمائهم، أو كناهم واختصره جماعة منهم الحافظ أبو عبد الله الذهبي، في مختصر لطيف وقد ذيلت عليه بعدة أسماء لم تقع له وقد اختلف في حد الصحابي من هو؟ على أقوال
(2/119)
أحدها وهو المعروف المشهور بين أهل الحديث أنه من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال إسلامه هكذا أطلقه كثير من أهل الحديث ومرادهم بذلك مع زوال المانع من الرؤية، كالعمى، وإلا فمن صحبه - صلى الله عليه وسلم - ولم يره لعارض بنظره كابن أم مكتوم ونحوه معدود في الصحابة بلا خلاف قال أحمد بن حنبل من صحبه سنة، أو شهرا، أو يوما، أو ساعة، أو رآه؛ فهو من الصحابة وقال البخاري في صحيحه من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه وفي دخول الأعمى الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلما، ولم يصحبه، ولم يجالسه؛ في عبارة البخاري نظر ولو قيل في النظم لاقى النبي كان أولى؛ ولكن تبعت فيه عبارة ابن الصلاح فالعبارة السالمة من الاعتراض أن يقال الصحابي من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلما ثم مات على الإسلام؛ ليخرج من ارتد ومات كافرا، كابن خطل، وربيعة بن أمية، ومقيس بن صبابة، ونحوهم وفي دخول من لقيه مسلما ثم ارتد ثم أسلم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحابة نظر كبير، فإن الردة محبطة للعمل عند أبي حنيفة، ونص عليه الشافعي في الأم، وإن كان الرافعي قد حكى عنه أنها إنما تحبط بشرط اتصالها بالموت، وحينئذ فالظاهر أنها محبطة للصحبة المتقدمة، كقرة بن هبيرة، وكالأشعث بن قيس أما من رجع إلى الإسلام في حياته، كعبد الله بن أبي سرح، فلا مانع من دخوله في الصحبة بدخوله الثاني في الإسلام، والله أعلم
(2/120)
فقولي رائي، اسم فاعل من رأى، والنبي مضاف إليه ومسلما حال من اسم الفاعل، وذو صحبة خبر المبتدأ، والمراد برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم -، رؤيته في حال حياته، وإلا فلو رآه بعد موته قبل الدفن، أو بعده، فليس بصحابي على المشهور، بل إن كان عاصره ففيه الخلاف الآتي ذكره وإن كان ولد بعد موته فليست له صحبة بلا خلاف
واحترزت بقولي مسلما عما لو رآه وهو كافر ثم أسلم بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فإنه ليس بصحابي على المشهور، كرسول قيصر، وقد خرجه أحمد في المسند، وكعبد الله بن صياد، إن لم يكن هو الدجال وقد عده في الصحابة، كذلك أبو بكر بن فتحون في ذيله على الاستيعاب وحكي أن الطبري، وغيره ترجم به هكذا
وقولهم من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، هل المراد رآه في حال نبوته، أو أعم من ذلك؟ حتى يدخل من رآه قبل النبوة، ومات قبل النبوة على دين الحنيفية كزيد بن عمرو بن نفيل فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه يبعث أمة وحده وقد ذكره في الصحابة أبو
(2/121)
عبد الله بن منده وكذلك لو رآه قبل النبوة ثم غاب عنه، وعاش إلى بعد زمن البعثة، وأسلم ثم مات، ولم يره ولم أر من تعرض لذلك، ويدل على أن المراد من رآه بعد نبوته أنهم ترجموا في الصحابة لمن ولد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد النبوة، كإبراهيم، وعبد الله، ولم يترجموا لمن ولد قبل النبوة ومات قبلها كالقاسم وكذلك أيضا ما المراد بقولهم من رآه؟ هل المراد رؤيته له مع تمييزه، وعقله؟ حتى لا يدخل الأطفال الذين حنكهم ولم يروه بعد التمييز، ولا من رآه وهو لا يعقل، أو المراد أعم من ذلك؟ ويدل على اعتبار التمييز مع الرؤية ما قاله شيخنا الحافظ أبو سعيد بن العلائي في كتاب المراسيل في ترجمة عبد الله بن الحارث بن نوفل حنكه النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا له ولا صحبة له بل ولا رؤية أيضا، وحديثه مرسل قطعا وكذلك قال في ترجمة عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري حنكه ودعا له، ولا تعرف له رؤية، بل هو تابعي وحديثه مرسل
والقول الثاني أنه من طالت صحبته له، وكثرت مجالسته على طريق التبع له والأخذ عنه حكاه أبو المظفر السمعاني، عن الأصوليين، وقال إن اسم الصحابي يقع على ذلك من حيث اللغة والظاهر، قال وأصحاب الحديث يطلقون اسم الصحبة على كل من روى عنه حديثا، أو كلمة، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من
(2/122)
الصحابة، قال وهذا لشرف منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أعطوا كل من رآه حكم الصحبة هكذا حكاه أبو المظفر السمعاني عن الأصوليين، وهو قول لبعضهم، حكاه الآمدي وابن الحاجب، وغيرهما وبه جزم ابن الصباغ في العدة فقال الصحابي هو الذي لقي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأقام عنده، واتبعه، فأما من وفد عليه وانصرف عنه من غير مصاحبة، ومتابعة، فلا ينصرف إليه هذا الاسم وقال القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني لا خلاف بين أهل اللغة أن الصحابي مشتق من الصحبة، وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلا كان، أو كثيرا، يقال صحبت فلانا حولا ودهرا وسنة وشهرا ويوما وساعة، قال وذلك يوجب في حكم اللغة إجراءها على من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة من نهار هذا هو الأصل في اشتقاق الاسم ومع ذلك فقد تقرر للأئمة عرف في أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته، واتصل لقاؤه ولا يجرون ذلك على من لقي المرء ساعة،
ومشى معه خطى وسمع منه حديثا فوجب لذلك ألا يجري هذا الاسم في عرف الاستعمال إلا على من هذه حاله وقال الآمدي الأشبه أن الصحابي من رآه
(2/123)
وحكاه عن أحمد بن حنبل، وأكثر أصحابنا، واختاره ابن الحاجب أيضا؛ لأن الصحبة تعم القليل والكثير، نعم في كلام أبي زرعة الرازي، وأبي داود ما يقتضي أن الصحبة أخص من الرؤية، فإنهما قالا في طارق بن شهاب له رؤية، وليست له صحبة وكذلك ما رويناه عن عاصم الأحول قال قد رأى عبد الله بن سرجس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أنه لم تكن له صحبة، ويدل على ذلك أيضا ما رواه محمد بن سعد في الطبقات عن علي بن محمد عن شعبة، عن موسى السيلاني، قال أتيت أنس بن مالك، فقلت أنت آخر من بقي من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال قد بقي قوم من الأعراب، فأما من أصحابه فأنا آخر من بقي انتهى قال ابن الصلاح إسناده جيد حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة والجواب عن ذلك أنه أراد إثبات صحبة خاصة ليست لتلك الأعراب، وكذا أراد أبو زرعة وأبو داود نفي الصحبة الخاصة دون العامة
وقولي ولم يثبت أي وليس هو الثبت الذي عليه العمل عند أهل الحديث والأصول
(2/124)
والقول الثالث وهو ما روي عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين، قال ابن الصلاح وكأن المراد بهذا إن صح عنه راجع إلى المحكي عن الأصوليين؛ ولكن في عبارته ضيق يوجب ألا يعد من الصحابة جرير بن عبد الله البجلي ومن شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم، ممن لا نعلم خلافا في عده من الصحابة قلت ولا يصح هذا عن ابن المسيب ففي الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدي ضعيف في الحديث
والقول الرابع أنه يشترط مع طول الصحبة الأخذ عنه حكاه الآمدي عن عمرو بن يحيى، فقال ذهب إلى أن هذا الاسم إنما يسمى به من طالت صحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأخذ عنه العلم وحكاه ابن الحاجب أيضا قولا، ولم يعزه لعمرو بن يحيى؛ ولكن أبدل الرواية بالأخذ عنه، وبينهما فرق وعمرو هذا الظاهر أنه الجاحظ، فقد ذكر الشيخ أبو إسحاق في اللمع أن أباه اسمه يحيى، وذلك وهم، وإنما هو عمرو بن بحر أبو عثمان الجاحظ من أئمة المعتزلة، قال فيه ثعلب إنه غير ثقة، ولا مأمون،
(2/125)
ولم أر هذا القول لغير عمرو هذا وكأن ابن الحاجب أخذ هذا القول من كلام الآمدي، ولذلك أسقطته من الخلاف في حد الصحابي تبعا لابن الصلاح
والقول الخامس أنه من رآه مسلما بالغا عاقلا حكاه الواقدي عن أهل العلم فقال رأيت أهل العلم يقولون كل من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أدرك الحلم، فأسلم، وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو ساعة من نهار، انتهى والتقييد بالبلوغ شاذ
والقول السادس أنه من أدرك زمنه - صلى الله عليه وسلم -، وهو مسلم، وإن لم يره وهو
قول يحيى بن عثمان بن صالح المصري فإنه قال وممن دفن، أي بمصر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن أدركه ولم يسمع منه أبو تميم الجيشاني، واسمه عبد الله بن مالك انتهى وإنما هاجر أبو تميم إلى المدينة في خلافة عمر باتفاق أهل السير وممن حكى هذا القول من الأصوليين القرافي في شرح التنقيح وكذلك إن كان صغيرا محكوما بإسلامه تبعا لأحد أبويه، وعلى هذا عمل ابن عبد البر في الاستيعاب وابن منده في
معرفة الصحابة، وقد بين ابن عبد البر في ترجمة الأحنف بن قيس أن ذلك شرطه وقال ابن عبد البر في مقدمة كتابه وبهذا كله يستكمل القرن الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما قاله عبد الله بن أبي أوفى صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد بذلك تفسير القرن، قلت وإنما هو قول زرارة بن أوفى من التابعين القرن مائة وعشرون سنة، وهكذا رواه هو قبل ذلك بأربع ورقات، كل ذلك في مقدمة الاستيعاب
(2/126)
وقد اختلف أهل اللغة في مدة القرن، فقال الجوهري هو ثمانون سنة، قال ويقال ثلاثون وحكى صاحب المحكم فيه ستة أقوال قيل عشر سنين، وقيل عشرون، وقيل ثلاثون، وقيل ستون، وقيل سبعون، وقيل أربعون، قال وهو مقدار أهل التوسط في أعمار أهل الزمان، فالقرن في كل قوم على مقدار أعمارهم
فعلى هذا يكون ما بين الستين والسبعين، كما رواه الترمذي في الحديث المرفوع أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين وأما ابتداء قرنه - صلى الله عليه وسلم - فالظاهر أنه من حين البعثة، أو من حين فشو الإسلام فعلى قول زرارة بن أوفى قد استوعب القرن جميع من رآه، وقد روى ابن منده في الصحابة من حديث عبد الله بن بسر مرفوعا القرن مائة سنة
... وتعرف الصحبة باشتهار أو ... تواتر أو قول صاحب ولو
789.... قد ادعاها وهو عدل قبلا ... وهم عدول قيل لا من دخلا
... في فتنة، والمكثرون ستة ... أنس، وابن عمر، والصديقة
(2/127)
791.... البحر، جابر أبو هريرة ... أكثرهم والبحر في الحقيقة
... أكثر فتوى وهو وابن عمرا ... وابن الزبير وابن عمرو قد جرى
793.... عليهم بالشهرة العبادله ... ليس ابن مسعود ولا من شاكله
... وهو وزيد وابن عباس لهم ... في الفقه أتباع يرون قولهم
هذه الأبيات تجمع ست مسائل:
الأولى: فيما تعرف به الصحبة، وذلك إما بالتواتر، كأبي بكر، وعمر، وبقية العشرة في خلق منهم، وإما بالاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر، كعكاشة بن محصن، وضمام بن ثعلبة، وغيرهما. وإما بإخبار بعض الصحابة عنه أنه صحابي كحممة بن أبي حممة الدوسي، الذي مات بأصبهان مبطونا، فشهد له أبو موسى الأشعري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -، حكم له بالشهادة ذكر ذلك أبو نعيم في "تاريخ أصبهان". وروينا قصته في مسند أبي داود الطيالسي، ومعجم الطبراني. على أنه يجوز أن يكون أبو موسى إنما أراد بذلك شهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن قتله بطنه وفي عمومهم حممة، لا أنه سماه باسمه، والله أعلم.
(2/128)
وإما بإخباره عن نفسه أنه صحابي بعد ثبوت عدالته قبل إخباره بذلك. هكذا أطلق ابن الصلاح تبعا للخطيب، فإنه قال في " الكفاية ": وقد يحكم بأنه صحابي إذا كان ثقة أمينا مقبول القول، إذا قال صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكثر لقائي له، فيحكم بأنه صحابي في الظاهر، لموضع عدالته، وقبول خبره، وإن لم يقطع بذلك كما يعمل بروايته. هكذا ذكره في آخر كلام القاضي أبي بكر، والظاهر أن هذا كلام القاضي، قلت: ولا بد من تقييد ما أطلق من ذلك بأن يكون ادعاؤه لذلك يقتضيه الظاهر. أما لو ادعاه بعد مضي مائة سنة من حين وفاته - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لا يقبل وإن كانت قد ثبتت عدالته قبل ذلك، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ((أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى أحد ممن على ظهر الأرض)) ، يريد انخرام ذلك القرن. قال: ذلك في سنة وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وهذا واضح جلي. وقد اشترط الأصوليون في قبول ذلك منه أن يكون قد عرفت معاصرته للنبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الآمدي: فلو قال من عاصره أنا صحابي مع إسلامه، وعدالته، فالظاهر صدقه، وحكاهما ابن الحاجب احتمالين من غير ترجيح، قال: ويحتمل أن لا يصدق لكونه متهما بدعوى رتبة يثبتها لنفسه.
الثانية: الصحابة كلهم عدول، لقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ، ولقوله تعالى:
(2/129)
{كنتم خير أمة أخرجت للناس} قيل: إن المفسرين اتفقوا على أنه وارد في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي سعيد الخدري: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه)) ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته أيضا من حديث ابن مسعود ((خير الناس قرني)) ، وقد سبق تفسير القرن في أول هذه الترجمة، ولغير ذلك من الأحاديث الصحيحة، ولإجماع من يعتد به في الإجماع من الأئمة على ذلك، ثم إن جميع الأمة مجمعة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم. وأما من لابس الفتن منهم - وذلك من حين مقتل عثمان - فأجمع من يعتد به أيضا في الإجماع على تعديلهم إحسانا للظن بهم، وحملا لهم في ذلك على الاجتهاد.
هكذا حكى ابن الصلاح إجماع الأمة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم وفيه نظر، فقد حكى الآمدي وابن الحاجب قولا: أنهم كغيرهم في لزوم البحث عن عدالتهم مطلقا،
(2/130)
وقولا أخر: أنهم عدول إلى وقوع الفتن، فأما بعد ذلك فلا بد من البحث عمن ليس ظاهر العدالة، وذهبت المعتزلة إلى فسق من قاتل عليا منهم، وقيل: يرد الداخلون في الفتن كلهم؛ لأن أحد الفريقين فاسق من غير تعيين، وقيل: يقبل الداخل فيها، إذا انفرد؛ لأن الأصل العدالة وشككنا في فسقه، ولا يقبل مع مخالفه لتحقق فسق أحدهما من غير تعيين.
والذي عليه الجمهور كما قال الآمدي وابن الحاجب: إنهم عدول كلهم مطلقا. وقال الآمدي: إنه المختار، وحكى ابن عبد البر في " الاستيعاب " إجماع أهل الحق من المسلمين، وهم أهل السنة والجماعة على أن الصحابة كلهم عدول.
الثالثة: المكثرون من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة: أنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعائشة الصديقة بنت أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عباس - وهو البحر -، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأكثر الستة حديثا أبو هريرة، قال ذلك أحمد بن حنبل وغيره، وأشرت إلى كون أبي هريرة أكثرهم حديثا، بقولي: (أكثرهم) ، ولم يتعرض ابن الصلاح لترتيب من بعد أبي هريرة في الأكثرية، وبعضهم مقارب لبعض. والذي يدل عليه كلام بقي بن مخلد: أن أكثرهم أبو هريرة، روى خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا، ثم ابن عمر، روى ألفي حديث وستمائة وثلاثين، ثم أنس، روى ألفين ومائتين وستة وثمانين، ثم عائشة روت ألفين ومائتين وعشرة، ثم ابن عباس، روى ألفا وستمائة وستين حديثا، ثم جابر، روى ألفا وخمسمائة وأربعين
(2/131)
حديثا. وليس في الصحابة من يزيد حديثه على ألف إلا هؤلاء، وأبو سعيد الخدري، فإنه روى ألفا ومائة وسبعين حديثا.
الرابعة: أكثر الصحابة فتوى عبد الله بن عباس، قاله أحمد بن حنبل أيضا.
الخامسة: في بيان العبادلة من الصحابة، وقيل لأحمد بن حنبل: من العبادلة؟ فقال: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، قيل له: فأين ابن مسعود؟ قال: لا، ليس من العبادلة، قال البيهقي: وهذا لأنه تقدم موته، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم فإذا اجتمعوا على شيء قيل: هذا قول العبادلة.
وقولي: (وهو وابن عمر) ، الضمير عائد على البحر، وهو ابن عباس؛ لأنه أقرب مذكور، وما ذكر من أن العبادلة هم هؤلاء الأربعة، هو المشهور بين أهل الحديث وغيرهم. واقتصر صاحب " الصحاح " على ثلاثة، وأسقط ابن الزبير. وأما ما حكاه النووي في " التهذيب ": أن الجوهري ذكر فيهم ابن مسعود، وأسقط ابن العاص؛ فوهم، نعم.. وقع في كلام الزمخشري في " المفصل " أن العبادلة: ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس وكذا قال الرافعي في " الشرح الكبير " في الديات، وغلطا في ذلك من حيث الاصطلاح، قال ابن الصلاح: ويلتحق بابن مسعود في
(2/132)
ذلك سائر العبادلة المسمين بعبد الله من الصحابة، وهم نحو مائتين وعشرين نفسا. أي: فلا يسمون العبادلة اصطلاحا، وإلى ذلك أشرت بقولي: (ولا من شاكله) أي: ولا من أشبه ابن مسعود في التسمية بعبد الله.
وقول ابن الصلاح: أنهم نحو مائتين وعشرين كأنه أخذه من " الاستيعاب " لابن عبد البر، فإنه عد ممن اسمه عبد الله مائتين وثلاثين، ومنهم من كرره للاختلاف في اسم أبيه أو في اسمه هو، ومنهم من لم يصحح له صحبة، ومنهم من لم يرو وإنما ذكره لمعاصرته على قاعدته؛ وذلك فوق العشرة فبقي نحو مائتين وعشرين، كما ذكر، ولكن قد ذكر الحافظ أبو بكر بن فتحون فيما ذيله على " الاستيعاب " مائة وأربعة وستين رجلا زيادة على ذلك، وفيهم أيضا من عاصره ولم يره، ومن كرره للاختلاف في اسمه أيضا، واسم أبيه، ومن لم تصح صحبته، ولكن يجتمع من المجموع نحو ثلاثمائة رجل.
السادسة: في بيان من كان له من الصحابة أتباع يقولون برأيه، قال ابن المديني: ((لم يكن من صحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد له أصحاب يقومون بقوله في الفقه إلا ثلاثة: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عباس، كان لكل رجل منهم أصحاب يقومون بقوله، ويفتون الناس)) . انتهى.
فقولي في البيت: (وهو) أي: ابن مسعود.
(2/133)
795.... وقال مسروق انتهى العلم إلى ... ستة أصحاب كبار نبلا
... زيد أبي الدرداء مع أبي ... عمر، عبد الله مع علي
797.... ثم انتهى لذين والبعض جعل ... الأشعري عن أبي الدردا بدل
في هذه الأبيات بيان الذين انتهى إليهم العلم من أكابر الصحابة، وقد ذكر ذلك مسروق والشعبي، فقال مسروق وجدت علم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى إلى ستة عمر وعلي وأبي وزيد وأبي الدرداء، وعبد الله ابن مسعود ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى اثنين علي وعبد الله
فقولي ثم انتهى لذين أي للأخيرين، وهما علي، وعبد الله، وقد
روى مطرف عن الشعبي عن مسروق نحوه إلا أنه ذكر أبا موسى الأشعري بدل أبي الدرداء، قلت زيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، كلاهما تأخرت وفاته بعد عبد الله بن مسعود، وبعد علي بن أبي طالب، بلا خلاف، فقول مسروق إن علم الستة انتهى لعبد الله وعلي، فيه نظر من هذا الوجه، ولهذا عزوت هذه المقالة لمسروق، ولم أطلقها لتكون العهدة عليه ويصح أن يقال انتهى علمهم إليهما لكونهما ضما علمهم إلى علمهما، وإن تأخرت وفاة زيد، وأبي موسى عن علي، وابن مسعود، والله أعلم
وقال الشعبي كان العلم يؤخذ عن ستة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان عمر وعبد الله وزيد يشبه علم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض وكان علي والأشعري وأبي يشبه علم بعضهم بعضا، وكان يقتبس بعضهم من بعض
(2/134)
.. والعد لا يحصرهم فقد ظهر ... سبعون ألفا بتبوك وحضر
799.... الحج أربعون ألفا وقبض ... عن ذين مع أربع آلاف تنض
حصر الصحابة - رضي الله عنهم - بالعد والإحصاء متعذر لتفرقهم في البلدان والبوادي وقد روى البخاري في صحيحه أن كعب بن مالك قال في قصة تخلفه عن غزوة تبوك وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثير لا يجمعهم كتاب حافظ، يعني الديوان؛ ولكن قد جاء ضبطهم في بعض مشاهده كتبوك، وحجة الوداع، وعدة من قبض عنه من الصحابة عن أبي زرعة الرازي على ما فيه من نظر، فروينا عنه أنه سئل عن عدة من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ومن يضبط هذا شهد معه حجة الوداع أربعون ألفا، وشهد معه تبوك سبعون ألفا وروينا عنه أيضا أنه قيل له أليس يقال حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة آلاف حديث؟ قال ومن قال ذا؟ قلقل الله أنيابه، هذا قول الزنادقة، ومن يحصي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مائة ألف وأربعة عشر ألفا من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه، وفي رواية ممن رآه وسمع منه، فقيل له هؤلاء أين كانوا؟ وأين سمعوا منه؟ قال أهل المدينة، وأهل مكة ومن بينهما والأعراب، ومن شهد معه حجة الوداع، كل رآه وسمع منه بعرفة
(2/135)
وقولي عن ذين أي عن مقدار هذين العددين المذكورين، وهما سبعون ألفا، وأربعون ألفا، مع زيادة أربعة آلاف، فذلك مائة ألف وأربعة عشر ألفا، كما تقدم بيانه
وقولي تنض بكسر النون وتشديد الضاد أي تتيسر، يقال خذ ما نض لك من دين، أي تيسر حكاه الجوهري، والنض والناض، وإن كان إنما يطلق على الدنانير، والدراهم، فقد استعير للصحابة لرواجهم في النقد وسلامتهم من الزيف لعدالة كلهم كما تقدم
وأسقطت الهاء من أربع آلاف؛ لضرورة الشعر، وإن كان الألف مذكرا
... وهم طباق إن يرد تعديد ... قيل: اثنتا عشرة أو تزيد
الصحابة على طبقات باعتبار سبقهم إلى الإسلام أو الهجرة أو شهود المشاهد الفاضلة، وقد اختلف كلام من اعتنى بذكر طبقاتهم في عدها، فقسمهم الحاكم في " علوم الحديث " إلى اثنتي عشرة طبقة.
فالطبقة الأولى: قوم أسلموا بمكة، كالخلفاء الأربعة.
والثانية: أصحاب دار الندوة.
والثالثة: مهاجرة الحبشة.
والرابعة: أصحاب العقبة الأولى.
والخامسة: أصحاب العقبة الثانية، وأكثرهم من الأنصار.
(2/136)
والسادسة: أول المهاجرين الذين وصلوا إليه بقباء قبل أن يدخل المدينة.
والسابعة: أهل بدر.
والثامنة: الذين هاجروا بين بدر والحديبية.
والتاسعة: أهل بيعة الرضوان.
والعاشرة: من هاجر بين الحديبية وفتح مكة، كخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأبي هريرة. قلت: لا يصح التمثيل بأبي هريرة، فإنه هاجر قبل الحديبية عقب خيبر، بل في أواخرها.
والحادية عشرة: مسلمة الفتح.
والثانية عشرة: صبيان وأطفال رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، وفي حجة الوداع، وغيرهما كالسائب بن يزيد، وعبد الله بن ثعلبة ابن أبي صعير، وأبي الطفيل، وأبي جحيفة.
قال ابن الصلاح: ((ومنهم من زاد على ذلك)) . انتهى، وأما ابن سعد، فجعلهم خمس طبقات فقط.
801.... والأفضل الصديق ثم عمر ... وبعده عثمان وهو الأكثر
... أو فعلي قبله خلف حكي ... قلت: وقول الوقف جا عن مالك
803.... فالستة الباقون، فالبدريه ... فأحد، فالبيعة المرضيه
أجمع أهل السنة على أن أفضل الصحابة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإطلاق أبو بكر، ثم عمر، وممن حكى إجماعهم على ذلك أبو العباس القرطبي، فقال ولم يختلف في ذلك
(2/137)
أحد من أئمة السلف ولا الخلف، قال ولا مبالاة بأقوال أهل التشيع، ولا أهل البدع انتهى
وقد حكى الشافعي وغيره إجماع الصحابة والتابعين على ذلك قال البيهقي في كتاب الاعتقاد روينا عن أبي ثور عن الشافعي قال ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة، وإنما اختلف من اختلف منهم في علي وعثمان انتهى وروينا عن جرير بن عبد الحميد، أنه سأل يحيى بن سعيد الأنصاري عن ذلك قال من أدركت من الصحابة والتابعين لم يختلفوا في أبي بكر وعمر وفضلهما إنما كان الاختلاف في علي وعثمان وحكى المازري عن أهل السنة تفضيل أبي بكر، وعن الخطابية تفضيل عمر بن الخطاب، وعن الشيعة تفضيل علي، وعن الراوندية تفضيل العباس، وعن بعضهم الإمساك عن التفضيل وحكاه الخطابي أيضا في المعالم، وحكى أيضا عن بعض مشايخه أنه كان يقول أبو بكر خير وعلي أفضل وهذا تهافت من القول وحكى القاضي عياض أن ابن عبد البر، وطائفة ذهبوا إلى أن من توفي من الصحابة في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل ممن بقي بعده لقوله - صلى الله عليه وسلم - في بعضهم أنا شهيد على هؤلاء، قال النووي وهذا الإطلاق
(2/138)
غير مرضي، ولا مقبول انتهى وهو أيضا مردود بما تقدم من حكاية اجماع الصحابة والتابعين على أفضلية أبي بكر وعمر على سائر الصحابة
واختلف أهل السنة في الأفضل بعد عمر، فذهب الأكثرون كما حكاه الخطابي وغيره إلى تفضيل عثمان على علي وأن ترتيبهم في الأفضلية كترتيبهم في الخلافة، وإليه ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل، كما رواه البيهقي في كتاب الاعتقاد عنهما، وهو المشهور عند مالك، وسفيان الثوري وكافة أئمة الحديث والفقهاء، وكثير من المتكلمين كما قال القاضي عياض، وإليه ذهب أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني؛ ولكنهما اختلفا في أن التفضيل بين الصحابة، هل هو على سبيل القطع، أو الظن؟ فالذي مال إليه الأشعري أنه قطعي، وعليه يدل قول مالك الآتي نقله من المدونة، والذي مال إليه القاضي أبو بكر، واختاره إمام الحرمين في الارشاد أنه ظني، وبه جزم صاحب المفهم وذهب أهل الكوفة - كما قال الخطابي - إلى تفضيل علي على عثمان، وروى بإسناده إلى سفيان الثوري أنه حكاه عن أهل السنة من أهل الكوفة وحكى عن أهل السنة من أهل البصرة أفضلية عثمان، فقيل فما تقول؟ فقال أنا رجل كوفي، ثم قال وقد ثبت عن سفيان في آخر قوليه، تقديم عثمان
(2/139)
وممن ذهب إلى تقديم علي على عثمان أبو بكر بن خزيمة، وقد جاء عن مالك التوقف بين عثمان وعلي، كما حكاه المازري عن المدونة أن مالكا سئل أي الناس أفضل بعد نبيهم؟ فقال أبو بكر، ثم قال أوفي ذلك شك؟ قيل له فعلي وعثمان؟ قال ما أدركت أحدا ممن أقتدي به يفضل أحدهما على صاحبه، ونرى الكف عن ذلك، وفي رواية في المدونة حكاها القاضي عياض أفضلهم أبو بكر، ثم عمر، وحكى القاضي عياض قولا أن مالكا رجع عن الوقف إلى القول الأول قال القرطبي وهو الأصح إن شاء الله قال القاضي عياض ويحتمل أن يكون كفه وكف من اقتدى به لما كان شجر بينهم في ذلك من الاختلاف والتعصب انتهى وقد مال إلى التوقف بينهما إمام الحرمين، فقال الغالب على الظن أن أبا بكر أفضل، ثم عمر وتتعارض الظنون في عثمان وعلي انتهى
والذي استقر عليه مذهب أهل السنة تقديم عثمان، لما روى البخاري وأبو داود والترمذي من حديث ابن عمر، قال كنا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ورواه الترمذي بلفظ كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي أبو بكر وعمر وعثمان، قال هذا حديث صحيح غريب ورواه
(2/140)
الطبراني بلفظ أصرح في التفضيل، وزاد فيه اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - وتقريره لذلك ولفظه كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر وعثمان، فيسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا ينكره، فهذا حكم الخلفاء الأربعة
وأما ترتيب من بعدهم في الأفضلية، فقال الإمام أبو منصور عبد القاهر التميمي البغدادي أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة، ثم البدريون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية
وقولي فأحد فالبيعة المرضيه، هو على حذف المضاف، أي فأهل أحد فأهل البيعة
... قال: وفضل السابقين قد ورد ... فقيل: هم، وقيل: بدري وقد
805.... قيل بل اهلالقبلتين، واختلف ... أيهم أسلم قبل؟ - من سلف
... قيل: أبو بكر، وقيل: بل علي ... ومدعي إجماعه لم يقبل
807.... وقيل زيد وادعى وفاقا ... بعض على خديجة اتفاقا
قال ابن الصلاح وفي نص القرآن تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وهم الذين صلوا إلى القبلتين في قول سعيد بن المسيب وطائفة، منهم
(2/141)
محمد بن الحنفية، ومحمد بن سيرين، وقتادة، وفي قول الشعبي هم الذين شهدوا بيعة الرضوان وهذا معنى قولي فقيل هم وعن محمد بن كعب القرظي وعطاء بن يسار أهل بدر، قال ابن الصلاح روى ذلك عنهما ابن عبد البر فيما وجدناه عنه
قلت لم يوصل ابن عبد البر إسناده بذلك، وإنما ذكر ذلك عن سنيد وساق سند سنيد فقط عن شيخ له لم يسم، عن موسى بن عبيدة، وضعفه الجمهور وقد روى سنيد أيضا قول ابن المسيب، وابن سيرين، والشعبي بأسانيد صحيحة، وكذلك روى ذلك عنهم عبد بن حميد في تفسيره بأسانيد صحيحة، وكذلك رواه عن قتادة عبد الرزاق في تفسيره، ومن طريقه عبد بن حميد
وفي المسألة قول رابع رواه سنيد أيضا بإسناد صحيح إلى الحسن، قال فرق ما بينهم فتح مكة
وأما أول الصحابة إسلاما فقد اختلف فيه السلف على أقوال
(2/142)
أحدها أبو بكر الصديق، وهو قول ابن عباس، وحسان بن ثابت والشعبي والنخعي في جماعة آخرين، ويدل له ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عمرو بن عبسة في قصة إسلامه، وقوله للنبي - صلى الله عليه وسلم - من معك على هذا؟ قال حر وعبد ومعه يومئذ أبو بكر، وبلال ممن آمن به، وروى الحاكم في المستدرك من رواية مجالد بن سعيد، قال سئل الشعبي من أول من أسلم؟ فقال أما سمعت قول حسان
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها ... بعد النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهده ... وأول الناس منهم صدق الرسلا
والقول الثاني أولهم إسلاما علي، روي ذلك عن زيد بن أرقم، وأبي ذر، والمقداد بن الأسود، وأبي أيوب، وأنس بن مالك، ويعلى بن مرة، وعفيف الكندي، وخزيمة بن ثابت، وسلمان الفارسي، وخباب بن الأرت، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري وأنشد المرزباني لخزيمة بن ثابت في علي رضي الله عنهما
أليس أول من صلى لقبلتهم ... وأعلم الناس بالفرقان والسنن؟
(2/143)
وروى الحاكم في المستدرك من رواية مسلم الملائي، قال نبئ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء وقال الحاكم في علوم الحديث لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن عليا أولهم إسلاما قال وإنما اختلفوا في بلوغه، قال ابن الصلاح واستنكر هذا من الحاكم وإلى هذا أشرت بقولي ومدعي إجماعه لم يقبل أي الحاكم، ثم قال الحاكم بعد حكايته لهذا الإجماع والصحيح عند الجماعة أن أبا بكر الصديق أول من أسلم من الرجال البالغين لحديث عمرو بن عبسة
والقول الثالث أن أولهم إسلاما زيد بن حارثة ذكره معمر عن الزهري
والقول الرابع أن أولهم إسلاما أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، روي ذلك عن ابن عباس، والزهري أيضا، وهو قول قتادة ومحمد بن إسحاق في آخرين، وقال النووي إنه الصواب عند جماعة من المحققين وادعى الثعلبي المفسر اتفاق العلماء على ذلك، وأن اختلافهم إنما هو في أول من أسلم بعدها قال ابن عبد البر اتفقوا على أن خديجة أول من آمن، ثم علي بعدها
وجمع بين الاختلاف في ذلك بالنسبة إلى أبي بكر وعلي، بأن الصحيح أن أبا بكر أول من أظهر إسلامه، ثم روي عن محمد بن كعب القرظي أن عليا أخفى إسلامه
(2/144)
من أبي طالب، وأظهر أبو بكر إسلامه؛ ولذلك شبه على الناس قال ابن الصلاح والأورع أن يقال أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان أو الأحداث علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد، ومن العبيد بلال، والله أعلم وقال ابن إسحاق أول من آمن خديجة، ثم علي بن أبي طالب، قال وكان أول ذكر آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة، فكان أول ذكر أسلم بعد علي ثم أبو بكر فأظهر إسلامه ودعا إلى الله فأسلم بدعائه عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام وذكر عمر بن شبة أن خالد بن سعيد بن العاص، أسلم قبل علي
وقولي من سلف، هو فاعل اختلف، وقبل مبني على الضم
... ومات آخرا بغير مرية ... أبو الطفيل مات عام مائة
809.... وقبله السائب بالمدينة ... أو سهل او جابر او بمكة
... وقيل: الاخر بها: ابن عمرا ... إن لا أبو الطفيل فيها قبرا
811.... وأنس بن مالك بالبصرة ... وابن أبي أوفى قضى بالكوفة
(2/145)
.. والشام فابن بسر او ذو باهله ... خلف، وقيل: بدمشق واثله
813.... وأن في حمص ابن بسر قبضا ... وأن بالجزيرة العرس قضى
... وبفلسطين أبو أبي ... ومصر فابن الحارث بن جزي
815.... وقبض الهرماس باليمامة ... وقبله رويفع ببرقة
... وقيل: إفريقية وسلمه ... باديا او بطيبة المكرمه
......
في هذا الفصل بيان آخر من مات من الصحابة مطلقا ومقيدا بالبلدان والنواحي، فأما آخرهم موتا على الإطلاق: فأبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي مات سنة مائة من الهجرة، كذا جزم به ابن الصلاح، وكذا رواه الحاكم في " المستدرك " عن شباب العصفري، وهو خليفة بن خياط، وكذا رويناه في " صحيح مسلم " من رواية إبراهيم بن سفيان قال: ((قال مسلم: مات أبو الطفيل سنة مائة، وكان آخر من مات من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) ، وكذا قال ابن عبد البر: إن وفاته سنة مائة. وقال خليفة بن خياط في غير رواية الحاكم: إنه تأخر بعد المائة، وقيل: توفي سنة اثنتين
(2/146)
ومائة، قاله مصعب بن عبد الله الزبيري، وجزم ابن حبان وابن قانع، وأبو زكريا ابن منده: أنه توفي سنة سبع ومائة، وقد روى وهب بن جرير بن حازم عن أبيه، قال: كنت بمكة سنة عشر ومائة، فرأيت جنازة فسألت عنها، فقالوا: هذا أبو الطفيل، وهذا هو الذي صححه الذهبي في الوفيات: أنه في سنة عشر ومائة.
وأما كونه آخر الصحابة موتا فجزم به مسلم، ومصعب بن عبد الله الزبيري، وأبو زكريا بن منده، وأبو الحجاج المزي وغيرهم، وروينا في "صحيح مسلم" بإسناده إلى أبي الطفيل، قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما على وجه الأرض رجل رآه غيري. فتبين أنه آخرهم موتا على الإطلاق، ومات بمكة، فهو آخر من مات بها من الصحابة كما جزم به ابن حبان، وأبو زكريا بن منده، وكذا ذكر علي بن المديني: أنه مات بمكة، وأما ما حكاه بعض المتأخرين عن ابن دريد، من أن عكراش ابن ذؤيب، تأخر بعد ذلك، وأنه عاش بعد الجمل مائة سنة، فهذا باطل لا أصل له، والذي أوقع ابن دريد في ذلك ابن قتيبة، فقد سبقه إلى ذلك، وقاله في كتاب "
(2/147)
المعارف "، وهو إما باطل أو مؤول بأنه استكمل بعد الجمل مائة سنة لا أنه بقي بعدها مائة سنة، والله أعلم.
وأما آخر من مات مقيدا بالنواحي، فاختلفوا في آخر من مات بالمدينة الشريفة على أقوال:
فقيل: السائب بن يزيد، قاله أبو بكر بن أبي داود واختلف في سنة وفاته، فقيل: سنة ثمانين، وقيل: ست وثمانين، وقيل: ثمان وثمانين، وقيل: إحدى وتسعين، قاله الجعد بن عبد الرحمن، والفلاس، وبه جزم ابن حبان، واختلف أيضا في مولده، فقيل: في السنة الثانية من الهجرة، وقيل: في الثالثة.
والقول الثاني:: أن آخرهم موتا بالمدينة: سهل بن سعد الأنصاري، قاله علي بن المديني، والواقدي، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، ومحمد بن سعد، وابن حبان، وابن قانع، وأبو زكريا بن منده، وادعى ابن سعد نفي الخلاف فيه، فقال: ليس بيننا في ذلك اختلاف، وقد أطلق أبو حازم أنه آخر الصحابة موتا، وكأنه أخذه من قول سهل، حيث سمعه يقول: لو مت لم تسمعوا أحدا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والظاهر أنه أراد أهل المدينة إذ لم يكن بقي بالمدينة غيره. وقد اختلف في سنة وفاته أيضا،
(2/148)
فقيل: سنة ثمان وثمانين، قاله أبو نعيم والبخاري والترمذي، وقيل: سنة إحدى وتسعين قاله الواقدي، والمدائني، ويحيى بن بكير، وابن نمير، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ورجحه ابن زبر، وابن حبان. وقد اختلف في وفاته أيضا بالمدينة فالجمهور على أنه مات بها، وقال قتادة: بمصر، وقال أبو بكر ابن أبي داود: بالإسكندرية، ولهذا جعل السائب آخر من مات بالمدينة كما تقدم.
والقول الثالث: إن آخرهم موتا بها جابر بن عبد الله، رواه أحمد بن حنبل عن قتادة، وبه صدر ابن الصلاح كلامه، فاقتضى ترجيحه عنده، وكذا قاله أبو نعيم وهو قول ضعيف؛ لأن السائب مات بالمدينة عنده بلا خلاف، وقد تأخر بعده، وقد اختلف أيضا في مكان وفاة جابر، فالجمهور على أنه مات بالمدينة، وقيل: بقباء. وقيل: بمكة، قاله أبو بكر ابن أبي داود، وإليه أشرت بقولي: (او بمكة) .
واختلف في سنة وفاته، فقيل: سنة اثنتين وسبعين، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع، وقيل: سبع، وقيل: ثمان، وهو المشهور، وقيل: سنة تسع وسبعين. قلت: هكذا اقتصر ابن الصلاح على ثلاثة أقوال في آخر من مات بالمدينة، وقد تأخر بعد الثلاثة
(2/149)
المذكورين بالمدينة محمود بن الربيع الذي عقل مجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه، وهو ابن خمس سنين، وتوفي سنة تسع وتسعين، بتقديم التاء فيهما، فهو إذا آخر الصحابة موتا بالمدينة. وتأخر أيضا بعد الثلاثة محمود بن لبيد الأشهلي، مات بالمدينة سنة ست وتسعين أو خمس وتسعين، وقد قال البخاري: إن له صحبة.
وكذا قال ابن حبان وإن كان مسلم وجماعة عدوه في التابعين.
وأما آخر من مات بمكة منهم، فقيل: جابر بن عبد الله، قاله ابن أبي داود. والمشهور وفاته بالمدينة كما تقدم، وقيل: آخرهم موتا بها عبد الله بن عمر بن الخطاب، قاله قتادة وأبو الشيخ ابن حيان في " تاريخه "، وبه صدر ابن الصلاح كلامه. وقد
(2/150)
اختلف في سنة وفاته، فقيل: سنة ثلاث وسبعين، وقيل: أربع، ورجحه ابن زبر. وممن جزم أنه مات بمكة، ودفن بفخ، ابنه سالم بن عبد الله، وابن حبان، وابن زبر، وغير واحد، وكذلك مصعب بن عبد الله الزبيري؛ ولكنه قال دفن بذي طوى، وإنما يكون جابر أو ابن عمر آخر من مات بمكة إن لم يكن أبو الطفيل مات بها، كما قد قيل، والصحيح: أن أبا الطفيل مات بمكة، كما قاله علي بن المديني وابن حبان وغيرهما، وإلى هذا أشرت بقولي: (إن لا أبو الطفيل فيها قبرا) .
وآخر من مات منهم بالبصرة: أنس بن مالك، قاله قتادة، وأبو هلال، والفلاس، وابن المديني وابن سعد، وأبو زكريا بن منده، وغيرهم،
(2/151)
واختلف في وقت وفاته، فقيل: سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة اثنتين، وقيل: إحدى، وقيل: سنة تسعين، قال ابن عبد البر: وما أعلم أحدا مات بعده ممن رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أبا الطفيل.
قلت: قد مات بعده محمود بن الربيع بلا خلاف في سنة تسع وتسعين، كما تقدم، وقد رآه وعقل عنه وحدث عنه، كما في "صحيح البخاري"، والله أعلم.
وكذا تأخر بعده عبد الله بن بسر المازني في قول عبد الصمد بن سعيد، كما سيأتي.
وآخر من مات منهم بالكوفة: عبد الله بن أبي أوفى، قاله قتادة والفلاس وابن حبان وابن زبر وابن عبد البر، وأبو زكريا بن
(2/152)
منده. وذكر ابن المديني: أن آخرهم موتا بالكوفة: أبو جحيفة، والأول أصح، فإن أبا جحيفة توفي سنة ثلاث وثمانين، وقيل: أربع وسبعين، وبقي ابن أبي أوفى بعده إلى سنة ست وثمانين، وقيل: سبع، وقيل: ثمان، نعم.. بقي النظر في ابن أبي أوفى، وعمرو بن حريث، فإنه أيضا مات بالكوفة، فإن كان عمرو بن حريث توفي في سنة خمس وثمانين، فقد تأخر ابن أبي أوفى بعده، وإن كان توفي سنة ثمان وتسعين، كما رواه الخطيب في " المتفق والمفترق "، عن محمد بن الحسن الزعفراني؛ فيكون عمرو بن حريث آخرهم موتا بها، والله أعلم. وابن أبي أوفى آخر من بقي ممن شهد بيعة الرضوان.
(2/153)
وآخر من مات منهم بالشام: عبد الله بن بسر المازني، قاله الأحوص بن حكيم، وابن المديني، وابن حبان، وابن قانع، وابن عبد البر، والمزي، والذهبي. واختلف في وفاته، فقيل: سنة ثمان وثمانين وهو المشهور، وقيل: سنة ست وتسعين، قاله عبد الصمد بن سعيد، وبه جزم أبو عبد الله بن منده، وأبو زكريا بن منده، وقال: إنه صلى للقبلتين.
فعلى هذا هو آخر من بقي ممن صلى للقبلتين.
وقيل: إن آخر من مات بالشام منهم: أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي، روي ذلك عن الحسن البصري وابن عيينة، وبه جزم أبو عبد الله ابن منده، وأشرت إلى الخلاف بقولي: (أو ذو باهله) ، والصحيح الأول، فقد قال البخاري في "
(2/154)
التاريخ الكبير " قال علي: سمعت سفيان، قلت لأحوص: كان أبو أمامة آخر من مات عندكم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كان بعده عبد الله بن بسر، قد رأيته.
واختلف في سنة وفاة أبي أمامة، فقيل: سنة ست وثمانين، وقيل: إحدى وثمانين.
وقولي: (بدمشق واثله) ، إشارة إلى طريقة أخرى سلكها بعضهم في آخر من بقي في نواح من الشام بالنسبة إلى دمشق، وحمص، وفلسطين، وهو أبو زكريا بن منده، فقال في جزء جمعه في آخر من مات من الصحابة فيما رويناه عنه:
آخر من مات بدمشق منهم: واثلة بن الأسقع الليثي، وكذا قاله قتادة؛ ولكن قد اختلف في مكان وفاته، فقال قتادة ودحيم، وأبو زكريا بن منده: مات بدمشق، وقال أبو حاتم الرازي: مات ببيت المقدس. وقال ابن قانع: بحمص. واختلف أيضا في سنة وفاته، فقيل: سنة خمس وثمانين. وقيل: ثلاث. وقيل: سنة ست وثمانين.
وآخر من مات بحمص منهم: عبد الله بن بسر المازني، قاله قتادة، وأبو زكريا بن منده.
(2/155)
وآخر من مات منهم بالجزيرة: العرس بن عميرة الكندي، قاله أبو زكريا بن منده.
وآخر من مات منهم بفلسطين: أبو أبي عبد الله بن أم حرام، قاله أبو زكريا بن منده، وهو ابن امرأة عبادة بن الصامت. واختلف في اسمه، فقال ابن سعد، وخليفة، وابن عبد البر: هو عبد الله بن عمرو بن قيس وقيل: عبد الله بن أبي، وقيل: بن كعب، وقد اختلف أيضا في مكان وفاته. فقيل: إنه مات بدمشق. وذكر ابن سميع: أنه توفي ببيت المقدس، قلت: فإن كان توفي بدمشق، فآخر من مات بفلسطين قيس بن سعد بن عبادة، فقد ذكر أبو الشيخ في " تاريخه " عن بعض ولد سعد: أن قيس بن سعد توفي بفلسطين سنة خمس وثمانين في ولاية عبد الملك؛ لكن المشهور أنه توفي في المدينة في آخر خلافة معاوية، قاله الهيثم بن عدي، والواقدي، وخليفة ابن خياط، وغيرهم.
وآخر من مات منهم بمصر: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، قاله سفيان بن عيينة، وعلي بن المديني، وأبو زكريا بن منده. واختلف في سنة وفاته، فالمشهور: سنة ست وثمانين، وقيل: سنة خمس، وقيل: سبع، وقيل: ثمان، وقيل: تسع. وذكر الطحاوي أنه مات بسفط القدور، وهي التي تعرف اليوم بسفط أبي
(2/156)
تراب، وقد قيل: إنه مات باليمامة، حكاه أبو عبد الله بن منده، وقال أيضا: إنه شهد بدرا، فعلى هذا هو آخر البدريين موتا، ولا يصح شهوده بدرا، والله أعلم.
وقولي: (جزي) ، هو بإبدال الهمزة ياء لموافقة القافية.
وآخر من مات منهم باليمامة: الهرماس بن زياد الباهلي، قاله أبو زكريا ابن منده، وذكر عن عكرمة بن عمار، قال: لقيت الهرماس بن زياد سنة اثنتين ومائة.
وآخرهم موتا ببرقة: رويفع بن ثابت الأنصاري، وقال أبو زكريا ابن منده: إنه توفي بإفريقية، وإنه آخر من مات بها من الصحابة، وقال أحمد بن البرقي: توفي ببرقة، وصححه المزي، وقال ابن الصلاح: ((إنه لا يصح وفاته بإفريقية)) ، وكذا ذكر ابن يونس: أنه توفي ببرقة، وهو أمير عليها لمسلمة بن مخلد سنة ثلاث وخمسين، فإن قبره معروف ببرقة إلى اليوم، ووقع في " تهذيب الكمال " نقلا عن ابن يونس: أن وفاته في سنة ست وخمسين. وفي مكان وفاته قول آخر لم يحكه ابن منده، ولا ابن الصلاح، وهو أنه مات بأنطابلس، قاله الليث بن سعد. وقيل: إنه مات بالشام.
وآخر من مات منهم بالبادية: سلمة بن الأكوع، قاله أبو زكريا بن منده، والصحيح أنه مات بالمدينة، قاله ابنه إياس بن سلمة، ويحيى بن بكير، وأبو عبد الله بن منده. ورجحه ابن الصلاح. وأشرت إلى الخلاف بقولي: (او بطيبة المكرمه) .
(2/157)
واختلف أيضا في سنة وفاته، فالصحيح: أنه توفي سنة أربع وسبعين، وقيل: سنة أربع وستين.
وهذا آخر ما ذكره ابن الصلاح من أواخر من مات من الصحابة مقيدا بالأماكن، وبقي عليه مما ذكره أبو زكريا بن منده أن آخر من مات بخراسان منهم: بريدة بن الحصيب، وأن آخر من مات منهم بالرخج منهم: العداء بن خالد بن هوذة، والرخج: من أعمال سجستان.
ومما لم يذكره ابن الصلاح، ولا ابن منده أيضا: أن آخر من مات منهم بأصبهان: النابغة الجعدي، وقد ذكر وفاته بأصبهان أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين "، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان ".
وآخر من مات منهم بالطائف: عبد الله بن عباس.
معرفة التابعين
817.... والتابع اللاقي لمن قد صحبا ... وللخطيب حده أن يصحبا
(2/158)
اختلف في حد التابعي، فقال الحاكم وغيره إن التابعي من لقي واحدا من الصحابة فأكثر، وسيأتي نقل كلام الحاكم في البيت الذي يلي هذا، وعليه عمل الأكثرين
وقد ذكر مسلم وابن حبان سليمان بن مهران الأعمش في طبقة التابعين وقال ابن حبان أخرجناه في هذه الطبقة؛ لأن له لقيا وحفظا رأى أنس بن مالك، وإن لم يصح له سماع المسند عن أنس انتهى وقال علي بن المديني لم يسمع من أنس، وإنما رآه رؤية بمكة يصلي وليس له رواية في شيء من الكتب الستة عن أحد من الصحابة إلا عن عبد الله ابن أبي أوفى في سنن ابن ماجه فقط وقال أبو حاتم الرازي إنه لم يسمع منه وقال الترمذي إنه لم يسمع من أحد من الصحابة، وعده أيضا في التابعين عبد الغني بن سعيد وعد فيهم يحيى بن أبي كثير؛ لكونه لقي أنسا وعد فيهم موسى بن أبي عائشة؛ لكونه لقي عمرو بن حريث وعد فيهم جرير بن حازم لكونه رأى أنسا، وهذا مصير منهم إلى أن التابعي من رأى الصحابي ولكن ابن حبان يشترط أن يكون رآه في سن من يحفظ عنه، فإن كان صغيرا
(2/159)
لم يحفظ عنه فلا عبرة برؤيته، كخلف بن خليفة، فإنه عده في أتباع التابعين، وإن كان رأى عمرو بن حريث؛ لكونه كان صغيرا وقال الخطيب التابعي من صحب الصحابي، والأول أصح، ورجحه ابن الصلاح فقال والاكتفاء في هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في الصحابة نظرا إلى مقتضى اللفظين فيهما وقال النووي في التقريب والتيسير إنه الأظهر انتهى وقد عد الخطيب منصور بن المعتمر من التابعين، ولم يسمع من أحد من الصحابة وقول الخطيب له من الصحابة ابن أبي أوفى، يريد في الرؤية لا في السماع والصحبة ولم أر من ذكره في طبقة التابعين وقال النووي في شرح مسلم
إنه ليس بتابعي؛ ولكنه من أتباع التابعين، وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصحابة والتابعين بقوله طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن رأى من رآني ... الحديث، فاكتفى فيهما بمجرد الرؤية
... وهم طباق قيل: خمس عشره ... أولهم: رواة كل العشره
819.... وقيس الفرد بهذا الوصف ... وقيل لم يسمع من ابن عوف
... وقول من عد سعيدا فغلط ... بل قيل: لم يسمع سوى سعد فقط
821.... لكنه الأفضل عند أحمدا ... وعنه قيس وسواه وردا
... وفضل الحسن أهل البصرة ... والقرني أويسا اهل الكوفة
(2/160)
ثم إن التابعين طباق، فجعلهم مسلم في كتاب " الطبقات " ثلاث طبقات. وكذا فعل ابن سعد في " الطبقات "، وربما بلغ بهم أربع طبقات. وقال الحاكم في
" علوم الحديث ": هم خمس عشرة طبقة، آخرهم من لقي أنس بن مالك من أهل البصرة، ومن لقي عبد الله ابن أبي أوفى من أهل الكوفة ومن لقي السائب بن يزيد من أهل المدينة)) وعد الحاكم منهم ثلاث طبقات فقط. وسيأتي نقل كلامه.
فالطبقة الأولى من التابعين من روى عن العشرة بالسماع منهم، وليس في التابعين أحد سمع منهم إلا قيس بن أبي حازم. ذكره عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش. وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: روى عن تسعة من العشرة، ولم يرو عن عبد الرحمن بن عوف)) . وأما قول الحاكم في النوع السابع من " علوم الحديث ": وقد أدرك سعيد بن المسيب أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليا، وطلحة، والزبير إلى آخر العشرة. قال: ((وليس في جماعة التابعين من أدركهم وسمع منهم غير سعيد، وقيس بن أبي حازم)) . انتهى، فهو غلط صريح، وكذا قوله في النوع الرابع عشر: ((فمن الطبقة الأولى قوم لحقوا العشرة منهم سعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن عباد، وأبو ساسان حضين بن المنذر، وأبو وائل،
(2/161)
وأبو رجاء العطاردي)) . انتهى. وقد أنكر ذلك على الحاكم؛ لأن سعيد بن المسيب إنما ولد في خلافة عمر، بلا خلاف، فكيف يسمع من أبي بكر؟ والصحيح أيضا: أنه لم يسمع من عمر، قاله يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي، نعم ... ، أثبت أحمد بن حنبل سماعه منه. وبالجملة فلم يسمع من أكثر العشرة، بل قال بعضهم فيما حكاه ابن الصلاح: أنه لا يصح له رواية عن أحد من العشرة إلا سعد بن أبي وقاص.
المسألة الثالثة: اختلفوا في أفضل التابعين، فقال عثمان الحارثي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: أفضل التابعين سعيد بن المسيب، فقيل له: فعلقمة والأسود، فقال: سعيد وعلقمة والأسود)) ، وهو المراد بقولي: (لكنه الأفضل) ، فالضمير لسعيد، وقال علي ابن المديني: هو عندي أجل التابعين، وقال أبو حاتم الرازي: ((ليس في التابعين أنبل من ابن المسيب)) . وقال ابن حبان: ((هو سيد التابعين)) وورد عن أحمد أيضا أنه قال: أفضل التابعين قيس بن أبي حازم وأبو عثمان النهدي، ومسروق، هؤلاء كانوا فاضلين ومن علية التابعين. وعنه أيضا قال: لا أعلم في التابعين مثل أبي عثمان وقيس.
(2/162)
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي: اختلف الناس في أفضل التابعين، فأهل المدينة يقولون: سعيد بن المسيب، وأهل البصرة يقولون: الحسن البصري، وأهل الكوفة يقولون: أويس القرني. واستحسنه ابن الصلاح.
قلت: الصحيح، بل الصواب ما ذهب إليه أهل الكوفة، لما روى مسلم في
" صحيحه " من حديث عمر بن الخطاب، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن خير التابعين رجل يقال له: أويس ... )) الحديث. فهذا الحديث قاطع للنزاع. وأما تفضيل أحمد لابن المسيب وغيره فلعله لم يبلغه هذا الحديث، أو لم يصح عنه، أو أراد بالأفضلية: الأفضلية في العلم لا الخيرية، وقد تقدم في " معرفة الصحابة " أن الخطابي نقل عن بعض شيوخه أنه: كان يفرق بين الأفضلية والخيرية، والله أعلم.
823.... وفي نساء التابعين الأبدا ... حفصة مع عمرة أم الدردا
هذا بيان لأفضل التابعيات، فقولي الأبدا أي أبداهن، بمعنى أولهن في الفضل وقد روى أبو بكر بن أبي داود بإسناده إلى إياس بن معاوية قال ما أدركت أحدا أفضله على حفصة، يعني بنت سيرين، فقيل له الحسن وابن سيرين، فقال أما أنا فلا أفضل عليها أحدا وقال أبو بكر ابن أبي داود سيدتا التابعين من النساء
(2/163)
حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن، وثالثتهما وليست كهما أم الدرداء، يريد الصغرى، واسمها هجيمة، ويقال جهيمة فأما أم الدرداء الكبرى، فهي صحابية واسمها خيرة
... وفي الكبار الفقهاء السبعه ... خارجة القاسم ثم عروه
825.... ثم سليمان عبيد الله ... سعيد والسابع ذو اشتباه
... إما أبو سلمة أو سالم ... أو فأبو بكر خلاف قائم
من المعدودين في أكابر التابعين، الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وهم: خارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن، فهؤلاء هم الفقهاء السبعة عند أكثر علماء الحجاز كما قال الحاكم، وجعل ابن المبارك: سالم بن عبد الله بن عمر مكان أبي سلمة بن عبد الرحمن، فقال: كان فقهاء أهل المدينة الذين يصدرون عن آرائهم سبعة، فذكرهم. وذكرهم أبو الزناد، فجعل أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث مكان أبي سلمة، أو سالم، فروى ابنه عبد الرحمن عنه، قال: أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم فذكرهم، وقال: هم أهل فقه وصلاح وفضل.
(2/164)
وقد بلغ بهم يحيى بن سعيد: اثني عشر فنقص وزاد، فروى علي بن المديني عنه، قال: فقهاء أهل المدينة اثنا عشر: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة والقاسم بن محمد، وسالم وحمزة وزيد وعبيد الله وبلال بنو عبد الله بن عمر، وأبان بن عثمان بن عفان، وقبيصة بن ذؤيب وخارجة وإسماعيل ابنا زيد بن ثابت.
827.... والمدركون جاهلية فسم ... مخضرمين كسويد في أمم
المخضرمون من التابعين بفتح الراء وهم الذين أدركوا الجاهلية وحياة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليست لهم صحبة، ولم يشترط بعض أهل اللغة نفي الصحبة قال صاحب المحكم رجل مخضرم إذا كان نصف عمره في الجاهلية، ونصفه في الإسلام فمقتضى هذا أن حكيم بن حزام، ونحوه مخضرم، وليس كذلك من حيث الاصطلاح؛ وذلك لأنه متردد بين طبقتين لا يدرى من أيتهما هو، فهذا هو مدلول الخضرمة، قال صاحبا المحكم والصحاح لحم مخضرم، لا يدرى من ذكر هو أو من أنثى انتهى، فكذلك المخضرمون مترددون بين الصحابة للمعاصرة وبين التابعين، لعدم الرؤية، وفي كلام ابن حبان في صحيحه موافقة لكلام صاحب المحكم، فإنه قال والرجل إذا كان في الكفر له ستون سنة، وفي الإسلام ستون سنة يدعى مخضرما؛ لكنه ذكر ذلك عند ذكر أبي عمرو الشيباني، وإنه
كان من المخضرمين فكأنه أراد ممن ليست له صحبة
(2/165)
وحكى الحاكم عن بعض مشايخه أن اشتقاق ذلك من أن أهل الجاهلية كانوا يخضرمون آذان الإبل، أي يقطعونها؛ لتكون علامة لإسلامهم إن أغير عليها أو حوربوا انتهى فعلى هذا يحتمل أن يكون المخضرم - بكسر الراء -كما حكاه فيه بعض أهل اللغة؛ لأنهم خضرموا آذان الإبل، ويحتمل أن يكون بالفتح وأنه اقتطع عن الصحابة وإن عاصر لعدم الرؤية، والله أعلم
وذكر أبو موسى المديني في الصحابة نحو ما حكاه الحاكم عن بعض شيوخه، فقال فيه فسموا مخضرمين، قال وأهل الحديث يفتحون الراء، وأغرب ابن خلكان، فقال قد سمع محضرم بالحاء المهملة وكسر الراء أيضا
وقولي كسويد أي ابن غفلة، في أمم أي في جماعات، وقد عدهم مسلم بن الحجاج فبلغ بهم عشرين، وهم أبو عمرو سعد بن إياس الشيباني، وسويد بن غفلة، وشريح بن هانئ، ويسير بن عمرو بن جابر، وعمرو بن ميمون الأودي، والأسود بن يزيد النخعي، والأسود بن هلال المحاربي، والمعرور بن سويد، وعبد خير بن يزيد الخيواني، وشبيل بن عوف الأحمسي، ومسعود بن
(2/166)
خراش أخو ربعي، ومالك بن عمير، وأبو عثمان النهدي، وأبو رجاء العطاردي، وغنيم بن قيس، وأبو رافع الصائغ، وأبو الحلال العتكي واسمه ربيعة بن زرارة، وخالد بن عمير العدوي، وثمامة بن حزن القشيري، وجبير بن نفير الحضرمي، وممن لم يذكره مسلم أبو مسلم الخولاني، والأحنف بن قيس، وعبد الله بن عكيم، وعمرو بن عبد الله بن الأصم، وأبو أمية الشعباني
... وقد يعد في الطباق التابع ... في تابعيهم إذ يكون الشائع
829.... الحمل عنهم كأبي الزناد ... والعكس جاء وهو ذو فساد
أي قد يعد من صنف في الطبقات بعض التابعين في أتباع التابعين؛ لكون الغالب عليه والشائع عنه روايته عن التابعين، وحمله عنهم كأبي الزناد عبد الله بن ذكوان
قال خليفة بن خياط طبقة عددهم عند الناس في أتباع التابعين، وقد لقوا الصحابة، منهم أبو الزناد، وقد لقي عبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبا أمامة بن سهل بن حنيف، وقال الحاكم نحوه، وزاد أنه أدخل على جابر بن عبد الله أيضا وقال العجلي تابعي ثقة سمع من أنس بن مالك، وذكره مسلم في الطبقة الثالثة من التابعين، وكذا ذكره ابن حبان في طبقة التابعين
(2/167)
ومثل الحاكم أيضا بموسى بن عقبة، فقال وقد أدرك أنس بن مالك، وأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص وقال ابن حبان إنه أدرك عبد الله بن عمر، وسهل بن سعد
وقولي والعكس جاء أي وقد عد بعضهم في التابعين من هو من أتباع التابعين، وذلك صنيع فاسد وخطأ ممن صنعه قال الحاكم طبقة تعد في التابعين، ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة، منهم إبراهيم بن سويد النخعي، ولم يدرك أحدا من الصحابة، قال وليس هذا بإبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه، وبكير بن أبي السميط، لم يصح له عن أنس رواية، إنما أسقط قتادة من الوسط، قلت هو بفتح السين وكسر الميم كذا ضبطه ابن ماكولا وغيره قال الحاكم وبكير بن عبد الله بن الأشج لم يثبت سماعه من عبد الله بن الحارث بن جزء، وإنما رواياته عن التابعين وثابت ابن عجلان الأنصاري، لم يصح سماعه من ابن عباس، إنما يروي عن عطاء وسعيد بن جبير عن ابن عباس، وسعيد بن عبد الرحمن الرقاشي، وأخوه واصل أبو حرة، لم يثبت سماع واحد منهما من أنس انتهى كلام الحاكم وفيه نظر من وجوه
(2/168)
الأول قوله في بكير بن الأشج إنما رواياته عن التابعين، قلت قد روى عن السائب بن يزيد، وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، ومحمود بن لبيد، كما ذكره المزي وغيره، وهم معدودون في الصحابة؛ ولكن ذكره ابن حبان في أتباع التابعين
الثاني ثابت بن عجلان، روى عن أبي أمامة الباهلي، وأنس بن مالك فيما ذكره المزي وغيره؛ ولكن قال ابن حبان ما أرى سماعه من أنس بصحيح وذكره في طبقة أتباع التابعين أيضا
الثالث قوله سعيد بن عبد الرحمن الرقاشي وأخوه واصل أبو حرة، وهم الحاكم في نسبة سعيد أنه الرقاشي، وأنه أخو أبي حرة الرقاشي، وليس واحد منهما رقاشيا، وأبو حرة الرقاشي اسمه حنيفة وأما واصل فليس بأبي حرة الرقاشي، وقد وهم فيه أيضا عبد الغني المقدسي في الكمال فنسب واصلا أبا حرة
الرقاشي، وغلطه المزي وقد ذكر ابن حبان في أتباع التابعين سعيد بن
(2/169)
عبد الرحمن البصري، وأخاه واصلا أبا حرة البصري، وقال أمهما برة مولاة لبني سليم
... وقد يعد تابعيا صاحب ... كابني مقرن ومن يقارب
قد يعد بعض الصحابة في طبقة التابعين، إما لغلط من بعض المصنفين، كما عد الحاكم في الأخوة من التابعين النعمان وسويدا ابني مقرن المزني، وهما صحابيان معروفان من جملة المهاجرين، كما سيأتي في نوع الأخوة والأخوات. وإما لكون ذلك الصحابي من صغار الصحابة، يقارب التابعين في كون روايته أو غالبها عن الصحابة، كما عد مسلم في " الطبقات " يوسف بن عبد الله بن سلام، ومحمود بن لبيد في التابعين، وإلى هذا الإشارة بقولي: ومن يقارب، أي: ومن يقارب التابعين في طبقتهم، والله أعلم.
وقد يعد بعض التابعين في الصحابة وكثيرا ما يقع ذلك فيمن يرسل من التابعين، كما عد محمد بن الربيع الجيزي عبد الرحمن بن غنم الأشعري فيمن دخل مصر من الصحابة، وهو وهم منه على أن الإمام أحمد قد أخرج حديثه في المسند، وذكر ابن
(2/170)
يونس أيضا: أن له صحبة. وكذا حكى ابن منده عن يحيى بن بكير، والليث، وابن لهيعة.
رواية الأكابر عن الأصاغر
831.... وقد روى الكبير عن ذي الصغر ... طبقة وسنا او في القدر
... أو فيهما ومنه أخذ الصحب ... عن تابع كعدة عن كعب
الأصل في هذا الباب رواية النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تميم الداري حديث الجساسة، وهو عند مسلم. ثم إن رواية الأكابر عن الأصاغر على أضرب منها:
أن يكون الراوي أقدم طبقة وأكبر سنا من المروي عنه، كرواية الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، عن مالك بن أنس.
(2/171)
ومنها: أن يكون الراوي أكبر قدرا من المروي عنه لعلمه وحفظه، كرواية مالك، وابن أبي ذئب عن عبد الله بن دينار، وأشباهه، ورواية أحمد، وإسحاق عن عبيد الله بن موسى العبسي.
ومنها: أن يكون الراوي أكبر من الوجهين معا، كرواية عبد الغني بن سعيد، عن محمد بن علي الصوري، وكرواية أبي بكر الخطيب، عن أبي نصر ابن ماكولا، ونحو ذلك.
وقولي: (ومنه أخذ الصحب) أي: ومن هذا النوع، وهو رواية الأكابر عن الأصاغر، رواية الصحابة عن التابعين، كرواية العبادلة الأربعة، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان وأنس بن مالك، عن كعب الأحبار، وكرواية التابعين عن أتباع التابعين، كما تقدم من رواية الزهري، ويحيى بن سعيد عن مالك، ومثل ابن الصلاح أيضا بعمرو ابن شعيب، فقال: ((لم يكن من التابعين، وروى عنه أكثر من عشرين نفسا من التابعين)) . هكذا قال: إنه ليس من التابعين، وتبع في ذلك أبا بكر النقاش، فإنه
قال: لم يكن من التابعين، وقد روى عنه عشرون رجلا من التابعين، وحكاه عبد الغني ابن سعيد، وأقره على كونه ليس من التابعين، ثم قال: جمعتهم ووجدت زيادة على العشرين، ثم عدهم فبلغ بهم تسعة وثلاثين رجلا.
قلت: وعمرو بن شعيب - وإن عده غير واحد في أتباع التابعين - فهو من التابعين، فقد سمع من زينب بنت أبي سلمة، والربيع بنت معوذ بن عفراء ولهما صحبة، وقد حكى المزي كلام عبد الغني، فجعله عن الدارقطني، قال: وكان الدارقطني قد
(2/172)
وافقه على أنه ليس من التابعين، وليس كذلك. انتهى. وقول ابن الصلاح: ((روى عنه أكثر من عشرين من التابعين جمعهم عبد الغني)) ، ليس بجيد، فإنه قد بلغ بهم تسعة وثلاثين رجلا، كما تقدم. قلت: وقد جمعتهم في جزء فبلغت بهم فوق الخمسين، قال ابن الصلاح: وقرأت بخط الحافظ أبي محمد الطبسي: أنه روى عنه نيف وسبعون رجلا من التابعين، والله أعلم. ومن فائدة معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر تنزيل أهل العلم منازلهم، وقد روى أبو داود من حديث عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((أنزلوا الناس منازلهم)) .
رواية الأقران
833.... والقرنا من استووا في السند ... والسن غالبا وقسمين اعدد
... مدبجا وهو إذا كل أخذ ... عن آخر وغيره انفراد فذ
(2/173)
القرينان: من استويا في الإسناد والسن غالبا، والمراد بالاستواء في ذلك على المقاربة، كما قال الحاكم: ((إنما القرينان إذا تقارب سنهما وإسنادهما)) . وقولي: (غالبا) متعلق بالسن فقط، إشارة إلى أنهم قد يكتفون بالإسناد دون السن، قال ابن الصلاح: ((وربما اكتفى الحاكم بالتقارب في الإسناد، وإن لم يوجد التقارب في السن)) .
ثم إن رواية الأقران تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما يسمونه المدبج - بضم الميم وفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة وآخره جيم - وذلك: أن يروي كل واحد من القرينين عن الآخر، وبذلك سماه الدارقطني وجمع فيه كتابا حافلا في مجلد.
ومثاله في الصحابة: رواية أبي هريرة عن عائشة، ورواية عائشة عنه، وفي التابعين: رواية الزهري عن أبي الزبير، ورواية أبي الزبير عنه، وفي أتباع التابعين: رواية مالك عن الأوزاعي، ورواية الأوزاعي عنه، وفي أتباع الأتباع: رواية أحمد عن علي بن المديني، ورواية ابن المديني عنه. وتمثيل الحاكم هذا بأحمد وعبد الرزاق ليس بجيد.
والقسم الثاني من رواية الأقران: ما ليس بمدبج، وهو أن يروي أحد القرينين عن الآخر، ولا يروي الآخر عنه فيما يعلم، ومثاله رواية سليمان التيمي عن مسعر، قال الحاكم: ولا أحفظ لمسعر عن سليمان رواية. وقد يجتمع جماعة من الأقران في
(2/174)
حديث واحد، كحديث رواه أحمد بن حنبل عن أبي خيثمة زهير بن حرب، عن يحيى بن معين، عن علي بن المديني، عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: ((كن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذن من شعورهن حتى يكون كالوفرة)) . وأحمد والأربعة فوقه خمستهم أقران، كما قال الخطيب.
وقولي: (وقسمين) مفعول مقدم لاعدد، و (مدبجا) بدل من قسمين، وغيره منصوب عطفا على: مدبجا تقديره. واعدد ذلك قسمين مدبجا، وغير مدبج، و (انفراد) خبر مبتدأ محذوف، أي: وهو انفراد، (فذ) أي: انفراد أحد القرينين عن الآخر.
الإخوة والأخوات
835.... وأفردوا الأخوة بالتصنيف ... فذو ثلاثة بنو حنيف
... أربعة أبوهم السمان ... وخمسة أجلهم سفيان
(2/175)
837.... وستة نحو بني سيرينا ... واجتمعوا ثلاثة يروونا
... وسبعة بنو مقرن، وهم ... مهاجرون ليس فيهم عدهم
839.... والأخوان جملة كعتبة ... أخي ابن مسعود هما ذو صحبة
قد أفرد أهل الحديث هذا النوع بالتصنيف، وهو معرفة الأخوة من العلماء
والرواة، فصنف فيه علي بن المديني ومسلم بن الحجاج، وأبو داود والنسائي، وأبو العباس السراج
فمثال الأخوة الثلاثة سهل وعباد وعثمان بنو حنيف مصغرا ولا يضر عند أهل العلم بالقوافي فتح نونه في مقابلة كسر نون التصنيف، قال حسان بن ثابت
صلى الإله على الذين تتابعوا ... يوم الرجيع فأكرموا وأثيبوا
رأس السرية مرثد وأميرهم ... وابن البكير أمامهم وخبيب
ومثال الأربعة أولاد أبي صالح السمان، وهم سهيل ومحمد وصالح وعبد الله الذي يقال له عباد، وفي الكامل لابن عدي إنه ليس في أولاد أبي صالح من اسمه محمد؛ إنما هو سهيل وعباد وعبد الله ويحيى وصالح بنو أبي صالح وليس فيهم محمد انتهى فأبدل يحيى بمحمد، وجعل عبادا وعبد الله اثنين، وهو وهم، وسيجيء في فصل الألقاب أن أحمد ويحيى وأبا داود في آخرين، قالوا إن عبد الله هو عباد، ومما
(2/176)
يستغرب في الأخوة الأربعة بنو راشد أبي إسماعيل السلمي، ولدوا في بطن واحد وكانوا علماء، وهم محمد وعمر وإسماعيل ولم يسم البخاري والدارقطني الرابع، ومثال الخمسة سفيان بن عيينة وأخوته آدم وعمران ومحمد وإبراهيم، وقد حدثوا كلهم
وقولي أجلهم أي في العلم، واقتصر ابن الصلاح على كونهم خمسة؛ لكونهم هم الذين رووا، وإلا فقد ذكر غير واحد أن أولاد عيينة عشرة
ومثال الستة بنو سيرين، كلهم من التابعين، وهم محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة، هكذا سماهم يحيى بن معين، والنسائي في الكنى، والحاكم في علوم الحديث؛ ولكنه نقل في التاريخ عن أبي علي الحافظ تسميتهم فزاد فيهم خالد بن سيرين مكان كريمة، فالله أعلم، وذكر ابن سعد في الطبقات عمرة بنت سيرين، وسودة بنت سيرين، أمهما أم ولد كانت لأنس بن مالك؛ ولكن لم أر من ذكر لهاتين رواية، فلا يردان على ابن الصلاح
وقولي واجتمعوا ثلاثة يروون أي اجتمع منهم ثلاثة في إسناد حديث واحد، يروي بعضهم عن بعض، وقد يطارح بذلك، فيقال أي ثلاثة أخوة روى بعضهم عن بعض أو يقيد السؤال بكونهم في حديث واحد وذلك فيما رواه الدارقطني في كتاب العلل بإسناده من رواية هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أخيه يحيى بن سيرين، عن أخيه أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبيك حجا حقا تعبدا ورقا وذكر محمد بن طاهر المقدسي في بعض تخاريجه أن هذا الحديث رواه محمد بن سيرين عن أخيه
(2/177)
يحيى بن سيرين، عن أخيه معبد، عن أخيه أنس بن سيرين فعلى هذا اجتمع منهم أربعة في إسناد واحد، وهو غريب
ومثال السبعة بنو مقرن المزني وهم النعمان، ومعقل، وعقيل، وسويد، وسنان، وعبد الرحمن، قال ابن الصلاح وسابع لم يسم لنا
قلت قد سماه ابن فتحون في ذيل الاستيعاب عبد الله بن مقرن، وذكر أنه كان على ميسرة أبي بكر في قتال الردة، وأن الطبري ذكره كذلك، وذكر ابن فتحون قولا أن بني مقرن عشرة، فالله أعلم
وذكر الطبري أيضا في الصحابة ضرار بن مقرن، حضر فتح الحيرة، وذكر ابن عبد البر ضرار بن مقرن خلف أخاه لما قتل بنهاوند
(2/178)
ومثال السبعة في التابعين بنو عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهم سالم،
وعبد الله، وحمزة، وعبيد الله، وزيد، وواقد، وعبد الرحمن
ومثال الأخوين كثير في الصحابة ومن بعدهم، كعبد الله بن مسعود، وعتبة بن مسعود، كلاهما صحابي
ومما يستغرب في الأخوين أن موسى بن عبيدة الربذي بينه وبين أخيه عبد الله ابن عبيدة في العمر ثمانون سنة
قال ابن الصلاح ولم نطول بما زاد على السبعة لندرته، ولعدم الحاجة إليه في غرضنا هنا قلت وأكثر ما رأيت من الأخوة الذكور المشهورين عشرة، ومنهم بنو العباس بن عبد المطلب، وهم الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، وعبد الرحمن، وقثم، ومعبد، وعون، والحارث، وكثير، وتمام وكان أصغرهم وكان العباس يحمله ويقول
تموا بتمام فصاروا عشره
يارب فاجعلهم كراما برره
واجعل لهم ذكرا وانم الثمره
وكان له ثلاث إناث أم كلثوم، وأم حبيب، وأميمة
(2/179)
ومنهم بنو عبد الله بن أبي طلحة، وقد سماهم ابن عبد البر وغيره عشرة وسماهم ابن الجوزي اثني عشر، وهم القاسم، وعمير، وزيد، وإسماعيل، ويعقوب، وإسحاق، ومحمد، وعبد الله، وإبراهيم، وعمر، ويعمر، وعمارة، قال أبو نعيم وكلهم حمل عنه العلم
رواية الآباء عن الأبناء وعكسه
... وصنفوا فيما عن ابن أخذا ... أب كعباس عن الفضل كذا
841.... وائل عن بكر ابنه والتيمي ... عن ابنه معتمر في قوم
صنف أبو بكر الخطيب كتابا في رواية الآباء عن الأبناء، روى فيه من حديث العباس بن عبد المطلب عن ابنه الفضل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الصلاتين بالمزدلفة وذكر أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب التلقيح أن العباس روى عن ابنه عبد الله حديثا
(2/180)
وكذلك روى وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل ثمانية أحاديث، منها في السنن الأربعة حديثه عن ابنه عن الزهري عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولم على صفية بسويق وتمر
ومنها ما رواه الخطيب من طريق ابن عيينة عن وائل بن داود عن ابنه بكر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخروا الأحمال فإن اليد معلقة، والرجل موثقة قال الخطيب لا يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما نعلمه إلا من جهة بكر وأبيه
(2/181)
وكذلك روى سليمان التيمي عن ابنه معتمر حديثين، وقد روى الخطيب من رواية معتمر بن سليمان التيمي، قال حدثني أبي، قال حدثتني أنت عني، عن أيوب، عن الحسن، قال ويح كلمة رحمة، قال ابن الصلاح وهذا ظريف يجمع أنواعا
(2/182)
وقولي في قوم أي في جماعة رووا عن أبنائهم، فروى أنس بن مالك عن ابنه غير مسمى حديثا، وروى زكريا بن أبي زائدة عن ابنه حديثا وروى يونس بن أبي إسحاق، عن ابنه إسرائيل حديثا، وروى أبو بكر بن عياش عن ابنه إبراهيم حديثا وروى شجاع بن الوليد، عن ابنه أبي هشام الوليد حديثا وروى عمر بن يونس اليمامي، عن ابنه حديثا وروى سعيد بن الحكم المصري، عن ابنه محمد حديثا وروى إسحاق بن البهلول، عن ابنه يعقوب حديثين وروى كثير بن يعقوب البصري، عن ابنه يحيى حديثا وروى يحيى بن جعفر بن أعين، عن ابنه الحسين حديثين، وروى علي بن حرب الطائي عن ابنه الحسن حديثا وروى محمد بن يحيى الذهلي، عن ابنه يحيى حديثا وروى أبو داود السجستاني، عن ابنه أبي بكر عبد الله حديثين وروى علي بن الحسن بن أبي عيسى الدرابجردي، عن ابنه الحسن حديثا وروى الحسن بن سفيان، عن ابنه أبي بكر حديثين وروى أحمد بن شاهين، عن ابنه محمد حديثا وروى أبو بكر بن أبي عاصم عن ابنه عبد الرحمن حديثا وروى عمر بن محمد السمرقندي، عن ابنه محمد حديثا وروى محمد بن عبد الله بن أحمد الصفار، عن ابنه أبي بكر أبياتا قالها وروى أبو الشيخ ابن حيان، عن ابنه عبد الرزاق حكاية وروى الحافظ أبو سعد بن السمعاني، عن ابنه عبد الرحيم في ذيل تاريخ بغداد وروى قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، عن ابنه قاضي القضاة عز الدين حكاية عجيبة
(2/183)
قال ابن الصلاح وأكثر ما رويناه لأب عن ابنه، ما روينا في كتاب الخطيب عن أبي عمر حفص بن عمر الدوري المقرئ عن ابنه أبي جعفر محمد ستة عشر حديثا، أو نحو ذلك
... أما أبو بكر عن الحمراء ... عائشة في الحبة السوداء
843.... فإنه لابن أبي عتيق ... وغلط الواصف بالصديق
قال ابن الصلاح وأما الحديث الذي رويناه عن أبي بكر الصديق، عن عائشة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الحبة السوداء شفاء من كل داء فهو غلط ممن رواه، إنما هو عن أبي بكر بن أبي عتيق، عن عائشة، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق قلت وهكذا رواه البخاري في صحيحه، وفيه التصريح بأنه ابن أبي عتيق؛ ولكن ذكر ابن الجوزي في التلقيح أن أبا بكر الصديق روى عن ابنته عائشة حديثين قال وروت أم رومان عن ابنتها عائشة حديثين، وأبو عتيق هذا، وآباؤه هم الذين قال فيهم موسى بن عقبة لا نعلم أربعة أدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا هؤلاء الأربعة، فذكر أبا بكر الصديق وأباه وابنه عبد الرحمن وابنه محمدا أبا عتيق
(2/184)
.. وعكسه صنف فيه الوائلي ... وهو معال للحفيد الناقل
صنف أبو النصر الوائلي كتابا في رواية الأبناء عن الآباء. ورواية الرجل عن أبيه عن جده من المعالي، كما أخبرني الحافظ أبو سعيد خليل بن العلائي بقراءتي عليه ببيت المقدس، قال: أخبرنا محمد بن يوسف، قال: أخبرنا الإمام أبو عمرو بن الصلاح، قال: حدثني أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد السمعاني، عن عبد الرحمن ابن عبد الجبار الفامي، قال: سمعت أبا القاسم منصور بن محمد العلوي، يقول: الإسناد بعضه عوال، وبعضه معال. وقول الرجل: حدثني أبي عن جدي من المعالي.
845.... ومن أهمه إذا ما أبهما ... الأب أو جد وذاك قسما
... قسمين عن أب فقط نحو أبي ... العشرا عن أبه عن النبي
847.... واسمهما على الشهير فاعلم ... أسامة بن مالك بن قهطم
ومن أهم هذا النوع، وهو رواية الأبناء عن الآباء، ما إذا أبهم اسم الأب أو الجد، فلم يسم بل اقتصر على كونه أبا للراوي، أو جدا له، فيحتاج حينئذ إلى معرفة اسمه وينقسم ذلك إلى قسمين
(2/185)
أحدهما أن تكون الرواية عن أبيه فقط دون جده كرواية أبي العشراء الدارمي، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عند أصحاب السنن الأربعة، فإن أباه لم يسم في طرق الحديث، واختلف في اسم أبي العشراء، واسم أبيه على أقوال
أحدها وهو الأشهر، كما قال ابن الصلاح إنه أسامة بن مالك بن قهطم وهو بكسر القاف، فيما نقله ابن الصلاح من خط البيهقي وغيره وقيل قحطم بالحاء المهملة موضع الهاء
والثاني أن اسمه عطارد بن برز، بتقديم الراء على الزاي، واختلف في الراء، هل هي ساكنة أو مفتوحة؟ وقيل اسم أبيه بلز باللام مكان الراء
والثالث اسمه يسار بن بلز بن مسعود
(2/186)
.. والثان أن يزيد فيه بعده ... كبهز او عمرو أبا أو جده
849.... والأكثر احتجوا بعمرو حملا ... له على الجد الكبير الأعلى
أي والقسم الثاني من رواية الأبناء أن يزيد فيه بعد ذكر الأب أبا آخر فيكون جدا للأول، أو يزيد جدا للأب
فمثال زيادة الأب رواية بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فحكيم هو ابن معاوية بن حيدة القشيري فالصحابي هو معاوية، وهو جد بهز
ومثال زيادة الجد رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وشعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فالصحابي هو عبد الله بن عمرو، وهو جد شعيب
وفي البيت المذكور لف ونشر وتقديم وتأخير، تقديره والثاني أن يزيد بعد الأب أبا كبهز بن حكيم، أو جدا كعمرو بن شعيب
ولعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نسخة كبيرة قد اختلف في الاحتجاج بها على أقوال
أحدها أنها حجة مطلقا إذا صح السند إليه، قال البخاري رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وأبا عبيد، وعامة أصحابنا، يحتجون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ما تركه أحد من المسلمين قال البخاري فمن الناس بعدهم؟ زاد في رواية والحميدي وقال مرة اجتمع علي ويحيى
(2/187)
ابن معين وأحمد، وأبو خيثمة، وشيوخ من أهل العلم، فتذاكروا حديث عمرو بن شعيب فثبتوه وذكروا أنه حجة وروي عن أحمد ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، خلاف ما نقله البخاري عنهم، مما يقتضي تضعيف روايته عن أبيه عن جده، وقال أحمد ابن سعيد الدارمي احتج أصحابنا بحديثه، قال ابن الصلاح احتج أكثر أهل الحديث بحديثه حملا لمطلق الجد على الصحابي عبد الله بن عمرو دون ابنه محمد والد شعيب، لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك
والقول الثاني ترك الاحتجاج بها، وهو قول أبي داود فيما رواه أبو عبيد الآجري عنه قال قيل له عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجة عندك؟ قال لا، ولا نصف حجة، وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين، قال روايته عن أبيه عن جده كتاب فمن ههنا جاء ضعفه، وقال ابن عدي إن روايته عن أبيه عن جده مرسلة؛ لأن جده محمدا لا صحبة له وقال ابن حبان في الضعفاء بعد ذكره لعمرو إنه ثقة إذا روى عن الثقات غير أبيه، وإذا روى عن أبيه عن جده، فإن
(2/188)
شعيبا لم يلق عبد الله فيكون منقطعا، وإن أراد جده الأدنى محمدا، فهو لا صحبة له فيكون مرسلا قلت قد صح سماع شعيب من عبد الله بن عمرو، كما صرح به البخاري في التاريخ وأحمد، وكما رواه الدارقطني، والبيهقي في السنن بإسناد صحيح
والقول الثالث التفرقة بين أن يفصح بجده أنه عبد الله أو لا وهو قول الدارقطني حيث قال لعمرو بن شعيب ثلاثة أجداد الأدنى منهم محمد، والأوسط عبد الله، والأعلى عمرو وقد سمع يعني شعيبا من محمد، ومحمد لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسمع من جده عبد الله، فإذا بينه وكشفه فهو صحيح حينئذ، ولم يترك حديثه أحد من الأئمة، ولم يسمع من جده عمرو انتهى، فإذا قال عن جده عبد الله بن عمرو فهو صحيح حينئذ، وكذلك إذا قال عن جده، قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك مما يدل على أن مراده عبد الله لا محمد وفي السنن عدة أحاديث كذلك
والقول الرابع التفرقة بين أن يستوعب ذكر آبائه بالرواية، أو يقتصر على
أبيه عن جده، فإن صرح بهم كلهم، فهو حجة، وإلا فلا، وهو رأي أبي حاتم بن حبان البستي، وروى في صحيحه له حديثا واحدا، هكذا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن محمد بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه مرفوعا ألا
(2/189)
أحدثكم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ ... الحديث
قال الحافظ أبو سعيد العلائي في كتاب الوشي المعلم فيما قرأته عليه ببيت المقدس ما جاء فيه التصريح برواية محمد عن أبيه في السند، فهو شاذ نادر، قال وذكر بعضهم أن محمدا مات في حياة أبيه، وأن أباه كفل شعيبا، ورباه ثم قال شيخنا ولم يذكر أحد من المتقدمين محمدا في كتابه، ولا ترجم له قلت قد ترجم له ابن يونس في تاريخ مصر، وابن حبان في الثقات، قال ابن يونس روى عن أبيه، وروى عنه حكيم بن الحارث الفهمي في أخبار سعيد بن عفير، وابنه شعيب بن محمد والقول الأول أصح والضمير في قولي حملا له، يعود إلى جده المذكور في آخر البيت قبله
... وسلسل الآبا التميمي فعد ... عن تسعة قلت: وفوق ذا ورد
روى عبد الوهاب التميمي عن آبائه حتى عد تسعة آباء؛ وذلك فيما رويناه في
" تاريخ الخطيب " قال: حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن
(2/190)
الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة ابن عبد الله التميمي من لفظه، قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب، وقد سئل عن الحنان المنان، فقال الحنان: هو الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان: الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال. قال الخطيب بين أبي الفرج - يعني: عبد الوهاب - وبين علي في هذا الإسناد تسعة آباء آخرهم أكينة بن عبد الله، وهو الذي ذكر أنه سمع عليا - رضي الله عنه -.
وقد اقتصر ابن الصلاح فيما ذكره من التسلسل بالآباء على هذا العدد، وهو تسعة، وقد ورد التسلسل بأكثر من ذلك من هذا الوجه ومن غيره:
فأما من هذا الوجه فورد التسلسل فيه باثني عشر أبا في حديث مرفوع من طريق رزق الله بن عبد الوهاب التميمي المذكور. أخبرنا به جماعة منهم: شيخنا العلامة برهان الدين إبراهيم بن لاجين الرشيدي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق الأبرقوهي، قال: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد القلانسي قراءة عليه، وأنا حاضر بشيراز، أخبرنا عبد العزيز بن منصور بن محمد الآدمي قال: حدثنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، قال: سمعت أبي -أبا الفرج عبد الوهاب- يقول: سمعت أبي -أبا الحسن عبد العزيز- يقول: سمعت أبي - أبا بكر الحارث - يقول: سمعت أبي - أسدا - يقول: سمعت أبي - الليث - يقول: سمعت أبي - سليمان - يقول: سمعت أبي - الأسود - يقول: سمعت أبي - سفيان - يقول: سمعت أبي - يزيد - يقول: سمعت أبي - أكينة -
(2/191)
يقول: سمعت أبي - الهيثم - يقول: سمعت أبي - عبد الله - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما اجتمع قوم على ذكر إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة)) .
قال الحافظ أبو سعيد العلائي في " الوشي المعلم " فيما قرئ عليه وأنا أسمع: هذا إسناد غريب جدا، ورزق الله كان إمام الحنابلة في زمانه من الكبار المشهورين متقدما في عدة علوم، مات سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وأبوه أبو الفرج إمام مشهور أيضا؛ ولكن جده عبد العزيز متكلم فيه كثيرا، على إمامته، واشتهر بوضع الحديث، وبقية آبائه مجهولون لا ذكر لهم في شيء من الكتب أصلا، وقد تخبط فيهم عبد العزيز أيضا بالتغيير، أي: فزاد في الثاني أبا لأكينة، وهو الهيثم، وجعله من روايته عن أبيه عبد الله وجعله صحابيا فحصل التسلسل في هذا باثني عشر أيضا.
وقد وجدت التسلسل في عدة أحاديث، بأربعة عشر أبا من طريق أهل البيت، منها ما رواه الحافظ أبو سعد ابن السمعاني في " الذيل " قال: أخبرنا أبو شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي الإمام بقراءتي عليه، وأبو بكر محمد بن علي بن ياسر الجياني من لفظه، قالا: حدثنا السيد أبو محمد الحسين بن علي بن أبي طالب من لفظه ببلخ، قال حدثني سيدي والدي أبو الحسن علي بن أبي طالب سنة ست وستين وأربعمائة، قال: حدثني أبي - أبو طالب - الحسن بن عبيد الله سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، قال: حدثني والدي أبو علي عبيد الله بن محمد، قال: حدثني أبي - محمد بن عبيد الله - قال: حدثني أبي عبيد الله بن علي، قال حدثني أبي علي بن الحسن، قال: حدثني أبي - الحسن بن الحسين - قال: حدثني أبي - الحسين بن جعفر، وهو أول من دخل بلخ من هذه الطائفة قال: حدثني أبي - جعفر الملقب بالحجة، قال: حدثني أبي - عبيد الله -، قال: حدثني أبي - الحسين الأصغر -، قال: حدثني أبي - علي بن الحسين بن علي، عن أبيه عن جده علي - رضي الله عنه -
(2/192)
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس الخبر كالمعاينة)) . وهذا أكثر ما وقع لنا في عدة التسلسل بالآباء، والله أعلم.
السابق واللاحق
851.... وصنفوا في سابق ولاحق ... وهو اشتراك راويين سابق
852.... موتا كزهري وذي تدارك ... كابن دويد رويا عن مالك
853.... سبع ثلاثون وقرن وافي ... أخر كالجعفي والخفاف
صنف الخطيب كتابا سماه " السابق واللاحق "، وموضوعه: أن يشترك راويان في الرواية عن شخص واحد، وأحد الراويين متقدم، والآخر متأخر، بحيث يكون بين وفاتيهما أمد بعيد. قال ابن الصلاح: ومن فوائد ذلك تقرير حلاوة علو الإسناد في القلوب. ومثال ذلك: أن الإمام مالك بن أنس روى عنه أبو بكر الزهري أحد شيوخه، وروى عنه أيضا زكريا بن دويد الكندي، وقد تأخرت وفاة زكريا ابن دويد بعد موت الزهري مائة وسبعا وثلاثين سنة أو أكثر، فإن وفاة الزهري في سنة أربع وعشرين ومائة، وتأخر زكريا بن دويد إلى سنة نيف وستين ومائتين، قلت: هكذا مثل ابن الصلاح تبعا للخطيب بزكريا بن دويد، وهو وإن كان روى عن مالك،
(2/193)
فإنه أحد الكذابين قال ابن حبان: ((كان يضع الحديث، بل زاد وادعى أنه سمع من حميد الطويل، وروى عنه نسخة موضوعة)) . فلا ينبغي حينئذ أن يمثل به والصواب: أن آخر أصحاب مالك أحمد بن إسماعيل السهمي، كما قاله المزي، وكانت وفاة السهمي سنة تسع وخمسين ومائتين؛ فيكون بينه وبين وفاة الزهري مائة وخمس وثلاثون سنة، والسهمي وإن كان ضعيفا أيضا فإن أبا مصعب شهد له أنه كان يحضر معهم العرض على مالك.
وقولي: (أخر) أي: ابن دويد، وقولي: (كالجعفي والخفاف) أي: كما تقدمت وفاة محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري على وفاة أبي الحسين أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري، بهذا المقدار، وهو مائة وسبع وثلاثون سنة. وقد اشتركا في الرواية عن أبي العباس محمد بن إسحاق السراج، فروى عنه البخاري في "تاريخه" وآخر من روى عن السراج الخفاف، وتوفي البخاري سنة ست وخمسين ومائتين، وتوفي الخفاف سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، ومن أمثلة ذلك في زماننا: أن الفخر بن البخاري سمع منه الزكي عبد العظيم المنذري، وروى عنه جماعة موجودون بدمشق في هذه السنة، وهي سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، منهم: عمر بن الحسن بن مزيد المزي، ونجم الدين ابن النجم، وصلاح الدين إمام مدرسة الشيخ أبي عمر، وقد توفي الزكي عبد العظيم سنة ست وخمسين وستمائة.
(2/194)
من لم يرو عنه إلا راو واحد
854.... ومسلم صنف في الوحدان ... من عنه راو واحد لا ثان
855.... كعامر بن شهر او كوهب ... هو ابن خنبش وعنه الشعبي
856.... وغلط الحاكم حيث زعما ... بأن هذا النوع ليس فيهما
857.... ففي الصحيح أخرجا المسيبا ... وأخرج الجعفي لابن تغلبا
من أنواع علوم الحديث معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وصنف فيه مسلم كتابه المسمى بكتاب " المنفردات والوحدان "، وعندي به نسخة بخط محمد بن طاهر المقدسي، ولم يره ابن الصلاح كما ذكر.
ومثاله في الصحابة: عامر بن شهر الهمداني، ووهب بن خنبش الطائي، عدادهما في أهل الكوفة، تفرد الشعبي بالرواية عن كل واحد منهما فيما ذكره مسلم وغيره. وحديث عامر بن شهر في السنن لأبي داود، وهو وإن انفرد عنه الشعبي،
(2/195)
فهو مذكور في السير، فقد ذكر سيف، عن طلحة الأعلم، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن أول من اعترض على الأسود العنسي وكابره عامر بن شهر في ناحيته، وكان أحد عمال النبي - صلى الله عليه وسلم - على اليمن، وحديث وهب بن خنبش عند النسائي وابن ماجه. ووقع عند ابن ماجه في رواية له: هرم بن خنبش، وكذا ذكره الحاكم في "علوم الحديث" وتبعه أبو نعيم في " علوم الحديث " له أيضا. قال ابن الصلاح: ((وذلك خطأ)) . قال المزي: ((ومن قال: وهب أكثر وأحفظ؟)) . وقد مثل ابن الصلاح ذلك بأمثلة في الصحابة والتابعين، وعليه في كثير منها اعتراض أوضحتها في كتاب مفرد يتعلق بكتاب ابن الصلاح.
وقد زعم الحاكم في كتابه " المدخل إلى كتاب الإكليل " بأن أحدا من هذا القبيل لم يخرج عنه البخاري ومسلم في صحيحهما. وأشرت إلى ذلك بقولي: (ليس فيهما) أي: ليس في الصحيحين. وتبعه على ذلك البيهقي فقال في كتاب الزكاة من "
(2/196)
سننه " عند ذكر حديث بهز عن أبيه عن جده: ((ومن كتمها فإنا آخذوها وشطر ماله ... )) الحديث. ما نصه: ((فأما البخاري ومسلم فإنهما لم يخرجاه جريا على عادتهما في أن الصحابي أو التابعي إذا لم يكن له إلا راو واحد لم يخرجا حديثه في الصحيحين ... إلى آخر كلامه)) ، وغلط الحاكم في ذلك جماعة منهم: محمد بن طاهر والحازمي. ونقض ذلك عليه بأنهما أخرجا حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب مع أنه لا راوي له غير ابنه سعيد بن المسيب. وكذلك أخرج أبو عبد الله الجعفي البخاري حديث عمرو بن تغلب مرفوعا: ((إني لأعطي الرجل، والذي أدع أحب إلي)) . ولم يرو عن عمرو بن تغلب سوى الحسن البصري، فيما قاله مسلم في كتاب " الوحدان "، والحاكم في " علوم الحديث " وغيرهما. وقال ابن عبد البر: إنه روى عنه أيضا الحكم ابن الأعرج، ولم أر له رواية عنه في شيء من
(2/197)
طرق أحاديث عمرو بن تغلب؛ فلذلك مثلت به، ومثل ابن الصلاح بأمثلة في الصحيح، عليه فيها مؤاخذات فتركتها.
من ذكر بنعوت متعددة
858.... واعن بأن تعرف ما يلتبس ... من خلة يعنى بها المدلس
859.... من نعت راو بنعوت نحو ما ... فعل في الكلبي حتى أبهما
860.... محمد بن السائب العلامه ... سماه حمادا أبو أسامه
861.... وبأبي النضر بن إسحاق ذكر ... وبأبي سعيد العوفي شهر
هذا النوع لبيان من ذكر من الرواة بأنواع من التعريفات من الأسماء، أو الكنى، أو الألقاب، أو الأنساب: أما من جماعة من الرواة عنه يعرفه كل واحد بغير ما عرفه الآخر، أو من راو واحد عنه، فيعرفه مرة بهذا، ومرة بذاك، فيلتبس ذلك على من لا معرفة عنده، بل على كثير من أهل المعرفة والحفظ، وإنما يفعل ذلك كثيرا المدلسون.
وقد تقدم عند ذكر التدليس أن هذا أحد أنواع التدليس ويسمى: " تدليس الشيوخ "، وقد صنف في ذلك الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي كتابا نافعا سماه " إيضاح الإشكال " عندي به نسخة. وصنف فيه الخطيب البغدادي كتابا كبيرا
(2/198)
سماه: " الموضح لأوهام الجمع والتفريق "، بدأ فيه بأوهام البخاري في ذلك، وهو عندي بخط الخطيب.
فمن أمثلة ذلك: ما فعله الرواة عن محمد بن السائب الكلبي العلامة في الأنساب، أحد الضعفاء، فقد روى عنه: أبو أسامة حماد بن أسامة فسماه: حماد بن السائب وروى عنه: محمد بن إسحاق بن يسار فسماه مرة، وكناه مرة: بأبي النضر، ولم يسمه. وروى عنه: عطية العوفي فكناه: بأبي سعيد، ولم يسمه. فأما رواية أبي أسامة عنه، فرواها عبد الغني بن سعيد عن حمزة بن محمد، هو الكناني الحافظ، بسنده إلى أبي أسامة، عن حماد بن السائب، قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس مرفوعا: ((ذكاة كل مسك دباغه)) . ثم قال: ((قال لنا حمزة بن محمد: لا أعلم أحدا روى هذا الحديث عن حماد بن السائب غير أبي أسامة، وحماد هذا ثقة كوفي، وله حديث آخر عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، عن عبد الله في التشهد)) ، قال عبد الغني: ثم قدم علينا الدارقطني، فسألته عن هذا الحديث، وعن حماد بن السائب، فقال لي: الذي روى عنه أبو أسامة، هو محمد بن السائب الكلبي إلا أن أبا أسامة كان يسمه حمادا. قال عبد الغني: فتبين لي أن حمزة قد وهم من وجهين:
أحدهما: أن جعل الرجلين واحدا.
والآخر: أن وثق من ليس بثقة؛ لأن الكلبي عند العلماء غير ثقة، قال عبد الغني: ثم إني نظرت في كتاب " الكنى " لأبي عبد الرحمن النسوي، فوجدته قد وهم فيه وهما أقبح من
(2/199)
وهم حمزة، رأيته قد أخرج هذا الحديث عن أحمد بن علي، عن أبي معمر، عن أبي أسامة حماد بن السائب، وإنما هو عن حماد ابن السائب، فأسقط قوله: عن، وخفي عليه أن الصواب عن أبي أسامة حماد ابن أسامة، وأن حماد بن السائب هو الكلبي، قال عبد الغني: والدليل على صحة قول الدارقطني: أن عيسى بن يونس رواه عن الكلبي مصرحا به غير مخفيه. انتهى. وأما رواية ابن إسحاق عنه، فقال البخاري في " التاريخ الكبير ": ((روى محمد بن إسحاق عن أبي النضر، وهو الكلبي)) ، قال الخطيب - فيما قرأت بخطه -: وهذا القول صحيح. - قال -: فأما رواية ابن إسحاق، عن الكلبي التي كناه فيها، ولم يسمه ثم رواها بإسناده إلى محمد بن إسحاق، عن أبي النضر، عن باذان عن ابن عباس، عن تميم الداري في هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا شهدة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} وقصة جام الفضة.
(2/200)
وأما رواية عطية العوفي عنه، فروى الخطيب - فيما قرأت بخطه - في كتاب
" الموضح " قال: أخبرنا أبو سعيد الصيرفي، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الأصم، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثنا: أبي، قال: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي، فيأخذ عنه التفسير، قال: وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبو سعيد، وكان هشيم يضعف حديث عطية، وقال عبد الله: حدثني أبي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: سمعت سفيان الثوري، قال: سمعت الكلبي، قال كناني عطية أبا سعيد، قال الخطيب: إنما فعل ذلك ليوهم الناس أنه إنما يروي عن أبي سعيد الخدري. انتهى.
قلت: ومما دلس به الكلبي مما لم يذكره ابن الصلاح تكنيته بأبي هشام، وقد بينه الخطيب فقال - فيما قرأت بخطه -: وهو أبو هشام الذي روى عنه القاسم بن الوليد الهمداني، وكان للكلبي ابن يسمى هشاما، فكناه القاسم به في روايته عنه ثم روى بإسناده إلى القاسم بن الوليد، عن أبي هشام، عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: لما نزلت {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا} فذكر الحديث. ثم روى وجادة إلى ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عن هذا الحديث، فقال: أبو هشام هو الكلبي، وكان كنيته أبو النضر، وكان له ابن يقال له: هشام بن الكلبي، صاحب نحو وعربية، فكناه به. قال: وهو محمد بن السائب بن بشر الذي روى عنه ابن إسحاق. وقد
(2/201)
وهم البخاري في التفريق بينه وبين الكلبي؛ لأنه رجل واحد، بين نسبه محمد بن سعد، وخليفة بن خياط.
وقولي: (واعن) أي: اجعله من عنايتك، وقد تقدم قبل هذا نقلا عن الهروي وغيره، أنه يقال: عني بكذا وعني به، والخلة: بفتح الخاء المعجمة: الخصلة.
أفراد العلم
862.... واعن بالافراد سما أو لقبا ... أو كنية نحو لبي بن لبا
863.... أو مندل عمرو وكسرا نصوا ... في الميم أو أبي معيد حفص
العلم: هو ما يعرف به من جعل علامة عليه من الأسماء والكنى والألقاب فالاسم: ما وضع علامة على المسمى، والكنية: ما صدر بأب أو أم، واللقب: ما دل على رفعة أو ضعة.
(2/202)
ومعرفة أفراد الأعلام نوع من أنواع الحديث، صنف فيه جماعة، منهم: الحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي، صنف فيه كتابه المترجم " بالأسماء المفردة " وهو أول كتاب وضع في جمعها مفردة، وإلا فهي مفرقة في " تاريخ البخاري الكبير "، وكتاب " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم في أواخر الأبواب، وقد استدرك أبو عبد الله بن بكير وغيره على كتاب البرديجي في مواضع ليست أفرادا، بل هي مثان ومثالث فأكثر من ذلك، وفي مواضع ليست أسماء، وإنما هي ألقاب، كالأجلح لقب به لجلحة كانت به، واسمه يحيى، وقد مثل ابن الصلاح بجملة من الأسماء والكنى مرتبة على حروف المعجم وبعدة ألقاب، واقتصرت من ذلك على مثال واحد لكل قسم.
فمن أمثلة أفراد الأسماء: لبي بن لبا، صحابي من بني أسد، وكلاهما باللام والباء الموحدة، وهو وأبوه فردان، فالأول مصغر على وزن أبي بن كعب، والثاني مكبر على وزن فتى وعصا.
ومثال أفراد الألقاب: مندل بن علي العنزي، واسمه عمرو، ومندل لقب له وهو بكسر الميم، كما نص عليه الخطيب وغيره، قال ابن الصلاح: ((ويقولونه كثيرا بفتحها)) . انتهى.
ورأيت بخط الحافظ أبي الحجاج يوسف بن خليل الدمشقي نقلا عن خط الحافظ محمد بن ناصر: أن الصواب فيه فتح الميم.
(2/203)
ومثال الأفراد في الكنى: أبو معيد - بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وآخره دال مهملة - واسمه: حفص بن غيلان.
فقولي: (سما) - بضم السين - لغة في الاسم، وهو منصوب على التمييز. وقولي: (أو مندل) ، هو مجرور عطفا على (لبي) ، وكذلك قولي: (أبي معيد) . و (عمرو) و (حفص) : مرفوعان على الخبرية، لمبتدأ محذوف، أي: هو عمرو وهو حفص، (وكسرا) : نصب على نزع الخافض، أي: ونصوا على كسر في الميم.
الأسماء والكنى
864.... واعن بالاسماوالكنى وقد قسم ... الشيخ ذا لتسعاو عشر قسم
865.... من اسمه كنيته انفرادا ... نحو أبي بلال او قد زادا
866.... نحو أبي بكر بن حزم قد كني ... أبا محمد بخلف فافطن
(2/204)
867.... والثانمنيكنى ولااسماندري ... نحو أبي شيبة وهو الخدري
868.... ثم كنى الألقاب والتعدد ... نحو أبي الشيخ أبي محمد
869.... وابن جريج بأبي الوليد ... وخالد كني للتعديد
870.... ثم ذوو الخلف كنى وعلما ... أسماؤهم وعكسه وفيهما
871.... وعكسه وذو اشتهار بسم ... وعكسه أبو الضحى لمسلم
من فنون أصحاب الحديث: معرفة أسماء ذوي الكنى، ومعرفة كنى ذوي الأسماء، وتنبغي العناية بذلك، فربما ورد ذكر الراوي مرة بكنيته، ومرة باسمه فيظنهما من لا معرفة له بذلك رجلين، وربما ذكر الراوي باسمه وكنيته معا فتوهمه بعضهم رجلين، كالحديث الذي رواه الحاكم من رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن أبي الوليد، عن جابر مرفوعا: ((من صلى خلف الإمام، فإن قراء ته له قراءة)) ، قال الحاكم: ((عبد الله بن شداد هو نفسه
(2/205)
أبو الوليد)) ، بينه علي بن المديني. قال الحاكم: ((ومن تهاون بمعرفة الأسامي، أورثه مثل هذا الوهم)) . قلت: وربما وقع عكس ذلك كما تقدم قبله بنوع في قول النسائي: عن أبي أسامة حماد بن السائب. فوهم في ذلك، وإنما هو عن حماد بن السائب، وأبو أسامة إنما اسمه حماد بن أسامة، وحماد بن السائب هو محمد بن السائب الكلبي، والله أعلم.
ولقد بلغني عن بعض من درس في الحديث ممن رأيته أنه أراد الكشف عن ترجمة أبي الزناد، فلم يهتد إلى معرفة ترجمته من كتب الأسماء؛ لعدم معرفته باسمه مع كون اسمه معروفا عند المبتدئين من طلبة الحديث، وهو عبد الله بن ذكوان، وأبو الزناد لقب له، وكنيته: أبو عبد الرحمن.
وقد صنف في ذلك جماعة منهم: علي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والنسائي، وأبو بشر الدولابي، وأبو أحمد الحاكم، وأبو عمر بن عبد البر.
وكتاب أبي أحمد الحاكم أجل ما صنف في ذلك، وأكبره، فإنه يذكر فيه من عرف اسمه، ومن لم يعرف اسمه، وكتاب مسلم والنسائي لم يذكرا فيهما غالبا إلا من عرف اسمه غالبا.
(2/206)
والذين صنفوا في ذلك بوبوا الأبواب على الكنى، وبينوا أسماء أصحابها، إلا أن النسائي رتب حروف كتابه على ترتيب غريب ليس على ترتيب حروف المعجم المشهورة عند المشارقة، ولا على اصطلاح المغاربة، ولا على ترتيب حروف أبجد، ولا على ترتيب حروف كثير من أهل اللغة، ك" العين " و" المحكم "، وهذا ترتيبها: أل ب ت ث ي ن س ش ر ز د ذ ك ط ظ ص ض ف ق وه م ع غ ج ح خ، وقد نظمت ترتيبها في بيتين في أول كل كلمة منها حرف وهي:
إذا لم بي ترح ثوى يوم نأيهم ... سرت شمأل رقت زوت داء ذي كمد
طوت ظئر صدر ضاق في قيد وجده ... هدت من عمى غي جوى حرها خمد
وقد قسم ابن الصلاح معرفة الأسماء والكنى إلى عشرة أقسام من وجه وإلى تسعة أقسام من وجه آخر. فقولي: (لتسع او عشر) ليس ذلك للشك في كلام ابن الصلاح؛ ولكنه فرق ذلك في نوعين، وجمعتهما في نوع واحد فذكر في النوع الأول، وهو: النوع الموفي خمسين من كتابه. وهو "بيان أسماء ذوي الكنى" تسعة أقسام. ثم قال -في النوع الذي يليه-: وهو "معرفة كنى المعروفين بالأسماء"- وهذا من وجه ضد النوع الذي قبله - ومن شأنه أن يبوب على الأسماء ثم يبين كناها بخلاف ذلك، ومن وجه آخر يصلح لأن يجعل قسما من أقسام ذلك من حيث كونه قسما من أقسام أصحاب الكنى وقل من أفرده بالتصنيف، قال: وبلغنا أن لأبي حاتم بن حبان البستي فيه كتابا.
(2/207)
قلت: وإنما جمعته مع النوع الذي قبله؛ لأن الذين صنفوا في الكنى جمعوا النوعين معا: من عرف بالكنية، ومن عرف بالاسم.
القسم الأول: من اسمه كنيته، وهذا القسم ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: من لا كنية له، غير الكنية التي هي اسمه، وإليه أشرت بقولي: (انفرادا) أي: ليس له كنية إلا ذلك، ومثال ذلك أبو بلال الأشعري، وأبو حصين بن يحيى الرازي، فقال كل منهما: - اسمي وكنيتي - واحد. وكذا قال أبو بكر بن عياش المقرئ: ليس لي اسم غير أبي بكر. وقد اختلف في اسمه على أحد عشر قولا. وصحح أبو زرعة أن اسمه شعبة، وقد ذكره ابن الصلاح في القسم السادس وصحح أن اسمه كنيته، كما تقدم.
والقسم الثاني من القسم الأول: من له كنية أخرى زيادة على اسمه الذي هو كنيته، ومثاله أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، فقيل: اسمه أبو بكر، وكنيته أبو محمد. ونحوه: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، أحد الفقهاء السبعة، اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن على ما قاله ابن الصلاح. وذكر الخطيب: أنه لا
(2/208)
نظير لهذين الاسمين في ذلك، قال ابن الصلاح: ((وقد قيل: إنه لا كنية لابن حزم غير الكنية التي هي اسمه)) انتهى، وأشرت إلى هذا بقولي: (بخلف) أي: اختلف في تكنيته بأبي محمد.
والقسم الثاني من أصل التقسيم: من عرف بكنيته ولم نقف له على اسم فلم ندر هل اسمه كنيته كالأول، أو له اسم ولم نقف عليه؟ مثاله: أبو شيبة الخدري من الصحابة، مات في حصار القسطنطينية، ودفن هناك، وكأبي أناس -بالنون-، وأبي مويهبة من الصحابة أيضا، وكأبي بكر ابن نافع مولى ابن عمر، وأبي النجيب - بالنون -، وقيل: بالمثناة من فوق المضمومة مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأبي حرب بن أبي الأسود، وأبي حريز الموقفي.
والقسم الثالث: من لقب بكنية كأبي الشيخ ابن حيان، اسمه عبد الله بن محمد بن جعفر، وكنيته أبو محمد، وأبو الشيخ لقب له، وممن لقب بكنيته: أبو تراب علي بن
(2/209)
أبي طالب - رضي الله عنه -، وأبو الزناد، وأبو الرجال، وأبو تميلة، وأبو الآذان، وأبو حازم العبدوي.
والقسم الرابع: من له كنيتان فأكثر، وهو المراد بقولي: (والتعدد) أي: تعددت كنيته، وفي الكلام لف ونشر، أي: ثم كنى الألقاب كأبي الشيخ وكنى التعدد، كابن جريج، كني بأبي الوليد وبأبي خالد، وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وكان يقال: المنصور بن عبد المنعم الفراوي ذو الكنى؛ كان له ثلاث كنى: أبو بكر، وأبو الفتح، وأبو القاسم.
والقسم الخامس: من اختلف في كنيته على قولين، أو أقوال، وقد علم اسمه فلم يختلف فيه. قال ابن الصلاح: ((ولعبد الله بن عطاء الإبراهيمي الهروي من المتأخرين فيه مختصر؛ وذلك كأسامة بن زيد الحب، أبي زيد أو أبي محمد أو أبي عبد الله أو أبي خارجة، أقوال. وكأبي بن كعب أبي المنذر، وقيل: أبو الطفيل. وكقبيصة بن ذؤيب أبي إسحاق، وقيل: أبو سعيد. وكالقاسم بن محمد، أبي عبد الرحمن، وقيل: أبو محمد. وكسليمان بن بلال أبي أيوب، وقيل: أبو محمد.
قال ابن الصلاح: ((وفي بعض من ذكر في هذا القسم من هو في نفس الأمر ملتحق بالذي قبله)) ، وقولي: (كنى) ، في موضع نصب على التمييز.
(2/210)
والقسم السادس: عكس الذي قبله، وهو من اختلف في اسمه وعرفت كنيته فلم يختلف فيها: كأبي هريرة الدوسي، اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو عشرين قولا، قاله ابن عبد البر. وقال النووي: ثلاثين قولا، وذكر ابن إسحاق: أن اسمه عبد الرحمن بن صخر، وصححه أبو أحمد الحاكم في " الكنى "، والرافعي في " التذنيب "، والنووي، وآخرون.
وصحح الشيخ شرف الدين الدمياطي - أعلم المتأخرين بالأنساب -: أن اسمه عمير بن عامر. وكأبي بصرة الغفاري، اسمه حميل - بضم الحاء المهملة - مصغرا على الأصح، وقيل: بالجيم مكبرا. وكأبي جحيفة وهب، وقيل: وهب الله، وكأبي بردة بن أبي موسى الأشعري: عامر، عند الجمهور، وقال ابن معين:
(2/211)
الحارث. وكأبي بكر بن عياش المقرئ، وقد تقدم في القسم الأول.
والقسم السابع: من اختلف في كنيته واسمه معا، وإليه الإشارة بقولي: (وفيهما) ، ومثاله: سفينة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو لقب له، واسمه: عمير أو صالح أو مهران، أقوال، وكنيته أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو البختري.
والقسم الثامن: من لم يختلف في كنيته ولا في اسمه بل علما معا، وإليه أشرت بقولي في أول البيت الأخير: (وعكسه) أي: لم يختلف في واحد منهما؛ وذلك كأئمة المذاهب أبي حنيفة النعمان، وآباء عبد الله سفيان الثوري ومالك، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن محمد بن حنبل - رضي الله عنهم -.
والقسم التاسع: من اشتهر باسمه دون كنيته، وقولي: (بسم) - بضم السين - لغة في الاسم، وهي غير لغة القصر فيه.
وهذا القسم هو الذي أفرده ابن الصلاح بنوع على حدة، كطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، والحسن بن علي في آخرين. كنية كل واحد منهم أبو محمد، وكالزبير بن العوام، والحسين بن علي، وحذيفة، وسلمان، وجابر في آخرين، كنوا بأبي عبد الله، وكعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر في آخرين، كنوا بأبي
عبد الرحمن، وفي هذا النوع كثرة لا يحتاج مثله إلى مثال.
والقسم العاشر: عكس الذي قبله وهو من اشتهر بكنيته دون اسمه، كأبي الضحى: مسلم بن صبيح، وأبوه -بضم الصاد المهملة- وأبي إدريس الخولاني:
(2/212)
عائذ الله. وأبي إسحاق السبيعي: عمرو. وأبي حازم الأعرج سلمة، وخلق لا يحصون.
الألقاب
872.... واعن بالالقاب فربما جعل ... الواحد اثنين الذي منها عطل
873.... نحو الضعيف أي بجسمه ومن ... ضل الطريق باسم فاعل ولن
874.... يجوز ما يكرهه الملقب ... وربما كان لبعض سبب
875.... كغندر محمد بن جعفر ... وصالح جزرة المشتهر
مما تنبغي العناية به معرفة ألقاب المحدثين، والعلماء، ومن ذكر معهم، وربما
وهم العاطل من معرفة الألقاب، فجعل الرجل الواحد اثنين، إذ يكون قد ذكر مرة
باسمه، ومرة بلقبه. وقد وقع ذلك لجماعة من أكابر الحفاظ، منهم: علي بن المديني، وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش، فرقوا بين عبد الله بن أبي صالح أخي سهيل، وبين عباد بن أبي صالح، فجعلوهما اثنين. وقال الخطيب -فيما قرأت بخطه- في " الموضح ": ((وعبد الله بن أبي صالح، كان يلقب عبادا، وليس عباد بأخ له، اتفق على ذلك أحمد بن حنبل، ويحيى ابن معين، وأبو حاتم الرازي، وأبو داود السجستاني، وموسى بن هارون بن عبد الله البغدادي، ومحمد بن إسحاق السراج)) . وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في فصل الأخوة والأخوات.
(2/213)
وقد صنف في الألقاب جماعة من الحفاظ: أبو بكر الشيرازي، وأبو الفضل الفلكي، وأبو الوليد بن الدباغ، وأبو الفرج بن الجوزي، ومثال ذلك: الضعيف والضال، وإليه أشرت بقولي: (ومن ضل الطريق باسم فاعل) أي: من ضل، فحذف الجار والمجرور؛ لدلالة الكلام عليه، قال عبد الغني بن سعيد: رجلان جليلان لزمهما لقبان قبيحان: معاوية بن عبد الكريم الضال، وإنما ضل في طريق مكة،
وعبد الله بن محمد الضعيف، وإنما كان ضعيفا في جسمه لا في حديثه. انتهى. وقيل: إنه من باب الأضداد، كما قيل في الزنجي مسلم بن خالد، قاله ابن حبان، وإنه قيل له: الضعيف؛ لإتقانه وضبطه.
ثم الألقاب تنقسم: إلى ما لا يكرهه الملقب به، كأبي تراب - لقب علي - رضي الله عنه - فقد قال سهل بن سعد في الحديث المتفق عليه ما كان له اسم أحب إليه منه، وكبندار - لقب محمد بن بشار - فهذا لا إشكال في جواز تعريفه به.
وإلى ما يكرهه الملقب به، فلا يجوز تعريفه به، وقد تقدم الكلام على ذلك في أواخر آداب المحدث.
ثم الألقاب قد لا يعرف سبب التلقيب بها؛ وذلك موجود في كثير منها، وقد يذكر السبب في ذلك، ولعبد الغني بن سعيد في ذلك كتاب مفيد؛ وذلك كغندر وجزرة، فأما غندر - فهو لقب محمد بن جعفر البصري - وكان سبب تلقيبه
(2/214)
بذلك: أن ابن جريج قدم البصرة، فحدث بحديث عن الحسن البصري، فأنكروه عليه وشغبوا، قال ابن عائشة: إنما لقب غندرا ابن جريج من ذلك اليوم الذي كان يكثر الشغب عليه، فقال: اسكت يا غندر. وأهل الحجاز يسمون المشغب غندرا.
ثم كان بعده جماعة يلقب كل منهم غندرا، فمنهم من اسمه محمد بن جعفر: أبو الحسين الرازي، وأبو بكر البغدادي الحافظ، وأبو الطيب البغدادي.
وأما جزرة: فهو لقب أبي علي صالح بن محمد البغدادي الحافظ. وروى الحاكم: أن صالحا سئل: لم لقبت بجزرة؟ فقال: قدم عمرو بن زرارة بغداد فاجتمع عليه خلق عظيم فلما كان عند الفراغ من المجلس سئلت: من أين سمعت؟ فقلت: من حديث الجزرة، فبقيت علي. انتهى، وذلك في حديث عبد الله بن بسر: أنه كان يرقي بخرزة -بالخاء المعجمة وتقديم الراء- فصحفها صالح - بالجيم وتقديم الزاي -.
وذكر ابن الصلاح عدة صالحة من الألقاب، فحذفتها اختصارا، وهي غنجار: اثنان، وشباب وزنيج، ورسته وسنيد، وبندار، وقيصر، والأخفش: جماعة، ومربع، وعبيد العجل، وكيلجة، وماغمه، وعلان وسجادة، ومشكدانه، ومطين، وعبدان، وحمدان، ووهبان.
(2/215)
المؤتلف والمختلف
876.... واعن بما صورته مؤتلف ... خطا ولكن لفظه مختلف
877.... نحو سلام كله فثقل ... لا ابن سلام الحبروالمعتزلي
878.... أبا علي فهو خف الجد ... وهو الأصحفي أبي البيكندي
879.... وابن أبي الحقيق وابن مشكم ... والأشهر التشديد فيه فاعلم
880.... وابن محمد بن ناهض فخف ... أو زده هاء فكذا فيه اختلف
881.... قلت: وللحبر ابن أخت خفف ... كذاك جد السيدي والنسفي
من فنون الحديث المهمة: معرفة المؤتلف خطا والمختلف لفظا من الأسماء والألقاب والأنساب ونحوها، وينبغي لطالب الحديث أن يعتني بمعرفة ذلك، وإلا كثر عثاره، وافتضحبين أهله.
وصنف فيه جماعة من الحفاظ كتبا مفيدة، وأول من صنف فيه: عبد الغني بن سعيد، ثم شيخه الدارقطني. وقد تقدم أن أكمل ما صنف فيهكتاب " الإكمال " لأبي نصر بن ماكولا. وذيل عليه الحافظ أبو بكر بن نقطة بذيل مفيد ثم ذيل على ابن نقطة بذيلين صغيرين: أحدهما للحافظ جمال الدين ابن الصابوني، والآخر للحافظ
(2/216)
منصور بن سليم، المعروف بابن العمادية. وقد ذيل عليهما الحافظ علاء الدين مغلطاي بذيل كبير؛ لكن أكثره أسماء شعراء، وفي أنساب العرب، وجمع فيه الحافظ أبو عبد الله الذهبي مجلدا سماه "مشتبه النسبة"؛ ولكنه أجحف في الاختصار واعتمد على ضبط القلم، فلا يعتمد على كثير من نسخه، وقد فات جميع من صنف فيه ألفاظ كثيرة، علقت منها جملة وإن يسر الله تعالى جمعتها مع ما تقدم في مجموع واحد؛ ليكون أسهل لتناولها إن شاء الله تعالى.
ثم المؤتلف والمختلف ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما ليس له ضابط يرجع إليه، وإنما يعرف بالنقل والحفظ، وهو الأكثر.
والثاني: ما يدخل تحت الضبط، وقد ذكرت من هذا القسم الثاني جملة منه تبعا لابن الصلاح، ثم هذا القسم على قسمين:
أحدهما: على العموم من غير تقييد بتصنيف، ويضبط بأن يقال: ليس لهم فلان إلا كذا والباقون كذا.
والثاني من القسم الثاني: مخصوص بما في الصحيحين، " والموطأ "، فمن القسم الأول: سلام وسلام، وجميعه بالتشديد إلا خمسة، وهم: سلام والد عبد الله بن سلام الحبر الصحابي، وسلام جد أبي علي الجبائي المعتزلي، واسم أبي علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام، وسلام والد محمد بن سلام بن الفرج البيكندي البخاري شيخ البخاري على خلاف فيه، فجزم غنجار في " تاريخ بخارى "، والخطيب، وابن ماكولابالتخفيف، وقال ابن الصلاح: إنه أثبت، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"في محمد بن سلام بالتشديد. وكذا قال أبو علي الجياني في
(2/217)
"تقييد المهمل": إنه بالتشديد، وقال صاحب " المشارق "و " المطالع ": إنالتثقيل أكثر. قلت: وكأنه اشتبه عليهما بشخص آخر، يسمى: محمد بن سلام البيكندي أيضا، فإنه بالتشديد فيما ذكره الخطيب في " التلخيص "وغيره، ويعرف بالبيكندي الصغير، وهو محمد بن سلام بن السكن البيكندي، حدث عن الحسن بن سوار الخراساني، وعلي بن الجعد الجوهري، روى عنه عبيد الله بن واصل البخاري، فأما البيكندي شيخ البخاري، فقد روينا بالإسناد إليه أنه قال: أنا محمد بن سلام بالتخفيف، وهذا قاطع للنزاع فيه، وسلام بن أبي الحقيق اليهودي، وقال المبرد في " الكامل ": ليس في العرب سلام مخفف اللام إلا والد عبد الله بن سلام، وسلام بن أبي الحقيق، قال: وزاد آخرون: سلام بن مشكم خمارا كان في الجاهليةوالمعروف فيه التشديد، والله أعلم.
وسلام بن محمد بن ناهض المقدسي، هكذا روى عنه أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ فسماه سلاما، وروى عنه الطبرانيفسماه سلامة بزيادة هاء في آخره، وإلى هذا أشرت بقولي: (وكذا فيه اختلف) أي: الخلف في هذا إنما هو في زيادة الهاء في آخره وحذفها لا في التشديد والتخفيف، هكذا اقتصرابن الصلاحفي ضبط سلام المخفف على هذا المقدار، ولهم ثلاثة أسماء مخففة أيضا، ذكرتها من الزيادات عليه في البيت الأخير، وهم: سلام ابن أخت عبد الله بن سلام، معدود في الصحابة عده فيهم ابن فتحون في تذييله على " الاستيعاب "، ولعبد الله بن سلام أخ يقال له: سلمة بن
(2/218)
سلام، وإنما لم استدركه على ابن الصلاح؛ لأن والدهما مذكور، ولا حاجة إلى ذكر سلمة، وقد ذكر سلمة في الصحابة ابن منده؛ ولكن قال ابن فتحون في تذييله على "الاستيعاب": إن سلمة هو ابن أخي عبد الله بن سلام، فالله أعلم.
وجد السيدي وهو سعد بن جعفر بن سلام السيدي، روى عن ابن البطي، ومات سنة أربع عشرة وستمائة، ذكره ابن نقطة في " التكملة "-فيما قرأت بخطه- له. وكذلك جد النسفي الأعلى وهو: أبو نصر محمد ابن يعقوب بن إسحاق بن محمد بن موسى بن سلام النسفي السلامي، نسب إلى جده، روى عن زاهر بن أحمد، توفي بعد الثلاثين وأربعمائة، ذكره الذهبي في " مشتبه النسبة ".
والبيكندي - بكسر الباء الموحدة وسكون الياء المثناة من تحت وفتح الكاف وسكون النون وبعدها دال مهملة، هكذا قيده بكسر أوله أبو علي الجياني.
والنسفي - بفتح النون والسين - قيده السمعانيوغيره، وهو منسوب إلى نسف - بكسر النون - فتحت للنسب كالنمري.
882.... عين أبي بن عمارة اكسر ... وفي خزاعة كريز كبر
ومن ذلكعمارة وعمارة، وليس لنا عمارة - بكسر العين - إلا أبي ابن عمارة من الصحابة، قال ابن الصلاح: ومنهم من ضمه، قال: ومن عداه: عمارة
- بالضم -.
(2/219)
قلت: يرد على كلامه عمارة - بفتح العين وتشديد الميم - وهم جماعة من النسوة، منهن: عمارة بنت عبد الوهاب الحمصية، وعمارة بنت نافع بن عمر الجمحي، وعمارة جدة أبييوسف محمد بن أحمد الصيدنانيالرقي.
ومن الرجال: يزيد، وعبد الله، وبحاث بنو ثعلبة بن خزمة بن أصرم ابن عمرو بن عمارة، معدودون في الصحابة. وعبد الله بن زياد بن عمرو ابن زمزمةبن عمرو بن عمارة البلوي، شهد بدرا. ومدرك بن عبد الله بن القمقام بن عمارة ولاه عمر بن عبد العزيز الجزيرة. وجعفر بن أحمد بن علي ابن عبد الله بن عمارة الحربي، روى عن سعيد بن البناء، وولداه قاسم وأحمد ابنا جعفر بن أحمد بن عمارة. وأبو عمر محمد بن عمر بن علي بن عمارة الحربي. وأبو القاسم محمد بن عمارة البخاري النجار الحربي. وبنو عمارة البلوي بطن.
ومن ذلك: كريز - بفتح الكاف وكسر الراء - مكبرا، وكريز مصغرا، وكله مصغر إلا في خزاعة فقط. وحكى الجياني في " تقييد المهمل " عن محمد بن وضاح فتح الكاف في خزاعة، وضمها في عبد شمس بن عبد مناف، قال ابن الصلاح: ((وضمها موجود أيضا في غيرهما، قال: ولا يستدرك في المفتوح بأيوب بن كريزالراوي عن عبد الرحمن بن غنم؛ لكون عبد الغني ذكره بالفتح؛ لأنه بالضم كذلك ذكره الدارقطنيوغيره)) ، أي: كابن ماكولا.
(2/220)
883.... وفي قريش أبدا حزام ... وافتح في الانصار برا حرام
ومن ذلك: حزام -بكسر الحاء وبالزاي-، وحرام - بالفتح وبالراء - ففي قريش الأول، وفي الأنصار الثاني، وليس المراد بذلك إلا ضبط ما في قريش والأنصار وإلا فقد وقع حزام - بالزاي - في خزاعة وبني عامر بن صعصعة وغيرهما، ووقع حرام - بالراء - في بلي: اسم قبيلة، وخثعم، وجذام، وتميم بن مر. وفي خزاعة أيضا، وفي عذرة، وبني فزارة، وهذيل وغيرهم، كما هو مبين في كتاب "الأمير" وغيره، والله أعلم.
884.... في الشام عنسي بنون، وببا ... في كوفة والشين واليا غلبا
885.... في بصرةوما لهم من اكتنى ... أبا عبيدة بفتح والكنى
886.... في السفر بالفتح وما لهم عسل ... إلا ابن ذكوانوعسل فجمل
ومن ذلك: عنسي - بالنون والسين المهملة -، وعبسي - بالموحدة والمهملة أيضا -، وعيشي - بالمثناة من تحت والشين المعجمة -.
(2/221)
فالأول في الشاميين، منهم: عمير بن هانيء، وبلال بن سعد، كلاهما تابعي.
والثاني: في الكوفيين، منهم: عبيد الله بن موسى.
والثالث: في البصريين، منهم: عبد الرحمن بن المبارك، كذا قال الحاكم في
" علوم الحديث "، وللخطيب البغدادي نحوه فيما حكاه عنه أبو علي بن البرداني، قال ابن الصلاح: ((وهذا على الغالب)) . وأشرت إلى ذلك بقولي: (غلبا) . وزاد الحاكمفي هذه الترجمة: والقيسيون، أي: بالقاف بطن من تميم.
ومما وقع نادرا مخالفا للغالب عمار بن ياسر، فإنه عنسي - بالنون - وهو معدود في أهل الكوفة، وقد احترز ابن ماكولا عن ذلك بقوله: وعظم عنس في الشام، وكذا قال السمعاني، وقال ابن ماكولا في العيشي - بالمثناة والمعجمة - عامتهم بالبصرة، وقال السمعاني: نزلوا البصرة.
ومن ذلك: من اكتنى بأبي عبيدة، فكلهم بضم العين مصغرا، قال الدارقطني:
((لا نعلم أحدا يكنى بأبي عبيدة بالفتح)) .
ومن ذلك: السفر - بإسكان الفاء -، والسفر - بفتحها -، قال ابن الصلاح: ((وجدت الكنى من ذلك بالفتح والباقي بالإسكان، قال: ومن المغاربة من سكن الفاء منأبي السفرسعيد بن يحمد. قال: وذلك خلاف ما يقول أصحاب الحديث
(2/222)
حكاه الدارقطنيعنهم)) . قلت: لهم في الأسماء والكنى: سقر -بسكون القاف-، وقد يرد ذلك على إطلاقه، فمن الأسماء: سقر بن حبيب الغنوي، وسقر بن حبيب آخر، وسقر بن عبد الله، وسقر بن عبد الرحيم ابن أخي شعبة، وسقر بن عبد الرحمن شيخ لأبي يعلى، وسقر بن حسين الحذاء، وسقر بن عداس. وفي الكنى: أبو السقر يحيى بن يزداد.
ولهم أيضا: شقر - بفتح الشين المعجمة والقاف -: حي من بني تميم ينسب إليه الشقريون. ومعاوية الشقر - بكسر القاف -: شاعر.
ومن ذلك: عسل - بكسر العين وسكون السين المهملتين -، وعسل- بفتحهما -. قال ابن الصلاح: ((وجدت الجميع من القبيل الأول إلا عسل بن ذكوان الأخباري البصري، فإنه بالفتح، ذكره الدارقطنيوغيره. قال: ووجدته بخط الإمام أبي منصور الأزهري في كتابه " تهذيب اللغة ": بالكسر والإسكان أيضا، قال: ولا أراه ضبطه، والله أعلم)) .
887.... والعامري بن علي عثام ... وغيره فالنونوالإعجام
ومن ذلك: غنام - بالغين المعجمة والنون المشددة -، وعثام - بالعين المهملة والثاء المثلثة المشددة -، قال ابن الصلاح: ((ولا نعرفمن هذا القبيل الثاني غير عثام ابن علي العامريالكوفي والد علي بن عثام الزاهد، والباقون من الأول منهم: غنام ابن أوس، صحابي بدري)) .
(2/223)
قلت: ولهم من القبيل الثاني أيضا حفيد المذكور، وهو عثام بن علي بن عثام بن علي العامري، وهذا لا يرد على كلامي في النظم؛ لأن كلا منهما عثام بن علي العامري، فهو داخل تحت كلامي، ويرد على ابن الصلاح؛ لتقييده الترجمة بوالد علي بن عثام، ولا نعرف لعثام الثاني ولدا اسمه: علي.
888.... وزوج مسروق قمير صغروا ... سواه ضما ولهممسور
889.... ابن يزيد وابن عبد الملك ... وما سوى ذينفمسور حكي
ومن ذلك قمير مكبرا، وقمير مصغرا، والجميع: بضم القاف مصغرا إلا امرأة مسروق بن الأجدع: قمير بنت عمرو، فإنها - بفتح القاف وكسرالميم -، والله أعلم.
ومن ذلك مسور، ومسور.
فالأول: - بضم الميم، وفتح السين المهملة، وتشديد الواو - مسور بن يزيد المالكيالكاهلي له صحبة، ومسوربن عبد الملك اليربوعي، قال ابن الصلاح: ((ومن سواهما فيما نعلم بكسر الميم وإسكان السين، والله أعلم)) .
قلت: لم يذكر ابن ماكولا بالتشديد إلا ابن يزيد فقط. ولم يستدركه ابن نقطة، ولا من ذيل عليه. وقد ذكر البخاري في "التاريخ الكبير"مسور بن عبد الملك في
(2/224)
باب مسور بن مخرمة، وهذا يدل على أنه عنده مخفف، وذكر في باب الواحد: مسور ابن يزيد، ومسور بن مرزوق، وهذا يقتضي أن يكون ابن مرزوق بالتشديد عنده، والله أعلم. وأما الذهبي فتبع ما قاله ابن الصلاح، وكأنه قلده في ذلك.
890.... ووصفوا الحمال في الرواة ... هارون والغير بجيم ياتي
ومن ذلك الحمال والجمال، قال ابن الصلاح: لا نعرف في رواة الحديث، أو فيمن ذكر منهم في كتب الحديث المتداولة، الحمال - بالحاء المهملة - صفة لا اسما إلا هارون بن عبد الله الحمال، والد موسى بن هارون الحمال الحافظ، وكانبزازا فلما تزهد حمل)) . حكاه عبد الغني بن سعيد، عن القاضي أبي الطاهر. وحكى ابن الجارود في " الكنى "، عن موسى بن هارون: أنه كان حمالا ثم تحول إلى البز. وزعم الخليلي وابنالفلكي: أنه لقب بالحمال؛ لكثرة ما حمل من العلم، قال ابن الصلاح: ((ولا أرى ما قالاه يصح، قال: ومن عداه: فالجمال- بالجيم -، منهم: محمد بن مهران الجمال)) .
قلت: وقوله: صفة لا اسما، احترز به عمناسمه حمال كأبيض بن حمال المأربيله صحبة، وحمال بن مالك ونحوهما.
(2/225)
واحترز بـ " رواة الحديث " عن غيرهم من الفقهاء والزهاد، كرافع بن نصر الحمال الفقيه، صاحب أبي إسحاق، وأيوب الحمال أحد الزهاد ببغداد، وبنان الحمال أحد أولياء مصر، على أن بنانا الحمال قد روى عن الحسن ابن عرفة وغيره، وإنما لم أورده على كلام ابن الصلاح؛ لأنه لم يكن مشهورا برواية الحديث، والله أعلم.
وكذلك سمع رافع الحمال من أبي عمر بن مهدي، وممن روى أيضا: أبو القاسم مكي بن علي بن بنانالحمال، وأحمد بن محمد بن الدبس الحمال أحد شيوخ أبي بن النرسي.
891.... ووصفوا حناطا اوخباطا ... عيسى ومسلما كذا خياطا
ومن ذلك: الحناط - بالحاء المهملة والنون -، والخباط - بالمعجمة والموحدة -، والخياط - بالمعجمة والمثناة من تحت - وذلك مذكور في مظانه.
والمقصود بذكر هذا البيت أنه قد تجتمع الأوصاف الثلاثة في اسم واحد، فيؤمن الغلط فيه، ويكون اللافظ مصيبا كيف ما وصفه، وذلك في اسمين وهما: عيسى بن أبي عيسى الحناط، ومسلم بن أبي مسلم الخباط، هكذا ذكره الدارقطني، وابن ماكولا: أنه اجتمع في كل منهما الأوصاف الثلاثة وذلك مشهور بالنسبة إلى عيسى، قاله فيه يحيى بن معين، وقاله هو عن نفسه فيما حكاه محمد بن سعد. ولكن عيسىاشتهر بمهملة ونون، واشتهر مسلم بمعجمة وموحدة، ورجح الذهبي في كل واحد ما اشتهر به.
(2/226)
892.... والسلمي افتح في الانصارومن ... يكسر لامه كأصله لحن
أي: إن السلمي إذا جاء في الأنصار فهو بفتح السين واللام أيضا، كجابر بن
عبد الله، وأبي قتادة وغيرهما، وهو نسبة إلى بني سلمة بفتح السين وكسر اللام، وفتحت في النسب كالنمري والصدفي وبابهما. قال السمعاني: ((وهذه النسبة عند النحويين، قال: وأصحاب الحديث يكسرون اللام)) . قال ابن الصلاح: ((وأكثر أهل الحديث يقولونه بكسر اللام على الأصل، وهو لحن)) ، واقتصر ابن باطيش في " مشتبه النسبة " على كسر اللام، وجعل المفتوح اللام نسبة إلى سلمية - من عمل حماة -، وتشتبه هذه الترجمة بالسلمي - بضم السين وفتح اللام - نسبة إلى بني سليم، كعباس بن مرداس، وبالسلمي - بالفتح وسكون اللام - نسبة إلى بعض أجداد المنتسب، والله أعلم.
وهذه النسبة أدخلها ابن الصلاحفي القسم الثاني فنقلتها إلى هذا القسم الأول؛ لكونها لا تتعلق بما في الصحيحين، والموطأ، والله أعلم.
893.... ومن هنا لمالك ولهما ... بشارا افردأب بندارهما
894.... ولهما سيار أي أبو الحكم ... وابن سلامةوبالياقبل جم
هذا هو القسم الثاني الذي ذكره ابن الصلاح، وهو المخصوص بما في " الموطأ " والصحيحين للبخاري ومسلم، وهما المرادان من قولي: (لهما) فمن ذلك بشار، وسيار، ويسار.
(2/227)
فالأول: بالباء الموحدة بعدها شين معجمة مشددة، وليس في الصحيحين منه إلا اسم واحد، وهو بشار والد بندار، واسمه: محمد بن بشار، أحد شيوخهما. قاله أبو علي الغساني في "تقييد المهمل". قال الذهبي: وبشار نادر في التابعين معدوم في الصحابة. انتهى.
والثاني: بسين مهملة ثم ياء مثناة من تحت مشددة، وفي الصحيحين منه: سيار بن أبي سيار، ورد: أن كنيته أبو الحكم. وسيار بن سلامة.
والثالث: بتقديم الياء على السين المخففة، وهو (جم) أي: كثير في الصحيحين والموطأ، كسليمان بن يسار، وأخيه عطاء، وسعيد بن يسار وغيرهم. وقد أدخل ابن ماكولافي هذه الترجمة: سنانا - بنونين -، وقد يشتبه بذلك، وقال الذهبي: لا يلتبس.
895.... وابن سعيد بسرمثل المازني ... وابن عبيد الله وابن محجن
896.... وفيه خلف. وبشيرا اعجم ... في ابن يسار وابن كعب واضمم
897.... يسير بن عمرو اوأسير ... والنون فيأبي قطننسير
ومن ذلك بشر وبسر.
فالأول: - بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة -. والثاني:
(2/228)
- بضم الموحدة وسكون المهملة -. وجميع ما في الصحيحين " والموطأ " من الأول إلاأربعة أسماء، وهم: بسربن سعيد، وبسر المازني -والد عبد الله بن بسر-، وبسر بن عبيد الله الحضرمي، وبسر بن محجن الديلي.
وقد اختلف في هذا الرابع، فذهب مالك والجمهور إلى أنه بالمهملة. وقال سفيان الثوري: بشر - كالجادة -، وقال الدارقطني: إن الثوري رجع عنهفيما يقال؛ وكونه بالمعجمة حكاه أحمد بن صالح المصري، عن جماعة من ولده ورهطه، وابن محجن حديثه في "الموطأ"فقط، وليس في واحد من الصحيحين، ولم يذكر ابن الصلاح بسرا المازني، وحديثه في "صحيح مسلم" على ما ذكره المزي في "التهذيب"، إنما ذكر ابنه
(2/229)
عبد الله بن بسر. [وكان حقه أن يذكره حتى يعرف أنه في الصحيح، وإن كان يعرف ضبطه من ضبط ابنه عبد الله، قلت] : وقد تشتبه هذه الترجمة بأبي اليسر. كعب بن عمرو وهو بالمثناة من تحت والسين المهملة المفتوحتين، وحديثه في " صحيح مسلم "؛ ولكنه ملازم لأداة التعريف غالبا بخلاف القسمين الأوليين، والله أعلم.
ومن ذلك بشير، ويسير، ونسير، وبشير.
فالأول: - بضم الباء الموحدة وفتح الشين المعجمة - بشير بن يسار الحارثي المدني حديثه في الصحيحين " والموطأ "، وبشير بن كعب العدوي عند البخاري.
والثاني: - بضم الياء المثناة من تحت، وفتح السين المهملة -، وهو يسير بن عمرو، وقيل: يسير بن جابر، حديثه في الصحيحين، ويقال فيه أيضا: أسير بالهمزة.
والثالث: - بضم النون وفتح السين المهملة -، وهو نسير والد قطنابن نسير.
والرابع: - بفتح الباء الموحدة، وكسر الشين المعجمة -، وهو الجادة.
وجميع ما في الصحيحين " والموطأ " خلا الأسماء الأربعة المتقدمة، فهو من هذا القسم الرابع، منهم: بشير بن أبي مسعود، وبشير بن نهيك، وغيرهما.
898.... جد علي بن هاشم بريد ... وابن حفيد الأشعري بريد
899.... ولهما محمد بن عرعره ... بن البرند فالأمير كسره
(2/230)
ومن ذلك: بريد، وبريد، وبرند، ويزيد.
فالأول: - بفتح الباء الموحدة وكسر الراء بعدها ياء مثناة من تحت -، وهو جد علي بن هاشم بن البريد، روى له مسلم.
والثاني: - مصغر بضم الباء وفتح الراء -، وهو بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، روى له الشيخان، قلت: وروى البخاريحديث مالك بن الحويرث في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي آخره: ((كصلاة شيخنا أبي بريد عمرو بن سلمة، فذكر أبو ذر الهروي، عن أبي محمد الحموي، عن الفربري، عن البخاري: أبي بريد - بضم الموحدة وفتح الراء -، وكذا ذكر مسلم في " الكنى "كنية عمرو بن سلمة، والذي وقع عند عامة رواة البخاري: يزيد - بفتح الياء المثناة من تحت وكسر الزاي -، كالجادة، وقال عبد الغني: لم أسمعه من أحد بالزاي، قال: ومسلم بن الحجاج أعلم.
والثالث: - بكسر الباء الموحدة والراء بعدها نون ساكنة -، وهو جد محمد بن عرعرة بن البرند السامي، اتفقا عليه أيضا هكذا ذكر الأمير أبو نصر بن ماكولاأنه بكسر الباء والراء، وفي كتاب " عمدة المحدثين ": أنه بفتح الباء والراء. وحكى أبو علي الجياني، عن ابن الفرضي أنه يقال: بالفتح والكسر، قال: والأشهر الكسر. وكذا قال القاضي عياض، وابن الصلاح أيضا: إنه الأشهر.
(2/231)
والرابع: يزيد - بفتح المثناة من تحت وكسر الزاي -، وهو الجادة، وكل ما في الصحيحين " والموطأ "، فهو من هذا إلا الأسماء المذكورة.
900.... ذو كنية بمعشر والعاليه ... براء أشدد وبجيم جاريه
901.... ابن قدامةكذاك والد ... يزيد قلت وكذاك الأسود
902.... ابن العلاوابن أبي سفيان ... عمرو، فجد ذا وذا سيان
ومن ذلك: البراء، والبراء.
فالأول: بتشديد الراء، وهو أبو معشر البراء، واسمه: يوسف بن يزيد، وحديثه في الصحيحين، وأبو العالية البراء، قيل: اسمه زياد بن فيروز، وقيل: غير ذلك، وحديثه أيضا في الصحيحين.
والثاني: بتخفيف الراء، جماعة، منهم: البراء بن عازب.
وجميع ما في الصحيحين " والموطأ " من هذا القسم إلا الكنيتين المذكورتين.
ومن ذلك: جارية، وحارثة.
فالأول: بالجيم وبالمثناة من تحت بعد الراء، وهو: جارية بن قدامة، ويزيد بن جارية، هكذا ذكر ابن الصلاح. تبعا لصاحب " المشارق ".
ويزيد بن جارية مذكور في " الموطأ "، وقد روى مالكأيضا والبخاري أيضا من رواية القاسم بن محمد عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد ابن جارية، عن خنساء بنت خذام، فذكره ليزيد بن جارية صحيح. وأما جارية بن قدامة، فوقع ذكره في كتاب الفتن من البخاري.
(2/232)
قلت: وفي الصحيح اسمان آخران لم يذكرهما ابن الصلاح، أشرت إليهما بقولي: (قلت: وكذاك الأسود ... ) إلى آخره، وهما: الأسود بن العلاء بن جارية الثقفي، روى له مسلم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة حديث: ((البئر جبار ... )) الحديث في الحدود، وعمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي، روى له البخاريعن أبي هريرة قصة قتل خبيب، وروى له مسلمعن أبي هريرة حديث: ((لكل نبي دعوة يدعو بها ... )) الحديث.
وأريد بجد عمرو: جده الأعلى، على أنه وقع في البخاري في موضعمنه: عمرو بن أسيد بن جارية.
والثاني: حارثة - بالحاء المهملة والثاء المثلثة -، وهم من عدا المذكورين منهم: زيد بن حارثة الحب، وحارثة بن وهب الخزاعي، وحارثة بن النعمان وحارثة بن سراقة.
903.... محمد بن خازم لا تهمل ... والد ربعي حراش اهمل
904.... كذا حريزالرحبي وكنيه ... قد علقت وابن حدير عده
ومن ذلك: خازم، وحازم.
فالأول: بالخاء المعجمة، وهو محمد بن خازم، أبو معاوية الضرير.
والثاني: بالحاء المهملة، منهم: أبو حازم الأعرج، وجرير بن حازم، وكل ما فيها من هذا القسم إلا محمد بن خازم المذكور.
ومن ذلك: حراش، وخراش.
(2/233)
فالأول: بكسر الحاء المهملة، وفتح الراء، وآخره شين معجمة، وهو حراش والد ربعي بن حراش وليس في الكتب الثلاثة من هذا غيره.
والثاني: خراش - بكسر الخاء المعجمة -، والباقي كالذي قبله، منهم: شهاب بن خراش، وآخرون. قلت: أدخل ابن ماكولافي هذا الباب: خداشا - بكسر الخاء المعجمة وبالدال موضع الراء -، وقد روى مسلمفي " صحيحه " عن خالد بن خداش، ولكن قال الذهبي في " مشتبه النسبة ": إن خداشا بالدال لا يلتبس، فلذلك لم استدركه على ابن الصلاح.
ومن ذلك: حريز، وجرير.
فالأول: بفتح الحاء المهملة وكسر الراء بعدها ياء مثناة من تحت ساكنة وآخره زاي، وهو: حريزبن عثمان الرحبي الحمصي، روى له البخاري، وكذلك أبو حريز عبد الله بن الحسين الأزدي قاضي سجستان، علق له البخاري وهو المراد بقولي: (وكنيه قد علقت) ، وقولي: (كذا حريز) أي: كذا أهمل حاء ه.
والثاني: بفتح الجيم وكسر الراء وتكرارها وهو الموجود في الكتب الثلاثة ما عدا المذكورين أولا، منهم: جرير بن عبد الله البجلي، وجرير بن حازم، وربما اشتبه بهذه
(2/234)
الترجمة: حدير - بضم الحاء المهملة وفتح الدال وآخره راء - منهم: عمران بن حدير، روى له مسلم، ومنهم: زيد وزياد ابنا حدير، لهما ذكر في المغازي من " صحيح البخاري " من غير رواية، وهو بعيد الاشتباه فلهذا لم أسمهم.
905.... حضيناعجمه أبو ساسانا ... وافتح أبا حصين ايعثمانا
906.... كذاك حبان بن منقذ ومن ... ولده وابن هلال واكسرن
907.... ابن عطية مع ابن موسى ... ومن رمى سعدا فنال بؤسا
ومن ذلك: حضين، وحضين، وحصين.
فالأول: بضم الحاء المهملة، وفتح الضاد المعجمة، وسكون الياء المثناة من تحت، وآخره نون، وهو حضين بن المنذر أبو ساسان، روى له مسلم. قال الحافظ أبو الحجاج المزي: ((لا نعرف في رواة العلم من اسمه: حضين بضاد معجمة سواه)) . انتهى، وفي الصحيحين في قصة عتبان بن مالك من طريق ابن شهاب، قال: سألت الحضين بن محمد الأنصاري عن حديث محمود ابن الربيع فصدقه، فزعم الأصيلي والقابسي - فيما حكاه صاحب " المشارق " وغيره عنهما: أنه بالضاد المعجمة، قال القابسي: وليس في الكتاب - أي: البخاري - غيره، قال المزي: ((وذلك وهم فاحش)) . قال القاضيعياض: وصوابه كما للجماعة بصاد مهملة.
(2/235)
والثاني: بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، وهو أبو حصين عثمان بن عاصم الأسدي، حديثه في الصحيحين، قال أبو علي الجياني: ولا أعلم في الكتابين بفتح الحاء غير هذا.
والثالث: حصين - بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين - وهو الموجود في الكتب الثلاثة فيما عدا الترجمتين المذكورتين، منهم: عمران بن حصين.
قلت: وقد يشتبه هذا الباب بحضير، كالقسم الأول، إلا أنه بالراء مكان النون، وفي الكتب الثلاثة: أسيد بن حضير الأشهلي، أحد النقباء ليلة العقبة، ولكنه لا يلتبس في الغالب فلم استدركه، والله أعلم.
ومن ذلك حبان، وحبان، وحيان.
فالأول: بفتح الحاء المهملة، وتشديد الباء الموحدة، وهو حبان ابن منقذ، له ذكر في " الموطأ ": أنه كان عنده امرأتان، وابنه: واسعابن حبان بن منقذ، حديثه في " الموطأ "والصحيحين. وهو المراد بقولي: (ومن ولده) وابنه حبان بن
(2/236)
واسع بن حبان، روى له مسلم. وابن عمه محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ، حديثه في " الموطأ " والصحيحين. وحبان بن هلال الباهلي حديثه في الصحيحين، وقد يرد حبان هذا في الصحيح مطلقا غير منسوب إلى أبيه، فيتميز بشيوخه، وذلك: حبان، عن شعبة. وحبان، عن وهيب. وحبان، عن همام. وحبان، عن أبان. وحبان، عن سليمان بن المغيرة. وحبان، عن أبي عوانة. قاله القاضي عياض في " المشارق "، وتبعه عليه ابن الصلاح، والمراد به في الأمثلة المذكورة: حبان بن هلال.
والثاني: حبان - بكسر الحاء المهملة والباقي كالذي قبله - وهو: حبان ابن عطية السلمي، له ذكر في البخاري في قصة حاطب بن أبي بلتعة. وقد جزم بما تقدم فيه من أنه بالكسر ابن ماكولاوالمشارقة، وبه صدر صاحب " المشارق " كلامه، وذكر أبو الوليد الفرضي: أنه بالفتح، وحكاه أبو علي الجياني، وصاحب " المشارق " عن بعض رواة أبي ذر، قالا: وهو وهم.
وحبان بن موسى السلمي المروزي، روى عنه الشيخان في صحيحيهما، وهو حبان غير منسوب أيضا عن عبد الله بن المبارك.
وبالكسر أيضا: حبان بن العرقة، له ذكر في الصحيحينفي حديث عائشة أن سعد بن معاذ رماه رجل من قريش يقال له: حبان بن العرقة، هذا هو المشهور. وحكى ابن ماكولا أن ابن عقبة ذكر في المغازي: أنه جبار - بالجيم - قال: والأول أصح.
(2/237)
انتهى. والعرقة هذه أمه فيما قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، واختلف في ضبط هذا الحرف، فالمشهور أنه بعين مفتوحة ثم راء مكسورة بعدها قاف. وحكى ابن ماكولا عن الواقدي: أنه بفتح الراء، والأول أشهر. وقيل لها ذلك لطيب رائحتها، واسمها فيما قال ابن الكلبي: قلابة - أي: بكسر القاف - بنت سعيد - أي: بضم السين - ابن سهم، وتكنى أم فاطمة. واختلف في اسم أبيه، فقيل: حبان بن قيس، وقيل: ابن أبي قيس.
والثالث: حيان - بفتح الحاء المهملة بعدها ياء مثناة من تحت - وهو بقية ما في الكتب الثلاثة بعدما تقدم ضبطه هنا.
قلت: وقد يشتبه بهذه المادة: جبار، وخيار.
فالأول: بفتح الجيم وتشديد الباء الموحدة وآخره راء، وهو: جبار بن صخر، شهد بدرا، له ذكر عند مسلمفي حديث عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار ... الحديث في أواخر الكتاب.
والثاني: بكسر الخاء المعجمة بعدها ياء مثناة من تحت، مخففة وآخره راء أيضا، وهو عبيد الله بن عدي بن الخيار، وحديثه في الصحيحين.
908.... خبيبا اعجم في ابن عبد الرحمن ... وابن عدي وهو كنية كان
909.... لابن الزبير ورياح اكسر بيا ... أبا زياد بخلاف حكيا
(2/238)
ومن ذلك: خبيب، وحبيب.
فالأول: بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها ياء مثناة من تحت ساكنة وآخره باء موحدة، وهو خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف الأنصاري، حديثه في الصحيحين " والموطأ "، وهو الوارد ذكره في الصحيحين غير منسوب، عن حفص بن عاصم، وفي " صحيح مسلم " أيضا: عن عبد الله بن محمد بن معن، وجده خبيب، كذلك بمعجمة إلا أنه ليس له رواية في شيء من الكتب الثلاثة المذكورة. وخبيب بن عدي، له ذكر في البخاري في حديث أبي هريرة في سرية عاصم بن ثابت الأنصاري، وقتل خبيب وهو القائل:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان للهمصرعي
وكذلك أبو خبيب كنية عبد الله بن الزبير، كني بابنهخبيب بن عبد الله، وليس لابنه خبيب ذكر في شيء من الكتب الثلاثة المذكورة، وإنما روى له النسائي حديثا واحدا، ولم يسمه، وإنما قال: عن ابن عبد الله، وسماه غيره خبيبا، والله أعلم.
(2/239)
والثاني: حبيب - بفتح الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة -، وهو الموجود في الكتب الثلاثة فيما عدا من ذكر أنه بالمعجمة، منهم: حبيب بن أبي ثابت، وحبيب بن الشهيد، وحبيب المعلم، ويزيد بن أبي حبيب، وغيرهم.
ومن ذلك: رياح، ورباح.
فالأول: بكسر الراء بعدها ياء مثناة من تحت، وهو زياد بن رياح القيسي البصري، ويكنى أبا رياح أيضا كاسم أبيه، وقيل: كنيته أبو قيس تابعي، له في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة حديثان، أحدهما حديث: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة)) ، والثاني: حديث: ((بادروا بالأعمال ستا)) . وما ذكرناه من أنه بكسر الراء وبالمثناة، هو قول الأكثرين، وبه جزم عبد الغني وابن ماكولا. وحكى صاحب "المشارق" عن ابن الجارود أنه بباء موحدة، كالقسم الثاني، وأن البخاري ذكر فيه الوجهين، وفي التابعين من أهل البصرة أيضا رجل سمي زياد بن رياح الهذلي، كنيته: أبو رياح أيضا، وهو بكسر الراء، وبالمثناة أيضا، رأى أنس بن مالك، وروى عن الحسن البصري وهو متأخر الطبقة عن القيسي، ذكره الخطيب في " المتفق والمفترق "؛ ولكنه جعل هذه الكنية لهذا، وجزم في الأول بأنه أبو قيس،
(2/240)
وكذلك فعل ابن ماكولا، وخالفهما المزي فصدر كلامه في الأول بأنه أبو رياح، فالله أعلم.
والثاني: بفتح الراء بعدها باء موحدة، وهو الموجود في الكتب الثلاثة بعد زياد بن رياح منهم: رباح بن أبي معروف، عند مسلم، وعطاء بن أبي رباح في الصحيحين و" الموطأ "، وزيد بن أبي رباح عند مالك والبخاري وغير ذلك.
910.... واضمم حكيما في ابن عبد الله قد ... كذا رزيق بن حكيم وانفرد
911.... زبيد بن الصلت واضمم واكسر ... وفي ابن حيان سليم كبر
ومن ذلك: حكيم، وحكيم.
فالأول: مصغر بضم الحاء المهملة وفتح الكاف، وهو حكيم بن عبد الله بن قيس ابن مخرمة القرشي المصري. روى له مسلم في صحيحه ثلاثة أحاديث، ويسمى أيضا الحكيم - بالألف واللام -، وهو كذلك في بعض طرق حديثه.
ورزيق بن حكيم الأيلي والي أيلة لعمر بن عبد العزيز، وذكر ابن الحذاء: أنه كان حاكما بالمدينة، ورزيق: مصغر أيضا -بتقديم الراء-، ويكنى أبا حكيم أيضا، كاسم أبيه، له ذكر في " الموطأ " في الحدود، روى مالك عن رزيق بن حكيم: أن رجلا يقال له: مصباح ... فذكر القصة. وله ذكر في البخاري في باب الجمعة في
(2/241)
القرى والمدن. قال يونس: كتب رزيق بن حكيم إلى ابن شهاب، وأنا معه يومئذ بوادي القرى: هل ترى أن أجمع؟ ورزيق يومئذ على أيلة ... فذكر القصة.
وما ذكرناه من أنه بضم الحاء هو الصواب، كما قاله علي بن المديني. وحكى صاحب " تقييد المهمل " عنه: أن سفيان - يعني: ابن عيينة - كثيرا ما كان يقول: حكيم - يعني: بالفتح -.
والثاني: مكبر بفتح الحاء وكسر الكاف، وهو جميع ما في الكتب الثلاثة ما عدا الاسمين المذكورين، منهم: حكيم بن حزام، وحكيم ابن أبي حرة، له عند البخاري حديث واحد، وبهز بن حكيم، علق له البخاري، وغير ذلك، والله أعلم.
ومن ذلك: زييد، وزبيد.
فالأول: بضم الزاي وكسرها أيضا وفتح الياء المثناة من تحت بعدها ياء مثناة من تحت أيضا ساكنة، وآخره دال مهملة. وهو زييد بن الصلت بن معدي كرب الكندي، له ذكر في " الموطأ " من رواية هشام بن عروة عنه أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ... فذكر القصة. وروى مالك أيضا في " الموطأ " عن الصلت بن زييد، عن غير واحد من أهله: أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب، وهو بالشجرة وإلى جنبه كثير بن الصلت، قال عمر: ممن ريح هذا الطيب؟ ... فذكر القصة.
قال عبد الغني بن سعيد: إن الصلت بن زييد، هو ابن زييد بن الصلت المتقدم. وحكى ابن الحذاء قولين آخرين فيهما بعد، والصلت بن زييد هذا ولي قضاء المدينة. وأما قول ابن الحذاء: أن أباه زييد بن الصلت كان قاضي المدينة في زمن هشام
(2/242)
ابن عبد الملك، فوهم منه، والله أعلم. وقولي: (واضمم واكسر) أي: الزاي من زييد، ففيه وجهان.
والثاني: زبيد - بضم الزاي بعدها موحدة مفتوحة -، منهم: زبيد اليامي، وأبو زبيد عبثر بن القاسم، والله أعلم.
ومن ذلك: سليم، وسليم.
فالأول: مكبر - بفتح السين المهملة وكسر اللام -، وهو سليم بن حيان حديثه في الصحيحين، وليس فيهما سليم غيره.
والثاني: مصغر - بضم السين وفتح اللام -، وهو بقية ما في الكتب الثلاثة، منهم: سليم بن عامر الخبائري، وأبو الشعثاء سليم بن أسود المحاربي، وسليم بن أخضر، وسليم بن جبير، وغيرهم. وقد ذكر ابن الصلاح بعد هذا: سلم وسالم، ولا يشتبه لزيادة الألف، فلهذا حذفته.
912.... وابن أبي سريج احمد إئتسا ... بولد النعمان وابن يونسا
ومن ذلك: سريج، وشريح.
فالأول: - بضم السين المهملة وآخره جيم - وهو أحمد بن أبي سريج، روى عنه البخاري في " صحيحه "، واسم أبي سريج: الصباح، وقيل: هو أحمد بن عمر بن أبي سريج، وكذلك: سريج بن النعمان، روى عنه البخاري أيضا. وذكر الجياني: أن مسلما روى عن رجل عنه، فالله أعلم.
سريج بن يونس حديثه في الصحيحين، وهو أحد من سمع منه مسلم، وروى عنه البخاري بواسطة.
والثاني: شريح - بضم الشين المعجمة وآخره حاء مهملة -، وهو بقية ما في الكتب الثلاثة، منهم: شريح القاضي، وأبو شريح الخزاعي، وعبد الرحمن ابن شريح:
(2/243)
أبو شريح الإسكندراني، وغيرهم. وقولي: (ائتسا) أي: له أسوة بالمذكورين في كونه بالسين المهملة والجيم.
وذكر ابن الصلاح هنا: سلمان وسليمان، ولا يشتبهان لزيادة ياء التصغير في الثاني، فلهذا أسقطته.
913.... عمرو مع القبيلة ابن سلمه ... واختر بعبد الخالق بن سلمه
ومن ذلك: سلمة، وسلمة.
فالأول: بكسر اللام، وهو عمرو بن سلمة الجرمي إمام قومه، اختلف في صحبته، وكذلك القبيلة بنو سلمة من الأنصار، واختلف في عبد الخالق بن سلمة أحد من روى له مسلم، وليس له عنده إلا حديث واحد في قدوم وفد عبد القيس، وسؤالهم عن الأشربة، فقال فيه يزيد بن هارون: ابن سلمة - بفتح اللام -، وقال ابن علية: سلمة - بكسرها -، وممن حكى فيه الوجهين: ابن ماكولا. وقولي: (واختر) أي: إن شئت فتحته، وإن شئت كسرته، والله أعلم. وذكر ابن الصلاح بعد هذا سنانا وشيبان، ولا يلتبس لزيادة الياء في شيبان، ولذلك لم أذكره، والله أعلم.
914.... والد عامر كذا السلماني ... وابن حميد وولد سفيان
915.... كلهم عبيدة مكبر ... لكن عبيد عندهم مصغر
(2/244)
ومن ذلك: عبيدة، وعبيدة.
فالأول: عبيدة مكبر - بفتح العين وكسر الباء وآخره هاء التأنيث -، وليس في الكتب الثلاثة منهم إلا أربعة أسماء:
الأول: عامر بن عبيدة الباهلي، وقد ضبط عن المهلب: عبيدة بالضم. قال صاحب " المشارق ": ((وهو وهم)) .
وقع ذكره عند البخاري، في كتاب " الأحكام " فقال: ((قال معاوية بن عبد الكريم القرشي: شهدت عبد الملك بن يعلى، قاضي البصرة وإياس بن معاوية، والحسن، وثمامة بن عبد الله بن أنس، وبلال بن أبي بردة، وعبد الله بن بريدة الأسلمي، وعامر بن عبيدة، وعباد بن منصور، يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود)) .
والثاني من الأسماء: عبيدة بن عمرو، ويقال: ابن قيس السلماني، حديثه في الصحيحين.
والثالث: عبيدة بن حميد، روى له البخاري.
والرابع: عبيدة بن سفيان الحضرمي، حديثه في الموطأ، وصحيح مسلم وليس له عندهما إلا حديث واحد، وهو حديث أبي هريرة في تحريم: ((كل ذي ناب من السباع)) . وفي " صحيح البخاري ": أن الزبير، قال: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد ابن العاص ... الحديث. والمعروف فيه الضم. وذكر صاحب " المشارق ": أن البخاري ذكره بالضم، وأنه حكى عنه الحميدي الفتح والضم.
(2/245)
والثاني من لفظي الترجمة: عبيدة مصغر - بضم العين وفتح الباء -، وهو بقية من ذكر في الكتب الثلاثة، منهم: عبيدة بن الحارث بن المطلب، وعبيدة بن معتب، وسعد ابن عبيدة، وعبد الله بن عبيدة بن نشيط، وغيرهم.
ومن ذلك عبيد، وعبيد، كلاهما بغير هاء التأنيث.
فالأول: مصغر، وهو جميع ما في الكتب الثلاثة، حيث وقع، قاله ابن
الصلاح تبعا لصاحب " المشارق ".
والثاني: عبيد مكبر، وليس في واحد من الكتب الثلاثة، وهو اسم جماعة من الشعراء: عبيد بن الأبرص، وعبيد بن زهير، وعبيد بن قماص، وفي الصحابة جماعة ينسبون إلى عوف بن عبيد بن عويج.
916.... وافتح عبادة أبا محمد ... واضمم أبا قيس عبادا أفرد
ومن ذلك: عبادة، وعبادة.
فالأول: بفتح العين المهملة، وتخفيف الباء الموحدة، وهو محمد بن عبادة الواسطي شيخ البخاري. وليس فيها بالفتح غيره.
والثاني: بضم العين، وهو بقية الموجود في الكتب الثلاثة، منهم: عبادة ابن الصامت، وحفيده عبادة بن الوليد، وعبادة بن نسي.
ومن ذلك: عباد، وعباد.
فالأول: بضم العين المهملة، وتخفيف الباء الموحدة، وهو قيس بن عباد القيسي الضبعي البصري. حديثه في الصحيحين، وليس فيها بالضم والتخفيف غيره، إلا أن صاحب " المشارق " حكى: أنه وقع عند أبي عبد الله محمد بن مطرف بن المرابط في " الموطأ ": عباد بن الوليد بن عبادة، قال: وهو خطأ، وللكل عبادة بن الوليد - كما تقدم - وهو الصواب.
(2/246)
والثاني: عباد - بفتح العين، وتشديد الباء -، وهو باقي من ذكر في الكتب الثلاثة، كعباد بن تميم المازني، وعباد بن عبد الله بن الزبير، وابن أخيه عباد بن حمزة، وعباد بن العوام في آخرين.
917.... وعامر بجالة ابن عبده ... كل وبعض بالسكون قيده
ومن ذلك: عبدة، وعبدة.
فالأول: بفتح العين المهملة، وفتح الباء الموحدة أيضا، وليس فيها كذلك إلا اسمان:
الأول: عامر بن عبدة البجلي الكوفي، روى له مسلم في مقدمة الصحيح، عن ابن مسعود، قوله: ((إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم، فيحدثهم ... )) الحديث.
هكذا ذكره بالفتح علي بن المديني، ويحيى بن معين، وأبو علي الجياني، والتميمي، والصدفي، وابن الحذاء، وبه صدر الدارقطني، وابن ماكولا كلاميهما، وحكيا أنه قيل فيه: عبدة بسكون الباء. قال صاحب " المشارق ": وحكي لنا عن بعض شيوخنا: عبد - بغير هاء -. قال: وهو وهم.
أما عامر بن عبدة الذي روى عنه أبو أسامة، فهو بإسكان الباء ولكن ليس له رواية في الكتب الثلاثة، ولا في بقية الستة. وقول الذهبي - فيما قرأته بخطه في "المشتبه": أنه يشتبه بعامر بن عبدة الباهلي: وهم، إنما الباهلي عامر بن عبيدة بزيادة ياء مثناة من تحت بعد الباء الموحدة المكسورة، وقد تقدم في عبيدة.
والثاني من الاسمين: بجالة بن عبدة التميمي، ثم العنبري البصري، روى له البخاري في كتاب " الجزية "، قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية، فجاءنا كتاب
(2/247)
عمر قبل موته بسنة ... الحديث. وقد قيده بالفتح الدارقطني، وابن ماكولا، والجياني. وحكى صاحب " المشارق ": أنه ذكره كذلك البخاري في " التاريخ " وأصحاب الضبط، قال: وقال فيه الباجي: عبدة، قال: وقال البخاري فيه أيضا: عبدة بالإسكان، قال: ويقال فيه أيضا: عبد.
والثاني من لفظي الترجمة: عبدة - بفتح العين، وسكون الباء -، وهو بقية ما في الكتب الثلاثة من ذلك، منهم: عبدة بن سليمان الكلابي، وعبدة ابن أبي لبابة، وغيرهما. وقولي: (ابن عبده) : هو بالألف؛ لأن (ابن) ليس في موضع الصفة لبجالة؛ وإنما هو ابتداء جملة في موضع الخبر، أي: كل من المذكورين: ابن عبدة. وقولي: (وبعض بالسكون قيده) أي: في كل واحد من الاسمين جميعا.
918.... عقيل القبيل وابن خالد ... كذا أبو يحيى وقاف واقد
919.... لهم كذا الأيلي لا الأبلي ... قال: سوى شيبان والرا فاجعل
920.... بزارا انسب ابن صباح حسن ... وابن هشام خلفا، ثم انسبن
921.... بالنون سالما وعبد الواحد ... ومالك بن الأوس نصريا يرد
ومن ذلك عقيل، وعقيل.
فالأول: مصغر - بضم العين المهملة وفتح القاف -، من ذلك بنو عقيل القبيلة المعروفة، لهم ذكر في حديث عمران بن حصين عند مسلم: كانت ثقيف حلفاء لبني
(2/248)
عقيل، وذكر حديث العضباء، وأنها كانت لرجل من بني عقيل. وكذا عقيل بن خالد الأيلي، حديثه في الصحيحين، وكذا يحيى بن عقيل الخزاعي البصري، روى له مسلم. وهو المراد بقولي: (كذا أبو يحيى) .
والثاني: بفتح العين، وكسر القاف، مكبر، منهم: عقيل بن أبي طالب، مذكور في الحديث المتفق عليه: ((وهل ترك لنا عقيل من رباع)) . وليست له رواية عندهما.
ومن ذلك: واقد، ووافد.
فالأول: بالقاف، وهو جميع ما في الكتب الثلاثة، منهم: واقد بن عبد الله بن عمر، وابن ابن أخيه: واقد بن محمد بن زيد، وغيرهما.
والثاني: وافد - بالفاء -، وليس في شيء من الكتب الثلاثة، قاله صاحب " المشارق "، وتبعه ابن الصلاح، ومنهم: وافد بن موسى الذارع، ووافد بن سلامة، ذكرهما الأمير وغيره.
ومن ذلك: الأيلي، والأبلي.
فالأول: بفتح الهمزة وسكون الياء المثناة من تحت، منهم: هارون بن سعيد الأيلي، ويونس بن يزيد الأيلي، وعقيل بن خالد الأيلي، وغيرهم. قال القاضي عياض في " المشارق ": وليس فيها أبلي، أي: في الكتب الثلاثة، وتعقبه ابن الصلاح، فقال: ((روى مسلم الكثير عن شيبان بن فروخ، وهو أبلي - بالباء الموحدة - قال: لكن إذا لم يكن في شيء من ذلك منسوبا لم يلحق عياضا منه تخطئة، والله أعلم)) .
(2/249)
ومن ذلك: البزار، والبزاز.
فالأول: آخره راء مهملة، وهو الحسن بن الصباح البزار، من شيوخ البخاري، وخلف بن هشام البزار من شيوخ مسلم. قال ابن الصلاح: ((لا نعرف في الصحيحين بالراء المهملة إلا هما)) . قلت: ذكر الجياني في " تقييد المهمل " في هذه الترجمة: يحيى ابن محمد بن السكن البزار من شيوخ البخاري. وبشر بن ثابت البزار، استشهد به البخاري. قلت: ولم يقع ذكرهما في البخاري منسوبين، بل خاليين من النسبة، فلذلك لم استدركهما في النظم على ابن الصلاح، والله أعلم.
والثاني: البزاز - بزاي مكررة -، وهو باقي المذكورين في الصحيحين، منهم: محمد بن الصباح البزاز، ومحمد بن عبد الرحيم البزاز المعروف بصاعقة وغيرهما.
ومن ذلك: النصري، والبصري.
فالأول: بالنون والصاد المهملة، وذلك في ثلاثة أسماء: الأول: سالم النصري مولى النصريين، وهو مولى مالك بن أوس النصري، الآتي ذكره، روى له مسلم. واسم أبي سالم: عبد الله، قال عبد الغني بن سعيد في "إيضاح الإشكال": سالم أبو عبد الله المديني، وهو سالم مولى مالك بن أوس وهو سالم مولى النصريين، وهو سالم مولى المهريين، وهو سالم سبلان، وهو سالم مولى شداد الذي روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وهو أبو عبد الله الذي روى عنه بكير بن الأشج، وذكر: أنه كان شيخا كبيرا. وهو
(2/250)
سالم أبو عبد الله الدوسي، وهو سالم مولى دوس. وذكر صاحب " المشارق ": أنه وقع عند العذري مولى النضريين - بالضاد المعجمة -، قال: وهو وهم.
والثاني من الأسماء: عبد الواحد بن عبد الله النصري. له في صحيح البخاري حديث واحد، عن واثلة بن الأسقع في أعظم الفرى.
والثالث: مالك بن أوس بن الحدثان النصري، مخضرم، وقد اختلف في صحبته، حديثه في " الموطأ " والصحيحين. وليس فيهما بالنون إلا هؤلاء الثلاثة، قاله ابن الصلاح، وأوس بن الحدثان مذكور في " صحيح مسلم " في الصيام، غير منسوب.
والثاني من لفظي الترجمة: بالباء الموحدة وفيها الكسر والفتح، والكسر أصح وهو بقية ما في الكتب الثلاثة.
922.... والتوزي محمد بن الصلت ... وفي الجريري ضم جيم يأتي
923.... في اثنين: عباس سعيد وبحا ... يحيى بن بشر بن الحريري فتحا
ومن ذلك: التوزي، والثوري.
فالأول: بفتح التاء المثناة من فوق، والواو المشددة المفتوحة، والزاي، وهو أبو يعلى محمد بن الصلت التوزي، أصله من توز من بلاد فارس. ويقال: توج -بالجيم-، سكن البصرة، روى عنه البخاريفي كتاب الردة حديث العرنيين. وليس فيها التوزي غيره.
(2/251)
والثاني: بفتح المثلثة، وسكون الواو، بعدها راء مهملة، وهو من عدا محمد بن الصلت المذكور، منهم: أبو يعلى الثوري. قال صاحب " المشارق " وهو يلتبس بالمذكور أولا. يريد من حيث اتفاق كنيتهما أيضا. واسم أبي يعلى هذا: منذر بن يعلى، حديثه في الصحيحين.
ومن ذلك: الجريري، والحريري.
فالأول: بضم الجيم، وفتح الراء، وسكون الياء المثناة من تحت بعدها راء أيضا، نسبة إلى جرير مصغرا. وهو جرير بن عباد - بضم العين وتخفيف الباء الموحدة -. وهو عباس بن فروخ الجريري، حديثه في الصحيحين. وسعيد ابن إياس الجريري، حديثه في الصحيحين أيضا. وكذا إذا ورد في الصحيحين الجريري غير مسمى، عن أبي نضرة، فالمراد به: سعيد. هكذا اقتصر ابن الصلاح، تبعا لصاحب " المشارق " على الجريري غير مسمى، عن أبي نضرة وقد ورد في الصحيح غير مسمى في غير روايته، عن أبي نضرة في غير ما موضع، منها: في " مسلم " في الكسوف، عن الجريري، عن حيان بن عمير، وغير ذلك.
هكذا اقتصر أيضا تبعا لصاحب " المشارق " على ما فيها من الجريري بضم الجيم. وزاد الجياني في " التقييد ": حيان بن عمير الجريري، له عند مسلم حديث واحد في الكسوف. وأبان بن تغلب الجريري، مولاهم، روى له مسلم أيضا وحده، قلت: ولم استدرك هذين الاسمين على ابن الصلاح؛ لأنهما وإن كانا في كتاب " مسلم " فهما باسميهما غير منسوبين.
(2/252)
والثاني: الحريري - بفتح الحاء المهملة وكسر الراء -، وهو يحيى بن بشر الحريري، روى له مسلم في "صحيحه". وقول ابن الصلاح: أنه شيخ البخاري ومسلم، تبع في ذلك صاحب "المشارق"، وتبع صاحب "المشارق" صاحب " تقييد المهمل "، وسبقهم إلى ذلك الحاكم أبو عبد الله، فذكر يحيى ابن بشر الحريري فيمن اتفق على إخراجه البخاري ومسلم ، وكذلك ذكره الكلاباذي فيمن أخرج له البخاري في " صحيحه ".
ولم يصنعوا كلهم شيئا، ولم يخرج له البخاري، وإنما أخرج ليحيى بن بشر البلخي، فجعلهما الجياني والكلاباذي واحدا، وهو وهم منهما. وممن تبعهما، وهما رجلان مختلفا البلدة والوفاة، وممن فرق بينهما ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "، والخطيب في " المتفق والمفترق "، وبه جزم الحافظ أبو الحجاج المزي في " التهذيب " وقد أوضحت ذلك فيما جمعته على كتاب ابن الصلاح. وقد اقتصر ابن الصلاح في هذه الترجمة على الجريري والحريري، وزاد الجياني في كتاب " تقييد المهمل " الجريري - بفتح الجيم - وكسر الراء، وهو يحيى بن أيوب الجريري من ولد جرير بن عبد الله البجلي. وقال: ذكره البخاري مستشهدا به في أول كتاب " الأدب "، وكذا ذكره صاحب " المشارق "، فقال: وفي البخاري يحيى بن أيوب الجريري - بفتح الجيم - في
(2/253)
أول كتاب " الأدب "، قلت: ولم استدركه على ابن الصلاح؛ لأن البخاري لم يذكر نسبته؛ إنما ذكره باسمه، واسم أبيه فقط، فليس في البخاري إذا هذا اللفظ.
924.... وانسب حزاميا سوى من أبهما ... فاختلفوا والحارثي لهما
925.... وسعد الجاري فقط وفيالنسب ... همدان وهو مطلقا قدما غلب
ومن ذلك: الحزامي والحرامي.
فالأول: بكسر الحاء المهملة، وبالزاي، منهم: إبراهيم بن المنذر الحزامي، والضحاك بن عثمان الحزامي، وغيرهما. وقال ابن الصلاح: ((إنه حيث وقع فيهما فهو بالزاي غير المهملة)) . انتهى.
وقولي: (سوى من أبهما فاختلفوا) ، هو من الزيادات على ابن الصلاح، أي: سوى من وقع في الصحيح وأبهم اسمه، فلم يسم بل فيه فلان الحزامي، فإن فيه خلافا؛ وذلك في " صحيح مسلم " في أواخر الكتاب في حديث أبي اليسر، قال: كان لي على فلان بن فلان الحزامي مال، فأتيت أهله ... الحديث. وقد اختلفوا في ضبط هذه النسبة، فرواه أكثر الرواة - كما قال القاضي عياض - بحاء مهملة مفتوحة وراء، وعند الطبري: الحزامي - بكسرها وبالزاي -. وعند ابن ماهان: الجذامي - بضم الجيم وذال معجمة -. وقال ابن الصلاح في حاشية أملاها على كتابه: لا يرد هذا؛ لأن المراد بكلامنا المذكور ما وقع من ذلك في أنساب الرواة. وكذا قال النووي في كتاب
(2/254)
" الإرشاد ". وهذا ليس بجيد؛ لأن ابن الصلاح وتبعه النووي ذكرا في هذا القسم غير واحد ليس لهم في الصحيح، ولا في " الموطأ " رواية، بل مجرد ذكر، كما تقدم إيضاحه في هذا الفصل؛ فلذلك استثنيته.
والثاني: بفتح الحاء المهملة والراء، وهو فلان بن فلان الحرامي المتقدم على رواية الأكثرين. وعد أبو علي الجياني في هذا القسم من ينسب إلى بني حرام من الأنصار، منهم: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الحرامي، وجماعة سواهم كذا ذكر أبو علي، وفيه نظر؛ فإني لا أعلم في واحد من الصحيحين ورود هذه النسبة عند ذكره؛ وإنما يذكر أسماءهم غير منسوبة، فلذلك لم استدركه على ابن الصلاح. وقد ذكر صاحب " المشارق " فيما يشتبه بهذه المادة: الجذامي - بضم الجيم وبالذال المعجمة -، فذكر: فروة ابن نعامة الجذامي، وهو الذي أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغلة، وقد لا يلتبس فلهذا لم أذكره.
ومن ذلك: الحارثي، والجاري.
فالأول: بالحاء المهملة، وكسر الراء، بعدها ثاء مثلثة، وهو جميع ما وقع من ذلك في الصحيحين، منهم: أبو أمامة الحارثي، صحابي له رواية عند مسلم في كتاب " الإيمان " - بكسر الهمزة - في حديث: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه)) ... الحديث.
والثاني: الجاري - بالجيم وبعد الراء ياء النسبة -، وهو: سعد الجاري. روى له مالك في " الموطأ "، عن زيد بن أسلم، عن سعد الجاري مولى عمر ابن الخطاب، سألت ابن عمر عن الحيتان يقتل بعضها بعضا ... الحديث قال صاحب " المشارق ": ينسب إلى جده. وقال ابن الصلاح: ((منسوب إلى الجار مرفأ السفن بساحل المدينة)) . انتهى. والمرفأ: - بضم الميم وإسكان الراء وفتح الفاء، مهموز مقصور، قال
(2/255)
الجوهري: ((أرفأت السفينة قربتها من الشط. قال: وذلك الموضع مرفأ)) . وقال الذهبي في " مشتبه النسبة ": ((الجار: موضع بالمدينة)) .
وذكر أبو علي الجياني فيما يشتبه بهذه المادة الخارفي - بالخاء المعجمة وبالفاء مكان الياء - منهم: عبد الله بن مرة الخارفي، وقد لا يلتبس.
ومن ذلك الهمداني، والهمذاني.
فالأول: بإسكان الميم وإهمال داله، وهم المنسوبون إلى قبيلة همدان، وهو جميع ما في "الموطأ" والصحيحين. قال ابن الصلاح: ((وليس فيها الهمذاني بالذال المنقوطة)) . قال صاحب "المشارق": لكن فيهما من هو من مدينة همذان ببلاد الجبل؛ إلا أنه غير منسوب في شيء من هذه الكتب. قال: إلا أن في البخاري: مسلم بن سالم الهمداني، ضبطه الأصيلي بسكون الميم، بخط يده وهو في الصحيح، قال: ووجدته في بعض النسخ للنسفي - بفتح الميم وذال معجمة-، وهو وهم، وإنما نسبه: نهدي، ويعرف بالجهني؛ لأنه كان نازلا فيهم. انتهى. وهذا الاسم وقع عند البخاري في كتاب "الأنبياء" في ذكر إبراهيم في حديث كعب ابن عجرة: ((ألا أهدي لك هدية)) ؟، وفيه: حدثنا أبو فروة مسلم بن سالم الهمداني، قال الجياني: وأراه وهما، قال أحمد بن حنبل: أبو فروة الهمداني، اسمه عروة، وأبو فروة النهدي، اسمه مسلم بن سالم. قال: وكان ابن مهدي لا يفصل بين هذين. وهذا اللفظ في الجملة وقع في البخاري على الوهم، وليس بهمداني على الوجهين معا، وقد ذكر ابن أبي خيثمة حديث البخاري هذا فقال: فيه أبو فروة الجهني، وهو الصواب، والله أعلم.
والثاني: بفتح الميم وبالذال المعجمة، قال أبو علي الجياني: منهم: أبو أحمد المرار بن حمويه الهمذاني، يقال: إن البخاري حدث عنه عن أبي غسان في كتاب"الشروط". انتهى.
(2/256)
قلت: ليس في جميع نسخ البخاري ذكر نسبه والذي في أكثر الروايات: حدثنا أبو أحمد، لم يزد على كنيته. وفي رواية أبي ذر: حدثنا أبو أحمد مرار ابن حمويه، ويؤكد كونه المرار بن حمويه، أن موسى ابن هارون الحمال، روى هذا الحديث عن مرار بن حمويه، عن أبي غسان محمد بن يحيى، كرواية البخاري، وقد قيل: إن أبا أحمد غير المرار، فالله أعلم. قال ابن ماكولا: ((والهمداني في المتقدمين بسكون الميم أكثر، وبفتح الميم في المتأخرين أكثر)) . قال ابن الصلاح: ((وهو كما قال)) . وإليه أشرت بقولي: (وهو مطلقا قدما غلب) أي: غلب همدان بالسكون في المتقدمين. وقولي: (مطلقا) أي: من غير تقييد بالصحيحين و" الموطأ "، والله أعلم. وقال الذهبي في " مشتبه النسبة ": ((والصحابة، والتابعون، وتابعوهم، من القبيلة، وأكثر المتأخرين من المدينة. قال: ولا يمكن استيعاب هؤلاء، ولا هؤلاء)) .
وقرأت بخطه أن شيرويه-يعني: ابن شهردار الديلمي، أدخل في "تاريخ همذان" له خلقا من القبيلة وهما. قلت: ومما خرج عن الغالب: أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الهمداني، فهو متأخر -بالسكون-، وأبو الفضل محمد بن محمد بن عطاف الهمداني، بعد الخمسمائة . وجعفر بن علي الهمداني. وعلي بن عبد الصمد السخاوي الهمداني. وعبد الحكم بن حاتم الهمداني. وعبد المعطي بن فتوح الهمداني. أربعتهم من أصحاب السلفي، وأبو إسحاق بن أبي الدم الهمداني، قاضي حماة، ومنصور بن سليم الهمداني الحافظ المعروف بابن العمادية، وآخرون.
(2/257)
المتفق والمفترق
926.... ولهم المتفق المفترق ... ما لفظه وخطه متفق
... لكن مسمياته لعدة ... نحو ابن أحمد الخليل ستة
من أنواع فنون الحديث:
معرفة المتفق والمفترق: وهو ما اتفق خطه ولفظه أيضا، وافترق مسمياته. وللخطيب فيه كتاب نفيس، وربما فاته بعض تراجم كان ينبغي له ذكرها؛ وإنما يحسن إيراد ذلك فيما إذا اشتبه الراويان المتفقان في الاسم؛ لكونهما متعاصرين واشتركا في بعض شيوخهما، أو في الرواة عنهما.
وذلك ينقسم إلى ثمانية أقسام:
الأول: من اتفقت أسماؤهم، وأسماء آبائهم، مثاله: الخليل بن أحمد، ستة رجال، ذكر الخطيب منهم اثنين فقط، وهما الأولان، فالأول: الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم، أبو عبد الرحمن الأزدي الفراهيدي البصري النحوي -صاحب العروض- وهو أول من استخرجه، وصاحب كتاب " العين " في اللغة، وشيخ سيبويه، روى
(2/258)
عن عاصم الأحول، وآخرين، ذكره ابن حبان في " الثقات "، مولده سنة مائة، واختلف في وفاته، فقيل: سنة سبعين ومائة، وقيل: سنة بضع وستين، وقيل: سنة خمس وسبعين، قال أبو بكر بن أبي خيثمة: أول من سمي في الإسلام أحمد: أبو الخليل بن أحمد العروضي، وكذا قال المبرد: فتش المفتشون فما وجدوا بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - من اسمه أحمد قبل أبي الخليل بن أحمد. انتهى. واعترض على هذه المقالة بأبي السفر سعيد بن أحمد، فإنه أقدم، وأجيب: بأن أكثر أهل العلم قالوا فيه: يحمد - بالياء - وقاله ابن معين: أحمد.
والثاني: الخليل بن أحمد أبو بشر المزني، ويقال السلمي بصري أيضا، روى عن المستنير بن أخضر، روى عنه محمد بن يحيى بن أبي سمينة، وعبد الله بن محمد المسندي،
(2/259)
والعباس بن عبد العظيم العنبري، ذكره ابن حبان في " الثقات " أيضا، وقال النسائي في " الكنى ": أبو بشر خليل بن أحمد بن بصري - وليس بصاحب العروض - قال الخطيب: ورأيت شيخا من شيوخ أصحاب الحديث، يشار إليه بالفهم والمعرفة قد جمع أخبار الخليل بن أحمد العروضي، وما روي عنه فأدخل في جمعه حديث الخليل بن أحمد هذا. قال: ولو أنعم النظر لعلم أن ابن أبي سمينة، والمسندي، وعباسا العنبري، يصغرون عن إدراك الخليل بن أحمد العروضي؛ لأنه قديم.
قلت: قد ذكر البخاري في " التاريخ الكبير ": أن عبد الله بن محمد الجعفي - وهو المسندي - سمع من خليل بن أحمد النحوي -صاحب العروض-، عن عثمان بن حاضر، فالله أعلم. وكلام البخاري يقتضي: أن هاتين الترجمتين واحدة، وقد فرق بينهما النسائي، وابن حبان، والخطيب، وهو الظاهر، والله أعلم.
والثالث: الخليل بن أحمد بصري أيضا، يروي عن عكرمة، ذكره أبو الفضل الهروي في كتاب " مشتبه أسماء المحدثين "، فيما حكاه ابن الجوزي في " التلقيح " عن خط شيخه عبد الوهاب الأنماطي عنه.
قلت: وأخشى أن يكون هذا هو الخليل بن أحمد النحوي، فإنه روى عن غير واحد من التابعين.
والرابع: الخليل بن أحمد بن الخليل، أبو سعيد السجزي الفقيه الحنفي، قاضي سمرقند، توفي بها سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، حدث عن ابن خزيمة، وابن صاعد والبغوي، وغيرهم. سمع منه الحاكم وذكره في " تاريخ نيسابور ".
(2/260)
والخامس: الخليل بن أحمد، أبو سعيد البستي القاضي المهلبي. ذكر ابن الصلاح: أنه سمع من الخليل بن أحمد السجزي المذكور، ومن أحمد بن المظفر البكري، وغيرهما، حدث عنه البيهقي.
والسادس: الخليل بن أحمد بن عبد الله بن أحمد، أبو سعيد البستي الفقيه الشافعي. ذكره الحميدي في "تاريخ الأندلس". وذكر ابن بشكوال في "الصلة": أنه قدم الأندلس من العراق في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وروى عن أبي محمد بن النحاس بمصر، وأبي سعيد الماليني، وأبي حامد الإسفراييني، وغيرهم. وحكى عن أبي محمد بن خزرج أن مولده سنة ستين وثلاثمائة، روى عنه أبو العباس أحمد بن عمر العذري. قلت: وأخشى أيضا أن يكون هذا هو الذي قبله؛ ولكن هكذا فرق بينهما ابن الصلاح، فالله أعلم.
وقد أسقطت من الستة الذين ذكرهم ابن الصلاح واحدا، وهو الخليل ابن أحمد، أصبهاني يروي عن روح بن عبادة؛ لأنه وهم فيه، وإنما هو الخليل ابن محمد، ووهم فيه قبله ابن الجوزي، وأبو الفضل الهروي، فإنه عده فيمن اسمه الخليل بن أحمد وهو في " تاريخ أصبهان " لأبي نعيم على الصواب: الخليل ابن محمد أبو العباس العجلي، وروى من طريقه عدة أحاديث. وجعلت مكانه الخليل بن أحمد البصري، الذي يروي
(2/261)
عن عكرمة كما ذكره أبو الفضل الهروي إن لم يكن هو الخليل النحوي. وسأذكر بعد هذا جماعة يعوض منهم عن هذين الاسمين، إن كانا مكررين.
وقد وقع في أصل سماعنا من " صحيح ابن حبان " في النوع التاسع والمائة من القسم الثاني: أخبرنا الخليل بن أحمد بواسط، قال: حدثنا جابر بن الكردي فذكر حديثا، قلت: والظاهر أنه الخليل بن محمد، فإنه سمع منه بواسط عدة أحاديث متفرقة في أنواع الكتاب، ونبهت عليه لئلا يغتر به ويستدرك.
وممن سمي أيضا الخليل بن أحمد: الخليل بن أحمد البغدادي، يروي عن يسار بن حاتم، ذكره ابن النجار في " الذيل ". والخليل بن أحمد أبو القاسم الشاعر المصري روى عنه الحافظ أبو القاسم بن الطحان، وذكره في ذيله على " تاريخ مصر "، وقال: توفي سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. والخليل ابن أحمد ابن علي أبو طاهر الجوسقي الصرصري، سمع من أبيه، وابن البطي وشهدة وغيرهم، روى عنه الحافظان: ابن النجار، وابن الدبيثي، وذكره كل منهما في " الذيل "، وتوفي سنة أربع وثلاثين وستمائة، قاله ابن النجار.
928.... وأحمد بن جعفر وجده ... حمدان هم أربعة تعده
هذا مثال القسم الثاني من أقسام المتفق والمفترق، وهو أن تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم، نحو أحمد بن جعفر بن حمدان، أربعة متعاصرون في طبقة واحدة
(2/262)
فالأول أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك، أبو بكر البغدادي القطيعي، سمع من عبد الله بن أحمد بن حنبل المسند، والزهد توفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة، وروى عنه أبو نعيم الأصبهاني، وآخرون كثيرون
والثاني أحمد بن جعفر بن حمدان بن عيسى السقطي البصري، يكنى أبا بكر أيضا، يروي عن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدورقي وغيره، وروى عنه أبو نعيم أيضا وغيره وتوفي سنة أربع وستين وثلاثمائة، وقد جاوز المائة
والثالث أحمد بن جعفر بن حمدان الدينوري، حدث عن عبد الله بن محمد بن سنان الروحي، روى عنه علي بن القاسم بن شاذان الرازي وغيره
والرابع أحمد بن جعفر بن حمدان أبو الحسن الطرسوسي، روى عن عبد الله بن جابر، ومحمد بن حصن بن خالد الطرسوسيين، وروى عنه القاضي أبو الحسن الخطيب بن عبد الله بن محمد الخصيبي المصري
ومن غرائب الاتفاق في ذلك محمد بن جعفر بن محمد، ثلاثة متعاصرون ماتوا في سنة واحدة، وكل منهم في عشر المائة، وهم
أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم الأنباري البندار
والحافظ أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر النيسابوري
وأبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن كنانة البغدادي
ماتوا في سنة ستين وثلاثمائة
(2/263)
.. ولهم الجوني أبو عمرانا ... اثنان والآخر من بغدانا
هذا مثال للقسم الثالث: وهو أن تتفق الكنية والنسبة معا، نحو أبي عمران
الجوني، رجلان.
فالأول: بصري، وهو أبو عمران عبد الملك بن حبيب الجوني التابعي المشهور، وسماه الفلاس: عبد الرحمن، ولم يتابع على ذلك، وتوفي سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل: سنة ثمان وعشرين، وقيل: سنة ثلاث وعشرين.
والثاني: متأخر الطبقة عنه، وهو: أبو عمران موسى بن سهل بن عبد الحميد الجوني، روى عن الربيع بن سليمان وطبقته، روى عنه الإسماعيلي والطبراني، وغيرهما. وهو بصري، سكن بغداد. وبغدان - بالنون - لغة فيها.
ومن ذلك: أبو عمر الحوضي اثنان ذكرهما الخطيب.
930.... كذا محمد بن عبد الله ... هما من الأنصار ذو اشتباه
هذا مثال للقسم الرابع وهو أن يتفق الاسم واسم الأب والنسبة، نحو محمد بن عبد الله الأنصاري، رجلان متقاربان في الطبقة
(2/264)
فالأول القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري، شيخ البخاري، وصاحب الجزء المشهور، توفي سنة خمس عشرة ومائتين، عن سبع وتسعين سنة
والثاني أبو سلمة محمد بن عبد الله بن زياد الأنصاري مولاهم، بصري أيضا، ضعفه العقيلي، وأبو أحمد الحاكم، وابن حبان، وغيرهم قيل إنه جاوز المائة وقد اقتصر ابن الصلاح على هاتين الترجمتين تبعا للخطيب وقال الحافظ أبو الحجاج المزي في التهذيب محمد بن عبد الله الأنصاري ثلاثة، فذكر المتقدمين وزاد محمد بن عبد الله بن حفص بن هشام بن زيد بن أنس بن مالك الأنصاري، وهو بصري أيضا، روى عنه ابن ماجه، وذكره ابن حبان في الثقات قلت وممن اشترك معهم في هذا محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، وإنما اقتصر الخطيب على المذكورين أولا؛ لتقاربهما في الطبقة، اشتركا في الرواية عن حميد الطويل، وسليمان التيمي، ومالك بن دينار، وقرة بن خالد وأشرت إلى اشتباه الأمر بينهما بقولي ذو اشتباه وأما الثالث فإنه متأخر الطبقة عنهما، روى عن محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري المذكور أولا وأما الرابع فمتقدم الطبقة عليهما ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، والله أعلم
(2/265)
.. ثم أبو بكر بن عياش لهم ... ثلاثة قد بينوا محلهم
هذا مثال لقسم خامس من هذا النوع لم يفرده ابن الصلاح بالتقسيم؛ وإنما أدخله في القسم الثالث، وقال: ((إنه مما يقاربه)) ، وهو أن تتفق كناهم، وأسماء أبائهم، نحو أبي بكر بن عياش، ثلاثة:
فالأول: أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ راوي قراءة عاصم، اختلف في اسمه على أحد عشر قولا، وقد تقدم في القسم الأول من الأسماء والكنى أن أبا زرعة صحح أن اسمه شعبة، وصحح ابن الصلاح، والمزي أن اسمه كنيته. مات في عشر المائة، قيل: سنة اثنتين وتسعين ومائة، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع.
والثاني: أبو بكر بن عياش الحمصي، روى عن عثمان بن شباك الشامي، وروى عنه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي. قال الخطيب: وعثمان، وأبو بكر مجهولان، وجعفر كان غير ثقة.
والثالث: أبو بكر بن عياش بن حازم السلمي، مولاهم الباجدائي، اسمه حسين، روى عن جعفر بن برقان، روى عنه علي بن جميل الرقي، وغيره. قال الخطيب: وكان فاضلا أديبا، وله كتاب مصنف في غريب الحديث. مات سنة أربع ومائتين، بباجداء، قاله: هلال بن العلاء.
(2/266)
932.... وصالح أربعة كلهم ... ابن أبي صالح اتباع هم
هذا مثال لقسم سادس من هذا النوع وهو عكس ما قبله أن تتفق أسماؤهم، وكنى آبائهم، نحو صالح بن أبي صالح، أربعة، كلهم من التابعين، ولم يذكر الخطيب في كتابه إلا الثلاثة الأولين
فالأول صالح بن أبي صالح، أبو محمد المدني، واسم أبي صالح نبهان وقال أبو زرعة هو صالح بن صالح بن نبهان، وكنية نبهان أبو صالح، وهو صالح مولى التوأمة بنت أمية بن خلف الجمحي، روى عن أبي هريرة، وابن عباس، وأنس، وغيرهم من الصحابة مختلف في الاحتجاج به، توفي سنة خمس وعشرين ومائة
والثاني صالح بن أبي صالح السمان، واسم أبي صالح ذكوان أبو عبد الرحمن المدني، روى عن أنس، روى له مسلم، والترمذي حديثا واحدا
والثالث صالح بن أبي صالح السدوسي، روى عن علي، وعائشة، روى عنه خلاد بن عمرو، ذكره البخاري في التاريخ، وابن حبان في الثقات
(2/267)
والرابع صالح بن أبي صالح المخزومي الكوفي، مولى عمرو بن حريث، واسم أبي صالح مهران، روى عن أبي هريرة، روى عنه أبو بكر بن عياش، ذكره البخاري في
التاريخ، وله عند الترمذي حديث ضعفه يحيى بن معين، وجهله النسائي وهذا الرابع لم يذكره الخطيب
قلت ومما لم يذكراه صالح بن أبي صالح الأسدي، روى عن الشعبي، روى عنه زكريا بن أبي زائدة، ذكره البخاري في التاريخ، وروى له النسائي حديثا، وإنما لم يذكراه؛ لكونه متأخر الطبقة عن الأربعة المذكورين وأيضا فسماه بعضهم صالح بن صالح الأسدي، قال البخاري وصالح بن أبي صالح أصح
... ومنه ما في اسم فقط ويشكل ... كنحو حماد إذا ما يهمل
934.... فإن يك ابن حرب او عارم قد ... أطلقه فهو ابن زيد أو ورد
... عن التبوذكي أو عفان ... أو ابن منهال فذاك الثاني
أي: ومن أقسام المتفق والمفترق - وهو القسم السابع منه -: أن يتفق الاسم
فقط، ويقع في السند ذكر الاسم فقط، مهملا من غير ذكر أبيه أو نسبة تميزه، ونحو ذلك. وكذلك: أن تتفق الكنية فقط، ويذكر بها في الإسناد من غير تمييز بغيرها.
(2/268)
فمثاله في الاسم: أن يطلق في الإسناد: حماد، من غير أن ينسب، هل هو ابن زيد أو ابن سلمة؟ ويتميز ذلك عند أهل الحديث بحسب من أطلق من الرواة عنه، فإن كان الذي أطلق الرواية عنه سليمان بن حرب أو عارم، فالمراد حينئذ: حماد بن زيد، قاله محمد بن يحيى الذهلي، وكذا قاله أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي في كتاب " المحدث الفاصل "، والمزي في " التهذيب ".
وإن كان الذي أطلقه أبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي، فمراده: حماد بن سلمة. قاله الرامهرمزي إلا أن ابن الجوزي قال في " التلقيح ": إن التبوذكي ليس يروي إلا عن حماد بن سلمة خاصة، وكذلك إذا أطلقه عفان، فقد روى محمد بن يحيى الذهلي عن عفان، قال: إذا قلت لكم حدثنا حماد، ولم أنسبه، فهو ابن سلمة، وقال الرامهرمزي: إذا قال عفان: حدثنا حماد أمكن أن يكون أحدهما كذا، قال الرامهرمزي: وهو ممكن، لولا ما حكاه الذهلي عن عفان من اصطلاحه، فزال أحد الاحتمالين، فلهذا اقتصرت في النظم على أن المراد: ابن سلمة، وإن كان ابن الصلاح حكى القولين، وكذا اقتصر المزي في " التهذيب " على أن المراد: ابن سلمة، وهو الصواب، والله أعلم. وكذا إذا أطلق ذلك حجاج بن منهال، فالمراد: ابن سلمة، قاله
(2/269)
محمد بن يحيى الذهلي، والرامهرمزي والمزي أيضا. قلت: وكذا إذا أطلقه هدبة بن خالد، فالمراد: ابن سلمة، قاله المزي في " التهذيب ".
وقولي: (فذاك الثاني) ، أي: حماد بن سلمة، وقيل له الثاني، أي: في الذكر؛ لكونه قد تقدم ذكر ابن زيد، وإلا فابن سلمة أقدم وفاة من ابن زيد فليس المراد في الوفاة، بل في الذكر.
قلت: وإنما يزيد الإشكال إذا كان من أطلق ذلك قد روى عنهما معا. أما إذا لم يرو إلا عن أحدهما، فلا إشكال حينئذ عند أهل المعرفة.
وممن انفرد بالرواية عن حماد بن زيد دون ابن سلمة: أبو الربيع الزهراني وقتيبة، ومسدد، وأحمد بن عبدة الضبي، وآخرون.
وممن انفرد بحماد بن سلمة، دون حماد بن زيد: بهز بن أسد، وآخرون لهم موضع غير هذا. ومثل ابن الصلاح أيضا بما إذا أطلق عبد الله في السند، ثم حكى عن سلمة بن سليمان، قال: إذا قيل بمكة: عبد الله، فهو ابن الزبير، وإذا قيل بالكوفة، فهو ابن مسعود، وإذا قيل بالبصرة، فهو ابن عباس، وإذا قيل بخراسان، فهو ابن المبارك. وقال الخليلي في " الإرشاد ": ((إذا قال المصري: عبد الله، فهو ابن عمرو - يعني: ابن العاص - وإذا قاله المكي، فهو ابن عباس - قلت: لكن قال النضر بن شميل: إذا قال الشامي: عبد الله، فهو ابن عمرو بن العاص - قال: وإذا قال المدني:
(2/270)
عبد الله، فهو ابن عمر)) . قال الخطيب: وهذا القول صحيح، قال: وكذلك يفعل بعض المصريين في عبد الله بن عمرو بن العاص.
ومثل ابن الصلاح لاتفاق الكنية بأبي حمزة -بالحاء والزاي- عن ابن عباس إذا أطلق، قال: وذكر بعض الحفاظ أن شعبة روى عن سبعة كلهم أبو حمزة، عن ابن عباس، وكلهم بالحاء والزاي إلا واحدا، فإنه بالجيم - أي: والراء - وهو أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي. فإذا أطلق، فهو نصر بن عمران، وإذا روي عن غيره، فهو يذكر اسمه، أو نسبه)) ، والله أعلم.
وللخطيب كتاب مفيد في هذا القسم سماه " المكمل في بيان المهمل ".
936.... ومنه ما في نسب كالحنفي ... قبيلا او مذهبا او باليا صف
أي ومن أقسام المتفق والمفترق وهو القسم الثامن منه أن يتفقا في النسب من حيث اللفظ، ويفترقا من حيث إن ما نسب إليه أحدهما، غير ما نسب إليه الآخر
ولمحمد بن طاهر المقدسي في هذا القسم تصنيف حسن
نحو الحنفي، والحنفي فلفظ النسب واحد
(2/271)
وأحدهما منسوب إلى القبيلة، وهم بنو حنيفة، منهم أبو بكر عبد الكبير ابن عبد المجيد الحنفي، وأخوه أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي أخرج لهما الشيخان
والثاني منسوب إلى مذهب أبي حنيفة، وفيهم كثرة
وقولي او باليا صف، أي انسب إلى القسم الثاني وهو ما نسب للمذهب بزيادة ياء مثناة من تحت، فقل حنيفي، فقد كان جماعة من أهل الحديث، منهم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، يفرقون بين النسبة للقبيلة والمذهب بذلك
قال ابن الصلاح ولم أجد ذلك عن أحد من النحويين إلا عن أبي بكر بن الأنباري الإمام، قاله في الكافي
ومثل ابن الصلاح أيضا بالآملي، والآملي
فالأول آمل طبرستان، قال السمعاني أكثر أهل العلم من أهل طبرستان من أهل آمل
والثاني إلى آمل جيحون شهر بالنسبة إليها عبد الله بن حماد الآملي روى عنه البخاري في صحيحه، قال وما ذكره الغساني، ثم القاضي عياض من أنه
(2/272)
منسوب إلى آمل طبرستان، فهو خطأ قلت لم يرو البخاري في صحيحه عنه مصرحا بنسبه، ولا بأبيه، وإنما حدث في موضع، عن عبد الله غير منسوب عن يحيى بن معين وفي موضع آخر عن عبد الله غير منسوب عن سليمان بن
عبد الرحمن، فاختلف في مراده بعبد الله، فقيل هو الآملي، قاله الكلاباذي، وقيل هو عبد الله بن أبي القاضي الخوارزمي، وهو الظاهر؛ فإنه روى في كتاب الضعفاء مصرحا به عدة أحاديث، عن سليمان بن عبد الرحمن، وغيره
(2/273)
تلخيص المتشابه
... ولهم قسم من النوعين ... مركب متفق اللفظين
938.... في الاسم لكن أباه اختلفا ... أو عكسه أو نحوه وصنفا
... فيه الخطيب نحو موسى بن علي ... وابن علي وحنان الأسدي
هذا النوع يتركب من النوعين اللذين قبله، وهو: أن يتفق الاسمان في اللفظ والخط، ويفترقا في الشخص، ويأتلف أسماء أبويهما في الخط، ويختلفا في اللفظ، أو على العكس، بأن يأتلف الاسمان خطا، ويختلفا لفظا، ويتفق أسماء أبويهما لفظا، أو نحو ذلك، بأن يتفق الاسمان والكنيتان لفظا، وتختلف نسبتهما نطقا، أو تتفق النسبة لفظا، ويختلف الاسمان أو الكنيتان لفظا، وما أشبه ذلك. وقد صنف في ذلك الخطيب كتابه المسمى بـ " تلخيص المتشابه " وهو من أحسن كتبه.
فمثال الأول: موسى بن علي، وموسى بن علي.
فالأول: بفتح العين مكبرا، وهم جماعة متأخرون، ليس في الكتب الستة منهم أحد، ولا في " تاريخ البخاري "، ولا في كتاب ابن أبي حاتم، إلا الثاني الذي فيه الخلاف، منهم: موسى بن علي أبو عيسى الختلي، وموسى بن علي أبو علي الصواف.
(2/274)
والثاني: بضم العين مصغرا، وهو موسى بن علي بن رباح اللخمي المصري - أمير مصر - اشتهر بضم العين مصغرا، وصحح البخاري، وصاحب " المشارق " الفتح، وروينا عن موسى، قال: اسم أبي: علي؛ ولكن بنو أمية قالوا: علي بن رباح، وفي حرج من قال: علي. وروينا عنه أيضا قال: من قال موسى بن علي لم أجعله في حل. وروينا أيضا ذلك عن أبيه قال: لا أجعل أحدا في حل يصغر اسمي. وقال محمد بن سعد: ((أهل مصر يفتحون، وأهل العراق يضمون)) . وقال الدارقطني: كان يلقب بعلي، وكان اسمه عليا، وقد اختلف في سبب تصغيره، فقال أبو عبد الرحمن المقرئ: كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي، قتلوه، فبلغ ذلك رباحا، فقال: هو علي، وقال ابن حبان في "الثقات": ((كان أهل الشام يجعلون كل علي عندهم عليا لبغضهم عليا - رضي الله عنه -، ومن أجله ما قيل لعلي ابن رباح: علي بن رباح، ولمسلمة بن علي: مسلمة بن علي)) .
ومثال الثاني: وهو عكس الأول، سريج بن النعمان، وشريح بن النعمان، وكلاهما مصغر.
(2/275)
فالأول: بالسين المهملة والجيم، وهو سريج بن النعمان بن مروان اللؤلؤي البغدادي، روى عنه البخاري، وروى له أصحاب السنن، تقدم ذكره في " المؤتلف والمختلف ".
والثاني: بالشين المعجمة، والحاء المهملة: شريح بن النعمان الصائدي الكوفي
- تابعي - له في السنن الأربعة حديث واحد عن علي ابن أبي طالب.
ومثال الثالث: محمد بن عبد الله المخرمي، ومحمد بن عبد الله المخرمي.
فالأول: بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة، وكسر الراء المشددة، نسبة إلى المخرم من بغداد، وهو محمد بن عبد الله بن المبارك أبو جعفر القرشي البغدادي المخرمي الحافظ قاضي حلوان، روى عنه البخاري، وأبو داود والنسائي.
والثاني: محمد بن عبد الله المخرمي -بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء-المكي، قال ابن ماكولا: لعله من ولد مخرمة بن نوفل، روى عن الشافعي، روى عنه عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة، ليس بالمشهور.
ومثال الرابع: أبو عمرو الشيباني، وأبو عمرو السيباني.
فالأول: بفتح الشين المعجمة، وسكون الياء المثناة من تحت بعدها باء موحدة وقبل ياء النسبة نون، جماعة منهم: أبو عمرو سعيد بن إياس الشيباني الكوفي - تابعي مخضرم - وحديثه في الكتب الستة، توفي سنة ثمان وتسعين.
(2/276)
وأبو عمرو الشيباني: هارون بن عنترة بن عبد الرحمن، كوفي أيضا من أتباع التابعين، حديثه في سنن أبي داود والنسائي. وهذا هو المعروف من أن كنيته أبو عمرو، وكذا كناه يحيى بن سعيد، وابن المديني، وأحمد بن حنبل والبخاري والنسائي، وأبو أحمد الحاكم، والخطيب، وغيرهم. وأما ما اقتصر عليه المزي من أن كنيته: أبو عبد الرحمن، فوهم.
وأبو عمرو الشيباني النحوي اللغوي كوفي أيضا، نزل بغداد، اسمه: إسحاق بن مرار، بكسر الميم، عند عبد الغني بن سعيد، وبفتحها عند الدارقطني، وشدد بعضهم الراء على وزن عمار، له ذكر في " صحيح مسلم " بكنيته فقط، في تفسير حديث: ((أخنع اسم عند الله، رجل يسمى ملك الأملاك)) ، توفي سنة عشر ومائتين.
والثاني: بفتح السين المهملة، والباقي سواء، وهو أبو عمرو السيباني - تابعي مخضرم أيضا - من أهل الشام، اسمه زرعة، وهو عم الأوزاعي، ووالد يحيى بن أبي عمرو، له عند البخاري في كتاب " الأدب "، حديث واحد موقوف على عقبة ابن عامر.
ومثال الخامس: حنان الأسدي، وحيان الأسدي.
(2/277)
فالأول: بفتح الحاء المهملة، والنون المخففة، وآخره نون أيضا، وهو حنان الأسدي، من بني أسد بن شريك - بضم الشين - البصري. روى عن أبي عثمان النهدي حديثا مرسلا، روى عنه حجاج الصواف، ويعرف بصاحب الرقيق، وهو عم مسرهد، والد مسدد.
والثاني: حيان - بتشديد الياء المثناة من تحت، والباقي سواء -، وهو حيان بن حصين الأسدي الكوفي، يكنى أبا الهياج -تابعي- له في " صحيح مسلم " حديث عن علي في " الجنائز ".
وحيان الأسدي شامي تابعي أيضا، له في " صحيح ابن حبان " حديث عن واثلة ابن الأسقع، ويعرف بحيان بن أبي النضر.
ومثال السادس: أبو الرجال الأنصاري، وأبو الرحال الأنصاري.
فالأول: بكسر الراء، وتخفيف الجيم، اسمه محمد بن عبد الرحمن مدني، روى عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، وغيرها، حديثه في الصحيحين.
والثاني: بفتح الراء، وتشديد الحاء المهملة، بصري، اسمه محمد بن خالد، وقيل: خالد بن محمد، له عند الترمذي حديث واحد، عن أنس، وهو ضعيف.
(2/278)
ومما يشبه هذه الأقسام: ابن عفير المصري، وابن غفير المصري، وكلاهما مصغر.
فالأول: بالعين المهملة، سعيد بن كثير بن عفير، أبو عثمان المصري، وقد ينسب إلى جده، روى عنه البخاري، وروى مسلم عن واحد عنه.
والثاني: بالغين المعجمة، اسمه الحسن بن غفير المصري، قال الدارقطني:
((متروك)) ، وله أقسام أخر، لا حاجة بنا إلى التطويل بها.
وقد أدخل فيه الخطيب، وابن الصلاح ما لا يأتلف خطه، كـ: ثور بن يزيد، وثور بن زيد، وعمرو بن زرارة، وعمر بن زرارة. فلم أذكره؛ لعدم الاشتباه في الغالب.
المشتبه المقلوب
940.... ولهم المشتبه المقلوب ... صنف فيه الحافظ الخطيب
... كابن يزيد الاسود الرباني ... وكابن الاسود يزيد اثنان
هذا النوع مما يقع فيه الاشتباه في الذهن، لا في صورة الخط؛ وذلك أن يكون اسم أحد الراويين كاسم أبي الآخر خطا ولفظا، واسم الآخر كاسم أبي الأول فينقلب على بعض أهل الحديث، كما انقلب على البخاري ترجمة مسلم ابن الوليد المدني فجعله الوليد بن مسلم، كالوليد بن مسلم الدمشقي المشهور، وخطأه في ذلك ابن أبي حاتم في
(2/279)
كتاب له في خطأ البخاري في " تاريخه " حكاية عن أبيه، وهذه الترجمة ليست في بعض نسخ التاريخ. وقد صنف الخطيب في ذلك كتابا سماه: " رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب ". ومثاله: الأسود بن يزيد، ويزيد بن الأسود.
فالأول: هو النخعي المشهور خال إبراهيم النخعي من كبار التابعين وعلمائهم، حديثه في الكتب الستة، والرباني: هو العالم العامل المعلم، قاله ثعلب. وقال الجوهري: المتأله والعارف بالله تعالى. وقد كان الأسود يصلي كل يوم سبعمائة ركعة، وسافر ثمانين حجة وعمرة من الكوفة، لم يجمع بينهما.
والثاني: يزيد بن الأسود الخزاعي، له صحبة، وله في السنن حديث
واحد، قال ابن حبان: ((عداده في أهل مكة)) ، وقال المزي: ((في الكوفيين)) ، ويزيد بن الأسود الجرشي - تابعي مخضرم - يكنى أبا الأسود سكن الشام، واستسقوا به فسقوا للوقت حتى كادوا لا يبلغون منازلهم. وقولي: (اثنان) ، إشارة إلى أن يزيد بن الأسود اثنان.
(2/280)
من نسب إلى غير أبيه
942.... ونسبوا إلى سوى الآباء ... إما لأم كبني عفراء
... وجدة نحو ابن منية، وجد ... كابن جريح وجماعة وقد
944.... ينسب كالمقداد بالتبني ... فليس للأسود أصلا بابن
المنسوبون إلى غير آبائهم على أقسام
القسم الأول من نسب إلى أمه كبني عفراء، وهم معاذ، ومعوذ، وعوذ، وقيل عوف بالفاء، وعفراء أمهم، وهي عفراء بنت عبيد بن ثعلبة من بني النجار، واسم أبيهم الحارث بن رفاعة بن الحارث من بني النجار أيضا، وشهد بنو عفراء بدرا، فقتل منهم اثنان بها عوف ومعوذ، وبقي معاذ إلى زمن عثمان،
وقيل إلى زمن علي، فتوفي بصفين، وقيل إنه جرح أيضا ببدر، ورجع إلى المدينة فمات بها
ومن أمثلة ذلك من الصحابة بلال بن حمامة، وسهل، وسهيل ابنا بيضاء، وشرحبيل بن حسنة، وعبد الله بن بحينة، وسعد بن حبتة
ومن التابعين فمن بعدهم محمد بن الحنفية، وإسماعيل بن علية، وإبراهيم بن هراسة
(2/281)
وقد صنف فيمن عرف بأمه الحافظ علاء الدين مغلطاي تصنيفا حسنا، هو عندي بخطه في ثلاث وستين ورقة
والقسم الثاني من نسب إلى جدة دنيا كانت أو عليا، كيعلى بن منية الصحابي المشهور، اسم أبيه أمية بن أبي عبيدة، ومنية أم أبيه في قول الزبير بن بكار، وكذا قال ابن ماكولا إنها جدته أم أبيه الأدنى، وقال الطبري إنها أم يعلى نفسه، ورجحه المزي، وقال ابن عبد البر لم يصب الزبير وأما قول ابن وضاح أن منية أبوه، فوهم، حكاه صاحب المشارق، والمعروف الصواب أن منية اسم امرأة، واختلف في نسبها، فقيل منية بنت الحارث بن جابر، قاله ابن ماكولا، وقيل منية بنت جابر عمة عتبة بن غزوان، قاله الطبري وقيل منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان، حكاه الدارقطني عن أصحاب الحديث وأصحاب التاريخ، ورجحه المزي
(2/282)
ومثال من نسب إلى جدته العليا بشير بن الخصاصية، الصحابي المشهور، واسم أبيه معبد، وقيل نذير، وقيل زيد، وقيل شراحيل والخصاصية أم الثالث من أجداده، قاله ابن الصلاح، ويقال هي أمه، حكاه ابن الجوزي في التلقيح، وقال الرامهرمزي الخصاصية اسمها كبشة، وقيل ماوية بنت عمرو بن الحارث الغطريف
ومن ذلك في المتأخرين أبو أحمد عبد الوهاب بن سكينة، فسكينة أم أبيه، واسم أبيه علي بن علي
ومن ذلك فيما قيل الشيخ مجد الدين بن تيمية صاحب المنتقى، وبقية أهل بيته، فقيل إن جدته من وادي التيم
والقسم الثالث من نسب إلى جده، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، وكذلك قول الأعرابي في الحديث الصحيح أيكم ابن عبد المطلب
ومثاله في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح، وهو عامر بن عبد الله بن الجراح وحمل بن النابغة، هو ابن مالك بن النابغة ومجمع بن جارية، هو ابن يزيد بن جارية، وقيل هما اثنان وأحمد بن جزء، هو ابن سواء بن جزء
(2/283)
وفي الأئمة ابن جريج، هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ومثله ابن الماجشون، وابن أبي ذئب، وابن أبي ليلى، وابن أبي مليكة، وأحمد بن حنبل وأبو بكر ابن أبي شيبة، وأخواه عثمان والقاسم، وابن يونس صاحب تاريخ مصر، وابن مسكين من بيوت المصريين، اشتهروا ببني مسكين من زمن النسائي إلى زماننا هذا، وجدهم الحارث بن مسكين أحد شيوخ النسائي
والقسم الرابع من نسب إلى رجل لكونه تبناه، كالمقداد بن الأسود، فليس هو بابن الأسود، وإنما كان في حجر الأسود بن عبد يغوث، وتبناه فنسب إليه، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة الكندي وكالحسن بن دينار أحد الضعفاء - فدينار زوج أمه، واسم أبيه واصل، قاله يحيى بن معين، والفلاس، والجوزجاني، وابن حبان، وغيرهم، قال ابن الصلاح وكأن هذا خفي على ابن أبي حاتم، حيث قال فيه الحسن بن دينار بن واصل، فجعل واصلا جده قلت وقد جعل بعضهم دينارا جده، رواه أبو العرب في كتاب الضعفاء، عن يحيى بن محمد بن يحيى بن سلام، عن أبيه، عن الحسن جده، قال الحسن بن واصل بن دينار، ودينار جده
(2/284)
المنسوبون إلى خلاف الظاهر
... ونسبوا لعارض كالبدري ... نزل بدرا عقبة ابن عمرو
946.... كذلك التيمي سليمان نزل ... تيما وخالد بحذاء جعل
... جلوسه ومقسم لما لزم ... مجلس عبد الله مولاه وسم
قد ينسب الراوي إلى نسبة من مكان، أو وقعة، أو قبيلة، أو صنعة، وليس الظاهر الذي يسبق إلى الفهم من تلك النسبة مرادا، بل لعارض عرض من نزوله ذلك المكان، أو تلك القبيلة، أو نحو ذلك.
ومثاله: أبو مسعود البدري، واسمه: عقبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لم يشهد بدرا في قول أكثر أهل العلم، وهو قول ابن شهاب، ومحمد بن إسحاق، والواقدي، ويحيى بن معين، وإبراهيم الحربي، وبه جزم السمعاني، وأما البخاري، فعده في الصحيح ممن شهد بدرا، وروى في صحيحه حديث عروة بن الزبير: أخر المغيرة ابن شعبة العصر، وهو أمير الكوفة، فدخل عليه أبو مسعود، عقبة بن عمرو الأنصاري - جد زيد بن حسن -، شهد
(2/285)
بدرا ... الحديث، وقال شعبة عن الحكم: كان أبو مسعود بدريا. وقال محمد بن سعد: شهد أحدا وما بعدها، ولم يشهد بدرا، قال: وليس بين أصحابنا في ذلك اختلاف. وقال ابن عبد البر: ((لا يصح شهوده بدرا)) . انتهى. وذكر إبراهيم الحربي أنه إنما نسب لذلك؛ لأنه كان ساكنا ببدر، وقد شهد العقبة مع السبعين، وكان أصغر من شهدها.
ومن ذلك: سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر، قال البخاري في التاريخ: يعرف بالتيمي؛ كان ينزل بني تيم، وهو مولى بني مرة، وروى السمعاني أن ابنه - المعتمر - قال له: يا أبت تكتب التيمي ولست بتيمي؟ قال: تيم الدار، وروى الأصمعي، عن ابنه المعتمر، قال: قال أبي: إذا كتبت فلا تكتب التيمي، ولا تكتب المري، فإن أبي كان مكاتبا لبحير بن حمران، وإن أمي كانت مولاة لبني سليم، فإن كان أدى الكتابة فالولاء لبني مرة، وهو مرة بن عباد بن ضبيعة بن قيس، فاكتب القيسي وإن لم يكن أدى الكتابة، فالولاء لبني سليم، وهم من قيس عيلان، فاكتب القيسي.
ومن ذلك: أبو عمرو الأوزاعي، وفيروز الحميري، وإبراهيم بن يزيد الخوزي، وأبو خالد الدالاني، وعبد الملك بن سليمان العرزمي، ومحمد بن سنان العوقي -بالقاف وفتح الواو - وأبو سعيد المقبري، وإسماعيل بن محمد المكي، نزل كل منهم فيما نسب إليه.
ومن ذلك أحمد بن يوسف السلمي -شيخ مسلم- كانت أمه منهم، وحفيده أبو عمرو بن نجيد، وأبو عبد الرحمن السلمي سبط ابن نجيد المذكور.
(2/286)
وقريب من ذلك: خالد الحذاء، وهو خالد بن مهران. واختلف في سبب انتسابه لذلك فقال يزيد بن هارون فيما حكاه البخاري في" التاريخ ": ما حذا نعلا قط، إنما كان يجلس إلى حذاء فنسب إليه، وكذا قال محمد بن سعد: ((لم يكن بحذاء، ولكن كان يجلس إليهم)) ، قال: وقال فهد بن حيان: لم يحذ خالد قط، وإنما كان يقول: احذ على هذا النحو؛ فلقب: الحذاء.
وقريب منه أيضا: مقسم مولى ابن عباس، هو مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، قاله البخاري وغيره، وقيل له: مولى ابن عباس؛ للزومه له.
ومن ذلك: يزيد الفقير، كان يشكو فقار ظهره.
المبهمات
948.... ومبهم الرواة ما لم يسمى ... كامرأة في الحيض وهي أسما
... ومن رقى سيد ذاك الحي ... راق أبي سعيد الخدري
950.... ومنه نحو ابن فلان، عمه ... عمته، زوجته، ابن أمه
(2/287)
من أنواع علوم الحديث معرفة من أبهم ذكره في الحديث، أو في الإسناد من الرجال والنساء، وقد صنف في ذلك جماعة من الحفاظ منهم عبد الغني ابن سعيد، والخطيب، وأبو القاسم بن بشكوال، وهو أكبر كتاب جمع فيه ثلاثمائة حديث، وواحدا وعشرين حديثا، ولكنه على غير ترتيب، ورتب الخطيب كتابه على الحروف في الشخص المبهم، وجملة ما في كتاب الخطيب مائة وواحد وسبعون حديثا، واختصره النووي ورتبه على الحروف في راوي الحديث وهو أسهل للكشف، وزاد فيه بعض أسماء ويستدل على معرفة الشخص المبهم بوروده مسمى في بعض طرق الحديث، وهو واضح، أو بتنصيص أهل السير على كثير منهم، وربما استدلوا بورود حديث آخر أسند فيه لمعين ما أسند لذلك الراوي المبهم في ذلك الحديث، وفيه نظر، من حيث إنه يجوز وقوع تلك الواقعة لشخصين اثنين
ومن أمثلة ذلك حديث عائشة أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسلها من المحيض، قال خذي فرصة من مسك، فتطهري بها ... الحديث، متفق عليه من رواية منصور بن صفية، عن أمه، عن عائشة وهذه المرأة المبهمة في رواية منصور، اسمها أسماء، والحجة في ذلك ما رواه مسلم في أفراده من رواية إبراهيم بن المهاجر، قال سمعت صفية، تحدث عن عائشة أن أسماء سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن غسل الحيض، فذكر الحديث
(2/288)
وقد اختلف من صنف في المبهمات في تعيين أسماء هذه، فقال الخطيب بنت يزيد بن السكن الأنصارية، وقال ابن بشكوال هي أسماء بنت شكل، وهذا هو الصواب، فقد ثبت ذلك في بعض طرق الحديث في صحيح مسلم، وقال النووي في مختصر المبهمات يجوز أن تكون القصة جرت للمرأتين في مجلس أو مجلسين
ومن ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن ناسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا في سفر فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فلم يضيفوهم، فقالوا لهم هل فيكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ أو مصاب، فقال رجل منهم نعم، فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب، فبرئ الرجل ... الحديث أخرجه الأئمة الستة، وهذا لفظ مسلم، وقد روى البخاري القصة من حديث ابن عباس، قال الخطيب الراقي هو أبو سعيد الخدري، راوي الحديث، وكذا قال ابن الصلاح تبعا له، وفيه نظر من حيث إن في بعض طرقه عند مسلم من حديث أبي سعيد فقام معه رجل منا، ما كنا نظنه يحسن رقية ... الحديث
(2/289)
وفيه فقلنا أكنت تحسن رقية؟ قال ما رقيته إلا بفاتحة الكتاب وفي رواية له ما كنا نأبنه برقية وهذا ظاهر في أنه غيره إلا أن يقال لعل ذلك وقع مرتين، مرة لغيره، ومرة له، والله أعلم
ومن أمثلة المبهم ابن فلان غير مسمى، مثاله ما رواه أصحاب السنن الأربعةمن حديث يزيد بن شيبان، قال أتانا ابن مربع الأنصاري، ونحن بعرفة، فقال إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم، يقول لكم قفوا على مشاعركم ... الحديث وابن مربع هذا بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وآخره عين مهملة، واختلف في اسمه، فقيل يزيد، وقيل زيد، وقيل عبد الله، قاله الواقدي، ومحمد بن سعد
(2/290)
ومن ذلك عم فلان، مثاله ما رواه النسائي من رواية علي بن يحيى بن
خلاد، عن أبيه، عن عم له بدري، في حديث المسيء صلاته، وقوله ارجع فصل، فإنك لم تصل ... نحو حديث أبي هريرة العم المبهم في الحديث هو رفاعة بن رافع الزرقي، كما سمي في سنن أبي داود وغيرها
وفي الصحيح حديث رافع بن خديج، عن بعض عمومته في النهي عن المخابرة، واسم عمه ظهير بن رافع
وفي الجامع للترمذي من رواية زياد بن علاقة، عن عمه مرفوعا اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق ... الحديث، عمه هو قطبة بن مالك، كما في صحيح مسلم في حديث آخر
ومن ذلك عمة فلان، مثاله ما رواه النسائي أيضا من رواية حصين ابن محصن، عن عمة له أنها أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - لحاجة، فلما فرغت، قال أذات زوج أنت؟ قالت نعم ... الحديث، واسم عمته هذه أسماء، قاله أبو علي ابن السكن، وابن ماكولا وكذلك ذكره ابن بشكوال أيضا في المبهمات
(2/291)
وفي الصحيح من حديث جابر في قتل أبيه يوم أحد، فجعلت عمتي تبكيه ... الحديث اسم عمته فاطمة بنت عمرو بن حرام، وقعت مسماة في مسند أبي داود الطيالسي، وسماها الواقدي هندا
ومن ذلك زوجة فلان، كحديث عقبة بن الحارث، قال تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت إني قد أرضعتكما ... الحديث، ووقع في البخاري تكنيتها بأم يحيى بنت أبي إهاب، ولم تسم فيه، قال ابن بشكوال، واسمها غنية بنت أبي إهاب بن عزيز بن قيس قلت ووقع في بعض طرق الحديث من رواية إسماعيل بن أمية، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث، قال تزوجت زينب بنت أبي إهاب، فالله أعلم
وفي الصحيح جاءت امرأة رفاعة القرظي ... الحديث في تزوجها بـ عبد الرحمن بن الزبير - بفتح الزاي - مكبرا، واختلف في اسمها، فقيل تميمة بنت وهب، وقيل تميمة - بضم التاء - وقيل سهيمة
(2/292)
ومن ذلك أيضا زوج فلانة، كحديث سبيعة الأسلمية، أنها ولدت بعد وفاة زوجها بليال ... الحديث، وهو في الصحيح، وزوجها هو سعد بن خولة
ومن ذلك ابن أم فلان، نحو حديث أم هانئ أنها قالت زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا أجرته ... الحديث ابن أمها هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كما هو مسمى في رواية مالك في الموطأ، وكذلك ابن أم مكتوم الأعمى، مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، يرد في الصحيح غير مسمى، واختلف في اسمه، فقيل عبد الله، وقيل عمرو، وقيل غير ذلك
تواريخ الرواة والوفيات
... ووضعوا التاريخ لما كذبا ... ذووه حتى بان لما حسبا
952.... فاستكمل النبي والصديق ... كذا علي وكذا الفاروق
(2/293)
.. ثلاثة الأعوام والستينا ... وفي ربيع قد قضى يقينا
954.... سنة إحدى عشرة، وقبضا ... عام ثلاث عشرة التالي الرضا
... ولثلاث بعد عشرين عمر ... وخمسة بعد ثلاثين غدر
956.... عاد بعثمان، كذاك بعلي ... في الأربعين ذو الشقاء الأزلي
الحكمة في وضع أهل الحديث التاريخ لوفاة الرواة ومواليدهم وتواريخ السماع وتاريخ قدوم فلان مثلا البلد الفلاني؛ ليختبروا بذلك من لم يعلموا صحة دعواه، كما روينا عن سفيان الثوري، قال لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ أو كما قال وروينا في تاريخ بغداد للخطيب، عن حسان بن يزيد، قال لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ نقول للشيخ سنة كم ولدت؟ فإذا أقر بمولده عرفنا صدقه من كذبه وقال حفص بن غياث القاضي إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين - بفتح النون المشددة تثنية سن وهو العمر - يريد احسبوا سنه وسن من كتب عنه، وسأل إسماعيل بن عياش رجلا اختبارا أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ فقال سنة ثلاث عشرة - يعني ومائة - فقال أنت تزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين، قال إسماعيل مات خالد سنة ست ومائة وقد روى يحيى بن صالح عن إسماعيل أنه توفي سنة خمس وقد وقع لعفير بن معدان نظير هذا مع من ادعى أنه سمع من
(2/294)
خالد؛ ولكن عفيرا قال إنه توفي سنة أربع ومائة وهو قول دحيم، ومعاوية بن صالح، وسليمان الخبائري، ويزيد بن عبد ربه، وقال إنه قرأه في ديوان العطاء كذلك، ورجحه ابن حبان، وبه جزم الذهبي في العبر وأما ابن سعد فحكى الإجماع على أنه توفي سنة ثلاث ومائة، وهو قول الهيثم بن عدي، والمدائني، ويحيى بن معين، والفلاس، ويعقوب بن شيبة في آخرين وأما أبو عبيد، وخليفة بن خياط، فقالا إنه بقي إلى سنة ثمان ومائة، ورجحه ابن قانع، فالله أعلم
وقد سأل أبو عبد الله الحاكم محمد بن حاتم الكشي عن مولده، لما حدث عن عبد بن حميد، فقال سنة ستين ومائتين، فقال سمع هذا من عبد بعد موته بثلاث عشرة سنة وقال أبو عبد الله الحميدي إنه مما يجب تقديم التهمم به وفيات الشيوخ، قال وليس فيه كتاب كأنه يريد الاستقصاء، وإلا ففيه كتب، كالوفيات لابن زبر، والوفيات لابن قانع، وقد اتصلت الذيول على ابن زبر إلى زماننا هذا، فذيل عليه الحافظ أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني، وذيل على الكتاني أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني ذيلا صغيرا نحو عشرين سنة، وذيل على
(2/295)
الأكفاني الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل، وذيل على ابن المفضل الحافظ أبو محمد عبد العظيم ابن عبد القوي المنذري بذيل كبير مفيد، وذيل على المنذري الشريف عز الدين أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني، وذيل على الشريف المحدث شهاب الدين أحمد بن أيبك الدمياطي إلى الطاعون، سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وذيلت على ابن أيبك والذيول المتأخرة أبسط من الأصل، وأكثر فوائد
والضمير في قولي ذووه يعود على الكذب؛ لتقدم الفعل الدال عليه
وقد ذكر ابن الصلاح عيونا من ذلك هنا، فاقتصر على وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والعشرة المشهود لهم بالجنة، ومن عاش من الصحابة ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام والأئمة الفقهاء الخمسة، والأئمة الحفاظ الخمسة وسبعة بعدهم من الحفاظ، انتفع بتصانيفهم، فاقتصرت على ذلك تبعا له
وقد اختلف في مقدار سن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه - أبي بكر وعمر - وابن عمه علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -
فالصحيح في سنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ثلاث وستون سنة، وهو قول عائشة، ومعاوية، وجرير بن عبد الله البجلي، وابن عباس، وأنس في المشهور عنهما وإن كان قد صح عن أنس أنه توفي على رأس ستين أيضا، فالعرب قد تترك الكسور، وتقتصر
(2/296)
على رؤوس الأعداد، وبه قال من التابعين ومن بعدهم ابن المسيب، والقاسم، والشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، ومحمد بن إسحاق، وصححه ابن عبد البر، والجمهور وقيل ستون سنة، ثبت ذلك عن أنس، وروي عن فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قول عروة بن الزبير، ومالك، وقيل خمس وستون، روي ذلك عن ابن عباس، وأنس أيضا ودغفل بن حنظلة، وقيل اثنان وستون، رواه ابن أبي خيثمة، عن قتادة
(2/297)
وأما أبو بكر، فالأصح فيه أيضا أنه عاش ثلاثا وستين، صح ذلك عن معاوية، وأنس، وهو قول الأكثرين، وبه جزم ابن قانع، والمزي، والذهبي، وقيل عاش خمسا وستين، حكاه ابن الجوزي، وقال ابن حبان في كتاب الخلفاء كان له يوم مات اثنان وستون سنة وثلاثة أشهر، واثنان وعشرون يوما
وأما عمر، فالأصح فيه أيضا أنه عاش ثلاثا وستين، صح ذلك أيضا عن معاوية، وأنس، وبه جزم ابن إسحاق، وهو قول الجمهور، ويدل عليه قولهم: ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وفي مبلغ سنه ثمانية أقوال أخر:
قيل ست وستون، وهو قول ابن عباس وقيل خمس وستون، وهو قول ابنه عبد الله بن عمر، والزهري، فيما حكاه ابن الجوزي عنهما وقيل إحدى وستون، وهو قول قتادة وقيل ستون، وبه جزم ابن قانع في الوفيات وقيل تسع وخمسون وقيل سبع وخمسون وقيل ست وخمسون وهذه الأقوال الثلاثة رويت عن نافع مولى ابن عمر وقيل خمس وخمسون، رواه البخاري في التاريخ عن ابن عمر، وبه جزم ابن حبان في كتاب الخلفاء
(2/298)
وأما علي، فقال أبو نعيم الفضل بن دكين، وغير واحد إنه قتل وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكذلك قال عبد الله بن عمر، وصححه ابن عبد البر، وهو أحد الأقوال المروية عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وبه صدر ابن الصلاح كلامه وقيل أربع وستون وقيل خمس وستون وروي هذان القولان عن أبي جعفر محمد بن علي أيضا، واقتصر ابن الصلاح من الخلاف على هذه الأقوال الثلاثة وقيل اثنان وستون، وبه جزم ابن حبان في كتاب الخلفاء وقيل ثمان وخمسون، وهو المذكور في تاريخ البخاري، عن محمد بن علي وقيل سبع وخمسون، وبه صدر ابن قانع كلامه، وقدمه ابن الجوزي والمزي عند حكاية الخلاف
وأما تاريخ وفياتهم فتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة، ولا خلاف بين أهل السير في الشهر، وكذلك لا خلاف في أن ذلك كان يوم الاثنين، وممن صرح به من الصحابة عائشة، وابن عباس، وأنس، ومن التابعين أبو سلمة بن عبد الرحمن، والزهري، وجعفر بن محمد وآخرون، وإنما اختلفوا أي يوم كان من الشهر؟ فجزم ابن إسحاق، ومحمد ابن سعد، وسعيد بن عفير، وابن
حبان، وابن عبد البر، بأنه يوم الاثنين، لا ثنتي عشرة ليلة خلت منه، وبه
(2/299)
جزم ابن الصلاح أيضا، والنووي في شرح مسلم، وغيره، والذهبي في العبر، وصححه ابن الجوزي، وبه صدر المزي كلامه، واستشكله السهيلي، كما سيأتي
وقال موسى بن عقبة إنه كان مستهل الشهر، وبه جزم ابن زبر في الوفيات ورواه أبو الشيخ ابن حيان في تاريخه، عن الليث بن سعد وقال سليمان التيمي لليلتين خلتا منه، ورواه أبو معشر عن محمد بن قيس أيضا
والقول الأول وإن كان قول الجمهور،، فقد استشكله السهيلي من حيث التاريخ؛ وذلك لأن الوقفة كانت في حجة الوداع يوم الجمعة بالاتفاق، لحديث عمر - المتفق عليه -، وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يكون ثاني عشر شهر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة يوم الاثنين، لا على تقدير كمال الشهور الثلاثة، ولا على تقدير نقصانها، ولا على تقدير كمال بعضها ونقص بعضها؛ لأن ذا الحجة أوله الخميس، فإن نقص هو والمحرم وصفر، كان ثاني عشر شهر ربيع الأول يوم الخميس، وإن كمل الثلاثة كان ثاني عشره يوم الأحد، وإن نقص بعضها وكمل البعض، كان ثاني عشره إما الجمعة، أو السبت، وهذا التفصيل لا محيص عنه، وقد رأيت بعض أهل العلم يجيب عن هذا الإشكال بأنه تفرض الشهور الثلاثة كوامل، ويكون قولهم لاثنتي
(2/300)
عشرة ليلة خلت منه، أي بأيامها كاملة، فتكون وفاته بعد استكمال ذلك، والدخول في الثالث عشر، وفيه نظر من حيث إن الذي يظهر من كلام أهل السير نقصان الثلاثة، أو اثنين منها، بدليل ما رواه البيهقي في دلائل النبوة بإسناد صحيح إلى سليمان التيمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وكان أول يوم مرض فيه يوم السبت، وكانت وفاته اليوم العاشر يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، فهذا يدل على أن أول صفر يوم السبت، فلزم نقصان ذي الحجة والمحرم، وقوله فكانت وفاته اليوم العاشر، أي من مرضه، يدل على نقص صفر أيضا، ويدل على ذلك أيضا ما رواه الواقدي عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال اشتكى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر إلى أن قال اشتكى ثلاثة عشر يوما، وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول فهذا يدل على نقصان الشهور أيضا؛ إلا أنه جعل مدة مرضه أكثر مما في حديث التيمي، ويجمع بينهما بأن المراد بهذا ابتداؤه، وبالأول اشتداده، والواقدي وإن ضعف في الحديث، فهو من أئمة أهل السير، وأبو معشر نجيح مختلف فيه، ويرجح ذلك وروده عن بعض الصحابة؛ وذلك فيما رواه الخطيب في الرواة عن مالك من رواية سعيد بن مسلم بن قتيبة الباهلي، حدثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرض ثمانية، فتوفي لليلتين خلتا من ربيع الأول ... الحديث، فاتضح أن قول سليمان التيمي ومن وافقه راجح، من حيث التاريخ، وكذلك قول ابن شهاب مستهل شهر ربيع الأول، فيكون أحد الشهور الثلاثة ناقصا، والله أعلم
وكذلك من المشكل قول ابن حبان، وابن عبد البر ثم بدأ به مرضه الذي مات منه يوم الأربعاء، لليلتين بقيتا من صفر إلى آخر كلامهما، فهذا مما لا يمكن؛ لأنه
(2/301)
يقتضي أن أول صفر الخميس، وهو غير ممكن، وقول من قال لإحدى عشرة ليلة بقيت منه أولى بالصواب، وهو يقتضي وفاته ثاني شهر ربيع الأول، وأما وقت وفاته من اليوم، فقال ابن الصلاح ضحى، قلت وفي صحيح مسلم من حديث أنس وآخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث وفيه فألقى السجف، وتوفي من آخر ذلك اليوم
وهذا يدل على أنه تأخر بعد الضحى، والجمع بينهما أن المراد أول النصف الثاني، فهو آخر وقت الضحى، وهو من آخر النهار باعتبار أنه من النصف الثاني، ويدل عليه ما رواه ابن عبد البر بإسناده إلى عائشة، قالت مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنا لله وإنا إليه راجعون - ارتفاع الضحى، وانتصاف النهار يوم الاثنين وذكر موسى بن عقبة في مغازيه، عن ابن شهاب توفي يوم الاثنين حين زاغت الشمس، فبهذا يجمع بين مختلف الحديث في الظاهر، والله أعلم
وتوفي أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - سنة ثلاث عشرة، واختلف في أي شهورها توفي، فجزم ابن الصلاح بأنه في جمادى الأولى، وهو قول الواقدي، وعمرو بن علي الفلاس، وكذا جزم به المزي في التهذيب، فقيل يوم الاثنين، وقيل ليلة الثلاثاء لثمان، وقيل لثلاث بقين منه، وجزم ابن إسحاق، وابن زبر، وابن قانع، وابن حبان، وابن عبد البر، وابن الجوزي، والذهبي في العبر بأنه في
(2/302)
جمادى الآخرة، فقال ابن حبان ليلة الاثنين لسبع عشرة مضت منه، وقال ابن إسحاق يوم الجمعة لسبع ليال بقين منه، وقال الباقون لثمان بقين منه، وحكاه ابن عبد البر عن أكثر أهل السير، إما عشية يوم الاثنين، أو ليلة الثلاثاء، أقوال حكاها ابن عبد البر زاد ابن الجوزي بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء
وتوفي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في آخر يوم من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين، وقول المزي، والذهبي قتل لأربع، أو ثلاث بقين من ذي الحجة، فإن أرادا بذلك لما طعنه أبو لؤلؤة، فإنه طعنه يوم الأربعاء عند صلاة الصبح لأربع، وقيل لثلاث بقين منه، وعاش ثلاثة أيام بعد ذلك، واتفقوا على أنه دفن مستهل المحرم سنة أربع وعشرين، وقال الفلاس إنه مات يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين
وتوفي عثمان بن عفان مقتولا شهيدا سنة خمس وثلاثين في ذي الحجة أيضا، قيل يوم الجمعة، الثامن عشر منه، وهذا هو المشهور، وادعى ابن ناصر الإجماع على ذلك، وليس بجيد، فقد قيل إنه قتل يوم التروية لثمان خلت منه، قاله الواقدي، وادعى الإجماع عليه عندهم، وقيل لليلتين بقيتا منه، وقال أبو عثمان النهدي، قيل في وسط أيام التشريق، وقيل لثنتي عشرة خلت منه، قاله الليث بن سعد، وقيل لثلاث عشرة خلت منه، وبه صدر ابن الجوزي كلامه، وقيل في أول سنة ست وثلاثين، والأول أشهر
(2/303)
وأما ما وقع في تاريخ البخاري من أنه مات سنة أربع وثلاثين، فقال ابن ناصر هو خطأ من راويه
وأما قاتله الذي أشرت إليه بقولي عاد، فاختلف فيه، فقيل هو جبلة ابن الأيهم، وقيل سودان بن حمران، وقيل رومان اليماني، وقيل رومان رجل من بني أسد بن خزيمة، وقيل غير ذلك، واختلف في مبلغ سنه، فقيل ثمانون، قاله ابن إسحاق، وقيل ست وثمانون، قاله قتادة، ومعاذ بن هشام، عن أبيه، وقيل اثنتان وثمانون، قاله أبو اليقظان، وادعى الواقدي اتفاق أهل السير عليه، وقيل ثمان وثمانون سنة، وقيل تسعون
وتوفي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مقتولا شهيدا في شهر رمضان سنة أربعين، واختلف في أي أيام الشهر، أو لياليه قتل؟ فقال أبو الطفيل، والشعبي، وزيد بن وهب ضرب لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان وقبض في أول ليلة من العشر الأواخر وقال ابن إسحاق يوم الجمعة لسبع عشرة خلت منه، وقال ابن حبان ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت منه، فمات غداة يوم الجمعة، وبه جزم الذهبي في العبر، وقيل ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت منه، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، وقيل لإحدى عشرة خلت منه، حكاه ابن عبد البر أيضا، وقيل لإحدى عشرة بقيت منه، قاله الفلاس، وقال ابن الجوزي ضرب يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت منه، وقيل ليلة إحدى وعشرين، فبقي الجمعة والسبت، ومات ليلة الأحد، قاله ابن أبي شيبة، وقيل
(2/304)
مات يوم الأحد، وأما قول ابن زبر قتل ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت منه سنة تسع وثلاثين، فوهم، لم أر من تابعه عليه، وكان الذي قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي أشقى الأخرين، كما في حديث صهيب وذكر النسائي من حديث عمار بن ياسر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعلي أشقى الناس الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذا، ووضع يده على رأسه، حتى تخضب هذه، يعني لحيته، وأشرت إلى ذلك بقولي ذو الشقاء الأزلي
957.... وطلحة مع الزبير جمعا ... سنة ست وثلاثين معا
أي: توفي طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام في سنة واحدة، وهي سنة ست وثلاثين وفي شهر واحد، وقيل: في يوم واحد، قتل كلاهما في وقعة الجمل، فكان طلحة أول قتيل قتل في الوقعة، وكانت وقعة الجمل لعشر خلون من جمادى الآخرة، هكذا جزم به الواقدي، وابن سعد، وخليفة بن خياط، وابن زبر، وابن عبد البر، وابن الجوزي، وآخرون.
(2/305)
قال خليفة: يوم الجمعة، وقال ابن سعد، وابن زبر، وابن الجوزي، والجمهور: يوم الخميس. وقال الليث بن سعد: إن وقعة الجمل كانت في جمادى الأولى، وكذا قال ابن حبان: إن يوم الجمل لعشر ليال خلون من جمادى الأولى، والأول هو المشهور المعروف في تاريخ الجمل، إنه في جمادى الآخرة. وتناقض فيه كلام ابن عبد البر، فقال ما تقدم نقله عنه في ترجمة طلحة، وقال في ترجمة الزبير: في جمادى الأولى، ووهم في ذلك، وتبعه ابن الصلاح في هذا فقال: إن وفاتهما في جمادى الأولى، واختلف كلام المزي أيضا في " التهذيب " كابن عبد البر، فقال في طلحة: جمادى الآخرة، وقال في الزبير: جمادى الأولى، وسبب ذلك كلام ابن عبد البر، وكذلك قول أبي نعيم في طلحة: قتل في رجب، وقول سليمان بن حرب: قتل في ربيع، أو نحوه، قولان مرجوحان.
والذي رمى طلحة هو مروان بن الحكم على الصحيح، وأما الزبير فقتله عمرو بن جرموز، فقيل: قتله يوم الجمل، قاله الواقدي، وابن عبد البر، وابن الجوزي، والمزي، وقال البخاري في "التاريخ الكبير": قتل في رجب، وكذا قال ابن حبان في أول كلامه، ثم قال: إنه قتل من آخر يوم صبيحة الجمل، وهذا يقتضي أنه في الحادي عشر من جمادى الآخرة، فالله أعلم.
(2/306)
وأما مبلغ سنهما، فقال ابن حبان، والحاكم: إنهما كانا ابني أربع وستين سنة، وهو قول الواقدي في طلحة، وقيل فيهما غير ذلك، فقيل: كان لطلحة ثلاث وستون، قاله أبو نعيم، وقيل: اثنتان وستون، قاله عيسى بن طلحة، وهو قول الواقدي، وقيل: ستون، قاله المدائني، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، وقيل: خمس وسبعون، حكاه ابن عبد البر، وقال: ما أظن ذلك، وقيل: كانت للزبير سبع وستون، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، وقيل: ست وستون، وقيل: ستون، وقيل تسع وخمسون، وقيل: خمس وسبعون.
958.... وعام خمسة وخمسين قضى ... سعد، وقبله سعيد فمضى
... سنة إحدى بعد خمسين وفي ... عام اثنتين وثلاثين تفي
960.... قضى ابن عوف، والأمين سبقه ... عام ثماني عشرة محققه
أي توفي سعد بن أبي وقاص سنة خمس وخمسين، قاله الواقدي، والهيثم ابن عدي، وابن نمير، وأبو موسى الزمن، والمدائني، وحكاه
(2/307)
ابن زبر، عن عمرو بن علي الفلاس، ورجحه ابن حبان، وقال المزي إنه المشهور وقيل في وفاته غير ذلك، فقيل سنة خمسين، وقيل إحدى وخمسين، وقيل أربع وخمسين، حكاه ابن عبد البر، عن الفلاس، والزبير بن بكار، والحسن بن عثمان وقيل ست وخمسين، وقيل سبع وخمسين، وقيل ثمان وخمسين، قاله أبو نعيم وكانت وفاته في قصره بالعقيق، وحمل على أعناق الرجال فدفن بالبقيع، واختلف في مبلغ سنه، فقيل ثلاث وسبعون، واقتصر عليه ابن الصلاح، وقيل أربع وسبعون، وبه جزم الفلاس، وابن زبر، وابن قانع، وابن حبان، وقيل اثنان وثمانون، وقيل ثلاث وثمانون، قاله أحمد بن حنبل وهو آخر العشرة موتا - رضي الله عنهم - أجمعين
وتوفي سعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين، قاله الواقدي، والهيثم بن عدي، والمدائني، ويحيى بن بكير، وابن نمير وخليفة بن خياط، وقال ابن عبد البر سنة خمسين أو إحدى وخمسين، وكذا حكاه الواقدي عن بعض ولد سعيد بن زيد،
(2/308)
وقال عبيد الله بن سعد الزهري سنة اثنتين وخمسين وقال البخاري في التاريخ
الكبير سنة ثمان وخمسين ولا يصح فإن سعد ابن أبي وقاص شهده، ونزل في حفرته، وتوفي قبل سنة ثمان على الصحيح، وكانت وفاته أيضا بالعقيق، وحمل إلى المدينة، وقيل مات بالكوفة ودفن بها، ولا يصح، واختلف في مبلغ سنه، فقال المدائني ثلاث وسبعون، وقال الفلاس أربع وسبعون
وتوفي عبد الرحمن بن عوف في سنة اثنتين وثلاثين، قاله عروة بن الزبير، والهيثم بن عدي، والفلاس، وأبو موسى الزمن، والمدائني، والواقدي، وخليفة بن خياط، وابن بكير في رواية ابن البرقي، وابن قانع، وابن الجوزي، وقيل توفي سنة إحدى وثلاثين، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، قال يحيى بن بكير في رواية الذهلي وأبو نعيم الأصبهاني سنة إحدى أو اثنتين، وقيل توفي سنة ثلاث وثلاثين واختلف في مبلغ سنه، فقيل خمس وسبعون، قاله يعقوب بن إبراهيم بن سعد، والواقدي، وابن زبر، وابن قانع وابن حبان، وأبو نعيم الأصبهاني، وبه صدر ابن عبد البر كلامه وقيل اثنتان وسبعون روي ذلك عن ابنه أبي سلمة بن
(2/309)
عبد الرحمن، وقيل ثمان وسبعون، قاله إبراهيم بن سعد، والأول أشهر، وعليه اقتصر ابن الصلاح
وتوفي أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح، سنة ثماني عشرة في طاعون عمواس، وهو ابن ثمان وخمسين سنة قاله الواقدي، ومحمد بن سعد، والفلاس، وابن قانع، وابن حبان، وابن عبد البر، وغيرهم، وهو متفق عليه
... وعاش حسان كذا حكيم ... عشرين بعد مائة تقوم
962.... ستون في الإسلام ثم حضرت ... سنة أربع وخمسين خلت
... وفوق حسان ثلاثة، كذا ... عاشوا، وما لغيرهم يعرف ذا
964.... قلت حويطب بن عبد العزى ... مع ابن يربوع سعيد يعزى
... هذان مع حمنن وابن نوفل ... كل إلى وصف حكيم فاجمل
966.... وفي الصحاب ستة قد عمروا ... كذاك في المعمرين ذكروا
(2/310)
في هذه الأبيات ذكر من عاش من الصحابة مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام، قال ابن الصلاح شخصان من الصحابة عاشا في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين
أحدهما حكيم بن حزام، وكان مولده في جوف الكعبة قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة
والثاني حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري، وروى ابن إسحاق أنه وأباه - ثابتا - والمنذر، وحراما، عاش كل واحد منهم عشرين ومائة
(2/311)
سنة، وذكر أبو نعيم الحافظ أنه لا يعرف في العرب مثل ذلك لغيرهم -قال ابن الصلاح وقد قيل إن حسان مات سنة خمسين
قلت اقتصر ابن الصلاح في هذا الفصل على اثنين، وقد زدت عليه أربعة اشتركوا معهما في ذلك، فصاروا ستة مشتركين في هذا الوصف
فالأول حسان بن ثابت الأنصاري، قال الواقدي إنه عاش مائة وعشرين، وحكى ابن عبد البر الاتفاق عليه، فقال لم يختلفوا أنه عاش مائة وعشرين سنة، منها ستون في الجاهلية، وستون في الإسلام انتهى وقد خالف ابن حبان في ذلك فقال مات وهو ابن مائة وأربع سنين، ومات أبوه وهو ابن مائة وأربع سنين، ومات جده وهو ابن مائة وأربع سنين، قال وقد قيل لكل واحد منهم عشرون ومائة سنة واختلف في وفاته، فقيل سنة أربع وخمسين، قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، وبه جزم الذهبي في العبر، وقيل سنة خمسين، حكاه ابن عبد البر، وقيل سنة أربعين قاله الهيثم بن عدي، والمدائني، وأبو موسى الزمن، وابن قانع، وكذا قال ابن حبان مات أيام قتل علي بن أبي طالب، وقيل إنه مات قبل الأربعين في خلافة علي، وبه صدر ابن عبد البر كلامه
والثاني حكيم بن حزام بن خويلد، وهو ابن أخي خديجة بنت خويلد، أسلم في الفتح، وعاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام، قاله البخاري حكاية عن إبراهيم بن المنذر الحزامي، وقاله أيضا مصعب ابن عبد الله الزبيري، وابن حبان، وابن عبد البر، واختلف في وفاته، فقيل سنة أربع وخمسين، قاله الواقدي، والهيثم بن عدي، وابن نمير، والمدائني، ومصعب الزبيري، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وخليفة بن خياط، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ويحيى بن بكير، وابن قانع، وقال ابن حبان إنه الصحيح، وبه جزم ابن عبد البر وقيل سنة ستين،
(2/312)
قاله البخاري وقيل سنة ثمان وخمسين وقيل سنة خمسين، وكانت وفاته بالمدينة
والثالث حويطب بن عبد العزى القرشي العامري من مسلمة الفتح، روى الواقدي عن إبراهيم بن جعفر بن محمود عن أبيه، قال كان حويطب قد بلغ عشرين ومائة سنة، ستين سنة في الجاهلية، وستين سنة في الإسلام وقال ابن حبان سنه سن حكيم بن حزام، وعاش في الإسلام ستين سنة، وفي الجاهلية ستين سنة وقال ابن عبد البر أدركه الإسلام وهو ابن ستين سنة، أو نحوها وكانت وفاته سنة أربع وخمسين، قاله الهيثم ابن عدي، وأبو موسى الزمن، ويحيى بن بكير، وخليفة بن خياط، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وابن قانع، وابن حبان، وغيرهم وقيل إنه مات سنة اثنتين وخمسين، وكانت وفاته بالمدينة
والرابع سعيد بن يربوع القرشي من مسلمة الفتح، مات بالمدينة سنة أربع وخمسين، وله مائة وعشرون سنة، قاله الواقدي، وخليفة بن خياط، وابن حبان، وكذا قال أبو عبيد، وابن عبد البر إنه مات سنة أربع وخمسين، وقيل بلغ مائة وأربعا وعشرين سنة، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، ومات بالمدينة، وقيل بمكة
(2/313)
والخامس حمنن بن عوف القرشي الزهري أخو عبد الرحمن بن عوف، وهو بفتح الحاء المهملة، وسكون الميم وفتح النون الأولى قال الدارقطني في كتاب الأخوة والأخوات أسلم ولم يهاجر إلى المدينة، وعاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة وكذا قال ابن عبد البر إنه عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وذكر بعض أهل التاريخ، أنه توفي سنة أربع وخمسين
والسادس مخرمة بن نوفل القرشي الزهري، والد المسور بن مخرمة من مسلمة الفتح، توفي سنة أربع وخمسين، قاله الهيثم بن عدي، وابن نمير، والمدائني، وابن قانع، وابن حبان وقد اختلف في مبلغ سنه، فقال الواقدي يقال إنه كان له حين مات مائة وعشرون سنة، وهكذا جزم به أبو زكريا بن منده في جزء له جمع فيه من عاش مائة وعشرين من الصحابة وجزم ابن زبر، وابن حبان، وابن
عبد البر بأنه بلغ مائة وخمس عشرة سنة، وكانت وفاته بالمدينة، وقد ذكر ابن منده في الجزء المذكور جماعة آخرين من الصحابة عاشوا مائة وعشرين سنة؛ لكن لم يعلم كون نصفها في الجاهلية، ونصفها في الإسلام؛ لتقدم وفاتهم على المذكورين، أو تأخرها، أو عدم معرفة التاريخ لموتهم، فمنهم عاصم بن عدي بن الجد العجلاني،
(2/314)
صاحب عويمر العجلاني في قصة اللعان حكى ابن عبد البر عن عبد العزيز بن عمران، عن أبيه، عن جده أنه عاش مائة وعشرين سنة، وكذا ذكر أبو زكريا بن منده، وقال ابن عبد البر توفي سنة خمس وأربعين، وقد بلغ قريبا من مائة وعشرين سنة، وقال الواقدي، وابن حبان بلغ مائة وخمس عشرة سنة
ومنهم المنتجع جد ناجية، ذكره العسكري في الصحابة، وقال كان له مائة وعشرون سنة، ولا يصح حديثه
ومنهم نافع أبو سليمان العبدي، روى إسحاق بن راهويه، عن ابنه سليمان، قال مات أبي وله عشرون ومائة سنة، وكذا ذكره ابن قانع
ومنهم اللجلاج العامري، ذكر ابن سميع، وابن حبان أيضا أنه عاش مائة وعشرين سنة، وكذا حكاه ابن عبد البر، عن بعض بني اللجلاج
ومنهم سعد بن جنادة العوفي الأنصاري، وهو والد عطية العوفي، ذكره ابن منده في الصحابة، ولم يذكر عمره، وذكره أبو زكريا بن منده فيمن عاش كذلك
(2/315)
ومنهم عدي بن حاتم الطائي، توفي سنة ثمان وستين، عن مائة وعشرين سنة، قاله ابن سعد، وخليفة بن خياط وقيل سنة ست وستين وقيل سنة سبع وستين، ولم يذكره ابن منده في الجزء المذكور
... وقبض الثوري عام إحدى ... من بعد ستين وقرن عدا
968.... وبعد في تسع تلي سبعينا ... وفاة مالك، وفي الخمسينا
... ومائة أبو حنيفة قضى ... والشافعي بعد قرنين مضى
970.... لأربع ثم قضى مأمونا ... أحمد في إحدى وأربعينا
في هذه الأبيات وفيات أصحاب المذاهب الخمسة، وقد كان الثوري معدودا فيهم، له مقلدون إلى بعد الخمسمائة، وممن ذكره معهم الغزالي في الإحياء، فتوفي أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري سنة إحدى وستين ومائة بالبصرة، قاله أبو داود الطيالسي، وابن معين، وابن سعد وادعى الاتفاق عليه وابن حبان، وزاد في شعبان في دار عبد الرحمن بن مهدي، وقال يحيى بن سعيد في أولها، واختلف في مولده، فقال العجلي وغير واحد سنة سبع وتسعين، وقال ابن حبان سنة خمس وتسعين
(2/316)
وتوفي أبو عبد الله مالك بن أنس بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة، قاله الواقدي، والمدائني، وأبو نعيم، ومصعب بن عبد الله، وزاد في صفر، وإسماعيل بن أبي أويس، وقال في صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول، وبه جزم الذهبي في العبر واختلف في مولده، فقيل سنة تسعين، وقيل إحدى، وقيل ثلاث، وقيل أربع، وبه جزم الذهبي، وقيل سبع
وتوفي أبو حنيفة النعمان بن ثابت سنة خمسين ومائة، قاله روح بن عبادة، والهيثم بن عدي، وقعنب بن المحرر، وأبو نعيم الفضل بن دكين وسعيد بن كثير ابن عفير، وزادا في رجب، وكذا قال ابن حبان، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين سنة إحدى وخمسين وقال مكي بن إبراهيم البلخي سنة ثلاث وخمسين والمحفوظ الأول، وكانت وفاته ببغداد، وكان مولده سنة ثمانين، قاله حفيده إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة
وتوفي أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، سنة أربع ومائتين، قاله الفلاس، ويوسف القراطيسي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وزاد في آخر يوم من رجب، وقال ابن يونس في ليلة الخميس آخر ليلة من رجب، وأما ابن حبان، فقال
(2/317)
في شهر ربيع الأول، ودفن عند مغيب الشمس بالفسطاط، ورجعوا ورأوا هلال شهر ربيع الآخر والأول أشهر، وقال ابن عدي إنه قرأه على لوح عند قبره وكان مولده سنة خمسين ومائة، فعاش أربعا وخمسين سنة، قاله ابن عبد الحكم، والفلاس، وابن حبان، وقال ابن زبر مات وهو ابن اثنتين وخمسين سنة، والأول أشهر وأصح
وتوفي أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين
على الصحيح المشهور، ولكن اختلفوا في الشهر الذي مات فيه، وفي اليوم، فقال ابنه عبد الله بن أحمد توفي يوم الجمعة ضحوة، ودفناه بعد العصر لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر، وهكذا قال الفضل بن زياد وقال نصر بن القاسم الفرائضي يوم الجمعة لثلاث عشرة بقين منه وقال ابن عمه حنبل بن إسحاق بن حنبل مات يوم الجمعة في شهر ربيع الأول وقال عباس الدوري، ومطين لاثنتي عشرة خلت منه، زاد عباس يوم الجمعة ببغداد، وأما مولده فكان في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، نقله ابناه عبد الله، وصالح عنه
(2/318)
.. ثم البخاري ليلة الفطر لدى ... ست وخمسين بخرتنك ردى
972.... ومسلم سنة إحدى في رجب ... من بعد قرنين وستين ذهب
... ثم لخمس بعد سبعين أبو ... داود، ثم الترمذي يعقب
974.... سنة تسع بعدها وذو نسا ... رابع قرن لثلاث رفسا
في هذه الأبيات بيان وفيات أصحاب الكتب الخمسة
فتوفي أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ليلة السبت، عند صلاة العشاء ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين، قاله الحسن بن الحسين البزار قال وولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة وكانت وفاته بخرتنك - قرية بقرب سمرقند وذكر ابن دقيق العيد في شرح الإلمام أنها بكسر الخاء، والمعروف فتحها، وكذا ذكره السمعاني، وما ذكر من أنه مات بخرتنك، هو المعروف، وبه جزم السمعاني وغيره، وذكر ابن يونس في تاريخ الغرباء أنه مات بمصر بعد الخمسين ومائتين، ولم أره لغيره، والظاهر أنه وهم
وقولي ردى، أي ذهب، فأما بمعنى الهلاك فردي بكسر الدال
وتوفي أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، عشية يوم الأحد ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين، قاله محمد بن يعقوب بن الأخرم،
(2/319)
فيما حكاه الحاكم عنه، واختلف في مبلغ سنه، فقيل خمس وخمسون، وبه جزم ابن الصلاح، وقيل ستون، وبه جزم الذهبي في العبر والمعروف أن مولده سنة أربع ومائتين، فعلى هذا يكون عمره بين السنين المذكورين، وكانت وفاته بنيسابور
وتوفي أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني بالبصرة يوم الجمعة سادس عشر شوال سنة خمس وسبعين ومائتين، وكان مولده فيما حكاه أبو عبيد الآجري عنه في سنة ثنتين ومائتين
وتوفي أبو عيسى محمد بن عيسى السلمي الترمذي بها ليلة الاثنين لثلاث عشرة ليلة مضت من شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، قاله الحافظ أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري، وغنجار في تاريخ بخارى، وابن ماكولا في الإكمال وأما قول الخليلي في الإرشاد أنه مات بعد الثمانين ومائتين فقاله على الظن، وليس بصحيح
وتوفي أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي بفلسطين في صفر سنة ثلاث وثلاثمائة، قاله الطحاوي، وابن يونس، وزاد يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت منه، وكذا قال الحافظ أبو عامر العبدري، أنه مات في التاريخ المذكور بالرملة - مدينة فلسطين - ودفن ببيت المقدس وقال أبو علي الغساني ليلة الاثنين وقال الدارقطني حمل إلى مكة فمات بها في شعبان سنة ثلاث وقال أبو عبد الله بن منده عن مشايخه
(2/320)
إنه مات بمكة سنة ثلاث وثلاثمائة وكان مولده سنة أربع عشرة ومائتين، ونسا من كور نيسابور، وقيل من أرض فارس، قال الرشاطي والقياس النسوي
وقولي رفسا، بيان لسبب موته، وهو ما حكى ابن منده، عن مشايخه أنه سئل بدمشق عن معاوية، وما روي من فضائله، فقال ألا يرضى معاوية رأسا برأس حتى يفضل، فما زالوا يرفسونه في خصييه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة ومات بها وذكر الدارقطني أن ذلك كان بالرملة، وعاش النسائي ثمانيا وثمانين سنة
ولم يذكر ابن الصلاح وفاة ابن ماجه فتبعته، وكانت وفاته سنة ثلاث وسبعين ومائتين، يوم الثلاثاء، لثمان بقين من شهر رمضان، قاله جعفر بن إدريس، قال وسمعته يقول ولدت سنة تسع ومائتين، وكذا قاله الخليلي في الإرشاد أنه مات سنة ثلاث وسبعين، وقيل مات سنة خمس وسبعين
... ثم لخمس وثمانين تفي ... الدارقطني، ثمت الحاكم في
976.... خامس قرن عام خمسة فني ... وبعده بأربع عبد الغني
(2/321)
.. ففي الثلاثين: أبو نعيم ... ولثمان بيهقي القوم
978.... من بعد خمسين وبعد خمسة ... خطيبهم والنمري في سنة
في هذه الأبيات بيان وفيات أصحاب التصانيف الحسنة، بعد الخمسة المذكورين، قال ابن الصلاح سبعة من الحفاظ في ساقتهم، أحسنوا التصنيف، وعظم الانتفاع بتصانيفهم في أعصارنا فذكرهم، وهم
أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي، توفي بها يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، قاله عبد العزيز الأزجي، وكان مولده في سنة ست وثلاثمائة، قاله عبد الملك بن بشران، زاد غيره في ذي القعدة أيضا، فعاش ثمانين سنة
ثم الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري، المعروف بابن البيع صاحب المستدرك والتاريخ وعلوم الحديث وغيرها، توفي سنة خمس وأربعمائة بنيسابور، قاله الأزهري، وعبد الغافر في السياق، ومحمد بن يحيى المزكي، وزاد في صفر وكان مولده أيضا بنيسابور في شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة
ثم أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي المصري، توفي لسبع خلون من صفر سنة تسع وأربعمائة، قاله أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي، وعاش سبعا وتسعين
(2/322)
ثم أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، صاحب الحلية ومعرفة الصحابة، وغير ذلك، توفي بكرة يوم الاثنين لعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة، قاله يحيى بن عبد الوهاب بن منده وسئل عن مولده، فقال في رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة
ثم أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، صاحب التصانيف المشهورة، توفي بنيسابور، عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ونقل تابوته إلى بيهق، قاله السمعاني، قال وكان مولده سنة أربع وثمانين وثلاثمائة
ثم الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، توفي بها في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة، قاله ابن شافع، وقال غيره في سابع ذي الحجة، قال ومولده في جمادى الآخرة، سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وقيل سنة اثنتين، وهو المحكي عن الخطيب نفسه وتوفي في هذه السنة أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي في سلخ شهر ربيع الآخر منها بشاطبة من
الأندلس، عن خمس وتسعين سنة، وخمسة أيام، وكان مولده - فيما حكاه عنه
طاهر بن مفوز - يوم الجمعة، والإمام يخطب لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة
(2/323)
معرفة الثقات والضعفاء
... واعن بعلم الجرح والتعديل ... فإنه المرقاة للتفضيل
980.... بين الصحيح والسقيم واحذر ... من غرض، فالجرح أي خطر
... ومع ذا فالنصح حق ولقد ... أحسن يحيى في جوابه وسد
982.... لأن يكونوا خصماء لي أحب ... من كون خصمي المصطفى إذ لم أذب
... وربما رد كلام الجارح ... كالنسئي في أحمد بن صالح
984.... فربما كان لجرح مخرج ... غطى عليه السخط حين يحرج
أي واجعل من عنايتك معرفة الثقات والضعفاء، فهو من أجل أنواع الحديث، فإنه المرقاة إلى التفرقة بين صحيح الحديث وسقيمه، وفيه لأئمة الحديث تصانيف، منها ما أفرد في الضعفاء، وصنف فيه البخاري، والنسائي، والعقيلي، والساجي، وابن حبان، والدارقطني، والأزدي، وابن عدي؛ ولكنه ذكر في كتابه الكامل كل من تكلم فيه، وإن كان ثقة، وتبعه على ذلك الذهبي في الميزان، إلا أنه لم يذكر أحدا من الصحابة والأئمة المتبوعين، وفاته جماعة، ذيلت عليه ذيلا في مجلد
(2/324)
ومنها ما أفرد في الثقات، وصنف فيه ابن حبان، وابن شاهين، ومن المتأخرين صاحبنا شمس الدين محمد بن أيبك السروجي، ولم يكمله، عندي منه بخطه الأحمدون في مجلد
ومنها ما جمع بين الثقات والضعفاء، ك تاريخ البخاري، وتاريخ أبي بكر ابن أبي خيثمة، وهو كثير الفوائد، ووطبقات ابن سعد، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والتمييز للنسائي، وغيرها
وليحذر المتصدي لذلك من الغرض في جانبي التوثيق، والتجريح، فالمقام خطر ولقد أحسن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، حيث يقول أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحكام، ومع كون الجرح خطرا، فلا بد منه للنصيحة في الدين، وقيل إن أبا تراب النخشبي، قال لأحمد بن حنبل لا تغتاب العلماء، فقال له أحمد ويحك هذا نصيحة، ليس هذا غيبة انتهى
وقد أوجب الله تعالى الكشف والتبيين عند خبر الفاسق، بقوله تعالى {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجرح بئس أخو العشيرة
(2/325)
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة، وقال في التعديل إن عبد الله رجل صالح، إلى غير ذلك من صحيح الأخبار
وقد تكلم في الرجال جماعة من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم، ذكرهم
الخطيب، وأما قول صالح جزرة أول من تكلم في الرجال شعبة ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم بعده أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وهؤلاء فإنه يريد أول من تصدى لذلك، وإلا فقد تكلم في ذلك قبل شعبة ولقد أحسن يحيى بن سعيد القطان، إذ قال له أبو بكر بن خلاد أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟ فقال لأن يكونوا خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول لي لم لم تذب الكذب عن حديثي؟
ثم إن الجارح وإن كان إماما معتمدا في ذلك، فربما أخطأ فيه، كما جرح النسائي أحمد بن صالح المصري، بقوله غير ثقة ولا مأمون، وهو ثقة إمام حافظ، احتج به البخاري في صحيحه، وقال ثقة، ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحجة، وكذا وثقه أبو حاتم الرازي، والعجلي، وآخرون وقد قال أبو يعلى الخليلي اتفق الحفاظ على أن كلام النسائي فيه تحامل، ولا يقدح كلام أمثاله فيه، وقد بين ابن عدي سبب كلام النسائي فيه، فقال سمعت محمد بن هارون البرقي يقول حضرت
(2/326)
مجلس أحمد، فطرده من مجلسه، فحمله ذلك على أن تكلم فيه قال الذهبي في الميزان آذى النسائي نفسه بكلامه فيه، وقال ابن يونس لم يكن أحمد عندنا، كما قال النسائي لم يكن له آفة غير الكبر، وقد تكلم فيه يحيى بن معين فيما رواه معاوية بن صالح عنه، وفي كلامه ما يشير إلى الكبر، فقال كذاب يتفلسف، رأيته يخطر في جامع مصر فنسبه إلى الفلسفة، وأنه يخطر في مشيته، ولعل ابن معين لا يدري ما الفلسفة؟ فإنه ليس من أهلها
وقد ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد الوجوه التي تدخل الآفة منها في ذلك، وهي خمسة
أحدها الهوى والغرض، وهو شرها، وهو في تواريخ المتأخرين كثير
والثاني المخالفة في العقائد
والثالث الاختلاف بين المتصوفة، وأهل علم الظاهر
والرابع الكلام بسبب الجهل بمراتب العلوم، وأكثر ذلك في المتأخرين؛ لاشتغالهم بعلوم الأوائل، وفيها الحق كالحساب، والهندسة، والطب، وفيها الباطل كالطبيعيات، وكثير من الإلهيات، وأحكام النجوم
والخامس الأخذ بالتوهم مع عدم الورع
هذا حاصل كلامه، وهو واضح جلي، وقد عقد ابن عبد البر في كتاب العلم بابا لكلام الأقران المتعاصرين بعضهم في بعض، ورأى أن أهل العلم لا يقبل جرحهم إلا ببيان واضح
(2/327)
وقولي فربما كان لجرح مخرج، كالجواب عن سؤال مقدر، وهو أنه إذا نسب مثل النسائي، وهو إمام حجة في الجرح والتعديل إلى مثل هذا فكيف يوثق بقوله في ذلك؟ وأجاب ابن الصلاح بأن عين السخط تبدي مساوي لها في الباطن مخارج صحيحة، تعمى عنها بحجاب السخط، لا أن ذلك يقع من مثله تعمدا لقدح يعلم بطلانه، والله أعلم
معرفة من اختلط من الثقات
... وفي الثقات من أخيرا اختلط ... فما روى فيه أو ابهم سقط
986.... نحو عطاء وهو ابن السائب ... وكالجريري سعيد، وأبي
... إسحاق، ثم ابن أبي عروبة ... ثم الرقاشي أبي قلابة
988.... كذا حصين السلمي الكوفي ... وعارم محمد والثقفي
(2/328)
.. كذا ابن همام بصنعا إذ عمي ... والرأي فيما زعموا والتوأمي
990.... وابن عيينة مع المسعودي ... وآخرا حكوه في الحفيد
... ابن خزيمة مع الغطريفي ... مع القطيعي أحمد المعروف
قال ابن الصلاح: ((هذا فن عزيز مهم، لم أعلم أحدا أفرده بالتصنيف، واعتنى به مع كونه حقيقا بذلك جدا)) ، قلت: وبسبب كلام ابن الصلاح، أفرده شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي بالتصنيف في جزء، حدثنا به، ولكنه اختصره ولم يبسط الكلام فيه، ورتبهم على حروف المعجم.
ثم الحكم فيمن اختلط أنه لا يقبل من حديثه ما حدث به في حال الاختلاط، وكذا ما أبهم أمره وأشكل، فلم ندر أحدث به قبل الاختلاط، أو بعده؟ وما حدث به قبل الاختلاط قبل، وإنما يتميز ذلك باعتبار الرواة عنهم، فمنهم من سمع منهم قبل الاختلاط فقط، ومنهم من سمع بعده فقط، ومنهم من سمع في الحالين، ولم يتميز.
فممن اختلط في آخر عمره: عطاء بن السائب، قال ابن حبان: ((اختلط بأخرة، ولم يفحش خطؤه)) . انتهى.
وممن سمع منه قبل الاختلاط: شعبة وسفيان الثوري، قاله يحيى بن معين، ويحيى بن سعيد القطان، إلا أن القطان استثنى حديثين سمعهما منه شعبة بأخرة عن
(2/329)
زادان، وكذلك حماد بن زيد سمع منه قبل أن يتغير، قاله يحيى بن سعيد القطان، وكذا قال النسائي: رواية حماد بن زيد وشعبة وسفيان عنه جيدة.
وممن سمع منه بعد الاختلاط: جرير بن عبد الحميد، وخالد بن عبد الله الواسطي، وإسماعيل بن علية، وعلي بن عاصم، قاله أحمد بن حنبل، وكذلك سمع منه بعد التغير: محمد بن فضيل بن غزوان، وممن سمع منه أيضا بأخرة: هشيم، قاله أحمد بن عبد الله العجلي. قلت: قد روى له البخاري في صحيحه حديثا من رواية هشيم عنه، وليس له عند البخاري غير هذا الحديث الواحد. وممن سمع منه في الحالتين معا: أبو عوانة، قاله عباس الدوري عن يحيى بن معين، قال: ولا يحتج بحديثه. أي: بحديث أبي عوانة عنه.
وممن اختلط أخيرا: أبو مسعود سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة احتج به الشيخان، ولم يشتد تغيره، قال يحيى بن سعيد عن كهمس: أنكرنا الجريري أيام الطاعون، وكذا قال النسائي: ثقة أنكر أيام الطاعون. وقال أبو حاتم الرازي: تغير حفظه قبل موته، فمن كتب عنه قديما، فهو صالح.
قلت: وممن سمع منه قبل التغير: شعبة، وسفيان الثوري، والحمادان، وإسماعيل بن علية، ومعمر، وعبد الوارث بن سعيد، ويزيد بن زريع، ووهيب بن خالد، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي؛ وذلك لأن هؤلاء كلهم سمعوا من أيوب
(2/330)
السختياني، وقد قال أبو داود، فيما رواه عنه أبو عبيد الآجري: كل من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد. انتهى.
وممن سمع منه بعد التغير: محمد بن أبي عدي، وإسحاق الأزرق، ويحيى بن سعيد القطان، ولذلك لم يحدث عنه شيئا. وقد روى الشيخان للجريري من رواية بشر ابن المفضل، وخالد بن عبد الله، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبد الوارث بن سعيد عنه، وروى له مسلم فقط من رواية جعفر بن سليمان الضبعي، وحماد بن أسامة، وحماد بن سلمة، وشعبة، وسفيان الثوري، وسالم بن نوح، وابن المبارك، وعبد الوهاب الثقفي، ووهيب بن خالد، ويزيد بن زريع، وعبد الواحد بن زياد، ويزيد بن هارون وقد قيل: إن يزيد بن هارون، إنما سمع منه بعد التغير، فقد روى ابن سعد عنه، قال: سمعت منه سنة اثنتين وأربعين ومائة، وهي أول سنة دخلت البصرة، ولم ننكر منه شيئا، قال: وكان قيل لنا: إنه قد اختلط، وقال ابن حبان: كان قد اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين، قال: وقد رآه يحيى القطان، وهو مختلط، ولم يكن اختلاطه فاحشا، مات سنة أربع وأربعين ومائة.
ومنهم: أبو إسحاق السبيعي، واسمه عمرو بن عبد الله، ثقة احتج به
الشيخان، قال أحمد بن حنبل: ثقة. لكن هؤلاء الذين حملوا عنه بأخرة وقال يعقوب الفسوي: قال ابن عيينة: حدثنا أبو إسحاق في المسجد، ليس معنا ثالث، قال الفسوي: فقال بعض أهل العلم: كان قد اختلط، وإنما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه. انتهى. وكذا قال الخليلي: إن سماعه منه بعد ما اختلط.
(2/331)
قلت: ولم يخرج له الشيخان من رواية ابن عيينة عنه شيئا، إنما أخرج له من طريقه الترمذي، وكذلك النسائي في عمل اليوم والليلة، وأنكر صاحب " الميزان " اختلاطه، فقال: شاخ ونسي، ولم يختلط، قال: وقد سمع منه سفيان بن عيينة، وقد تغير قليلا. واختلف في وفاته، فقيل: سنة ست وعشرين ومائة. وقيل: سبع. وقيل: ثمان. وقيل: تسع.
ومنهم: سعيد بن أبي عروبة، واسم أبي عروبة: مهران، ثقة، احتج به الشيخان؛ لكنه اختلط، وطالت مدة اختلاطه فوق العشر سنين على ما يأتي من الخلاف، قال أبو حاتم: هو قبل أن يختلط ثقة. وقد اختلف في ابتداء اختلاطه، فقال دحيم: اختلط مخرج إبراهيم سنة خمس وأربعين ومائة، وكذا قال ابن حبان: اختلط سنة خمس وأربعين ومائة، وبقي خمس سنين في اختلاطه مات سنة خمسين ومائة. وقال يحيى بن معين: خلط بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن سنة اثنتين وأربعين، يعني: ومائة، ومن سمع منه بعد ذلك ليس بشيء.
قلت: هكذا اقتصر ابن الصلاح حكاية عن يحيى بن معين أن هزيمة إبراهيم سنة اثنتين وأربعين، والمعروف سنة خمس وأربعين، كما تقدم هذا هو المذكور في التواريخ أن خروجه فيها، وإنه قتل فيها يوم الاثنين لخمس ليال بقين من ذي القعدة، واحتز رأسه.
(2/332)
فممن سمع من ابن أبي عروبة قبل اختلاطه: عبد الله بن المبارك، ويزيد بن زريع، قاله ابن حبان وغيره، وكذلك شعيب بن إسحاق سمع منه سنة أربع وأربعين قبل أن يختلط بسنة، وكذلك يزيد بن هارون صحيح السماع منه، قاله ابن معين، وكذلك عبدة ابن سليمان، قال ابن معين: إنه أثبت الناس سماعا منه، وقال ابن عدي: ((أرواهم عنه عبد الأعلى السامي، ثم شعيب بن إسحاق، وعبدة بن سليمان، وعبد الوهاب الخفاف، وأثبتهم فيه يزيد بن زريع، وخالد بن الحارث، ويحيى القطان)) . قلت: قد قال عبدة بن سليمان عن نفسه، أنه سمع منه في الاختلاط، إلا أن يريد بذلك بيان اختلاطه، وأنه لم يحدث بما سمعه منه في الاختلاط، والله أعلم. وسمع منه قديما: سرار ابن مجشر، أشار إليه النسائي في " سننه الكبرى "، وقال أبو عبيد الآجري، عن أبي داود: كان عبد الرحمن يقدمه على يزيد بن زريع، وهو من قدماء أصحاب سعيد بن أبي عروبة، ومات قديما.
وممن سمع منه في الاختلاط: أبو نعيم الفضل بن دكين، ووكيع، والمعافى بن عمران الموصلي. قلت: وقد روى له الشيخان من رواية خالد بن الحارث، وروح بن عبادة، وعبد الأعلى الشامي، وعبد الرحمن بن عثمان البكراوي، ومحمد بن سواء السدوسي، ومحمد بن أبي عدي، ويزيد بن زريع، ويحيى بن سعيد القطان عنه. وروى له البخاري فقط من رواية بشر بن المفضل، وسهل بن يوسف، وابن المبارك، وعبد الوارث بن سعيد، ومحمد ابن عبد الله الأنصاري، وكهمس بن المنهال عنه. وروى له مسلم فقط من رواية ابن علية، وأبي أسامة، وسعيد بن عامر الضبعي، وسالم ابن نوح، وأبي خالد الأحمر، وعبد الوهاب بن عطاء، وعبدة بن سليمان، وعلي بن مسهر، وعيسى بن يونس، ومحمد بن بكر البرساني، وغندر عنه.
(2/333)
قلت: وقد قال ابن مهدي: سمع غندر منه في الاختلاط. وأما مدة اختلاط سعيد، فقد تقدم قول ابن حبان أنها خمس سنين، وقال صاحب " الميزان ": ثلاث عشرة سنة، وخالف في ذلك في " العبر "، فقال: عشر سنين، مع قوله فيهما: أنه توفي سنة ست وخمسين، وكذا قال الفلاس، وأبو موسى الزمن، وغير واحد في وفاته. وقيل: سنة سبع وخمسين ومائة.
ومنهم: أبو قلابة الرقاشي، واسمه: عبد الملك بن محمد بن عبد الله أحد شيوخ ابن خزيمة، قال فيه ابن خزيمة: حدثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد. قلت: وممن سمع منه آخرا ببغداد: أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك، وأبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، وآخرون. فعلى قول ابن خزيمة سماعهم منه بعد الاختلاط. وكانت وفاته سنة ست وسبعين ومائتين ببغداد.
ومنهم: حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي، أحد الثقات الأثبات، احتج به الشيخان، ووثقه أحمد، وأبو زرعة، والعجلي، وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقة ساء حفظه في الآخر، وكذا قال يزيد بن هارون: إنه اختلط. وقال النسائي: تغير،
(2/334)
وأما علي بن عاصم، فقال: إنه لم يختلط، كذا حكاه صاحب " الميزان " عنه.
وقولي: (السلمي) ، من الزيادات على ابن الصلاح، وفائدته عدم الاشتباه، فإن في الكوفيين أربعة كلهم حصين بن عبد الرحمن، ليس فيهم بهذا النسب إلا هذا.
ومنهم: عارم اسمه: محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي، وعارم لقب له، وهو أحد الثقات الأثبات، روى عنه البخاري في "صحيحه"، ومسلم بواسطة، قال البخاري: ((تغير في آخر عمره)) . وقال أبو حاتم: اختلط في آخر عمره، وزال عقله، فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح، قال: وكتبت عنه قبل الاختلاط سنة أربع عشرة، ولم أسمع منه بعدما اختلط. فمن سمع منه قبل سنة عشرين ومائتين، فسماعه جيد، وأبو زرعة لقيه سنة اثنتين وعشرين. وقال الحسين بن عبد الله الذارع، عن أبي داود: بلغنا أن عارما أنكر سنة ثلاث عشرة، ثم راجعه عقله، واستحكم به الاختلاط سنة ست عشرة، وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره، وتغير حتى كاد لا يدري ما يحدث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة، فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرون، فإذا لم يعلم هذا من هذا ترك الكل. وأنكر صاحب "الميزان"، هذا القول من ابن حبان، ووصفه بالتسخيف والتهوير، وحكى قول الدارقطني: تغير بأخرة، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر، وهو ثقة.
(2/335)
إذا تقرر ذلك، فممن سمع منه قبل اختلاطه: أحمد بن حنبل، وعبد الله ابن محمد المسندي، وأبو حاتم الرازي، وأبو علي محمد بن أحمد بن خالد الزريقي، وقال ابن الصلاح: ما رواه عنه: البخاري، ومحمد بن يحيى الذهلي، وغيرهما من الحفاظ، ينبغي أن يكون مأخوذا عنه قبل اختلاطه. انتهى، وممن سمع منه بعد اختلاطه: أبو زرعة الرازي، وعلي بن عبد العزيز البغوي. وكانت وفاته سنة أربع وعشرين
ومائتين.
ومنهم: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، أحد الثقات الذين احتج بهم الشيخان. قال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: اختلط بأخرة. وقال عقبة بن مكرم العمي: اختلط قبل موته بثلاث سنين، أو أربع سنين، قال صاحب " الميزان ": لكنه ما ضر تغيره حديثه، فإنه ما حدث بحديث في زمن التغير، ثم استدل بقول أبي داود: تغير جرير بن حازم، وعبد الوهاب الثقفي، فحجب الناس عنهم. ومات سنة أربع وتسعين ومائة، وقيل: سنة أربع وثمانين.
ومنهم: عبد الرزاق بن همام الصنعاني، احتج به الشيخان، قال أحمد: أتيناه قبل المائتين وهو صحيح البصر. ومن سمع منه بعد ما ذهب بصره، فهو ضعيف السماع، وقال أيضا: كان يلقن بعدما عمي، وقال النسائي: فيه نظر، لمن كتب عنه بأخرة. انتهى.
(2/336)
فممن سمع منه قبل اختلاطه: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ووكيع في آخرين. وممن سمع منه بعد اختلاطه: أحمد بن محمد بن شبوية، وإبراهيم بن منصور الرمادي، ومحمد بن حماد الظهراني، وإسحاق بن إبراهيم الدبري، قال إبراهيم الحربي: مات عبد الرزاق وللدبري ست سنين، أو سبع سنين. وقال ابن عدي: استصغر في عبد الرزاق، قال الذهبي: إنما اعتنى به أبوه فأسمعه منه تصانيفه، وله سبع سنين، أو نحوها، وقد احتج به أبو عوانة في " صحيحه "، وغيره. انتهى. وكأن من احتج به لم يبال بتغيره؛ لكونه إنما حدثه من كتبه، لا من حفظه، قال ابن الصلاح: وجدت فيما روى الطبراني عن الدبري عنه أحاديث استنكرتها جدا. فأحلت أمرها على ذلك، وتوفي سنة إحدى عشرة ومائتين.
ومنهم - فيما زعموا -: ربيعة الرأي - شيخ مالك - وهو: ربيعة ابن أبي عبد الرحمن، واسم أبيه: فروخ، وهو أحد الأئمة الثقات، احتج به الشيخان، ولم أر من ذكر أنه اختلط إلا ابن الصلاح، فقال: ((قيل: إنه تغير في آخر عمره، وترك الاعتماد عليه لذلك)) ، فلذلك أتيت بقولي: (فيما زعموا) ، وقد وثقه أحمد، وأبو حاتم، والعجلي، والنسائي، وآخرون. إلا أن ابن سعد بعد أن وثقه،
(2/337)
قال: ((كانوا يتقونه لموضع الرأي)) ، وذكره النباتي في " ذيل الكامل "، وقال: إن البستي ذكره في الزيادات، قلت: قد ذكره البستي في " الثقات "، وقال: توفي سنة ست وثلاثين ومائة.
ومنهم: صالح مولى التوأمة، وهو: صالح بن نبهان، اختلف في الاحتجاج به، قال أحمد: أدركه مالك، وقد اختلط وهو كبير، وما أعلم به بأسا ممن سمع منه قديما، فقد روى عنه أكابر أهل المدينة. وقال ابن معين: ثقة خرف قبل أن يموت، فمن سمع منه قبل، هو ثبت. وقيل له: إن مالكا تركه، فقال: إنما أدركه بعد أن خرف، وقال ابن المديني: ثقة إلا أنه خرف وكبر. وقال ابن حبان: ((تغير في سنة خمس وعشرين ومائة وجعل يأتي بما يشبه الموضوعات عن الثقات، فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميز، واستحق الترك)) . وحكى ابن الصلاح كلام ابن حبان مقتصرا عليه.
قلت: قد ميز الأئمة بعض من سمع منه قديما، ممن سمع منه بعد التغير، فممن سمع منه قديما: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، قاله يحيى بن معين، وعلي بن
(2/338)
المديني، والجوزجاني، وابن عدي. وكذلك ابن جريج، وزياد بن سعد، قاله ابن عدي. وممن سمع منه بعد الاختلاط: مالك، والسفيانان، ومات سنة خمس وعشرين ومائة، وقيل: سنة ست.
ومنهم: سفيان بن عيينة أحد الأئمة الثقات، قال يحيى بن سعيد القطان: أشهد أنه اختلط سنة سبع وتسعين، فمن سمع منه في هذه السنة، وبعد هذا، فسماعه لا شيء، هكذا حكاه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، عن القطان. قال صاحب " الميزان ": ((وأنا أستبعده، وأعده غلطا من ابن عمار، فإن القطان مات في صفر من سنة ثمان وتسعين، وقت قدوم الحاج، ووقت تحدثهم عن أخبار الحجاز، فمتى تمكن يحيى بن سعيد من أن يسمع اختلاط سفيان؟ ثم يشهد عليه بذلك، والموت قد نزل به، ثم قال: فلعله بلغه ذلك في أثناء سنة سبع. وقال سمع منه فيها، أي: سنة سبع، محمد بن عاصم صاحب ذلك الجزء العالي، قال: ويغلب على ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع، فأما سنة ثمان وتسعين ففيها مات، ولم يلقه أحد فيها، فإنه توفي قبل قدوم الحاج بأربعة أشهر. قال ابن الصلاح: ((ويحصل نظر في كثير من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من ابن عيينة، وأشباهه)) ، وقال ابن الصلاح: ((إنه توفي سنة تسع وتسعين)) .
(2/339)
قلت: والمعروف ما تقدم، فإنه مات بمكة يوم السبت، أول شهر رجب سنة ثمان وتسعين، قاله محمد بن سعد، وابن زبر، وابن حبان، إلا أنه قال آخر يوم من جمادى الآخرة.
ومنهم: المسعودي، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، قال ابن سعد: ثقة إلا أنه اختلط في آخر عمره، ورواية المتقدمين عنه صحيحة. وقال أبو حاتم: ((تغير بأخرة قبل موته بسنة، أو سنتين)) وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كان ثقة، فلما كان بأخرة اختلط. وقال أحمد: إنما اختلط ببغداد، ومن سمع منه بالكوفة والبصرة، فسماعه جيد. وقال ابن معين: من سمع منه زمان أبي جعفر، فهو صحيح السماع، ومن سمع منه في زمان المهدي فليس سماعه بشيء. قلت: وكانت وفاة أبي جعفر المنصور بمكة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين، وكانت مدة اختلاطه، كما قال أبو حاتم، فإن المسعودي مات سنة ستين ومائة ببغداد، وقال ابن حبان: اختلط حديثه فلم يتميز، فاستحق الترك. وكذا قال أبو الحسن بن القطان: كان لا يتميز في الأغلب ما رواه قبل اختلاطه، مما رواه بعد.
(2/340)
قلت: قد ميز الأئمة بين جماعة ممن سمع منه في الصحة، أو الاختلاط. فممن سمع منه قديما قبل الاختلاط: وكيع، وأبو نعيم الفضل بن دكين، قاله أحمد بن حنبل. وممن سمع منه بعد الاختلاط: أبو النضر هاشم ابن القاسم وعاصم بن علي، قاله أحمد أيضا، وكذلك سمع منه بأخرة: عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، قاله ابن نمير. وقد قيل: إن أبا داود الطيالسي سمع منه بعد ما تغير، قاله سلم بن قتيبة.
ومنهم من المتأخرين: أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة حفيد الحافظ أبي بكر بن خزيمة، وكذلك أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين الغطريفي الجرجاني، فذكر الحافظ أبو علي البرذعي، ثم السمرقندي في " معجمه " أنه بلغه أنهما اختلطا في آخر عمرهما.
قلت: أما الحفيد فقد اختلط قبل موته بثلاث سنين وتجنب الناس الرواية عنه، توفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وقد احتج الإسماعيلي بالغطريفي في " صحيحه "، وتوفي سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
ومنهم: أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي راوي " مسند أحمد " و" الزهد " له.
قال ابن الصلاح: اختل في آخر عمره، وخرف، حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه، وقال صاحب " الميزان ": ذكر هذا أبو الحسن بن الفرات، ثم قال: فهذا
(2/341)
غلو وإسراف، وقد وثقه البرقاني، والحاكم. وتوفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة، لسبع بقين من ذي الحجة، قال ابن الصلاح: ((واعلم أن ما كان من هذا القبيل محتجا بروايته في الصحيحين، أو أحدهما، فإنا نعرف على الجملة: أن ذلك مما تميز وكان مأخوذا عنه قبل الاختلاط، والله أعلم)) .
طبقات الرواة
992.... وللرواة طبقات تعرف ... بالسن والأخذ، وكم مصنف
993.... يغلط فيها، وابن سعد صنفا ... فيها ولكن كم روى عن ضعفا
من المهمات معرفة طبقات الرواة؛ فإنه قد يتفق اسمان في اللفظ، فيظن أن أحدهما الآخر، فيتميز ذلك بمعرفة طبقتيهما، إن كانا من طبقتين، فإن كانا من طبقة واحدة فربما أشكل الأمر، وربما عرف ذلك بمن فوقه، أو دونه من الرواة، فربما كان أحد المتفقين في الاسم لا يروي عمن روى عنه الآخر، فإن اشتركا في الراوي الأعلى وفيمن روى عنهما، فالإشكال حينئذ أشد. وإنما يميز ذلك أهل الحفظ والمعرفة.
ويعرف كون الراويين أو الرواة من طبقة واحدة، بتقاربهم في السن، وفي الشيوخ الآخذين عنهم، إما بكون شيوخ هذا هم شيوخ هذا أو تقارب شيوخ هذا من شيوخ هذا في الأخذ، كما تقدمت الإشارة إلى نحو ذلك في رواية الأقران، فإن مدلول الطبقة
(2/342)
لغة: القوم المتشابهون، وأما في الاصطلاح فالمراد: المتشابه في الأسنان، والإسناد، وربما اكتفوا بالمتشابه في الإسناد.
وبسبب الجهل بمعرفة الطبقات غلط غير واحد من المصنفين، فربما ظن راويا راويا آخر غيره، وربما أدخل راويا في غير طبقته. وقد تقدم لذلك أمثلة في أواخر معرفة التابعين.
وقد صنف في الطبقات جماعة، فمنهم من اختصر، كخليفة بن خياط، ومسلم بن الحجاج، ومنهم من طول كمحمد بن سعد في " الطبقات الكبرى "، وله ثلاثة تصانيف في ذلك، وكتابه الكبير كتاب جليل، كثير الفائدة، وابن سعد ثقة في نفسه، وثقه أبو حاتم وغيره، ولكنه كثير الرواية في الكتاب المذكور عن الضعفاء، كمحمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي. ويقتصر كثيرا على اسمه واسم أبيه من غير نسب، وكهشام بن محمد ابن السائب الكلبي، ونصر بن باب الخراساني في آخرين منهم. على أن أكثر شيوخه أئمة ثقات، كسفيان بن عيينة، وابن علية، ويزيد بن هارون، ومعن بن عيسى، وهشيم، وأبي الوليد الطيالسي، وأبي أحمد الزبيري، وأنس ابن عياض، وغيرهم، ولكنه أكثر الرواية في الكتاب المذكور عن شيخيه الأولين.
ثم إنه قد يكون الراوي من طبقة؛ لمشابهته لتلك الطبقة من وجه، ومن طبقة أخرى غيرها؛ لمشابهته لها من وجه آخر.
(2/343)
وأنس بن مالك ونحوه من صغار الصحابة من طبقة العشرة عند من عد الصحابة كلهم طبقة واحدة، كابن حبان في " الثقات " لاشتراكهم في الصحبة وهو من طبقة أخرى دون طبقة العشرة، عند من عد الصحابة طباقا، والتابعين طباقا، كابن سعد، وقد تقدم في معرفة الصحابة أنهم اثنتا عشرة طبقة، أو أكثر، وتقدم في معرفة التابعين أنهم خمس عشرة طبقة، والله أعلم.
الموالي من العلماء والرواة
994.... وربما إلى القبيل ينسب ... مولى عتاقة وهذا الأغلب
995.... أو لولاء الحلف كالتيمي ... مالك او للدين كالجعفي
996.... وربما ينسب مولى المولى ... نحو سعيد بن يسار أصلا
من المهمات معرفة الموالي من العلماء والرواة، وأهم ذلك أن ينسب إلى القبيلة مولى لهم، مع إطلاق النسب، فربما ظن أنهم منهم صليب بحكم ظاهر الإطلاق، وربما وقع من ذلك خلل في الأحكام الشرعية في الأمور المشترط فيها النسب، كالإمامة العظمى، والكفاءة في النكاح، ونحو ذلك.
وقد صنف في الموالي أبو عمر الكندي، ولكن بالنسبة إلى المصريين لا مطلقا. ثم الموالي المنسوبون إلى القبائل منهم من يكون المراد به مولى العتاقة، وهذا هو الأغلب،
(2/344)
كأبي البختري الطائي، وأبي العالية الرياحي، والليث ابن سعد الفهمي، وعبد الله بن المبارك الحنظلي، وعبد الله بن صالح الجهني - كاتب الليث - ونحوهم.
ومنهم: من يكون المراد به ولاء الحلف، كالإمام مالك بن أنس، هو أصبحي صليبة، وقيل له: التيمي؛ لكون نفره (أصبح) موالي لتيم قريش بالحلف، وقيل: لأن جده - مالك بن أبي عامر - كان أجيرا لطلحة بن عبيد الله التيمي، وطلحة مختلف بالتجارة، وهذا قسم آخر غير هذا القسم الثاني الذي تقدم.
ومنهم: من أريد به ولاء الإسلام، كالإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وقيل له: الجعفي؛ لأن جده كان مجوسيا وأسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي، وكالحسن ابن عيسى الماسرجسي، قيل له: مولى ابن المبارك لإسلامه على يديه.
وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها، كأبي الحباب سعيد بن يسار، قيل له: الهاشمي؛ لأنه مولى شقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
هكذا اقتصر ابن الصلاح على هذا القول. وقيل: إنه مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل: مولى الحسن بن علي، وقيل: مولى بني النجار. فليس حينئذ بمولى لبني هاشم.
ومن هذا القسم: عبد الله بن وهب القرشي الفهري المصري، فإنه مولى يزيد بن رمانة، ويزيد بن رمانة مولى يزيد بن أنيس الفهري، وقد أدخله ابن الصلاح في أمثلة القسم الأول، وهو بهذا أليق.
(2/345)
ثم ذكر ابن الصلاح قصة الزهري مع عبد الملك بن مروان، وسؤاله عمن يسود أهل مكة، ثم اليمن، ثم مصر، ثم الشام، ثم الجزيرة، ثم خراسان، ثم البصرة، ثم الكوفة، وجواب الزهري له، وأن كلهم موال إلا الذي بالكوفة، وهو إبراهيم النخعي، فإنه من العرب، وقول عبد الملك عند ذلك: ويلك يا زهري فرجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر، والعرب تحتها، وهذا من عبد الملك، إما فراسة، أو بلغه من أهل العلم، أو أهل الكتاب، فالله أعلم.
أوطان الرواة وبلدانهم
997.... وضاعت الأنساب في البلدان ... فنسب الأكثر للأوطان
998.... وإن يكن في بلدتين سكنا ... فابدأ بالاولى وبثم حسنا
999.... وإن يكن من قرية من بلدة ... ينسب لكل وإلى الناحية
مما يحتاج إليه أهل الحديث، معرفة أوطان الرواة وبلدانهم، فإن ذلك ربما ميز بين الاسمين المتفقين في اللفظ، فينظر في شيخه وتلميذه الذي روى عنه، فربما كانا - أو
(2/346)
أحدهما - من بلد أحد المتفقين في الاسم، فيغلب على الظن أن بلديهما هو المذكور في السند، لا سيما إذا لم يعرف له سماع بغير بلده.
وأيضا ربما استدل بذكر وطن الشيخ، أو ذكر مكان السماع على الإرسال بين الراويين إذا لم يعرف لهما اجتماع عند من لا يكتفي بالمعاصرة. وسمعت شيخنا الحافظ أبا محمد عبد الله بن محمد بن أبي بكر القرشي، يقول غير مرة: كنت أسمع بقراءة الحافظ أبي الحجاج المزي كتاب " عمل اليوم والليلة " للحسن بن علي بن شبيب المعمري، فمر حديث من رواية يونس بن محمد المؤدب، عن الليث بن سعد، فقلت للمزي: في أين سمع يونس من الليث؟ فقال: لعله سمع منه في الحج، ثم استمر في القراءة، ثم قال: لا الليث ذهب في الرسيلة إلى بغداد فسمع منه هناك. انتهى.
وإنما حدث للعرب الانتساب إلى البلاد والأوطان لما غلب عليها سكنى القرى، والمدائن، وضاع كثير من أنسابها، فلم يبق لها غير الانتساب إلى البلدان، وقد كانت العرب تنسب قبل ذلك إلى القبائل، فمن سكن في بلدتين، وأراد الانتساب إليهما فليبدأ بالبلد الذي سكنها أولا، ثم بالثانية التي انتقل إليها، وحسن أن يأتي بـ (ثم) في النسب للبلدة الثانية، فيقول مثلا: المصري ثم الدمشقي. ومن كان من أهل قرية من قرى بلدة، فجائز أن ينسب إلى القرية، وإلى البلدة أيضا، وإلى الناحية التي منها تلك البلدة، فمن هو؟ من أهل داريا مثلا، أن يقول في نسبه: الداري، والدمشقي، والشامي، فإن أراد الجمع بينها، فليبدأ بالأعم، فيقول: الشامي الدمشقي الداري.
(2/347)
1000.... وكملت بطيبة الميمونه ... فبرزت من خدرها مصونه
1001.... فربنا المحمود والمشكور ... إليه منا ترجع الأمور
1002.... وأفضل الصلاة والسلام ... على النبي سيد الأنام
أي: كملت هذه الأرجوزة بطيبة - مدينة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان الفراغ منها: يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة، سنة ثمان وستين وسبعمائة، وكان أول بروزها إلى الخارج بالمدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وكمل هذا الشرح عليها في يوم السبت التاسع والعشرين، في شهر رمضان المعظم قدره، سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، بالخانقاه الطشتمرية خارج القاهرة المحروسة.
وأجزت لكل من سمع مني الأرجوزة المذكورة، أو بعضها أن يروي عني جميع هذا الشرح عليها، وجميع ما يجوز لي وعني روايته.
(2/348)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق