1332 - وعن أبي حماد - ويقال: أبو سعاد، ويقال: أبو أسد، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو الأسود، ويقال: أبو عبس - عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر، يقول: «{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: 60]، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 52 (1917) (167).
(1/371)
1333 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ستفتح عليكم أرضون، ويكفيكم الله، فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 52 (1918) (168).
(1/371)
1334 - وعنه: أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من علم الرمي، ثم تركه، فليس منا، أو فقد عصى». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 52 (1919) (169).
(1/371)
1335 - وعنه - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله. وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا. ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها» أو قال: «كفرها». رواه أبو داود. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2513)،والنسائي 6/ 28 و222 وفي «الكبرى»، له (4354) و (4420).
(1/371)
1336 - وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على نفر ينتضلون (1)، فقال: «ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا». رواه البخاري. (2)
__________
(1) ينتضلون: يرتمون بالسهام. النهاية 5/ 72.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 45 (2899).
(1/371)
1337 - وعن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محررة (1)». رواه أبو داود والترمذي، (2) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أي: أجر معتق، المحرر: الذي جعل من العبيد حرا فأعتق. النهاية 1/ 362.
(2) أخرجه: أبو داود (3965)، والترمذي (1638)، والنسائي 6/ 26 وفي «الكبرى»، له (4315).
(1/372)
1338 - وعن أبي يحيى خريم بن فاتك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف». رواه الترمذي، (1) وقال:
«حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1625)، والنسائي 6/ 49 وفي «الكبرى»، له (4395) و (11027).
(1/372)
1339 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1218).
(1/372)
1340 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1624)، وقال: «حديث غريب».
(1/372)
1341 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 49 (1910) (158).
(1/372)
1342 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فقال: «إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، حبسهم المرض».
وفي رواية: «حبسهم العذر».
وفي رواية: «إلا شركوكم في الأجر». رواه البخاري من رواية أنس، ورواه مسلم من رواية جابر واللفظ له. (1)
__________
(1) انظر الحديث (4).
(1/372)
1343 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه: أن أعرابيا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه؟
وفي رواية: يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية (1).
وفي رواية: يقاتل غضبا، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله». متفق عليه. (2)
__________
(1) الحمية: الأنفة والغيرة. النهاية 1/ 447.
(2) انظر الحديث (8).
(1/373)
1344 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما من غازية، أو سرية تغزو، فتغنم وتسلم، إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم لهم أجورهم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 48 (1906) (154).
(1/373)
1345 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه: أن رجلا، قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله - عز وجل». رواه أبو داود بإسناد جيد. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2486).
(1/373)
1346 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قفلة كغزوة». رواه أبو داود بإسناد جيد. (1)
«القفلة»: الرجوع، والمراد: الرجوع من الغزو بعد فراغه؛ ومعناه: أنه يثاب في رجوعه بعد فراغه من الغزو (2).
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2487).
(2) انظر: معالم السنن للخطابي 2/ 205.
(1/373)
1347 - وعن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك تلقاه الناس، فتلقيته مع الصبيان على ثنية (1) الوداع. رواه أبو داود بإسناد صحيح بهذا اللفظ. (2)
ورواه البخاري قال: ذهبنا نتلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الصبيان إلى ثنية الوداع.
__________
(1) وهو اسم موضع ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة. مراصد الاطلاع 1/ 301.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 93 (2083)، وأبو داود (2779).
(1/373)
1348 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من لم يغز، أو يجهز غازيا، أو يخلف غازيا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة (1) قبل يوم القيامة». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (2)
__________
(1) قال ابن قيم الجوزية: «بقارعة: أي بداهية مهلكة» عون المعبود 7/ 182.
(2) أخرجه: أبو داود (2503).
(1/374)
1349 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2504)، والنسائي 6/ 7 وفي «الكبرى»، له (4304).
(1/374)
1350 - وعن أبي عمرو - ويقال: أبو حكيم - النعمان بن مقرن - رضي الله عنه - قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح، وينزل النصر. رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2655)، والترمذي (1613)، والنسائي في «الكبرى» (8637).
(1/374)
1351 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 77 (3026)، ومسلم 5/ 143 (1741) (19).
(1/374)
1352 - وعنه وعن جابر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحرب خدعة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 77 (3029) و (3030)، ومسلم 5/ 143 (1739) (17).
قال الخطابي في «معالم السنن» 2/ 233: «قوله: «الحرب خدعة» معناه إباحة الخداع في الحرب وإن كان محظورا في غيرها من الأمور، وهذا الحرف يروى على ثلاثة أوجه: خدعة بفتح الخاء وسكون الدال، وخدعة بضم الخاء وسكون الدال، وخدعة الخاء مضمومة والدال منصوبة (أي مفتوحة)، وأصوبها خدعة بفتح الخاء».
(1/374)
235 - باب بيان جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة يغسلون ويصلى عليهم بخلاف القتيل في حرب الكفار
1353 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الشهداء خمسة: المطعون والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله (1)». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 56 - 57: «المطعون هو الذي يموت في الطاعون، والمبطون هو صاحب داء البطن، وصاحب الهدم من يموت تحته (أي تحت الهدم والأنقاض)، ومن مات في سبيل الله معناه بأي صفة مات، قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها، قال العلماء: المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم، وأن الشهداء ثلاثة أقسام: شهيد في الدنيا والآخرة، وهو المقتول في حرب الكفار، وشهيد الآخرة دون أحكام الدنيا وهم هؤلاء المذكورون هنا، وشهيد الدنيا دون الآخرة، وهو من غل في الغنيمة أو قتل مدبرا».
(2) أخرجه: البخاري 1/ 167 (653)، ومسلم 6/ 51 (1914) (164).
(1/374)
1354 - وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما تعدون الشهداء فيكم؟» قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: «إن شهداء أمتي إذا لقليل»! قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: «من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 51 (1915) (165).
(1/375)
1355 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 179 (2480)، ومسلم 1/ 87 (141) (226).
(1/375)
1356 - وعن أبي الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة - رضي الله عنهم - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4772)، والترمذي (1421).
(1/375)
1357 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: «فلا تعطه مالك» قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قاتله» قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد» قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هو في النار». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 87 (140) (225).
(1/375)
236 - باب فضل العتق
قال الله تعالى: {فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة} [البلد: 11 - 13].
(1/376)
1358 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه، عضوا منه في النار، حتى فرجه بفرجه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 181 (6715)، ومسلم 4/ 217 (1509) (22) و (23).
(1/376)
1359 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله» قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (117).
(1/376)
237 - باب فضل الإحسان إلى المملوك
قال الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم} [النساء: 36].
(1/376)
1360 - وعن المعرور بن سويد، قال: رأيت أبا ذر - رضي الله عنه - وعليه حلة وعلى غلامه مثلها، فسألته عن ذلك، فذكر أنه قد ساب رجلا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعيره بأمه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إنك امرؤ فيك جاهلية هم إخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 14 (30)، ومسلم 5/ 92 (1661) (38) و (40).
(1/376)
1361 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين؛ فإنه ولي علاجه (1)». رواه البخاري. (2) [ص:377]
«الأكلة» بضم الهمزة: وهي اللقمة.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 6/ 120: «في هذا الحديث الحث على مكارم الأخلاق، والمواساة في الطعام، لا سيما في حق من صنعه أو حمله؛ لأنه ولي حره ودخانه، وتعلقت به نفسه، وشم رائحته، وهذا كله محمول على الاستحباب».
(2) أخرجه: البخاري 3/ 197 (2557)، ومسلم 5/ 94 (1663) (42).
(1/376)
238 - باب فضل المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه
1362 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن العبد إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله، فله أجره مرتين». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 195 (2546)، ومسلم 5/ 94 (1664) (43).
(1/377)
1363 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «للعبد المملوك المصلح أجران»، والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج، وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 195 (2548)، ومسلم 5/ 94 (1665) (44).
(1/377)
1364 - عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «المملوك الذي يحسن عبادة ربه، ويؤدي إلى سيده الذي عليه من الحق، والنصيحة، والطاعة، له أجران». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 196 (2551).
(1/377)
1365 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وآمن بمحمد، والعبد المملوك إذا أدى حق الله، وحق مواليه، ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها؛ فله أجران». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 35 (97)، ومسلم 1/ 93 (154) (241).
(1/377)
239 - باب فضل العبادة في الهرج (1)
وهو: الاختلاط والفتن ونحوها
1366 - عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «العبادة في الهرج كهجرة إلي». رواه مسلم. (2)
__________
(1) الهرج: قتال واختلاط. النهاية 5/ 257.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 208 (2948) (130).
(1/377)
240 - باب فضل السماحة في البيع والشراء والأخذ والعطاء وحسن القضاء والتقاضي وإرجاح المكيال والميزان، والنهي عن التطفيف وفضل إنظار الموسر المعسر والوضع عنه
قال الله تعالى: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة: 215]، وقال تعالى: {ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم} [هود: 85]، وقال تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين: 1 - 6].
(1/378)
1367 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقاضاه فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا» ثم قال: «أعطوه سنا مثل سنه» قالوا: يا رسول الله، لا نجد إلا أمثل من سنه، قال: «أعطوه، فإن خيركم أحسنكم قضاء». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 130 (2306)، ومسلم 5/ 54 (1601) (120).
(1/378)
1368 - وعن جابر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 75 (2076).
(1/378)
1369 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسر أو يضع عنه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 33 (1563) (32).
(1/378)
1370 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان رجل يداين الناس، وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 214 (3480)، ومسلم 5/ 33 (1562) (31).
(1/378)
1371 - وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس وكان [ص:379] موسرا، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر. قال الله - عز وجل: نحن أحق بذلك منه؛ تجاوزوا عنه». رواه مسلم (1).
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 33 (1561) (30).
(1/378)
1372 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: أتي الله تعالى بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال: «ولا يكتمون الله حديثا» قال: يا رب آتيتني مالك، فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أتيسر على الموسر، وأنظر المعسر. فقال الله تعالى: «أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي» فقال عقبة بن عامر، وأبو مسعود الأنصاري رضي الله عنهما: هكذا سمعناه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 33 (1560) (29).
(1/379)
1373 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أنظر معسرا، أو وضع له، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1306)، وقال: «حديث حسن صحيح غريب».
(1/379)
1374 - وعن جابر - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى منه بعيرا، فوزن له فأرجح. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 211 (2604)، ومسلم 5/ 53 (715) (115).
(1/379)
1375 - وعن أبي صفوان سويد بن قيس - رضي الله عنه - قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا (1) من هجر، فجاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فساومنا بسراويل، وعندي وزان يزن بالأجر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للوزان: «زن وأرجح». رواه أبو داود، والترمذي (2) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) بزا: ثيابا. عون المعبود 9/ 185.
(2) أخرجه: أبو داود (3336)، وابن ماجه (2220)، والترمذي (1305)، وقال الترمذي: «وأهل العلم يستحبون الرجحان في الوزن».
(1/379)
(12) - كتاب العلم
241 - باب فضل العلم تعلما وتعليما لله
قال الله تعالى: {وقل رب زدني علما} [طه: 114]، وقال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9]، وقال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11]، وقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28].
(1/381)
1376 - وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 27 (71)، ومسلم 3/ 94 (1037) (98).
(1/381)
1377 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها». متفق عليه. (1)
والمراد بالحسد: الغبطة، وهو أن يتمنى مثله.
__________
(1) انظر الحديثين (543) و (570).
(1/381)
1378 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا؛ فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان؛ لا تمسك ماء [ص:382] ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (162).
(1/381)
1379 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (175).
(1/382)
1380 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 207 (3461).
(1/382)
1381 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (245) وهذا جزء منه.
(1/382)
1382 - وعنه أيضا - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (174).
(1/382)
1383 - وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». رواه مسلم (1).
__________
(1) انظر الحديث (949).
(1/382)
1384 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله تعالى، وما والاه، وعالما، أو متعلما». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
قوله: «وما والاه»: أي طاعة الله.
__________
(1) انظر الحديث (477).
(1/382)
1385 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2647)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/382)
1386 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2686)، وقال: «حديث حسن غريب» على أن سنده ضعيف.
(1/383)
1387 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2685)، وقال: «حديث حسن صحيح غريب».
(1/383)
1388 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر». رواه أبو داود والترمذي. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (3641)، وابن ماجه (223)، والترمذي (2682).
(1/383)
1389 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «نضر الله امرأ سمع منا شيئا، فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (232)، والترمذي (2657).
(1/383)
1390 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (3658)، وابن ماجه (261)، والترمذي (2649).
(1/383)
1391 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة (1) يوم القيامة» يعني: ريحها. رواه أبو داود بإسناد صحيح. (2)
__________
(1) قال ابن قيم الجوزية: «عرف الجنة، بفتح عين مهملة وسكون راء مهملة، الرائحة، مبالغة في تحريم الجنة لأن من لم يجد ريح الشيء لا يتناوله قطعا». عون المعبود 10/ 98.
(2) أخرجه: أبو داود (3664)، وابن ماجه (252).
(1/383)
1392 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا». متفق عليه (1).
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 36 (100)، ومسلم 8/ 60 (2673) (13).
(1/384)
(13) - كتاب حمد الله تعالى وشكره
242 - باب وجوب الشكر
قال الله تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} [البقرة: 152] وقال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7] وقال تعالى: {وقل الحمد لله} [الإسراء: 111] وقال تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 10].
(1/385)
1393 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي ليلة أسري به بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما فأخذ اللبن. فقال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت (1) أمتك. رواه مسلم. (2)
__________
(1) غوت: ضلت. النهاية 3/ 397.
(2) أخرجه: البخاري 6/ 104 (4709)، ومسلم 1/ 106 (168) (272).
(1/385)
1394 - وعنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع». حديث حسن، رواه أبو داود وغيره. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2840)، وابن ماجه (1894)،والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (494) و (495) و (496)، والحديث ضعيف بيانه في " الجامع في العلل ".
(1/385)
1395 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) انظر الحديث (922).
(1/385)
1396 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة، فيحمده عليها، ويشرب الشربة، فيحمده عليها». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (140).
(1/386)
(14) - كتاب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
243 - باب الأمر بالصلاة عليه وفضلها وبعض صيغها
قال الله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56].
(1/387)
1397 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشرا». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 4 (384) (11).
(1/387)
1398 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (484)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/387)
1399 - وعن أوس بن أوس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي». قال: قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟! قال: يقول بليت. قال: «إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1158).
(1/387)
1400 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3545)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/387)
1401 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2042).
(1/388)
1402 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2041).
(1/388)
1403 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «البخيل من ذكرت عنده، فلم يصل علي». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3546)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم (32)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (432)، والنسائي في «الكبرى» (8100) وفي «عمل اليوم والليلة»، له (55) و (56)، وأبو يعلى (6776)، وابن حبان (909)، والطبراني (2885)، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (382)، والحاكم 1/ 549، والبيهقي في «شعب الإيمان» (1567) و (1568) عن الحسين ابن علي بن أبي طالب، قال الترمذي: «حديث حسن صحيح غريب».
قال ابن حجر: «الذي عندي أن رواية سليمان لا تخالف رواية يحيى بن موسى؛ لأن يحيى قال: «عن أبيه عن جده» ولم يسمه، فاحتمل أن يريد جده الأدنى وهو الحسين، واحتمل الأعلى وهو علي، فصرحت رواية يحيى بن موسى بالاحتمال الثاني».
وأورده المزي في «تحفة الأشراف» في مسند علي (10072) وعزاه إلى الترمذي، وأورده في مسند الحسين بن علي أيضا (3412) ولم يذكر الترمذي. انظر: تحفة الأشراف 2/ 684 (3412).
(1/388)
1404 - وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «عجل هذا» ثم دعاه فقال له - أو لغيره: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه سبحانه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يدعو بعد بما شاء». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1481)، والترمذي (3477).
(1/388)
1405 - وعن أبي محمد كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال:
«قولوا: اللهم [ص:389] صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 95 (6357)، ومسلم 2/ 16 (406) (66).
(1/388)
1406 - وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة - رضي الله عنه - فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 16 (405) (65).
(1/389)
1407 - وعن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 178 (3369)، ومسلم 2/ 16 (407) (69).
(1/389)
(15) - كتاب الأذكار
244 - باب فضل الذكر والحث عليه
قال الله تعالى: {ولذكر الله أكبر} [العنكبوت: 45]، وقال تعالى: {فاذكروني أذكركم} [البقرة: 152]، وقال تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} [الأعراف: 205]، وقال تعالى: {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} [الجمعة: 10]، وقال تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} ... إلى قوله تعالى: {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} [الأحزاب: 35]، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا} [الأحزاب: 41 - 42] الآية. والآيات في الباب كثيرة معلومة.
(1/391)
1408 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 107 (6406)، ومسلم 8/ 70 (2694) (31).
(1/391)
1409 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لأن أقول: سبحان الله؛ والحمد لله؛ ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 70 (2695) (32).
(1/391)
1410 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد؛ وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر [ص:392] رقاب وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه».
وقال: «من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 153 (3293) و8/ 107 (6405)، ومسلم 8/ 69 (2691) (28).
(1/391)
1411 - وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك؛ وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات. كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 106 (6404)، ومسلم 8/ 69 (2693) (30).
(1/392)
1412 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟ إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 85 (2731) (85).
(1/392)
1413 - وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (25).
(1/392)
1414 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: علمني كلاما أقوله. قال: «قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم» قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: «قل: اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني، وارزقني». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 70 (2696) (33).
(1/392)
1415 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا، وقال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» قيل للأوزاعي - وهو أحد رواة الحديث: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله، أستغفر الله. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 94 (591) (135).
(1/392)
1416 - وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من الصلاة وسلم، قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع (1) ذا الجد منك الجد». متفق عليه. (2)
__________
(1) ولا ينفع ذا الجد منك الجد: أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه. النهاية 1/ 244.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 90 (6330)، ومسلم 2/ 95 (593) (137).
(1/393)
1417 - وعن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول دبر كل صلاة، حين يسلم: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون».
قال ابن الزبير: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلل بهن دبر كل صلاة. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 96 (594) (139).
(1/393)
1418 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال، يحجون، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون. فقال: «ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تسبحون، وتحمدون، وتكبرون، خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين». قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة، لما سئل عن كيفية ذكرهن قال: يقول: سبحان الله، والحمد لله والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين. متفق عليه. (1)
وزاد مسلم في روايته: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء».
«الدثور» جمع دثر - بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة - وهو: المال الكثير.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 213 (843)، ومسلم 2/ 97 (595) (142).
(1/393)
1419 - وعنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 98 (597) (146).
(1/394)
1420 - وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«معقبات (1) لا يخيب قائلهن - أو فاعلهن - دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة». رواه مسلم. (2)
__________
(1) معقبات: تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة. وقال أبو الهشيم: سميت معقبات لأنها تفعل مرة بعد أخرى. شرح النووي 3/ 82.
(2) أخرجه: مسلم 2/ 98 (596) (144).
(1/394)
1421 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ دبر الصلوات بهؤلاء الكلمات: «اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من فتنة القبر». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 27 (2822).
(1/394)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 52 (1917) (167).
(1/371)
1333 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ستفتح عليكم أرضون، ويكفيكم الله، فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 52 (1918) (168).
(1/371)
1334 - وعنه: أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من علم الرمي، ثم تركه، فليس منا، أو فقد عصى». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 52 (1919) (169).
(1/371)
1335 - وعنه - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله. وارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا. ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها» أو قال: «كفرها». رواه أبو داود. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2513)،والنسائي 6/ 28 و222 وفي «الكبرى»، له (4354) و (4420).
(1/371)
1336 - وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على نفر ينتضلون (1)، فقال: «ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا». رواه البخاري. (2)
__________
(1) ينتضلون: يرتمون بالسهام. النهاية 5/ 72.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 45 (2899).
(1/371)
1337 - وعن عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محررة (1)». رواه أبو داود والترمذي، (2) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أي: أجر معتق، المحرر: الذي جعل من العبيد حرا فأعتق. النهاية 1/ 362.
(2) أخرجه: أبو داود (3965)، والترمذي (1638)، والنسائي 6/ 26 وفي «الكبرى»، له (4315).
(1/372)
1338 - وعن أبي يحيى خريم بن فاتك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف». رواه الترمذي، (1) وقال:
«حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1625)، والنسائي 6/ 49 وفي «الكبرى»، له (4395) و (11027).
(1/372)
1339 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1218).
(1/372)
1340 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1624)، وقال: «حديث غريب».
(1/372)
1341 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 49 (1910) (158).
(1/372)
1342 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فقال: «إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، حبسهم المرض».
وفي رواية: «حبسهم العذر».
وفي رواية: «إلا شركوكم في الأجر». رواه البخاري من رواية أنس، ورواه مسلم من رواية جابر واللفظ له. (1)
__________
(1) انظر الحديث (4).
(1/372)
1343 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه: أن أعرابيا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه؟
وفي رواية: يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية (1).
وفي رواية: يقاتل غضبا، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله». متفق عليه. (2)
__________
(1) الحمية: الأنفة والغيرة. النهاية 1/ 447.
(2) انظر الحديث (8).
(1/373)
1344 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما من غازية، أو سرية تغزو، فتغنم وتسلم، إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم لهم أجورهم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 48 (1906) (154).
(1/373)
1345 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه: أن رجلا، قال: يا رسول الله، ائذن لي في السياحة! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله - عز وجل». رواه أبو داود بإسناد جيد. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2486).
(1/373)
1346 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قفلة كغزوة». رواه أبو داود بإسناد جيد. (1)
«القفلة»: الرجوع، والمراد: الرجوع من الغزو بعد فراغه؛ ومعناه: أنه يثاب في رجوعه بعد فراغه من الغزو (2).
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2487).
(2) انظر: معالم السنن للخطابي 2/ 205.
(1/373)
1347 - وعن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك تلقاه الناس، فتلقيته مع الصبيان على ثنية (1) الوداع. رواه أبو داود بإسناد صحيح بهذا اللفظ. (2)
ورواه البخاري قال: ذهبنا نتلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الصبيان إلى ثنية الوداع.
__________
(1) وهو اسم موضع ثنية مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة. مراصد الاطلاع 1/ 301.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 93 (2083)، وأبو داود (2779).
(1/373)
1348 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من لم يغز، أو يجهز غازيا، أو يخلف غازيا في أهله بخير، أصابه الله بقارعة (1) قبل يوم القيامة». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (2)
__________
(1) قال ابن قيم الجوزية: «بقارعة: أي بداهية مهلكة» عون المعبود 7/ 182.
(2) أخرجه: أبو داود (2503).
(1/374)
1349 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2504)، والنسائي 6/ 7 وفي «الكبرى»، له (4304).
(1/374)
1350 - وعن أبي عمرو - ويقال: أبو حكيم - النعمان بن مقرن - رضي الله عنه - قال: شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الرياح، وينزل النصر. رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2655)، والترمذي (1613)، والنسائي في «الكبرى» (8637).
(1/374)
1351 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 77 (3026)، ومسلم 5/ 143 (1741) (19).
(1/374)
1352 - وعنه وعن جابر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحرب خدعة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 77 (3029) و (3030)، ومسلم 5/ 143 (1739) (17).
قال الخطابي في «معالم السنن» 2/ 233: «قوله: «الحرب خدعة» معناه إباحة الخداع في الحرب وإن كان محظورا في غيرها من الأمور، وهذا الحرف يروى على ثلاثة أوجه: خدعة بفتح الخاء وسكون الدال، وخدعة بضم الخاء وسكون الدال، وخدعة الخاء مضمومة والدال منصوبة (أي مفتوحة)، وأصوبها خدعة بفتح الخاء».
(1/374)
235 - باب بيان جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة يغسلون ويصلى عليهم بخلاف القتيل في حرب الكفار
1353 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الشهداء خمسة: المطعون والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله (1)». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 56 - 57: «المطعون هو الذي يموت في الطاعون، والمبطون هو صاحب داء البطن، وصاحب الهدم من يموت تحته (أي تحت الهدم والأنقاض)، ومن مات في سبيل الله معناه بأي صفة مات، قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها، قال العلماء: المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم، وأن الشهداء ثلاثة أقسام: شهيد في الدنيا والآخرة، وهو المقتول في حرب الكفار، وشهيد الآخرة دون أحكام الدنيا وهم هؤلاء المذكورون هنا، وشهيد الدنيا دون الآخرة، وهو من غل في الغنيمة أو قتل مدبرا».
(2) أخرجه: البخاري 1/ 167 (653)، ومسلم 6/ 51 (1914) (164).
(1/374)
1354 - وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما تعدون الشهداء فيكم؟» قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: «إن شهداء أمتي إذا لقليل»! قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: «من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 51 (1915) (165).
(1/375)
1355 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 179 (2480)، ومسلم 1/ 87 (141) (226).
(1/375)
1356 - وعن أبي الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة - رضي الله عنهم - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4772)، والترمذي (1421).
(1/375)
1357 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: «فلا تعطه مالك» قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قاتله» قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد» قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هو في النار». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 87 (140) (225).
(1/375)
236 - باب فضل العتق
قال الله تعالى: {فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة} [البلد: 11 - 13].
(1/376)
1358 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه، عضوا منه في النار، حتى فرجه بفرجه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 181 (6715)، ومسلم 4/ 217 (1509) (22) و (23).
(1/376)
1359 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله» قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (117).
(1/376)
237 - باب فضل الإحسان إلى المملوك
قال الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم} [النساء: 36].
(1/376)
1360 - وعن المعرور بن سويد، قال: رأيت أبا ذر - رضي الله عنه - وعليه حلة وعلى غلامه مثلها، فسألته عن ذلك، فذكر أنه قد ساب رجلا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعيره بأمه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إنك امرؤ فيك جاهلية هم إخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 14 (30)، ومسلم 5/ 92 (1661) (38) و (40).
(1/376)
1361 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين؛ فإنه ولي علاجه (1)». رواه البخاري. (2) [ص:377]
«الأكلة» بضم الهمزة: وهي اللقمة.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 6/ 120: «في هذا الحديث الحث على مكارم الأخلاق، والمواساة في الطعام، لا سيما في حق من صنعه أو حمله؛ لأنه ولي حره ودخانه، وتعلقت به نفسه، وشم رائحته، وهذا كله محمول على الاستحباب».
(2) أخرجه: البخاري 3/ 197 (2557)، ومسلم 5/ 94 (1663) (42).
(1/376)
238 - باب فضل المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه
1362 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن العبد إذا نصح لسيده، وأحسن عبادة الله، فله أجره مرتين». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 195 (2546)، ومسلم 5/ 94 (1664) (43).
(1/377)
1363 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «للعبد المملوك المصلح أجران»، والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج، وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 195 (2548)، ومسلم 5/ 94 (1665) (44).
(1/377)
1364 - عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «المملوك الذي يحسن عبادة ربه، ويؤدي إلى سيده الذي عليه من الحق، والنصيحة، والطاعة، له أجران». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 196 (2551).
(1/377)
1365 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وآمن بمحمد، والعبد المملوك إذا أدى حق الله، وحق مواليه، ورجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها؛ فله أجران». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 35 (97)، ومسلم 1/ 93 (154) (241).
(1/377)
239 - باب فضل العبادة في الهرج (1)
وهو: الاختلاط والفتن ونحوها
1366 - عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «العبادة في الهرج كهجرة إلي». رواه مسلم. (2)
__________
(1) الهرج: قتال واختلاط. النهاية 5/ 257.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 208 (2948) (130).
(1/377)
240 - باب فضل السماحة في البيع والشراء والأخذ والعطاء وحسن القضاء والتقاضي وإرجاح المكيال والميزان، والنهي عن التطفيف وفضل إنظار الموسر المعسر والوضع عنه
قال الله تعالى: {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة: 215]، وقال تعالى: {ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم} [هود: 85]، وقال تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين} [المطففين: 1 - 6].
(1/378)
1367 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقاضاه فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا» ثم قال: «أعطوه سنا مثل سنه» قالوا: يا رسول الله، لا نجد إلا أمثل من سنه، قال: «أعطوه، فإن خيركم أحسنكم قضاء». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 130 (2306)، ومسلم 5/ 54 (1601) (120).
(1/378)
1368 - وعن جابر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 75 (2076).
(1/378)
1369 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسر أو يضع عنه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 33 (1563) (32).
(1/378)
1370 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان رجل يداين الناس، وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فلقي الله فتجاوز عنه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 214 (3480)، ومسلم 5/ 33 (1562) (31).
(1/378)
1371 - وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس وكان [ص:379] موسرا، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر. قال الله - عز وجل: نحن أحق بذلك منه؛ تجاوزوا عنه». رواه مسلم (1).
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 33 (1561) (30).
(1/378)
1372 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: أتي الله تعالى بعبد من عباده آتاه الله مالا، فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال: «ولا يكتمون الله حديثا» قال: يا رب آتيتني مالك، فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي الجواز، فكنت أتيسر على الموسر، وأنظر المعسر. فقال الله تعالى: «أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي» فقال عقبة بن عامر، وأبو مسعود الأنصاري رضي الله عنهما: هكذا سمعناه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 33 (1560) (29).
(1/379)
1373 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أنظر معسرا، أو وضع له، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1306)، وقال: «حديث حسن صحيح غريب».
(1/379)
1374 - وعن جابر - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى منه بعيرا، فوزن له فأرجح. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 211 (2604)، ومسلم 5/ 53 (715) (115).
(1/379)
1375 - وعن أبي صفوان سويد بن قيس - رضي الله عنه - قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا (1) من هجر، فجاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فساومنا بسراويل، وعندي وزان يزن بالأجر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للوزان: «زن وأرجح». رواه أبو داود، والترمذي (2) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) بزا: ثيابا. عون المعبود 9/ 185.
(2) أخرجه: أبو داود (3336)، وابن ماجه (2220)، والترمذي (1305)، وقال الترمذي: «وأهل العلم يستحبون الرجحان في الوزن».
(1/379)
(12) - كتاب العلم
241 - باب فضل العلم تعلما وتعليما لله
قال الله تعالى: {وقل رب زدني علما} [طه: 114]، وقال تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9]، وقال تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11]، وقال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28].
(1/381)
1376 - وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 27 (71)، ومسلم 3/ 94 (1037) (98).
(1/381)
1377 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها». متفق عليه. (1)
والمراد بالحسد: الغبطة، وهو أن يتمنى مثله.
__________
(1) انظر الحديثين (543) و (570).
(1/381)
1378 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا؛ فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان؛ لا تمسك ماء [ص:382] ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (162).
(1/381)
1379 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (175).
(1/382)
1380 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 207 (3461).
(1/382)
1381 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له طريقا إلى الجنة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (245) وهذا جزء منه.
(1/382)
1382 - وعنه أيضا - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (174).
(1/382)
1383 - وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». رواه مسلم (1).
__________
(1) انظر الحديث (949).
(1/382)
1384 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله تعالى، وما والاه، وعالما، أو متعلما». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
قوله: «وما والاه»: أي طاعة الله.
__________
(1) انظر الحديث (477).
(1/382)
1385 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2647)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/382)
1386 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2686)، وقال: «حديث حسن غريب» على أن سنده ضعيف.
(1/383)
1387 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2685)، وقال: «حديث حسن صحيح غريب».
(1/383)
1388 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر». رواه أبو داود والترمذي. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (3641)، وابن ماجه (223)، والترمذي (2682).
(1/383)
1389 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «نضر الله امرأ سمع منا شيئا، فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (232)، والترمذي (2657).
(1/383)
1390 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (3658)، وابن ماجه (261)، والترمذي (2649).
(1/383)
1391 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة (1) يوم القيامة» يعني: ريحها. رواه أبو داود بإسناد صحيح. (2)
__________
(1) قال ابن قيم الجوزية: «عرف الجنة، بفتح عين مهملة وسكون راء مهملة، الرائحة، مبالغة في تحريم الجنة لأن من لم يجد ريح الشيء لا يتناوله قطعا». عون المعبود 10/ 98.
(2) أخرجه: أبو داود (3664)، وابن ماجه (252).
(1/383)
1392 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا». متفق عليه (1).
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 36 (100)، ومسلم 8/ 60 (2673) (13).
(1/384)
(13) - كتاب حمد الله تعالى وشكره
242 - باب وجوب الشكر
قال الله تعالى: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} [البقرة: 152] وقال تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7] وقال تعالى: {وقل الحمد لله} [الإسراء: 111] وقال تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 10].
(1/385)
1393 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي ليلة أسري به بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما فأخذ اللبن. فقال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت (1) أمتك. رواه مسلم. (2)
__________
(1) غوت: ضلت. النهاية 3/ 397.
(2) أخرجه: البخاري 6/ 104 (4709)، ومسلم 1/ 106 (168) (272).
(1/385)
1394 - وعنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع». حديث حسن، رواه أبو داود وغيره. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2840)، وابن ماجه (1894)،والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (494) و (495) و (496)، والحديث ضعيف بيانه في " الجامع في العلل ".
(1/385)
1395 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) انظر الحديث (922).
(1/385)
1396 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة، فيحمده عليها، ويشرب الشربة، فيحمده عليها». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (140).
(1/386)
(14) - كتاب الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
243 - باب الأمر بالصلاة عليه وفضلها وبعض صيغها
قال الله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56].
(1/387)
1397 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشرا». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 4 (384) (11).
(1/387)
1398 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (484)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/387)
1399 - وعن أوس بن أوس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي». قال: قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟! قال: يقول بليت. قال: «إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1158).
(1/387)
1400 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3545)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/387)
1401 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2042).
(1/388)
1402 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2041).
(1/388)
1403 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «البخيل من ذكرت عنده، فلم يصل علي». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3546)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم (32)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (432)، والنسائي في «الكبرى» (8100) وفي «عمل اليوم والليلة»، له (55) و (56)، وأبو يعلى (6776)، وابن حبان (909)، والطبراني (2885)، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (382)، والحاكم 1/ 549، والبيهقي في «شعب الإيمان» (1567) و (1568) عن الحسين ابن علي بن أبي طالب، قال الترمذي: «حديث حسن صحيح غريب».
قال ابن حجر: «الذي عندي أن رواية سليمان لا تخالف رواية يحيى بن موسى؛ لأن يحيى قال: «عن أبيه عن جده» ولم يسمه، فاحتمل أن يريد جده الأدنى وهو الحسين، واحتمل الأعلى وهو علي، فصرحت رواية يحيى بن موسى بالاحتمال الثاني».
وأورده المزي في «تحفة الأشراف» في مسند علي (10072) وعزاه إلى الترمذي، وأورده في مسند الحسين بن علي أيضا (3412) ولم يذكر الترمذي. انظر: تحفة الأشراف 2/ 684 (3412).
(1/388)
1404 - وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «عجل هذا» ثم دعاه فقال له - أو لغيره: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه سبحانه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يدعو بعد بما شاء». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1481)، والترمذي (3477).
(1/388)
1405 - وعن أبي محمد كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال:
«قولوا: اللهم [ص:389] صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 95 (6357)، ومسلم 2/ 16 (406) (66).
(1/388)
1406 - وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة - رضي الله عنه - فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 16 (405) (65).
(1/389)
1407 - وعن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 178 (3369)، ومسلم 2/ 16 (407) (69).
(1/389)
(15) - كتاب الأذكار
244 - باب فضل الذكر والحث عليه
قال الله تعالى: {ولذكر الله أكبر} [العنكبوت: 45]، وقال تعالى: {فاذكروني أذكركم} [البقرة: 152]، وقال تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} [الأعراف: 205]، وقال تعالى: {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} [الجمعة: 10]، وقال تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} ... إلى قوله تعالى: {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} [الأحزاب: 35]، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا} [الأحزاب: 41 - 42] الآية. والآيات في الباب كثيرة معلومة.
(1/391)
1408 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 107 (6406)، ومسلم 8/ 70 (2694) (31).
(1/391)
1409 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لأن أقول: سبحان الله؛ والحمد لله؛ ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 70 (2695) (32).
(1/391)
1410 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد؛ وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر [ص:392] رقاب وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه».
وقال: «من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 153 (3293) و8/ 107 (6405)، ومسلم 8/ 69 (2691) (28).
(1/391)
1411 - وعن أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك؛ وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات. كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 106 (6404)، ومسلم 8/ 69 (2693) (30).
(1/392)
1412 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟ إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 85 (2731) (85).
(1/392)
1413 - وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (25).
(1/392)
1414 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: علمني كلاما أقوله. قال: «قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم» قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: «قل: اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني، وارزقني». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 70 (2696) (33).
(1/392)
1415 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا، وقال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» قيل للأوزاعي - وهو أحد رواة الحديث: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله، أستغفر الله. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 94 (591) (135).
(1/392)
1416 - وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من الصلاة وسلم، قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع (1) ذا الجد منك الجد». متفق عليه. (2)
__________
(1) ولا ينفع ذا الجد منك الجد: أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه. النهاية 1/ 244.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 90 (6330)، ومسلم 2/ 95 (593) (137).
(1/393)
1417 - وعن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول دبر كل صلاة، حين يسلم: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون».
قال ابن الزبير: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلل بهن دبر كل صلاة. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 96 (594) (139).
(1/393)
1418 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال، يحجون، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون. فقال: «ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تسبحون، وتحمدون، وتكبرون، خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين». قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة، لما سئل عن كيفية ذكرهن قال: يقول: سبحان الله، والحمد لله والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن ثلاثا وثلاثين. متفق عليه. (1)
وزاد مسلم في روايته: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء».
«الدثور» جمع دثر - بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة - وهو: المال الكثير.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 213 (843)، ومسلم 2/ 97 (595) (142).
(1/393)
1419 - وعنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 98 (597) (146).
(1/394)
1420 - وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«معقبات (1) لا يخيب قائلهن - أو فاعلهن - دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة». رواه مسلم. (2)
__________
(1) معقبات: تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة. وقال أبو الهشيم: سميت معقبات لأنها تفعل مرة بعد أخرى. شرح النووي 3/ 82.
(2) أخرجه: مسلم 2/ 98 (596) (144).
(1/394)
1421 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوذ دبر الصلوات بهؤلاء الكلمات: «اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من فتنة القبر». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 27 (2822).
(1/394)
1422 - وعن معاذ - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده، وقال:
«يا معاذ، والله إني لأحبك» فقال: «أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) انظر الحديث (384).
(1/394)
1423 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 93 (588) (128).
(1/394)
1424 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت [ص:395] وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 185 (771) (201).
(1/394)
1425 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 207 (817)، ومسلم 2/ 50 (484) (217).
(1/395)
1426 - وعنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده:
«سبوح قدوس رب الملائكة والروح». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 51 (487) (223).
(1/395)
1427 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«فأما الركوع فعظموا فيه الرب - عز وجل - وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن (1) أن يستجاب لكم». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قمن: بفتح الميم وكسرها خليق أو جدير. النهاية 4/ 111.
(2) أخرجه: مسلم 2/ 48 (479) (207).
(1/395)
1428 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 49 (482) (215).
(1/395)
1429 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في سجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه (1) وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 2/ 371: «هو بكسر أولها أي قليله وكثيره، وفيه توكيد الدعاء وتكثير ألفاظه، وإن أغنى بعضها عن بعض».
(2) أخرجه: مسلم 2/ 50 (483) (216).
(1/395)
1430 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: افتقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فتحسست، فإذا هو راكع - أو ساجد - يقول: «سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت» وفي رواية: فوقعت يدي على بطن قدميه، وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 51 (485) (221) و (486) (222).
(1/395)
1431 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة!» فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب ألف حسنة؟ قال: «يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة». رواه مسلم. (1)
قال الحميدي (2): كذا هو في كتاب مسلم: «أو يحط» قال البرقاني: ورواه شعبة وأبو عوانة، ويحيى القطان، عن موسى الذي رواه مسلم من جهته فقالوا: «ويحط» بغير ألف.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 71 (2698) (37).
(2) الجمع بين الصحيحين 1/ 199 (215).
(1/396)
1432 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (118).
(1/396)
1433 - وعن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: «ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟» قالت: نعم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته». رواه مسلم. (1)
وفي رواية له: «سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته».
وفي رواية الترمذي: «ألا أعلمك كلمات تقولينها؟ سبحان الله عدد خلقه؛ سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، [ص:397] سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته».
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 83 (2726) (79)، والترمذي (3555).
(1/396)
1434 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت». رواه البخاري. (1)
ورواه مسلم فقال: «مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه، مثل الحي والميت».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 107 (6407)، ومسلم 2/ 188 (779) (211).
(1/397)
1435 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 147 (7405)، ومسلم 8/ 62 (2675) (2).
(1/397)
1436 - وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «سبق المفردون» قالوا: وما المفردون؟ يا رسول الله قال: «الذاكرون الله كثيرا والذاكرات». رواه مسلم. (1)
وروي: «المفردون» بتشديد الراء وتخفيفها والمشهور الذي قاله الجمهور: التشديد.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 63 (2676) (4).
(1/397)
1437 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أفضل الذكر: لا إله إلا الله». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (3800)، والترمذي (3383)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/397)
1438 - وعن عبد الله بن بسر - رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به قال: «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (3793)، والترمذي (3375)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/397)
1439 - وعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال: سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3464) و (3465).
(1/397)
1440 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد أقرىء أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3462)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/398)
1441 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: بلى، قال: «ذكر الله تعالى». رواه الترمذي، (1) قال الحاكم أبو عبد الله: «إسناده صحيح».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (3790)، والترمذي (3377)، والحاكم 1/ 496.
(1/398)
1442 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على امرأة وبين يديها نوى - أو حصى - تسبح به فقال: «أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا - أو أفضل» فقال: «سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك؛ ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1500)، والترمذي (3568)، وقال: «حديث حسن غريب» على أن إسناده ضعيف.
(1/398)
1443 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟» فقلت: بلى يا رسول الله قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 108 (6409)، ومسلم 8/ 74 (2704) (47).
(1/398)
245 - باب ذكر الله تعالى قائما أو قاعدا ومضطجعا ومحدثا وجنبا وحائضا إلا القرآن فلا يحل لجنب ولا حائض
قال الله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} [آل عمران: 190، 191].
(1/398)
1444 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 194 (373) (117).
وذكره البخاري 1/ 163 عقيب (633) معلقا.
(1/399)
1445 - وعن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد، لم يضره». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 48 (141)، ومسلم 4/ 155 (1434) (116).
(1/399)
246 - باب ما يقوله عند نومه واستيقاظه
1446 - عن حذيفة، وأبي ذر رضي الله عنهما، قالا: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه، قال: «باسمك اللهم أحيا وأموت» وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 84 (6312) عن حذيفة، و8/ 88 (6325) عن أبي ذر.
(1/399)
247 - باب فضل حلق الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير عذر
قال الله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم} [الكهف: 28].
(1/399)
1447 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله - عز وجل - تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم - وهو أعلم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك. فيقول: كيف لو رأوني؟! قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. فيقول: فماذا يسألون؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: [ص:400] يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: يتعوذون من النار؛ قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها. فيقول: كيف لو رأوها؟! قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا، وأشد لها مخافة. قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 107 (6408)، ومسلم 8/ 68 (2689) (25).
(1/399)
وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن لله ملائكة سيارة (1) فضلا يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر، قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، فيسألهم الله - عز وجل - وهو أعلم -: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض: يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك. قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك. قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا، أي رب. قال: فكيف لو رأوا جنتي؟! قالوا: ويستجيرونك. قال: ومم يستجيروني؟ قالوا: من نارك يا رب. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟! قالوا: ويستغفرونك؟ فيقول: قد غفرت لهم، وأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا. قال: فيقولون: رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر، فجلس معهم. فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم».
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 14: «سيارة: سياحون في الأرض، وأما فضلا: فضبطوه على أوجه أحدها: أرجحها وأشهرها بضم الفاء والضاد. والثانية: بضم الفاء وإسكان الضاد، والثالثة: بفتح الفاء وإسكان الضاد. والرابعة: فضل، بضم الفاء والضاد ورفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف. والخامسة: فضلاء، بالمد: جمع فاضل. قال العلماء: معناه على جميع الروايات: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق، فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم، وإنما مقصودهم حلق الذكر».
(1/400)
1448 - وعنه وعن أبي سعيد رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يقعد قوم يذكرون الله - عز وجل - إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة؛ وذكرهم الله فيمن عنده». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 72 (2700) (39).
(1/400)
1449 - وعن أبي واقد الحارث بن عوف - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد، والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - وذهب واحد؛ فوقفا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم. فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا. فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أخبركم عن النفر الثلاثة: أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله إليه. وأما الآخر فاستحيى فاستحيى الله منه، وأما الآخر، فأعرض، فأعرض الله عنه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 26 (66)، ومسلم 7/ 9 (2176) (26).
(1/401)
1450 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خرج معاوية - رضي الله عنه - على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم استحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقل عنه حديثا مني: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقة من أصحابه فقال: «ما أجلسكم؟» قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام؛ ومن به علينا. قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟» قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال: «أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 72 (2701) (40).
(1/401)
248 - باب الذكر عند الصباح والمساء
قال الله تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} [الأعراف: 205] قال أهل اللغة: «الآصال»: جمع أصيل، وهو ما بين العصر والمغرب. وقال تعالى: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} [طه: 130]. وقال تعالى: {وسبح بحمد ربك بالعشي والأبكار} [غافر: 55]، قال أهل اللغة «العشي»: ما بين زوال الشمس وغروبها. وقال تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} الآية [النور: 36 - 37]. وقال تعالى: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} [ص: 18].
(1/401)
1451 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 69 (2692) (29).
(1/402)
1452 - وعنه، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة! قال: «أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق: لم تضرك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 76 (2709).
(1/402)
1453 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا أصبح: «اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور». وإذا أمسى قال: «اللهم بك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت. وإليك النشور». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5068)،والترمذي (3391).
(1/402)
1454 - وعنه: أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: «قل: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة؛ رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه» قال: «قلها إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك». رواه أبو داود والترمذي (1)، وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5067)، والترمذي (3392).
(1/402)
1455 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له» قال الراوي: أراه قال فيهن: «له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل، وسوء الكبر (1)، رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر»، وإذا أصبح قال ذلك أيضا «أصبحنا وأصبح الملك لله». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 38: «الكبر: روي بإسكان الباء وفتحها، فالإسكان بمعنى التعاظم على الناس، والفتح بمعنى الهرم والخرف والرد إلى أرذل العمر».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 82 (2723) (75).
(1/402)
1456 - وعن عبد الله بن خبيب - بضم الخاء المعجمة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اقرأ: قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح، ثلاث مرات تكفيك من كل شيء». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5082)، والترمذي (3575)، وقال: «حديث حسن صحيح غريب».
(1/403)
1457 - وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، إلا لم يضره شيء». رواه أبو داود والترمذي (1)، وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5088) و (5089)، وابن ماجه (3869)، والترمذي (3388)، وقال: «حديث حسن صحيح غريب».
(1/403)
249 - باب ما يقوله عند النوم
قال الله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض} [آل عمران: 190 - 191] الآيات.
(1/403)
1458 - وعن حذيفة، وأبي ذر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه، قال: «باسمك اللهم أحيا وأموت». رواه البخاري. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1446).
(1/403)
1459 - وعن علي - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ولفاطمة رضي الله عنهما: «إذا أويتما إلى فراشكما - أو إذا أخذتما مضاجعكما - فكبرا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين» وفي رواية: التسبيح أربعا وثلاثين، وفي رواية: التكبير أربعا وثلاثين. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 103 (3113) و7/ 84 (5361) و (5362)، ومسلم 8/ 84 (2727) (80).
(1/403)
1460 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره (1) فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك [ص:404] ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» متفق عليه. (2)
__________
(1) داخلة إزاره: طرفه وحاشيته من الداخل. النهاية 2/ 107.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 87 (6320)، ومسلم 8/ 79 (2714) (64).
(1/403)
1461 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه، وقرأ بالمعوذات، ومسح بهما جسده. متفق عليه.
وفي رواية لهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: «قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس» ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. متفق عليه. (1)
قال أهل اللغة: «النفث» نفخ لطيف بلا ريق.
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 233 (5017) و8/ 87 (6319)، ومسلم 7/ 16 (2192) (51).
روايتا مسلم: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مرض أحد من أهله ... » و «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات ... ». وجعلهما المزي في تحفة الأشراف حديثين منفصلين. انظر: تحفة الأشراف 11/ 388 (16537) و524 (16964).
(1/404)
1462 - وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت مت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول» متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (80).
(1/404)
1463 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي (1)». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 32: «أي: فكم ممن لا راحم ولا عاطف عليه، وقيل: معناه لا وطن له ولا سكن يأوي إليه».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 79 (2715) (65).
(1/404)
1464 - وعن حذيفة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يرقد، وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: «اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن».
ورواه أبو داود؛ (1) من رواية حفصة رضي الله عنها، وفيه أنه كان يقوله ثلاث مرات.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3398) عن حذيفة، وقال: «حديث حسن صحيح». وأخرجه: أبو داود (5045) عن حفصة.
(1/405)
(16) - كتاب الدعوات
250 - باب الأمر بالدعاء وفضله وبيان جمل من أدعيته - صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60]، وقال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} [الأعراف: 55]. وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} الآية [البقرة: 186]، وقال تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} [النمل: 62].
(1/407)
1465 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
«الدعاء هو العبادة». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1479)، وابن ماجه (3828)، والترمذي (2969) و (3247) و (3372).
(1/407)
1466 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحب الجوامع من الدعاء (1)، ويدع ما سوى ذلك. رواه أبو داود بإسناد جيد. (2)
__________
(1) الجوامع من الدعاء: هي التي تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة، أو تجمع الثناء على الله تعالى وآداب المسألة. (النهاية 1/ 295)
(2) أخرجه: أبو داود (1482).
(1/407)
1467 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار». متفق عليه. (1) [ص:408]
زاد مسلم في روايته قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 102 (6389)، ومسلم 8/ 68 (2690) (26).
(1/407)
1468 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى (1)». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 38: «العفاف والعفة: التنزه عما يباح والكف عنه، والغنى هنا غنى النفس، والاستغناء عن الناس، وعما في أيديهم».
(2) انظر الحديث (71).
(1/408)
1469 - وعن طارق بن أشيم - رضي الله عنه - قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني». رواه مسلم. (1)
وفي رواية له عن طارق: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل فقال: يا رسول الله، كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: «قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني، فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك».
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 71 (2697) (35) و (36).
(1/408)
1470 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 51 (2654) (17).
(1/408)
1471 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء (1)». متفق عليه. (2) [ص:409]
وفي رواية قال سفيان: أشك أني زدت واحدة منها.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 28: أما «درك الشقاء» فالمشهور فيه فتح الراء، وبالسكون لغة. و «جهد البلاء» بفتح الجيم وضمها، والفتح أشهر وأفصح.
فأما الاستعاذة من سوء القضاء، فيدخل فيها سوء القضاء في الدين والدنيا، والبدن والمال والأهل، وقد يكون ذلك في الخاتمة.
وأما درك الشقاء، فيكون في أمور الآخرة والدنيا، ومعناه: أعوذ بك أن يدركني شقاء.
وشماتة الأعداء: هي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه، يقال منه: شمت بكسر الميم، وشمت بفتحها، فهو شامت وأشمته غيره، وأما جهد البلاء، فروي عن ابن عمر أنه فسره بقلة المال وكثرة العيال، وقيل: الحال الشاقة.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 157 (6616)، ومسلم 8/ 76 (2707) (53).
(1/408)
1472 - وعنه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 81 (2720) (71).
(1/409)
1473 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «قل: اللهم اهدني، وسددني (1)».
وفي رواية: «اللهم إني أسألك الهدى والسداد». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي: «سددني: وفقني واجعلني منتصبا في جميع أموري مستقيما». شرح صحيح مسلم 9/ 38.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 83 (2725) (78).
(1/409)
1474 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والهرم، والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات (1)».
وفي رواية: «وضلع الدين، وغلبة الرجال (2)». رواه مسلم. (3)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 26: «الكسل: هو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة مع إمكانه.
وأما العجز: فعدم القدرة عليه، وقيل: هو ترك ما يجب فعله، والتسويف به، وكلاهما تستحب الإعاذة منه. وأما استعاذته من الهرم فالمراد به الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر، وسبب ذلك ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس والضبط ... وأما استعاذته من الجبن والبخل، فلما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات، والقيام بحقوق الله تعالى وإزالة المنكر ... وبالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال وينبعث للإنفاق والجود ولمكارم الأخلاق».
(2) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 11/ 207: «الضلع هو الاعوجاج والمراد به هنا ثقل الدين وشدته، وغلبة الرجال: أي شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجا ومرجا».
(3) أخرجه: البخاري 8/ 97 (6363) و98 (6367)، ومسلم 8/ 75 (2706) (50).
(1/409)
1475 - وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه: أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم» متفق عليه. (1)
وفي رواية: «وفي بيتي» وروي: «ظلما كثيرا» وروي: «كبيرا» بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة؛ فينبغي أن يجمع بينهما فيقال: كثيرا كبيرا.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 89 (6326) و9/ 144 (7387) و (7388)، ومسلم 8/ 74 (2705) (48).
(1/410)
1476 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم: أنه كان يدعو بهذا الدعاء: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي؛ وخطئي وعمدي؛ وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 105 (6399)، ومسلم 8/ 80 (2719) (70).
(1/410)
1477 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعائه:
«اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 79 (2716) (66).
(1/410)
1478 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 88 (2739) (96).
(1/410)
1479 - وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع؛ ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع؛ ومن دعوة لا يستجاب لها».رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 81 (2722) (73).
(1/410)
1480 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت. فاغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت».
زاد بعض الرواة: «ولا حول ولا قوة إلا بالله» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 60 (1120)، ومسلم 2/ 184 (769) (199)، وانظر الحديث (75).
(1/411)
1481 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، وعذاب النار، ومن شر الغنى والفقر». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح»؛ وهذا لفظ أبي داود.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1543)، والترمذي (3495).
(1/411)
1482 - وعن زياد بن علاقة عن عمه، وهو قطبة بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال، والأهواء». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3591)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/411)
1483 - وعن شكل بن حميد - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، علمني دعاء، قال: «قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي (1)». رواه أبو داود والترمذي، (2) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) قال الترمذي: «يعني فرجه».
(2) أخرجه: أبو داود (1551)، والترمذي (3492)، والنسائي 8/ 255 و259 و260 و267 وفي «الكبرى»، له (7875) (7877) و (7891)، وقال الترمذي: «حديث حسن غريب».
(1/411)
1484 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، وسييء (1) الأسقام». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (2)
__________
(1) قال الخطابي في معالم السنن 1/ 258: «استعاذ من هذه الأسقام؛ لأنها عاهات تفسد الخلقة وتبقي الشين وبعضا يؤثر في العقل وليست كسائر الأمراض التي إنما هي أعراض لا تدوم كالحمى والصداع وسائر الأمراض التي لا تجري مجرى العاهات وإنما هي كفارات وليست بعقوبات».
(2) أخرجه: أبو داود (1554).
(1/411)
1485 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1547)، وابن ماجه (3354)، والنسائي 8/ 263 وفي «الكبرى»، له (7903).
(1/412)
1486 - وعن علي - رضي الله عنه: أن مكاتبا جاءه فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان عليك مثل جبل دينا أداه الله عنك؟ قل: «اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3563)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/412)
1487 - وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أباه حصينا كلمتين يدعو بهما: «اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3483)، وقال: «حديث غريب»، وهو حديث ضعيف.
(1/412)
1488 - وعن أبي الفضل العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله تعالى، قال: «سلوا الله العافية» فمكثت أياما، ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله تعالى، قال لي: «يا عباس، يا عم رسول الله، سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3514)، وقال: «حديث صحيح».
(1/412)
1489 - وعن شهر بن حوشب، قال: قلت لأم سلمة رضي الله عنها، يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3522).
(1/412)
1490 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كان من دعاء داود: اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي، وأهلي، ومن الماء البارد». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3490)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/412)
1491 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألظوا بـ (ياذا الجلال والإكرام)». رواه الترمذي، (1) ورواه النسائي من رواية ربيعة بن عامر الصحابي، قال الحاكم: «حديث صحيح الإسناد».
«ألظوا»: بكسر اللام وتشديد الظاء المعجمة، معناه: الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3525) عن أنس. وأخرجه: النسائي في «الكبرى» (7716)، والحاكم 1/ 498 - 499 عن ربيعة.
(1/413)
1492 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعاء كثير، لم نحفظ منه شيئا؛ قلنا: يا رسول الله، دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا، فقال: «ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله؟ تقول: اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم؛ وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وأنت المستعان، وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3521)، وقال: «حديث حسن غريب» على أن الحديث ضعيف.
(1/413)
1493 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار». رواه الحاكم أبو عبد الله، (1) وقال: «حديث صحيح على شرط مسلم».
__________
(1) أخرجه: الحاكم 1/ 525، وهو حديث ضعيف.
(1/413)
251 - باب فضل الدعاء بظهر الغيب
قال تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [الحشر:10]، وقال تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد:19]، وقال تعالى إخبارا عن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [إبراهيم: 41].
(1/413)
1494 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 86 (2732) (86).
(1/413)
1495 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 86 (2732) (87).
(1/414)
252 - باب في مسائل من الدعاء
1496 - وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من صنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2035)، وقال: «حديث جيد غريب».
(1/414)
1497 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم؛ ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 233 (3009).
(1/414)
1498 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1428).
(1/414)
1499 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل: يقول: قد دعوت ربي، فلم يستجب لي» متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل» قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: «يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء (2)».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 92 (6340)، ومسلم 8/ 87 (2735) (90) و (91) و (92).
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 46: «في الحديث أنه ينبغي إدامة الدعاء، ولا يستبطئ الإجابة».
(1/414)
1500 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: أي الدعاء أسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3499).
(1/414)
1501 - وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم»، فقال رجل من القوم: إذا نكثر قال: «الله أكثر». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد وزاد فيه: «أو يدخر له من الأجر مثلها» (1).
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3573)، وقال: «حديث حسن صحيح غريب»، ورواية الحاكم في " المستدرك " 1/ 493.
(1/415)
1502 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش الكريم» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 93 (6346)، ومسلم 8/ 85 (2730) (83).
(1/415)
253 - باب كرامات الأولياء وفضلهم
قال الله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} [يونس: 62 - 64]، وقال تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي} [مريم: 25، 26]، وقال تعالى: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} [آل عمران: 37]، وقال تعالى: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهييء لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} [الكهف: 16 - 17].
(1/415)
1503 - وعن أبي محمد عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال مرة: «من كان عنده طعام اثنين، فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة، فليذهب بخامس بسادس» أو كما قال، وأن أبا بكر - رضي الله عنه - جاء بثلاثة، وانطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - بعشرة، وأن أبا بكر تعشى عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لبث حتى صلى
(1/415)
العشاء، ثم رجع، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله. قالت امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ قال: أوما عشيتهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء وقد عرضوا عليهم، قال: فذهبت أنا فاختبأت، فقال: يا غنثر، فجدع وسب، وقال: كلوا لا هنيئا (1) والله لا أطعمه أبدا، قال: وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر فقال لامرأته: يا أخت بني فراس (2) ما هذا؟ قالت: لا وقرة (3) عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات! فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان، يعني: يمينه. ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأصبحت عنده. وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الأجل، فتفرقنا اثني عشر رجلا، مع كل رجل منهم أناس، الله أعلم كم مع كل رجل فأكلوا منها أجمعون.
وفي رواية: فحلف أبو بكر لا يطعمه، فحلفت المرأة لا تطعمه، فحلف الضيف. - أو الأضياف - أن لا يطعمه أو يطعموه حتى يطعمه. فقال أبو بكر: هذه من الشيطان! فدعا بالطعام فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها، فقال: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ فقالت: وقرة عيني إنها الآن لأكثر منها قبل أن نأكل، فأكلوا، وبعث بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر أنه أكل منها.
وفي رواية: إن أبا بكر قال لعبد الرحمان: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فافرغ من قراهم قبل أن أجيء، فانطلق عبد الرحمان، فأتاهم بما عنده، فقال: اطعموا؛ فقالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا، قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا، لنلقين منه فأبوا، فعرفت أنه يجد علي، فلما جاء تنحيت عنه، فقال: ما صنعتم؟ فأخبروه، فقال: يا عبد الرحمان، فسكت: ثم قال: يا عبد الرحمان، فسكت، فقال: يا غنثر أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت! فخرجت، فقلت: سل أضيافك، فقالوا: صدق، أتانا به، فقال: إنما انتظرتموني والله لا أطعمه الليلة. فقال الآخرون: والله لا نطعمه حتى [ص:417] تطعمه فقال: ويلكم ما لكم لا تقبلون عنا قراكم؟ هات طعامك، فجاء به، فوضع يده فقال: بسم الله، الأولى من الشيطان، فأكل وأكلوا. متفق عليه. (4)
قوله: «غنثر» بغين معجمة مضمومة ثم نون ساكنة ثم ثاء مثلثة وهو: الغبي الجاهل. وقوله: «فجدع» أي شتمه، والجدع القطع. قوله «يجد علي» هو بكسر الجيم: أي يغضب.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 215: «إنما قاله لما حصل له من الحرج والغيظ بتركهم العشاء بسببه، وقيل: إنه ليس بدعاء إنما أخبر، أي: لم تتهنئوا به في وقته».
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 216: «هذا خطاب من أبي بكر لامرأته أم رومان».
(3) قرة العين: سرورها، وحقيقة أبرد الله دمعة عينيه؛ كأن دمعة الفرح والسرور باردة. النهاية 4/ 38.
(4) أخرجه: البخاري 1/ 156 - 157 (602) و8/ 40 (6140) و41 (6141)، ومسلم 6/ 130 - 131 (2057) (176) و (177).
(1/416)
1504 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر». رواه البخاري.
ورواه مسلم من رواية عائشة. (1)
وفي روايتهما قال ابن وهب: «محدثون» أي ملهمون.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 211 (3469). وأخرجه: مسلم 7/ 115 (2398) (23).
(1/417)
1505 - وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما، قال: شكا أهل الكوفة سعدا يعني: ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فعزله، واستعمل عليهم عمارا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، فقال: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أخرم (1) عنها، أصلي صلاتي العشاء فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين. قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلا - أو رجالا - إلى الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجدا إلا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم، يقال له أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذ نشدتنا فإن سعدا كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا، قام رياء، وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن. وكان بعد ذلك إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. [ص:418]
قال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن. متفق عليه. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 2/ 349: «أي لا أنقص».
(2) أخرجه: البخاري 1/ 192 (755)، ومسلم 2/ 38 (453) (158).
(1/417)
1506 - وعن عروة بن الزبير: أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل - رضي الله عنه - خاصمته أروى بنت أوس إلى مروان بن الحكم، وادعت أنه أخذ شيئا من أرضها، فقال سعيد: أنا كنت آخذ شيئا من أرضها بعد الذي سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم!؟ قال: ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما، طوقه إلى سبع أرضين» فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة، فأعم بصرها، واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت. متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بمعناه، وأنه رآها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد، وأنها مرت على بئر في الدار التي خاصمته فيها، فوقعت فيها، وكانت قبرها.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 130 (3198)، ومسلم 5/ 58 (1610) (138).
(1/418)
1507 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: لما حضرت أحد دعاني أبي من الليل فقال: ما أراني إلا مقتولا في أول من يقتل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وإني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن علي دينا فاقض، واستوص بأخواتك خيرا، فأصبحنا، فكان أول قتيل، ودفنت معه آخر في قبره، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته غير أذنه، فجعلته في قبر على حدة. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 116 (1351).
(1/418)
«يا معاذ، والله إني لأحبك» فقال: «أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) انظر الحديث (384).
(1/394)
1423 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 93 (588) (128).
(1/394)
1424 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت [ص:395] وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 185 (771) (201).
(1/394)
1425 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 207 (817)، ومسلم 2/ 50 (484) (217).
(1/395)
1426 - وعنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده:
«سبوح قدوس رب الملائكة والروح». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 51 (487) (223).
(1/395)
1427 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«فأما الركوع فعظموا فيه الرب - عز وجل - وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن (1) أن يستجاب لكم». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قمن: بفتح الميم وكسرها خليق أو جدير. النهاية 4/ 111.
(2) أخرجه: مسلم 2/ 48 (479) (207).
(1/395)
1428 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 49 (482) (215).
(1/395)
1429 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في سجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه (1) وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 2/ 371: «هو بكسر أولها أي قليله وكثيره، وفيه توكيد الدعاء وتكثير ألفاظه، وإن أغنى بعضها عن بعض».
(2) أخرجه: مسلم 2/ 50 (483) (216).
(1/395)
1430 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: افتقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فتحسست، فإذا هو راكع - أو ساجد - يقول: «سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت» وفي رواية: فوقعت يدي على بطن قدميه، وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 51 (485) (221) و (486) (222).
(1/395)
1431 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة!» فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب ألف حسنة؟ قال: «يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة». رواه مسلم. (1)
قال الحميدي (2): كذا هو في كتاب مسلم: «أو يحط» قال البرقاني: ورواه شعبة وأبو عوانة، ويحيى القطان، عن موسى الذي رواه مسلم من جهته فقالوا: «ويحط» بغير ألف.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 71 (2698) (37).
(2) الجمع بين الصحيحين 1/ 199 (215).
(1/396)
1432 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (118).
(1/396)
1433 - وعن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: «ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟» قالت: نعم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته». رواه مسلم. (1)
وفي رواية له: «سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته».
وفي رواية الترمذي: «ألا أعلمك كلمات تقولينها؟ سبحان الله عدد خلقه؛ سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، [ص:397] سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته».
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 83 (2726) (79)، والترمذي (3555).
(1/396)
1434 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت». رواه البخاري. (1)
ورواه مسلم فقال: «مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه، مثل الحي والميت».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 107 (6407)، ومسلم 2/ 188 (779) (211).
(1/397)
1435 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 147 (7405)، ومسلم 8/ 62 (2675) (2).
(1/397)
1436 - وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «سبق المفردون» قالوا: وما المفردون؟ يا رسول الله قال: «الذاكرون الله كثيرا والذاكرات». رواه مسلم. (1)
وروي: «المفردون» بتشديد الراء وتخفيفها والمشهور الذي قاله الجمهور: التشديد.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 63 (2676) (4).
(1/397)
1437 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أفضل الذكر: لا إله إلا الله». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (3800)، والترمذي (3383)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/397)
1438 - وعن عبد الله بن بسر - رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به قال: «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (3793)، والترمذي (3375)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/397)
1439 - وعن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قال: سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3464) و (3465).
(1/397)
1440 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد أقرىء أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3462)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/398)
1441 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: بلى، قال: «ذكر الله تعالى». رواه الترمذي، (1) قال الحاكم أبو عبد الله: «إسناده صحيح».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (3790)، والترمذي (3377)، والحاكم 1/ 496.
(1/398)
1442 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على امرأة وبين يديها نوى - أو حصى - تسبح به فقال: «أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا - أو أفضل» فقال: «سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك؛ ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1500)، والترمذي (3568)، وقال: «حديث حسن غريب» على أن إسناده ضعيف.
(1/398)
1443 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟» فقلت: بلى يا رسول الله قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 108 (6409)، ومسلم 8/ 74 (2704) (47).
(1/398)
245 - باب ذكر الله تعالى قائما أو قاعدا ومضطجعا ومحدثا وجنبا وحائضا إلا القرآن فلا يحل لجنب ولا حائض
قال الله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} [آل عمران: 190، 191].
(1/398)
1444 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 194 (373) (117).
وذكره البخاري 1/ 163 عقيب (633) معلقا.
(1/399)
1445 - وعن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد، لم يضره». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 48 (141)، ومسلم 4/ 155 (1434) (116).
(1/399)
246 - باب ما يقوله عند نومه واستيقاظه
1446 - عن حذيفة، وأبي ذر رضي الله عنهما، قالا: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه، قال: «باسمك اللهم أحيا وأموت» وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 84 (6312) عن حذيفة، و8/ 88 (6325) عن أبي ذر.
(1/399)
247 - باب فضل حلق الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير عذر
قال الله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم} [الكهف: 28].
(1/399)
1447 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله - عز وجل - تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم - وهو أعلم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك. فيقول: كيف لو رأوني؟! قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيدا، وأكثر لك تسبيحا. فيقول: فماذا يسألون؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: [ص:400] يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصا، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: يتعوذون من النار؛ قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها. فيقول: كيف لو رأوها؟! قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا، وأشد لها مخافة. قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 107 (6408)، ومسلم 8/ 68 (2689) (25).
(1/399)
وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن لله ملائكة سيارة (1) فضلا يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر، قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، فيسألهم الله - عز وجل - وهو أعلم -: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض: يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك. قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك. قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا، أي رب. قال: فكيف لو رأوا جنتي؟! قالوا: ويستجيرونك. قال: ومم يستجيروني؟ قالوا: من نارك يا رب. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟! قالوا: ويستغفرونك؟ فيقول: قد غفرت لهم، وأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا. قال: فيقولون: رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر، فجلس معهم. فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم».
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 14: «سيارة: سياحون في الأرض، وأما فضلا: فضبطوه على أوجه أحدها: أرجحها وأشهرها بضم الفاء والضاد. والثانية: بضم الفاء وإسكان الضاد، والثالثة: بفتح الفاء وإسكان الضاد. والرابعة: فضل، بضم الفاء والضاد ورفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف. والخامسة: فضلاء، بالمد: جمع فاضل. قال العلماء: معناه على جميع الروايات: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق، فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم، وإنما مقصودهم حلق الذكر».
(1/400)
1448 - وعنه وعن أبي سعيد رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يقعد قوم يذكرون الله - عز وجل - إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة؛ وذكرهم الله فيمن عنده». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 72 (2700) (39).
(1/400)
1449 - وعن أبي واقد الحارث بن عوف - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد، والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - وذهب واحد؛ فوقفا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم. فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا. فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أخبركم عن النفر الثلاثة: أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله إليه. وأما الآخر فاستحيى فاستحيى الله منه، وأما الآخر، فأعرض، فأعرض الله عنه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 26 (66)، ومسلم 7/ 9 (2176) (26).
(1/401)
1450 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خرج معاوية - رضي الله عنه - على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم استحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقل عنه حديثا مني: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقة من أصحابه فقال: «ما أجلسكم؟» قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام؛ ومن به علينا. قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟» قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال: «أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 72 (2701) (40).
(1/401)
248 - باب الذكر عند الصباح والمساء
قال الله تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} [الأعراف: 205] قال أهل اللغة: «الآصال»: جمع أصيل، وهو ما بين العصر والمغرب. وقال تعالى: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} [طه: 130]. وقال تعالى: {وسبح بحمد ربك بالعشي والأبكار} [غافر: 55]، قال أهل اللغة «العشي»: ما بين زوال الشمس وغروبها. وقال تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} الآية [النور: 36 - 37]. وقال تعالى: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} [ص: 18].
(1/401)
1451 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 69 (2692) (29).
(1/402)
1452 - وعنه، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة! قال: «أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق: لم تضرك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 76 (2709).
(1/402)
1453 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول إذا أصبح: «اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور». وإذا أمسى قال: «اللهم بك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت. وإليك النشور». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5068)،والترمذي (3391).
(1/402)
1454 - وعنه: أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: «قل: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة؛ رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه» قال: «قلها إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك». رواه أبو داود والترمذي (1)، وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5067)، والترمذي (3392).
(1/402)
1455 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له» قال الراوي: أراه قال فيهن: «له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل، وسوء الكبر (1)، رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر»، وإذا أصبح قال ذلك أيضا «أصبحنا وأصبح الملك لله». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 38: «الكبر: روي بإسكان الباء وفتحها، فالإسكان بمعنى التعاظم على الناس، والفتح بمعنى الهرم والخرف والرد إلى أرذل العمر».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 82 (2723) (75).
(1/402)
1456 - وعن عبد الله بن خبيب - بضم الخاء المعجمة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اقرأ: قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح، ثلاث مرات تكفيك من كل شيء». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5082)، والترمذي (3575)، وقال: «حديث حسن صحيح غريب».
(1/403)
1457 - وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات، إلا لم يضره شيء». رواه أبو داود والترمذي (1)، وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5088) و (5089)، وابن ماجه (3869)، والترمذي (3388)، وقال: «حديث حسن صحيح غريب».
(1/403)
249 - باب ما يقوله عند النوم
قال الله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض} [آل عمران: 190 - 191] الآيات.
(1/403)
1458 - وعن حذيفة، وأبي ذر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه، قال: «باسمك اللهم أحيا وأموت». رواه البخاري. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1446).
(1/403)
1459 - وعن علي - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له ولفاطمة رضي الله عنهما: «إذا أويتما إلى فراشكما - أو إذا أخذتما مضاجعكما - فكبرا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين» وفي رواية: التسبيح أربعا وثلاثين، وفي رواية: التكبير أربعا وثلاثين. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 103 (3113) و7/ 84 (5361) و (5362)، ومسلم 8/ 84 (2727) (80).
(1/403)
1460 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره (1) فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك [ص:404] ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» متفق عليه. (2)
__________
(1) داخلة إزاره: طرفه وحاشيته من الداخل. النهاية 2/ 107.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 87 (6320)، ومسلم 8/ 79 (2714) (64).
(1/403)
1461 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه، وقرأ بالمعوذات، ومسح بهما جسده. متفق عليه.
وفي رواية لهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما: «قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس» ثم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. متفق عليه. (1)
قال أهل اللغة: «النفث» نفخ لطيف بلا ريق.
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 233 (5017) و8/ 87 (6319)، ومسلم 7/ 16 (2192) (51).
روايتا مسلم: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مرض أحد من أهله ... » و «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات ... ». وجعلهما المزي في تحفة الأشراف حديثين منفصلين. انظر: تحفة الأشراف 11/ 388 (16537) و524 (16964).
(1/404)
1462 - وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت مت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول» متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (80).
(1/404)
1463 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي (1)». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 32: «أي: فكم ممن لا راحم ولا عاطف عليه، وقيل: معناه لا وطن له ولا سكن يأوي إليه».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 79 (2715) (65).
(1/404)
1464 - وعن حذيفة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يرقد، وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: «اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن».
ورواه أبو داود؛ (1) من رواية حفصة رضي الله عنها، وفيه أنه كان يقوله ثلاث مرات.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3398) عن حذيفة، وقال: «حديث حسن صحيح». وأخرجه: أبو داود (5045) عن حفصة.
(1/405)
(16) - كتاب الدعوات
250 - باب الأمر بالدعاء وفضله وبيان جمل من أدعيته - صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60]، وقال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} [الأعراف: 55]. وقال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} الآية [البقرة: 186]، وقال تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} [النمل: 62].
(1/407)
1465 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
«الدعاء هو العبادة». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1479)، وابن ماجه (3828)، والترمذي (2969) و (3247) و (3372).
(1/407)
1466 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحب الجوامع من الدعاء (1)، ويدع ما سوى ذلك. رواه أبو داود بإسناد جيد. (2)
__________
(1) الجوامع من الدعاء: هي التي تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة، أو تجمع الثناء على الله تعالى وآداب المسألة. (النهاية 1/ 295)
(2) أخرجه: أبو داود (1482).
(1/407)
1467 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار». متفق عليه. (1) [ص:408]
زاد مسلم في روايته قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 102 (6389)، ومسلم 8/ 68 (2690) (26).
(1/407)
1468 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى (1)». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 38: «العفاف والعفة: التنزه عما يباح والكف عنه، والغنى هنا غنى النفس، والاستغناء عن الناس، وعما في أيديهم».
(2) انظر الحديث (71).
(1/408)
1469 - وعن طارق بن أشيم - رضي الله عنه - قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني». رواه مسلم. (1)
وفي رواية له عن طارق: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل فقال: يا رسول الله، كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: «قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني، فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك».
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 71 (2697) (35) و (36).
(1/408)
1470 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 51 (2654) (17).
(1/408)
1471 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء (1)». متفق عليه. (2) [ص:409]
وفي رواية قال سفيان: أشك أني زدت واحدة منها.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 28: أما «درك الشقاء» فالمشهور فيه فتح الراء، وبالسكون لغة. و «جهد البلاء» بفتح الجيم وضمها، والفتح أشهر وأفصح.
فأما الاستعاذة من سوء القضاء، فيدخل فيها سوء القضاء في الدين والدنيا، والبدن والمال والأهل، وقد يكون ذلك في الخاتمة.
وأما درك الشقاء، فيكون في أمور الآخرة والدنيا، ومعناه: أعوذ بك أن يدركني شقاء.
وشماتة الأعداء: هي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه، يقال منه: شمت بكسر الميم، وشمت بفتحها، فهو شامت وأشمته غيره، وأما جهد البلاء، فروي عن ابن عمر أنه فسره بقلة المال وكثرة العيال، وقيل: الحال الشاقة.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 157 (6616)، ومسلم 8/ 76 (2707) (53).
(1/408)
1472 - وعنه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 81 (2720) (71).
(1/409)
1473 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «قل: اللهم اهدني، وسددني (1)».
وفي رواية: «اللهم إني أسألك الهدى والسداد». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي: «سددني: وفقني واجعلني منتصبا في جميع أموري مستقيما». شرح صحيح مسلم 9/ 38.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 83 (2725) (78).
(1/409)
1474 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والهرم، والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات (1)».
وفي رواية: «وضلع الدين، وغلبة الرجال (2)». رواه مسلم. (3)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 26: «الكسل: هو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة مع إمكانه.
وأما العجز: فعدم القدرة عليه، وقيل: هو ترك ما يجب فعله، والتسويف به، وكلاهما تستحب الإعاذة منه. وأما استعاذته من الهرم فالمراد به الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر، وسبب ذلك ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس والضبط ... وأما استعاذته من الجبن والبخل، فلما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات، والقيام بحقوق الله تعالى وإزالة المنكر ... وبالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال وينبعث للإنفاق والجود ولمكارم الأخلاق».
(2) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 11/ 207: «الضلع هو الاعوجاج والمراد به هنا ثقل الدين وشدته، وغلبة الرجال: أي شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجا ومرجا».
(3) أخرجه: البخاري 8/ 97 (6363) و98 (6367)، ومسلم 8/ 75 (2706) (50).
(1/409)
1475 - وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه: أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم» متفق عليه. (1)
وفي رواية: «وفي بيتي» وروي: «ظلما كثيرا» وروي: «كبيرا» بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة؛ فينبغي أن يجمع بينهما فيقال: كثيرا كبيرا.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 89 (6326) و9/ 144 (7387) و (7388)، ومسلم 8/ 74 (2705) (48).
(1/410)
1476 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم: أنه كان يدعو بهذا الدعاء: «اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي؛ وخطئي وعمدي؛ وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 105 (6399)، ومسلم 8/ 80 (2719) (70).
(1/410)
1477 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعائه:
«اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 79 (2716) (66).
(1/410)
1478 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 88 (2739) (96).
(1/410)
1479 - وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع؛ ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع؛ ومن دعوة لا يستجاب لها».رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 81 (2722) (73).
(1/410)
1480 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت. فاغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت».
زاد بعض الرواة: «ولا حول ولا قوة إلا بالله» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 60 (1120)، ومسلم 2/ 184 (769) (199)، وانظر الحديث (75).
(1/411)
1481 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو بهؤلاء الكلمات: «اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، وعذاب النار، ومن شر الغنى والفقر». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح»؛ وهذا لفظ أبي داود.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1543)، والترمذي (3495).
(1/411)
1482 - وعن زياد بن علاقة عن عمه، وهو قطبة بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال، والأهواء». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3591)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/411)
1483 - وعن شكل بن حميد - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، علمني دعاء، قال: «قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي (1)». رواه أبو داود والترمذي، (2) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) قال الترمذي: «يعني فرجه».
(2) أخرجه: أبو داود (1551)، والترمذي (3492)، والنسائي 8/ 255 و259 و260 و267 وفي «الكبرى»، له (7875) (7877) و (7891)، وقال الترمذي: «حديث حسن غريب».
(1/411)
1484 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، وسييء (1) الأسقام». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (2)
__________
(1) قال الخطابي في معالم السنن 1/ 258: «استعاذ من هذه الأسقام؛ لأنها عاهات تفسد الخلقة وتبقي الشين وبعضا يؤثر في العقل وليست كسائر الأمراض التي إنما هي أعراض لا تدوم كالحمى والصداع وسائر الأمراض التي لا تجري مجرى العاهات وإنما هي كفارات وليست بعقوبات».
(2) أخرجه: أبو داود (1554).
(1/411)
1485 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1547)، وابن ماجه (3354)، والنسائي 8/ 263 وفي «الكبرى»، له (7903).
(1/412)
1486 - وعن علي - رضي الله عنه: أن مكاتبا جاءه فقال: إني عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو كان عليك مثل جبل دينا أداه الله عنك؟ قل: «اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3563)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/412)
1487 - وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أباه حصينا كلمتين يدعو بهما: «اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3483)، وقال: «حديث غريب»، وهو حديث ضعيف.
(1/412)
1488 - وعن أبي الفضل العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله تعالى، قال: «سلوا الله العافية» فمكثت أياما، ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله تعالى، قال لي: «يا عباس، يا عم رسول الله، سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3514)، وقال: «حديث صحيح».
(1/412)
1489 - وعن شهر بن حوشب، قال: قلت لأم سلمة رضي الله عنها، يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3522).
(1/412)
1490 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كان من دعاء داود: اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي، وأهلي، ومن الماء البارد». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3490)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/412)
1491 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألظوا بـ (ياذا الجلال والإكرام)». رواه الترمذي، (1) ورواه النسائي من رواية ربيعة بن عامر الصحابي، قال الحاكم: «حديث صحيح الإسناد».
«ألظوا»: بكسر اللام وتشديد الظاء المعجمة، معناه: الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3525) عن أنس. وأخرجه: النسائي في «الكبرى» (7716)، والحاكم 1/ 498 - 499 عن ربيعة.
(1/413)
1492 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعاء كثير، لم نحفظ منه شيئا؛ قلنا: يا رسول الله، دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئا، فقال: «ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله؟ تقول: اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم؛ وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وأنت المستعان، وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3521)، وقال: «حديث حسن غريب» على أن الحديث ضعيف.
(1/413)
1493 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان من دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار». رواه الحاكم أبو عبد الله، (1) وقال: «حديث صحيح على شرط مسلم».
__________
(1) أخرجه: الحاكم 1/ 525، وهو حديث ضعيف.
(1/413)
251 - باب فضل الدعاء بظهر الغيب
قال تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [الحشر:10]، وقال تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد:19]، وقال تعالى إخبارا عن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [إبراهيم: 41].
(1/413)
1494 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 86 (2732) (86).
(1/413)
1495 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 86 (2732) (87).
(1/414)
252 - باب في مسائل من الدعاء
1496 - وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من صنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2035)، وقال: «حديث جيد غريب».
(1/414)
1497 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم؛ ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 233 (3009).
(1/414)
1498 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1428).
(1/414)
1499 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل: يقول: قد دعوت ربي، فلم يستجب لي» متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم: «لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل» قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: «يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء (2)».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 92 (6340)، ومسلم 8/ 87 (2735) (90) و (91) و (92).
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 46: «في الحديث أنه ينبغي إدامة الدعاء، ولا يستبطئ الإجابة».
(1/414)
1500 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: أي الدعاء أسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3499).
(1/414)
1501 - وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم»، فقال رجل من القوم: إذا نكثر قال: «الله أكثر». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح».
ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد وزاد فيه: «أو يدخر له من الأجر مثلها» (1).
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3573)، وقال: «حديث حسن صحيح غريب»، ورواية الحاكم في " المستدرك " 1/ 493.
(1/415)
1502 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش الكريم» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 93 (6346)، ومسلم 8/ 85 (2730) (83).
(1/415)
253 - باب كرامات الأولياء وفضلهم
قال الله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} [يونس: 62 - 64]، وقال تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي} [مريم: 25، 26]، وقال تعالى: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} [آل عمران: 37]، وقال تعالى: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهييء لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} [الكهف: 16 - 17].
(1/415)
1503 - وعن أبي محمد عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال مرة: «من كان عنده طعام اثنين، فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة، فليذهب بخامس بسادس» أو كما قال، وأن أبا بكر - رضي الله عنه - جاء بثلاثة، وانطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - بعشرة، وأن أبا بكر تعشى عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم لبث حتى صلى
(1/415)
العشاء، ثم رجع، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله. قالت امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ قال: أوما عشيتهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء وقد عرضوا عليهم، قال: فذهبت أنا فاختبأت، فقال: يا غنثر، فجدع وسب، وقال: كلوا لا هنيئا (1) والله لا أطعمه أبدا، قال: وايم الله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر فقال لامرأته: يا أخت بني فراس (2) ما هذا؟ قالت: لا وقرة (3) عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات! فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان، يعني: يمينه. ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأصبحت عنده. وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الأجل، فتفرقنا اثني عشر رجلا، مع كل رجل منهم أناس، الله أعلم كم مع كل رجل فأكلوا منها أجمعون.
وفي رواية: فحلف أبو بكر لا يطعمه، فحلفت المرأة لا تطعمه، فحلف الضيف. - أو الأضياف - أن لا يطعمه أو يطعموه حتى يطعمه. فقال أبو بكر: هذه من الشيطان! فدعا بالطعام فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها، فقال: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ فقالت: وقرة عيني إنها الآن لأكثر منها قبل أن نأكل، فأكلوا، وبعث بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر أنه أكل منها.
وفي رواية: إن أبا بكر قال لعبد الرحمان: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فافرغ من قراهم قبل أن أجيء، فانطلق عبد الرحمان، فأتاهم بما عنده، فقال: اطعموا؛ فقالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا، قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا، لنلقين منه فأبوا، فعرفت أنه يجد علي، فلما جاء تنحيت عنه، فقال: ما صنعتم؟ فأخبروه، فقال: يا عبد الرحمان، فسكت: ثم قال: يا عبد الرحمان، فسكت، فقال: يا غنثر أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت! فخرجت، فقلت: سل أضيافك، فقالوا: صدق، أتانا به، فقال: إنما انتظرتموني والله لا أطعمه الليلة. فقال الآخرون: والله لا نطعمه حتى [ص:417] تطعمه فقال: ويلكم ما لكم لا تقبلون عنا قراكم؟ هات طعامك، فجاء به، فوضع يده فقال: بسم الله، الأولى من الشيطان، فأكل وأكلوا. متفق عليه. (4)
قوله: «غنثر» بغين معجمة مضمومة ثم نون ساكنة ثم ثاء مثلثة وهو: الغبي الجاهل. وقوله: «فجدع» أي شتمه، والجدع القطع. قوله «يجد علي» هو بكسر الجيم: أي يغضب.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 215: «إنما قاله لما حصل له من الحرج والغيظ بتركهم العشاء بسببه، وقيل: إنه ليس بدعاء إنما أخبر، أي: لم تتهنئوا به في وقته».
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 216: «هذا خطاب من أبي بكر لامرأته أم رومان».
(3) قرة العين: سرورها، وحقيقة أبرد الله دمعة عينيه؛ كأن دمعة الفرح والسرور باردة. النهاية 4/ 38.
(4) أخرجه: البخاري 1/ 156 - 157 (602) و8/ 40 (6140) و41 (6141)، ومسلم 6/ 130 - 131 (2057) (176) و (177).
(1/416)
1504 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر». رواه البخاري.
ورواه مسلم من رواية عائشة. (1)
وفي روايتهما قال ابن وهب: «محدثون» أي ملهمون.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 211 (3469). وأخرجه: مسلم 7/ 115 (2398) (23).
(1/417)
1505 - وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما، قال: شكا أهل الكوفة سعدا يعني: ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فعزله، واستعمل عليهم عمارا، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي، فقال: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أخرم (1) عنها، أصلي صلاتي العشاء فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين. قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلا - أو رجالا - إلى الكوفة يسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجدا إلا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم، يقال له أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذ نشدتنا فإن سعدا كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا، قام رياء، وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن. وكان بعد ذلك إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. [ص:418]
قال عبد الملك بن عمير الراوي عن جابر بن سمرة: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن. متفق عليه. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 2/ 349: «أي لا أنقص».
(2) أخرجه: البخاري 1/ 192 (755)، ومسلم 2/ 38 (453) (158).
(1/417)
1506 - وعن عروة بن الزبير: أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل - رضي الله عنه - خاصمته أروى بنت أوس إلى مروان بن الحكم، وادعت أنه أخذ شيئا من أرضها، فقال سعيد: أنا كنت آخذ شيئا من أرضها بعد الذي سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم!؟ قال: ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما، طوقه إلى سبع أرضين» فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة، فأعم بصرها، واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت. متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بمعناه، وأنه رآها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد، وأنها مرت على بئر في الدار التي خاصمته فيها، فوقعت فيها، وكانت قبرها.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 130 (3198)، ومسلم 5/ 58 (1610) (138).
(1/418)
1507 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: لما حضرت أحد دعاني أبي من الليل فقال: ما أراني إلا مقتولا في أول من يقتل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وإني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن علي دينا فاقض، واستوص بأخواتك خيرا، فأصبحنا، فكان أول قتيل، ودفنت معه آخر في قبره، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته غير أذنه، فجعلته في قبر على حدة. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 116 (1351).
(1/418)
1508 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خرجا من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة مظلمة ومعهما مثل المصباحين بين أيديهما. فلما افترقا، صار مع كل واحد منهما واحد حتى أتى أهله. رواه البخاري من طرق؛ (1)
وفي بعضها أن الرجلين أسيد بن حضير، وعباد بن بشر رضي الله عنهما.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 125 (465) و5/ 44 (3805).
(1/418)
1509 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة رهط عينا سرية، وأمر عليها عاصم بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة؛ بين عسفان ومكة؛ ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مئة رجل رام، فاقتصوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه، لجأوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم، فقالوا: انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم، أما أنا، فلا أنزل على ذمة كافر: اللهم أخبر عنا نبيك - صلى الله عليه وسلم - فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب، وزيد بن الدثنة ورجل آخر. فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم، فربطوهم بها. قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة، يريد القتلى، فجروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب، وزيد بن الدثنة، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر؛ فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خبيبا، وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر. فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب. فقال: أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك! قالت: والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب، فوالله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا. فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا. وقال:
فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع (1)
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 7/ 479: «الأوصال جمع وصل وهو العضو، والشلو بكسر المعجمة الجسد، وقد يطلق على العضو ولكن المراد به هنا الجسد، والممزع المقطع ومعنى الكلام أعضاء جسد يقطع».
(1/419)
وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة. وأخبر - يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا من عظمائهم، فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر (1) فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا. رواه البخاري. (2)
قوله: «الهدأة»: موضع، «والظلة»: السحاب. «والدبر»: النحل. وقوله: «اقتلهم بددا» بكسر الباء وفتحها، فمن كسر قال هو جمع بدة بكسر الباء وهي النصيب ومعناه: اقتلهم حصصا منقسمة لكل واحد منهم نصيب، ومن فتح قال معناه: متفرقين في القتل واحدا بعد واحد من التبديد.
وفي الباب أحاديث كثيرة صحيحة سبقت في مواضعها من هذا الكتاب، منها حديث الغلام الذي كان يأتي الراهب والساحر، ومنها حديث جريج، وحديث أصحاب الغار الذين أطبقت عليهم الصخرة، وحديث الرجل الذي سمع صوتا في السحاب يقول: اسق حديقة فلان، وغير ذلك (3). والدلائل في الباب كثيرة مشهورة، وبالله التوفيق.
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر 7/ 479: «الظلة السحابة والدبر الزنابير، قال: وفي الحديث أن للأسير أن يمتنع من قبول الأمان ولا يمكن من نفسه ولو قتل، أنفة من أنه يجري عليه حكم كافر، وهذا إذا أراد الأخذ بالشدة، فإن أراد الأخذ بالرخصة له أن يستأمن».
(2) أخرجه: البخاري 5/ 100 (3989).
(3) انظر الأحاديث: (12) و (30) و (259) و (560) و (967).
(1/420)
1510 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ما سمعت عمر - رضي الله عنه - يقول لشيء قط: إني لأظنه كذا، إلا كان كما يظن. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 61 (3866).
(1/420)
(17) - كتاب الأمور المنهي عنها
254 - باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان
قال الله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} [الحجرات: 12]، وقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} [الإسراء: 36]، وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18].
اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء.
(1/421)
1511 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» متفق عليه. (1)
وهذا صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة، فلا يتكلم.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6475)، ومسلم 1/ 49 (47) (74).
(1/421)
1512 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 10 (11)، ومسلم 1/ 48 (42) (66).
(1/421)
1513 - وعن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6474)، ولم أجده في مسلم.
(1/422)
1514 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب» متفق عليه. (1)
ومعنى: «يتبين» يفكر أنها خير أم لا.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6477)، ومسلم 8/ 223 (2988) (50).
(1/422)
1515 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6478).
(1/422)
1516 - وعن أبي عبد الرحمان بلال بن الحارث المزني - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه». رواه مالك في الموطأ، والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح». (1)
__________
(1) أخرجه: مالك في «الموطأ» (2818) برواية الليثي، والترمذي (2319).
(1/422)
1517 - وعن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال: «قل: ربي الله ثم استقم» قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: «هذا». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح». (1)
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (3972)، والترمذي (2410).
(1/422)
1518 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب! وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي». رواه الترمذي. (1)
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2411)، وهو حديث ضعيف.
(1/422)
1519 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من وقاه الله شر ما بين لحييه، وشر ما بين رجليه دخل الجنة». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن». (1)
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2409)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/422)
1520 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟
قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن». (1)
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2406).
(1/423)
1521 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك؛ فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا». رواه الترمذي. (1)
معنى: «تكفر اللسان»: أي تذل وتخضع له.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2407).
(1/423)
1522 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ قال: «لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت» ثم قال: «ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل» ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعملون} [النور: 16] ثم قال: «ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد» ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله!» قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: «كف عليك هذا» قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح»، وقد سبق شرحه في باب قبل هذا (2).
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (3973)، والترمذي (2616).
(2) لم يرد فيما سبق من الكتاب.
(1/423)
1523 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته (1)». رواه مسلم. (2)
__________
(1) البهت: الكذب والإفتراء. فقد بهته، أي كذبت وافتريت عليه. (النهاية: 1/ 433).
(2) أخرجه: مسلم 8/ 21 (2589) (70).
(1/424)
1524 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع: «إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 37 (105)، ومسلم 5/ 108 (1679) (30).
(1/424)
1525 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا. قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته!» قالت: وحكيت له إنسانا فقال: «ما أحب أني حكيت (1) إنسانا وإن لي كذا وكذا». رواه أبو داود والترمذي، (2) وقال: «حديث حسن صحيح».
ومعنى: «مزجته» خالطته مخالطة يتغير بها طعمه أو ريحه لشدة نتنها وقبحها. وهذا الحديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة، قال الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [النجم: 3 - 4].
__________
(1) أي: فعلت مثل فعله. النهاية 1/ 421.
(2) أخرجه: أبو داود (4875)، والترمذي (2502).
(1/424)
1526 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم!». رواه أبو داود. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4878) و (4879).
(1/424)
1527 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 10 (2564) (32).
(1/424)
255 - باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها والإنكار على قائلها
فإن عجز أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه
قال الله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه} [القصص: 55]، وقال تعالى: {والذين هم عن اللغو معرضون} [المؤمنون: 3]، وقال تعالى: {إن السمع والبصر [ص:425] والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} [الإسراء: 36]، وقال تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} [الأنعام: 68].
(1/424)
1528 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1931).
(1/425)
1529 - وعن عتبان بن مالك - رضي الله عنه - في حديثه الطويل المشهور الذي تقدم في باب الرجاء قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فقال: «أين مالك بن الدخشم؟» فقال رجل: ذلك منافق لا يحب الله ولا رسوله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «لا تقل ذلك ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله! وإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله». متفق عليه. (1)
«وعتبان» بكسر العين على المشهور وحكي ضمها وبعدها تاء مثناة من فوق ثم باء موحدة. و «الدخشم» بضم الدال وإسكان الخاء وضم الشين المعجمتين.
__________
(1) انظر الحديث (417).
(1/425)
1530 - وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - في حديثه الطويل في قصة توبته وقد سبق في باب التوبة. قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه والنظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل - رضي الله عنه: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. (1)
«عطفاه»: جانباه، وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه.
__________
(1) انظر الحديث (21).
(1/425)
256 - باب ما يباح من الغيبة
اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو ستة أسباب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.
(1/425)
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه ونحو ذلك ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما.
الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك، فالتعيين جائز كما سنذكره في حديث (1) هند إن شاء الله تعالى.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه:
منها جرح المجروحين من الرواة والشهود وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة.
ومنها: إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه. وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة فليتفطن لذلك.
ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها: إما بأن لا يكون صالحا لها، وإما بأن يكون فاسقا، أو مغفلا، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به.
الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس، وأخذ المكس (2)، وجباية الأموال ظلما، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره [ص:427] بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.
السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفا بلقب، كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى، فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه، ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة. فمن ذلك:
__________
(1) انظر الحديث (1535).
(2) المكس: الضريبة التي يأخذها الماكس. النهاية 4/ 349.
(1/426)
1531 - عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلا استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ائذنوا له، بئس أخو العشيرة؟». متفق عليه. (1)
احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 20 (6054)، ومسلم 8/ 21 (2591) (73).
(1/427)
1532 - وعنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا». رواه البخاري. (1)
قال: قال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث: هذان الرجلان كانا من المنافقين.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 23 (6067) و8/ 24 (6068).
(1/427)
1533 - وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، قالت: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أما معاوية، فصعلوك (1) لا مال له، وأما أبو الجهم، فلا يضع العصا عن عاتقه» متفق عليه. (2)
وفي رواية لمسلم: «وأما أبو الجهم فضراب للنساء» وهو تفسير لرواية: «لا يضع العصا عن عاتقه» وقيل: معناه: كثير الأسفار.
__________
(1) الصعلوك: الفقير الذي لا مال له. لسان العرب (صعل).
(2) أخرجه: مسلم 4/ 195 (1480) (36) و4/ 198 (1480) (47).
ولم أقف على تخريج البخاري لهذا الحديث.
(1/427)
1534 - وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ينفضوا، وقال: [ص:428] لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبي، فاجتهد يمينه: ما فعل، فقالوا: كذب زيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى أنزل الله تعالى تصديقي: {إذا جاءك المنافقون} ثم دعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 190 (4903)، ومسلم 8/ 119 (2772) (1).
(1/427)
1535 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قالت هند امرأة أبي سفيان للنبي - صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم؟ قال: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 85 (5364)، ومسلم 5/ 129 (1714) (7).
(1/428)
257 - باب تحريم النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد
قال الله تعالى: {هماز مشاء بنميم} [ن: 11] وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18].
(1/428)
1536 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام (1)».متفق عليه. (2)
__________
(1) لفظ البخاري: «لا يدخل الجنة قتات».
(2) أخرجه: البخاري 8/ 21 (6056)، ومسلم 1/ 70 (105) (167).
(1/428)
1537 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين
فقال: «إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير! بلى إنه كبير: أما أحدهما، فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله». متفق عليه. (1) وهذا لفظ إحدى روايات البخاري.
قال العلماء معنى: «وما يعذبان في كبير» أي: كبير في زعمهما. وقيل: كبير تركه عليهما.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 65 (218)، ومسلم 1/ 165 (292) (111).
(1/428)
1538 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة؛ القالة بين الناس». رواه مسلم. (1) [ص:429]
«العضه»: بفتح العين المهملة، وإسكان الضاد المعجمة، وبالهاء على وزن الوجه، وروي «العضة» بكسر العين وفتح الضاد المعجمة على وزن العدة، وهي: الكذب والبهتان، وعلى الرواية الأولى: العضه مصدر يقال: عضهه عضها، أي: رماه بالعضه.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 28 (2606) (102).
(1/428)
258 - باب النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور إذا لم تدع إليه حاجة كخوف مفسدة ونحوه
قال الله تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2]. وفي الباب الأحاديث السابقة في الباب قبله.
(1/429)
1539 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر». رواه أبو داود والترمذي. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4860)، والترمذي (3896) و (3897)، وهو حديث ضعيف.
(1/429)
259 - باب ذم ذي الوجهين
قال الله تعالى: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا}. [النساء: 108].
(1/429)
1540 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «تجدون الناس معادن: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم كراهية له، وتجدون شر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 216 (3493)، ومسلم 7/ 181 (2526) (199).
(1/429)
1541 - وعن محمد بن زيد: أن ناسا قالوا لجده عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم. قال: كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 89 (7178).
(1/429)
260 - باب تحريم الكذب
قال الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]. وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18].
(1/429)
1542 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (54).
(1/430)
1543 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربع من كن فيه، كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر». متفق عليه. (1)
وقد سبق بيانه مع حديث أبي هريرة بنحوه في «باب الوفاء بالعهد».
__________
(1) انظر الحديث (689).
(1/430)
1544 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من تحلم بحلم لم يره، كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ». رواه البخاري. (1)
«تحلم»: أي قال إنه حلم في نومه ورأى كذا وكذا، وهو كاذب.
و «الآنك» بالمد وضم النون وتخفيف الكاف: وهو الرصاص المذاب.
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 54 (7042).
(1/430)
1545 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «أفرى الفرى (1) أن يري الرجل عينيه ما لم تريا». رواه البخاري. (2)
ومعناه: يقول: رأيت، فيما لم يره.
__________
(1) قال ابن حجر في فتح الباري 12/ 537 (7043): «أفرى الفرى: أي أعظم الكذبات قال ابن بطال: الفرية الكذبة العظيمة التي يتعجب منها».
(2) أخرجه: البخاري 9/ 54 (7043).
(1/430)
1546 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال
(1/430)
لنا ذات غداة: «إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى!» قال: «قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب (1) من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى» قال: «قلت: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور» فأحسب أنه قال: «فإذا فيه لغط، وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا. قلت: ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على نهر» حسبت أنه كان يقول: «أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح، ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه، فيلقمه حجرا، فينطلق فيسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه، فغر له فاه، فألقمه حجرا، قلت لهما: ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة، أو كأكره ما أنت راء رجلا مرأى، فإذا هو عنده نار يحشها ويسعى حولها. قلت لهما: ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قلت: ما هذا؟ وما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا إلى دوحة عظيمة لم أر دوحة قط أعظم منها، ولا أحسن! قالا لي: ارق فيها، فارتقينا فيها إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا، ففتح لنا فدخلناها، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء! وشطر منهم كأقبح ما
__________
(1) الكلوب: بالتشديد، حديدة معوجة الرأس. النهاية 4/ 195.
(1/431)
أنت راء! قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، وإذا هو نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه. ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة» قال: «قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك، فسما بصري صعدا، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء، قالا لي: هذاك منزلك؟ قلت لهما: بارك الله فيكما، فذراني فأدخله. قالا لي: أما الآن فلا، وأنت داخله، قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجبا؟ فما هذا الذي رأيت؟ قالا لي: أما إنا سنخبرك: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه (1)، وينام عن الصلاة المكتوبة. وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر، ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه (2) المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة» وفي رواية البرقاني: «ولد على الفطرة» فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن، وشطر منهم قبيح، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تجاوز الله عنهم». رواه البخاري. (3)
وفي رواية له: «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة» ثم ذكره وقال: «فانطلقنا إلى نقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع؛ يتوقد تحته نارا، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا خمدت! رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة». وفيها: «حتى أتينا على نهر من دم» ولم يشك «فيه رجل قائم على وسط النهر وعلى شط النهر رجل، وبين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج جعل يرمي
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح: «رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس».
(2) قال الحافظ في الفتح: «إنما كان كريه الرؤية؛ لأن في ذلك زيادة في عذاب أهل النار».
(3) أخرجه: البخاري 2/ 125 - 127 (1386) و9/ 56 - 58 (7047).
(1/432)
في فيه بحجر، فيرجع كما كان». وفيها: «فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشباب». وفيها: «الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة»، وفيها: «الذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، فيفعل به إلى يوم القيامة، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفعت رأسي، فإذا فوقي مثل السحاب، قالا: ذاك منزلك، قلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله، فلو استكملته أتيت منزلك». رواه البخاري.
قوله: «يثلغ رأسه» هو بالثاء المثلثة والغين المعجمة، أي: يشدخه ويشقه. قوله: «يتدهده» أي: يتدحرج. و «الكلوب» بفتح الكاف وضم اللام المشددة، وهو معروف. قوله: «فيشرشر»: أي: يقطع. قوله: «ضوضوا» وهو بضادين معجمتين: أي صاحوا. قوله: «فيفغر» هو بالفاء والغين المعجمة، أي: يفتح. قوله «المرآة» هو بفتح الميم، أي: المنظر. قوله: «يحشها» هو بفتح الياء وضم الحاء المهملة والشين المعجمة، أي: يوقدها. قوله: «روضة معتمة» هو بضم الميم وإسكان العين وفتح التاء وتشديد الميم، أي: وافية النبات طويلته. قوله: «دوحة» وهي بفتح الدال وإسكان الواو وبالحاء المهملة: وهي الشجرة الكبيرة. قوله: «المحض» هو بفتح الميم وإسكان الحاء المهملة وبالضاد المعجمة، وهو: اللبن. قوله «فسما بصري» أي: ارتفع. و «صعدا» بضم الصاد والعين، أي: مرتفعا. و «الربابة» بفتح الراء وبالباء الموحدة مكررة، وهي: السحابة.
(1/433)
261 - باب بيان ما يجوز من الكذب
اعلم أن الكذب، وإن كان أصله محرما، فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب: «الأذكار» (1)، ومختصر ذلك: أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب، جاز الكذب. ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا، كان الكذب واجبا. فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد
__________
(1): 515 - 516.
(1/433)
قتله، أو أخذ ماله وأخفى ماله وسئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه. وكذا لو كان عنده وديعة، وأراد ظالم أخذها، وجب الكذب بإخفائها. والأحوط في هذا كله أن يوري. ومعنى التورية: أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبا في ظاهر اللفظ، وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب، ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب، فليس بحرام في هذا الحال.
واستدل العلماء بجواز الكذب في هذا الحال بحديث أم كلثوم رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيرا أو يقول خيرا». متفق عليه. (1)
زاد مسلم في رواية: قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث، تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 240 (2692)، ومسلم 8/ 28 (2605) (101).
(1/434)
262 - باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه
قال الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36] وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18]. (1)
__________
(1) وفيه قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الحجرات: 6].
(1/434)
1547 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم في مقدمة «صحيحه» 1/ 8 (5) (5).
(1/434)
1548 - وعن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم في مقدمة «صحيحه» 1/ 7.
(1/434)
1549 - وعن أسماء رضي الله عنها: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن لي ضرة فهل علي [ص:435] جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور». متفق عليه. (1)
«والمتشبع»: هو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان. ومعناه هنا: أن يظهر أنه حصل له فضيلة وليست حاصلة.
«ولابس ثوبي زور» أي: ذي زور، وهو الذي يزور على الناس، بأن يتزيى بزي أهل الزهد أو العلم أو الثروة، ليغتر به الناس وليس هو بتلك الصفة. وقيل غير ذلك والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 44 (5219)، ومسلم 6/ 169 (2130) (127).
(1/435)
263 - باب بيان غلظ تحريم شهادة الزور
قال الله تعالى: {واجتنبوا قول الزور} [الحج: 30]، وقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]، وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18]، وقال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} [الفجر: 16]، وقال تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} [الفرقان: 72].
(1/435)
1550 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا: بلى يا رسول الله. قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» وكان متكئا فجلس، فقال: «ألا وقول الزور». فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت (1). متفق عليه. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 1/ 292: «جلوسه - صلى الله عليه وسلم - لاهتمامه بهذا الأمر، وهو يفيد تأكيد تحريمه، وعظم قبحه، وإنما قالوه وتمنوه شفقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكراهة لما يزعجه ويغضبه».
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح 5/ 324: «أي: شفقة عليه وكراهية لما يزعجه، وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه - صلى الله عليه وسلم - والمحبة له والشفقة عليه».
(2) انظر الحديث (336).
(1/435)
264 - باب تحريم لعن إنسان بعينه أو دابة
1551 - عن أبي زيد ثابت بن الضحاك الأنصاري - رضي الله عنه - وهو من أهل بيعة الرضوان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا، فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء، عذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملكه، ولعن المؤمن كقتله». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 19 (6047)، ومسلم 1/ 72 (110) (176).
(1/435)
1552 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 23 (2597) (84).
(1/436)
1553 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يكون اللعانون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة (1)». رواه مسلم (2).
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/ 324: «معناه: لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار. (ولا شهداء) فيه ثلاثة أقوال: أصحها وأشهرها: لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات. والثاني: لا يكونون شهداء في الدنيا، أي: لا تقبل شهادتهم لفسقهم. والثالث: لا يرزقون الشهادة وهي القتل في سبيل الله. قال: وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - لعانا ولعانون بصيغة التكثير؛ لأن هذا الذم في الحديث هو لمن كثر منه اللعن لا لمرة ونحوها؛ ولأنه يخرج منه أيضا اللعن المباح وهو الذي ورد به الشرع وهو لعنة الله على الظالمين، ولعن الله اليهود والنصارى ولعن الله الواصلة والواشمة ... ».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 24 (2598) (85).
(1/436)
1554 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه، ولا بالنار». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4906)، والترمذي (1976).
(1/436)
1555 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان (1)، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي (2)». رواه الترمذي، (3) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أي: وقاعا في أعراض الناس بالذم والغيبة والطعن في النسب. النهاية 3/ 127.
(2) البذاء: الفحش في القول
(3) أخرجه: الترمذي (1977). وقال: «حديث حسن غريب».
(1/436)
1556 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا لعن شيئا، صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلا لذلك، وإلا رجعت إلى قائلها». رواه أبو داود. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4905).
(1/436)
1557 - وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما، قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «خذوا ما عليها ودعوها؛ فإنها ملعونة». قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 23 (2595) (80).
(1/437)
1558 - وعن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي - رضي الله عنه - قال: بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم. إذ بصرت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وتضايق بهم الجبل فقالت: حل، اللهم العنها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة». رواه مسلم. (1)
قوله: «حل» بفتح الحاء المهملة وإسكان اللام: وهي كلمة لزجر الإبل.
واعلم أن هذا الحديث قد يستشكل معناه، ولا إشكال فيه، بل المراد النهي أن تصاحبهم تلك الناقة، وليس فيه نهي عن بيعها وذبحها وركوبها في غير صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بل كل ذلك وما سواه من التصرفات جائز لا منع منه، إلا من مصاحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بها؛ لأن هذه التصرفات كلها كانت جائزة فمنع بعض منها، فبقي الباقي على ما كان، والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 23 (2596) (80).
(1/437)
265 - باب جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين
قال الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18]، وقال تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} [الأعراف: 44].
وثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة (1)» (2) وأنه قال: «لعن الله آكل الربا» (3) وأنه لعن المصورين (4)، وأنه قال: [ص:438] «لعن الله من غير منار الأرض» (5) أي حدودها، وأنه قال: «لعن الله السارق يسرق البيضة» (6)، وأنه قال: «لعن الله من لعن والديه» و «لعن الله من ذبح لغير الله»، وأنه قال: «من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (7)، وأنه قال: «اللهم العن رعلا، وذكوان، وعصية: عصوا الله ورسوله» (8) وهذه ثلاث قبائل من العرب. وأنه قال: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (9) وأنه «لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال» (10).
وجميع هذه الألفاظ في الصحيح؛ بعضها في صحيحي البخاري ومسلم، وبعضها في أحدهما، وإنما قصدت الاختصار بالإشارة إليهما، وسأذكر معظمها في أبوابها من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 290: «الواصلة هي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر، والمستوصلة التي تطلب من يفعل بها ذلك».
(2) انظر الحديث (1642).
(3) أخرجه: أحمد 1/ 393 و402 من حديث عبد الله بن مسعود.
(4) أخرجه: البخاري 3/ 110 - 111 (2238) من حديث أبي جحيفة.
(5) أخرجه: مسلم 6/ 84 (1978) (43) من حديث علي بن أبي طالب.
(6) أخرجه: البخاري 8/ 198 (6783)، ومسلم 5/ 113 (1687) (7) من حديث أبي هريرة.
(7) أجزاء من حديث علي السابق الذي أخرجه مسلم.
(8) أخرجه: مسلم 2/ 134 (675) (294) من حديث أبي هريرة.
(9) أخرجه: البخاري 2/ 111 (1330)، ومسلم 2/ 67 (529) (19) من حديث عائشة.
(10) أخرجه: البخاري 7/ 205 (5885) من حديث ابن عباس.
(1/437)
266 - باب تحريم سب المسلم بغير حق
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58].
(1/438)
1559 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 19 (48)، ومسلم 1/ 57 (64) (116).
(1/438)
1560 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو الكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 18 (6045).
(1/438)
1561 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المتسابان ما قالا فعلى البادي منهما حتى يعتدي المظلوم (1)». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/ 315: «معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جواز الانتصار، ومع هذا فالصبر والعفو أفضل».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 20 (2587) (68).
(1/439)
1562 - وعنه، قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قد شرب قال: «اضربوه» قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله! قال: «لا تقولوا هذا، لا تعينوا عليه الشيطان». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 196 (6777).
(1/439)
1563 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قذف مملوكه بالزنى يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 218 (6858)، ومسلم 5/ 92 (1660) (37).
(1/439)
267 - باب تحريم سب الأموات بغير حق ومصلحة شرعية
وهي التحذير من الاقتداء به في بدعته، وفسقه، ونحو ذلك، وفيه الآية والأحاديث السابقة في الباب قبله.
1564 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 129 (1393).
(1/439)
268 - باب النهي عن الإيذاء
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58].
(1/439)
1565 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 127 (6484)، ومسلم 1/ 47 (40) (64).
(1/439)
1566 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه». رواه مسلم. (1)
وهو بعض حديث طويل سبق في باب طاعة ولاة الأمور.
__________
(1) انظر الحديث (667).
(1/440)
269 - باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر
قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10]، وقال تعالى: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} [المائدة: 54]، وقال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29].
(1/440)
1567 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 23 (6065)، ومسلم 8/ 8 (2559) (23).
(1/440)
1568 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا! أنظروا هذين حتى يصطلحا!». رواه مسلم. (1)
وفي رواية له: «تعرض الأعمال في كل يوم خميس وإثنين» وذكر نحوه.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 11 (2565) (35) و (36).
(1/440)
270 - باب تحريم الحسد
وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها، سواء كانت نعمة دين أو دنيا قال الله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} [النساء: 54] وفيه حديث أنس السابق في الباب قبله (1).
__________
(1) انظر الحديث (1567).
(1/440)
1569 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» أو قال: «العشب». رواه أبو داود. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4903)، وهو حديث ضعيف لجهالة أحد رواته، وقال البخاري: «لا يصح».
(1/440)
271 - باب النهي عن التجسس والتسمع لكلام من يكره استماعه
قال الله تعالى: {ولا تجسسوا} [الحجرات: 12]، وقال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58].
(1/441)
1570 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا (1) ولا تنافسوا (2)، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله (3) ولا يحقره، التقوى هاهنا التقوى هاهنا» ويشير إلى صدره «بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله. إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».
وفي رواية: «لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تناجشوا (4) وكونوا عباد الله إخوانا».
وفي رواية: «لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا» وفي رواية: «ولا تهاجروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض». رواه مسلم بكل هذه الروايات، وروى البخاري أكثرها. (5)
__________
(1) التجسس بالجيم: التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر. والجاسوس: صاحب سر الشر.
والناموس: صاحب سر الخير، وقيل: بالجيم أن يطلبه لغيره، وبالحاء أن يطلبه لنفسه ... النهاية 1/ 272.
(2) التنافس من المنافسة وهي الرغبة في الشيء والانفراد به. النهاية 5/ 95.
(3) الخذل: ترك الإغاثة والنصرة. النهاية 2/ 16.
(4) النجش: أن يمدح السلعة لينفقها ويروجها أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها، ليقع غيره فيها. النهاية 5/ 21.
(5) انظر الحديث (235).
(1/441)
1571 - وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم». حديث صحيح، رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4888).
(1/442)
1572 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أنه أتي برجل فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرا، فقال: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء، نأخذ به.
حديث حسن صحيح، رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم (1).
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4890).
(1/442)
272 - باب النهي عن سوء الظن بالمسلمين من غير ضرورة
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} [الحجرات: 12].
(1/442)
1573 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1570).
(1/442)
273 - باب تحريم احتقار المسلمين
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} [الحجرات: 11] وقال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} [الهمزة: 1].
(1/442)
1574 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم». رواه مسلم، (1) وقد سبق قريبا بطوله.
__________
(1) انظر الحديث (1570).
(1/442)
1575 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر!» فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة، فقال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس». رواه مسلم. (1) [ص:443]
ومعنى «بطر الحق» دفعه، «وغمطهم»: احتقارهم، وقد سبق بيانه أوضح من هذا في باب الكبر.
__________
(1) انظر الحديث (611).
(1/442)
1576 - وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله - عز وجل: من ذا الذي يتألى (1) علي أن لا أغفر لفلان! فإني قد غفرت له، واحبطت عملك». رواه مسلم. (2)
__________
(1) يتألى: يحلف، والألية: اليمين. النهاية 1/ 62.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 36 (2621) (137).
(1/443)
274 - باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم
قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10] وقال تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} [النور: 19].
(1/443)
1577 - وعن وائلة بن الأسقع - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
وفي الباب حديث أبي هريرة السابق في باب التجسس: «كل المسلم على المسلم حرام ... » الحديث (2).
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2506)، وقال: «حديث حسن غريب».
(2) انظر الحديث (1570).
(1/443)
275 - باب تحريم الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58]
(1/443)
1578 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت» (1). رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 1/ 265: «فيه أقوال: أصحها: أن معناه هما من أعمال الكفار وأخلاق الجاهلية. وفي الحديث تغليظ تحريم الطعن في النسب والنياحة، والله أعلم».
(2) أخرجه: مسلم 1/ 58 (67) (121).
(1/443)
276 - باب النهي عن الغش والخداع
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58].
(1/444)
1579 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا». رواه مسلم. (1)
وفي رواية له: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟» قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: «أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس! من غشنا فليس منا».
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 69 (101) (164) و1/ 69 (102).
(1/444)
1580 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تناجشوا» متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (235).
(1/444)
1581 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النجش. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 90 (2142)، ومسلم 5/ 5 (1516) (13).
(1/444)
1582 - وعنه، قال: ذكر رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: أنه يخدع في البيوع؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من بايعت، فقل: لا خلابة». متفق عليه. (1)
«الخلابة» بخاء معجمة مكسورة وباء موحدة، وهي: الخديعة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 85 - 86 (2117)، ومسلم 5/ 11 (1533) (48).
(1/444)
1583 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من خبب زوجة امرئ، أو مملوكه، فليس منا». رواه أبو داود. (1)
«خبب» بخاء معجمة، ثم باء موحدة مكررة: أي أفسده وخدعه.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5170) .....
(1/444)
227 - باب تحريم الغدر
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: 1]، وقال تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} [الإسراء: 34].
(1/444)
1584 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (689).
(1/445)
1585 - وعن ابن مسعود، وابن عمر، وأنس - رضي الله عنهم - قالوا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان». متفق عليه. (1)
__________
(1) حديث عبد الله بن مسعود: أخرجه: البخاري 4/ 127 (3186)، ومسلم 5/ 142 (1736) (12).
حديث ابن عمر: أخرجه: البخاري 4/ 127 (3188)، ومسلم 5/ 141 (1735) (11).
حديث أنس: أخرجه: البخاري 4/ 127 (3187)، ومسلم 5/ 142 (1737) (14).
(1/445)
1586 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 142 (1738) (15) (16).
(1/445)
1587 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا، فاستوفى منه، ولم يعطه أجره». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 108 (2227)
(1/445)
278 - باب النهي عن المن بالعطية ونحوها
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة: 264]، وقال تعالى: {الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى} [البقرة: 262]
(1/445)
1588 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم». قال: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرار: قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: «المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب». رواه مسلم. (1) [ص:446]
وفي رواية له: «المسبل إزاره» يعني: المسبل إزاره وثوبه أسفل من الكعبين للخيلاء.
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 71 (106) (171)
(1/445)
279 - باب النهي عن الافتخار والبغي
قال الله تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} [النجم: 32]، وقال تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} [الشورى: 42]
(1/446)
1589 - وعن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد». رواه مسلم. (1)
قال أهل اللغة: البغي: التعدي والاستطالة (2).
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 160 (2865) (64).
(2) انظر: الصحاح 6/ 2281 (بغي).
(1/446)
1590 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم». رواه مسلم. (1)
والرواية المشهورة: «أهلكهم» برفع الكاف وروي بنصبها: وذلك النهي لمن قال ذلك عجبا بنفسه، وتصاغرا للناس، وارتفاعا عليهم، فهذا هو الحرام، وأما من قاله لما يرى في الناس من نقص في أمر دينهم، وقاله تحزنا عليهم، وعلى الدين، فلا بأس به. هكذا فسره العلماء وفصلوه، وممن قاله من الأئمة الأعلام: مالك بن أنس (2)، والخطابي (3)، والحميدي (4) وآخرون (5)، وقد أوضحته في كتاب: «الأذكار» (6).
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 36 (2623) (139).
(2) التمهيد 21/ 242.
(3) معالم السنن 4/ 122.
(4) الجمع بين الصحيحين 3/ 287 (2652).
(5) البيهقي في «الآداب» (356)، والبغوي (3565).
(6): 489.
(1/446)
280 - باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام إلا لبدعة في المهجور، أو تظاهر بفسق أو نحو ذلك
قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 10]، وقال تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2].
(1/447)
1591 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1567).
(1/447)
1592 - وعن أبي أيوب - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 26 (6077)، ومسلم 8/ 8 (2560) (25).
(1/447)
1593 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرءا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 12 (2565) (36).
(1/447)
1594 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم». رواه مسلم. (1)
«التحريش»: الإفساد وتغيير قلوبهم وتقاطعهم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 138 (2812) (65).
(1/447)
1595 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات، دخل النار». رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: أحمد 2/ 392، وأبو داود (4914).
(1/447)
1596 - وعن أبي خراش حدرد بن أبي حدرد الأسلمي. ويقال: السلمي الصحابي [ص:448] رضي الله عنه: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أحمد 4/ 220، وأبو داود (4915).
(1/447)
1597 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث، فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجرة». رواه أبو داود بإسناد حسن. (1) قال أبو داود: «إذا كانت الهجرة لله تعالى فليس من هذا في شيء» (2).
__________
(1) أخرجه: البخاري في «الأدب المفرد» (414)، وأبو داود (4912).
(2) انظر السنن عقب (4916).
(1/448)
281 - باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه إلا لحاجة وهو أن يتحدثا سرا بحيث لا يسمعهما وفي معناه ما إذا تحدثا بلسان لا يفهمه
قال الله تعالى: {إنما النجوى من الشيطان} [المجادلة: 10]
(1/448)
1598 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كانوا ثلاثة، فلا يتناجى (1) اثنان دون الثالث». متفق عليه. (2)
ورواه أبو داود وزاد: قال أبو صالح: قلت لابن عمر: فأربعة؟ قال: لا يضرك (3).
ورواه مالك في "الموطأ" (4): عن عبد الله بن دينار، قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع ابن عمر أحد غيري، فدعا ابن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة، فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا: استأخرا شيئا، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يتناجى اثنان دون واحد».
__________
(1) أي: لا يتسارران منفردين عنه. النهاية 5/ 25.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 80 (6288)، ومسلم 7/ 12 (2183) (36).
(3) سنن أبي داود عقب (4852).
(4) 2826) برواية الليثي.
(1/448)
1599 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 80 (6290)، ومسلم 7/ 12 (2184) (38).
(1/449)
282 - باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي أو زائد على قدر الأدب
قال الله تعالى: {وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} [النساء الآية: 36].
(1/449)
1600 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض». متفق عليه. (1)
«خشاش الأرض» بفتح الخاء المعجمة وبالشين المعجمة المكررة، وهي: هوامها وحشراتها.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 147 (2365)، ومسلم 7/ 43 (2242) (151).
(1/449)
1601 - وعنه: أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا. متفق عليه. (1)
«الغرض» بفتح الغين المعجمة والراء وهو الهدف والشيء الذي يرمى إليه.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 122 (5515)، ومسلم 6/ 73 (1958) (59).
(1/449)
1602 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تصبر البهائم. متفق عليه. (1)
ومعناه: تحبس للقتل.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 121 (5513)، ومسلم 6/ 72 (1956) (58).
(1/449)
1603 - وعن أبي علي سويد بن مقرن - رضي الله عنه - قال: لقد رأيتني سابع سبعة من بني مقرن ما لنا خادم إلا واحدة لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نعتقها. رواه مسلم. (1)
وفي رواية: «سابع إخوة لي».
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 91 (1658) (32) و (33).
(1/449)
1604 - وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: كنت أضرب غلاما لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي: «اعلم أبا مسعود» فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام». فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا.
وفي رواية: فسقط السوط من يدي من هيبته.
وفي رواية: فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله تعالى، فقال: «أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار». رواه مسلم بهذه الروايات. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 91 (1659) (34) و (35).
(1/450)
1605 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ضرب غلاما له حدا لم يأته، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 90 (1657) (30).
(1/450)
1606 - وعن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما: أنه مر بالشام على أناس من الأنباط، وقد أقيموا في الشمس، وصب على رؤوسهم الزيت! فقال: ما هذا؟ قيل: يعذبون في الخراج - وفي رواية: حبسوا في الجزية - فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا». فدخل على الأمير، فحدثه، فأمر بهم فخلوا. رواه مسلم. (1)
«الأنباط» الفلاحون من العجم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 31 (2613) (117) و (118).
(1/450)
1607 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا موسوم الوجه، فأنكر ذلك؟ فقال: «والله لا أسمه إلا أقصى شيء من الوجه» وأمر بحماره فكوي في جاعرتيه، فهو أول من كوى الجاعرتين. رواه مسلم. (1)
«الجاعرتان»: ناحية الوركين حول الدبر.
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 163 (2118) (108).
(1/450)
1608 - وعنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليه حمار قد وسم في وجهه، فقال:
«لعن الله الذي وسمه». رواه مسلم. (1) [ص:451]
وفي رواية لمسلم أيضا: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه (2).
__________
(1) الذي في «صحيح مسلم» 6/ 163 (2117) (107) من حديث جابر وليس من حديث عبد الله بن عباس.
(2) صحيح مسلم 6/ 163 (2116) (106) من حديث جابر بن عبد الله.
(1/450)
283 - باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حتى النملة ونحوها
1609 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث، فقال: «إن وجدتم فلانا وفلانا» لرجلين من قريش سماهما «فأحرقوهما بالنار» ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أردنا الخروج: «إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما». (1) رواه البخاري. (2)
__________
(1) قال الخطابي في معالم السنن 2/ 245: «هذا إنما يكره إذا كان الكافر أسيرا قد ظفر به، وحصل في الكف وقد أباح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تضرم النار على الكفار في الحرب، وقال لأسامة: اغز على أبنا صباحا وحرق. ورخص سفيان الثوري والشافعي في أن يرمى أهل الحصون بالنيران إلا أنه يستحب أن لا يرموا بالنار ما داموا يطاقون إلا أن يخافوا من ناحيتهم الغلبة فيجوز حينئذ أن يقذفوا بالنار».
(2) أخرجه: البخاري 4/ 74 (3016).
(1/451)
1610 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش (1) فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «من فجع هذه بولدها؟، ردوا ولدها إليها». ورأى قرية نمل (2) قد حرقناها، فقال: «من حرق هذه؟» قلنا: نحن قال: «إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار». رواه أبو داود بإسناد صحيح (3).
قوله: «قرية نمل» معناه: موضع النمل مع النمل.
__________
(1) أي: ترفرف بأجنحتها. انظر: معالم السنن 2/ 245.
(2) النمل على ضربين:
أحدهما: مؤذ ضرار فدفع عاديته جائز، والضرب الآخر لا ضرر فيه وهو الطوال الأرجل لا يجوز قتله. قاله الخطابي في معالم السنن 2/ 246.
(3) أخرجه: أبو داود (2675). وأخرجه: البخاري في «الأدب المفرد» (382) مقتصرا على الجزء الأول من الحديث.
(1/451)
284 - باب تحريم مطل الغني بحق طلبه صاحبه
قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58]، وقال تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283].
(1/452)
1611 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع». متفق عليه. (1)
معنى «أتبع»: أحيل (2).
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 123 (2287)، ومسلم 5/ 34 (1564) (33).
(2) قال الخطابي: «أصحاب الحديث يقولون: إذا اتبع بتشديد التاء وهو غلط وصوابه اتبع ساكنة التاء على وزن افعل» معالم السنن 3/ 56 وانظر بلا بد بقية كلامه.
(1/452)
285 - باب كراهة عود الإنسان في هبة لم يسلمها إلى الموهوب له وفي هبة وهبها لولده وسلمها أو لم يسلمها وكراهة شرائه شيئا تصدق به من الذي تصدق عليه أو أخرجه عن زكاة أو كفارة ونحوها ولا بأس بشرائه من شخص آخر قد انتقل إليه
1612 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه». متفق عليه. (1)
وفي رواية: «مثل الذي يرجع في صدقته، كمثل الكلب يقيء، ثم يعود في قيئه فيأكله».
وفي رواية: «العائد في هبته كالعائد في قيئه».
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 215 (2621) و (2622)، ومسلم 5/ 63 (1622) (5) و (8).
(1/452)
1613 - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم؛ فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه». متفق عليه. (1) [ص:453]
قوله: «حملت على فرس في سبيل الله» معناه: تصدقت به على بعض المجاهدين.
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 157 (1490)، ومسلم 5/ 62 (1620) (1) و (2).
(1/452)
286 - باب تأكيد تحريم مال اليتيم
قال الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} [النساء: 10]، وقال تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الأنعام: 152]، وقال تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح} [البقرة: 220].
(1/453)
1614 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا السبع الموبقات!» قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». متفق عليه. (1)
«الموبقات»: المهلكات.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 12 (2766)، ومسلم 1/ 63 (89) (145).
(1/453)
287 - باب تغليظ تحريم الربا
قال الله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات} - إلى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} [البقرة: 275 - 278].
وأما الأحاديث فكثيرة في الصحيح مشهورة، منها حديث أبي هريرة السابق في الباب قبله (1).
__________
(1) انظر الحديث (1614).
(1/453)
1615 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله. رواه مسلم، (1) زاد الترمذي وغيره: وشاهديه وكاتبه.
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 50 (1597) (105)، وأبو داود (3333)، وابن ماجه (2277)، والترمذي (1206).
(1/453)
288 - باب تحريم الرياء
قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} [البينة: 5]، وقال تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس} [البقرة: 264]، وقال تعالى: {يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء: 142].
(1/454)
1616 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 223 (2985) (46).
(1/454)
1617 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به، فعرفه نعمته، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم! وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ؛ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جواد! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار». رواه مسلم. (1)
«جريء» بفتح الجيم وكسر الراء والمد: أي شجاع حاذق.
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 47 (1905) (152).
(1/454)
1618 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن ناسا قالوا له: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم؟ قال ابن عمر - رضي الله عنهما: كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 89 (7178) من دون: «على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم».
(1/454)
1619 - وعن جندب بن عبد الله بن سفيان - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به». متفق عليه. (1) [ص:455]
ورواه مسلم أيضا من رواية ابن عباس رضي الله عنهما.
«سمع» بتشديد الميم، ومعناه: أظهر عمله للناس رياء. «سمع الله به» أي: فضحه يوم القيامة. ومعنى: «من راءى» أي: من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم. «راءى الله به» أي: أظهر سريرته على رؤوس الخلائق.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 130 (6499)، ومسلم 8/ 223 (2987) (48). وأخرجه: مسلم 8/ 223 (2986) (47) من حديث ابن عباس.
(1/454)
1620 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة». يعني: ريحها. رواه أبو داود بإسناد صحيح والأحاديث في الباب كثيرة مشهورة. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1391).
(1/455)
289 - باب ما يتوهم أنه رياء وليس هو رياء
1621 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل الذي يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» (1). رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/ 359: «معناه هذه البشرى المعجلة له بالخير، وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه، ومحبته له ... ».
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 125 (465) و5/ 44 (3805).
(1/418)
1509 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة رهط عينا سرية، وأمر عليها عاصم بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة؛ بين عسفان ومكة؛ ذكروا لحي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مئة رجل رام، فاقتصوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه، لجأوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم، فقالوا: انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم، أما أنا، فلا أنزل على ذمة كافر: اللهم أخبر عنا نبيك - صلى الله عليه وسلم - فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب، وزيد بن الدثنة ورجل آخر. فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم، فربطوهم بها. قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة، يريد القتلى، فجروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم، فقتلوه، وانطلقوا بخبيب، وزيد بن الدثنة، حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر؛ فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خبيبا، وكان خبيب هو قتل الحارث يوم بدر. فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب. فقال: أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك! قالت: والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب، فوالله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا. فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا. وقال:
فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع (1)
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 7/ 479: «الأوصال جمع وصل وهو العضو، والشلو بكسر المعجمة الجسد، وقد يطلق على العضو ولكن المراد به هنا الجسد، والممزع المقطع ومعنى الكلام أعضاء جسد يقطع».
(1/419)
وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة. وأخبر - يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا من عظمائهم، فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر (1) فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا. رواه البخاري. (2)
قوله: «الهدأة»: موضع، «والظلة»: السحاب. «والدبر»: النحل. وقوله: «اقتلهم بددا» بكسر الباء وفتحها، فمن كسر قال هو جمع بدة بكسر الباء وهي النصيب ومعناه: اقتلهم حصصا منقسمة لكل واحد منهم نصيب، ومن فتح قال معناه: متفرقين في القتل واحدا بعد واحد من التبديد.
وفي الباب أحاديث كثيرة صحيحة سبقت في مواضعها من هذا الكتاب، منها حديث الغلام الذي كان يأتي الراهب والساحر، ومنها حديث جريج، وحديث أصحاب الغار الذين أطبقت عليهم الصخرة، وحديث الرجل الذي سمع صوتا في السحاب يقول: اسق حديقة فلان، وغير ذلك (3). والدلائل في الباب كثيرة مشهورة، وبالله التوفيق.
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر 7/ 479: «الظلة السحابة والدبر الزنابير، قال: وفي الحديث أن للأسير أن يمتنع من قبول الأمان ولا يمكن من نفسه ولو قتل، أنفة من أنه يجري عليه حكم كافر، وهذا إذا أراد الأخذ بالشدة، فإن أراد الأخذ بالرخصة له أن يستأمن».
(2) أخرجه: البخاري 5/ 100 (3989).
(3) انظر الأحاديث: (12) و (30) و (259) و (560) و (967).
(1/420)
1510 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ما سمعت عمر - رضي الله عنه - يقول لشيء قط: إني لأظنه كذا، إلا كان كما يظن. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 61 (3866).
(1/420)
(17) - كتاب الأمور المنهي عنها
254 - باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان
قال الله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} [الحجرات: 12]، وقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} [الإسراء: 36]، وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18].
اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء.
(1/421)
1511 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» متفق عليه. (1)
وهذا صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة، فلا يتكلم.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6475)، ومسلم 1/ 49 (47) (74).
(1/421)
1512 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 10 (11)، ومسلم 1/ 48 (42) (66).
(1/421)
1513 - وعن سهل بن سعد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6474)، ولم أجده في مسلم.
(1/422)
1514 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب» متفق عليه. (1)
ومعنى: «يتبين» يفكر أنها خير أم لا.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6477)، ومسلم 8/ 223 (2988) (50).
(1/422)
1515 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 125 (6478).
(1/422)
1516 - وعن أبي عبد الرحمان بلال بن الحارث المزني - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه». رواه مالك في الموطأ، والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح». (1)
__________
(1) أخرجه: مالك في «الموطأ» (2818) برواية الليثي، والترمذي (2319).
(1/422)
1517 - وعن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال: «قل: ربي الله ثم استقم» قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: «هذا». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح». (1)
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (3972)، والترمذي (2410).
(1/422)
1518 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله؛ فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب! وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي». رواه الترمذي. (1)
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2411)، وهو حديث ضعيف.
(1/422)
1519 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من وقاه الله شر ما بين لحييه، وشر ما بين رجليه دخل الجنة». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن». (1)
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2409)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/422)
1520 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟
قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن». (1)
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2406).
(1/423)
1521 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك؛ فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا». رواه الترمذي. (1)
معنى: «تكفر اللسان»: أي تذل وتخضع له.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2407).
(1/423)
1522 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ قال: «لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت» ثم قال: «ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل» ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعملون} [النور: 16] ثم قال: «ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه» قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد» ثم قال: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله!» قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: «كف عليك هذا» قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح»، وقد سبق شرحه في باب قبل هذا (2).
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (3973)، والترمذي (2616).
(2) لم يرد فيما سبق من الكتاب.
(1/423)
1523 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته (1)». رواه مسلم. (2)
__________
(1) البهت: الكذب والإفتراء. فقد بهته، أي كذبت وافتريت عليه. (النهاية: 1/ 433).
(2) أخرجه: مسلم 8/ 21 (2589) (70).
(1/424)
1524 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع: «إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 37 (105)، ومسلم 5/ 108 (1679) (30).
(1/424)
1525 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا. قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته!» قالت: وحكيت له إنسانا فقال: «ما أحب أني حكيت (1) إنسانا وإن لي كذا وكذا». رواه أبو داود والترمذي، (2) وقال: «حديث حسن صحيح».
ومعنى: «مزجته» خالطته مخالطة يتغير بها طعمه أو ريحه لشدة نتنها وقبحها. وهذا الحديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة، قال الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [النجم: 3 - 4].
__________
(1) أي: فعلت مثل فعله. النهاية 1/ 421.
(2) أخرجه: أبو داود (4875)، والترمذي (2502).
(1/424)
1526 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم!». رواه أبو داود. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4878) و (4879).
(1/424)
1527 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 10 (2564) (32).
(1/424)
255 - باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها والإنكار على قائلها
فإن عجز أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه
قال الله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه} [القصص: 55]، وقال تعالى: {والذين هم عن اللغو معرضون} [المؤمنون: 3]، وقال تعالى: {إن السمع والبصر [ص:425] والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} [الإسراء: 36]، وقال تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} [الأنعام: 68].
(1/424)
1528 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1931).
(1/425)
1529 - وعن عتبان بن مالك - رضي الله عنه - في حديثه الطويل المشهور الذي تقدم في باب الرجاء قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فقال: «أين مالك بن الدخشم؟» فقال رجل: ذلك منافق لا يحب الله ولا رسوله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «لا تقل ذلك ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله! وإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله». متفق عليه. (1)
«وعتبان» بكسر العين على المشهور وحكي ضمها وبعدها تاء مثناة من فوق ثم باء موحدة. و «الدخشم» بضم الدال وإسكان الخاء وضم الشين المعجمتين.
__________
(1) انظر الحديث (417).
(1/425)
1530 - وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - في حديثه الطويل في قصة توبته وقد سبق في باب التوبة. قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في القوم بتبوك: «ما فعل كعب بن مالك؟» فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه والنظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل - رضي الله عنه: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. (1)
«عطفاه»: جانباه، وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه.
__________
(1) انظر الحديث (21).
(1/425)
256 - باب ما يباح من الغيبة
اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو ستة أسباب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.
(1/425)
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه ونحو ذلك ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما.
الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك، فالتعيين جائز كما سنذكره في حديث (1) هند إن شاء الله تعالى.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه:
منها جرح المجروحين من الرواة والشهود وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة.
ومنها: إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه. وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة فليتفطن لذلك.
ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها: إما بأن لا يكون صالحا لها، وإما بأن يكون فاسقا، أو مغفلا، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به.
الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس، وأخذ المكس (2)، وجباية الأموال ظلما، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره [ص:427] بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.
السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفا بلقب، كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى، فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه، ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة. فمن ذلك:
__________
(1) انظر الحديث (1535).
(2) المكس: الضريبة التي يأخذها الماكس. النهاية 4/ 349.
(1/426)
1531 - عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلا استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ائذنوا له، بئس أخو العشيرة؟». متفق عليه. (1)
احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 20 (6054)، ومسلم 8/ 21 (2591) (73).
(1/427)
1532 - وعنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا». رواه البخاري. (1)
قال: قال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث: هذان الرجلان كانا من المنافقين.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 23 (6067) و8/ 24 (6068).
(1/427)
1533 - وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، قالت: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أما معاوية، فصعلوك (1) لا مال له، وأما أبو الجهم، فلا يضع العصا عن عاتقه» متفق عليه. (2)
وفي رواية لمسلم: «وأما أبو الجهم فضراب للنساء» وهو تفسير لرواية: «لا يضع العصا عن عاتقه» وقيل: معناه: كثير الأسفار.
__________
(1) الصعلوك: الفقير الذي لا مال له. لسان العرب (صعل).
(2) أخرجه: مسلم 4/ 195 (1480) (36) و4/ 198 (1480) (47).
ولم أقف على تخريج البخاري لهذا الحديث.
(1/427)
1534 - وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ينفضوا، وقال: [ص:428] لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبي، فاجتهد يمينه: ما فعل، فقالوا: كذب زيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى أنزل الله تعالى تصديقي: {إذا جاءك المنافقون} ثم دعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 190 (4903)، ومسلم 8/ 119 (2772) (1).
(1/427)
1535 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قالت هند امرأة أبي سفيان للنبي - صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم؟ قال: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 85 (5364)، ومسلم 5/ 129 (1714) (7).
(1/428)
257 - باب تحريم النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد
قال الله تعالى: {هماز مشاء بنميم} [ن: 11] وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18].
(1/428)
1536 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام (1)».متفق عليه. (2)
__________
(1) لفظ البخاري: «لا يدخل الجنة قتات».
(2) أخرجه: البخاري 8/ 21 (6056)، ومسلم 1/ 70 (105) (167).
(1/428)
1537 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين
فقال: «إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير! بلى إنه كبير: أما أحدهما، فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله». متفق عليه. (1) وهذا لفظ إحدى روايات البخاري.
قال العلماء معنى: «وما يعذبان في كبير» أي: كبير في زعمهما. وقيل: كبير تركه عليهما.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 65 (218)، ومسلم 1/ 165 (292) (111).
(1/428)
1538 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة؛ القالة بين الناس». رواه مسلم. (1) [ص:429]
«العضه»: بفتح العين المهملة، وإسكان الضاد المعجمة، وبالهاء على وزن الوجه، وروي «العضة» بكسر العين وفتح الضاد المعجمة على وزن العدة، وهي: الكذب والبهتان، وعلى الرواية الأولى: العضه مصدر يقال: عضهه عضها، أي: رماه بالعضه.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 28 (2606) (102).
(1/428)
258 - باب النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور إذا لم تدع إليه حاجة كخوف مفسدة ونحوه
قال الله تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2]. وفي الباب الأحاديث السابقة في الباب قبله.
(1/429)
1539 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر». رواه أبو داود والترمذي. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4860)، والترمذي (3896) و (3897)، وهو حديث ضعيف.
(1/429)
259 - باب ذم ذي الوجهين
قال الله تعالى: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا}. [النساء: 108].
(1/429)
1540 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «تجدون الناس معادن: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم كراهية له، وتجدون شر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 216 (3493)، ومسلم 7/ 181 (2526) (199).
(1/429)
1541 - وعن محمد بن زيد: أن ناسا قالوا لجده عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم. قال: كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 89 (7178).
(1/429)
260 - باب تحريم الكذب
قال الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]. وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18].
(1/429)
1542 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (54).
(1/430)
1543 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربع من كن فيه، كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر». متفق عليه. (1)
وقد سبق بيانه مع حديث أبي هريرة بنحوه في «باب الوفاء بالعهد».
__________
(1) انظر الحديث (689).
(1/430)
1544 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من تحلم بحلم لم يره، كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ». رواه البخاري. (1)
«تحلم»: أي قال إنه حلم في نومه ورأى كذا وكذا، وهو كاذب.
و «الآنك» بالمد وضم النون وتخفيف الكاف: وهو الرصاص المذاب.
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 54 (7042).
(1/430)
1545 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «أفرى الفرى (1) أن يري الرجل عينيه ما لم تريا». رواه البخاري. (2)
ومعناه: يقول: رأيت، فيما لم يره.
__________
(1) قال ابن حجر في فتح الباري 12/ 537 (7043): «أفرى الفرى: أي أعظم الكذبات قال ابن بطال: الفرية الكذبة العظيمة التي يتعجب منها».
(2) أخرجه: البخاري 9/ 54 (7043).
(1/430)
1546 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال
(1/430)
لنا ذات غداة: «إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى!» قال: «قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب (1) من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى» قال: «قلت: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور» فأحسب أنه قال: «فإذا فيه لغط، وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا. قلت: ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على نهر» حسبت أنه كان يقول: «أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح، ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه، فيلقمه حجرا، فينطلق فيسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه، فغر له فاه، فألقمه حجرا، قلت لهما: ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة، أو كأكره ما أنت راء رجلا مرأى، فإذا هو عنده نار يحشها ويسعى حولها. قلت لهما: ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قلت: ما هذا؟ وما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا إلى دوحة عظيمة لم أر دوحة قط أعظم منها، ولا أحسن! قالا لي: ارق فيها، فارتقينا فيها إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا، ففتح لنا فدخلناها، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء! وشطر منهم كأقبح ما
__________
(1) الكلوب: بالتشديد، حديدة معوجة الرأس. النهاية 4/ 195.
(1/431)
أنت راء! قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، وإذا هو نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه. ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة» قال: «قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك، فسما بصري صعدا، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء، قالا لي: هذاك منزلك؟ قلت لهما: بارك الله فيكما، فذراني فأدخله. قالا لي: أما الآن فلا، وأنت داخله، قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجبا؟ فما هذا الذي رأيت؟ قالا لي: أما إنا سنخبرك: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه (1)، وينام عن الصلاة المكتوبة. وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر، ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه (2) المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة» وفي رواية البرقاني: «ولد على الفطرة» فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن، وشطر منهم قبيح، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تجاوز الله عنهم». رواه البخاري. (3)
وفي رواية له: «رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة» ثم ذكره وقال: «فانطلقنا إلى نقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع؛ يتوقد تحته نارا، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا خمدت! رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة». وفيها: «حتى أتينا على نهر من دم» ولم يشك «فيه رجل قائم على وسط النهر وعلى شط النهر رجل، وبين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج جعل يرمي
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح: «رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس».
(2) قال الحافظ في الفتح: «إنما كان كريه الرؤية؛ لأن في ذلك زيادة في عذاب أهل النار».
(3) أخرجه: البخاري 2/ 125 - 127 (1386) و9/ 56 - 58 (7047).
(1/432)
في فيه بحجر، فيرجع كما كان». وفيها: «فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشباب». وفيها: «الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة»، وفيها: «الذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، فيفعل به إلى يوم القيامة، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفعت رأسي، فإذا فوقي مثل السحاب، قالا: ذاك منزلك، قلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله، فلو استكملته أتيت منزلك». رواه البخاري.
قوله: «يثلغ رأسه» هو بالثاء المثلثة والغين المعجمة، أي: يشدخه ويشقه. قوله: «يتدهده» أي: يتدحرج. و «الكلوب» بفتح الكاف وضم اللام المشددة، وهو معروف. قوله: «فيشرشر»: أي: يقطع. قوله: «ضوضوا» وهو بضادين معجمتين: أي صاحوا. قوله: «فيفغر» هو بالفاء والغين المعجمة، أي: يفتح. قوله «المرآة» هو بفتح الميم، أي: المنظر. قوله: «يحشها» هو بفتح الياء وضم الحاء المهملة والشين المعجمة، أي: يوقدها. قوله: «روضة معتمة» هو بضم الميم وإسكان العين وفتح التاء وتشديد الميم، أي: وافية النبات طويلته. قوله: «دوحة» وهي بفتح الدال وإسكان الواو وبالحاء المهملة: وهي الشجرة الكبيرة. قوله: «المحض» هو بفتح الميم وإسكان الحاء المهملة وبالضاد المعجمة، وهو: اللبن. قوله «فسما بصري» أي: ارتفع. و «صعدا» بضم الصاد والعين، أي: مرتفعا. و «الربابة» بفتح الراء وبالباء الموحدة مكررة، وهي: السحابة.
(1/433)
261 - باب بيان ما يجوز من الكذب
اعلم أن الكذب، وإن كان أصله محرما، فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب: «الأذكار» (1)، ومختصر ذلك: أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب، جاز الكذب. ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا، كان الكذب واجبا. فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد
__________
(1): 515 - 516.
(1/433)
قتله، أو أخذ ماله وأخفى ماله وسئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه. وكذا لو كان عنده وديعة، وأراد ظالم أخذها، وجب الكذب بإخفائها. والأحوط في هذا كله أن يوري. ومعنى التورية: أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبا في ظاهر اللفظ، وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب، ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب، فليس بحرام في هذا الحال.
واستدل العلماء بجواز الكذب في هذا الحال بحديث أم كلثوم رضي الله عنها، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيرا أو يقول خيرا». متفق عليه. (1)
زاد مسلم في رواية: قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث، تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 240 (2692)، ومسلم 8/ 28 (2605) (101).
(1/434)
262 - باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه
قال الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36] وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18]. (1)
__________
(1) وفيه قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الحجرات: 6].
(1/434)
1547 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم في مقدمة «صحيحه» 1/ 8 (5) (5).
(1/434)
1548 - وعن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم في مقدمة «صحيحه» 1/ 7.
(1/434)
1549 - وعن أسماء رضي الله عنها: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن لي ضرة فهل علي [ص:435] جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور». متفق عليه. (1)
«والمتشبع»: هو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان. ومعناه هنا: أن يظهر أنه حصل له فضيلة وليست حاصلة.
«ولابس ثوبي زور» أي: ذي زور، وهو الذي يزور على الناس، بأن يتزيى بزي أهل الزهد أو العلم أو الثروة، ليغتر به الناس وليس هو بتلك الصفة. وقيل غير ذلك والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 44 (5219)، ومسلم 6/ 169 (2130) (127).
(1/435)
263 - باب بيان غلظ تحريم شهادة الزور
قال الله تعالى: {واجتنبوا قول الزور} [الحج: 30]، وقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]، وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18]، وقال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} [الفجر: 16]، وقال تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} [الفرقان: 72].
(1/435)
1550 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» قلنا: بلى يا رسول الله. قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» وكان متكئا فجلس، فقال: «ألا وقول الزور». فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت (1). متفق عليه. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 1/ 292: «جلوسه - صلى الله عليه وسلم - لاهتمامه بهذا الأمر، وهو يفيد تأكيد تحريمه، وعظم قبحه، وإنما قالوه وتمنوه شفقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكراهة لما يزعجه ويغضبه».
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح 5/ 324: «أي: شفقة عليه وكراهية لما يزعجه، وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه - صلى الله عليه وسلم - والمحبة له والشفقة عليه».
(2) انظر الحديث (336).
(1/435)
264 - باب تحريم لعن إنسان بعينه أو دابة
1551 - عن أبي زيد ثابت بن الضحاك الأنصاري - رضي الله عنه - وهو من أهل بيعة الرضوان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا، فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء، عذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملكه، ولعن المؤمن كقتله». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 19 (6047)، ومسلم 1/ 72 (110) (176).
(1/435)
1552 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 23 (2597) (84).
(1/436)
1553 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يكون اللعانون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة (1)». رواه مسلم (2).
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/ 324: «معناه: لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار. (ولا شهداء) فيه ثلاثة أقوال: أصحها وأشهرها: لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات. والثاني: لا يكونون شهداء في الدنيا، أي: لا تقبل شهادتهم لفسقهم. والثالث: لا يرزقون الشهادة وهي القتل في سبيل الله. قال: وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - لعانا ولعانون بصيغة التكثير؛ لأن هذا الذم في الحديث هو لمن كثر منه اللعن لا لمرة ونحوها؛ ولأنه يخرج منه أيضا اللعن المباح وهو الذي ورد به الشرع وهو لعنة الله على الظالمين، ولعن الله اليهود والنصارى ولعن الله الواصلة والواشمة ... ».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 24 (2598) (85).
(1/436)
1554 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه، ولا بالنار». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4906)، والترمذي (1976).
(1/436)
1555 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان (1)، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي (2)». رواه الترمذي، (3) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أي: وقاعا في أعراض الناس بالذم والغيبة والطعن في النسب. النهاية 3/ 127.
(2) البذاء: الفحش في القول
(3) أخرجه: الترمذي (1977). وقال: «حديث حسن غريب».
(1/436)
1556 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا لعن شيئا، صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلا لذلك، وإلا رجعت إلى قائلها». رواه أبو داود. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4905).
(1/436)
1557 - وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما، قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «خذوا ما عليها ودعوها؛ فإنها ملعونة». قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 23 (2595) (80).
(1/437)
1558 - وعن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي - رضي الله عنه - قال: بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم. إذ بصرت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وتضايق بهم الجبل فقالت: حل، اللهم العنها. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة». رواه مسلم. (1)
قوله: «حل» بفتح الحاء المهملة وإسكان اللام: وهي كلمة لزجر الإبل.
واعلم أن هذا الحديث قد يستشكل معناه، ولا إشكال فيه، بل المراد النهي أن تصاحبهم تلك الناقة، وليس فيه نهي عن بيعها وذبحها وركوبها في غير صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بل كل ذلك وما سواه من التصرفات جائز لا منع منه، إلا من مصاحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بها؛ لأن هذه التصرفات كلها كانت جائزة فمنع بعض منها، فبقي الباقي على ما كان، والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 23 (2596) (80).
(1/437)
265 - باب جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين
قال الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18]، وقال تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} [الأعراف: 44].
وثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة (1)» (2) وأنه قال: «لعن الله آكل الربا» (3) وأنه لعن المصورين (4)، وأنه قال: [ص:438] «لعن الله من غير منار الأرض» (5) أي حدودها، وأنه قال: «لعن الله السارق يسرق البيضة» (6)، وأنه قال: «لعن الله من لعن والديه» و «لعن الله من ذبح لغير الله»، وأنه قال: «من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (7)، وأنه قال: «اللهم العن رعلا، وذكوان، وعصية: عصوا الله ورسوله» (8) وهذه ثلاث قبائل من العرب. وأنه قال: «لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (9) وأنه «لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال» (10).
وجميع هذه الألفاظ في الصحيح؛ بعضها في صحيحي البخاري ومسلم، وبعضها في أحدهما، وإنما قصدت الاختصار بالإشارة إليهما، وسأذكر معظمها في أبوابها من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 290: «الواصلة هي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر، والمستوصلة التي تطلب من يفعل بها ذلك».
(2) انظر الحديث (1642).
(3) أخرجه: أحمد 1/ 393 و402 من حديث عبد الله بن مسعود.
(4) أخرجه: البخاري 3/ 110 - 111 (2238) من حديث أبي جحيفة.
(5) أخرجه: مسلم 6/ 84 (1978) (43) من حديث علي بن أبي طالب.
(6) أخرجه: البخاري 8/ 198 (6783)، ومسلم 5/ 113 (1687) (7) من حديث أبي هريرة.
(7) أجزاء من حديث علي السابق الذي أخرجه مسلم.
(8) أخرجه: مسلم 2/ 134 (675) (294) من حديث أبي هريرة.
(9) أخرجه: البخاري 2/ 111 (1330)، ومسلم 2/ 67 (529) (19) من حديث عائشة.
(10) أخرجه: البخاري 7/ 205 (5885) من حديث ابن عباس.
(1/437)
266 - باب تحريم سب المسلم بغير حق
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58].
(1/438)
1559 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 19 (48)، ومسلم 1/ 57 (64) (116).
(1/438)
1560 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو الكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 18 (6045).
(1/438)
1561 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المتسابان ما قالا فعلى البادي منهما حتى يعتدي المظلوم (1)». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/ 315: «معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جواز الانتصار، ومع هذا فالصبر والعفو أفضل».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 20 (2587) (68).
(1/439)
1562 - وعنه، قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قد شرب قال: «اضربوه» قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله! قال: «لا تقولوا هذا، لا تعينوا عليه الشيطان». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 196 (6777).
(1/439)
1563 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قذف مملوكه بالزنى يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 218 (6858)، ومسلم 5/ 92 (1660) (37).
(1/439)
267 - باب تحريم سب الأموات بغير حق ومصلحة شرعية
وهي التحذير من الاقتداء به في بدعته، وفسقه، ونحو ذلك، وفيه الآية والأحاديث السابقة في الباب قبله.
1564 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 129 (1393).
(1/439)
268 - باب النهي عن الإيذاء
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58].
(1/439)
1565 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 127 (6484)، ومسلم 1/ 47 (40) (64).
(1/439)
1566 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه». رواه مسلم. (1)
وهو بعض حديث طويل سبق في باب طاعة ولاة الأمور.
__________
(1) انظر الحديث (667).
(1/440)
269 - باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر
قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10]، وقال تعالى: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} [المائدة: 54]، وقال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29].
(1/440)
1567 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 23 (6065)، ومسلم 8/ 8 (2559) (23).
(1/440)
1568 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا! أنظروا هذين حتى يصطلحا!». رواه مسلم. (1)
وفي رواية له: «تعرض الأعمال في كل يوم خميس وإثنين» وذكر نحوه.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 11 (2565) (35) و (36).
(1/440)
270 - باب تحريم الحسد
وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها، سواء كانت نعمة دين أو دنيا قال الله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} [النساء: 54] وفيه حديث أنس السابق في الباب قبله (1).
__________
(1) انظر الحديث (1567).
(1/440)
1569 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» أو قال: «العشب». رواه أبو داود. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4903)، وهو حديث ضعيف لجهالة أحد رواته، وقال البخاري: «لا يصح».
(1/440)
271 - باب النهي عن التجسس والتسمع لكلام من يكره استماعه
قال الله تعالى: {ولا تجسسوا} [الحجرات: 12]، وقال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58].
(1/441)
1570 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا (1) ولا تنافسوا (2)، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله (3) ولا يحقره، التقوى هاهنا التقوى هاهنا» ويشير إلى صدره «بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله. إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».
وفي رواية: «لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تناجشوا (4) وكونوا عباد الله إخوانا».
وفي رواية: «لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا» وفي رواية: «ولا تهاجروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض». رواه مسلم بكل هذه الروايات، وروى البخاري أكثرها. (5)
__________
(1) التجسس بالجيم: التفتيش عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر. والجاسوس: صاحب سر الشر.
والناموس: صاحب سر الخير، وقيل: بالجيم أن يطلبه لغيره، وبالحاء أن يطلبه لنفسه ... النهاية 1/ 272.
(2) التنافس من المنافسة وهي الرغبة في الشيء والانفراد به. النهاية 5/ 95.
(3) الخذل: ترك الإغاثة والنصرة. النهاية 2/ 16.
(4) النجش: أن يمدح السلعة لينفقها ويروجها أو يزيد في ثمنها وهو لا يريد شراءها، ليقع غيره فيها. النهاية 5/ 21.
(5) انظر الحديث (235).
(1/441)
1571 - وعن معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم». حديث صحيح، رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4888).
(1/442)
1572 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أنه أتي برجل فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمرا، فقال: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء، نأخذ به.
حديث حسن صحيح، رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم (1).
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4890).
(1/442)
272 - باب النهي عن سوء الظن بالمسلمين من غير ضرورة
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} [الحجرات: 12].
(1/442)
1573 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1570).
(1/442)
273 - باب تحريم احتقار المسلمين
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} [الحجرات: 11] وقال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} [الهمزة: 1].
(1/442)
1574 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم». رواه مسلم، (1) وقد سبق قريبا بطوله.
__________
(1) انظر الحديث (1570).
(1/442)
1575 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر!» فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة، فقال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس». رواه مسلم. (1) [ص:443]
ومعنى «بطر الحق» دفعه، «وغمطهم»: احتقارهم، وقد سبق بيانه أوضح من هذا في باب الكبر.
__________
(1) انظر الحديث (611).
(1/442)
1576 - وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله - عز وجل: من ذا الذي يتألى (1) علي أن لا أغفر لفلان! فإني قد غفرت له، واحبطت عملك». رواه مسلم. (2)
__________
(1) يتألى: يحلف، والألية: اليمين. النهاية 1/ 62.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 36 (2621) (137).
(1/443)
274 - باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم
قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10] وقال تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} [النور: 19].
(1/443)
1577 - وعن وائلة بن الأسقع - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
وفي الباب حديث أبي هريرة السابق في باب التجسس: «كل المسلم على المسلم حرام ... » الحديث (2).
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2506)، وقال: «حديث حسن غريب».
(2) انظر الحديث (1570).
(1/443)
275 - باب تحريم الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58]
(1/443)
1578 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت» (1). رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 1/ 265: «فيه أقوال: أصحها: أن معناه هما من أعمال الكفار وأخلاق الجاهلية. وفي الحديث تغليظ تحريم الطعن في النسب والنياحة، والله أعلم».
(2) أخرجه: مسلم 1/ 58 (67) (121).
(1/443)
276 - باب النهي عن الغش والخداع
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58].
(1/444)
1579 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا». رواه مسلم. (1)
وفي رواية له: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟» قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: «أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس! من غشنا فليس منا».
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 69 (101) (164) و1/ 69 (102).
(1/444)
1580 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تناجشوا» متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (235).
(1/444)
1581 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النجش. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 90 (2142)، ومسلم 5/ 5 (1516) (13).
(1/444)
1582 - وعنه، قال: ذكر رجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: أنه يخدع في البيوع؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من بايعت، فقل: لا خلابة». متفق عليه. (1)
«الخلابة» بخاء معجمة مكسورة وباء موحدة، وهي: الخديعة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 85 - 86 (2117)، ومسلم 5/ 11 (1533) (48).
(1/444)
1583 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من خبب زوجة امرئ، أو مملوكه، فليس منا». رواه أبو داود. (1)
«خبب» بخاء معجمة، ثم باء موحدة مكررة: أي أفسده وخدعه.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5170) .....
(1/444)
227 - باب تحريم الغدر
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: 1]، وقال تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} [الإسراء: 34].
(1/444)
1584 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (689).
(1/445)
1585 - وعن ابن مسعود، وابن عمر، وأنس - رضي الله عنهم - قالوا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان». متفق عليه. (1)
__________
(1) حديث عبد الله بن مسعود: أخرجه: البخاري 4/ 127 (3186)، ومسلم 5/ 142 (1736) (12).
حديث ابن عمر: أخرجه: البخاري 4/ 127 (3188)، ومسلم 5/ 141 (1735) (11).
حديث أنس: أخرجه: البخاري 4/ 127 (3187)، ومسلم 5/ 142 (1737) (14).
(1/445)
1586 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 142 (1738) (15) (16).
(1/445)
1587 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا، فاستوفى منه، ولم يعطه أجره». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 108 (2227)
(1/445)
278 - باب النهي عن المن بالعطية ونحوها
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة: 264]، وقال تعالى: {الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى} [البقرة: 262]
(1/445)
1588 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم». قال: فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرار: قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: «المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب». رواه مسلم. (1) [ص:446]
وفي رواية له: «المسبل إزاره» يعني: المسبل إزاره وثوبه أسفل من الكعبين للخيلاء.
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 71 (106) (171)
(1/445)
279 - باب النهي عن الافتخار والبغي
قال الله تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} [النجم: 32]، وقال تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} [الشورى: 42]
(1/446)
1589 - وعن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد». رواه مسلم. (1)
قال أهل اللغة: البغي: التعدي والاستطالة (2).
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 160 (2865) (64).
(2) انظر: الصحاح 6/ 2281 (بغي).
(1/446)
1590 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم». رواه مسلم. (1)
والرواية المشهورة: «أهلكهم» برفع الكاف وروي بنصبها: وذلك النهي لمن قال ذلك عجبا بنفسه، وتصاغرا للناس، وارتفاعا عليهم، فهذا هو الحرام، وأما من قاله لما يرى في الناس من نقص في أمر دينهم، وقاله تحزنا عليهم، وعلى الدين، فلا بأس به. هكذا فسره العلماء وفصلوه، وممن قاله من الأئمة الأعلام: مالك بن أنس (2)، والخطابي (3)، والحميدي (4) وآخرون (5)، وقد أوضحته في كتاب: «الأذكار» (6).
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 36 (2623) (139).
(2) التمهيد 21/ 242.
(3) معالم السنن 4/ 122.
(4) الجمع بين الصحيحين 3/ 287 (2652).
(5) البيهقي في «الآداب» (356)، والبغوي (3565).
(6): 489.
(1/446)
280 - باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام إلا لبدعة في المهجور، أو تظاهر بفسق أو نحو ذلك
قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 10]، وقال تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2].
(1/447)
1591 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1567).
(1/447)
1592 - وعن أبي أيوب - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان، فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 26 (6077)، ومسلم 8/ 8 (2560) (25).
(1/447)
1593 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرءا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 12 (2565) (36).
(1/447)
1594 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم». رواه مسلم. (1)
«التحريش»: الإفساد وتغيير قلوبهم وتقاطعهم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 138 (2812) (65).
(1/447)
1595 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات، دخل النار». رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: أحمد 2/ 392، وأبو داود (4914).
(1/447)
1596 - وعن أبي خراش حدرد بن أبي حدرد الأسلمي. ويقال: السلمي الصحابي [ص:448] رضي الله عنه: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أحمد 4/ 220، وأبو داود (4915).
(1/447)
1597 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث، فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجرة». رواه أبو داود بإسناد حسن. (1) قال أبو داود: «إذا كانت الهجرة لله تعالى فليس من هذا في شيء» (2).
__________
(1) أخرجه: البخاري في «الأدب المفرد» (414)، وأبو داود (4912).
(2) انظر السنن عقب (4916).
(1/448)
281 - باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه إلا لحاجة وهو أن يتحدثا سرا بحيث لا يسمعهما وفي معناه ما إذا تحدثا بلسان لا يفهمه
قال الله تعالى: {إنما النجوى من الشيطان} [المجادلة: 10]
(1/448)
1598 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كانوا ثلاثة، فلا يتناجى (1) اثنان دون الثالث». متفق عليه. (2)
ورواه أبو داود وزاد: قال أبو صالح: قلت لابن عمر: فأربعة؟ قال: لا يضرك (3).
ورواه مالك في "الموطأ" (4): عن عبد الله بن دينار، قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع ابن عمر أحد غيري، فدعا ابن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة، فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا: استأخرا شيئا، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يتناجى اثنان دون واحد».
__________
(1) أي: لا يتسارران منفردين عنه. النهاية 5/ 25.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 80 (6288)، ومسلم 7/ 12 (2183) (36).
(3) سنن أبي داود عقب (4852).
(4) 2826) برواية الليثي.
(1/448)
1599 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 80 (6290)، ومسلم 7/ 12 (2184) (38).
(1/449)
282 - باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي أو زائد على قدر الأدب
قال الله تعالى: {وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا} [النساء الآية: 36].
(1/449)
1600 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
«عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض». متفق عليه. (1)
«خشاش الأرض» بفتح الخاء المعجمة وبالشين المعجمة المكررة، وهي: هوامها وحشراتها.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 147 (2365)، ومسلم 7/ 43 (2242) (151).
(1/449)
1601 - وعنه: أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا. متفق عليه. (1)
«الغرض» بفتح الغين المعجمة والراء وهو الهدف والشيء الذي يرمى إليه.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 122 (5515)، ومسلم 6/ 73 (1958) (59).
(1/449)
1602 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تصبر البهائم. متفق عليه. (1)
ومعناه: تحبس للقتل.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 121 (5513)، ومسلم 6/ 72 (1956) (58).
(1/449)
1603 - وعن أبي علي سويد بن مقرن - رضي الله عنه - قال: لقد رأيتني سابع سبعة من بني مقرن ما لنا خادم إلا واحدة لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نعتقها. رواه مسلم. (1)
وفي رواية: «سابع إخوة لي».
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 91 (1658) (32) و (33).
(1/449)
1604 - وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال: كنت أضرب غلاما لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي: «اعلم أبا مسعود» فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام». فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا.
وفي رواية: فسقط السوط من يدي من هيبته.
وفي رواية: فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله تعالى، فقال: «أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار». رواه مسلم بهذه الروايات. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 91 (1659) (34) و (35).
(1/450)
1605 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ضرب غلاما له حدا لم يأته، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 90 (1657) (30).
(1/450)
1606 - وعن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما: أنه مر بالشام على أناس من الأنباط، وقد أقيموا في الشمس، وصب على رؤوسهم الزيت! فقال: ما هذا؟ قيل: يعذبون في الخراج - وفي رواية: حبسوا في الجزية - فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا». فدخل على الأمير، فحدثه، فأمر بهم فخلوا. رواه مسلم. (1)
«الأنباط» الفلاحون من العجم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 31 (2613) (117) و (118).
(1/450)
1607 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارا موسوم الوجه، فأنكر ذلك؟ فقال: «والله لا أسمه إلا أقصى شيء من الوجه» وأمر بحماره فكوي في جاعرتيه، فهو أول من كوى الجاعرتين. رواه مسلم. (1)
«الجاعرتان»: ناحية الوركين حول الدبر.
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 163 (2118) (108).
(1/450)
1608 - وعنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليه حمار قد وسم في وجهه، فقال:
«لعن الله الذي وسمه». رواه مسلم. (1) [ص:451]
وفي رواية لمسلم أيضا: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه (2).
__________
(1) الذي في «صحيح مسلم» 6/ 163 (2117) (107) من حديث جابر وليس من حديث عبد الله بن عباس.
(2) صحيح مسلم 6/ 163 (2116) (106) من حديث جابر بن عبد الله.
(1/450)
283 - باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حتى النملة ونحوها
1609 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث، فقال: «إن وجدتم فلانا وفلانا» لرجلين من قريش سماهما «فأحرقوهما بالنار» ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أردنا الخروج: «إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما». (1) رواه البخاري. (2)
__________
(1) قال الخطابي في معالم السنن 2/ 245: «هذا إنما يكره إذا كان الكافر أسيرا قد ظفر به، وحصل في الكف وقد أباح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تضرم النار على الكفار في الحرب، وقال لأسامة: اغز على أبنا صباحا وحرق. ورخص سفيان الثوري والشافعي في أن يرمى أهل الحصون بالنيران إلا أنه يستحب أن لا يرموا بالنار ما داموا يطاقون إلا أن يخافوا من ناحيتهم الغلبة فيجوز حينئذ أن يقذفوا بالنار».
(2) أخرجه: البخاري 4/ 74 (3016).
(1/451)
1610 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش (1) فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «من فجع هذه بولدها؟، ردوا ولدها إليها». ورأى قرية نمل (2) قد حرقناها، فقال: «من حرق هذه؟» قلنا: نحن قال: «إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار». رواه أبو داود بإسناد صحيح (3).
قوله: «قرية نمل» معناه: موضع النمل مع النمل.
__________
(1) أي: ترفرف بأجنحتها. انظر: معالم السنن 2/ 245.
(2) النمل على ضربين:
أحدهما: مؤذ ضرار فدفع عاديته جائز، والضرب الآخر لا ضرر فيه وهو الطوال الأرجل لا يجوز قتله. قاله الخطابي في معالم السنن 2/ 246.
(3) أخرجه: أبو داود (2675). وأخرجه: البخاري في «الأدب المفرد» (382) مقتصرا على الجزء الأول من الحديث.
(1/451)
284 - باب تحريم مطل الغني بحق طلبه صاحبه
قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58]، وقال تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283].
(1/452)
1611 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع». متفق عليه. (1)
معنى «أتبع»: أحيل (2).
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 123 (2287)، ومسلم 5/ 34 (1564) (33).
(2) قال الخطابي: «أصحاب الحديث يقولون: إذا اتبع بتشديد التاء وهو غلط وصوابه اتبع ساكنة التاء على وزن افعل» معالم السنن 3/ 56 وانظر بلا بد بقية كلامه.
(1/452)
285 - باب كراهة عود الإنسان في هبة لم يسلمها إلى الموهوب له وفي هبة وهبها لولده وسلمها أو لم يسلمها وكراهة شرائه شيئا تصدق به من الذي تصدق عليه أو أخرجه عن زكاة أو كفارة ونحوها ولا بأس بشرائه من شخص آخر قد انتقل إليه
1612 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه». متفق عليه. (1)
وفي رواية: «مثل الذي يرجع في صدقته، كمثل الكلب يقيء، ثم يعود في قيئه فيأكله».
وفي رواية: «العائد في هبته كالعائد في قيئه».
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 215 (2621) و (2622)، ومسلم 5/ 63 (1622) (5) و (8).
(1/452)
1613 - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم؛ فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه». متفق عليه. (1) [ص:453]
قوله: «حملت على فرس في سبيل الله» معناه: تصدقت به على بعض المجاهدين.
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 157 (1490)، ومسلم 5/ 62 (1620) (1) و (2).
(1/452)
286 - باب تأكيد تحريم مال اليتيم
قال الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} [النساء: 10]، وقال تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الأنعام: 152]، وقال تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح} [البقرة: 220].
(1/453)
1614 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا السبع الموبقات!» قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». متفق عليه. (1)
«الموبقات»: المهلكات.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 12 (2766)، ومسلم 1/ 63 (89) (145).
(1/453)
287 - باب تغليظ تحريم الربا
قال الله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يمحق الله الربا ويربي الصدقات} - إلى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} [البقرة: 275 - 278].
وأما الأحاديث فكثيرة في الصحيح مشهورة، منها حديث أبي هريرة السابق في الباب قبله (1).
__________
(1) انظر الحديث (1614).
(1/453)
1615 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله. رواه مسلم، (1) زاد الترمذي وغيره: وشاهديه وكاتبه.
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 50 (1597) (105)، وأبو داود (3333)، وابن ماجه (2277)، والترمذي (1206).
(1/453)
288 - باب تحريم الرياء
قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} [البينة: 5]، وقال تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس} [البقرة: 264]، وقال تعالى: {يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء: 142].
(1/454)
1616 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 223 (2985) (46).
(1/454)
1617 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به، فعرفه نعمته، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم! وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ؛ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جواد! فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار». رواه مسلم. (1)
«جريء» بفتح الجيم وكسر الراء والمد: أي شجاع حاذق.
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 47 (1905) (152).
(1/454)
1618 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن ناسا قالوا له: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم؟ قال ابن عمر - رضي الله عنهما: كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 89 (7178) من دون: «على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم».
(1/454)
1619 - وعن جندب بن عبد الله بن سفيان - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به». متفق عليه. (1) [ص:455]
ورواه مسلم أيضا من رواية ابن عباس رضي الله عنهما.
«سمع» بتشديد الميم، ومعناه: أظهر عمله للناس رياء. «سمع الله به» أي: فضحه يوم القيامة. ومعنى: «من راءى» أي: من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم. «راءى الله به» أي: أظهر سريرته على رؤوس الخلائق.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 130 (6499)، ومسلم 8/ 223 (2987) (48). وأخرجه: مسلم 8/ 223 (2986) (47) من حديث ابن عباس.
(1/454)
1620 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة». يعني: ريحها. رواه أبو داود بإسناد صحيح والأحاديث في الباب كثيرة مشهورة. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1391).
(1/455)
289 - باب ما يتوهم أنه رياء وليس هو رياء
1621 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل الذي يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن» (1). رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/ 359: «معناه هذه البشرى المعجلة له بالخير، وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه، ومحبته له ... ».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 44 (2642) (166).
(1/455)
290 - باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية
قال الله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} [النور: 30]، وقال تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} [الإسراء: 36]، وقال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} [غافر: 19]، وقال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} [الفجر: 14].
(1/455)
1622 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه». متفق عليه. (1) هذا لفظ مسلم، ورواية البخاري مختصرة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 67 (6243)، ومسلم 8/ 52 (2657) (21).
(1/455)
1623 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والجلوس في الطرقات!» قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه» قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر» (1) متفق عليه. (2)
__________
(1) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 7/ 287: «هذا الحديث كثير الفوائد، وهو من الأحاديث الجامعة، وأحكامه ظاهرة، وينبغي أن يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث، ويدخل في كف الأذى اجتناب الغيبة، وظن السوء، واحتقار بعض المارين، وتضييق الطريق، وكذا إذا كان القاعدون ممن يهابهم المارون، أو يخافون منهم، ويمتنعون من المرور في أشغالهم بسبب ذلك لكونهم لا يجدون طريقا إلا ذلك الموضع».
(2) انظر الحديث (190).
(1/456)
1624 - وعن أبي طلحة زيد بن سهل - رضي الله عنه - قال: كنا قعودا بالأفنية (1) نتحدث فيها فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام علينا، فقال: «ما لكم ولمجالس الصعدات؟ اجتنبوا مجالس الصعدات». فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر، ونتحدث. قال: «إما لا فأدوا حقها: غض البصر، ورد السلام، وحسن الكلام». رواه مسلم. (2)
«الصعدات» بضم الصاد والعين: أي الطرقات.
__________
(1) الأفنية: جمع فناء، وهو المتسع أمام الدار. النهاية 3/ 477.
(2) أخرجه: مسلم 7/ 2 (2161) (2).
(1/456)
1625 - وعن جرير - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة فقال: «اصرف بصرك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 181 - 182 (2159) (45).
(1/456)
1626 - وعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «احتجبا منه» فقلنا: [ص:457] يا رسول الله، أليس هو أعمى! لا يبصرنا، ولا يعرفنا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه!؟». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4112)، والترمذي (2778)، والحديث ضعيف لجهالة نبهان مولى أم سلمة، وقال الإمام أحمد: «نبهان روى حديثين عجيبين - يعني هذا الحديث وحديث: «إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه» المغني لابن قدامة 6/ 563.
(1/456)
1627 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد (1)، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال المصنف في شرحه لصحيح مسلم 2/ 226 - 227: «فهو نهي تحريم إذا لم يكن بينهما حائل، وفيه دليل على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان. وهذا متفق عليه، وهذا مما تعم به البلوى، ويتساهل فيه كثير من الناس باجتماع الناس في الحمام، فيجب على الحاضر فيه أن يصون بصره ويده وغيرها عن عورة غيره، وأن يصون عورته عن بصر غيره ويد غيره من قيم وغيره».
(2) أخرجه: مسلم 1/ 183 (338) (74)، وجاء في رواية أخرى: «ولا ينظر إلى عرية الرجل وعرية المرأة» بدل «عورة الرجل وعورة المرأة».
(1/457)
291 - باب تحريم الخلوة بالأجنبية
قال الله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} [الأحزاب: 53].
(1/457)
1628 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والدخول على النساء!» فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت!». متفق عليه. (1)
«الحمو»: قريب الزوج كأخيه، وابن أخيه، وابن عمه.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 48 (5232)، ومسلم 7/ 7 (2172) (20).
(1/457)
1629 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 72 (3006)، ومسلم 4/ 104 (1341) (424).
(1/457)
1630 - وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، ما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله، فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضى» ثم التفت إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما ظنكم؟». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 42 (1897) (139) و6/ 43 (1897) (140).
(1/457)
292 - باب تحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال في لباس وحركة وغير ذلك
1631 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء.
وفي رواية: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 205 (5885) و (5886).
(1/458)
1632 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل. رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4098)، والنسائي في «الكبرى» (9253).
(1/458)
1633 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا». (1). رواه مسلم. (2)
معنى «كاسيات» أي: من نعمة الله «عاريات» من شكرها. وقيل معناه: تستر بعض بدنها، وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ونحوه. وقيل: تلبس ثوبا رقيقا يصف لون [ص:459] بدنها. ومعنى «مائلات»، قيل: عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه «مميلات» أي: يعلمن غيرهن فعلهن المذموم. وقيل: مائلات يمشين متبخترات، مميلات لأكتافهن، وقيل: مائلات يمتشطن المشطة الميلاء: وهي مشطة البغايا، و «مميلات» يمشطن غيرهن تلك المشطة.
«رؤوسهن كأسنمة البخت» أي: يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها.
__________
(1) قال المصنف في شرحه لصحيح مسلم 7/ 293: «هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع هذان الصنفان، وهما موجودان».
رحم الله المصنف قال هذا في زمنه فماذا يقول لو رأى مجتمعاتنا، لا حول ولا قوة إلا بالله.
وللشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعليق في هذا الموضع على مسألة خافية على الناس قد أبانها في شرحه وآثرت نقلها لما فيها من فائدة، فقال: «وهنا مسألة تشكل على بعض النساء وعلى بعض الناس أيضا بفعل الإنسان ما فيه التشبه ويقول: أنا ما نويت، أنا لم أنو التشبه، فيقال: إن التشبه صورة غالبة متى وجدت حذر التشبه سواء بنية أو بغير نية. فمتى ظهر أن هذا تشبه ويشبه الكافرات ويشبه الفاجرات والعاريات، أو يشبه الرجال من المرأة أو المرأة من الرجل متى ظهر التشبه فهو حرام سواء كان بقصد أو بغير قصد؛ لكن إذا كان بقصد فهو أشد وإن كان بغير قصد قلنا: يجب عليك أن تغيير ما تشبهت به حتى تبتعد عن التشبه» شرح رياض الصالحين 4/ 251 - 252.
(2) أخرجه: مسلم 6/ 168 (2128) (125).
(1/458)
293 - باب النهي عن التشبه بالشيطان والكفار
1634 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تأكلوا بالشمال، فإن الشيطان يأكل ويشرب بالشمال». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 108 (2019) (104).
(1/459)
1635 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يأكلن أحدكم (1) بشماله، ولا يشربن بها، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها». رواه مسلم. (2)
__________
(1) في صحيح مسلم: «أحد منكم».
(2) أخرجه: مسلم 6/ 109 (2020) (106).
(1/459)
1636 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم». متفق عليه. (1)
المراد: خضاب شعر اللحية والرأس الأبيض بصفرة أو حمرة؛ وأما السواد، فمنهي عنه كما سنذكره في الباب بعده، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 207 (3462)، ومسلم 6/ 155 (2103) (80).
(1/459)
294 - باب نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بسواد
1637 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: أتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة (1) بياضا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «غيروا هذا واجتنبوا السواد». رواه مسلم. (2)
__________
(1) الثغامة: نوع من النبات أبيض الزهر والثمر يشبه به الشيب، وقيل هي شجرة تبيض كأنها الثلج، وقال العلامة ابن عثيمين: «تسمى العوسج». انظر النهاية 1/ 214، وشرح رياض الصالحين 4/ 254.
(2) أخرجه: مسلم 6/ 155 (2102) (79).
(1/459)
295 - باب النهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض (1)، وإباحة حلقه كله للرجل دون المرأة
1638 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القزع. متفق عليه. (2)
__________
(1) سواء كان الحلق من جانب واحدا ومن كل الجوانب، أو من فوق ومن يمين ومن شمال، ومن وراء ومن أمام، المهم أنه إذا حلق بعض الرأس وترك بعضه فهذا قزع، وقد نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم. شرح رياض الصالحين 4/ 255.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 210 (5920)، ومسلم 6/ 164 (2120) (113).
(1/460)
1639 - وعنه، قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صبيا قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال: «احلقوه كله، أو اتركوه كله». رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4195)، والنسائي 8/ 130.
(1/460)
1640 - وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهل آل جعفر ثلاثا، ثم أتاهم، فقال: «لا تبكوا على أخي بعد اليوم» ثم قال: «ادعوا لي بني أخي» فجيء بنا كأننا أفرخ فقال: «ادعوا لي الحلاق» فأمره، فحلق رؤوسنا. رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4192).
(1/460)
1641 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تحلق المرأة رأسها. رواه النسائي. (1)
__________
(1) أخرجه: النسائي 8/ 130، والترمذي (914)، وهو حديث ضعيف.
(1/460)
296 - باب تحريم وصل الشعر والوشم (1) والوشر وهو تحديد الأسنان
قال تعالى: {إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} [النساء: 117 - 119].
__________
(1) الوشم: أن يغرز الجلد بإبرة، ثم يحشى بكحل أو نيل، فيزرق أثره أو يخضر. النهاية 5/ 189.
(1/460)
1642 - وعن أسماء رضي الله عنها: أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن ابنتي أصابتها الحصبة (1)، فتمرق شعرها، وإني زوجتها، أفأصل فيه؟ فقال: «لعن الله الواصلة والموصولة». متفق عليه. (2)
وفي رواية: «الواصلة، والمستوصلة».
قولها: «فتمرق» هو بالراء ومعناه: انتثر وسقط. «والواصلة»: التي تصل شعرها، أو شعر غيرها بشعر آخر. «والموصولة»: التي يوصل شعرها.
«والمستوصلة»: التي تسأل من يفعل لها ذلك.
وعن عائشة رضي الله عنها نحوه. متفق عليه.
__________
(1) الحصبة: بفتح الحاء وإسكان الصاد المهملتين، ويقال أيضا: بفتح الصاد وكسرها ثلاث لغات حكاهن جماعة، والإسكان أشهر، وهي بثر تخرج في الجلد يقول: من حصب جلده بكسر الصاد يحصب. شرح صحيح مسلم 7/ 290.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 212 - 213 (5935) و (5941)، ومسلم 6/ 165 (2122) (115).
وأخرجه: البخاري 7/ 212 (5934)، ومسلم 6/ 166 (2123) (117) و (118) عن عائشة.
(1/461)
1643 - وعن حميد بن عبد الرحمان: أنه سمع معاوية - رضي الله عنه - عام حج على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي فقال: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟! سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذه، ويقول: «إنما هلكت بنوإسرائيل حين اتخذها نساؤهم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 212 (5932)، ومسلم 9/ 167 (2127) (122).
(1/461)
1644 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 213 (5937)، ومسلم 6/ 166 (2124) (199).
(1/461)
1645 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، فقالت له امرأة في ذلك [ص:462] فقال: وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله؟ قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [سورة الحشر: 7]. متفق عليه. (1)
«المتفلجة» هي: التي تبرد من أسنانها ليتباعد بعضها عن بعض قليلا، وتحسنها وهو الوشر. «والنامصة»: التي تأخذ من شعر حاجب غيرها، وترققه ليصير حسنا. «والمتنمصة»: التي تأمر من يفعل بها ذلك.
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 184 (4886)، ومسلم 6/ 166 (2125) (120).
(1/461)
297 - باب النهي عن نتف الشيب من اللحية والرأس وغيرهما، وعن نتف الأمرد شعر لحيته عند أول طلوعه
1646 - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تنتفوا الشيب؛ فإنه نور المسلم يوم القيامة» حديث حسن، رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي بأسانيد حسنة، قال الترمذي: «هو حديث حسن» (1).
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4202)، والترمذي (2821)، والنسائي 8/ 136 وفي «الكبرى»، له (9285).
(1/462)
1647 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (169).
(1/462)
298 - باب كراهة الاستنجاء (1) باليمين ومس الفرج باليمين من غير عذر
1648 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا بال أحدكم، فلا يأخذن ذكره بيمينه، ولا يستنج بيمينه، ولا يتنفس في الإناء». متفق عليه. (2)
وفي الباب أحاديث كثيرة صحيحة.
__________
(1) الاستنجاء: هو تطهير القبل أو الدبر، وإزالة النجاسة عنهما ويكون بالماء والحجارة أو ما ينوب عنها. انظر: النهاية 5/ 26، وشرح رياض الصالحين 4/ 256.
(2) أخرجه: البخاري 1/ 50 (154)، ومسلم 1/ 155 (267) (63) و (64) و (65).
(1/462)
299 - باب كراهة المشي في نعل واحدة أو خف واحد لغير عذر وكراهة لبس النعل والخف قائما لغير عذر
1649 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يمش أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعا، أو ليخلعهما جميعا».
وفي رواية: «أو ليحفهما جميعا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 199 (5856)، ومسلم 6/ 153 (2097) (68).
(1/462)
1650 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا انقطع شسع (1) نعل أحدكم، فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها». رواه مسلم. (2)
__________
(1) الشسع: أحد سيور النعل، وهو الذي يدخل بين الأصبعين، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام. والزمام السير الذي يعقد فيه الشسع.
وإنما نهي عن المشي في نعل واحدة لئلا تكون إحدى الرجلين أرفع من الأخرى، ويكون سببا للعثار، ويقبح في المنظر، ويعاب فاعله. النهاية 2/ 472.
(2) أخرجه: مسلم 6/ 153 (2098) (69).
(1/463)
1651 - وعن جابر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينتعل الرجل قائما. رواه أبو داود بإسناد حسن. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4135).
(1/463)
300 - باب النهي عن ترك النار في البيت عند النوم ونحوه سواء كانت في سراج أو غيره
1652 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تتركوا
النار في بيوتكم حين تنامون». (1) متفق عليه. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 163: «هذا عام تدخل فيه نار السراج وغيرها، وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء، وإن أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بها لانتفاء العلة ... ».
(2) أخرجه: البخاري 8/ 80 (6293)، ومسلم 6/ 107 (2015) (100).
(1/463)
1653 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فلما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشأنهم، قال: «إن هذه النار عدو لكم، فإذا نمتم، فأطفئوها» متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (161).
(1/463)
1654 - وعن جابر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «غطوا الإناء، وأوكئوا السقاء، وأغلقوا الأبواب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح [ص:464] بابا، ولا يكشف إناء. فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا، ويذكر اسم الله، فليفعل، فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم». رواه مسلم. (1)
«الفويسقة»: الفأرة، «وتضرم»: تحرق.
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 105 (2012) (96).
(1/463)
301 - باب النهي عن التكلف، وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه بمشقة
قال الله تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} [ص: 86].
(1/464)
1655 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: نهينا عن التكلف. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 118 (7293) من حديث عمر بن الخطاب، وانظر: الجمع بين الصحيحين 1/ 132 (61)، وتحفة الأشراف 7/ 188 (10413).
(1/464)
1656 - وعن مسروق، قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فقال: يا أيها الناس، من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم، فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم. قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}. [ص: 86]. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 156 (4809).
(1/464)
302 - باب تحريم النياحة على الميت ولطم الخد وشق الجيب ونتف الشعر وحلقه والدعاء بالويل والثبور
1657 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «الميت يعذب في قبره بما نيح عليه».
وفي رواية: «ما نيح عليه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 102 (1292)، ومسلم 3/ 41 (927) (17).
(1/464)
1658 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 102 (1294)، ومسلم 1/ 69 (103) (166).
(1/464)
1659 - وعن أبي بردة، قال: وجع أبو موسى، فغشي عليه، ورأسه في حجر امرأة [ص:465] من أهله، فأقبلت تصيح برنة (1) فلم يستطع أن يرد عليها شيئا، فلما أفاق قال: أنا بريء ممن برىء منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريء من الصالقة، والحالقة، والشاقة. متفق عليه. (2)
«الصالقة»: التي ترفع صوتها بالنياحة والندب. «والحالقة»: التي تحلق رأسها عند المصيبة. «والشاقة»: التي تشق ثوبها.
__________
(1) الصوت. النهاية 2/ 271.
(2) أخرجه: البخاري 2/ 103 (1296)، ومسلم 1/ 70 (104) (167).
(1/464)
1660 - وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من نيح عليه، فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 102 (1291)، ومسلم 3/ 45 (933) (28).
(1/465)
1661 - وعن أم عطية نسيبة - بضم النون وفتحها - رضي الله عنها، قالت: أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند البيعة أن لا ننوح. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 106 (1306)، ومسلم 3/ 46 (936) (31).
(1/465)
1662 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: أغمي على عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - فجعلت أخته تبكي، وتقول: واجبلاه، واكذا، واكذا: تعدد عليه. فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذلك؟!. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 183 (4267).
(1/465)
1663 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: اشتكى سعد بن عبادة - رضي الله عنه - شكوى، فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمان بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم. فلما دخل عليه، وجده في غشية (1) فقال: «أقضى؟» قالوا: لا يا رسول الله، فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى القوم بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بكوا، قال: «ألا تسمعون؟ إن الله [ص:466] لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال ابن حجر: «(في غاشية أهله) أي: الذين يغشونه للخدمة وغيرها، وسقط لفظ
«أهله» من أكثر الروايات وعليه شرح الخطابي، فيجوز أن يكون المراد بالغاشية الغشية من الكرب ويؤيده ما وقع من رواية مسلم في غشيته، وقال التوربشتي: الغاشية هي الداهية من شر أو مرض أو من مكروه، والمراد ما يتغشاه من كرب من الوجع الذي هو فيه لا الموت لأنه أفاق من تلك المرضة وعاش بعدها زمانا». فتح الباري 3/ 224.
(2) انظر الحديث (925).
(1/465)
1664 - وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال (1) من قطران، ودرع (2) من جرب». رواه مسلم. (3)
__________
(1) السربال: القميص أو الثوب. النهاية 2/ 357.
(2) الدرع: هو ما كان لاصقا بالبدن. شرح رياض الصالحين 4/ 266.
(3) أخرجه: مسلم 3/ 45 (934) (29).
(1/466)
1665 - وعن أسيد بن أبي أسيد التابعي، عن امرأة من المبايعات، قالت: كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه: أن لا نخمش وجها، ولا ندعو ويلا، ولا نشق جيبا، وأن لا ننشر شعرا. رواه أبو داود بإسناد حسن. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (3131).
(1/466)
1666 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه (1)، واسيداه، أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه: أهكذا كنت؟». رواه الترمذي، (2) وقال: «حديث حسن».
«اللهز»: الدفع بجمع اليد في الصدر.
__________
(1) أي: أن هذا الميت كان مثل الجبل، ملجأ لي وقد فقدته، فهو عبارة ندب مع مدح. شرح رياض الصالحين 2/ 267.
(2) أخرجه: ابن ماجه (1594)، والترمذي (1003). وقال: «حديث حسن غريب».
(1/466)
1667 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت». (1) رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال الشيخ ابن عثيمين: «إن البكاء الذي يأتي بمجرد الطبيعة لا بأس به، وأما النوح والندب ولطم الخد، وشق الثوب، ونتف الشعر، أو حلقه أو نفشه فكل هذا حرام وهو مما برئ منه النبي - صلى الله عليه وسلم - والله الموفق». شرح رياض الصالحين 4/ 267.
(2) انظر الحديث (1578).
(1/466)
303 - باب النهي عن إتيان الكهان والمنجمين والعراف وأصحاب الرمل والطوارق بالحصى وبالشعير ونحو ذلك
1668 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناس عن الكهان، فقال: «ليسوا بشيء» فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء، فيكون حقا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه، فيخلطون معها مائة كذبة». متفق عليه. (1)
وفي رواية للبخاري عن عائشة رضي الله عنها: أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الملائكة تنزل في العنان - وهو السحاب - فتذكر الأمر قضي في السماء، فيسترق الشيطان السمع، فيسمعه، فيوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم».
قوله: «فيقرها» هو بفتح الياء وضم القاف والراء، أي: يلقيها،
«والعنان» بفتح العين.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 135 (3210)، ومسلم 7/ 36 (2228) (123).
(1/467)
1669 - وعن صفية بنت أبي عبيد، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أتى عرافا (1) فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوما». رواه مسلم. (2)
__________
(1) أراد بالعراف: المنجم أو الحازي الذي يدعي علم الغيب وقد استأثر الله تعالى به. (النهاية 3/ 442)
(2) أخرجه: البخاري 7/ 37 (2230) (125).
(1/467)
1670 - وعن قبيصة بن المخارق - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «العيافة، والطيرة، والطرق، من الجبت». رواه أبو داود بإسناد حسن. (1)
وقال: «الطرق» هو الزجر: أي زجر الطير وهو أن يتيمن أو يتشاءم بطيرانه، فإن طار إلى جهة اليمين، تيمن، وإن طار إلى جهة اليسار، تشاءم. قال أبو داود: «والعيافة»: الخط.
قال الجوهري في الصحاح (2): الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك.
__________
(1) أخرجه: أحمد 3/ 477، وأبو داود (3907)، وهو حديث ضعيف.
(2) الصحاح 1/ 245 (جبت).
(1/467)
1671 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من اقتبس علما من النجوم (1)، اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (2)
__________
(1) قال الخطابي في «معالم السنن» 4/ 212: «علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان كإخبارهم بأوقات هبوب الرياح ومجيء المطر وظهور الحر والبرد وتغير الأسعار وما كان في معانيها من الأمور يزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها ... ، ثم قال: فأما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والحس الذي يعرف به الزوال ويعلم به جهة القبلة فإنه غير داخل فيما نهي عنه».
(2) أخرجه: أبو داود (3905).
وأخرجه: أحمد 1/ 227 و311، وعبد بن حميد (714)، وابن ماجه (3726).
(1/468)
1672 - وعن معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بالجاهلية، وقد جاء الله تعالى بالإسلام، وإن منا رجالا يأتون الكهان؟ قال: «فلا تأتهم» قلت: ومنا رجال يتطيرون؟ قال: «ذلك شيء يجدونه في صدورهم، فلا يصدهم» قلت: ومنا رجال يخطون؟ قال: «كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه، فذاك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 35 (537) (121).
(1/468)
1673 - وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب (1)، ومهر البغي (2)، وحلوان الكاهن (3). متفق عليه. (4)
__________
(1) قال الشيخ ابن عثيمين: «أما الكلب فمعروف واقتناؤه حرام، لا يجوز للإنسان أن يقتني الكلب، ويجعله عنده في بيته، سواء بيت الطين أو المسلح أو الشعر إلا في ثلاث حالات:
1 - كلب الحرث، يعني الزرع 2 - وكلب الماشية يعني: إنسان عنده غنم أو إبل أو بقر يتخذ الكلب ليحرسها. 3 - كلب الصيد يصيد عليه الإنسان؛ لأن الكلب إذا تعلم وصاد شيئا فإنه حلال ... لكن إذا انتهى منه، أي: انتهت حاجة الكلب عنده، يعطيه أحدا يحتاج له، ولا يحل له أن يبيعه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب». شرح رياض الصالحين 4/ 271 - 272.
(2) يعني: أجرة الزانية، والعياذ بالله.
(3) هو ما يعطاه من الأجر والرشوة على كهانته. النهاية 1/ 435.
(4) أخرجه: البخاري 3/ 110 (2237)، ومسلم 5/ 35 (1567) (39).
(1/468)
304 - باب النهي عن التطير
فيه الأحاديث السابقة في الباب قبله (1).
__________
(1) انظر الحديثين (1670) و (1672).
(1/468)
1674 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل» قالوا: وما الفأل؟ قال: «كلمة طيبة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 180 (5776)، ومسلم 7/ 33 (2224) (112).
(1/469)
1675 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة. وإن كان الشؤم في شيء ففي الدار، والمرأة، والفرس (1)». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال ابن عثيمين: «المعنى أن هذه الثلاثة هي أكثر ما يكون مرافقة للإنسان المرأة زوجه، والدار بيته، والفرس مركوبه، وهذه الأشياء الثلاثة أحيانا يكون فيها شؤم، أحيانا تدخل المرأة على الإنسان يتزوجها ولا يجد إلا النكد والتعب منها، والدار يكون فيها شؤم يضيق صدره ولا يتسع ويمل منها، والفرس الآن ليس مركوبنا ولكن مركوبنا السيارات بعض السيارات يكون فيها شؤم تكثر حوادثها وخرابها ويسأم الإنسان منها ... » شرح رياض الصالحين 4/ 274.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 174 (5753)، ومسلم 7/ 34 (2225) (116).
(1/469)
1676 - وعن بريدة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتطير. رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أحمد 5/ 347، وأبو داود (3920).
(1/469)
1677 - وعن عروة بن عامر - رضي الله عنه - قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أحسنها الفأل. ولا ترد مسلما فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل: [ص:454] اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك» حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (3919)، والبيهقي 8/ 139، وفي إسناده مقال.
(1/469)
305 - باب تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو درهم أو مخدة أو دينار أو وسادة وغير ذلك وتحريم اتخاذ الصور في حائط وسقف وستر وعمامة وثوب ونحوها
والأمر بإتلاف الصورة (1)
1678 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال ابن عثيمين رحمه الله: «أما التصوير بالآلة الفوتغرافية: فليس بتصوير أصلا حتى نقول إنه جائز، ونحن يجب علينا أن نتأمل أولا بدلالة النص، ثم في الحكم الذي يقتضيه النص وإذا تأملنا وجدنا أن هذا ليس بتصوير، ولا يدخل في النهي، ولا في اللعن؛ ولكن يبقى مباحا ثم ينظر في الغرض الذي من أجله يصور إن كان غرضا مباحا فالتصوير مباح، وإن كان غرضا محرما فهو محرم، والله الموفق». شرح رياض الصالحين 4/ 278.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 215 (5951)، ومسلم 6/ 160 (2108) (97).
(1/469)
1679 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلون وجهه، وقال: «يا عائشة، أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله!» قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين. متفق عليه. (1)
«القرام» بكسر القاف هو: الستر. «والسهوة» بفتح السين المهملة، وهي: الصفة تكون بين يدي البيت، وقيل: هي الطاق النافذ في الحائط.
__________
(1) انظر الحديث (649).
(1/470)
1680 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس فيعذبه في جهنم». قال ابن عباس: فإن كنت لا بد فاعلا، فاصنع الشجر وما لا روح فيه. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 108 (2225)، ومسلم 6/ 161 (2110) (99).
(1/470)
1681 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من صور صورة في الدنيا، كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 54 (7042)، ومسلم 6/ 162 (2110) (100).
(1/470)
1682 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 215 (5950)، ومسلم 6/ 161 (2109) (98).
(1/470)
1683 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 215 (5953)، ومسلم 6/ 162 (2111) (101).
(1/470)
1684 - وعن أبي طلحة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 138 (3225)، ومسلم 6/ 156 (2106) (83).
(1/471)
1685 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل أن يأتيه، فراث عليه حتى اشتد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج فلقيه جبريل فشكا إليه، فقال: إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة. رواه البخاري. (1)
«راث»: أبطأ، وهو بالثاء المثلثة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 216 (2960).
(1/471)
1686 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: واعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل عليه السلام، في ساعة أن يأتيه، فجاءت تلك الساعة ولم يأته! قالت: وكان بيده عصا، فطرحها من يده وهو يقول: «ما يخلف الله وعده ولا رسله» ثم التفت، فإذا جرو كلب تحت سريره. فقال: «متى دخل هذا الكلب؟» فقلت: والله ما دريت به، فأمر به فأخرج، فجاءه جبريل - عليه السلام - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «وعدتني، فجلست لك ولم تأتني» فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 155 (2104) (81).
(1/471)
1687 - وعن أبي الهياج حيان بن حصين، قال: قال لي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا (1) مشرفا إلا سويته. رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال ابن عثيمين: «القبر المشرف يعني المتميز عن القبور، سواء كان بارتفاعه أو ارتفاع النصائب التي عليه، يعني الأحجار التي عليه. ولهذا يجب الحذر مما يفعله بعض الناس الآن يصبون صبة، وربما كتبوا عليها آيات من القرآن أو ما أشبه ذلك. هذه لا يجوز إقرارها؛ لأنها من القبور المشرفة ومن رآها جزاه الله خيرا فليحفر لها وينزلها ويجعل الكتابة في الأسفل حتى تندفن بالتراب؛ لأن القبور المشرفة هذه ربما يغالى بها في المستقبل، بل تكون القبور كلها على وتيرة واحدة ليس فيها شئ يدل على التعظيم ... ». شرح رياض الصالحين 4/ 281.
(2) أخرجه: مسلم 3/ 61 (969) (93).
(1/471)
306 - باب تحريم اتخاذ الكلب إلا لصيد أو ماشية أو زرع
1688 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان». متفق عليه. (1)
وفي رواية: «قيراط».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 112 (5481)، ومسلم 5/ 37 (1574) (51) و (53).
(1/472)
1689 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أمسك كلبا، فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو ماشية». متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم: «من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد، ولا ماشية ولا أرض، فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم».
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 135 (2322)، ومسلم 5/ 38 (1575) (57) و (59).
(1/472)
307 - باب كراهية تعليق الجرس في البعير وغيره من الدواب وكراهية استصحاب الكلب والجرس في السفر
1690 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 162 (2113) (103).
(1/472)
1691 - وعنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الجرس مزامير الشيطان». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 163 (2114) (104)، وأبو داود (2556).
(1/472)
308 - باب كراهة ركوب الجلالة، وهي البعير أو الناقة التي تأكل العذرة، فإن أكلت علفا طاهرا فطاب لحمها، زالت الكراهة
1692 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن
الجلالة في الإبل أن يركب عليها. رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2558).
(1/472)
309 - باب النهي عن البصاق في المسجد والأمر بإزالته منه إذا وجد فيه، والأمر بتنزيه المسجد عن الأقذار
1693 - عن أنس - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها». متفق عليه. (1) [ص:473]
والمراد بدفنها إذا كان المسجد ترابا أو رملا ونحوه، فيواريها تحت ترابه.
قال أبو المحاسن الروياني (2) من أصحابنا في كتابه «البحر» وقيل: المراد بدفنها إخراجها من المسجد، أما إذا كان المسجد مبلطا أو مجصصا، فدلكها عليه بمداسه أو بغيره كما يفعله كثير من الجهال، فليس ذلك بدفن، بل زيادة في الخطيئة وتكثير للقذر في المسجد، وعلى من فعل ذلك أن يمسحه بعد ذلك بثوبه أو بيده أو غيره أو يغسله.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 113 (415)، ومسلم 2/ 77 (552) (55).
(2) هو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الطبري الشافعي الروياني، كان من رؤوس الأئمة الأفاضل، ولد سنة 415 هـوتوفي شهيدا سنة 502 هـ، له الكثير من المصنفات منها «البحر في المذهب» وهو من أطول كتب الشافعية وكتاب «مناصيص الشافعي»، وكتاب «حلية المؤمن»، وكان رحمه الله يقول: «لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي».
انظر: الأنساب 2/ 334، وسير أعلام النبلاء 19/ 260 - 262.
(1/472)
1694 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في جدار القبلة مخاطا، أو بزاقا، أو نخامة، فحكه. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 112 (407)، ومسلم 2/ 76 (549).
(1/473)
1695 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى، وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 163 (285) (100).
(1/473)
310 - باب كراهة الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه ونشد الضالة والبيع والشراء والإجارة ونحوها من المعاملات
1696 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من سمع رجلا ينشد ضالة (1) في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا». رواه مسلم. (2)
__________
(1) يقال: نشدت الضالة إذا طلبتها، وأنشدتها إذا عرفتها، والضالة هي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره. انظر: شرح صحيح مسلم للمصنف 3/ 47 - 48.
(2) أخرجه: مسلم 2/ 82 (568) (79).
(1/473)
1697 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، [ص:474] فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1321)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/473)
(1/455)
290 - باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية
قال الله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} [النور: 30]، وقال تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} [الإسراء: 36]، وقال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} [غافر: 19]، وقال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} [الفجر: 14].
(1/455)
1622 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه». متفق عليه. (1) هذا لفظ مسلم، ورواية البخاري مختصرة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 67 (6243)، ومسلم 8/ 52 (2657) (21).
(1/455)
1623 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والجلوس في الطرقات!» قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه» قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر» (1) متفق عليه. (2)
__________
(1) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 7/ 287: «هذا الحديث كثير الفوائد، وهو من الأحاديث الجامعة، وأحكامه ظاهرة، وينبغي أن يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث، ويدخل في كف الأذى اجتناب الغيبة، وظن السوء، واحتقار بعض المارين، وتضييق الطريق، وكذا إذا كان القاعدون ممن يهابهم المارون، أو يخافون منهم، ويمتنعون من المرور في أشغالهم بسبب ذلك لكونهم لا يجدون طريقا إلا ذلك الموضع».
(2) انظر الحديث (190).
(1/456)
1624 - وعن أبي طلحة زيد بن سهل - رضي الله عنه - قال: كنا قعودا بالأفنية (1) نتحدث فيها فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام علينا، فقال: «ما لكم ولمجالس الصعدات؟ اجتنبوا مجالس الصعدات». فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر، ونتحدث. قال: «إما لا فأدوا حقها: غض البصر، ورد السلام، وحسن الكلام». رواه مسلم. (2)
«الصعدات» بضم الصاد والعين: أي الطرقات.
__________
(1) الأفنية: جمع فناء، وهو المتسع أمام الدار. النهاية 3/ 477.
(2) أخرجه: مسلم 7/ 2 (2161) (2).
(1/456)
1625 - وعن جرير - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة فقال: «اصرف بصرك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 181 - 182 (2159) (45).
(1/456)
1626 - وعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «احتجبا منه» فقلنا: [ص:457] يا رسول الله، أليس هو أعمى! لا يبصرنا، ولا يعرفنا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه!؟». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4112)، والترمذي (2778)، والحديث ضعيف لجهالة نبهان مولى أم سلمة، وقال الإمام أحمد: «نبهان روى حديثين عجيبين - يعني هذا الحديث وحديث: «إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه» المغني لابن قدامة 6/ 563.
(1/456)
1627 - وعن أبي سعيد - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد (1)، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال المصنف في شرحه لصحيح مسلم 2/ 226 - 227: «فهو نهي تحريم إذا لم يكن بينهما حائل، وفيه دليل على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان. وهذا متفق عليه، وهذا مما تعم به البلوى، ويتساهل فيه كثير من الناس باجتماع الناس في الحمام، فيجب على الحاضر فيه أن يصون بصره ويده وغيرها عن عورة غيره، وأن يصون عورته عن بصر غيره ويد غيره من قيم وغيره».
(2) أخرجه: مسلم 1/ 183 (338) (74)، وجاء في رواية أخرى: «ولا ينظر إلى عرية الرجل وعرية المرأة» بدل «عورة الرجل وعورة المرأة».
(1/457)
291 - باب تحريم الخلوة بالأجنبية
قال الله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} [الأحزاب: 53].
(1/457)
1628 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والدخول على النساء!» فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت!». متفق عليه. (1)
«الحمو»: قريب الزوج كأخيه، وابن أخيه، وابن عمه.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 48 (5232)، ومسلم 7/ 7 (2172) (20).
(1/457)
1629 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 72 (3006)، ومسلم 4/ 104 (1341) (424).
(1/457)
1630 - وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، ما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله، فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضى» ثم التفت إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما ظنكم؟». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 42 (1897) (139) و6/ 43 (1897) (140).
(1/457)
292 - باب تحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال في لباس وحركة وغير ذلك
1631 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء.
وفي رواية: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 205 (5885) و (5886).
(1/458)
1632 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل. رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4098)، والنسائي في «الكبرى» (9253).
(1/458)
1633 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا». (1). رواه مسلم. (2)
معنى «كاسيات» أي: من نعمة الله «عاريات» من شكرها. وقيل معناه: تستر بعض بدنها، وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ونحوه. وقيل: تلبس ثوبا رقيقا يصف لون [ص:459] بدنها. ومعنى «مائلات»، قيل: عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه «مميلات» أي: يعلمن غيرهن فعلهن المذموم. وقيل: مائلات يمشين متبخترات، مميلات لأكتافهن، وقيل: مائلات يمتشطن المشطة الميلاء: وهي مشطة البغايا، و «مميلات» يمشطن غيرهن تلك المشطة.
«رؤوسهن كأسنمة البخت» أي: يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها.
__________
(1) قال المصنف في شرحه لصحيح مسلم 7/ 293: «هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وقع هذان الصنفان، وهما موجودان».
رحم الله المصنف قال هذا في زمنه فماذا يقول لو رأى مجتمعاتنا، لا حول ولا قوة إلا بالله.
وللشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعليق في هذا الموضع على مسألة خافية على الناس قد أبانها في شرحه وآثرت نقلها لما فيها من فائدة، فقال: «وهنا مسألة تشكل على بعض النساء وعلى بعض الناس أيضا بفعل الإنسان ما فيه التشبه ويقول: أنا ما نويت، أنا لم أنو التشبه، فيقال: إن التشبه صورة غالبة متى وجدت حذر التشبه سواء بنية أو بغير نية. فمتى ظهر أن هذا تشبه ويشبه الكافرات ويشبه الفاجرات والعاريات، أو يشبه الرجال من المرأة أو المرأة من الرجل متى ظهر التشبه فهو حرام سواء كان بقصد أو بغير قصد؛ لكن إذا كان بقصد فهو أشد وإن كان بغير قصد قلنا: يجب عليك أن تغيير ما تشبهت به حتى تبتعد عن التشبه» شرح رياض الصالحين 4/ 251 - 252.
(2) أخرجه: مسلم 6/ 168 (2128) (125).
(1/458)
293 - باب النهي عن التشبه بالشيطان والكفار
1634 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تأكلوا بالشمال، فإن الشيطان يأكل ويشرب بالشمال». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 108 (2019) (104).
(1/459)
1635 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يأكلن أحدكم (1) بشماله، ولا يشربن بها، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها». رواه مسلم. (2)
__________
(1) في صحيح مسلم: «أحد منكم».
(2) أخرجه: مسلم 6/ 109 (2020) (106).
(1/459)
1636 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم». متفق عليه. (1)
المراد: خضاب شعر اللحية والرأس الأبيض بصفرة أو حمرة؛ وأما السواد، فمنهي عنه كما سنذكره في الباب بعده، إن شاء الله تعالى.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 207 (3462)، ومسلم 6/ 155 (2103) (80).
(1/459)
294 - باب نهي الرجل والمرأة عن خضاب شعرهما بسواد
1637 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: أتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة (1) بياضا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «غيروا هذا واجتنبوا السواد». رواه مسلم. (2)
__________
(1) الثغامة: نوع من النبات أبيض الزهر والثمر يشبه به الشيب، وقيل هي شجرة تبيض كأنها الثلج، وقال العلامة ابن عثيمين: «تسمى العوسج». انظر النهاية 1/ 214، وشرح رياض الصالحين 4/ 254.
(2) أخرجه: مسلم 6/ 155 (2102) (79).
(1/459)
295 - باب النهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض (1)، وإباحة حلقه كله للرجل دون المرأة
1638 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القزع. متفق عليه. (2)
__________
(1) سواء كان الحلق من جانب واحدا ومن كل الجوانب، أو من فوق ومن يمين ومن شمال، ومن وراء ومن أمام، المهم أنه إذا حلق بعض الرأس وترك بعضه فهذا قزع، وقد نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم. شرح رياض الصالحين 4/ 255.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 210 (5920)، ومسلم 6/ 164 (2120) (113).
(1/460)
1639 - وعنه، قال: رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صبيا قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه، فنهاهم عن ذلك، وقال: «احلقوه كله، أو اتركوه كله». رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4195)، والنسائي 8/ 130.
(1/460)
1640 - وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهل آل جعفر ثلاثا، ثم أتاهم، فقال: «لا تبكوا على أخي بعد اليوم» ثم قال: «ادعوا لي بني أخي» فجيء بنا كأننا أفرخ فقال: «ادعوا لي الحلاق» فأمره، فحلق رؤوسنا. رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4192).
(1/460)
1641 - وعن علي - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تحلق المرأة رأسها. رواه النسائي. (1)
__________
(1) أخرجه: النسائي 8/ 130، والترمذي (914)، وهو حديث ضعيف.
(1/460)
296 - باب تحريم وصل الشعر والوشم (1) والوشر وهو تحديد الأسنان
قال تعالى: {إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} [النساء: 117 - 119].
__________
(1) الوشم: أن يغرز الجلد بإبرة، ثم يحشى بكحل أو نيل، فيزرق أثره أو يخضر. النهاية 5/ 189.
(1/460)
1642 - وعن أسماء رضي الله عنها: أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن ابنتي أصابتها الحصبة (1)، فتمرق شعرها، وإني زوجتها، أفأصل فيه؟ فقال: «لعن الله الواصلة والموصولة». متفق عليه. (2)
وفي رواية: «الواصلة، والمستوصلة».
قولها: «فتمرق» هو بالراء ومعناه: انتثر وسقط. «والواصلة»: التي تصل شعرها، أو شعر غيرها بشعر آخر. «والموصولة»: التي يوصل شعرها.
«والمستوصلة»: التي تسأل من يفعل لها ذلك.
وعن عائشة رضي الله عنها نحوه. متفق عليه.
__________
(1) الحصبة: بفتح الحاء وإسكان الصاد المهملتين، ويقال أيضا: بفتح الصاد وكسرها ثلاث لغات حكاهن جماعة، والإسكان أشهر، وهي بثر تخرج في الجلد يقول: من حصب جلده بكسر الصاد يحصب. شرح صحيح مسلم 7/ 290.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 212 - 213 (5935) و (5941)، ومسلم 6/ 165 (2122) (115).
وأخرجه: البخاري 7/ 212 (5934)، ومسلم 6/ 166 (2123) (117) و (118) عن عائشة.
(1/461)
1643 - وعن حميد بن عبد الرحمان: أنه سمع معاوية - رضي الله عنه - عام حج على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي فقال: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟! سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذه، ويقول: «إنما هلكت بنوإسرائيل حين اتخذها نساؤهم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 212 (5932)، ومسلم 9/ 167 (2127) (122).
(1/461)
1644 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 213 (5937)، ومسلم 6/ 166 (2124) (199).
(1/461)
1645 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله، فقالت له امرأة في ذلك [ص:462] فقال: وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله؟ قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [سورة الحشر: 7]. متفق عليه. (1)
«المتفلجة» هي: التي تبرد من أسنانها ليتباعد بعضها عن بعض قليلا، وتحسنها وهو الوشر. «والنامصة»: التي تأخذ من شعر حاجب غيرها، وترققه ليصير حسنا. «والمتنمصة»: التي تأمر من يفعل بها ذلك.
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 184 (4886)، ومسلم 6/ 166 (2125) (120).
(1/461)
297 - باب النهي عن نتف الشيب من اللحية والرأس وغيرهما، وعن نتف الأمرد شعر لحيته عند أول طلوعه
1646 - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تنتفوا الشيب؛ فإنه نور المسلم يوم القيامة» حديث حسن، رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي بأسانيد حسنة، قال الترمذي: «هو حديث حسن» (1).
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4202)، والترمذي (2821)، والنسائي 8/ 136 وفي «الكبرى»، له (9285).
(1/462)
1647 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (169).
(1/462)
298 - باب كراهة الاستنجاء (1) باليمين ومس الفرج باليمين من غير عذر
1648 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا بال أحدكم، فلا يأخذن ذكره بيمينه، ولا يستنج بيمينه، ولا يتنفس في الإناء». متفق عليه. (2)
وفي الباب أحاديث كثيرة صحيحة.
__________
(1) الاستنجاء: هو تطهير القبل أو الدبر، وإزالة النجاسة عنهما ويكون بالماء والحجارة أو ما ينوب عنها. انظر: النهاية 5/ 26، وشرح رياض الصالحين 4/ 256.
(2) أخرجه: البخاري 1/ 50 (154)، ومسلم 1/ 155 (267) (63) و (64) و (65).
(1/462)
299 - باب كراهة المشي في نعل واحدة أو خف واحد لغير عذر وكراهة لبس النعل والخف قائما لغير عذر
1649 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يمش أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعا، أو ليخلعهما جميعا».
وفي رواية: «أو ليحفهما جميعا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 199 (5856)، ومسلم 6/ 153 (2097) (68).
(1/462)
1650 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا انقطع شسع (1) نعل أحدكم، فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها». رواه مسلم. (2)
__________
(1) الشسع: أحد سيور النعل، وهو الذي يدخل بين الأصبعين، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام. والزمام السير الذي يعقد فيه الشسع.
وإنما نهي عن المشي في نعل واحدة لئلا تكون إحدى الرجلين أرفع من الأخرى، ويكون سببا للعثار، ويقبح في المنظر، ويعاب فاعله. النهاية 2/ 472.
(2) أخرجه: مسلم 6/ 153 (2098) (69).
(1/463)
1651 - وعن جابر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن ينتعل الرجل قائما. رواه أبو داود بإسناد حسن. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4135).
(1/463)
300 - باب النهي عن ترك النار في البيت عند النوم ونحوه سواء كانت في سراج أو غيره
1652 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تتركوا
النار في بيوتكم حين تنامون». (1) متفق عليه. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 163: «هذا عام تدخل فيه نار السراج وغيرها، وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء، وإن أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بها لانتفاء العلة ... ».
(2) أخرجه: البخاري 8/ 80 (6293)، ومسلم 6/ 107 (2015) (100).
(1/463)
1653 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فلما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشأنهم، قال: «إن هذه النار عدو لكم، فإذا نمتم، فأطفئوها» متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (161).
(1/463)
1654 - وعن جابر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «غطوا الإناء، وأوكئوا السقاء، وأغلقوا الأبواب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح [ص:464] بابا، ولا يكشف إناء. فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا، ويذكر اسم الله، فليفعل، فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم». رواه مسلم. (1)
«الفويسقة»: الفأرة، «وتضرم»: تحرق.
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 105 (2012) (96).
(1/463)
301 - باب النهي عن التكلف، وهو فعل وقول ما لا مصلحة فيه بمشقة
قال الله تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} [ص: 86].
(1/464)
1655 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: نهينا عن التكلف. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 118 (7293) من حديث عمر بن الخطاب، وانظر: الجمع بين الصحيحين 1/ 132 (61)، وتحفة الأشراف 7/ 188 (10413).
(1/464)
1656 - وعن مسروق، قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فقال: يا أيها الناس، من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم، فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم. قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}. [ص: 86]. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 156 (4809).
(1/464)
302 - باب تحريم النياحة على الميت ولطم الخد وشق الجيب ونتف الشعر وحلقه والدعاء بالويل والثبور
1657 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «الميت يعذب في قبره بما نيح عليه».
وفي رواية: «ما نيح عليه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 102 (1292)، ومسلم 3/ 41 (927) (17).
(1/464)
1658 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 102 (1294)، ومسلم 1/ 69 (103) (166).
(1/464)
1659 - وعن أبي بردة، قال: وجع أبو موسى، فغشي عليه، ورأسه في حجر امرأة [ص:465] من أهله، فأقبلت تصيح برنة (1) فلم يستطع أن يرد عليها شيئا، فلما أفاق قال: أنا بريء ممن برىء منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريء من الصالقة، والحالقة، والشاقة. متفق عليه. (2)
«الصالقة»: التي ترفع صوتها بالنياحة والندب. «والحالقة»: التي تحلق رأسها عند المصيبة. «والشاقة»: التي تشق ثوبها.
__________
(1) الصوت. النهاية 2/ 271.
(2) أخرجه: البخاري 2/ 103 (1296)، ومسلم 1/ 70 (104) (167).
(1/464)
1660 - وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من نيح عليه، فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 102 (1291)، ومسلم 3/ 45 (933) (28).
(1/465)
1661 - وعن أم عطية نسيبة - بضم النون وفتحها - رضي الله عنها، قالت: أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند البيعة أن لا ننوح. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 106 (1306)، ومسلم 3/ 46 (936) (31).
(1/465)
1662 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: أغمي على عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - فجعلت أخته تبكي، وتقول: واجبلاه، واكذا، واكذا: تعدد عليه. فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذلك؟!. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 183 (4267).
(1/465)
1663 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: اشتكى سعد بن عبادة - رضي الله عنه - شكوى، فأتاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمان بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم. فلما دخل عليه، وجده في غشية (1) فقال: «أقضى؟» قالوا: لا يا رسول الله، فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى القوم بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بكوا، قال: «ألا تسمعون؟ إن الله [ص:466] لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال ابن حجر: «(في غاشية أهله) أي: الذين يغشونه للخدمة وغيرها، وسقط لفظ
«أهله» من أكثر الروايات وعليه شرح الخطابي، فيجوز أن يكون المراد بالغاشية الغشية من الكرب ويؤيده ما وقع من رواية مسلم في غشيته، وقال التوربشتي: الغاشية هي الداهية من شر أو مرض أو من مكروه، والمراد ما يتغشاه من كرب من الوجع الذي هو فيه لا الموت لأنه أفاق من تلك المرضة وعاش بعدها زمانا». فتح الباري 3/ 224.
(2) انظر الحديث (925).
(1/465)
1664 - وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال (1) من قطران، ودرع (2) من جرب». رواه مسلم. (3)
__________
(1) السربال: القميص أو الثوب. النهاية 2/ 357.
(2) الدرع: هو ما كان لاصقا بالبدن. شرح رياض الصالحين 4/ 266.
(3) أخرجه: مسلم 3/ 45 (934) (29).
(1/466)
1665 - وعن أسيد بن أبي أسيد التابعي، عن امرأة من المبايعات، قالت: كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه: أن لا نخمش وجها، ولا ندعو ويلا، ولا نشق جيبا، وأن لا ننشر شعرا. رواه أبو داود بإسناد حسن. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (3131).
(1/466)
1666 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه (1)، واسيداه، أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه: أهكذا كنت؟». رواه الترمذي، (2) وقال: «حديث حسن».
«اللهز»: الدفع بجمع اليد في الصدر.
__________
(1) أي: أن هذا الميت كان مثل الجبل، ملجأ لي وقد فقدته، فهو عبارة ندب مع مدح. شرح رياض الصالحين 2/ 267.
(2) أخرجه: ابن ماجه (1594)، والترمذي (1003). وقال: «حديث حسن غريب».
(1/466)
1667 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت». (1) رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال الشيخ ابن عثيمين: «إن البكاء الذي يأتي بمجرد الطبيعة لا بأس به، وأما النوح والندب ولطم الخد، وشق الثوب، ونتف الشعر، أو حلقه أو نفشه فكل هذا حرام وهو مما برئ منه النبي - صلى الله عليه وسلم - والله الموفق». شرح رياض الصالحين 4/ 267.
(2) انظر الحديث (1578).
(1/466)
303 - باب النهي عن إتيان الكهان والمنجمين والعراف وأصحاب الرمل والطوارق بالحصى وبالشعير ونحو ذلك
1668 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناس عن الكهان، فقال: «ليسوا بشيء» فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء، فيكون حقا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه، فيخلطون معها مائة كذبة». متفق عليه. (1)
وفي رواية للبخاري عن عائشة رضي الله عنها: أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الملائكة تنزل في العنان - وهو السحاب - فتذكر الأمر قضي في السماء، فيسترق الشيطان السمع، فيسمعه، فيوحيه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم».
قوله: «فيقرها» هو بفتح الياء وضم القاف والراء، أي: يلقيها،
«والعنان» بفتح العين.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 135 (3210)، ومسلم 7/ 36 (2228) (123).
(1/467)
1669 - وعن صفية بنت أبي عبيد، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أتى عرافا (1) فسأله عن شيء فصدقه، لم تقبل له صلاة أربعين يوما». رواه مسلم. (2)
__________
(1) أراد بالعراف: المنجم أو الحازي الذي يدعي علم الغيب وقد استأثر الله تعالى به. (النهاية 3/ 442)
(2) أخرجه: البخاري 7/ 37 (2230) (125).
(1/467)
1670 - وعن قبيصة بن المخارق - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «العيافة، والطيرة، والطرق، من الجبت». رواه أبو داود بإسناد حسن. (1)
وقال: «الطرق» هو الزجر: أي زجر الطير وهو أن يتيمن أو يتشاءم بطيرانه، فإن طار إلى جهة اليمين، تيمن، وإن طار إلى جهة اليسار، تشاءم. قال أبو داود: «والعيافة»: الخط.
قال الجوهري في الصحاح (2): الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك.
__________
(1) أخرجه: أحمد 3/ 477، وأبو داود (3907)، وهو حديث ضعيف.
(2) الصحاح 1/ 245 (جبت).
(1/467)
1671 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من اقتبس علما من النجوم (1)، اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (2)
__________
(1) قال الخطابي في «معالم السنن» 4/ 212: «علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان كإخبارهم بأوقات هبوب الرياح ومجيء المطر وظهور الحر والبرد وتغير الأسعار وما كان في معانيها من الأمور يزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها ... ، ثم قال: فأما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والحس الذي يعرف به الزوال ويعلم به جهة القبلة فإنه غير داخل فيما نهي عنه».
(2) أخرجه: أبو داود (3905).
وأخرجه: أحمد 1/ 227 و311، وعبد بن حميد (714)، وابن ماجه (3726).
(1/468)
1672 - وعن معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بالجاهلية، وقد جاء الله تعالى بالإسلام، وإن منا رجالا يأتون الكهان؟ قال: «فلا تأتهم» قلت: ومنا رجال يتطيرون؟ قال: «ذلك شيء يجدونه في صدورهم، فلا يصدهم» قلت: ومنا رجال يخطون؟ قال: «كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه، فذاك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 35 (537) (121).
(1/468)
1673 - وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب (1)، ومهر البغي (2)، وحلوان الكاهن (3). متفق عليه. (4)
__________
(1) قال الشيخ ابن عثيمين: «أما الكلب فمعروف واقتناؤه حرام، لا يجوز للإنسان أن يقتني الكلب، ويجعله عنده في بيته، سواء بيت الطين أو المسلح أو الشعر إلا في ثلاث حالات:
1 - كلب الحرث، يعني الزرع 2 - وكلب الماشية يعني: إنسان عنده غنم أو إبل أو بقر يتخذ الكلب ليحرسها. 3 - كلب الصيد يصيد عليه الإنسان؛ لأن الكلب إذا تعلم وصاد شيئا فإنه حلال ... لكن إذا انتهى منه، أي: انتهت حاجة الكلب عنده، يعطيه أحدا يحتاج له، ولا يحل له أن يبيعه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب». شرح رياض الصالحين 4/ 271 - 272.
(2) يعني: أجرة الزانية، والعياذ بالله.
(3) هو ما يعطاه من الأجر والرشوة على كهانته. النهاية 1/ 435.
(4) أخرجه: البخاري 3/ 110 (2237)، ومسلم 5/ 35 (1567) (39).
(1/468)
304 - باب النهي عن التطير
فيه الأحاديث السابقة في الباب قبله (1).
__________
(1) انظر الحديثين (1670) و (1672).
(1/468)
1674 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل» قالوا: وما الفأل؟ قال: «كلمة طيبة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 180 (5776)، ومسلم 7/ 33 (2224) (112).
(1/469)
1675 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيرة. وإن كان الشؤم في شيء ففي الدار، والمرأة، والفرس (1)». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال ابن عثيمين: «المعنى أن هذه الثلاثة هي أكثر ما يكون مرافقة للإنسان المرأة زوجه، والدار بيته، والفرس مركوبه، وهذه الأشياء الثلاثة أحيانا يكون فيها شؤم، أحيانا تدخل المرأة على الإنسان يتزوجها ولا يجد إلا النكد والتعب منها، والدار يكون فيها شؤم يضيق صدره ولا يتسع ويمل منها، والفرس الآن ليس مركوبنا ولكن مركوبنا السيارات بعض السيارات يكون فيها شؤم تكثر حوادثها وخرابها ويسأم الإنسان منها ... » شرح رياض الصالحين 4/ 274.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 174 (5753)، ومسلم 7/ 34 (2225) (116).
(1/469)
1676 - وعن بريدة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يتطير. رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أحمد 5/ 347، وأبو داود (3920).
(1/469)
1677 - وعن عروة بن عامر - رضي الله عنه - قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أحسنها الفأل. ولا ترد مسلما فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل: [ص:454] اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك» حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (3919)، والبيهقي 8/ 139، وفي إسناده مقال.
(1/469)
305 - باب تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو درهم أو مخدة أو دينار أو وسادة وغير ذلك وتحريم اتخاذ الصور في حائط وسقف وستر وعمامة وثوب ونحوها
والأمر بإتلاف الصورة (1)
1678 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال ابن عثيمين رحمه الله: «أما التصوير بالآلة الفوتغرافية: فليس بتصوير أصلا حتى نقول إنه جائز، ونحن يجب علينا أن نتأمل أولا بدلالة النص، ثم في الحكم الذي يقتضيه النص وإذا تأملنا وجدنا أن هذا ليس بتصوير، ولا يدخل في النهي، ولا في اللعن؛ ولكن يبقى مباحا ثم ينظر في الغرض الذي من أجله يصور إن كان غرضا مباحا فالتصوير مباح، وإن كان غرضا محرما فهو محرم، والله الموفق». شرح رياض الصالحين 4/ 278.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 215 (5951)، ومسلم 6/ 160 (2108) (97).
(1/469)
1679 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلون وجهه، وقال: «يا عائشة، أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله!» قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين. متفق عليه. (1)
«القرام» بكسر القاف هو: الستر. «والسهوة» بفتح السين المهملة، وهي: الصفة تكون بين يدي البيت، وقيل: هي الطاق النافذ في الحائط.
__________
(1) انظر الحديث (649).
(1/470)
1680 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس فيعذبه في جهنم». قال ابن عباس: فإن كنت لا بد فاعلا، فاصنع الشجر وما لا روح فيه. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 108 (2225)، ومسلم 6/ 161 (2110) (99).
(1/470)
1681 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من صور صورة في الدنيا، كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 54 (7042)، ومسلم 6/ 162 (2110) (100).
(1/470)
1682 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 215 (5950)، ومسلم 6/ 161 (2109) (98).
(1/470)
1683 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 215 (5953)، ومسلم 6/ 162 (2111) (101).
(1/470)
1684 - وعن أبي طلحة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 138 (3225)، ومسلم 6/ 156 (2106) (83).
(1/471)
1685 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل أن يأتيه، فراث عليه حتى اشتد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج فلقيه جبريل فشكا إليه، فقال: إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة. رواه البخاري. (1)
«راث»: أبطأ، وهو بالثاء المثلثة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 216 (2960).
(1/471)
1686 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: واعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل عليه السلام، في ساعة أن يأتيه، فجاءت تلك الساعة ولم يأته! قالت: وكان بيده عصا، فطرحها من يده وهو يقول: «ما يخلف الله وعده ولا رسله» ثم التفت، فإذا جرو كلب تحت سريره. فقال: «متى دخل هذا الكلب؟» فقلت: والله ما دريت به، فأمر به فأخرج، فجاءه جبريل - عليه السلام - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «وعدتني، فجلست لك ولم تأتني» فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 155 (2104) (81).
(1/471)
1687 - وعن أبي الهياج حيان بن حصين، قال: قال لي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا (1) مشرفا إلا سويته. رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال ابن عثيمين: «القبر المشرف يعني المتميز عن القبور، سواء كان بارتفاعه أو ارتفاع النصائب التي عليه، يعني الأحجار التي عليه. ولهذا يجب الحذر مما يفعله بعض الناس الآن يصبون صبة، وربما كتبوا عليها آيات من القرآن أو ما أشبه ذلك. هذه لا يجوز إقرارها؛ لأنها من القبور المشرفة ومن رآها جزاه الله خيرا فليحفر لها وينزلها ويجعل الكتابة في الأسفل حتى تندفن بالتراب؛ لأن القبور المشرفة هذه ربما يغالى بها في المستقبل، بل تكون القبور كلها على وتيرة واحدة ليس فيها شئ يدل على التعظيم ... ». شرح رياض الصالحين 4/ 281.
(2) أخرجه: مسلم 3/ 61 (969) (93).
(1/471)
306 - باب تحريم اتخاذ الكلب إلا لصيد أو ماشية أو زرع
1688 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من اقتنى كلبا إلا كلب صيد أو ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان». متفق عليه. (1)
وفي رواية: «قيراط».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 112 (5481)، ومسلم 5/ 37 (1574) (51) و (53).
(1/472)
1689 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أمسك كلبا، فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو ماشية». متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم: «من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد، ولا ماشية ولا أرض، فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم».
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 135 (2322)، ومسلم 5/ 38 (1575) (57) و (59).
(1/472)
307 - باب كراهية تعليق الجرس في البعير وغيره من الدواب وكراهية استصحاب الكلب والجرس في السفر
1690 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 162 (2113) (103).
(1/472)
1691 - وعنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الجرس مزامير الشيطان». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 163 (2114) (104)، وأبو داود (2556).
(1/472)
308 - باب كراهة ركوب الجلالة، وهي البعير أو الناقة التي تأكل العذرة، فإن أكلت علفا طاهرا فطاب لحمها، زالت الكراهة
1692 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن
الجلالة في الإبل أن يركب عليها. رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2558).
(1/472)
309 - باب النهي عن البصاق في المسجد والأمر بإزالته منه إذا وجد فيه، والأمر بتنزيه المسجد عن الأقذار
1693 - عن أنس - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها». متفق عليه. (1) [ص:473]
والمراد بدفنها إذا كان المسجد ترابا أو رملا ونحوه، فيواريها تحت ترابه.
قال أبو المحاسن الروياني (2) من أصحابنا في كتابه «البحر» وقيل: المراد بدفنها إخراجها من المسجد، أما إذا كان المسجد مبلطا أو مجصصا، فدلكها عليه بمداسه أو بغيره كما يفعله كثير من الجهال، فليس ذلك بدفن، بل زيادة في الخطيئة وتكثير للقذر في المسجد، وعلى من فعل ذلك أن يمسحه بعد ذلك بثوبه أو بيده أو غيره أو يغسله.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 113 (415)، ومسلم 2/ 77 (552) (55).
(2) هو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الطبري الشافعي الروياني، كان من رؤوس الأئمة الأفاضل، ولد سنة 415 هـوتوفي شهيدا سنة 502 هـ، له الكثير من المصنفات منها «البحر في المذهب» وهو من أطول كتب الشافعية وكتاب «مناصيص الشافعي»، وكتاب «حلية المؤمن»، وكان رحمه الله يقول: «لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي».
انظر: الأنساب 2/ 334، وسير أعلام النبلاء 19/ 260 - 262.
(1/472)
1694 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في جدار القبلة مخاطا، أو بزاقا، أو نخامة، فحكه. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 112 (407)، ومسلم 2/ 76 (549).
(1/473)
1695 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى، وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 163 (285) (100).
(1/473)
310 - باب كراهة الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه ونشد الضالة والبيع والشراء والإجارة ونحوها من المعاملات
1696 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من سمع رجلا ينشد ضالة (1) في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا». رواه مسلم. (2)
__________
(1) يقال: نشدت الضالة إذا طلبتها، وأنشدتها إذا عرفتها، والضالة هي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره. انظر: شرح صحيح مسلم للمصنف 3/ 47 - 48.
(2) أخرجه: مسلم 2/ 82 (568) (79).
(1/473)
1697 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، [ص:474] فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1321)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/473)
1698 - وعن بريدة - رضي الله عنه: أن رجلا نشد في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا وجدت؛ إنما بنيت المساجد لما بنيت له». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 82 (569) (80).
(1/474)
1699 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة؛ أو ينشد فيه شعر. رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1079)، والترمذي (322).
(1/474)
1700 - وعن السائب بن يزيد الصحابي - رضي الله عنه - قال: كنت في المسجد فحصبني (1) رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أين أنتما؟ فقالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل البلد، لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم! رواه البخاري. (2)
__________
(1) أي: رماني بالحصباء. فتح الباري 1/ 725.
(2) أخرجه: البخاري 1/ 127 (470).
(1/474)
311 - باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو غيره مما له رائحة كريهة عن دخول المسجد قبل زوال رائحته إلا لضرورة
1701 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أكل من هذه الشجرة - يعني: الثوم - فلا يقربن مسجدنا». متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم: «مساجدنا».
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 216 (853)، ومسلم 2/ 79 (561) و (68) و (69).
(1/474)
1702 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن، ولا يصلين معنا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 217 (856)، ومسلم 2/ 79 (562) (70).
(1/474)
1703 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا». متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم: «من أكل البصل، والثوم، والكراث، فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم».
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 216 (855)، ومسلم 2/ 80 (564) (73) و (74).
(1/475)
1704 - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: أنه خطب يوم الجمعة فقال في خطبته: ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين: البصل، والثوم. لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به، فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما، فليمتهما طبخا (1). رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال ابن عثيمين رحمه الله: «إن البصل والثوم ليسا حراما، يجوز للإنسان أن يأكلها، لكن إذا أكلها فلا يدخل المسجد ولا يصلي مع جماعة، ولا يحضر درس علم؛ لأن الملائكة تتأذى منه برائحته الخبيثة». شرح رياض الصالحين 4/ 291 - 292.
(2) أخرجه: مسلم 2/ 81 (567) (78).
(1/475)
312 - باب كراهة الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب لأنه يجلب النوم فيفوت استماع الخطبة ويخاف انتقاض الوضوء
1705 - عن معاذ بن أنس الجهني - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحبوة (1) يوم الجمعة والإمام يخطب. رواه أبو داود والترمذي، (2) وقالا: «حديث حسن».
__________
(1) الاحتباء هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشده عليها، ونهى عنها لأن الاحتباء يجلب النوم فلا يسمع الخطبة، ويعرض طهارته للانتقاض. النهاية 1/ 335 - 336.
(2) أخرجه: أبو داود (1110)، والترمذي (514).
(1/475)
313 - باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي عن أخذ شيء من شعره أو أظفاره حتى يضحي
1706 - عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 83 (1977) (42).
(1/475)
314 - باب النهي عن الحلف (1) بمخلوق كالنبي والكعبة والملائكة والسماء والآباء والحياة والروح والرأس وحياة السلطان ونعمة السلطان وتربة فلان والأمانة، وهي من أشدها نهيا
1707 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا، فليحلف بالله، أو ليصمت». متفق عليه. (2)
وفي رواية في الصحيح: «فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله، أو ليسكت».
__________
(1) «الحلف معناه: تأكيد الشيء بذكر معظم، والإنسان لا يحلف بشيء إلا لأنه عظم في نفسه فكأنه يقول: بقدر عظمة هذا المحلوف به إني صادق، ولهذا كان الحلف بالله عزوجل». قاله ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين 4/ 294.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 33 (6108)، ومسلم 5/ 80 (1646 م) (3) و (4).
(1/476)
1708 - وعن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بالطواغي، ولا بآبائكم». رواه مسلم. (1)
«الطواغي»: جمع طاغية، وهي الأصنام. ومنه الحديث: «هذه طاغية دوس» (2) أي: صنمهم ومعبودهم. وروي في غير مسلم: «بالطواغيت» جمع طاغوت، وهو الشيطان والصنم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 82 (1648) (6)، والنسائي 7/ 7 وفي «الكبرى»، له (4697).
(2) لم أقف عليه بهذا اللفظ، لكن ورد في البخاري 9/ 73 (7116) ذكر طاغية دوس.
(1/476)
1709 - وعن بريدة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف بالأمانة فليس منا» حديث صحيح، رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (3253).
(1/476)
1710 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من حلف فقال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذبا، فهو كما قال، وإن كان صادقا، فلن يرجع إلى الإسلام سالما» (1). رواه أبو داود (2).
__________
(1) قال الخطابي: «فيه دليل على أن من حلف بالبراءة من الإسلام إنه يأثم ولا يلزمه الكفارة، وذلك لأنه إنما جعل عقوبتها في دينه ولم يجعل في ماله شيئا». معالم السنن 4/ 43.
(2) أخرجه: أبو داود (3258)، وابن ماجه (2100)، والنسائي 7/ 6.
(1/476)
1711 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من حلف بغير الله، فقد كفر أو أشرك». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
وفسر بعض العلماء قوله: «كفر أو أشرك» على التغليظ، كما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرياء شرك» (2).
__________
(1) أخرجه: أبو داود (3251)، والترمذي (1535).
(2) أخرجه: ابن ماجه (3989)، والحاكم 4/ 328 من حديث معاذ بن جبل.
(1/477)
315 - باب تغليظ اليمين الكاذبة عمدا
1712 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه، لقي الله وهو عليه غضبان» قال: ثم قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصداقه من كتاب الله - عز وجل: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} إلى آخر الآية [آل عمران: 77]. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 145 (2356) و (2357)، ومسلم 1/ 86 (138) (222).
(1/477)
1713 - وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار. وحرم عليه الجنة» فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: «وإن كان قضيبا من أراك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (214).
(1/477)
1714 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس». رواه البخاري. (1)
وفي رواية له: أن أعرابيا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: «الإشراك بالله» قال: ثم ماذا؟ قال: «اليمين الغموس» قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: «الذي يقتطع مال امرئ مسلم!» يعني بيمين هو فيها كاذب.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 171 (6675) و9/ 17 (6920)، وانظر الحديث (337).
(1/477)
316 - باب ندب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن يفعل ذلك المحلوف عليه ثم يكفر عن يمينه
1715 - عن عبد الرحمان بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «وإذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرا منها، فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 183 (6722)، ومسلم 5/ 86 (1652) (19).
(1/478)
1716 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرا منها، فليكفر عن يمينه، وليفعل الذي هو خير». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 85 (1650) (13) و (14).
(1/478)
1717 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين، ثم أرى خيرا منها إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 109 (3133)، ومسلم 5/ 82 (1649) (7).
(1/478)
1718 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لأن يلج أحدكم في يمينه في أهله آثم له عند الله تعالى من أن يعطي كفارته التي فرض الله
عليه» (1). متفق عليه. (2)
قوله: «يلج» بفتح اللام وتشديد الجيم أي: يتمادى فيها، ولا يكفر، وقوله: «آثم» هو بالثاء المثلثة، أي: أكثر إثما.
__________
(1) قال البيضاوي: «المراد أن الرجل إذا حلف على شيء يتعلق بأهله وأصر عليه كان أدخل في الوزر وأفضى إلى الإثم من الحنث؛ لأنه جعل الله عرضة ليمينه وقد نهي عن ذلك» نقله ابن حجر في فتح الباري 11/ 633.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 160 (6625)، ومسلم 5/ 88 (1655) (26).
(1/478)
317 - باب العفو عن لغو اليمين وأنه لا كفارة فيه، وهو ما يجري على اللسان بغير قصد اليمين كقوله على العادة: لا والله، وبلى والله، ونحو ذلك
قال الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم} [المائدة: 89].
(1/478)
1719 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: أنزلت هذه الآية: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} في قول الرجل: لا والله، وبلى والله. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 66 (4613).
(1/479)
318 - باب كراهة الحلف في البيع وإن كان صادقا
1720 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 78 (2087)، ومسلم 5/ 56 (1606) (131).
(1/479)
1721 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفق ثم يمحق». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 56 (1607) (132).
(1/479)
319 - باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله - عز وجل - غير الجنة، وكراهة منع من سأل بالله تعالى وتشفع به
1722 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يسأل بوجه الله إلا الجنة». رواه أبو داود. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1671)، وإسناده ضعيف لضعف أحد رواته.
(1/479)
1723 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من استعاذ بالله، فأعيذوه (1)، ومن سأل بالله، فأعطوه، ومن دعاكم، فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه». حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي بأسانيد الصحيحين. (2)
__________
(1) «فإذا استعاذ أحد بالله منك فأعذه، إلا إذا استعاذ عن حق واجب، فإن الله لا يعيذه، لو أنه كان مطلوبا لك، فسألته حقك، قلت: أعطني حقي، فقال: أعوذ بالله منك، فهنا لا تعذه؛ لأن الله تعالى لا يعيذ عاصيا، لكن إذا كان الأمر ليس محرما، فاستعاذ بالله منك، فأعذه تعظيما لله عزوجل». قاله الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين 4/ 302.
(2) أخرجه: أبو داود (1672) و (5109)، والنسائي 5/ 82 وفي «الكبرى»، له (2348).
(1/479)
320 - باب تحريم قوله: شاهنشاه للسلطان وغيره لأن معناه ملك الملوك، ولا يوصف بذلك غير الله سبحانه وتعالى
1724 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أخنع (1) اسم عند الله - عز وجل - رجل تسمى ملك الأملاك». متفق عليه. (2)
قال سفيان بن عيينة: «ملك الأملاك» مثل: شاهن شاه.
__________
(1) أخنع: أي أذلها وأوضعها. النهاية 2/ 84.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 56 (6206)، ومسلم 6/ 174 (2143) (20).
(1/480)
321 - باب النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع ونحوهما بسيد ونحوه
1725 - عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم - عز وجل». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4977)، والنسائي في «الكبرى» (10073).
(1/480)
322 - باب كراهة سب الحمى
1726 - عن جابر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم السائب، أو أم المسيب فقال: «ما لك يا أم السائب - أو يا أم المسيب - تزفزفين؟» قالت: الحمى لا بارك الله فيها! فقال: «لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد». رواه مسلم. (1)
«تزفزفين» أي تتحركين حركة سريعة، ومعناه: ترتعد. وهو بضم التاء وبالزاي المكررة والفاء المكررة، وروي أيضا بالراء المكررة والقافين.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 15 (2575) (53).
(1/480)
323 - باب النهي عن سب الريح، وبيان ما يقال عند هبوبها
1727 - عن أبي المنذر أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون، فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به. ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح». (1)
__________
(1) أخرجه: أحمد 5/ 123، والترمذي (2252).
(1/480)
1728 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الريح من روح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها». رواه أبو داود بإسناد حسن. (1)
قوله - صلى الله عليه وسلم: «من روح الله» هو بفتح الراء: أي رحمته بعباده.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5097)، وابن ماجه (3727).
(1/481)
1729 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عصفت الريح قال: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 26 (899) (15).
(1/481)
324 - باب كراهة سب الديك
1730 - عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5101)، والنسائي في «الكبرى» (10781) و (10782).
(1/481)
325 - باب النهي عن قول الإنسان: مطرنا بنوء كذا
1731 - عن زيد بن خالد - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب». متفق عليه. (1)
والسماء هنا: المطر.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 214 (846)، ومسلم 1/ 59 (71) (125).
(1/481)
326 - باب تحريم قوله لمسلم: يا كافر
1732 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 32 (6104)، ومسلم 1/ 56 (60) (111).
(1/481)
1733 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من دعا رجلا بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه». متفق عليه. (1)
«حار»: رجع.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 18 (6045)، ومسلم 1/ 57 (61) (112).
(1/482)
327 - باب النهي عن الفحش وبذاء اللسان
1734 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) انظر الحديث (1555).
(1/482)
1735 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (4185)، والترمذي (1974)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/482)
328 - باب كراهة التقعير في الكلام والتشدق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللغة
ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم
1736 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثا. رواه مسلم. (1)
«المتنطعون»: المبالغون في الأمور.
__________
(1) انظر الحديث (144).
(1/482)
1737 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة (1)». رواه أبو داود والترمذي، (2) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أي: يتشدق في الكلام ويفخم به لسانه ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفا. النهاية 2/ 73.
(2) أخرجه: أبو داود (5005)، والترمذي (2853)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/482)
1738 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني [ص:482] يوم القيامة، الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن». وقد سبق شرحه في باب حسن الخلق.
__________
(1) انظر الحديث (630).
(1/482)
329 - باب كراهة قوله: خبثت نفسي
1739 - عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي» متفق عليه. (1)
قال العلماء (2): معنى «خبثت»: غثت، وهو معنى: «لقست» ولكن كره لفظ الخبث (3).
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 51 (6179)، ومسلم 7/ 47 (2250) (16).
(2) قاله أبو عبيد والخطابي. كما نقل ذلك ابن حجر في فتح الباري 10/ 692. وانظر: معالم السنن 4/ 121.
(3) ويؤخذ من الحديث استحباب مجانبة الألفاظ القبيحة والأسماء، والعدول إلى ما لا قبح فيه. نقله ابن حجر في فتح الباري 10/ 692 عن ابن أبي جمرة.
(1/483)
330 - باب كراهة تسمية العنب كرما
1740 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم المسلم» متفق عليه، وهذا لفظ مسلم. (1)
وفي رواية: «فإنما الكرم قلب المؤمن». وفي رواية للبخاري ومسلم: «يقولون الكرم، إنما الكرم قلب المؤمن».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 51 (6182) و (6183)، ومسلم 7/ 46 (2247) (8) و (9).
(1/483)
1741 - وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب، والحبلة» (1). رواه مسلم. (2) [ص:484]
«الحبلة» (3) بفتح الحاء والباء، ويقال أيضا بإسكان الباء.
__________
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 82 (569) (80).
(1/474)
1699 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة؛ أو ينشد فيه شعر. رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1079)، والترمذي (322).
(1/474)
1700 - وعن السائب بن يزيد الصحابي - رضي الله عنه - قال: كنت في المسجد فحصبني (1) رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أين أنتما؟ فقالا: من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل البلد، لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم! رواه البخاري. (2)
__________
(1) أي: رماني بالحصباء. فتح الباري 1/ 725.
(2) أخرجه: البخاري 1/ 127 (470).
(1/474)
311 - باب نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو غيره مما له رائحة كريهة عن دخول المسجد قبل زوال رائحته إلا لضرورة
1701 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أكل من هذه الشجرة - يعني: الثوم - فلا يقربن مسجدنا». متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم: «مساجدنا».
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 216 (853)، ومسلم 2/ 79 (561) و (68) و (69).
(1/474)
1702 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن، ولا يصلين معنا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 217 (856)، ومسلم 2/ 79 (562) (70).
(1/474)
1703 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا». متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم: «من أكل البصل، والثوم، والكراث، فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم».
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 216 (855)، ومسلم 2/ 80 (564) (73) و (74).
(1/475)
1704 - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: أنه خطب يوم الجمعة فقال في خطبته: ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين: البصل، والثوم. لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به، فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما، فليمتهما طبخا (1). رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال ابن عثيمين رحمه الله: «إن البصل والثوم ليسا حراما، يجوز للإنسان أن يأكلها، لكن إذا أكلها فلا يدخل المسجد ولا يصلي مع جماعة، ولا يحضر درس علم؛ لأن الملائكة تتأذى منه برائحته الخبيثة». شرح رياض الصالحين 4/ 291 - 292.
(2) أخرجه: مسلم 2/ 81 (567) (78).
(1/475)
312 - باب كراهة الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب لأنه يجلب النوم فيفوت استماع الخطبة ويخاف انتقاض الوضوء
1705 - عن معاذ بن أنس الجهني - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الحبوة (1) يوم الجمعة والإمام يخطب. رواه أبو داود والترمذي، (2) وقالا: «حديث حسن».
__________
(1) الاحتباء هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشده عليها، ونهى عنها لأن الاحتباء يجلب النوم فلا يسمع الخطبة، ويعرض طهارته للانتقاض. النهاية 1/ 335 - 336.
(2) أخرجه: أبو داود (1110)، والترمذي (514).
(1/475)
313 - باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي عن أخذ شيء من شعره أو أظفاره حتى يضحي
1706 - عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من كان له ذبح يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 83 (1977) (42).
(1/475)
314 - باب النهي عن الحلف (1) بمخلوق كالنبي والكعبة والملائكة والسماء والآباء والحياة والروح والرأس وحياة السلطان ونعمة السلطان وتربة فلان والأمانة، وهي من أشدها نهيا
1707 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا، فليحلف بالله، أو ليصمت». متفق عليه. (2)
وفي رواية في الصحيح: «فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله، أو ليسكت».
__________
(1) «الحلف معناه: تأكيد الشيء بذكر معظم، والإنسان لا يحلف بشيء إلا لأنه عظم في نفسه فكأنه يقول: بقدر عظمة هذا المحلوف به إني صادق، ولهذا كان الحلف بالله عزوجل». قاله ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين 4/ 294.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 33 (6108)، ومسلم 5/ 80 (1646 م) (3) و (4).
(1/476)
1708 - وعن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بالطواغي، ولا بآبائكم». رواه مسلم. (1)
«الطواغي»: جمع طاغية، وهي الأصنام. ومنه الحديث: «هذه طاغية دوس» (2) أي: صنمهم ومعبودهم. وروي في غير مسلم: «بالطواغيت» جمع طاغوت، وهو الشيطان والصنم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 82 (1648) (6)، والنسائي 7/ 7 وفي «الكبرى»، له (4697).
(2) لم أقف عليه بهذا اللفظ، لكن ورد في البخاري 9/ 73 (7116) ذكر طاغية دوس.
(1/476)
1709 - وعن بريدة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف بالأمانة فليس منا» حديث صحيح، رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (3253).
(1/476)
1710 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من حلف فقال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذبا، فهو كما قال، وإن كان صادقا، فلن يرجع إلى الإسلام سالما» (1). رواه أبو داود (2).
__________
(1) قال الخطابي: «فيه دليل على أن من حلف بالبراءة من الإسلام إنه يأثم ولا يلزمه الكفارة، وذلك لأنه إنما جعل عقوبتها في دينه ولم يجعل في ماله شيئا». معالم السنن 4/ 43.
(2) أخرجه: أبو داود (3258)، وابن ماجه (2100)، والنسائي 7/ 6.
(1/476)
1711 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من حلف بغير الله، فقد كفر أو أشرك». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
وفسر بعض العلماء قوله: «كفر أو أشرك» على التغليظ، كما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرياء شرك» (2).
__________
(1) أخرجه: أبو داود (3251)، والترمذي (1535).
(2) أخرجه: ابن ماجه (3989)، والحاكم 4/ 328 من حديث معاذ بن جبل.
(1/477)
315 - باب تغليظ اليمين الكاذبة عمدا
1712 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه، لقي الله وهو عليه غضبان» قال: ثم قرأ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصداقه من كتاب الله - عز وجل: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} إلى آخر الآية [آل عمران: 77]. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 145 (2356) و (2357)، ومسلم 1/ 86 (138) (222).
(1/477)
1713 - وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار. وحرم عليه الجنة» فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: «وإن كان قضيبا من أراك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (214).
(1/477)
1714 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس». رواه البخاري. (1)
وفي رواية له: أن أعرابيا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: «الإشراك بالله» قال: ثم ماذا؟ قال: «اليمين الغموس» قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: «الذي يقتطع مال امرئ مسلم!» يعني بيمين هو فيها كاذب.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 171 (6675) و9/ 17 (6920)، وانظر الحديث (337).
(1/477)
316 - باب ندب من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها أن يفعل ذلك المحلوف عليه ثم يكفر عن يمينه
1715 - عن عبد الرحمان بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «وإذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيرا منها، فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 183 (6722)، ومسلم 5/ 86 (1652) (19).
(1/478)
1716 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرا منها، فليكفر عن يمينه، وليفعل الذي هو خير». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 85 (1650) (13) و (14).
(1/478)
1717 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين، ثم أرى خيرا منها إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 109 (3133)، ومسلم 5/ 82 (1649) (7).
(1/478)
1718 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لأن يلج أحدكم في يمينه في أهله آثم له عند الله تعالى من أن يعطي كفارته التي فرض الله
عليه» (1). متفق عليه. (2)
قوله: «يلج» بفتح اللام وتشديد الجيم أي: يتمادى فيها، ولا يكفر، وقوله: «آثم» هو بالثاء المثلثة، أي: أكثر إثما.
__________
(1) قال البيضاوي: «المراد أن الرجل إذا حلف على شيء يتعلق بأهله وأصر عليه كان أدخل في الوزر وأفضى إلى الإثم من الحنث؛ لأنه جعل الله عرضة ليمينه وقد نهي عن ذلك» نقله ابن حجر في فتح الباري 11/ 633.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 160 (6625)، ومسلم 5/ 88 (1655) (26).
(1/478)
317 - باب العفو عن لغو اليمين وأنه لا كفارة فيه، وهو ما يجري على اللسان بغير قصد اليمين كقوله على العادة: لا والله، وبلى والله، ونحو ذلك
قال الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم} [المائدة: 89].
(1/478)
1719 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: أنزلت هذه الآية: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} في قول الرجل: لا والله، وبلى والله. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 66 (4613).
(1/479)
318 - باب كراهة الحلف في البيع وإن كان صادقا
1720 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 78 (2087)، ومسلم 5/ 56 (1606) (131).
(1/479)
1721 - وعن أبي قتادة - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفق ثم يمحق». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 56 (1607) (132).
(1/479)
319 - باب كراهة أن يسأل الإنسان بوجه الله - عز وجل - غير الجنة، وكراهة منع من سأل بالله تعالى وتشفع به
1722 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يسأل بوجه الله إلا الجنة». رواه أبو داود. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1671)، وإسناده ضعيف لضعف أحد رواته.
(1/479)
1723 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من استعاذ بالله، فأعيذوه (1)، ومن سأل بالله، فأعطوه، ومن دعاكم، فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه». حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي بأسانيد الصحيحين. (2)
__________
(1) «فإذا استعاذ أحد بالله منك فأعذه، إلا إذا استعاذ عن حق واجب، فإن الله لا يعيذه، لو أنه كان مطلوبا لك، فسألته حقك، قلت: أعطني حقي، فقال: أعوذ بالله منك، فهنا لا تعذه؛ لأن الله تعالى لا يعيذ عاصيا، لكن إذا كان الأمر ليس محرما، فاستعاذ بالله منك، فأعذه تعظيما لله عزوجل». قاله الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين 4/ 302.
(2) أخرجه: أبو داود (1672) و (5109)، والنسائي 5/ 82 وفي «الكبرى»، له (2348).
(1/479)
320 - باب تحريم قوله: شاهنشاه للسلطان وغيره لأن معناه ملك الملوك، ولا يوصف بذلك غير الله سبحانه وتعالى
1724 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أخنع (1) اسم عند الله - عز وجل - رجل تسمى ملك الأملاك». متفق عليه. (2)
قال سفيان بن عيينة: «ملك الأملاك» مثل: شاهن شاه.
__________
(1) أخنع: أي أذلها وأوضعها. النهاية 2/ 84.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 56 (6206)، ومسلم 6/ 174 (2143) (20).
(1/480)
321 - باب النهي عن مخاطبة الفاسق والمبتدع ونحوهما بسيد ونحوه
1725 - عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يك سيدا فقد أسخطتم ربكم - عز وجل». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4977)، والنسائي في «الكبرى» (10073).
(1/480)
322 - باب كراهة سب الحمى
1726 - عن جابر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم السائب، أو أم المسيب فقال: «ما لك يا أم السائب - أو يا أم المسيب - تزفزفين؟» قالت: الحمى لا بارك الله فيها! فقال: «لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد». رواه مسلم. (1)
«تزفزفين» أي تتحركين حركة سريعة، ومعناه: ترتعد. وهو بضم التاء وبالزاي المكررة والفاء المكررة، وروي أيضا بالراء المكررة والقافين.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 15 (2575) (53).
(1/480)
323 - باب النهي عن سب الريح، وبيان ما يقال عند هبوبها
1727 - عن أبي المنذر أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون، فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به. ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به». رواه الترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح». (1)
__________
(1) أخرجه: أحمد 5/ 123، والترمذي (2252).
(1/480)
1728 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الريح من روح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها». رواه أبو داود بإسناد حسن. (1)
قوله - صلى الله عليه وسلم: «من روح الله» هو بفتح الراء: أي رحمته بعباده.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5097)، وابن ماجه (3727).
(1/481)
1729 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عصفت الريح قال: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 26 (899) (15).
(1/481)
324 - باب كراهة سب الديك
1730 - عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5101)، والنسائي في «الكبرى» (10781) و (10782).
(1/481)
325 - باب النهي عن قول الإنسان: مطرنا بنوء كذا
1731 - عن زيد بن خالد - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب». متفق عليه. (1)
والسماء هنا: المطر.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 214 (846)، ومسلم 1/ 59 (71) (125).
(1/481)
326 - باب تحريم قوله لمسلم: يا كافر
1732 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 32 (6104)، ومسلم 1/ 56 (60) (111).
(1/481)
1733 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من دعا رجلا بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه». متفق عليه. (1)
«حار»: رجع.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 18 (6045)، ومسلم 1/ 57 (61) (112).
(1/482)
327 - باب النهي عن الفحش وبذاء اللسان
1734 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) انظر الحديث (1555).
(1/482)
1735 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (4185)، والترمذي (1974)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/482)
328 - باب كراهة التقعير في الكلام والتشدق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللغة
ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم
1736 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثا. رواه مسلم. (1)
«المتنطعون»: المبالغون في الأمور.
__________
(1) انظر الحديث (144).
(1/482)
1737 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة (1)». رواه أبو داود والترمذي، (2) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أي: يتشدق في الكلام ويفخم به لسانه ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفا. النهاية 2/ 73.
(2) أخرجه: أبو داود (5005)، والترمذي (2853)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/482)
1738 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني [ص:482] يوم القيامة، الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن». وقد سبق شرحه في باب حسن الخلق.
__________
(1) انظر الحديث (630).
(1/482)
329 - باب كراهة قوله: خبثت نفسي
1739 - عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي» متفق عليه. (1)
قال العلماء (2): معنى «خبثت»: غثت، وهو معنى: «لقست» ولكن كره لفظ الخبث (3).
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 51 (6179)، ومسلم 7/ 47 (2250) (16).
(2) قاله أبو عبيد والخطابي. كما نقل ذلك ابن حجر في فتح الباري 10/ 692. وانظر: معالم السنن 4/ 121.
(3) ويؤخذ من الحديث استحباب مجانبة الألفاظ القبيحة والأسماء، والعدول إلى ما لا قبح فيه. نقله ابن حجر في فتح الباري 10/ 692 عن ابن أبي جمرة.
(1/483)
330 - باب كراهة تسمية العنب كرما
1740 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تسموا العنب الكرم، فإن الكرم المسلم» متفق عليه، وهذا لفظ مسلم. (1)
وفي رواية: «فإنما الكرم قلب المؤمن». وفي رواية للبخاري ومسلم: «يقولون الكرم، إنما الكرم قلب المؤمن».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 51 (6182) و (6183)، ومسلم 7/ 46 (2247) (8) و (9).
(1/483)
1741 - وعن وائل بن حجر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب، والحبلة» (1). رواه مسلم. (2) [ص:484]
«الحبلة» (3) بفتح الحاء والباء، ويقال أيضا بإسكان الباء.
__________
(1) قال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين 4/ 312: «الكرم وصف محبوب يوصف به المؤمن ولا سيما إذا كان جوادا باذلا للخير بجاهه أو بماله أو علمه فإنه أحق بهذا الوصف من العنب. وإنما يقال: الحبلة، أو يقال: العنب. وأما أن تسميه كرما فهذا لا. وهذا والله أعلم له سبب وهو: أن هذا العنب قد يتخذ شرابا خبيثا محرما؛ لأن العنب ربما يتخذ منه الخمر نسأل الله العافية. بهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسمى العنب كرما، وما يوجد في بعض الكتب المؤلفة في الزراعة ونحوها يقال شجر الكرم أو الكروم داخل في هذا النهي ... ».
(2) أخرجه: مسلم 7/ 46 (2248) (12).
(3) الحبلة: الأصل أو القضيب من شجر الأعناب. النهاية 1/ 334.
(1/483)
331 - باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلا أن يحتاج إلى ذلك لغرض شرعي كنكاحها ونحوه
1742 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تباشر (1) المرأة المرأة، فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها». متفق عليه. (2)
__________
(1) المباشرة: هي المخالطة والملامسة من لمس البشرة لبشرة.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 49 (5240)، ولم أجده في المطبوع من صحيح مسلم.
(1/484)
332 - باب كراهة قول الإنسان: اللهم اغفر لي إن شئت بل يجزم بالطلب
1743 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت: اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له (1)». متفق عليه. (2)
وفي رواية لمسلم: «ولكن ليعزم وليعظم الرغبة فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه».
__________
(1) قال ابن بطال: «في الحديث أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريما. وقد قال ابن عيينة: لا يمنعن أحدا الدعاء ما يعلم في نفسه - يعني من تقصير - فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه، وهو إبليس حين قال: {رب فأنظرني إلى يوم يبعثون}». انظر: فتح الباري 11/ 168.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 92 (6339)، ومسلم 8/ 64 (2679) (8) و (9).
(1/484)
1744 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت، فأعطني، فإنه لا مستكره له». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 92 (6338)، ومسلم 8/ 63 (2678) (7).
(1/484)
333 - باب كراهة قول: ما شاء الله وشاء فلان
1745 - عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان؛ ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان». رواه أبو داود (1) بإسناد صحيح.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4980)، والنسائي في «الكبرى» (10821).
(1/484)
334 - باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة
والمراد به الحديث الذي يكون مباحا في غير هذا الوقت، وفعله وتركه سواء. فأما الحديث المحرم أو المكروه (1) في غير هذا الوقت، فهو في هذا الوقت أشد تحريما وكراهة. وأما الحديث في الخير كمذاكرة العلم وحكايات الصالحين، ومكارم الأخلاق، والحديث مع الضيف، ومع طالب حاجة، ونحو ذلك، فلا كراهة فيه، بل هو مستحب، وكذا الحديث لعذر وعارض لا كراهة فيه. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على كل ما ذكرته.
__________
(1) مثل الحديث في الغيبة والنميمة والاستماع إلى اللهو والغناء ومشاهدة ما لا يحل مشاهدته. شرح رياض الصالحين 4/ 318.
(1/485)
1746 - عن أبي برزة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 149 (568)، ومسلم 2/ 119 (647) (235) و (236) و (237).
(1/485)
1747 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العشاء في آخر حياته، فلما سلم قال: «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 40 (116)، ومسلم 7/ 186 (2537) (217).
(1/485)
1748 - وعن أنس - رضي الله عنه: أنهم انتظروا النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءهم قريبا من شطر الليل فصلى بهم - يعني: العشاء - ثم خطبنا فقال: «ألا إن الناس قد صلوا، ثم رقدوا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 155 (600).
(1/485)
335 - باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها إذا دعاها ولم يكن لها عذر شرعي
1749 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح». متفق عليه. (1)
وفي رواية: «حتى ترجع».
__________
(1) انظر الحديث (281).
(1/485)
336 - باب تحريم صوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر إلا بإذنه
1750 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه» متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (282).
(1/486)
337 - باب تحريم رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام
1751 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار! أو يجعل الله صورته صورة حمار». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 177 (691)، ومسلم 2/ 28 (427) (114) و (115).
(1/486)
338 - باب كراهة وضع اليد على الخاصرة في الصلاة
1752 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخصر في الصلاة. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 84 (1219)، ومسلم 2/ 74 (545) (46).
(1/486)
339 - باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام ونفسه تتوق إليه أو مع مدافعة الأخبثين (1): وهما البول والغائط
1753 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال المصنف: «ويلحق في هذا ما كان في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال
الخشوع». شرح صحيح مسلم 3/ 40.
(2) أخرجه: مسلم 2/ 78 (560) (67).
(1/486)
340 - باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة
1754 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم!» فاشتد قوله في ذلك حتى قال:
«لينتهن عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم!». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 191 (750).
(1/486)
341 - باب كراهة الالتفات في الصلاة لغير عذر
1755 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة، فقال: «هو اختلاس (1) يختلسه الشيطان من صلاة العبد». رواه البخاري (2).
__________
(1) هو أخذ الشيء بخفية. انظر: شرح رياض الصالحين 4/ 325.
(2) أخرجه: البخاري 1/ 191 (751).
(1/487)
1756 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بد، ففي التطوع لا في الفريضة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (589)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/487)
342 - باب النهي عن الصلاة إلى القبور
1757 - عن أبي مرثد كناز بن الحصين - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها (1)». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال الشافعي رحمه الله: «وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس». نقله المصنف في شرحه لصحيح مسلم 4/ 52.
(2) أخرجه: مسلم 3/ 62 (972) (98).
(1/487)
343 - باب تحريم المرور بين يدي المصلي
1758 - عن أبي الجهيم عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه».
قال الراوي: لا أدري قال: أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين سنة. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 136 (510)، ومسلم 2/ 58 (507) (261).
(1/487)
344 - باب كراهة شروع المأموم في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة الصلاة، سواء كانت النافلة سنة تلك الصلاة أو غيرها
1759 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 153 (710) (63).
(1/487)
345 - باب كراهة تخصيص يوم الجمعة بصيام (1) أو ليلته بصلاة من بين الليالي
1760 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال ابن عثيمين رحمه الله: «يوم الجمعة هو عيد الأسبوع، ويتكرر في كل سبعة أيام يوما وهو الثامن، ولما كان عيدا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صومه، لكنه ليس نهي تحريم؛ لأنه يتكرر كل عام أكثر من خمسين مرة». شرح رياض الصالحين 4/ 326.
(2) أخرجه: مسلم 3/ 154 (1144) (148).
(1/488)
1761 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 54 (1985)، ومسلم 3/ 154 (1144) (147).
(1/488)
1762 - وعن محمد بن عباد، قال: سألت جابرا - رضي الله عنه: أنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صوم الجمعة؟ قال: نعم. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 54 (1984)، ومسلم 3/ 153 (1143) (146).
(1/488)
1763 - وعن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: «أصمت أمس؟» قالت: لا، قال: «تريدين أن تصومي غدا؟» قالت: لا. قال: «فأفطري». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 54 (1986).
(1/488)
346 - باب تحريم الوصال في الصوم وهو أن يصوم يومين أو أكثر ولا يأكل ولا يشرب بينهما
1764 - عن أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الوصال. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 48 (1964) و (1685)، ومسلم 3/ 133 (1103) (57) و134 (1105) (61).
(1/488)
1765 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال. قالوا: إنك تواصل؟ قال: «إني لست مثلكم، إني أطعم وأسقى». متفق عليه. (1) وهذا لفظ البخاري.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 48 (1962)، ومسلم 3/ 133 (1102) (55).
(1/489)
347 - باب تحريم الجلوس على قبر
1766 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر (1)». رواه مسلم. (2)
__________
(1) لأن القبر فيه إنسان مسلم محترم في الغالب وجلوسك عليه إهانة له. قاله ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين 4/ 329.
(2) أخرجه: مسلم 3/ 62 (971) (96).
(1/489)
348 - باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه
1767 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 61 (970) (94).
(1/489)
349 - باب تغليظ تحريم إباق العبد (1) من سيده
1768 - عن جرير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أيما عبد أبق، فقد برئت منه الذمة». رواه مسلم. (2)
__________
(1) إباق العبد: هروب العبد من سيده، والتشديد في الوعيد؛ لأن العبد ملك لسيده بذاته ومنافعه، فليس له الهرب من سيده. انظر: النهاية 1/ 15، وشرح صحيح مسلم 1/ 266، وشرح رياض الصالحين 4/ 330.
(2) أخرجه: مسلم 1/ 59 (69) (123).
(1/489)
1769 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم: «إذا أبق العبد، لم تقبل له صلاة». رواه مسلم. (1)
وفي رواية: «فقد كفر».
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 58 (68) (122) و1/ 59 (70) (124).
(1/489)
350 - باب تحريم الشفاعة في الحدود
قال الله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النور: 2].
(1/490)
1770 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم. فكلمه أسامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟!» ثم قام فاختطب (1)، ثم قال: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها». متفق عليه. (2)
وفي رواية: فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أتشفع في حد من حدود الله!؟» فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله. قال: ثم أمر بتلك المرأة فقطعت يدها.
__________
(1) أي: خطب خطبة بليغة.
(2) انظر الحديث (650).
(1/490)
351 - باب النهي عن التغوط في طريق الناس وظلهم وموارد الماء ونحوها
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58].
(1/490)
1771 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتقوا اللاعنين» قالوا: وما اللاعنان؟ قال: «الذي يتخلى (1) في طريق الناس أو في ظلهم». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 2/ 140: «معناه يتغوط في موضع يمر به الناس، وما نهى عنه في الظل والطريق لما فيه من إيذاء المسلمين بتنجيس من يمر به ونتنه واستقذاره».
(2) أخرجه: مسلم 1/ 156 (269) (68).
(1/490)
352 - باب النهي عن البول ونحوه في الماء الراكد
1772 - عن جابر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبال في الماء الراكد. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 162 (281) (94).
(1/490)
353 - باب كراهة تفضيل الوالد بعض أولاده على بعض في الهبة
1773 - عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: أن أباه أتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أكل ولدك نحلته مثل هذا؟» فقال: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «فأرجعه».
وفي رواية: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أفعلت هذا بولدك كلهم؟» قال: لا، قال: «اتقوا الله واعدلوا في أولادكم» فرجع أبي، فرد تلك الصدقة.
وفي رواية: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يا بشير ألك ولد سوى هذا؟» فقال: نعم، قال: «أكلهم وهبت له مثل هذا؟» قال: لا، قال: «فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور».
وفي رواية: «لا تشهدني على جور».
وفي رواية: «أشهد على هذا غيري!» ثم قال: «أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟» قال: بلى، قال: «فلا إذا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 206 (2586) و (2587)، ومسلم 5/ 65 (1623) (9) و (13) و66 (1623) (14) و (16) و (17).
(1/491)
354 - باب تحريم إحداد (1) المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام
1774 - عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما، قالت: دخلت على أم حبيبة رضي الله عنها، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب - رضي الله عنه - فدعت بطيب فيه صفرة [ص:492] خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا».
قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش رضي الله عنها حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: أما والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا». متفق عليه (2).
__________
(1) قال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين 4/ 341: «الإحداد أن تجتنب المرأة الأشياء التالية:
1 - لباس الزينة، لا تلبس ثوبا يعد ثوب زينة، أما الثياب العادية فلها أن تلبسها بأي لون كان أصفر، أحمر، أخضر
2 - الطيب بجميع أنواعه
3 - الحلي بجميع أنواعه
4 - ألا تخرج من البيت أبدا إلا لضرورة أو حاجة
5 - التجميل والتكحل بالكحل وما أشبه ذلك
وما اشتهر عند العوام أن المرأة تغتسل من الجمعة إلى الجمعة، فهذا لا أصل له. وكذلك ما اشتهر عند العوام أنها لا تكلم أحدا إلا من محارمها، فهذا غلط أيضا، تكلم من شاءت».
(2) أخرجه: البخاري 2/ 99 (1281) و (1282)، ومسلم 4/ 202 (1486) (58) و (1487).
(1/491)
355 - باب تحريم بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان، والبيع على بيع أخيه والخطبة على خطبته إلا أن يأذن أو يرد
1775 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضر لباد (1) وإن كان أخاه لأبيه وأمه. متفق عليه. (2)
__________
(1) هو أن يأتي إنسان من البادية بغنمه أو إبله أو سمنه ... ليبيعه في السوق، فيأتي الإنسان إليه وهو من أهل البلد ويقول: يا فلان، أنا أبيع لك، هذا لا يجوز ... لأن البدوي ربما يريد البيع برخص لأنه يريد أن يرجع إلى أهله، وأيضا إذا باع البدوي فالعادة أن الحضري ينقده الثمن ولا يؤخره ... شرح رياض الصالحين 4/ 342.
(2) أخرجه: البخاري 3/ 94 (2161)، ومسلم 5/ 6 (1523) (21).
(1/492)
1776 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 95 (2165)، ومسلم 5/ 5 (1517) (14).
(1/492)
1777 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تتلقوا (1) الركبان، ولا يبع حاضر لباد» فقال له طاووس: ما: لا يبيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسارا. متفق عليه (2).
__________
(1) كانوا يعرفون أن البادية تأتي بالسلع مثلا في أول النهار فتجد بعض الناس يخرج من البلد إلى قريب منه، ثم يتلقى الركبان، ويشتري منهم قبل أن يصلوا إلى السوق، فيقطع الرزق على أهل البلد ويغبن الركبان ... شرح رياض الصالحين 4/ 343.
(2) أخرجه: البخاري 3/ 95 (2163)، ومسلم 5/ 5 (1521) (19).
(1/493)
1778 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا (1) ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها (2).
وفي رواية قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التلقي، وأن يبتاع المهاجر للأعرابي، وأن تشترط المرأة طلاق أختها، وأن يستام الرجل على سوم أخيه، ونهى عن النجش والتصرية (3). متفق عليه. (4)
__________
(1) النجش: هو الزيادة في ثمن السلعة ليغر غيره فقط، وقيل: هو مدح الشيء وإطراؤه، فالناجش يغر المشتري بمدحه ليزيد في الثمن. انظر: المفهم 4/ 367.
(2) لتفوز بالخير من زوجها لوحدها وتحرم غيرها وهذا من الأنانية التي نهى الإسلام عنها.
(3) التصرية: هو جمع اللبن في الضرع لمدة يومين أو ثلاثة أيام حتى يكبر ويعظم فيظن المشتري أن ذلك لكثرة اللبن. انظر: المفهم 4/ 369.
(4) أخرجه: البخاري 3/ 90 (2140) و3/ 250 (2727)، ومسلم 4/ 138 (1413) (51) و5/ 4 (1515) (12).
(1/493)
1779 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له». متفق عليه، وهذا لفظ مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 90 (2139)، ومسلم 5/ 3 (1412) (8).
(1/493)
1780 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل لمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 4/ 139 (1414) (56).
(1/493)
356 - باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع فيها
1781 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال». رواه مسلم، (1) وتقدم شرحه (2).
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 130 (1715) (10).
(2) انظر الحديث رقم (340) عن المغيرة بن شعبة.
(1/494)
1782 - وعن وراد كاتب المغيرة، قال: أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» وكتب إليه أنه كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال، وكان ينهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات. متفق عليه، (1) وسبق شرحه (2).
__________
(1) انظر الحديث (1416).
(2) انظر الحديث قبله.
(1/494)
357 - باب النهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح ونحوه، سواء كان جادا أو مازحا، والنهي عن تعاطي السيف مسلولا
1783 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار». متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم قال: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم: «من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه وأمه» (2). [ص:495]
قوله - صلى الله عليه وسلم: «ينزع» ضبط بالعين المهملة مع كسر الزاي، وبالغين المعجمة مع فتحها، ومعناهما متقارب، ومعناه بالمهملة يرمي، وبالمعجمة أيضا يرمي ويفسد. وأصل النزع: الطعن والفساد.
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 62 (7072)، ومسلم 8/ 33 (2616) (125) و8/ 34 (2617) (126).
(2) لا يشير إلى أحد بسلاح أو حديدة أو حجر أو ما أشبه ذلك كأنه يريد أن يرميه به، وكذلك ما يفعله بعض السفهاء، يأتي بالسيارة مسرعا نحو شخص واقف أو جالس، وكذلك أن يغري الكلب بإنسان، المهم أن جميع أسباب الهلاك ينهى الإنسان أن يفعلها سواء أكان جادا أم هازلا ... شرح رياض الصالحين 4/ 349.
(1/494)
1784 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتعاطى السيف مسلولا. رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2588)، والترمذي (2163)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/495)
358 - باب كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبة
1785 - عن أبي الشعثاء، قال: كنا قعودا مع أبي هريرة - رضي الله عنه - في المسجد، فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 124 (655) (258).
(1/495)
359 - باب كراهة رد الريحان (1) لغير عذر
1786 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من عرض عليه ريحان، فلا يرده، فإنه خفيف المحمل، طيب الريح». رواه مسلم. (2)
__________
(1) هو كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم. النهاية 2/ 288.
(2) أخرجه: مسلم 7/ 48 (2253) (20).
(1/495)
1787 - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرد الطيب. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 205 (2582).
(1/495)
360 - باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب ونحوه، وجوازه لمن أمن ذلك في حقه
1788 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يثني على رجل ويطريه في المدحة، فقال: «أهلكتم - أو قطعتم - ظهر الرجل». متفق عليه. (1)
«والإطراء»: المبالغة في المدح.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 231 (2663)، ومسلم 8/ 228 (3001) (67).
(1/495)
1789 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه: أن رجلا ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «ويحك! قطعت عنق صاحبك» يقوله مرارا: «إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله، ولا يزكى على الله أحد». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 22 (6061)، ومسلم 8/ 227 (3000) (65).
(1/496)
1790 - وعن همام بن الحارث، عن المقداد - رضي الله عنه: أن رجلا جعل يمدح عثمان - رضي الله عنه - فعمد المقداد، فجثا على ركبتيه، فجعل يحثو في وجهه الحصباء (1). فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب». رواه مسلم. (2)
فهذه الأحاديث في النهي، وجاء في الإباحة أحاديث كثيرة صحيحة.
قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال: إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين، ورياضة نفس، ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن، ولا يغتر بذلك، ولا تلعب به نفسه، فليس بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شيء من هذه الأمور، كره مدحه في وجهه كراهة شديدة، وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث المختلفة في ذلك.
ومما جاء في الإباحة قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر - رضي الله عنه: «أرجو أن تكون منهم (3)» أي من الذين يدعون من جميع أبواب الجنة لدخولها.
وفي الحديث الآخر: «لست منهم (4)»: أي لست من الذين يسبلون أزرهم خيلاء.
وقال - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه: «ما رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك (5)». [ص:497]
والأحاديث في الإباحة كثيرة، وقد ذكرت جملة من أطرافها في كتاب «الأذكار» (6).
__________
(1) يعني الحصى الصغيرة.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 228 (3002) (69).
(3) انظر الحديث (1216).
(4) انظر الحديث (791).
(5) أخرجه: البخاري 4/ 153 (3294)، ومسلم 7/ 114 (2396) (22)، من حديث سعد ابن أبي وقاص.
(6) انظر باب المدح: 378.
(1/496)
361 - باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء فرارا منه وكراهة القدوم عليه
قال الله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} [النساء: 78]. وقال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195].
(1/497)
1791 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ (1) لقيه أمراء الأجناد - أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه - فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام. قال ابن عباس: فقال لي عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعوتهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه. وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر - رضي الله عنه - في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر - رضي الله عنه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! - وكان عمر يكره خلافه - نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل، فهبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمان بن عوف - رضي الله عنه - وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا [ص:498] علما، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» فحمد الله تعالى عمر - رضي الله عنه - وانصرف. متفق عليه. (2)
و «العدوة»: جانب الوادي.
__________
(1) بفتح أوله وسكون ثانيه ثم غين معجمة وفي رواية مهملة، وهي أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك. انظر: معجم البلدان 5/ 39.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 168 (5729)، ومسلم 7/ 29 (2219) (98).
(1/497)
1792 - وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا سمعتم الطاعون (1) بأرض، فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض، وأنتم فيها، فلا تخرجوا منها». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال بعض أهل العلم: إنه نوع خاص من الوباء، وإنه عبارة عن تقرحات في البدن تصيب الإنسان وتجري جريان السيل حتى نقضي عليه، وقيل: إن الطاعون وخز في البطن يصيب الإنسان فيموت، وقيل: إن الطاعون اسم لكل وباء عام ينتشر بسرعة، كالكوليرا وغيرها، وهذا أقرب. قاله الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين 4/ 355
(2) أخرجه: البخاري 4/ 212 (3473)، ومسلم 7/ 26 (2218) (92).
(1/498)
362 - باب التغليظ في تحريم السحر
قال الله تعالى: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} [البقرة: 102].
(1/498)
1793 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف؛ وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 12 (2766)، ومسلم 1/ 64 (89) (145).
(1/498)
363 - باب النهي عن المسافرة بالمصحف إلى بلاد الكفار إذا خيف وقوعه بأيدي العدو
1794 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 68 (2990)، ومسلم 6/ 30 (1869) (92).
(1/498)
364 - باب تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة وسائر وجوه الاستعمال
1795 - عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الذي يشرب في آنية الفضة، إنما يجرجر (1) في بطنه نار جهنم» متفق عليه. (2)
وفي رواية لمسلم: «إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب».
__________
(1) الجرجرة: هي صوت الماء إذا جرى في الحلق، فهذا الرجل، والعياذ بالله يسقى من نار جهنم نسأل الله العافية، حتى يجرجر الصوت في بطنه كما جرجر في الدنيا. قاله الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين 4/ 366.
(2) انظر الحديث (777).
(1/499)
1796 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن الحرير، والديباج، والشرب في آنية الذهب والفضة، وقال: «هن لهم في الدنيا، وهي لكم في الآخرة». متفق عليه. (1)
وفي رواية في الصحيحين عن حذيفة - رضي الله عنه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها».
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 99 - 146 (5426) و (5632)، ومسلم 6/ 136 (2067) (4) و (5)، وانظر الحديث (776).
(1/499)
1797 - وعن أنس بن سيرين، قال: كنت مع أنس بن مالك - رضي الله عنه - عند نفر من المجوس؛ فجيء بفالوذج (1) على إناء من فضة، فلم يأكله، فقيل له: حوله، فحوله على إناء من خلنج وجيء به فأكله. رواه البيهقي بإسناد حسن. (2)
«الخلنج»: الجفنة (3).
__________
(1) نوع من الحلوى.
(2) أخرجه: البيهقي 1/ 28.
(3) الجفنة: أعظم ما يكون من القصاع. اللسان 2/ 310.
(1/499)
365 - باب تحريم لبس الرجل ثوبا مزعفرا
1798 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتزعفر (1) الرجل. متفق عليه. (2)
__________
(1) وهو أن يصبغ الرجل ثيابه أو جسده بالزعفران.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 197 (5846)، ومسلم 6/ 155 (2101) (77).
(1/499)
1799 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - علي ثوبين معصفرين، فقال: «أمك أمرتك بهذا؟» (1) قلت: أغسلهما؟ قال: «بل أحرقهما».
وفي رواية، فقال: «إن هذا من ثياب الكفار فلا تلبسها». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 246: «قوله - صلى الله عليه وسلم: «أمك أمرتك بهذا؟» معناه أن هذا من لباس النساء وزيهن وأخلاقهن وأما الأمر بإحراقهما فقيل: هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل».
(2) أخرجه: مسلم 6/ 144 (2077) (27) و (28).
(1/500)
366 - باب النهي عن صمت يوم إلى الليل
1800 - عن علي - رضي الله عنه - قال: حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل». رواه أبو داود بإسناد حسن. (1)
قال الخطابي (2) في تفسير هذا الحديث: كان من نسك الجاهلية الصمات. فنهوا في الإسلام عن ذلك وأمروا بالذكر والحديث بالخير.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2873).
(2) انظر: معالم السنن 4/ 81.
(1/500)
1801 - وعن قيس بن أبي حازم، قال: دخل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - على امرأة من أحمس يقال لها: زينب، فرآها لا تتكلم. فقال: ما لها لا تتكلم؟ فقالوا: حجت مصمتة، فقال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 52 (3834).
(1/500)
367 - باب تحريم انتساب الإنسان إلى غير أبيه وتوليه إلى غير مواليه
1802 - عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام» (1). متفق عليه. (2)
__________
(1) الإنسان يجب عليه أن ينتسب إلى أهله: أبيه، جده، جد أبيه ... وما أشبه ذلك، ولا يحل له أن ينتسب إلى غير أبيه وهو يعلم أنه ليس بأبيه، فمثلا: إذا كان أبوه من القبيلة الفلانية، ورأى أن هذه القبيلة فيها نقص عن القبيلة الأخرى، فانتمى إلى قبيلة ثانية أعلى حسبا؛ لأجل أن يزيل عن نفسه عيب قبيلته، فإن هذا - والعياذ بالله - ملعون، عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. شرح رياض الصالحين 4/ 370.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 194 (6766)، ومسلم 1/ 57 (63) (115).
(1/500)
1803 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه، فهو كفر». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 194 (6768)، ومسلم 1/ 57 (62) (113).
(1/501)
1804 - وعن يزيد بن شريك بن طارق، قال: رأيت عليا - رضي الله عنه - على المنبر يخطب، فسمعته يقول: لا والله ما عندنا من كتاب نقرؤه إلا كتاب الله، وما في هذه الصحيفة (1)، فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات، وفيها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا». متفق عليه. (2)
«ذمة المسلمين» أي: عهدهم وأمانتهم. «وأخفره»: نقض عهده.
«والصرف»: التوبة، وقيل الحيلة. «والعدل»: الفداء.
__________
(1) قال المصنف رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم 5/ 121: «هذا تصريح من علي رضي الله تعالى عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة، ويخترعونه من قولهم: إن عليا رضي الله تعالى عنه أوصى إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم، وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة، لا أصل لها ويكفي في إبطالها قول علي - رضي الله عنه - هذا».
(2) أخرجه: البخاري 3/ 26 (1870)، ومسلم 4/ 115 (1370) (467).
(1/501)
1805 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى ما ليس له، فليس منا، وليتبوأ مقعده من [ص:502] النار، ومن دعا رجلا بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار (1) عليه». متفق عليه، وهذا لفظ رواية مسلم. (2)
__________
(1) أي: رجع عليه.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 219 (3508)، ومسلم 1/ 57 (61) (112).
(1/501)
368 - باب التحذير من ارتكاب ما نهى الله - عز وجل - أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - عنه
قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63]، وقال تعالى: {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 30]، وقال تعالى: {إن بطش ربك لشديد} [البروج: 12]، وقال تعالى: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد? [هود: 102].
(1/502)
1806 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى يغار، وغيرة الله، أن يأتي المرء ما حرم الله عليه». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (64).
(1/502)
369 - باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهيا عنه
قال الله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} [فصلت: 36]، وقال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} [الأعراف: 201]، وقال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} [آل عمران: 135 - 136]، وقال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور: 31].
(1/502)
1807 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف فقال في حلفه: باللات والعزى (1)، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق».متفق عليه. (2)
__________
(1) وهذا يشمل كل حلف بغير الله جل ذكره.
(2) أخرجه: البخاري 6/ 176 (4860)، ومسلم 5/ 81 (1647) (5).
(1/502)
(18) - كتاب المنثورات والملح (1)
370 - باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها
1808 - عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل. فلما رحنا إليه، عرف ذلك فينا، فقال: «ما شأنكم؟» قلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال الغداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: «غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم؛ وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم. إنه شاب قطط عينه طافية (2)، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف (3)؛ إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا» قلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: «أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم» قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: «لا، اقدروا له قدره». قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: «كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم، فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى
__________
(1) جمع ملحة وهو ما يستملح ويستعذب. شرح رياض الصالحين 4/ 379.
(2) قطط: يعني مجتمع الخلق، عينه طافية: يعني لا يبصر بها كأنه عنبة طافية فهو أعور خبيث.
(3) كما ورد في صحيح مسلم عن أبي الدرداء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال».
(1/503)
وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله تعالى المسيح ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد (1) فيقتله، ثم يأتي عيسى - صلى الله عليه وسلم - قوما قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى - صلى الله عليه وسلم: أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مئة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - إلى الله تعالى، فيرسل الله تعالى عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - إلى الله تعالى، فيرسل الله تعالى طيرا كأعناق البخت، فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله - عز وجل - مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس؛ واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس؛ فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم
__________
(1) قرية قرب بيت المقدس، من نواحي فلسطين، يقتل عيسى بن مريم الدجال ببابها. مراصد الاطلاع 3/ 1202.
(1/504)
فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم؛ ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة». رواه مسلم. (1)
قوله: «خلة بين الشام والعراق»: أي طريقا بينهما. وقوله: «عاث» بالعين المهملة والثاء المثلثة، والعيث: أشد الفساد. «والذرى»: بضم الذال المعجمة وهو أعالي الأسنمة وهو جمع ذروة بضم الذال وكسرها «واليعاسيب»: ذكور النحل. «وجزلتين»: أي قطعتين، «والغرض»: الهدف الذي يرمى إليه بالنشاب، أي: يرميه رمية كرمية النشاب إلى الهدف. «والمهرودة» بالدال المهملة والمعجمة، وهي: الثوب المصبوغ. قوله: «لا يدان»: أي لا طاقة. «والنغف»: دود. «وفرسى»: جمع فريس، وهو القتيل. و «الزلقة»: بفتح الزاي واللام وبالقاف، وروي: الزلفة بضم الزاي وإسكان اللام وبالفاء وهي المرآة. «والعصابة»: الجماعة. «والرسل» بكسر الراء: اللبن. «واللقحة»: اللبون. «والفئام» بكسر الفاء وبعدها همزة ممدودة: الجماعة. «والفخذ» من الناس: دون القبيلة.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 196 (2937) (110).
(1/505)
1809 - وعن ربعي بن حراش، قال: انطلقت مع أبي مسعود الأنصاري إلى حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهم - فقال له أبو مسعود: حدثني ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدجال، قال: «إن الدجال يخرج، وإن معه ماء ونارا، فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس نارا، فماء بارد عذب. فمن أدركه منكم، فليقع في الذي يراه نارا، فإنه ماء عذب طيب» فقال أبو مسعود: وأنا قد سمعته. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 205 (3450)، ومسلم 8/ 195 (2934) (107).
(1/505)
1810 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين، لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما، فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله - عز وجل - ريحا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل، لدخلته عليه حتى تقبضه، فيبقى شرار الناس في خفة الطير، وأحلام السباع، لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: [ص:506] ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، وأول من يسمعه رجل يلوط (1) حوض إبله فيصعق ويصعق الناس حوله، ثم يرسل الله -أو قال: ينزل الله - مطرا كأنه الطل أو الظل، فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس هلم إلى ربكم، وقفوهم إنهم مسئولون، ثم يقال: أخرجوا بعث النار فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمئة وتسعة وتسعين؛ فذلك يوم يجعل الولدان شيبا، وذلك يوم يكشف عن ساق». رواه مسلم. (2)
«الليت»: صفحة العنق. ومعناه يضع صفحة عنقه ويرفع صفحته الأخرى.
__________
(1) يلوط: أي يطينه ويصلحه. النهاية 4/ 277.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 201 (2940) (116).
(1/505)
1811 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة؛ وليس نقب من أنقابهما إلا عليه الملائكة صافين تحرسهما، فينزل بالسبخة (1)، فترجف المدينة ثلاث رجفات، يخرج الله منها كل كافر ومنافق». رواه مسلم. (2)
__________
(1) هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر. النهاية 2/ 333.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 206 (2943) (123).
(1/506)
1812 - وعنه - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يتبع الدجال من يهود أصبهان (1) سبعون ألفا عليهم الطيالسة». رواه مسلم. (2)
__________
(1) وهي معروفة من مدن إيران.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 207 (2944) (124).
(1/506)
1813 - وعن أم شريك رضي الله عنها: أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لينفرن الناس من الدجال في الجبال». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 207 (2945) (125).
(1/506)
1814 - وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 207 (2946) (127).
(1/506)
1815 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيتلقاه المسالح: مسالح الدجال. فيقولون له: إلى أين تعمد فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج. فيقولون له: أوما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء! فيقولون: اقتلوه. فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه، فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس، إن هذا الدجال الذي ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فيأمر الدجال به فيشبح؛ فيقول: خذوه وشجوه. فيوسع ظهره وبطنه ضربا، فيقول: أوما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب! فيؤمر به، فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه. ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم، فيستوي قائما. ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة. ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس؛ فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل الله ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا، فيأخذه بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنه قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة». فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين». رواه مسلم. وروى البخاري بعضه بمعناه (1).
«المسالح»: هم الخفراء والطلائع.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 28 (1882)، ومسلم 8/ 199 (2938) (113).
(1/507)
1816 - وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: ما سأل أحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدجال أكثر مما سألته؛ وإنه قال لي: «ما يضرك» قلت: إنهم يقولون: إن معه جبل خبز ونهر ماء. قال: «هو أهون على الله من ذلك». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 74 (7122)، ومسلم 8/ 200 (2939) (114) و (115).
(1/507)
1817 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم - عز وجل - ليس بأعور، مكتوب بين عينيه ك ف ر (1)». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال المصنف رحمه الله في شرح صحيح مسلم 9/ 229: «الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقة جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطالها، ويظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته، ولا امتناع في ذلك، وذكر القاضي فيه خلافا: منهم من قال: هي كتابة حقيقية كما ذكرنا، ومنهم من قال: هي مجاز وإشارة إلى سمات الحدوث عليه، واحتج بقوله: «يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» وهذا مذهب ضعيف».
(2) أخرجه: البخاري 9/ 75 (7131)، ومسلم 8/ 195 (2933) (101).
(1/507)
1818 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه! إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار». متفق عليه (1).
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 163 (3338)، ومسلم 8/ 196 (2936) (109).
(1/508)
1819 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال بين ظهراني الناس، فقال: «إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية (1)». متفق عليه. (2)
__________
(1) رويت بالهمز والترك وكلاهما صحيح، فالمهموز هي التي ذهب نورها وغير المهموز التي نتأت وطفت مرتفعة وفيها ضوء. قاله المصنف في شرح صحيح مسلم 9/ 229.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 202 (3439)، ومسلم 1/ 107 (169) (274).
(1/508)
(3) الحبلة: الأصل أو القضيب من شجر الأعناب. النهاية 1/ 334.
(1/483)
331 - باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلا أن يحتاج إلى ذلك لغرض شرعي كنكاحها ونحوه
1742 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تباشر (1) المرأة المرأة، فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها». متفق عليه. (2)
__________
(1) المباشرة: هي المخالطة والملامسة من لمس البشرة لبشرة.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 49 (5240)، ولم أجده في المطبوع من صحيح مسلم.
(1/484)
332 - باب كراهة قول الإنسان: اللهم اغفر لي إن شئت بل يجزم بالطلب
1743 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت: اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له (1)». متفق عليه. (2)
وفي رواية لمسلم: «ولكن ليعزم وليعظم الرغبة فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه».
__________
(1) قال ابن بطال: «في الحديث أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريما. وقد قال ابن عيينة: لا يمنعن أحدا الدعاء ما يعلم في نفسه - يعني من تقصير - فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه، وهو إبليس حين قال: {رب فأنظرني إلى يوم يبعثون}». انظر: فتح الباري 11/ 168.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 92 (6339)، ومسلم 8/ 64 (2679) (8) و (9).
(1/484)
1744 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت، فأعطني، فإنه لا مستكره له». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 92 (6338)، ومسلم 8/ 63 (2678) (7).
(1/484)
333 - باب كراهة قول: ما شاء الله وشاء فلان
1745 - عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان؛ ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان». رواه أبو داود (1) بإسناد صحيح.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4980)، والنسائي في «الكبرى» (10821).
(1/484)
334 - باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة
والمراد به الحديث الذي يكون مباحا في غير هذا الوقت، وفعله وتركه سواء. فأما الحديث المحرم أو المكروه (1) في غير هذا الوقت، فهو في هذا الوقت أشد تحريما وكراهة. وأما الحديث في الخير كمذاكرة العلم وحكايات الصالحين، ومكارم الأخلاق، والحديث مع الضيف، ومع طالب حاجة، ونحو ذلك، فلا كراهة فيه، بل هو مستحب، وكذا الحديث لعذر وعارض لا كراهة فيه. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على كل ما ذكرته.
__________
(1) مثل الحديث في الغيبة والنميمة والاستماع إلى اللهو والغناء ومشاهدة ما لا يحل مشاهدته. شرح رياض الصالحين 4/ 318.
(1/485)
1746 - عن أبي برزة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 149 (568)، ومسلم 2/ 119 (647) (235) و (236) و (237).
(1/485)
1747 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العشاء في آخر حياته، فلما سلم قال: «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 40 (116)، ومسلم 7/ 186 (2537) (217).
(1/485)
1748 - وعن أنس - رضي الله عنه: أنهم انتظروا النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءهم قريبا من شطر الليل فصلى بهم - يعني: العشاء - ثم خطبنا فقال: «ألا إن الناس قد صلوا، ثم رقدوا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 155 (600).
(1/485)
335 - باب تحريم امتناع المرأة من فراش زوجها إذا دعاها ولم يكن لها عذر شرعي
1749 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح». متفق عليه. (1)
وفي رواية: «حتى ترجع».
__________
(1) انظر الحديث (281).
(1/485)
336 - باب تحريم صوم المرأة تطوعا وزوجها حاضر إلا بإذنه
1750 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه» متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (282).
(1/486)
337 - باب تحريم رفع المأموم رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام
1751 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار! أو يجعل الله صورته صورة حمار». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 177 (691)، ومسلم 2/ 28 (427) (114) و (115).
(1/486)
338 - باب كراهة وضع اليد على الخاصرة في الصلاة
1752 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخصر في الصلاة. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 84 (1219)، ومسلم 2/ 74 (545) (46).
(1/486)
339 - باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام ونفسه تتوق إليه أو مع مدافعة الأخبثين (1): وهما البول والغائط
1753 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال المصنف: «ويلحق في هذا ما كان في معناه مما يشغل القلب ويذهب كمال
الخشوع». شرح صحيح مسلم 3/ 40.
(2) أخرجه: مسلم 2/ 78 (560) (67).
(1/486)
340 - باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة
1754 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم!» فاشتد قوله في ذلك حتى قال:
«لينتهن عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم!». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 191 (750).
(1/486)
341 - باب كراهة الالتفات في الصلاة لغير عذر
1755 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة، فقال: «هو اختلاس (1) يختلسه الشيطان من صلاة العبد». رواه البخاري (2).
__________
(1) هو أخذ الشيء بخفية. انظر: شرح رياض الصالحين 4/ 325.
(2) أخرجه: البخاري 1/ 191 (751).
(1/487)
1756 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بد، ففي التطوع لا في الفريضة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (589)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/487)
342 - باب النهي عن الصلاة إلى القبور
1757 - عن أبي مرثد كناز بن الحصين - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها (1)». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال الشافعي رحمه الله: «وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس». نقله المصنف في شرحه لصحيح مسلم 4/ 52.
(2) أخرجه: مسلم 3/ 62 (972) (98).
(1/487)
343 - باب تحريم المرور بين يدي المصلي
1758 - عن أبي الجهيم عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه».
قال الراوي: لا أدري قال: أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين سنة. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 136 (510)، ومسلم 2/ 58 (507) (261).
(1/487)
344 - باب كراهة شروع المأموم في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة الصلاة، سواء كانت النافلة سنة تلك الصلاة أو غيرها
1759 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 153 (710) (63).
(1/487)
345 - باب كراهة تخصيص يوم الجمعة بصيام (1) أو ليلته بصلاة من بين الليالي
1760 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال ابن عثيمين رحمه الله: «يوم الجمعة هو عيد الأسبوع، ويتكرر في كل سبعة أيام يوما وهو الثامن، ولما كان عيدا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صومه، لكنه ليس نهي تحريم؛ لأنه يتكرر كل عام أكثر من خمسين مرة». شرح رياض الصالحين 4/ 326.
(2) أخرجه: مسلم 3/ 154 (1144) (148).
(1/488)
1761 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 54 (1985)، ومسلم 3/ 154 (1144) (147).
(1/488)
1762 - وعن محمد بن عباد، قال: سألت جابرا - رضي الله عنه: أنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صوم الجمعة؟ قال: نعم. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 54 (1984)، ومسلم 3/ 153 (1143) (146).
(1/488)
1763 - وعن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: «أصمت أمس؟» قالت: لا، قال: «تريدين أن تصومي غدا؟» قالت: لا. قال: «فأفطري». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 54 (1986).
(1/488)
346 - باب تحريم الوصال في الصوم وهو أن يصوم يومين أو أكثر ولا يأكل ولا يشرب بينهما
1764 - عن أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الوصال. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 48 (1964) و (1685)، ومسلم 3/ 133 (1103) (57) و134 (1105) (61).
(1/488)
1765 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال. قالوا: إنك تواصل؟ قال: «إني لست مثلكم، إني أطعم وأسقى». متفق عليه. (1) وهذا لفظ البخاري.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 48 (1962)، ومسلم 3/ 133 (1102) (55).
(1/489)
347 - باب تحريم الجلوس على قبر
1766 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر (1)». رواه مسلم. (2)
__________
(1) لأن القبر فيه إنسان مسلم محترم في الغالب وجلوسك عليه إهانة له. قاله ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين 4/ 329.
(2) أخرجه: مسلم 3/ 62 (971) (96).
(1/489)
348 - باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه
1767 - عن جابر - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 61 (970) (94).
(1/489)
349 - باب تغليظ تحريم إباق العبد (1) من سيده
1768 - عن جرير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أيما عبد أبق، فقد برئت منه الذمة». رواه مسلم. (2)
__________
(1) إباق العبد: هروب العبد من سيده، والتشديد في الوعيد؛ لأن العبد ملك لسيده بذاته ومنافعه، فليس له الهرب من سيده. انظر: النهاية 1/ 15، وشرح صحيح مسلم 1/ 266، وشرح رياض الصالحين 4/ 330.
(2) أخرجه: مسلم 1/ 59 (69) (123).
(1/489)
1769 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم: «إذا أبق العبد، لم تقبل له صلاة». رواه مسلم. (1)
وفي رواية: «فقد كفر».
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 58 (68) (122) و1/ 59 (70) (124).
(1/489)
350 - باب تحريم الشفاعة في الحدود
قال الله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النور: 2].
(1/490)
1770 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم. فكلمه أسامة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟!» ثم قام فاختطب (1)، ثم قال: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها». متفق عليه. (2)
وفي رواية: فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أتشفع في حد من حدود الله!؟» فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله. قال: ثم أمر بتلك المرأة فقطعت يدها.
__________
(1) أي: خطب خطبة بليغة.
(2) انظر الحديث (650).
(1/490)
351 - باب النهي عن التغوط في طريق الناس وظلهم وموارد الماء ونحوها
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58].
(1/490)
1771 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتقوا اللاعنين» قالوا: وما اللاعنان؟ قال: «الذي يتخلى (1) في طريق الناس أو في ظلهم». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 2/ 140: «معناه يتغوط في موضع يمر به الناس، وما نهى عنه في الظل والطريق لما فيه من إيذاء المسلمين بتنجيس من يمر به ونتنه واستقذاره».
(2) أخرجه: مسلم 1/ 156 (269) (68).
(1/490)
352 - باب النهي عن البول ونحوه في الماء الراكد
1772 - عن جابر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبال في الماء الراكد. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 162 (281) (94).
(1/490)
353 - باب كراهة تفضيل الوالد بعض أولاده على بعض في الهبة
1773 - عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: أن أباه أتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أكل ولدك نحلته مثل هذا؟» فقال: لا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «فأرجعه».
وفي رواية: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أفعلت هذا بولدك كلهم؟» قال: لا، قال: «اتقوا الله واعدلوا في أولادكم» فرجع أبي، فرد تلك الصدقة.
وفي رواية: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يا بشير ألك ولد سوى هذا؟» فقال: نعم، قال: «أكلهم وهبت له مثل هذا؟» قال: لا، قال: «فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور».
وفي رواية: «لا تشهدني على جور».
وفي رواية: «أشهد على هذا غيري!» ثم قال: «أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟» قال: بلى، قال: «فلا إذا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 206 (2586) و (2587)، ومسلم 5/ 65 (1623) (9) و (13) و66 (1623) (14) و (16) و (17).
(1/491)
354 - باب تحريم إحداد (1) المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام
1774 - عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما، قالت: دخلت على أم حبيبة رضي الله عنها، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب - رضي الله عنه - فدعت بطيب فيه صفرة [ص:492] خلوق أو غيره، فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا».
قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش رضي الله عنها حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: أما والله ما لي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا». متفق عليه (2).
__________
(1) قال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين 4/ 341: «الإحداد أن تجتنب المرأة الأشياء التالية:
1 - لباس الزينة، لا تلبس ثوبا يعد ثوب زينة، أما الثياب العادية فلها أن تلبسها بأي لون كان أصفر، أحمر، أخضر
2 - الطيب بجميع أنواعه
3 - الحلي بجميع أنواعه
4 - ألا تخرج من البيت أبدا إلا لضرورة أو حاجة
5 - التجميل والتكحل بالكحل وما أشبه ذلك
وما اشتهر عند العوام أن المرأة تغتسل من الجمعة إلى الجمعة، فهذا لا أصل له. وكذلك ما اشتهر عند العوام أنها لا تكلم أحدا إلا من محارمها، فهذا غلط أيضا، تكلم من شاءت».
(2) أخرجه: البخاري 2/ 99 (1281) و (1282)، ومسلم 4/ 202 (1486) (58) و (1487).
(1/491)
355 - باب تحريم بيع الحاضر للبادي وتلقي الركبان، والبيع على بيع أخيه والخطبة على خطبته إلا أن يأذن أو يرد
1775 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضر لباد (1) وإن كان أخاه لأبيه وأمه. متفق عليه. (2)
__________
(1) هو أن يأتي إنسان من البادية بغنمه أو إبله أو سمنه ... ليبيعه في السوق، فيأتي الإنسان إليه وهو من أهل البلد ويقول: يا فلان، أنا أبيع لك، هذا لا يجوز ... لأن البدوي ربما يريد البيع برخص لأنه يريد أن يرجع إلى أهله، وأيضا إذا باع البدوي فالعادة أن الحضري ينقده الثمن ولا يؤخره ... شرح رياض الصالحين 4/ 342.
(2) أخرجه: البخاري 3/ 94 (2161)، ومسلم 5/ 6 (1523) (21).
(1/492)
1776 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 95 (2165)، ومسلم 5/ 5 (1517) (14).
(1/492)
1777 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تتلقوا (1) الركبان، ولا يبع حاضر لباد» فقال له طاووس: ما: لا يبيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسارا. متفق عليه (2).
__________
(1) كانوا يعرفون أن البادية تأتي بالسلع مثلا في أول النهار فتجد بعض الناس يخرج من البلد إلى قريب منه، ثم يتلقى الركبان، ويشتري منهم قبل أن يصلوا إلى السوق، فيقطع الرزق على أهل البلد ويغبن الركبان ... شرح رياض الصالحين 4/ 343.
(2) أخرجه: البخاري 3/ 95 (2163)، ومسلم 5/ 5 (1521) (19).
(1/493)
1778 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا (1) ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها (2).
وفي رواية قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التلقي، وأن يبتاع المهاجر للأعرابي، وأن تشترط المرأة طلاق أختها، وأن يستام الرجل على سوم أخيه، ونهى عن النجش والتصرية (3). متفق عليه. (4)
__________
(1) النجش: هو الزيادة في ثمن السلعة ليغر غيره فقط، وقيل: هو مدح الشيء وإطراؤه، فالناجش يغر المشتري بمدحه ليزيد في الثمن. انظر: المفهم 4/ 367.
(2) لتفوز بالخير من زوجها لوحدها وتحرم غيرها وهذا من الأنانية التي نهى الإسلام عنها.
(3) التصرية: هو جمع اللبن في الضرع لمدة يومين أو ثلاثة أيام حتى يكبر ويعظم فيظن المشتري أن ذلك لكثرة اللبن. انظر: المفهم 4/ 369.
(4) أخرجه: البخاري 3/ 90 (2140) و3/ 250 (2727)، ومسلم 4/ 138 (1413) (51) و5/ 4 (1515) (12).
(1/493)
1779 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له». متفق عليه، وهذا لفظ مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 90 (2139)، ومسلم 5/ 3 (1412) (8).
(1/493)
1780 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل لمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 4/ 139 (1414) (56).
(1/493)
356 - باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع فيها
1781 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال». رواه مسلم، (1) وتقدم شرحه (2).
__________
(1) أخرجه: مسلم 5/ 130 (1715) (10).
(2) انظر الحديث رقم (340) عن المغيرة بن شعبة.
(1/494)
1782 - وعن وراد كاتب المغيرة، قال: أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» وكتب إليه أنه كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال، وكان ينهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات. متفق عليه، (1) وسبق شرحه (2).
__________
(1) انظر الحديث (1416).
(2) انظر الحديث قبله.
(1/494)
357 - باب النهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح ونحوه، سواء كان جادا أو مازحا، والنهي عن تعاطي السيف مسلولا
1783 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار». متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم قال: قال أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم: «من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه وأمه» (2). [ص:495]
قوله - صلى الله عليه وسلم: «ينزع» ضبط بالعين المهملة مع كسر الزاي، وبالغين المعجمة مع فتحها، ومعناهما متقارب، ومعناه بالمهملة يرمي، وبالمعجمة أيضا يرمي ويفسد. وأصل النزع: الطعن والفساد.
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 62 (7072)، ومسلم 8/ 33 (2616) (125) و8/ 34 (2617) (126).
(2) لا يشير إلى أحد بسلاح أو حديدة أو حجر أو ما أشبه ذلك كأنه يريد أن يرميه به، وكذلك ما يفعله بعض السفهاء، يأتي بالسيارة مسرعا نحو شخص واقف أو جالس، وكذلك أن يغري الكلب بإنسان، المهم أن جميع أسباب الهلاك ينهى الإنسان أن يفعلها سواء أكان جادا أم هازلا ... شرح رياض الصالحين 4/ 349.
(1/494)
1784 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتعاطى السيف مسلولا. رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2588)، والترمذي (2163)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/495)
358 - باب كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبة
1785 - عن أبي الشعثاء، قال: كنا قعودا مع أبي هريرة - رضي الله عنه - في المسجد، فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 124 (655) (258).
(1/495)
359 - باب كراهة رد الريحان (1) لغير عذر
1786 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من عرض عليه ريحان، فلا يرده، فإنه خفيف المحمل، طيب الريح». رواه مسلم. (2)
__________
(1) هو كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم. النهاية 2/ 288.
(2) أخرجه: مسلم 7/ 48 (2253) (20).
(1/495)
1787 - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرد الطيب. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 205 (2582).
(1/495)
360 - باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب ونحوه، وجوازه لمن أمن ذلك في حقه
1788 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يثني على رجل ويطريه في المدحة، فقال: «أهلكتم - أو قطعتم - ظهر الرجل». متفق عليه. (1)
«والإطراء»: المبالغة في المدح.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 231 (2663)، ومسلم 8/ 228 (3001) (67).
(1/495)
1789 - وعن أبي بكرة - رضي الله عنه: أن رجلا ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «ويحك! قطعت عنق صاحبك» يقوله مرارا: «إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله، ولا يزكى على الله أحد». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 22 (6061)، ومسلم 8/ 227 (3000) (65).
(1/496)
1790 - وعن همام بن الحارث، عن المقداد - رضي الله عنه: أن رجلا جعل يمدح عثمان - رضي الله عنه - فعمد المقداد، فجثا على ركبتيه، فجعل يحثو في وجهه الحصباء (1). فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب». رواه مسلم. (2)
فهذه الأحاديث في النهي، وجاء في الإباحة أحاديث كثيرة صحيحة.
قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يقال: إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين، ورياضة نفس، ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن، ولا يغتر بذلك، ولا تلعب به نفسه، فليس بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شيء من هذه الأمور، كره مدحه في وجهه كراهة شديدة، وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث المختلفة في ذلك.
ومما جاء في الإباحة قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر - رضي الله عنه: «أرجو أن تكون منهم (3)» أي من الذين يدعون من جميع أبواب الجنة لدخولها.
وفي الحديث الآخر: «لست منهم (4)»: أي لست من الذين يسبلون أزرهم خيلاء.
وقال - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه: «ما رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك (5)». [ص:497]
والأحاديث في الإباحة كثيرة، وقد ذكرت جملة من أطرافها في كتاب «الأذكار» (6).
__________
(1) يعني الحصى الصغيرة.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 228 (3002) (69).
(3) انظر الحديث (1216).
(4) انظر الحديث (791).
(5) أخرجه: البخاري 4/ 153 (3294)، ومسلم 7/ 114 (2396) (22)، من حديث سعد ابن أبي وقاص.
(6) انظر باب المدح: 378.
(1/496)
361 - باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء فرارا منه وكراهة القدوم عليه
قال الله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة} [النساء: 78]. وقال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195].
(1/497)
1791 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ (1) لقيه أمراء الأجناد - أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه - فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام. قال ابن عباس: فقال لي عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعوتهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه. وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر - رضي الله عنه - في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه: أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر - رضي الله عنه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! - وكان عمر يكره خلافه - نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل، فهبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمان بن عوف - رضي الله عنه - وكان متغيبا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا [ص:498] علما، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» فحمد الله تعالى عمر - رضي الله عنه - وانصرف. متفق عليه. (2)
و «العدوة»: جانب الوادي.
__________
(1) بفتح أوله وسكون ثانيه ثم غين معجمة وفي رواية مهملة، وهي أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك. انظر: معجم البلدان 5/ 39.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 168 (5729)، ومسلم 7/ 29 (2219) (98).
(1/497)
1792 - وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا سمعتم الطاعون (1) بأرض، فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض، وأنتم فيها، فلا تخرجوا منها». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال بعض أهل العلم: إنه نوع خاص من الوباء، وإنه عبارة عن تقرحات في البدن تصيب الإنسان وتجري جريان السيل حتى نقضي عليه، وقيل: إن الطاعون وخز في البطن يصيب الإنسان فيموت، وقيل: إن الطاعون اسم لكل وباء عام ينتشر بسرعة، كالكوليرا وغيرها، وهذا أقرب. قاله الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين 4/ 355
(2) أخرجه: البخاري 4/ 212 (3473)، ومسلم 7/ 26 (2218) (92).
(1/498)
362 - باب التغليظ في تحريم السحر
قال الله تعالى: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} [البقرة: 102].
(1/498)
1793 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف؛ وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 12 (2766)، ومسلم 1/ 64 (89) (145).
(1/498)
363 - باب النهي عن المسافرة بالمصحف إلى بلاد الكفار إذا خيف وقوعه بأيدي العدو
1794 - عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 68 (2990)، ومسلم 6/ 30 (1869) (92).
(1/498)
364 - باب تحريم استعمال إناء الذهب وإناء الفضة في الأكل والشرب والطهارة وسائر وجوه الاستعمال
1795 - عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الذي يشرب في آنية الفضة، إنما يجرجر (1) في بطنه نار جهنم» متفق عليه. (2)
وفي رواية لمسلم: «إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب».
__________
(1) الجرجرة: هي صوت الماء إذا جرى في الحلق، فهذا الرجل، والعياذ بالله يسقى من نار جهنم نسأل الله العافية، حتى يجرجر الصوت في بطنه كما جرجر في الدنيا. قاله الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين 4/ 366.
(2) انظر الحديث (777).
(1/499)
1796 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن الحرير، والديباج، والشرب في آنية الذهب والفضة، وقال: «هن لهم في الدنيا، وهي لكم في الآخرة». متفق عليه. (1)
وفي رواية في الصحيحين عن حذيفة - رضي الله عنه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها».
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 99 - 146 (5426) و (5632)، ومسلم 6/ 136 (2067) (4) و (5)، وانظر الحديث (776).
(1/499)
1797 - وعن أنس بن سيرين، قال: كنت مع أنس بن مالك - رضي الله عنه - عند نفر من المجوس؛ فجيء بفالوذج (1) على إناء من فضة، فلم يأكله، فقيل له: حوله، فحوله على إناء من خلنج وجيء به فأكله. رواه البيهقي بإسناد حسن. (2)
«الخلنج»: الجفنة (3).
__________
(1) نوع من الحلوى.
(2) أخرجه: البيهقي 1/ 28.
(3) الجفنة: أعظم ما يكون من القصاع. اللسان 2/ 310.
(1/499)
365 - باب تحريم لبس الرجل ثوبا مزعفرا
1798 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتزعفر (1) الرجل. متفق عليه. (2)
__________
(1) وهو أن يصبغ الرجل ثيابه أو جسده بالزعفران.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 197 (5846)، ومسلم 6/ 155 (2101) (77).
(1/499)
1799 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - علي ثوبين معصفرين، فقال: «أمك أمرتك بهذا؟» (1) قلت: أغسلهما؟ قال: «بل أحرقهما».
وفي رواية، فقال: «إن هذا من ثياب الكفار فلا تلبسها». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/ 246: «قوله - صلى الله عليه وسلم: «أمك أمرتك بهذا؟» معناه أن هذا من لباس النساء وزيهن وأخلاقهن وأما الأمر بإحراقهما فقيل: هو عقوبة وتغليظ لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل».
(2) أخرجه: مسلم 6/ 144 (2077) (27) و (28).
(1/500)
366 - باب النهي عن صمت يوم إلى الليل
1800 - عن علي - رضي الله عنه - قال: حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل». رواه أبو داود بإسناد حسن. (1)
قال الخطابي (2) في تفسير هذا الحديث: كان من نسك الجاهلية الصمات. فنهوا في الإسلام عن ذلك وأمروا بالذكر والحديث بالخير.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2873).
(2) انظر: معالم السنن 4/ 81.
(1/500)
1801 - وعن قيس بن أبي حازم، قال: دخل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - على امرأة من أحمس يقال لها: زينب، فرآها لا تتكلم. فقال: ما لها لا تتكلم؟ فقالوا: حجت مصمتة، فقال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 52 (3834).
(1/500)
367 - باب تحريم انتساب الإنسان إلى غير أبيه وتوليه إلى غير مواليه
1802 - عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام» (1). متفق عليه. (2)
__________
(1) الإنسان يجب عليه أن ينتسب إلى أهله: أبيه، جده، جد أبيه ... وما أشبه ذلك، ولا يحل له أن ينتسب إلى غير أبيه وهو يعلم أنه ليس بأبيه، فمثلا: إذا كان أبوه من القبيلة الفلانية، ورأى أن هذه القبيلة فيها نقص عن القبيلة الأخرى، فانتمى إلى قبيلة ثانية أعلى حسبا؛ لأجل أن يزيل عن نفسه عيب قبيلته، فإن هذا - والعياذ بالله - ملعون، عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. شرح رياض الصالحين 4/ 370.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 194 (6766)، ومسلم 1/ 57 (63) (115).
(1/500)
1803 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه، فهو كفر». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 194 (6768)، ومسلم 1/ 57 (62) (113).
(1/501)
1804 - وعن يزيد بن شريك بن طارق، قال: رأيت عليا - رضي الله عنه - على المنبر يخطب، فسمعته يقول: لا والله ما عندنا من كتاب نقرؤه إلا كتاب الله، وما في هذه الصحيفة (1)، فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات، وفيها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا». متفق عليه. (2)
«ذمة المسلمين» أي: عهدهم وأمانتهم. «وأخفره»: نقض عهده.
«والصرف»: التوبة، وقيل الحيلة. «والعدل»: الفداء.
__________
(1) قال المصنف رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم 5/ 121: «هذا تصريح من علي رضي الله تعالى عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة، ويخترعونه من قولهم: إن عليا رضي الله تعالى عنه أوصى إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم، وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة، لا أصل لها ويكفي في إبطالها قول علي - رضي الله عنه - هذا».
(2) أخرجه: البخاري 3/ 26 (1870)، ومسلم 4/ 115 (1370) (467).
(1/501)
1805 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى ما ليس له، فليس منا، وليتبوأ مقعده من [ص:502] النار، ومن دعا رجلا بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلا حار (1) عليه». متفق عليه، وهذا لفظ رواية مسلم. (2)
__________
(1) أي: رجع عليه.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 219 (3508)، ومسلم 1/ 57 (61) (112).
(1/501)
368 - باب التحذير من ارتكاب ما نهى الله - عز وجل - أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - عنه
قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63]، وقال تعالى: {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 30]، وقال تعالى: {إن بطش ربك لشديد} [البروج: 12]، وقال تعالى: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد? [هود: 102].
(1/502)
1806 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى يغار، وغيرة الله، أن يأتي المرء ما حرم الله عليه». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (64).
(1/502)
369 - باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهيا عنه
قال الله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} [فصلت: 36]، وقال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} [الأعراف: 201]، وقال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} [آل عمران: 135 - 136]، وقال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور: 31].
(1/502)
1807 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حلف فقال في حلفه: باللات والعزى (1)، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق».متفق عليه. (2)
__________
(1) وهذا يشمل كل حلف بغير الله جل ذكره.
(2) أخرجه: البخاري 6/ 176 (4860)، ومسلم 5/ 81 (1647) (5).
(1/502)
(18) - كتاب المنثورات والملح (1)
370 - باب أحاديث الدجال وأشراط الساعة وغيرها
1808 - عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل. فلما رحنا إليه، عرف ذلك فينا، فقال: «ما شأنكم؟» قلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال الغداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: «غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم؛ وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم. إنه شاب قطط عينه طافية (2)، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف (3)؛ إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا، يا عباد الله فاثبتوا» قلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: «أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم» قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: «لا، اقدروا له قدره». قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: «كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم، فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى
__________
(1) جمع ملحة وهو ما يستملح ويستعذب. شرح رياض الصالحين 4/ 379.
(2) قطط: يعني مجتمع الخلق، عينه طافية: يعني لا يبصر بها كأنه عنبة طافية فهو أعور خبيث.
(3) كما ورد في صحيح مسلم عن أبي الدرداء: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عصم من الدجال».
(1/503)
وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله تعالى المسيح ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد (1) فيقتله، ثم يأتي عيسى - صلى الله عليه وسلم - قوما قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى - صلى الله عليه وسلم: أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مئة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - إلى الله تعالى، فيرسل الله تعالى عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - إلى الله تعالى، فيرسل الله تعالى طيرا كأعناق البخت، فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله - عز وجل - مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس؛ واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس؛ فبينما هم كذلك إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم
__________
(1) قرية قرب بيت المقدس، من نواحي فلسطين، يقتل عيسى بن مريم الدجال ببابها. مراصد الاطلاع 3/ 1202.
(1/504)
فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم؛ ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة». رواه مسلم. (1)
قوله: «خلة بين الشام والعراق»: أي طريقا بينهما. وقوله: «عاث» بالعين المهملة والثاء المثلثة، والعيث: أشد الفساد. «والذرى»: بضم الذال المعجمة وهو أعالي الأسنمة وهو جمع ذروة بضم الذال وكسرها «واليعاسيب»: ذكور النحل. «وجزلتين»: أي قطعتين، «والغرض»: الهدف الذي يرمى إليه بالنشاب، أي: يرميه رمية كرمية النشاب إلى الهدف. «والمهرودة» بالدال المهملة والمعجمة، وهي: الثوب المصبوغ. قوله: «لا يدان»: أي لا طاقة. «والنغف»: دود. «وفرسى»: جمع فريس، وهو القتيل. و «الزلقة»: بفتح الزاي واللام وبالقاف، وروي: الزلفة بضم الزاي وإسكان اللام وبالفاء وهي المرآة. «والعصابة»: الجماعة. «والرسل» بكسر الراء: اللبن. «واللقحة»: اللبون. «والفئام» بكسر الفاء وبعدها همزة ممدودة: الجماعة. «والفخذ» من الناس: دون القبيلة.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 196 (2937) (110).
(1/505)
1809 - وعن ربعي بن حراش، قال: انطلقت مع أبي مسعود الأنصاري إلى حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهم - فقال له أبو مسعود: حدثني ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدجال، قال: «إن الدجال يخرج، وإن معه ماء ونارا، فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس نارا، فماء بارد عذب. فمن أدركه منكم، فليقع في الذي يراه نارا، فإنه ماء عذب طيب» فقال أبو مسعود: وأنا قد سمعته. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 205 (3450)، ومسلم 8/ 195 (2934) (107).
(1/505)
1810 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين، لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما، فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله - عز وجل - ريحا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل، لدخلته عليه حتى تقبضه، فيبقى شرار الناس في خفة الطير، وأحلام السباع، لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: [ص:506] ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، وأول من يسمعه رجل يلوط (1) حوض إبله فيصعق ويصعق الناس حوله، ثم يرسل الله -أو قال: ينزل الله - مطرا كأنه الطل أو الظل، فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس هلم إلى ربكم، وقفوهم إنهم مسئولون، ثم يقال: أخرجوا بعث النار فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمئة وتسعة وتسعين؛ فذلك يوم يجعل الولدان شيبا، وذلك يوم يكشف عن ساق». رواه مسلم. (2)
«الليت»: صفحة العنق. ومعناه يضع صفحة عنقه ويرفع صفحته الأخرى.
__________
(1) يلوط: أي يطينه ويصلحه. النهاية 4/ 277.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 201 (2940) (116).
(1/505)
1811 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة؛ وليس نقب من أنقابهما إلا عليه الملائكة صافين تحرسهما، فينزل بالسبخة (1)، فترجف المدينة ثلاث رجفات، يخرج الله منها كل كافر ومنافق». رواه مسلم. (2)
__________
(1) هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر. النهاية 2/ 333.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 206 (2943) (123).
(1/506)
1812 - وعنه - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يتبع الدجال من يهود أصبهان (1) سبعون ألفا عليهم الطيالسة». رواه مسلم. (2)
__________
(1) وهي معروفة من مدن إيران.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 207 (2944) (124).
(1/506)
1813 - وعن أم شريك رضي الله عنها: أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لينفرن الناس من الدجال في الجبال». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 207 (2945) (125).
(1/506)
1814 - وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 207 (2946) (127).
(1/506)
1815 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيتلقاه المسالح: مسالح الدجال. فيقولون له: إلى أين تعمد فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج. فيقولون له: أوما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء! فيقولون: اقتلوه. فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه، فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس، إن هذا الدجال الذي ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فيأمر الدجال به فيشبح؛ فيقول: خذوه وشجوه. فيوسع ظهره وبطنه ضربا، فيقول: أوما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب! فيؤمر به، فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه. ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم، فيستوي قائما. ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة. ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس؛ فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل الله ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا، فيأخذه بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنه قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة». فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين». رواه مسلم. وروى البخاري بعضه بمعناه (1).
«المسالح»: هم الخفراء والطلائع.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 28 (1882)، ومسلم 8/ 199 (2938) (113).
(1/507)
1816 - وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: ما سأل أحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الدجال أكثر مما سألته؛ وإنه قال لي: «ما يضرك» قلت: إنهم يقولون: إن معه جبل خبز ونهر ماء. قال: «هو أهون على الله من ذلك». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 74 (7122)، ومسلم 8/ 200 (2939) (114) و (115).
(1/507)
1817 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم - عز وجل - ليس بأعور، مكتوب بين عينيه ك ف ر (1)». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال المصنف رحمه الله في شرح صحيح مسلم 9/ 229: «الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقة جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطالها، ويظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته، ولا امتناع في ذلك، وذكر القاضي فيه خلافا: منهم من قال: هي كتابة حقيقية كما ذكرنا، ومنهم من قال: هي مجاز وإشارة إلى سمات الحدوث عليه، واحتج بقوله: «يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» وهذا مذهب ضعيف».
(2) أخرجه: البخاري 9/ 75 (7131)، ومسلم 8/ 195 (2933) (101).
(1/507)
1818 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه! إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار، فالتي يقول إنها الجنة هي النار». متفق عليه (1).
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 163 (3338)، ومسلم 8/ 196 (2936) (109).
(1/508)
1819 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال بين ظهراني الناس، فقال: «إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية (1)». متفق عليه. (2)
__________
(1) رويت بالهمز والترك وكلاهما صحيح، فالمهموز هي التي ذهب نورها وغير المهموز التي نتأت وطفت مرتفعة وفيها ضوء. قاله المصنف في شرح صحيح مسلم 9/ 229.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 202 (3439)، ومسلم 1/ 107 (169) (274).
(1/508)
1820 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر. فيقول الحجر والشجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله؛ إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود» (1). متفق عليه. (2)
__________
(1) تأمل كلمة (المسلمين) يقتتل المسلمون واليهود فينتصر المسلمون عليهم نصرا عزيزا، حتى إن اليهودي يختبىء خلف الحجر والشجر، فينطق الحجر والشجر بأمر الله فيقولان: يا مسلم هذا يهودي تحتي فاقتله.
أحجار تنطق وأشجار: لماذا؟ لأن القتال بين المسلمين واليهود، أما بين العرب واليهود، فهذا الله أعلم من ينتصر؟ لأن الذي يقاتل اليهود من أجل العروبة فقد قاتل حمية وعصبية ليس لله - عز وجل - ولا يمكن أن ينتصر ما دام قتاله من أجل العروبة، لا من أجل الدين والإسلام إلا أن يشاء الله، لكن إذا قاتلناهم من أجل الإسلام ونحن على الإسلام حقيقة فإننا غالبون بإذن الله ... شرح رياض الصالحين 4/ 389.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 51 (2926)، ومسلم 8/ 188 (2922) (82).
(1/508)
1821 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين، ما به إلا البلاء». متفق عليه (1).
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 73 (7115)، ومسلم 8/ 182 (157) (54).
(1/508)
1822 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم: لعلي أن أكون أنا أنجو».
وفي رواية: «يوشك أن يحسر الفرات عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 73 (7119)، ومسلم 8/ 174 (2894) (29) و (30).
(1/509)
1823 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العوافي يريد - عوافي السباع والطير - وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحوشا، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 27 (1874)، ومسلم 4/ 123 (1389) (499).
(1/509)
1824 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يكون خليفة من خلفائكم في آخر الزمان يحثو المال ولا يعده». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 184 (2914) (68) و (69).
(1/509)
1825 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب فلا يجد أحدا يأخذها منه، ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن (1) به من قلة الرجال وكثرة النساء». رواه مسلم. (2)
__________
(1) أي: ينتمين إليه، ليقوم بحوائجهن ويذب عنهن كقبيلة بقي من رجالها واحد فقط وبقيت نساؤها، فيلذن بذلك الرجل ليذب عنهن ويقوم بحوائجهن ولا يطمع فيهن أحد بسببه، وأما سبب قلة الرجال وكثرة النساء فهو الحرب والقتال الذي يقع في آخر الزمان وتراكم الملاحم، قاله المصنف في شرح صحيح مسلم 4/ 104.
(2) أخرجه: مسلم 3/ 84 (1012) (59).
(1/509)
1826 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اشترى رجل من رجل عقارا، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك، إنما اشتريت منك الأرض ولم أشتر الذهب، وقال الذي له [ص:510] الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية قال: أنكحا الغلام الجارية، وأنفقا على أنفسهما منه وتصدقا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 212 (3472)، ومسلم 5/ 133 (1721) (21).
(1/509)
1827 - وعنه - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما. فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود - صلى الله عليه وسلم - فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتاه. فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما. فقالت الصغرى: لا تفعل! رحمك الله، هو ابنها. فقضى به للصغرى». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 198 (3427)، ومسلم 5/ 133 (1720) (20).
(1/510)
1828 - وعن مرداس الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «يذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقى حثالة كحثالة (1) الشعير أو التمر لا يباليهم الله بالة». رواه البخاري. (2)
__________
(1) قال البخاري عقب تخريجه الحديث: «يقال حفالة وحثالة».
(2) أخرجه: البخاري 8/ 114 (6434).
(1/510)
1829 - وعن رفاعة بن رافع الزرقي - رضي الله عنه - قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: «من أفضل المسلمين» أو كلمة نحوها. قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 103 (3992).
(1/510)
1830 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا أنزل الله تعالى بقوم عذابا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 71 (7108)، ومسلم 8/ 165 (2879) (84).
(1/510)
1831 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كان جذع يقوم إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني في الخطبة - فلما وضع المنبر سمعنا للجذع مثل صوت العشار، حتى نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده عليه فسكن. [ص:511]
وفي رواية: فلما كان يوم الجمعة قعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق.
وفي رواية: فصاحت صياح الصبي، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت، قال: «بكت على ما كانت تسمع من الذكر». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 11 (918) و4/ 237 (3584) و (3585).
(1/510)
1832 - وعن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها» حديث حسن. رواه الدارقطني وغيره. (1)
__________
(1) أخرجه: الدارقطني 4/ 183، والحاكم 4/ 115، والبيهقي 10/ 12، وهو حديث ضعيف.
(1/511)
1833 - وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات نأكل الجراد.
وفي رواية: نأكل معه الجراد. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 117 (5495)، ومسلم 6/ 70 (1952) (52).
(1/511)
1834 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 38 (6133)، ومسلم 8/ 227 (2998) (63).
(1/511)
1835 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلا سلعة بعد العصر (1) فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه [ص:512] وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال الخطابي: «خص وقت العصر بتعظيم الإثم فيه. وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة في كل وقت؛ لأن الله عظم شأن هذا الوقت بأن جعل الملائكة تجتمع فيه وهو وقت ختام الأعمال»، وقال ابن حجر: «وخص بعد العصر بالحلف لشرفه بسبب اجتماع ملائكة الليل والنهار». فتح الباري 13/ 250 - 251.
(2) أخرجه: البخاري 3/ 145 (2358)، ومسلم 1/ 72 (108) (173).
(1/511)
1836 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بين النفختين أربعون» قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوما؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. «ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب الذنب (1)، فيه يركب الخلق، ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال النووي: «العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب، وهو رأس العصعص». شرح صحيح مسلم 9/ 251.
(2) أخرجه: البخاري 6/ 158 (4814)، ومسلم 8/ 209 (2955) (141).
(1/512)
1837 - وعنه، قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس يحدث القوم، جاء أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: «أين السائل عن الساعة؟» قال: ها أنا يا رسول الله. قال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة». قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 23 (59).
(1/512)
1838 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم» (1). رواه البخاري. (2)
__________
(1) وهذا وإن كان في الأمراء يشمل أيضا أئمة المساجد. (يصلون لكم) فإن أحسنوا في الصلاة وأتوا بها على ما ينبغي فذلك لكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم. يعني ليس عليكم أنتم من إساءتهم من شيء، وفي هذا إشارة إلى أنه يجب الصبر على ولاة الأمر - وإن أساءوا في الصلاة، وإن لم يصلوها على وقتها - فإن الواجب أن لا نشذ عنهم، وأن نؤخر الصلاة كما يؤخرون وحينئذ يكون تأخيرنا للصلاة عن أول وقتها يكون تأخيرا بعذر؛ لأجل موافقة الجماعة وعدم الشذوذ، ويكون بالنسبة لنا كأننا صلينا في أول الوقت. شرح رياض الصالحين 4/ 404.
(2) أخرجه: البخاري 1/ 178 (694).
(1/512)
1839 - وعنه - رضي الله عنه: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [البقرة: 110] قال: خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 47 (4557).
(1/512)
1840 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «عجب الله - عز وجل - من قوم يدخلون الجنة في السلاسل». رواهما البخاري. (1)
معناه: يؤسرون ويقيدون ثم يسلمون فيدخلون الجنة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 73 (3010).
(1/513)
1841 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 132 (671) (288).
(1/513)
1842 - وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - من قوله قال: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته. رواه مسلم هكذا. (1)
ورواه البرقاني في صحيحه عن سلمان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تكن أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها. فيها باض الشيطان وفرخ».
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 144 (2451) (100).
ورواية البرقاني أخرجها: الطبراني في " الكبير " (6118)، والخطيب في " تاريخه " 14/ 420، وهي رواية منكرة، والصحيح هو الوقف.
(1/513)
1843 - وعن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس - رضي الله عنه - قال: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، غفر الله لك، قال: «ولك». قال عاصم: فقلت له: أستغفر لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولك، ثم تلا هذه الآية: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد: 19]. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 86 (2346) (112).
(1/513)
1844 - وعن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 215 (3483).
(1/513)
1845 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 138 (6533)، ومسلم 5/ 107 (1678) (28).
(1/513)
1846 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار (1)، وخلق آدم مما وصف لكم». رواه مسلم. (2)
__________
(1) مارج النار: لهبها المختلط بسوادها. النهاية 4/ 315.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 226 (2996) (60).
(1/514)
1847 - وعنها رضي الله عنها، قالت: كان خلق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن. رواه مسلم في جملة حديث طويل (1).
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 168 - 169 (746) (139).
(1/514)
1848 - وعنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» فقلت: يا رسول الله، أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟ قال: «ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 65 (2684) (15).
(1/514)
1849 - وعن أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني، فمر رجلان من الأنصار رضي الله عنهما، فلما رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أسرعا. فقال - صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما، إنها صفية بنت حيي» فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا - أو قال: شيئا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 64 (2035)، ومسلم 7/ 8 (2175) (24).
(1/514)
1850 - وعن أبي الفضل العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين (1)، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم [ص:515] نفارقه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء، فلما التقى المسلمون والمشركون، ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أي عباس، ناد أصحاب السمرة (2)». قال العباس - وكان رجلا صيتا - فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة، فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك، فاقتتلوا هم والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: «هذا حين حمي الوطيس»، ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: «انهزموا ورب محمد»، فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا. رواه مسلم. (3)
«الوطيس» التنور، ومعناه: اشتدت الحرب. وقوله: «حدهم» هو بالحاء المهملة: أي بأسهم.
__________
(1) حنين: هي اسم مكان غزا به النبي - صلى الله عليه وسلم - ثقيفا، وفي الحديث: أنه يجب على الإنسان ألا يعجب بقوته ولا بكثرته ولا بعلمه ولا بماله ولا بذكائه ولا بعقله. والغالب أن الإنسان إذا أعجب فإنه يهزم بإذن الله ... بل استعن بالله - عز وجل - وفوض الأمر إليه حتى يتم لك ما تريد. شرح رياض الصالحين 4/ 413.
(2) السمرة: هي الشجرة التي بايع الصحابة عندها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديبية على ألا يفروا - وهم فروا الآن - فقال: يا أصحاب السمرة يذكرهم بهذه المبايعة، وفيها يقول الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [الفتح: 18].
(3) أخرجه: مسلم 5/ 166 (1775) (76).
(1/514)
1851 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال تعالى:
{يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} [المؤمنون: 51]، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 85 (1015) (65).
(1/515)
1852 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر». رواه مسلم. (1)
«العائل»: الفقير.
__________
(1) انظر الحديث (616).
(1/515)
1853 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «سيحان وجيحان (1) والفرات والنيل كل من أنهار الجنة» (2). رواه مسلم. (3)
__________
(1) سيحان وجيحان: هما نهران بالشام عند المصيصة وطرطوس. النهاية 1/ 323.
(2) هذه أربعة أنهار في الدنيا وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها من أنهار الجنة، للعلماء فيها تأويلان:
1 - أنها من أنهار الجنة حقيقة لكن لما نزلت إلى الأرض صار لها حكم أنهار الدنيا.
2 - أنها ليست من أنهار الجنة حقيقة لكنها أطيب الأنهار وأفضلها فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الوصف لها من باب رفع شأنها والثناء عليها، والله أعلم بما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم. شرح رياض الصالحين 4/ 415.
(3) أخرجه: مسلم 8/ 149 (2839) (26).
(1/516)
1854 - وعنه، قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال: «خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من النهار فيما بين العصر إلى الليل» (1). رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال ابن كثير في «تفسيره» 1/ 92: «وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعا، وقد حرر ذلك البيهقي».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 126 (2789) (27).
(1/516)
1855 - وعن أبي سليمان خالد بن الوليد - رضي الله عنه - قال: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 183 (4265).
(1/516)
1856 - وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم واجتهد، فأخطأ، فله أجر». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 132 (7352)، ومسلم 5/ 131 (1716) (15).
(1/516)
1857 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 147 (3263)، ومسلم 7/ 23 (2210) (81).
(1/517)
1858 - وعنها رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من مات وعليه صوم، صام عنه وليه» متفق عليه. (1)
والمختار جواز الصوم عمن مات وعليه صوم لهذا الحديث، والمراد بالولي: القريب وارثا كان أو غير وارث.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 45 (1952)، ومسلم 3/ 155 (1147) (153).
(1/517)
1859 - وعن عوف بن مالك بن الطفيل: أن عائشة رضي الله عنها، حدثت أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة رضي الله تعالى عنها: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، قالت: أهو قال هذا! قالوا: نعم. قالت: هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة. فقالت: لا، والله لا أشفع فيه أبدا، ولا أتحنث إلى نذري. فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمان ابن الأسود بن عبد يغوث وقال لهما: أنشدكما الله لما أدخلتماني على عائشة رضي الله عنها، فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور، وعبد الرحمان حتى استأذنا على عائشة فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة رضي الله عنها، وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور، وعبد الرحمان يناشدانها إلا كلمته وقبلت منه، ويقولان: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عما قد علمت من الهجرة؛ ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج، طفقت تذكرهما وتبكي، وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 25 (6073) و (6074) و (6075).
(1/517)
1860 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى قتلى أحد، فصلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع إلى المنبر، فقال: «إني بين أيديكم فرط وأنا شهيد عليكم وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، ألا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها» قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. (1)
وفي رواية: «ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم». قال عقبة: فكان آخر ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر.
وفي رواية قال: «إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها».
والمراد بالصلاة على قتلى أحد: الدعاء لهم، لا الصلاة المعروفة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 114 (1344) و5/ 120 (4042)، ومسلم 7/ 67 (2296) (301) و (31).
(1/518)
1861 - وعن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 173 (2892) (25).
(1/518)
1862 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 177 (6696).
(1/518)
1863 - وعن أم شريك رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها بقتل الأوزاغ وقال: «كان ينفخ على إبراهيم» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 171 (3359)، ومسلم 7/ 41 (2237) (142).
(1/518)
1864 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من قتل وزغة في أول [ص:519] ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى، وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة».
وفي رواية: «من قتل وزغا في أول ضربة كتب له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك». رواه مسلم. (1)
قال أهل اللغة: «الوزغ» العظام من سام أبرص.
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 42 (2240) (146) و (147).
(1/518)
1865 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق! فقال: اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية؛ فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية! فقال: اللهم لك الحمد على زانية! لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني؟ فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني! فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله». رواه البخاري بلفظه ومسلم بمعناه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 137 (1421)، ومسلم 3/ 89 (1022) (78).
(1/519)
1866 - وعنه، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعوة، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة وقال: «أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون مم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما أنتم فيه إلى ما بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى إلى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فقال: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح، أنت أول
(1/519)
الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبدا شكورا، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما بلغنا، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كنت كذبت ثلاث (1) كذبات؛ نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله، فضلك الله برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري؛ اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبا، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم».
وفي رواية: «فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح الله علي من محامده، وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء [ص:521] الناس فيما سوى ذلك من الأبواب». ثم قال: «والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى» (2). متفق عليه. (3)
__________
(1) الكذبات الثلاثة هي قوله: {إني سقيم} وهو ليس بسقيم، لكنه قال متحديا لقومه الذين يعبدون الكواكب.
والثانية: قوله للملك الكافر: «هذه أختي» يعني: زوجته ليسلم من شره، وهي ليست كذلك.
والثالثة: قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} أي: الأصنام. شرح رياض الصالحين 4/ 431.
(2) هجر: بفتح الهاء والجيم، مدينة هي قاعدة البحرين.
وبصرى: موضع بالشام، وصل إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - للتجارة، وهي مشهورة عند العرب. مراصد الاطلاع 1/ 201 و3/ 1452.
(3) أخرجه: البخاري 4/ 163 (3340) و6/ 105 (4712)، ومسلم 1/ 127 - 128 (194) (327).
(1/520)
1867 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بأم إسماعيل وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هناك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذا لا يضيعنا؛ ثم رجعت، فانطلق إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، فرفع يديه فقال: {رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع} حتى بلغ {يشكرون} [إبراهيم: 37]. وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا. فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، فنظرت هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «فلذلك سعي الناس بينهما»، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا، فقالت: صه - تريد نفسها - ثم تسمعت، فسمعت أيضا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. وفي رواية: بقدر ما تغرف. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أم إسماعيل
__________
(1867) أخرجه: البخاري 4/ 172 (3364) و175 (3365).
(1/521)
لو تركت زمزم - أو قال لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا» قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة؛ فرأوا طائرا عائفا، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء. فأرسلوا جريا أو جريين، فإذا هم بالماء. فرجعوا فأخبروهم؛ فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم. قال ابن عباس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «فألفى ذلك أم إسماعيل، وهي تحب الأنس» فنزلوا، فأرسلوا إلى أهلهم فنزلوا معهم، حتى إذا كانوا بها أهل أبيات وشب الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم: وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل؛ فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا - وفي رواية: يصيد لنا - ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة؛ وشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك اقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك! الحقي بأهلك. فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسأل عنه. قالت: خرج يبتغي لنا قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي - صلى الله عليه وسلم: ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه، قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه.
وفي رواية: فجاء فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد؛ فقالت امرأته: ألا تنزل، فتطعم وتشرب؟ قال: وما طعامكم وما شرابكم؟ قالت: طعامنا اللحم وشرابنا الماء، قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قال: فقال
(1/522)
أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم: بركة دعوة إبراهيم. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد. قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك؟ قال: وتعينني، قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني بيتا هاهنا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} [البقرة: 127].
وفي رواية: إن إبراهيم خرج بإسماعيل وأم إسماعيل، معهم شنة فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها، حتى قدم مكة، فوضعها تحت دوحة، ثم رجع إبراهيم إلى أهله، فاتبعته أم إسماعيل حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله، قالت: رضيت بالله، فرجعت وجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها، حتى لما فني الماء قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا. قال: فذهبت فصعدت الصفا، فنظرت ونظرت هل تحس أحدا، فلم تحس أحدا، فلما بلغت الوادي سعت، وأتت المروة، وفعلت ذلك أشواطا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل الصبي، فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله، كأنه ينشغ للموت، فلم تقرها نفسها فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا، فذهبت فصعدت الصفا، فنظرت ونظرت فلم تحس أحدا، حتى أتمت سبعا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، فإذا هي بصوت، فقالت: أغث إن كان عندك خير، فإذا جبريل فقال بعقبه هكذا، وغمز بعقبه على الأرض، فانبثق الماء فدهشت أم إسماعيل، فجعلت تحفن ... وذكر الحديث بطوله، رواه البخاري بهذه الروايات كلها.
«الدوحة» الشجرة الكبيرة. قوله: «قفى»: أي: ولى. «والجري»: الرسول. «وألفى»: معناه وجد. قوله: «ينشغ»: أي: يشهق.
(1/523)
1868 - وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين (1)» متفق عليه. (2)
__________
(1) قول: «وماؤها شفاء للعين» فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن ماءها يخلط في الأدوية التي يعالج بها العين.
الثاني: أنه يستعمل بحتا بعد شيها، واستقطار مائها.
الثالث: أن المراد بمائها الماء الذي يحدث به من المطر وهو أول قطر ينزل إلى الأرض ... زاد المعاد 4/ 334.
(2) أخرجه: البخاري 6/ 22 (4478)، ومسلم 6/ 124 (2049) (158).
(1/524)
19 - كتاب الاستغفار
371 - باب الأمر بالاستغفار وفضله
قال الله تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد: 19]، وقال تعالى: {واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما} [النساء: 106]، وقال تعالى: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} [النصر: 3]، وقال تعالى: {للذين اتقوا عند ربهم جنات} إلى قوله - عز وجل: {والمستغفرين بالأسحار} [آل عمران: 15 - 17]، وقال تعالى: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} [النساء:110]، وقال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33]، وقال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا [ص:505] لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران: 135] والآيات في الباب كثيرة معلومة.
(1/525)
1869 - وعن الأغر المزني - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه ليغان (1) على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي: «من الغين: وهو ما يتغشى القلب. وقال القاضي عياض: المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه». شرح صحيح مسلم 9/ 22 عقيب (2703).
(2) أخرجه: مسلم 8/ 72 (2702) (41).
(1/525)
1870 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة». رواه البخاري. (1)
__________
(1) انظر الحديث (13).
(1/526)
1871 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا، لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (422).
(1/526)
1872 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا نعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد مئة مرة: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح غريب».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1516)، وابن ماجه (3814)، والترمذي (3434)، والنسائي في «الكبرى» (10292).
(1/526)
1873 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب». رواه أبو داود. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1518)، وابن ماجه (3819)، والنسائي في «الكبرى» (10290)، وهو حديث ضعيف.
(1/526)
1874 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفرت ذنوبه، وإن كان قد فر من الزحف». رواه أبو داود والترمذي والحاكم، وقال: «حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم». (1)
__________
(1) أخرجه: الحاكم 1/ 511 و2/ 117 - 118.
وأخرجه: ابن خزيمة في «التوكل» كما في إتحاف المهرة 10/ 438 (13115) عن ابن مسعود.
أما روايتا أبي داود (1517)، والترمذي (3577) فعن زيد مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعا.
(1/526)
1875 - وعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، [ص:527] فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل، وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة». رواه البخاري. (1)
«أبوء» بباء مضمومة ثم واو وهمزة ممدودة ومعناه: أقر وأعترف.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 83 (6306).
(1/526)
1876 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاته، استغفر الله ثلاثا وقال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام». قيل للأوزاعي - وهو أحد رواته: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله، أستغفر الله. رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1415).
(1/527)
1877 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول قبل موته: «سبحان الله وبحمده، أستغفر الله، وأتوب إليه» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 207 (817)، ومسلم 2/ 50 (484) (220) باختلاف يسير.
(1/527)
1878 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
«عنان السماء» بفتح العين: قيل هو السحاب، وقيل: هو ما عن لك منها، أي ظهر. «وقراب الأرض» بضم القاف، وروي بكسرها، والضم أشهر. وهو ما يقارب ملأها.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3540)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/527)
1879 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا معشر النساء تصدقن، وأكثرن من الاستغفار؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار» قالت امرأة منهن: ما لنا أكثر أهل النار؟ قال: «تكثرن اللعن (1)، وتكفرن العشير (2)، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب [ص:528] لذي لب (3) منكن» قالت: ما نقصان العقل والدين؟ قال: «شهادة امرأتين بشهادة رجل، وتمكث الأيام لا تصلي». رواه مسلم. (4)
__________
(1) اللعن: من الله الطرد والإبعاد، ومن الخلق السب والدعاء. النهاية 4/ 255.
(2) العشير: الزوج. النهاية 3/ 240.
(3) اللب: العقل. النهاية 4/ 223
(4) أخرجه: مسلم 1/ 61 (79) (132).
(1/527)
372 - باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة
قال الله تعالى: {إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين} [الحجر: 45 - 48]. وقال تعالى: {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} [الزخرف: 68 - 73].
وقال تعالى: {إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم} [الدخان: 51 - 57].
وقال تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون} [المطففين: 22 - 28] والآيات في الباب كثيرة معلومة.
(1/528)
1880 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يأكل أهل الجنة فيها، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولا يبولون، ولكن طعامهم ذلك جشاء (1) كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتكبير، كما يلهمون النفس». رواه مسلم. (2)
__________
(1) التجشؤ: هو تنفس المعدة عند الامتلاء. لسان العرب 2/ 285 (جشأ).
(2) أخرجه: مسلم 8/ 147 (2835) (19).
(1/528)
1881 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17]». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 143 (3244)، ومسلم 8/ 143 (2824) (2).
(1/529)
1882 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون. أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة - عود الطيب - أزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء» متفق عليه. (1)
وفي رواية البخاري ومسلم: «آنيتهم فيها الذهب، ورشحهم المسك. ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا».
قوله: «على خلق رجل واحد». رواه بعضهم بفتح الخاء وإسكان اللام وبعضهم بضمهما وكلاهما صحيح.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 143 (3245) و (3246)، ومسلم 8/ 146 (2834) (15) و (17).
(1/529)
1883 - وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «سأل موسى - صلى الله عليه وسلم - ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: أي رب، كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة. رضيت رب، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك. فيقول: رضيت رب. قال: رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت؛ غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 120 (189) (312).
(1/529)
1884 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة. رجل يخرج من النار حبوا، فيقول الله - عز وجل - له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع، فيقول: يا رب وجدتها ملأى! فيقول الله - عز وجل - له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع. فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله - عز وجل - له: اذهب فادخل الجنة. فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها؛ أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي، أو تضحك بي وأنت الملك». قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه فكان يقول: «ذلك أدنى أهل الجنة منزلة» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 146 (6571)، ومسلم 1/ 118 (186) (308).
(1/530)
1885 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا. للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا» متفق عليه. (1)
«الميل»: ستة آلاف ذراع.
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 181 (4879)، ومسلم 8/ 148 (2838) (23).
(1/530)
1886 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر (1) السريع مائة سنة ما يقطعها» متفق عليه. (2)
وروياه في الصحيحين أيضا من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «يسير الراكب في ظلها مئة سنة ما يقطعها».
__________
(1) وتضمير الخيل: هو أن يظاهر عليها العلف حتى تسمن، ثم لا تعلف إلا قوتا لتخف. النهاية 3/ 99.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 142 (6553)، ومسلم 8/ 144 (2828).
وأخرجه: البخاري 6/ 183 (4881)،ومسلم 8/ 144 (2826) (6) عن أبي هريرة.
(1/530)
1887 - وعنه (1)، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما [ص:531] بينهم» قالوا: يا رسول الله؛ تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: «بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين». متفق عليه. (2)
__________
(1) أي: أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 145 (3256)، ومسلم 8/ 145 (2831) (11).
(1/530)
1888 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لقاب (1) قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس أو تغرب» متفق عليه. (2)
__________
(1) القاب: بمعنى القدر، يقال: بيني وبينه قاب رمح وقاب قوس: أي مقدارهما. النهاية 4/ 118.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 20 (2793).
(1/531)
1889 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن في الجنة سوقا يأتونها كل جمعة. فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهليهم، وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم حسنا وجمالا! فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا!». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 145 (2833) (13).
(1/531)
1890 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب في السماء» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 143 (6555)، ومسلم 8/ 144 (2830) (10).
(1/531)
1891 - وعنه - رضي الله عنه - قال: شهدت من النبي - صلى الله عليه وسلم - مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه: «فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» ثم قرأ: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} إلى قوله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [السجدة: 16 - 17]. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 143 (2825) (5).
أما رواية البخاري 4/ 143 (3244) فعن أبي هريرة.
(1/531)
1892 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي مناد: إن لكم أن تحيوا، فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تصحوا، فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا، فلا تبأسوا أبدا». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 148 (2837) (22).
(1/531)
1893 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة أن يقول له: تمن، فيتمنى ويتمنى فيقول له: هل تمنيت؟ فيقول: نعم، فيقول له: فإن لك ما تمنيت ومثله معه». رواه مسلم (1).
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 114 (182) (301).
(1/532)
1894 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله - عز وجل - يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 142 (6549)، ومسلم 8/ 144 (2829) (9).
(1/532)
1895 - وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلة البدر، وقال: «إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته» متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1051).
(1/532)
1896 - وعن صهيب - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم».رواه مسلم. (1)
قال الله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 9 - 10].
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه [ص:533] وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
قال مؤلفه: فرغت منه يوم الإثنين رابع شهر رمضان سنة سبعين وستمائة
بدمشق
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 112 (181) (297).
(1/532)
__________
(1) تأمل كلمة (المسلمين) يقتتل المسلمون واليهود فينتصر المسلمون عليهم نصرا عزيزا، حتى إن اليهودي يختبىء خلف الحجر والشجر، فينطق الحجر والشجر بأمر الله فيقولان: يا مسلم هذا يهودي تحتي فاقتله.
أحجار تنطق وأشجار: لماذا؟ لأن القتال بين المسلمين واليهود، أما بين العرب واليهود، فهذا الله أعلم من ينتصر؟ لأن الذي يقاتل اليهود من أجل العروبة فقد قاتل حمية وعصبية ليس لله - عز وجل - ولا يمكن أن ينتصر ما دام قتاله من أجل العروبة، لا من أجل الدين والإسلام إلا أن يشاء الله، لكن إذا قاتلناهم من أجل الإسلام ونحن على الإسلام حقيقة فإننا غالبون بإذن الله ... شرح رياض الصالحين 4/ 389.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 51 (2926)، ومسلم 8/ 188 (2922) (82).
(1/508)
1821 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر، فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين، ما به إلا البلاء». متفق عليه (1).
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 73 (7115)، ومسلم 8/ 182 (157) (54).
(1/508)
1822 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم: لعلي أن أكون أنا أنجو».
وفي رواية: «يوشك أن يحسر الفرات عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 73 (7119)، ومسلم 8/ 174 (2894) (29) و (30).
(1/509)
1823 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العوافي يريد - عوافي السباع والطير - وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحوشا، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 27 (1874)، ومسلم 4/ 123 (1389) (499).
(1/509)
1824 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يكون خليفة من خلفائكم في آخر الزمان يحثو المال ولا يعده». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 184 (2914) (68) و (69).
(1/509)
1825 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب فلا يجد أحدا يأخذها منه، ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن (1) به من قلة الرجال وكثرة النساء». رواه مسلم. (2)
__________
(1) أي: ينتمين إليه، ليقوم بحوائجهن ويذب عنهن كقبيلة بقي من رجالها واحد فقط وبقيت نساؤها، فيلذن بذلك الرجل ليذب عنهن ويقوم بحوائجهن ولا يطمع فيهن أحد بسببه، وأما سبب قلة الرجال وكثرة النساء فهو الحرب والقتال الذي يقع في آخر الزمان وتراكم الملاحم، قاله المصنف في شرح صحيح مسلم 4/ 104.
(2) أخرجه: مسلم 3/ 84 (1012) (59).
(1/509)
1826 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اشترى رجل من رجل عقارا، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك، إنما اشتريت منك الأرض ولم أشتر الذهب، وقال الذي له [ص:510] الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية قال: أنكحا الغلام الجارية، وأنفقا على أنفسهما منه وتصدقا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 212 (3472)، ومسلم 5/ 133 (1721) (21).
(1/509)
1827 - وعنه - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما. فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود - صلى الله عليه وسلم - فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتاه. فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما. فقالت الصغرى: لا تفعل! رحمك الله، هو ابنها. فقضى به للصغرى». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 198 (3427)، ومسلم 5/ 133 (1720) (20).
(1/510)
1828 - وعن مرداس الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «يذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقى حثالة كحثالة (1) الشعير أو التمر لا يباليهم الله بالة». رواه البخاري. (2)
__________
(1) قال البخاري عقب تخريجه الحديث: «يقال حفالة وحثالة».
(2) أخرجه: البخاري 8/ 114 (6434).
(1/510)
1829 - وعن رفاعة بن رافع الزرقي - رضي الله عنه - قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: «من أفضل المسلمين» أو كلمة نحوها. قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 103 (3992).
(1/510)
1830 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا أنزل الله تعالى بقوم عذابا، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 71 (7108)، ومسلم 8/ 165 (2879) (84).
(1/510)
1831 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: كان جذع يقوم إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني في الخطبة - فلما وضع المنبر سمعنا للجذع مثل صوت العشار، حتى نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده عليه فسكن. [ص:511]
وفي رواية: فلما كان يوم الجمعة قعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق.
وفي رواية: فصاحت صياح الصبي، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت، قال: «بكت على ما كانت تسمع من الذكر». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 11 (918) و4/ 237 (3584) و (3585).
(1/510)
1832 - وعن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها» حديث حسن. رواه الدارقطني وغيره. (1)
__________
(1) أخرجه: الدارقطني 4/ 183، والحاكم 4/ 115، والبيهقي 10/ 12، وهو حديث ضعيف.
(1/511)
1833 - وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات نأكل الجراد.
وفي رواية: نأكل معه الجراد. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 117 (5495)، ومسلم 6/ 70 (1952) (52).
(1/511)
1834 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 38 (6133)، ومسلم 8/ 227 (2998) (63).
(1/511)
1835 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلا سلعة بعد العصر (1) فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه [ص:512] وهو على غير ذلك، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها وفى وإن لم يعطه منها لم يف». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال الخطابي: «خص وقت العصر بتعظيم الإثم فيه. وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة في كل وقت؛ لأن الله عظم شأن هذا الوقت بأن جعل الملائكة تجتمع فيه وهو وقت ختام الأعمال»، وقال ابن حجر: «وخص بعد العصر بالحلف لشرفه بسبب اجتماع ملائكة الليل والنهار». فتح الباري 13/ 250 - 251.
(2) أخرجه: البخاري 3/ 145 (2358)، ومسلم 1/ 72 (108) (173).
(1/511)
1836 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بين النفختين أربعون» قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوما؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. «ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب الذنب (1)، فيه يركب الخلق، ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال النووي: «العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب، وهو رأس العصعص». شرح صحيح مسلم 9/ 251.
(2) أخرجه: البخاري 6/ 158 (4814)، ومسلم 8/ 209 (2955) (141).
(1/512)
1837 - وعنه، قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس يحدث القوم، جاء أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: «أين السائل عن الساعة؟» قال: ها أنا يا رسول الله. قال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة». قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 23 (59).
(1/512)
1838 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم» (1). رواه البخاري. (2)
__________
(1) وهذا وإن كان في الأمراء يشمل أيضا أئمة المساجد. (يصلون لكم) فإن أحسنوا في الصلاة وأتوا بها على ما ينبغي فذلك لكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم. يعني ليس عليكم أنتم من إساءتهم من شيء، وفي هذا إشارة إلى أنه يجب الصبر على ولاة الأمر - وإن أساءوا في الصلاة، وإن لم يصلوها على وقتها - فإن الواجب أن لا نشذ عنهم، وأن نؤخر الصلاة كما يؤخرون وحينئذ يكون تأخيرنا للصلاة عن أول وقتها يكون تأخيرا بعذر؛ لأجل موافقة الجماعة وعدم الشذوذ، ويكون بالنسبة لنا كأننا صلينا في أول الوقت. شرح رياض الصالحين 4/ 404.
(2) أخرجه: البخاري 1/ 178 (694).
(1/512)
1839 - وعنه - رضي الله عنه: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [البقرة: 110] قال: خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 47 (4557).
(1/512)
1840 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «عجب الله - عز وجل - من قوم يدخلون الجنة في السلاسل». رواهما البخاري. (1)
معناه: يؤسرون ويقيدون ثم يسلمون فيدخلون الجنة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 73 (3010).
(1/513)
1841 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 132 (671) (288).
(1/513)
1842 - وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - من قوله قال: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته. رواه مسلم هكذا. (1)
ورواه البرقاني في صحيحه عن سلمان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تكن أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها. فيها باض الشيطان وفرخ».
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 144 (2451) (100).
ورواية البرقاني أخرجها: الطبراني في " الكبير " (6118)، والخطيب في " تاريخه " 14/ 420، وهي رواية منكرة، والصحيح هو الوقف.
(1/513)
1843 - وعن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس - رضي الله عنه - قال: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، غفر الله لك، قال: «ولك». قال عاصم: فقلت له: أستغفر لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولك، ثم تلا هذه الآية: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد: 19]. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 86 (2346) (112).
(1/513)
1844 - وعن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 215 (3483).
(1/513)
1845 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 138 (6533)، ومسلم 5/ 107 (1678) (28).
(1/513)
1846 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار (1)، وخلق آدم مما وصف لكم». رواه مسلم. (2)
__________
(1) مارج النار: لهبها المختلط بسوادها. النهاية 4/ 315.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 226 (2996) (60).
(1/514)
1847 - وعنها رضي الله عنها، قالت: كان خلق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن. رواه مسلم في جملة حديث طويل (1).
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 168 - 169 (746) (139).
(1/514)
1848 - وعنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» فقلت: يا رسول الله، أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟ قال: «ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 65 (2684) (15).
(1/514)
1849 - وعن أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها، قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني، فمر رجلان من الأنصار رضي الله عنهما، فلما رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أسرعا. فقال - صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما، إنها صفية بنت حيي» فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا - أو قال: شيئا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 64 (2035)، ومسلم 7/ 8 (2175) (24).
(1/514)
1850 - وعن أبي الفضل العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين (1)، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم [ص:515] نفارقه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلة له بيضاء، فلما التقى المسلمون والمشركون، ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته قبل الكفار، وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أي عباس، ناد أصحاب السمرة (2)». قال العباس - وكان رجلا صيتا - فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة، فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك، فاقتتلوا هم والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال: «هذا حين حمي الوطيس»، ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: «انهزموا ورب محمد»، فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا. رواه مسلم. (3)
«الوطيس» التنور، ومعناه: اشتدت الحرب. وقوله: «حدهم» هو بالحاء المهملة: أي بأسهم.
__________
(1) حنين: هي اسم مكان غزا به النبي - صلى الله عليه وسلم - ثقيفا، وفي الحديث: أنه يجب على الإنسان ألا يعجب بقوته ولا بكثرته ولا بعلمه ولا بماله ولا بذكائه ولا بعقله. والغالب أن الإنسان إذا أعجب فإنه يهزم بإذن الله ... بل استعن بالله - عز وجل - وفوض الأمر إليه حتى يتم لك ما تريد. شرح رياض الصالحين 4/ 413.
(2) السمرة: هي الشجرة التي بايع الصحابة عندها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديبية على ألا يفروا - وهم فروا الآن - فقال: يا أصحاب السمرة يذكرهم بهذه المبايعة، وفيها يقول الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [الفتح: 18].
(3) أخرجه: مسلم 5/ 166 (1775) (76).
(1/514)
1851 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال تعالى:
{يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} [المؤمنون: 51]، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 85 (1015) (65).
(1/515)
1852 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر». رواه مسلم. (1)
«العائل»: الفقير.
__________
(1) انظر الحديث (616).
(1/515)
1853 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «سيحان وجيحان (1) والفرات والنيل كل من أنهار الجنة» (2). رواه مسلم. (3)
__________
(1) سيحان وجيحان: هما نهران بالشام عند المصيصة وطرطوس. النهاية 1/ 323.
(2) هذه أربعة أنهار في الدنيا وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها من أنهار الجنة، للعلماء فيها تأويلان:
1 - أنها من أنهار الجنة حقيقة لكن لما نزلت إلى الأرض صار لها حكم أنهار الدنيا.
2 - أنها ليست من أنهار الجنة حقيقة لكنها أطيب الأنهار وأفضلها فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الوصف لها من باب رفع شأنها والثناء عليها، والله أعلم بما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم. شرح رياض الصالحين 4/ 415.
(3) أخرجه: مسلم 8/ 149 (2839) (26).
(1/516)
1854 - وعنه، قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي فقال: «خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من النهار فيما بين العصر إلى الليل» (1). رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال ابن كثير في «تفسيره» 1/ 92: «وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعا، وقد حرر ذلك البيهقي».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 126 (2789) (27).
(1/516)
1855 - وعن أبي سليمان خالد بن الوليد - رضي الله عنه - قال: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 183 (4265).
(1/516)
1856 - وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم واجتهد، فأخطأ، فله أجر». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 132 (7352)، ومسلم 5/ 131 (1716) (15).
(1/516)
1857 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 147 (3263)، ومسلم 7/ 23 (2210) (81).
(1/517)
1858 - وعنها رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من مات وعليه صوم، صام عنه وليه» متفق عليه. (1)
والمختار جواز الصوم عمن مات وعليه صوم لهذا الحديث، والمراد بالولي: القريب وارثا كان أو غير وارث.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 45 (1952)، ومسلم 3/ 155 (1147) (153).
(1/517)
1859 - وعن عوف بن مالك بن الطفيل: أن عائشة رضي الله عنها، حدثت أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة رضي الله تعالى عنها: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، قالت: أهو قال هذا! قالوا: نعم. قالت: هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة. فقالت: لا، والله لا أشفع فيه أبدا، ولا أتحنث إلى نذري. فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمان ابن الأسود بن عبد يغوث وقال لهما: أنشدكما الله لما أدخلتماني على عائشة رضي الله عنها، فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي، فأقبل به المسور، وعبد الرحمان حتى استأذنا على عائشة فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة رضي الله عنها، وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور، وعبد الرحمان يناشدانها إلا كلمته وقبلت منه، ويقولان: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عما قد علمت من الهجرة؛ ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج، طفقت تذكرهما وتبكي، وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 25 (6073) و (6074) و (6075).
(1/517)
1860 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى قتلى أحد، فصلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع إلى المنبر، فقال: «إني بين أيديكم فرط وأنا شهيد عليكم وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، ألا وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها» قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. (1)
وفي رواية: «ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم». قال عقبة: فكان آخر ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر.
وفي رواية قال: «إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها».
والمراد بالصلاة على قتلى أحد: الدعاء لهم، لا الصلاة المعروفة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 114 (1344) و5/ 120 (4042)، ومسلم 7/ 67 (2296) (301) و (31).
(1/518)
1861 - وعن أبي زيد عمرو بن أخطب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 173 (2892) (25).
(1/518)
1862 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 177 (6696).
(1/518)
1863 - وعن أم شريك رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها بقتل الأوزاغ وقال: «كان ينفخ على إبراهيم» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 171 (3359)، ومسلم 7/ 41 (2237) (142).
(1/518)
1864 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من قتل وزغة في أول [ص:519] ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى، وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة».
وفي رواية: «من قتل وزغا في أول ضربة كتب له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك». رواه مسلم. (1)
قال أهل اللغة: «الوزغ» العظام من سام أبرص.
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 42 (2240) (146) و (147).
(1/518)
1865 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال رجل لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق! فقال: اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية؛ فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية! فقال: اللهم لك الحمد على زانية! لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني؟ فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني! فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله». رواه البخاري بلفظه ومسلم بمعناه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 137 (1421)، ومسلم 3/ 89 (1022) (78).
(1/519)
1866 - وعنه، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعوة، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة وقال: «أنا سيد الناس يوم القيامة، هل تدرون مم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما أنتم فيه إلى ما بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتونه فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى إلى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فقال: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح، أنت أول
(1/519)
الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبدا شكورا، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما بلغنا، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كنت كذبت ثلاث (1) كذبات؛ نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله، فضلك الله برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري؛ اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبا، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم».
وفي رواية: «فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح الله علي من محامده، وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء [ص:521] الناس فيما سوى ذلك من الأبواب». ثم قال: «والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى» (2). متفق عليه. (3)
__________
(1) الكذبات الثلاثة هي قوله: {إني سقيم} وهو ليس بسقيم، لكنه قال متحديا لقومه الذين يعبدون الكواكب.
والثانية: قوله للملك الكافر: «هذه أختي» يعني: زوجته ليسلم من شره، وهي ليست كذلك.
والثالثة: قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} أي: الأصنام. شرح رياض الصالحين 4/ 431.
(2) هجر: بفتح الهاء والجيم، مدينة هي قاعدة البحرين.
وبصرى: موضع بالشام، وصل إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - للتجارة، وهي مشهورة عند العرب. مراصد الاطلاع 1/ 201 و3/ 1452.
(3) أخرجه: البخاري 4/ 163 (3340) و6/ 105 (4712)، ومسلم 1/ 127 - 128 (194) (327).
(1/520)
1867 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جاء إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بأم إسماعيل وبابنها إسماعيل وهي ترضعه، حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هناك، ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم قفى إبراهيم منطلقا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها، قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذا لا يضيعنا؛ ثم رجعت، فانطلق إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، فرفع يديه فقال: {رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع} حتى بلغ {يشكرون} [إبراهيم: 37]. وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا. فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، فنظرت هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «فلذلك سعي الناس بينهما»، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا، فقالت: صه - تريد نفسها - ثم تسمعت، فسمعت أيضا، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف. وفي رواية: بقدر ما تغرف. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أم إسماعيل
__________
(1867) أخرجه: البخاري 4/ 172 (3364) و175 (3365).
(1/521)
لو تركت زمزم - أو قال لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا» قال: فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة؛ فرأوا طائرا عائفا، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء. فأرسلوا جريا أو جريين، فإذا هم بالماء. فرجعوا فأخبروهم؛ فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا: نعم. قال ابن عباس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «فألفى ذلك أم إسماعيل، وهي تحب الأنس» فنزلوا، فأرسلوا إلى أهلهم فنزلوا معهم، حتى إذا كانوا بها أهل أبيات وشب الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم: وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل؛ فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا - وفي رواية: يصيد لنا - ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بشر، نحن في ضيق وشدة؛ وشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك اقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، فسألني: كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك! الحقي بأهلك. فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسأل عنه. قالت: خرج يبتغي لنا قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله. فقال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي - صلى الله عليه وسلم: ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه، قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه.
وفي رواية: فجاء فقال: أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد؛ فقالت امرأته: ألا تنزل، فتطعم وتشرب؟ قال: وما طعامكم وما شرابكم؟ قالت: طعامنا اللحم وشرابنا الماء، قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم. قال: فقال
(1/522)
أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم: بركة دعوة إبراهيم. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير. قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم، يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك. قال: ذاك أبي، وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد. قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك؟ قال: وتعينني، قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني بيتا هاهنا، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، فعند ذلك رفع القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} [البقرة: 127].
وفي رواية: إن إبراهيم خرج بإسماعيل وأم إسماعيل، معهم شنة فيها ماء، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة فيدر لبنها على صبيها، حتى قدم مكة، فوضعها تحت دوحة، ثم رجع إبراهيم إلى أهله، فاتبعته أم إسماعيل حتى لما بلغوا كداء نادته من ورائه: يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله، قالت: رضيت بالله، فرجعت وجعلت تشرب من الشنة ويدر لبنها على صبيها، حتى لما فني الماء قالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا. قال: فذهبت فصعدت الصفا، فنظرت ونظرت هل تحس أحدا، فلم تحس أحدا، فلما بلغت الوادي سعت، وأتت المروة، وفعلت ذلك أشواطا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل الصبي، فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله، كأنه ينشغ للموت، فلم تقرها نفسها فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا، فذهبت فصعدت الصفا، فنظرت ونظرت فلم تحس أحدا، حتى أتمت سبعا، ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل، فإذا هي بصوت، فقالت: أغث إن كان عندك خير، فإذا جبريل فقال بعقبه هكذا، وغمز بعقبه على الأرض، فانبثق الماء فدهشت أم إسماعيل، فجعلت تحفن ... وذكر الحديث بطوله، رواه البخاري بهذه الروايات كلها.
«الدوحة» الشجرة الكبيرة. قوله: «قفى»: أي: ولى. «والجري»: الرسول. «وألفى»: معناه وجد. قوله: «ينشغ»: أي: يشهق.
(1/523)
1868 - وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين (1)» متفق عليه. (2)
__________
(1) قول: «وماؤها شفاء للعين» فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن ماءها يخلط في الأدوية التي يعالج بها العين.
الثاني: أنه يستعمل بحتا بعد شيها، واستقطار مائها.
الثالث: أن المراد بمائها الماء الذي يحدث به من المطر وهو أول قطر ينزل إلى الأرض ... زاد المعاد 4/ 334.
(2) أخرجه: البخاري 6/ 22 (4478)، ومسلم 6/ 124 (2049) (158).
(1/524)
19 - كتاب الاستغفار
371 - باب الأمر بالاستغفار وفضله
قال الله تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد: 19]، وقال تعالى: {واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما} [النساء: 106]، وقال تعالى: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} [النصر: 3]، وقال تعالى: {للذين اتقوا عند ربهم جنات} إلى قوله - عز وجل: {والمستغفرين بالأسحار} [آل عمران: 15 - 17]، وقال تعالى: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} [النساء:110]، وقال تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33]، وقال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا [ص:505] لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران: 135] والآيات في الباب كثيرة معلومة.
(1/525)
1869 - وعن الأغر المزني - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه ليغان (1) على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي: «من الغين: وهو ما يتغشى القلب. وقال القاضي عياض: المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه». شرح صحيح مسلم 9/ 22 عقيب (2703).
(2) أخرجه: مسلم 8/ 72 (2702) (41).
(1/525)
1870 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة». رواه البخاري. (1)
__________
(1) انظر الحديث (13).
(1/526)
1871 - وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا، لذهب الله تعالى بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (422).
(1/526)
1872 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا نعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد مئة مرة: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح غريب».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1516)، وابن ماجه (3814)، والترمذي (3434)، والنسائي في «الكبرى» (10292).
(1/526)
1873 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب». رواه أبو داود. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1518)، وابن ماجه (3819)، والنسائي في «الكبرى» (10290)، وهو حديث ضعيف.
(1/526)
1874 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفرت ذنوبه، وإن كان قد فر من الزحف». رواه أبو داود والترمذي والحاكم، وقال: «حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم». (1)
__________
(1) أخرجه: الحاكم 1/ 511 و2/ 117 - 118.
وأخرجه: ابن خزيمة في «التوكل» كما في إتحاف المهرة 10/ 438 (13115) عن ابن مسعود.
أما روايتا أبي داود (1517)، والترمذي (3577) فعن زيد مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعا.
(1/526)
1875 - وعن شداد بن أوس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، [ص:527] فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل، وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة». رواه البخاري. (1)
«أبوء» بباء مضمومة ثم واو وهمزة ممدودة ومعناه: أقر وأعترف.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 83 (6306).
(1/526)
1876 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاته، استغفر الله ثلاثا وقال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام». قيل للأوزاعي - وهو أحد رواته: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله، أستغفر الله. رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1415).
(1/527)
1877 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول قبل موته: «سبحان الله وبحمده، أستغفر الله، وأتوب إليه» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 207 (817)، ومسلم 2/ 50 (484) (220) باختلاف يسير.
(1/527)
1878 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
«عنان السماء» بفتح العين: قيل هو السحاب، وقيل: هو ما عن لك منها، أي ظهر. «وقراب الأرض» بضم القاف، وروي بكسرها، والضم أشهر. وهو ما يقارب ملأها.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3540)، وقال: «حديث حسن غريب».
(1/527)
1879 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا معشر النساء تصدقن، وأكثرن من الاستغفار؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار» قالت امرأة منهن: ما لنا أكثر أهل النار؟ قال: «تكثرن اللعن (1)، وتكفرن العشير (2)، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب [ص:528] لذي لب (3) منكن» قالت: ما نقصان العقل والدين؟ قال: «شهادة امرأتين بشهادة رجل، وتمكث الأيام لا تصلي». رواه مسلم. (4)
__________
(1) اللعن: من الله الطرد والإبعاد، ومن الخلق السب والدعاء. النهاية 4/ 255.
(2) العشير: الزوج. النهاية 3/ 240.
(3) اللب: العقل. النهاية 4/ 223
(4) أخرجه: مسلم 1/ 61 (79) (132).
(1/527)
372 - باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة
قال الله تعالى: {إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين} [الحجر: 45 - 48]. وقال تعالى: {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} [الزخرف: 68 - 73].
وقال تعالى: {إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم} [الدخان: 51 - 57].
وقال تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون} [المطففين: 22 - 28] والآيات في الباب كثيرة معلومة.
(1/528)
1880 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يأكل أهل الجنة فيها، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولا يبولون، ولكن طعامهم ذلك جشاء (1) كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتكبير، كما يلهمون النفس». رواه مسلم. (2)
__________
(1) التجشؤ: هو تنفس المعدة عند الامتلاء. لسان العرب 2/ 285 (جشأ).
(2) أخرجه: مسلم 8/ 147 (2835) (19).
(1/528)
1881 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إن شئتم: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17]». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 143 (3244)، ومسلم 8/ 143 (2824) (2).
(1/529)
1882 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون. أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة - عود الطيب - أزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء» متفق عليه. (1)
وفي رواية البخاري ومسلم: «آنيتهم فيها الذهب، ورشحهم المسك. ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيا».
قوله: «على خلق رجل واحد». رواه بعضهم بفتح الخاء وإسكان اللام وبعضهم بضمهما وكلاهما صحيح.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 143 (3245) و (3246)، ومسلم 8/ 146 (2834) (15) و (17).
(1/529)
1883 - وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «سأل موسى - صلى الله عليه وسلم - ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: أي رب، كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة. رضيت رب، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك. فيقول: رضيت رب. قال: رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت؛ غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 120 (189) (312).
(1/529)
1884 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة. رجل يخرج من النار حبوا، فيقول الله - عز وجل - له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع، فيقول: يا رب وجدتها ملأى! فيقول الله - عز وجل - له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع. فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول الله - عز وجل - له: اذهب فادخل الجنة. فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها؛ أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي، أو تضحك بي وأنت الملك». قال: فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه فكان يقول: «ذلك أدنى أهل الجنة منزلة» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 146 (6571)، ومسلم 1/ 118 (186) (308).
(1/530)
1885 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا. للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا» متفق عليه. (1)
«الميل»: ستة آلاف ذراع.
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 181 (4879)، ومسلم 8/ 148 (2838) (23).
(1/530)
1886 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر (1) السريع مائة سنة ما يقطعها» متفق عليه. (2)
وروياه في الصحيحين أيضا من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «يسير الراكب في ظلها مئة سنة ما يقطعها».
__________
(1) وتضمير الخيل: هو أن يظاهر عليها العلف حتى تسمن، ثم لا تعلف إلا قوتا لتخف. النهاية 3/ 99.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 142 (6553)، ومسلم 8/ 144 (2828).
وأخرجه: البخاري 6/ 183 (4881)،ومسلم 8/ 144 (2826) (6) عن أبي هريرة.
(1/530)
1887 - وعنه (1)، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما [ص:531] بينهم» قالوا: يا رسول الله؛ تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال: «بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين». متفق عليه. (2)
__________
(1) أي: أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 145 (3256)، ومسلم 8/ 145 (2831) (11).
(1/530)
1888 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لقاب (1) قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس أو تغرب» متفق عليه. (2)
__________
(1) القاب: بمعنى القدر، يقال: بيني وبينه قاب رمح وقاب قوس: أي مقدارهما. النهاية 4/ 118.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 20 (2793).
(1/531)
1889 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن في الجنة سوقا يأتونها كل جمعة. فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهليهم، وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم حسنا وجمالا! فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا!». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 145 (2833) (13).
(1/531)
1890 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب في السماء» متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 143 (6555)، ومسلم 8/ 144 (2830) (10).
(1/531)
1891 - وعنه - رضي الله عنه - قال: شهدت من النبي - صلى الله عليه وسلم - مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه: «فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» ثم قرأ: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} إلى قوله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} [السجدة: 16 - 17]. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 143 (2825) (5).
أما رواية البخاري 4/ 143 (3244) فعن أبي هريرة.
(1/531)
1892 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي مناد: إن لكم أن تحيوا، فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تصحوا، فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا، فلا تبأسوا أبدا». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 148 (2837) (22).
(1/531)
1893 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة أن يقول له: تمن، فيتمنى ويتمنى فيقول له: هل تمنيت؟ فيقول: نعم، فيقول له: فإن لك ما تمنيت ومثله معه». رواه مسلم (1).
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 114 (182) (301).
(1/532)
1894 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله - عز وجل - يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 142 (6549)، ومسلم 8/ 144 (2829) (9).
(1/532)
1895 - وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إلى القمر ليلة البدر، وقال: «إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته» متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (1051).
(1/532)
1896 - وعن صهيب - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم».رواه مسلم. (1)
قال الله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 9 - 10].
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد وأزواجه [ص:533] وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
قال مؤلفه: فرغت منه يوم الإثنين رابع شهر رمضان سنة سبعين وستمائة
بدمشق
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 112 (181) (297).
(1/532)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق