ج 1-شعب الإيمان أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي
أقسام الكتاب/ 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32
مقدمة
شُعَبُ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رَبِّ يَسِّرْ وَأَعِنْ يَا كَرِيمٌ
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الشَّافِعِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْفَرَاوِيُّ، وَأَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيُّ، وَحَدَّثَنِي أَبِي وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ، عَنْ زَاهِرٍ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ شَيْخُ السُّنَّةِ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الْبَيْهَقِيُّ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ، الْقَدِيمِ، الْمَاجِدِ، الْعَظِيمِ، الْوَاسِعِ، الْعَلِيمِ، الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَعَلَّمَهُ أَفْضَلَ تَعْلِيمٍ، وَكَرَّمَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ أَبْيَنَ تَكْرِيمٍ . أَحْمَدُهُ، وًأَسْتَعِينُهُ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ الزَّلَلِ، وَأَسْتَهْديهِ لِصَالِحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى، الرَّسُولِ الْكَرِيمِ الْمُجْتَبَي، مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَسَيِّد الْمُرْسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَيُسَلِّمَ كَثِيرًا . أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ - بِفَضْلِهِ وَلُطْفِهِ وَفَّقَنِي لِتَصْنِيفِ كُتُبٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَخْبَارٍ مُسْتَعْمَلَةٍ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرًا . ثُمَّ أَنِّي أَحْبَبْتُ تَصْنِيفَ كِتَابٍ جَامِعٍ أَصْلَ الْإِيمَانِ وَفُرُوعَهُ وَمَا جَاءَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي بَيَانِهِ وَحُسْنِ الْقِيَامِ بِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، فَوَجَدْتُ الْحَاكِمَ أَبَا عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنَ بْنَ الْحَسَنِ الْحُلَيْمِيَّ - رَحَمَنَا اللهُ وَإِيَّاُه - أَوْرَدَ فِي" كِتَابِ الْمِنْهَاجِ الْمُصَنَّفِ فِي شُعَبِ الْإِيَمانِ" الْمُشَارِ إِلَيْهَا فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَقِيقَِةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ شُعَبِهِ، وَبَيَانِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مُسْتَعْمِلُهُ مِنْ فَرْضِهِ وَسُنَنِهِ وَأَدَبِهِ وَمَا جَاءَ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ - مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، فَاقْتَدَيْتُ بِهِ فِي تَقْسِيمِ الْأَحَادِيثِ عَلَى الْأَبْوَابِ، وَحَكَيْتُ مِنْ كَلَامِهِ عَلَيْهَا مَا تَبَيَّنَ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ كُلَّ بَابٍ، إِلَّا أَنَّهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - اقْتَصَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى ذِكْرِ الْمُتُونِ وَحَذْفِ الْإِسْنَادِ تَحَرِّيًا لِلِاخْتِصَارِ، وَأَنَا - عَلَى رَسْمِ أَهْلِ الْحَدِيثِ - أُحِبُّ إِيرَادَ مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَسَانِيدِ وَالْحِكَايَاتِ بِأَسَانِيدِهَا، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا لَا يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ كَوْنُهُ كَذِبًا . فَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ سَيِّدِنَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :" مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ" . وَحُكِّينَا عَنِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدَِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - رِوَايَتَهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ : حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ يَوْمًا بِحَدِيثٍ فَقُلْتُ : هَاتِهِ بِلَا إِسْنَادٍ، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ : أَتَرْقَى السَّطْحَ بِلَا سُلَّمٍ
وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ وَهَذِهِ الْحِكَايَةَ فِي" كِتَابِ الْمَدْخَلِ"، وَأَوْرَدْتُ فِي" كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ" وَ" كِتَابِ الْإِيمَانِ" وَ" الْقَدَرِ" وَ" الرُّؤْيَةِ" وَ" دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ"،" وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ" وَ" عَذَابِ الْقَبْرِ" وَ" الدَّعَوَاتِ"، ثُمَّ فِي الْكُتُبِ الْمُخَرَّجَةِ فِي السُّنَنِ عَلَى تَرْتِيبِ مُخْتَصَرِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ - مَا وَقَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ بَابٍ : فَاقْتَصَرْتُ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلَى إِخْرَاجِ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ بَعْضُ الْمُرَادِ وَأَحَلْتَ الْبَاقِيَ عَلَى هَذِهِ الْكُتُبِ خَوْفًا مِنَ الْمَلَالِ فِي الْإِطْنَابِ . وَاسْتَعَنْتُ بِاللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي ذَلِكَ وَفِي جَمِيعِ أُمُورِي اسْتِعَانَةَ مَنْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .
بَابُ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الَّذِي وَرَدَ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ
1 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَوَيْهِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ الْمُبَارَكِ الْمُسْتَمْلِي، وَأَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْأَصَمُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ " رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ الْمُسْنَدِيِّ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ . وَرَوَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ
2 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ الْعَنْبَرُ بْنُ الطَّيِّبِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ ابْنُ ابْنَةِ يَحْيَى بْنِ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا جَدِّي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ الْكِلَابِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ، أَوْ سَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَرْفَعُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " وَهَذَا شَّكٌّ وَقَعَ مِنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ فِي بِضْعٍ وَسِتِّينَ أَوْ فِي بِضْعٍ وَسَبْعِينَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ لَمْ يَشُكَّ فِيهِ وَرِوَايَتُهُ أَصَحُّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ عَنْ سُهَيْلٍ رَوَاهُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ "
قَالَ: " بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى وَالْعَظْمِ عَنِ
الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ "
3 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ
بْنُ أَبِي صَالِحٍ " فَذَكَرَهُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَهَذَا زَائِدٌ،
فَأَخَذَ بِهِ صَاحِبُ كِتَابِ الْمِنْهَاجِ فِي تَقْسِيمِ ذَلِكَ عَلَى
سَبْعَةٍ وَسَبْعِينَ بَابًا بَعْدَ بَيَانِ صِفَةِ الْإِيمَانِ وَبِاللهِ
التَّوْفِيقُ "
بَابُ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " الْإِيمَانُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَمْنِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْخَوْفِ " كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا، فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ } [البقرة: 239] الْآيَةَ، وَمَعْنَاهُ وَالْغَرَضُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ هُوَ التَّصْدِيقُ وَالتَّحْقِيقُ، لِأَنَّ الْخَبَرَ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي يَدْخُلُهُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَالْأَمْرَ وَالنَّهْيَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَوْلٌ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ يُطَاعَ قَائِلُهُ، وَبَيْنَ أَنْ يُعْصَى فَمَنْ سَمِعَ خَبَرًا فَلَمْ يَسْتَشْعِرْ فِي نَفْسِهِ جَوَازَ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ حَقٌّ وَصَدَّقَ، فَكَأَنَّمَا أَمَّنَ نَفْسَهُ بِاعْتِقَادِ مَا اعْتَقَدَ فِيمَا سَمِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكْذُوبًا، أَوْ مُلْبِسًا عَلَيْهِ، وَمَنْ سَمِعَ أَمْرًا، أَوْ نَهْيًا فَاعْتَقَدَ الطَّاعَةَ لَهُ فَكَأَنَّمَا آمَنَ فِي نَفْسِهِ بِاعْتِقَادِ مَا اعْتَقَدَ فِيمَا سَمِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَظْلُومًا، أَوْ مُسْتَسْخَرًا، أَوْ مَحْمُولًا عَلَى مَا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ، وَالِانْقِيَادُ لَهُ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَنْزَلَ قَوْلَ الْقَائِلِ آمَنْتُ بِكَذَا، وَالْمُرَادُ أَمَّنْتُ نَفْسِي مَنْزِلَةَ قَوْلِهِمْ وَطَّنْتُ نَفْسِي، أَوْ حَمَلْتُ نَفْسِي عَلَى كَذَا، أَوْ يَكُونُ تَرْكُهُمْ ذِكْرَ النَّفْسِ فِي قَوْلِهِمْ آمَنْتُ اخْتِصَارًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا يُقَالُ: بِسْمِ اللهِ بِمَعْنَى بَدَأْتُ أَوْ أَبْدَأُ بِسْمِ اللهِ " قَالَ: " وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى آمَنْتُ: أَيْ آمَنْتُ مُخْبِرِي أَوِ الدَّاعِي لِي مِنَ التَّكْذِيبِ، وَالْخِلَافِ بِمَا صَرَّحْتُ لَهُ بِهِ مِنَ التَّصْدِيقِ، وَالْوِفَاقِ، ثُمَّ الْإِيمَانُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ التَّصْدِيقُ لَا يُعَدَّى إِلَى مَنْ يُضَافُ إِلَيْهِ، وَيَلْصَقُ بِهِ إِلَّا بِصِلَةٍ، وَتِلْكَ الصِّلَةُ قَدْ تَكُونُ بَاءً، وَقَدْ تَكُونُ لَامًا، وَقَدْ وَرَدَ الْكِتَابُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَالْإِيمَانُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ إِثْبَاتُهُ، وَالِاعْتِرَافُ بِوُجُودِهِ وَالْإِيمَانُ لَهُ الْقَبُولُ عَنْهُ وَالطَّاعَةُ لَهُ، وَالْإِيمَانُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِثْبَاتُهُ وَالِاعْتِرَافُ بِنُبُوَّتِهِ . وَالْإِيمَانُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّبَاعُهُ وَمُوافَقَتُهُ وَالطَّاعَةُ لَهُ . ثُمَّ إِنَّ التَّصْدِيقَ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْإِيمَانِ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ مُنْقَسِمٌ فَيَكُونُ مِنْهُ مَا يَخْفَى وَيَنْكَتِمُ وَهُوَ الْوَاقِعُ مِنْهُ بِالْقَلْبِ، وَيُسَمَّى اعْتِقَادًا، وَيَكُونُ مِنْهُ مَا يَنْجَلِي وَيَظْهَرُ وَهُوَ الْوَاقِعُ بِاللِّسَانِ، وَيُسَمَّى إِقْرَارًا وَشَهَادَةً، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ لِلَّهِ
وَلِرَسُولِهِ يَنْقَسِمُ إِلَى: جَلِيٍّ وَخَفِيٍّ، وَالْخَفِيُّ مِنْهُ هُوَ النِّيَّاتُ وَالْعَزَائِمُ الَّتِي لَا تَجُوزُ الْعِبَادَاتُ إِلَّا بِهَا، وَاعْتِقَادُ الْوَاجِبِ وَاجِبًا، وَالْمُبَاحُ مُبَاحًا وَالرُّخْصَةُ رُخْصَةً وَالْمَحُظُورُ مَحْظُورًا، وَالْعِبَادَةُ عِبَادَةً، وَالْحَدُّ حَدًّا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالْجَلِيُّ مِنْهَا مَا يُقَامُ بِالْجَوَارِحِ إِقَامَةً ظَاهِرَةً وَهُوَ عِدَّةُ أُمُورِ مِنْهَا: الطَّهَارَةُ، وَمِنْهَا الصَّلَاةُ، وَمِنْهَا الزَّكَاةُ، وَمِنْهَا الصِّيَامُ، وَمِنْهَا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَمِنْهَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأُمُورٍ سِوَاهَا سَتُذْكَرُ فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَكُلُّ ذَلِكَ إِيمَانٌ وَإِسْلَامٌ وَطَاعَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُ إِيمَانٌ لِلَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ عِبَادَةٌ لَهُ وَإِيمَانٌ لِلرَّسُولِ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَبُولٌ عَنْهُ دُونَ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً لَهُ إِذِ الْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " قَالَ: " وَالْإِيمَانُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَرْعٌ وَهُوَ الَّذِي يَكْمُلُ بِكَمَالِهِ الْإِيمَانُ وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ الْإِيمَانُ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ إِذَا حَصَلَ، ثُمَّ تَبِعَتْهُ طَاعَةٌ زَائِدَةٌ زَادَ الْإِيمَانُ الْمُتَقَدِّمُ بِهَا لِأَنَّهُ إِيمَانٌ انْضَمَّ إِلَيْهِ إِيمَانٌ كَانَ يَقْتَضِيهِ، ثُمَّ إِذَا تَبِعَتْ تِلْكَ الطَّاعَةُ طَاعَةً أُخْرَى ازْدَادَ الْأَصْلُ الْمُتَقَدِّمُ، وَالطَّاعَةُ الَّتِي تَلِيهِ بِهَا، وَعَلَى هَذَا إِلَى أَنْ تَكْمُلَ شُعَبُ الْإِيمَانِ " قَالَ: " وَنُقْصَانُ الْإِيمَانِ هُوَ انْفِرَادُ أَصْلِهِ عَنْ بَعْضِ فُرُوعِهِ، أَوِ انْفِرَادُ أَصْلِهِ، وَبَعْضِ فُرُوعِهِ عَمَّا بَقِيَ مِنْهَا مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ وَالتَّكْلِيفُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ خِلْافَ الزِّيَادَةِ، فَإِذَا قِيلَ لِمَنْ آمَنَ، وَصَلَّى زَادَ إِيمَانُهُ، وَجَبَ أَنْ يُقَالَ: لِمَنْ آمَنَ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يُصَلِّ: إِنَّهُ نَاقِصُ الْإِيمَانِ، وَأَنَّهُ صَارَ بِتَرْكِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَاسِقًا عَاصِيًا، وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْأَرْكَانِ،
فَأَمَّا مَا يَتَطَوَّعُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ بِمَعْنَى تَصْدِيقِ الْعَقْدِ، وَالْقَوْلُ بِالْفِعْلِ مَوْجُودٌ فِيهِ فَيَزْدَادُ بِهِ الْإِيمَانُ، وَتَرْكُهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَنْ لَمْ يَتْرُكْهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى نُقْصَانًا لَكِنْ لَا يُوجِبُ لِتَارِكِهِ عِصْيَانًا وهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ " قَالَ: " وَإِذَا أَوْجَبْنَا أَنْ تَكُونَ الطَّاعَاتُ كُلُّهَا إِيمَانًا لَمْ نوجبْ أَنْ تَكُونَ الْمَعَاصِي الْوَاقِعَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كُفْرًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفْرَ بِاللهِ أوَ بِرَسُولِهِ مُقَابِلٌ لِلْإِيمَانِ بِهِ، فَإِذَا كَانَ الْإِيمَانُ بِاللهِ أوَ بِرَسُولِهِ: الِاعْتِرَافَ بِهِ، وَالٍإِثْبَاتَ لَهُ كَانَ الْكُفْرُ جُحُودَهُ، وَالنَّفْيَ لَهُ وَالتَّكْذِيبَ بِهِ، وَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَإِنَّهَا إِيمَانٌ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ بَعْدَ وُجُودِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ إِقَامَةُ الطَّاعَةِ عَلَى شَرْطِ الِاعْتِرَافِ الْمُتَقَدِّمِ، فَكَانَ الَّذِي يُقَابِلُه هُوَ الشِّقَاقُ، وَالْعِصْيَانُ دُونَ الْكُفْرِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَالْآثَارِ مَا يَكْشِفُ عَنْ صِحَّةِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَأَنَا أُشِيرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إِلَى طَرَفٍ مِنْهَا بِمَشِيئَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "
بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ، وَالْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ أَصْلُ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ كِلَاْهِمَا شَرْطٌ فِي النَّقْلِ عَنِ الْكُفْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَجْزِ " قَالَ اللهُ تَعَالَى: { قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا، وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } الْآيَةَ . " فَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا: آمَنَّا بِاللهِ " وَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا، وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات: 14]، " فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقَوْلَ الْعَارِيَ عَنِ الِاعْتِقَادِ لَيْسَ بِإِيمَانٍ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ إِيمَانٌ لَكَانُوا مُؤْمِنِينَ لِجَمْعِهِمْ بَيْنَ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ وَالْقَوْلِ بِاللِّسَانِ، وَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ "
4 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَنَاحُ بْنُ نَذِيرِ بْنِ جَنَاحٍ الْقَاضِي بِالْكُوفَةِ، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، حدثنا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ، حدثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا مَنَعُوا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ الْأَعْمَشِ
5 - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، حدثنا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ الْقَاضِي، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يقولوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنْ شَهِدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَآمَنُوا بِي، وَبِمَا جِئْتُ بِهِ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدَةَ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي
كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " اذْهَبْ فَمَنْ لَقِيتَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ "
6 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو الْحُسَيْنِ
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ تَمِيمٍ الْقَنْطَرِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْقَاضِي، حدثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، حدثنا
عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ
7 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشٍ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حدثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى الدَّارَابَجَرْدِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ بْنِ الْبِرِنْدِ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " وَرُوِّينَا فِي هَذَا الْمَعْنَى، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ، وَرِفَاعَةَ بْنِ عَرَابَةَ، وَغَيْرِهِمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
8 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أخبرنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ "
9 - وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَبَو عَمْرِو بْنَ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا خُشْنَامُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْعَنْبَرِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ يَرْفَأَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَذَلَّ بِهَا لِسَانُهُ، وَاطْمَأَنَّ بِهَا قَلْبُهُ لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ "
10 - حدثنا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَلَّوَيْهِ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [الزخرف: 86] قَالَ: " شَهِدَ بِالْحَقِّ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ رَبَّهُ "
بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الطَّاعَاتِ كُلَّهَا إِيمَانٌ " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي وَصْفِ الْمُؤْمِنِينَ: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا } [الأنفال: 2] إِلَى قَوْلِهِ: { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } [الأنفال: 4]،
فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ هُمُ الَّذِينَ جَمَعُوا هَذِهِ الْأَعْمَالَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ جَوَامِعِ الْإِيمَانِ " قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " إِذَا ثَبَتَ أَنَّ المؤمنين الْمَوْصُوفِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّمَا اسْتَوْجَبُوا اسْمَ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا لِمَكَانِ الْأَعْمَالِ الَّتِي وَصَفَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِهَا، وَلَمْ تَكُنِ الْأَعْمَالُ الْمُتَعَبَّدُ بِهَا هَذِهِ وَحْدَهَا صَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِهَا هِيَ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ، أَوِ الْمَنْدُوبِ إِلَيْهَا، فَالصَّلَاةُ إِشَارَةٌ إِلَى الطَّاعَاتِ الَّتِي تُقَامُ بِالْأَبْدَانِ خَاصَّةً، وَالْإِنْفَاقُ مِمَّا رَزَقَ اللهُ إِشَارَةٌ إِلَى الطَّاعَاتِ الَّتِي تُقَامُ بِالْأَمْوَالِ، وَوَجَلُ الْقَلْبِ إِشَارَةُ الِاسْتِقَامَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَيَدْخُلُ فِيهَا إِقَامَةُ الطَّاعَاتِ وَالِانْزِجَارِ عَنِ الْمَعَاصِي " قَالَ: " وَالْآيَةُ فِيمَنْ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَ قَلْبُهُ، وَلَيْسَ ارْتِكَابُ الْمَعَاصِي وَمُخَالَفَةُ الْأَوَامِرِ مِنْ أَمَارَاتِ الْوَجَلِ، وَالْآيَةُ فِيمَنْ إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِ آيَاتُ اللهِ زَادَتْهُ إِيمَانًا، وَلَيْسَ التَّخَلُّفُ عَنِ الْفَرَائِضِ، وَالْقُعُودُ عَنِ الْوَاجِبَاتِ اللَّوَازِمِ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ بِسَبِيلٍ فَصَحَّ أَنَّ الَّذِينَ نَفَيْنَا أَنْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ حَقًّا، وَأَوْجَبْنَا أَنْ يَكُونُوا نَاقِصِي الْإِيمَانِ غَيْرَ دَاخِلِينَ فِي الْآيَةِ . قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبْ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِكُمْ، وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ } [الحجرات: 7] فَقَابَلَ بَيْنَ مَا حَبَّبَهُ إِلَيْنَا، وَبَيْنَ مَا كَرَّهَ إِلَيْنَا، ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِيمَانَ بِالذِّكْرِ فِيمَا حَبَّبَ، وَقَابَلَهُ بِالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ فِيمَا كَرَّهَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لِلْإِيمَانِ ضِدَّيْنِ، أَوْ أَنَّ مِنَ الْإِيمَانِ مَا يَنْقُضُهُ الْكُفْرُ، وَمِنَ الْإِيمَانِ مَا يَنْقُضُهُ الْفُسُوقُ وَفِي ذَلِكَ مَا أَبَانَ أَنَّ الطَّاعَاتِ كُلَّهَا إِيمَانٌ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْفُسُوقُ تَرْكَ الْإِيمَانِ وَاللهُ أَعْلَمُ " قَالَ الإمام أحمد: " وَفَصَلَ بَيْنَ الْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مِنَ الْمَعَاصِي مَا لَا يُفَسَّقُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُفَسَّقُ بِارْتِكَابِ مَا يَكُونُ مِنْهَا مِنَ الْكَبَائِرِ، أَوِ الْإِصْرَارِ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْهَا مِنَ الصَّغَائِرِ، وَاجْتِنَابُ جَمِيعِ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } [البقرة: 143]
وَأَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ
بِهِ صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَثَبَتَ أَنَّ الصَّلَاةَ
إِيمَانٌ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَكُلُّ طَاعَةٍ إِيمَانٌ إِذْ لَا
فَارِقَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا " قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَقَدْ
رُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ
حُوِّلَتْ إِلَى الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ
رِجَالٌ، وَقُتِلُوا فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ: { وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ
بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } "
11 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدُ
اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ حدثنا عُثْمَانُ بْنُ
سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ حدثنا النُّفَيْلِيُّ حدثنا زُهَيْرُ حدثنا أَبُو
إِسْحَاقَ فَذَكَرَهُ
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، " وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطُّهُورَ مِنَ الْإِيمَانِ "
12 - أَخْبَرَنَا
أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْأُشْنَانِيُّ قَالَا: حدثنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدُوسٍ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حدثنا
مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ يَحْيَى
بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ "
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبَانَ بْنِ يَزِيدَ
الْعَطَّارِ
13 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ الْبَيْهَقِيُّ الْسْدِيورِيُّ فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنْ
أَصْلِهِ بِخِسْرُوجَرْدَ وقَالَ: أخبرنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ
حدثنا دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، حدثنا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ النَّسَائِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو شَيْخٍ الْحَرَّانِيُّ، حدثنا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: أُرَاهُ قَالَ: عَنْ أَبِيهِ - الشَّكُّ مِنْ أَبِي شَيْخٍ - قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا نَتَحَدَّثُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرُونَ أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ ؟ " فَقَالُوا: الصَّلَاةُ، فَقَالَ: " إِنَّ الصَّلَاةَ لَحَسَنَةٌ، وَمَا هِيَ بِهَا " . فَقَالُوا: الْجِهَادُ فَقَالَ: " إِنَّ الْجِهَادَ لَحَسَنٌ، وَمَا هُوَ بِهِ " . فَقَالُوا: الْحَجُّ . فَقَالَ: " حَسَنٌ، وَلَيْسَ بِهِ " . فَقَالُوا: الصِّيَامُ، فَقَالَ: " الصِّيَامُ لَحَسَنٌ، وَلَيْسَ بِهِ " . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ، وَتُبْغِضَ لَهُ "
وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ
لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقْرِنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
14 - أَخْبَرَنَاهُ
أَبُو مَنْصُورٍ النَّخَعِيُّ، بِالْكُوفَةِ، حَدَّثّنَا أَبُو جَعْفَرِ
بْنُ دُحَيْمٍ، حَدَّثّنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثّنَا عُثْمَانُ
بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثّنَا جَرِيرٌ، ذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ
غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فِي آخِرِهِ، فَذَكَرُوا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ،
فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يُصِيبُونَ قَالَ: " إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى
الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَأَنْ تَبْغُضَ فِي اللهِ، فَجَعَلَ
هَذِهِ الشَّرَائِعَ كُلَّهَا مِنَ الْإِيمَانِ " وَشَاهِدُهُ فِي الْحُبِّ
وَالْبُغْضِ مَا:
15 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عِصْمَةَ قَالَا: حدثنا السَّرِيُّ بْنُ خُرَيْمَةَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي مَرْحُومٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ، وَأَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَنْكَحَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ " " وَرَوَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ الْإِنْكَاحِ، فَصَرَّحَ بِأَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ كُلَّهَا إِيمَانٌ، وَأَبَانَ أَنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ الْإِخْلَاصُ "
16 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ الْهَرَوِيُّ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، وَإِقرارٌ بِاللِّسَانِ، وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ "
17 - وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْقُشَيْرِيُّ، أخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ كَعْبٍ، حدثنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الْبَيْهَقِيُّ، حدثنا أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ عَبْدُ السَّلَامِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَا: حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " الْإِيمَانُ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وَمَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ " " وَشَاهِدُ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مَضَى فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَدَدِ شِعْبِ الْإِيمَانِ . وَأَمَّا قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } [البقرة: 277] فَأَفْرَدَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ بِالذِّكْرِ، وَقَدْ قَالَ: أَيْضًا: { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبِرِ } [العصر: 3] فَأَفْرَدَ التَّوَاصِيَ بِالْحَقِّ، وَالتَّوَاصِيَ بِالصَّبِرِ بِالذِّكْرِ، وَلَمْ يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } [البقرة: 277] لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَمَلَ الصَّالِحَاتِ لَيْسَ بِإِيمَانٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أقَلَّ الْإِيمَانِ - وهو النَّاقِلِ عَنِ الْكُفْرِ - ثُمَّ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ ضَمُّوا إِلَيْهِ الصَّالِحَاتِ فَعَمِلُوهَا حَتَّى ارْتَقَى إِيمَانُهُمْ مِنْ دَرَجَةِ الْأَقَلِّ إِلَى الْأَكْمَلِ أَوْ نَقُولُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ آمَنُوا الْإِيمَانُ بِاللهِ وَبِعَمَلِ الصَّالِحَاتِ الْإِيمَانُ لِلَّهِ، وَالْإِيمَانَانِ مُتَغَايِرَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَلِذَلِكَ سُمِّيَا بِاسْمَيْنِ وَاللهُ أَعْلَمُ "
بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِبَارَتَانِ عَنْ دِينٍ وَاحِدٍ " قَالَ اللهُ عز وجل: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ } [آل عمران: 19]، وَقَالَ: { قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ } [البقرة: 136]، فَصَحَّ أَنَّ قَوْلَنَا آمنا بِاللهِ إِسْلَامٌ . وَقَالَ فِي قِصَّةِ لُوطٍ: { فَأُخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [الذاريات: 36]، فَسَمَّاهُمْ مَرَّةً مُؤْمِنِينَ، وَمَرَّةً مُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَمْيِيزَهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ بِأَدْيَانِهِمْ، فَصَحَّ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ اسْمَانِ لِدِينٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ التَّسْلِيمَ، وَحَقِيقَةُ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ، فَاخْتِلَافُ الْحَقِيقَةِ فِيهِمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُجْعَلَا اسْمًا لِدِينٍ وَاحِدٍ كَالْغَيْثِ وَالْمَطَرِ هُمَا اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةُ الْغَيْثِ فِي اللِّسَانِ غَيْرَ حَقِيقَةِ الْمَطَرِ "
18 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ الْإِسْفَرَايِينِيُّ بِهَا، أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حدثنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنِ الْقَوْمُ ؟ " قَالُوا: رَبِيعَةُ قَالَ: " مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ غَيْرَ الْخَزَايَا وَلَا النَّادِمِينَ " . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَإِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَإِنَّهُ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، وَإِنَّا لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ، فَصْلٍ نَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الدُّبَّاءِ ، وَالْحَنْتَمِ ، وَالنَّقِيرِ ، وَالْمُزَفَّتِ " قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: " الْمُقَيَّرُ احْفَظُوهُنَّ، وَادْعُوا إِلَيْهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ " . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَغَيْرِهِ، " فَسَمَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِيمَانًا، وَسَمَّاهَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ إِسْلَامًا "
19 - وَذَلِكَ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الْبُوشَنْجِيُّ قَالَا: حدثنا مُسَدَّدٌ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ مِنْ أَوْلَادِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، حدثنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، حدثنا أَبُو الْحَسَنِ مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَا: لَقِينَا عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ فَذَكَرْنَا لَهُ الْقَدَرَ وَمَا يَقُولُونَ فِيهِ، فَقَالَ: إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ فَقُولُوا لَهُمْ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ مِنْكُمْ بَرِيءٌ، وَأَنْتُمْ مِنْهُ بَرَاءٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ أَوْ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ بَيْنَما هُمْ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الشَّعْرِ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: مَا نَعْرِفُ هَذَا وَلَا هَذَا صَاحِبُ سَفَرٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ آتِيَكَ . قَالَ: " نَعَمْ " . قَالَ: فَجَاءَ فَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ، وَيَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، فَقَالَ: مَا الْإِسْلَامُ ؟ قَالَ: " الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحده، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ " . قَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ: " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْقَدَرِ كُلِّهِ " . قَالَ: فَمَا الْإِحْسَانُ ؟ قَالَ: " أَنْ تَعْمَلَ كَأَنَّكَ تَرَى، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاه فَإِنَّكَ تُرَى " . قَالَ: فَمَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ: " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " . قَالَ: فَمَا أَشْرَاطُهَا ؟ قَالَ: " إِذَا رَأَيْتَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، وَوَلَدَتِ الْإِمَاءَ أَرْبَابَهُنَّ " . ثُمَّ قَالَ: " عَلَيَّ بِالرَّجُلِ " فَطَلَبُوهُ، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَلَبِثَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ قَالَ: " يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ عَنْ كَذَا وَكَذَا ؟ " قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: " ذَاكَ جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ "
قَالَ: وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ - أَوْ مُزَيْنَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِيمَ نَعْمَلُ أَفِي شَيْءٍ قَدْ خَلَا أَوْ مَضَى أَوْ شَيْءٍ يُسْتَأْنَفُ الْآنَ ؟ قَالَ: " فِي شَيْءٍ قَدْ خَلَا وَمَضَى "، فَقَالَ رَجُلُ أَوْ بَعْضُ الْقَوْمِ: فِيمَ نَعْمَلُ إِذَنْ ؟ قَالَ: " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ يُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ " رَوَاهُ مُسْلِمُ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ الْإِمَامُ أَحمد: " وَفِي تَسْمِيَةِ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِسْلَامًا، وَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِيمَانًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ إِلَّا أَنَّهُ فَسَّرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَيْمَانَ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ، وَفَسَّرَ الْإِسْلَامَ بِمَا هُوَ أَمَارَةٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ اسْمُ صَرِيحِهِ يَتَنَاوَلُ أَمَارَاتِهِ، وَاسْمُ أَمَارَاتِهِ يَتَنَاوَلُ صَرِيحَهُ، وَهَذَا كَمَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْإِحْسَانِ، وَإِنْ كَانَ الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ إِحْسَانًا وَالْإِحْسَانُ الَّذِي فَسَّرَهُ بِالْإِخْلَاصِ، وَالْيَقِينِ يَكُونُ إِيمَانًا، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ "
20 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حدثنا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - أَظُنُّهُ قَالَ -: وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَالْحَجُّ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ "، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى، وَقَالَ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ وَلَا أَكْثَرُهُمْ عَنْ حَنْظَلَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ حَنْظَلَةَ فَسَمَّى هَذِهِ الْأَرْكَانَ الْخَمْسَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِسْلَامًا، وَقَدْ سَمَّاهُنَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِيمَانًا
21 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ عَطِيَّةَ، مَوْلَى بَنِي عَامِرٍ، عَنْ يَزِيدَ السَّكْسَكِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا لَكَ تَحُجُّ، وَتَعْتَمِرُ وَقَدْ تَرَكْتَ الْغَزْوَ فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ قَالَ: " وَيْلَكَ إِنَّ الْإِيمَانَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ تَعْبُدُ اللهَ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ " قَالَ: فَرَدَّهَا عَلَيْهِ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: " كَذَلِكَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ الْجِهَادُ بَعْدَ ذَلِكَ حَسَنٌ " قَالَ أحمد: وَإِنَّمَا أَرَادَ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْجِهَادَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَلَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى الْأَعْيَانِ "
22 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقْرِئُ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، حدثنا أَبُو صَالِحٍ، حدثنا الْفَزَارِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ - وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ قَالَ: عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: " أَسْلِمْ تَسْلَمْ " . قَالَ: وَمَا الْإِسْلَامُ ؟ قَالَ: " يُسْلِمُ قَلْبُكَ لِلَّهِ، وَيَسْلُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ " . قَالَ: فَأَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: " الْإِيمَانُ " . قَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ: " تُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ " . قَالَ: فَأَيُّ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: " الْهِجْرَةُ " . قَالَ: وَمَا الْهِجْرَةُ ؟ قَالَ: " أَنْ تَهْجُرَ السُّوءَ " . قَالَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: " الْجِهَادُ " . قَالَ: وَمَا الْجِهَادُ ؟ قَالَ: " أَنْ تُجَاهِدَ " أَوْ قَالَ: " تُقَاتِلَ الْكُفَّارَ إِذَا لَقِيتَهُمْ " . وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ قَالَ: " تُقَاتِلَ الْعَدُوَّ إِذَا لَقِيتَهُمْ، وَلَا تَغُلَّ وَلَا تَجْبُنْ " .، وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ: " ثُمَّ لَا تَغُلَّ وَلَا تَجْبُنْ " وَزَادَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثُمَّ عَمَلَانِ هُمَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ عَمَلًا بِمِثْلِهِمَا - وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ هَكَذَا السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى - حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ أَوْ عُمْرَةٌ مَبْرُورَةٌ " قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فَأَبَانَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ هُوَ الدِّينُ عِنْدَهُ بِقَوْلِهِ: { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ } [آل عمران: 19]، وَقَوْلِهِ { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [آل عمران: 85]، وَقَوْلِهِ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة: 3] يَنْتَظِمُ الِاعْتِقَادَ وَالْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " الْإِسْلَامُ أَنْ يُسْلِمَ قَلْبُكَ لِلَّهِ " إِشَارَةٌ إِلَى تَصْحِيحِ الِاعْتِقَادِ، وَقَوْلَهُ: " أَنْ يَسْلَمَ المؤمنون مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ " إِشَارَةٌ إِلَى تَصْحِيحِ الْمُعَامَلَاتِ الظَّاهِرَةِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْإِيمَانَ أَفْضَلُ الْإِسْلَامِ، وَفَسِّرْهُ بِأَنَّهُ الْإِيمَانُ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ، أَرَادَ أَنَّ الْإِيمَانَ بِالْغَيْبِ أَفْضَلُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَا يُشَاهَدُ وَيُرَى، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } [البقرة: 3] مَدْحًا لَهُمْ وَثَنَاءً عَلَيْهِمْ، ثُمَّ أَبَانَ أَنَّ الِاعْتِقَادَ وَعَامَّةَ الْأَعْمَالِ إِيمَانُ، فَقَالَ: " أَفْضَلُ الْإِيمَانِ الْهِجْرَةُ "، ثُمَّ فَرْعُ الْهِجْرَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الطَّاعَاتِ كُلَّهَا إِيمَانٌ كَمَا هِيَ إِسْلَامٌ، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْإِذْعَانُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَوَاءٌ وَقَعَ بِأَمْرٍ بَاطِنٍ، أَوْ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرَانِ مِمَّا رَضِيَ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ أَنْ يَتَقَرَّبُوا بِهِ إِلَيْهِ "
23 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَقِيهُ، حدثنا مُعَاذُ بْنُ نَجْدَةَ الْقُرَشِيُّ، حدثنا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُؤَاخِذُ اللهُ الرَّجُلَ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ:" مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ"" لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:" وَهَذَا عَلَى أَنَّ الطَّاعَاتِ فِي الْإِيمَانِ إِيمَانٌ، وَأَنَّ الْمَعَاصِيَ فِي الْكُفْرِ كُفْرٌ، فَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَحْبَطَ إِسْلَامُهُ كُفْرَهُ، فَإِنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ أَحْبَطَتْ طَاعَتُهُ تِلْكَ الْمَعَاصِيَ الَّتِي قَدَّمَهَا فِي حَالِ كُفْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ فِي الْإِسْلَامِ بَقِيَتْ تِلْكَ الْمَعَاصِي بِحَالِهَا لَمْ يَجِدْ مَا يُحْبِطُهَا، فَأُخِذَ بِإِسَاءَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَفِيمَا قَبْلَهُ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إِلْزَامُهُ قَضَاءَ مَا تَرَكَ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ لِأَنَّهُ إِن صَامَ وَصَلَّى بَعْدَمَا أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ مَا تَرَكَ فِي الْكُفْرِ بِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ، وَلَمْ يَصُمْ أَمْرٌ بِهِمَا، وَحَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ حَمْلٌ لَهُ عَلَى مَا إِذَا فَعَلَهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا مَضَى"
24 - أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ كَامِلُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُسْتَمْلِي وَأَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ قَتَادَةَ قَالَا: أخبرنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ الصِّبْغِيُّ حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ السَّرِيُّ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ كَفَّرَ اللهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَكَتَبَ اللهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، ثُمَّ كَانَ الْقِصَاصُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ فَقَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ . . . فَذَكَرَهُ . قَالَ الْإِمَامُ أحمد: " أَسْنَدَهُ مَالِكٌ، وَأَرْسَلَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ "
25 - أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، سَمِعَ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ يُخْبِرُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ كُلُّ حَسَنَةٍ زَلَفَهَا، وَكُفِّرَ عَنْهُ كُلُّ سَيِّئَةٍ زَلَفَهَا، وَكَانَ فِي الْإِسْلَامِ مَا كَانَ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةٍ وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا، أَوْ يَمْحُوهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ "
بَابُ الْقَوْلِ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ، وَتَفَاضُلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ فِي إِيمَانِهِمْ " وَهَذَا يَتَفَرَّعُ عَلَى قَوْلِنَا فِي الطَّاعَاتِ إِنَّهَا إِيمَانٌ، وَهُوَ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ إِيمَانًا كَانَ تَكَامُلُهَا تَكَامُلَ الْإِيمَانِ، وَتَنَاقُصُهَا تَنَاقُصَ الْإِيمَانِ، وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ مُتَفَاضِلِينَ فِي إِيمَانِهِمْ كَمَا هُمْ يُتَفَاضَلُونَ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَحَرُمَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إِيمَانِي وَإِيمَانُ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَاحِدٌ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ } [الفتح: 4]، وَقَالَ: { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا } [الأنفال: 2]، وَقَالَ: { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [التوبة: 124]، وَقَالَ: { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا } [المدثر: 31] فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّ الْإِيمَانَ قَابِلٌ لِلزِّيَادَةِ، وَإِذَا كَانَ قَابِلًا لِلزِّيَادَةِ فَعُدِمَتِ الزِّيَادَةُ كَانَ عَدَمُهَا نُقْصَانًا عَلَى مَا مَضَى بَيَانُهُ، وَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ "
26 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الزَّاهِدُ حدثنا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ الْأَبِيوَرْدِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ هُوَ الْمُقْرِئُ، حدثنا سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا "
27 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَبُو مُحَمَّدٍ حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، حدثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَكْمَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِكُمْ " قَالَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: " فَدَلَّ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى أَنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ إِيمَانٌ، وَأَنَّ عَدَمَهُ نُقْصَانُ إِيمَانٍ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُتَفَاوِتُونَ فِي إِيمَانِهِمْ، فَبَعْضُهُمْ أَكْمَلُ إِيمَانًا مِنْ بَعْضٍ "
28 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ، وَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ خَالَفْتَ السُّنَّةَ أَخْرَجْتَ الْمِنْبَرَ، وَلَمْ يَكُنْ يُخْرَجُ وَبَدَأْتَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا: فُلَانٌ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَدْ قَضَى هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ . أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ رَأَى أَمْرًا مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ
29 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، حدثنا ابْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ " . قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: " تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي اللُّبِّ مِنْكُنَّ " . قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ ؟ قَالَ: " أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ عَنِ اللَّيْثِ وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
30 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْعَتَكِيُّ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدِ امْتُحِشُوا ، وَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ أَوِ الْحَيَا فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ أَلَمْ تَرَوْهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً "، هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " وَوَجْهُ هَذَا أَنْ يَكُونَ فِي قَلْبٍ وَاحِدٍ تَوْحِيدٌ لَيْسَ مَعَهُ خَوْفٌ غَالِبٌ عَلَى الْقَلْبِ فَيُرْدَعَ وَلَا رَجَاءَ حَاضِرٌ لَهُ، فَيَطْمَعَ بَلْ يَكُونُ صَاحِبُهُ سَاهِيًا قَدْ أَذْهَلَتْهُ الدُّنْيَا عَنِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ انْفَرَدَ التَّوْحِيدُ فِي قَلْبِهِ عَنْ قَرَائِنِهِ الَّتِي لَوْ كَانَتْ لَكَانَتْ أَبْوَابًا مِنَ الْإِيمَانِ تَتَكَثَّرُ بِالتَّوْحِيدِ، وَيَتَكَثَّرُ التَّوْحِيدُ بِهَا إِذْ كَانَتْ تَصْدِيقًا وَالتَّصْدِيقُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَضْعَفُ مِنَ التَّصْدِيقِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، فَإِذَا كَانَت كَذَلِكَ خَفَّ وَزْنُهُ، وَإِذَا تَتَابَعَتْ شَهَادَاتُهُ ثَقُلَ وَزْنُهُ، وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إِيمَانُ وَاحِدُ فِي أَدْنَى مَرَاتِبِ الْيَقِينِ حَتَّى إِنْ شُكِّكَ يُشَكَّكُ، وَإِيمَان آخَرُ فِي أَقْصَى غَايَاتِ الْيَقِينِ، فَهَذَا يَثْقُلُ وَزْنُهُ وَالْأَوَّلُ يَخِفُّ وَزْنُهُ، وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إِيمَانٌ وَاحِدٌ نَاشِئًا عَنِ اسْتِدْلَالٍ قَوِيٍّ وَنَظَرٍ كَامِلٍ، وَإِيمَانٌ آخَرُ وَاقِعٌ عَنِ الْخَبَرِ وَالرُّكُونِ إِلَى الْمُخْبَرِ بِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَثْقَلَ وَزْنًا، وَالثَّانِي أَخَفَّ وَزْنًا، وَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى تَفَاوُتِ النَّاسِ فِي إِيمَانِهِمْ "
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ
اللهُ تَعَالَى - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُزُرْجٍ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا ضَعْفَ
الْيَقِينِ "
31 - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
بِشْرٍ الْمَرْثَدِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حدثنا عَبْدُ اللهِ
بْنُ وَهْبٍ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ بُزُرْجٍ . . .، فَذَكَرَهُ " وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى
تَفَاوُتِهِمْ فِي الْيَقِينِ، وَأَمَّا قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة: 3] وَمَا وَرَدَ فِي
مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَوْلِنَا بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ
وَنُقْصَانِهِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ } [المائدة: 3] أَيْ أَكْمَلْتُ لَكُمْ وَضْعَهُ فَلَا أَفْرُضُ
عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ مَا لَمْ أَفْرُضْهُ عَلَيْكُمْ إِلَى الْيَوْمِ،
وَلَا أَضَعُ عَنْكُمْ بَعْدَ الْيَوْمِ مَا قَدْ فَرَضْتُهُ قَبْلَ
الْيَوْمِ فَلَا تَغْلِيظَ مِنَ الْآنَ وَلَا تَخْفِيفَ، وَلَا نَسْخَ
وَلَا تَبْدِيلَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَكْمَلَ لَنَا دِينَنَا مِنْ
قَبْلِ أَفْعَالِنَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَسَقَطَ عَنِ
الْمُخَاطَبِينَ بِالْآيَةِ الدَّوَامُ عَلَى الْإِيمَانِ لِأَنَّ الدِّينَ
قَدْ كَمُلَ، وَلَيْسَ بَعْدَ الْكَمَالِ شَيْءٌ، فَإِذَا كَانَ
الدَّوَامُ عَلَى الْإِيمَانِ مُسْتَقْبَلًا وَهُوَ إِيمَانٌ فَكَذَلِكَ
الطَّاعَاتُ الْبَاقِيَةُ الَّتِي تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا كُلُّهَا
إِيمَانٌ، وَالْكَمَالٌ رَاجِعٌ إِلَى إِكْمَالِ الشَّرْعِ وَالْوَضْعِ لَا
إِلَى إِكْمَالِ أَدَاءِ الْمُؤَدِّينَ لَهُ وَقِيَامِ الْقَائِمِينَ بِهِ
وَاللهُ أَعْلَمُ "
32 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ الدَّهَّانُ، حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ بِلَالٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ } [المائدة: 3] يَقُولُ: " يَئِسَ أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ - عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ - أَبَدًا "، { فَلَا تَخْشَوْهُمْ } [البقرة: 150] " فِي اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { وَاخْشَوْنِ } [المائدة: 3] " فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَتَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، فَلَمَّا كَانَ وَاقِفًا بِعَرَفَاتٍ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ وَالْمُسْلِمُونَ يَدْعُونَ اللهَ تَعَالَى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة: 3] يَقُولُ: " حَلَالُكُمْ، وَحَرَامُكُمْ فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ هَذَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ "، { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة: 3] قَالَ: " مِنَّتِي فَلَمْ يَحُجَّ مَعَكُمْ مُشْرِكٌ "، { وَرَضِيتُ } [المائدة: 3] يَقُولُ: " وَاخْتَرْتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا، ثُمَّ مَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ يَوْمًا، ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ وَإِلَى رَحْمَتِهِ "
33 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عِيسَى الدِّهْقَانُ بِالْكُوفَةِ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ الْغِفَارِيُّ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُنَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا قَالَ: " أَيُّ آيَةٍ ؟ " قَالَ: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة: 3]، فَقَالَ عُمَرُ: " قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ كِلَاهُمَا، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ " وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَإِنَّهَا تُحْبِطُ مِمَّا يُقَدِّمُهَا مِنَ الطَّاعَاتِ بِقَدْرِهَا، وَحَتَّى ارْتَقَى بَعْضُهُمْ إِلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالتَّخْلِيدِ، وَأَمْرُهُ مَوْكُولٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ بِرَحْمَتِهِ، أَوْ بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ بِذُنُوبِهِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ } [الحجرات: 2] الْآيَةَ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ يَقَعُ مَعْصِيَةً، فَيَخْرُجُ إِيمَانُ الْرَافِعِ وَيَحْبَطُ بَعْضُ عَمَلِهِ، وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } [البقرة: 264] " قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " وَقَدْ يَخْرُجُ هَذَا عَلَى غَيْرِ مَا قَالَهُ الْمُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَا يَحْمِلَنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُهَاجِرُونَ هِجْرَتُكُمْ مَعَهُ، وَلَا أَيُّهَا الْأَنْصَارُ إِيوَائُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى أَنْ تُضَيِّعُوا حُرْمَتَهُ، وَتَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِهِ، فَتَكُونُوا بِذَلِكَ صَارِفِينَ مَا تَقَدَّمَ مِنْكُمْ مِنَ الْهِجْرَةِ وَالْإِيوَاءِ وَالنُّصْرَةِ مِنَ ابْتِغَاءِ وَجْهِ اللهِ بِهِ، إِلَى غَرَضٍ غَيْرِهِ وَوَجْهٍ سِوَاهُ فَلَا تَسْتَوْجِبُوا بِهِ مَعَ ذَلِكَ أَجْرًا، وَيَخْرُجُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: { وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } [الحجرات: 2]، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَبْلُغُ بِكُمْ حَدَّ الْإِزْرَاءِ بِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ لَهُ فَتَكْفُرُوا، وَتَحْبَطُ أَعْمَالُكُمْ إِلَّا أَنْ تَتُوبُوا وَتُسْلِمُوا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } [البقرة: 264] فَلَيْسَ عَلَى أَنَّ الْمَنَّ يُحْبِطُ الصَّدَقَةَ، وَإِنَّمَا وَجْهُهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ يَبَتغِي بِهَا وَجْهُ اللهِ تَعَالَى جَدُّهُ، وَهُوَ الْمَأْمُولُ مِنْهُ ثَوَابها، فَإِذَا مَنَّ الْمُتَصَدِّقُ عَلَى السَّائِلِ وَآذَاهُ بِالتَّعْيِيرِ فَقَدْ صَرَفَهَا عَنِ ابْتِغَاءِ وَجْهِ اللهِ بِهَا إِلَى وَجْهِ السَّائِلِ فَحَبِطَ أَجْرُهُ عِنْدَ اللهِ لِهَذَا وُوصِلَتْ عِنْدَ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ حَبَاهُ فَقَدْ آذَاهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُ فَقَدْ أَخْزَاهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى إِفْسَادِ الطَّاعَةِ بِالْمَعْصِيَةِ لَمْ تَخْتَصَّ بِالْبُطْلَانِ صَدَقَتُهُ . وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ - إِلَى أَنْ قَالَ - وَإِنَّ مِنَ الطَّعْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ سَيِّئَاتِ الْمُؤْمِنِ مُتَنَاهِيَةُ الْجَزَاءِ، وَحَسَنَاتِهِ لَيْسَتْ بِمُتَنَاهِيَةٍ لِأَنَّ مَعَ ثَوَابِهَا الْخُلُودُ فِي الْجَنَّةِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنْ تَكُونَ التَّبَعَةُ الْمُتَنَاهِيَةُ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا الْمُؤْمِنُ بِسَيِّئَةٍ تَأْتِي عَلَى ثَوَابِ حَسَنَةٍ لَا نِهَايَةَ لَهُ، فَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ " . فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ، وَهُوَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَةِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَجْرِهِ وَفِي بَعْضِهَا مِنْ عَمَلِهِ " قَالَ الْحَلِيمِيُّ: " وهُوَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُحْرَمُ لِأَجْلِ هَذِهِ السَّيِّئَةِ بَعْضَ ثَوَابِ عَمَلِهِ، وَلَسْنَا نُنْكِرُ جَوَازَ أَنْ يُحْرِمَ اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنَ بَعْضَ جَزَاءِ إحَسَانِهِ وَيُقَلِّلَ ثَوَابَهُ لِأَجْلِ سَيِّئَةٍ، أَوْ سَيِّئَاتٍ تَكُونُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ السَّيِّئَةَ قَدْ تُحْبِطُ الطَّاعَةَ، أَوْ تُوجِبُ إِبْطَالَ ثَوَابِهَا أَصْلًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ كِتَابٌ، وَلَا خَبَرٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعَ ثُبُوتِ الْخُلُودِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ " قَالَ الْإِمَامُ أحمد رَحِمَهُ اللهُ: " وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ " قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ . قَالَ: " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " فَهَذَا إِنَّمَا يحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: بِإِحْبَاطِ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةِ، وَوَجْهُهُ عِنْدِي - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يُعْطَى خُصَمَاؤُهُ مِنْ أَجْرِ حَسَنَاتِهِ، مَا يُوَازِي عُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ أَيْ أَجْرُ حَسَنَاتِهِ الَّذِي قُوبِلَ بِعُقُوبَةِ سَيِّئَاتِهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثم طُرِحَ فِي النَّارِ حتى يُعَذَّبَ بِهَا إِنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ عُقُوبَةُ تِلْكَ الْخَطَايَا رُدَّ إِلَى الْجَنَّةِ بِمَا كُتِبَ لَهُ مِنَ الْخُلُودِ، وَلَا يُعْطَى خُصَمَاؤُهُ مَا زَادَ مِنَ الْأَجْرِ عَلَى مَا قَابَلَ عُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى يَخُصُّ بِهِ مَنْ وَافَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُؤْمِنًا، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ "
34 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ " وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ يَذْكُرِ النُّهْبَةَ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ اللَّيْثِ " وَإِنَّمَا أَرَادَ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - وَهُوَ مُؤْمِنٌ مُطْلَقُ الْإِيمَانِ لَكِنَّهُ نَاقِصُ الْإِيمَانِ بِمَا ارْتَكَبَ مِنَ الْكَبِيرَةِ وَتَرَكَ الِانْزِجَارَ عَنْهَا، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَكْفِيرًا بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ - كما مَضَى شَرْحُهُ - وَكُلُّ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَرَدَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى مَنْ تَرَكَ فَرِيضَةً أَوِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ نُقْصَانُ الْإِيمَانِ فَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء: 48] وَذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَالْآثَارِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ، وَذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - هَهُنَا آثَارًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّاعَاتِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَأَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْإِيمَانِ، وَنَحْنُ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ، وَنُشِيرُ إِلَى طَرَفٍ مِنْهَا هَهُنَا بِمَشِيئَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "
35 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ السَّكَنِ، حدثنا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، حدثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيمَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَرَجَحَ بِهِمْ "
36 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، حدثنا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ ذَرٍّ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رُبَّمَا أَخَذَ بِيَدِ الرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ فيَقُولُ: " تَعَالَوْا نَزْدَادُ إِيمَانًا "
37 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أخبرنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، أخبرنا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، حدثنا عَوْفٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هِنْدَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " إِنَّ الْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً بَيْضَاءَ فِي الْقَلْبِ، فَكُلَّمَا ازْدَادَ الْإِيمَانُ عِظَمًا ازْدَادَ ذَلِكَ الْبَيَاضُ، فَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ ابْيَضَّ الْقَلْبُ كُلُّهُ، وَإِنَّ النِّفَاقَ يَبْدُو لُمْظَةً فِي الْقَلْبِ، فَكُلَّمَا ازْدَادَ النِّفَاقُ عِظَمًا ازْدَادَ ذَلِكَ سَوَادًا، فَإِذَا اسْتَكْمَلَ النِّفَاقَ اسْوَدَّ الْقَلْبُ كُلُّهُ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ شَقَقْتُمْ عَنْ قَلْبِ مُؤْمِنٍ لَوَجَدْتُمُوهُ أَبْيَضَ، وَلَوْ شَقَقْتُمْ عَنْ قَلْبِ مُنَافِقٍ لَوَجَدْتُمُوهُ أَسْوَدَ " . قَالَ: " وَاللُّمْظَةُ هِيَ الذَّوْقَةُ، وَهُوَ أَنْ يَلْمُظَ الْإِنْسَانُ بِلِسَانِهِ شَيْئًا يَسِيرًا: أَيْ يَتَذَوَّقَهُ فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ يَدْخُلُ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، ثُمَّ يَتَّسِعُ فِيهِ فَيَكْثُرُ "
38 - أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حدثنا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ غَنَّامِ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا الْإِيمَانُ ؟ فَقَالَ: " الْإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ: عَلَى الصَّبْرِ، وَالْعَدْلِ، وَالْيَقِينِ، وَالْجِهَادِ " " ثُمَّ ذَكَرَ تَقْسِيمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الدَّعَائِمِ، وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ عَنْ عَلِيٍّ "
39 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأُشْنَانِيُّ، حدثنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، أخبرنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ الْبَصْرِيُّ، حدثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: قَالَ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: " الْوُضُوءُ نِصْفُ الْإِيمَانِ "
40 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن محمد الْأُشْنَانِيُّ، حدثنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: " الصَّبْرُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، وَإِذَا ذَهَبَ الصَّبْرُ ذَهَبَ الْإِيمَانُ "
41 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأُشْنَانِيُّ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَعْقِلٍ الْخَثْعَمِيِّ قَالَ: أَتَى عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَجُلٌ، وَهُوَ فِي الرَّحَبَةِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَرَى فِي امْرَأَةٍ لَا تُصَلِّي ؟ قَالَ: " مَنٍ لَمْ يُصَلِّ فَهُوَ كَافِرٌ "
42 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأُشْنَانِيُّ، حدثنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: " مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَلَا دِينَ لَهُ "
وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الحُصَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " " وَإِنَّمَا أَرَادَ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - كُفْرًا يَكُونُ نَقِيضَ الْإِيمَانِ لِلَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ شُعْبَةٍ مِنْ شُعَبِهِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ كُفْرًا يَكُونُ نَقِيضَ الْإِيمَانِ بِاللهِ تعالى إِذَا لَمْ يَجْحَدْ فَرْضَهَا، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصُهُ الصَّلَاةَ بِالذِّكْرِ لِوُجُوبِ الْقَتْلِ بِتَرْكِهَا كَوُجُوبِهِ بِتَرْكِ الْإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى "
43 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أخبرنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، حدثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لِأَصْحَابِهِ: " اجْلِسُوا بِنَا نُؤْمِنُ " أَظُنُّهُ قَالَ: سَاعَةً أَيْ نَذْكُرُ اللهَ
44 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْجَرَّاحِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ: " اجْلِسُوا بِنَا نَزْدَدْ إِيمَانًا "
45 - أَخْبَرَنَا أبو عَبْدُ
اللهِ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، حدثنا عَبْدُ
اللهِ بْنُ الْجَرَّاحِ، حدثنا ابْنُ الْحِمَّانِيِّ، حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ
هِلَالٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُكَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " اللهُمَّ زِدْنِي
إِيمَانًا وَفِقْهًا "
46 - أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنِ
قَتَادَةَ، أخبرنا أَبُو مَنْصُورٍ النَّضْرَوِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
نَجْدَةَ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا شَرِيكٌ . . . فَذَكَرَهُ
بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ وَزَادَ: " يَقِينًا وَعِلْمًا "
47 - حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ إِمْلَاءً، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّصْرَابَاذِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ، حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قال قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ " " وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ غَيْرِ قَوِيٍّ مَرْفُوعًا، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَقْوَالِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى شَوَاهِدُ، وَهُوَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مَذْكُورٌ مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ "
48 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرٍ، عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: " ثَلَاثَةٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدَ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْفَاقُ مِنَ الْإِقْتَارِ، وَالْإِنْصَافُ مِنَ النَّفْسِ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالِمِ "
49 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا شَيْخُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ قَالَ لِصَاحِبٍ لَهُ: " تَعَالَ حَتَّى نُؤْمِنَ سَاعَةً " . قَالَ: أَوَلَسْنَا بِمُؤْمِنَيْنِ ؟ قَالَ: " بَلَى، وَلَكِنَّا نَذْكُرُ اللهَ فَنَزْدَادُ إِيمَانًا "
50 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْبَيْهَقِيُّ، حدثنا دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، حدثنا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ نَجِيحٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبًا الْبَجَلِيَّ قَالَ: " كُنَّا فِتْيَانًا حَزَاوِرَةً مَعَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا، وَإِنَّكُمُ الْيَوْمَ تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ "
51 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أخبرنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " ثَلَاثٌ مِنَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَحْتَلِمَ الرَّجُلُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ فَيَقُومَ فَيَغْتَسِلَ لَا يَرَاهُ إِلَّا اللهُ، وَالصَّوْمُ فِي الْيَوْمِ الْحَارِّ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْأَرْضِ الْفَلَاةِ لَا يَرَاهُ إِلَّا اللهُ "
52 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأُشْنَانِيُّ، حدثنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: " الْإِيمَانُ يَزْدَادُ وَيَنْقُصُ "
53 - وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، حدثنا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ الرَّحَبِيُّ، عَنْ أَبِي حَبِيبٍ الْحَارِثِ بْنِ مِخْمَرٍ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: " الْإِيمَانُ يَزْدَادُ وَيَنْقُصُ "
54 - وَبِإِسْنَادِهِ حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبِيعَةَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " الْإِيمَانُ يَزْدَادُ وَيَنْقُصُ "
55 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، حدثنا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأُشْنَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الطَّرَائِفِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَفَّانُ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ خُمَاشَةَ أَنَّهُ قَالَ: " الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ "، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا زِيَادَتُهُ وَمَا نُقْصَانُهُ ؟ قَالَ: " إِذَا ذَكَرْنَا رَبَّنَا وَخَشَيْنَا فَذَلِكَ زِيَادَتُهُ، وَإِذَا غَفَلْنَا وَنَسِينَا وَضَيَّعْنَا فَذَلِكَ نُقْصَانُهُ " " هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ عَفَّانَ "
56 - أَخْبَرَنَا الْأُشْنَانِيُّ، أخبرنا الطَّرَائِفِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: " امْشُوا بِنَا نَزْدَادُ إِيمَانًا "
57 - وَبِإِسْنَادِهِ حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " مَا نَقَصَتْ أَمَانَةُ عَبْدٍ قَطُّ إِلَّا نَقَصَ مِنٍ إِيمَانِهِ "
58 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أخبرنا شَيْبَانُ، حدثنا جَرِيرٌ، حدثنا عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ " كَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ لِلْإِيمَانِ حُدُودًا وَشَرَائِعَ، وَفَرَائِضَ مَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ "
59 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أخبرنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حدثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَسَّانَ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدً وَيَنْقُصُ "
60 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأُشْنَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [البقرة: 260] قَالَ: " أَزْدَادُ إِيمَانًا إِلَى إِيمَانِي " " وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ "
61 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا أَبُو هِلَالٍ، حدثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ قَالَ: " قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبَعْضِ الْحَوَارِيِّينَ أَرِنِي يَدَكَ يَا قَصِيرَ الْإِيمَانِ، وَهَذَا حِينَ مَشَى عَلَى الْمَاءِ فَتَبِعَهُ وَاحِدٌ، فَذَهَبَ يَضَعُ رِجْلَهُ، فَإِذَا هُوَ قَدِ انْغَمَرَ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: هَاتِ يَدَكَ يَا قَصِيرَ الْإِيمَانِ "
62 - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْأُشْنَانِيُّ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: " وَاللهِ مَا أَرَى إِيمَانَ أَهْلِ الْأَرْضِ يَعْدِلُ إِيمَانَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَا أَرَى إِيمَانَ أَهْلَ مَكَّةَ يَعْدِلُ إِيمَانَ عَطَاءٍ "
63 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْبَيْهَقِيُّ، أخبرنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي عَبَّادٍ، حدثنا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ إِنَّهُ يُجَالِسُكَ رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّ إِيمَانَهُ مِثْلُ إِيمَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: " وَاللهِ لَقَدْ فَضَّلَ اللهُ جِبْرِيلَ فِي الثَّنَاءِ فَقَالَ: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ، ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } [التكوير: 20]، وَتَزْعُمُونَ أَنَّ إِيمَانَ مِهْرَانَ - رَجُلٌ كَانَ يُضْرَبُ فِي الْخَمْرِ كُلَّ سَاعَةٍ مِثْلُ إِيمَانِ - جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ "
64 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، حدثنا أَبُو عُتْبَةَ، حدثنا بَقِيَّةُ، أخبرنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي النُّعْمَانَ - شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ - عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: " خَاصَمَهُ رَجُلٌ فِي الْإِرْجَاءِ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ سَمِعَا امْرَأَةً تُغَنِّي، فَقَالَ مَيْمُونٌ: " أَيْنَ إِيمَانُ هَذِهِ مِنْ إِيمَانِ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ ؟ " قَالَ: فَلَمَّا قَالَهَا لَهُ انْصَرَفَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا "
65 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْبَيْهَقِيُّ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، حدثنا دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حدثنا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أخبرنا أَبُو بِشْرٍ الْحَلَبِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ، وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ، مَنْ قَالَ حَسَنًا وَعَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ رَدَّهُ اللهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَمَنْ قَالَ حَسَنًا وَعَمِلَ صَالِحًا رَفَعَهُ الْعَمَلُ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعٌهُ } [فاطر: 10] " قَالَ الْإِمَامُ أحمد رَحِمَهُ اللهُ تعالى: " وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا قَوْلَنَا فِي الْإِيمَانِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَالْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمْ رَحِمَهُمُ اللهُ "
66
- أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، حدثنا أَبُو
الْعَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ
اللهُ تَعَالَى فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ السِّيَرِ: "
الصَّلَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ "، وَقَالَ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى
الذَّبِيحَةِ: " وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وَلَا أَكْرَهُ مَعَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ أَنْ
يَقُولَ صَلَّى الله عَلَى رَسُولِهِ بَلْ أُحِبُّهُ لَهُ لِأَنَّ ذِكْرَ
اللهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ إِيمَانٌ بِاللهِ، وَعِبَادَةٌ
لَهُ يُؤْجَرُ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى مَنْ قَالَهَا "
وَرُوِّينَا عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ الْأَحَدِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ
سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: " الْإِيمَانُ قَوْلٌ
وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ "
67 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنِي يُوسُفُ فَذَكَرَهُ
68 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعِيدٍ، حدثنا عَبْدُ الصَّمَدَ بْنُ النُّعْمَانِ، حدثنا هَارُونُ الْبَرْبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: " الْإِيمَانُ قَائِدٌ، وَالْعَمَلُ سَائِقٌ، وَالنَّفْسُ حَرُونٌ ، فَإِذَا وَنِيَ قَائِدُهَا لَمْ تَسْتَقِمْ لِسَائِقِهَا، وَإِذَا وَنَى سَائِقُهَا لَمْ تَسْتَقِمْ لِقَائِدِهَا . وَلَا يَصْلُحُ هَذَا إِلَّا مَعَ هَذَا حَتَّى تُقَدِّمَ عَلَى الْخَيْرِ الْإِيمانَ بِاللهِ مَعَ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالْعَمَلُ لِلَّهِ مَعَ الْإِيمَانِ بِاللهِ " تَابَعَهُ قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ هَارُونَ
69 - أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بِنُ بِشْرَانَ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، حدثنا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، حدثنا أَبُو سِنَانٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِ اللهِ: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10] قَالَ: " الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلَامَ الطَّيِّبَ "
بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ
70 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، أخبرنا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ عِندَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: " أَنَا مُؤْمِنٌ "، قَالَ: " قُلْ إِنِّي فِي الْجَنَّةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ "
71 - أخبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الزُّهْرِيُّ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حدثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعْلقَمَةَ أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ ؟ قَالَ: " أَرْجُو إِنْ شَاءَ اللهُ "
وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ
مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ رَضِيَ اللهُ
تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَرُوِّينَا، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَهُمْ فَقَالَ: " أَنْتُمُ
الْمُؤْمِنُونَ أَنْتُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَاللهِ إِنِّي لَأَطْمَعُ
أَنْ يَكُونَ عَامَّةُ مَنْ تُصِيبُونَ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ وَالرُّومِ فِي
الْجَنَّةِ لِأَنَّ أَحَدَهُمْ يَعْمَلُ لَكُمُ الْعَمَلَ، فَيَقُولُ:
أَحْسَنْتَ رَحِمَكَ اللهُ أَحْسَنْتَ بَارَكَ اللهُ فِيكَ، وَاللهُ
يَقُولُ: { وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ،
وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } [الشورى: 26]
72 - " أَخْبَرَنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُؤَمَّلِيُّ، حدثنا أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ،
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أخبرنا يَعْلَى بْنٌ عُبَيْدٍ،
حدثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ:
خَطَبَنَا مُعَاذٌ فَذَكَرَهُ . " وَفِي هَذَا الحديث أَنَّهُ يُخَاطِبُ
الْجَمَاعَةَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ بِهِ شَخْصًا، وَقَدْ رَجَعَ فِي
آخِرِ الْحَدِيثِ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَقَالَ:
إِنِّي لَأَطْمَعُ "
73 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّدِيرِيُّ، أخبرنا أَبُو حَامِدٍ الْخُسْرَوْجِرْدِيُّ، حدثنا دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخُسْرَوْجِرْدِيُّ، حدثنا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حدثنا أَبُو شَيْخٍ الْحَرَّانِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا بالشام يَزْعُمُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَكَتَبَ إِلَى أَمِيرِهِ أَنِ ابْعَثْهُ إِلَيَّ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: " أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّكَ مُؤْمِنٌ ؟ " . قَالَ: نَعَمْ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ: " وَيْحَكَ وَمِمَّ ذَاكَ ؟ " قَالَ: أَوَلَمْ تَكُونُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْنَافًا: مُشْرِكٌ، وَمُنَافِقٌ، وَمُؤْمِنٌ فَمِنْ أَيِّهِمْ كُنْتَ ؟ قَالَ: فَمَدَّ عُمَرُ يَدَهُ إِلَيْهِ مَعْرِفَةً لِمَا قَالَ حَتَّى أَخَذَ بِيَدِهِ
74 - وَبِإِسْنَادِهِ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، حدثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حدثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: الرَّجُلُ يَقُولُ: لَا أَدْرِي أَمُؤْمِنٌ أَنَا أَمْ لَا ؟ قَالَ: " سُبْحَانَ اللهِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } [البقرة: 3] فَهُوَ الْغَيْبُ، فَمَنْ آمَنَ بِالْغَيْبِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاللهِ " قَالَ الْإِمَامُ أحمد - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -: " فَهَذَا الَّذِي رُوِّينَا مِنْ إِطْلَاقِ مُعَاذٍ، وَمَا رُوِيَ مُرْسَلًا مِنْ تَصْوِيبِ قول عُمَرَ، وَقَوْلِ عَطَاءٍ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَبِرُسُلِهِ بِالْمُؤْمِنِ يَرْجِعُ إِلَى الْحَالِ " قَالَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: " لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْمِيَةِ نَفْسِهِ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ لِأَجْلِ مَا يَخْشَاهُ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ - نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهُ - لِأَنَّ ذَلِكَ، وَإِنْ وَقَعَ، وَحَبِطَ مَا قَدَّمَ مِنْ إِيمَانِهِ، فَلَيْسَ يَنْقَلِبُ الْمَوْجُودُ مِنْهُ مَعْدُومًا مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنَّمَا يَحْبَطُ أَجْرُهُ وَيَبْطُلُ ثَوَابُهُ - وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ ذَلِكَ - وَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ مِنَ السَّلَفِ إِطْلَاقَ اسْمِ الْإِيمَانِ فَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ مَا قَالَ أَنْ يَقُولَ الْوَاحِدُ: أَنَا مُؤْمِنٌ وَأَعِيشُ مُؤْمِنًا، وَأَمُوتُ مُؤْمِنًا، وَأَلْقَى اللهَ مُؤْمِنًا، وَلَا يَسْتَثْنِي، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قُلْ إِنِّي فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا كَانَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا في سَاعَةً مِنْ عُمْرِهِ أَوْ يَوْمًا أَوْ سَنَةً كَانَ فِي الْجَنَّةِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ عَبْدَ اللهِ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِمَنِ اتَّكَلَ عَلَى إِيمَانِهِ فَقَطَعَ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ مُطْلَقٌ فِي عَامَّةِ أَحْوَالِهِ، وَأَوْقَاتِهِ وَلَا يَعِيشُ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَمُوتُ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَمْ يَكِلْ أَمْرَهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمَّا قَوْلُ الْمُؤْمِنِ: أَنَا الْآنَ مُؤْمِنٌ فَلَيْسَ مِمَّا يُنْكَرُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إِذَا كَانَ الْخَبَرُ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ خَاصَّةً، فَيَكُونُ الْمَعْنِيُّ أَرْجُو أَنْ يَمُنَّ اللهُ عَلَيَّ بِالتَّثَبُّتِ، وَلَا يَسْلُبُنِي هِدَايَتَهُ بَعْدَ أَنْ آتانِيهَا، قَالَ وَلِلِاسْتِثْنَاءِ مَوْضِعٌ آخَرُ يَصِحُّ فِيهِ، وَيَحْسُنُ وَهُوَ أَنْ يُرَدَّ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ لَا عَلَى أَصْلِهِ وَأُسِّهِ كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ قَتَادَةَ أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَأُومِنُ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَبِكُتُبِهِ وَبِرُسُلِهِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وأَمَّا الصُّفَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [الأنفال: 2] قَرَأَ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الأنفال: 4] فَلَا أَدْرِي أَنَا مِنْهُمْ أَوْ لَا . فَقَدْ أَبَانَ قَتَادَةُ أَنَّهُ قَدْ آمَنَ الْإِيمَانَ الَّذِي يُبْعِدُهُ عَنِ الْكُفْرِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَدْرِي اسْتَكْمَلَ الْأَوْصَافَ الَّتِي حَكَى اللهُ تَعَالَى بِهَا قَوْمًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَوْجَبَ لَهُمْ بِهَا الْمَغْفِرَةَ وَالدَّرَجَاتِ، وَكَانَ ذَلِكَ تَشَكُّكًا مِنْهُ فِي الِاسْتِكْمَالِ الَّذِي يُوجِبُ لَهُ الدَّرَجَاتِ لَا فِي مُجَانَبَةِ الْكُفْرِ الَّذِي يُسْقِطُ عَنْهُ الْعَذَابَ، فَمَنْ وَضَعَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ فَلَيْسَ مِنَ الشَّكَّاكِ " قَالَ أحمد رَحِمَهُ اللهُ تعالى: " وَقَدْ رُوِّينَا مَعْنَى هَذَا، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ "
75 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ الْهَاشِمِيُّ حدثنا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الْمُقْرِئُ الزَّاهِدُ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْحِمْصِيُّ، أخبرنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ تَمَّامِ بْنِ نَجِيحٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ عَنِ الْإِيمَانِ، فَقَالَ: " الْإِيمَانُ إِيمَانَانِ، فَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْإِيمَانِ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، فَأَنَا مُؤْمِنٌ، وَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ . . . } [الأنفال: 2] الْآيَة قَرَأَ إِلَى قوله { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } [الأنفال: 4] فَوَاللهِ مَا أَدْرِي أَنَا مِنْهُمْ أَوْ لَا "
76 - وأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتَ أَبَا الْعَبَّاسِ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: " هَذَا قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْمَأْخُوذُ فِي الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ بِقَوْلِهِمْ " - فَذَكَرَ الْحِكَايَةَ - قَالَ: " وَالْإِيمَانُ يَتَفَاضَلُ، وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ ، وَالصَّلَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالزَّكَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْحَجُّ مِنَ الْإِيمَانِ، وَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ مِنَ الْإِيمَانِ وَنَقُولُ: النَّاسُ عِنْدَنَا مُؤْمِنُونَ بِالِاسْمِ الَّذِي سَمَّاهُمُ اللهُ فِي الْإِقْرَارِ وَالْحُدُودِ وَالْمَوَارِيثِ، وَلَا نَقُولُ حَقًّا وَلَا نَقُولُ عِنْدَ اللهِ وَلَا نَقُولُ كإِيمانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لِأَنَّ إِيمَانَهُمَا مُتَقَبَّلٌّ " قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وَرُوِّينَا، عَنْ وَكِيعٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: " أَنَا مُؤْمِنٌ وَأَهْلُ الْقِبْلَةِ كُلُّهُمْ مُؤْمِنُونَ فِي النِّكَاحِ وَالدِّيَةِ وَالْمَوَارِيثِ، وَلَا يَقُولُ: أَنَا مُؤْمِنٌ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " " وَالْمُرَادُ بِهَذَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ اللهَ تعالى يَعْلَمُ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَيَكِلُ الْأَمْرَ فِيمَا لَا يَعْلَمُ إِلَى عَالِمِهِ، وَيُخْبِرُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَبِاللهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ "
بَابُ أَلْفَاظِ الْإِيمَانِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي، فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } [الزخرف: 27] الْآيَةَ، قِيلَ: وَهِيَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَرُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ "
77 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أخبرنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيِّ، حدثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، حدثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، أخبرنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْهِ " . قَالَ سُهَيْلٌ: أَحْسَبُهُ خَيْبَرَ، قَالَ عُمَرُ: فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَطُّ حَتَّى يَوْمَئِذٍ، فَدَعَا عَلِيًّا فَبَعَثَهُ، ثُمَّ قَالَ: " اذْهَبْ فَقَاتِلْ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ، وَلَا تَلْتَفِتْ " . قَالَ: عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ ؟ قَالَ: " قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ منعوا مِنْكُمْ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سُهَيْلٍ
78 - وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِجَازَةً، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حدثنا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " الْإِقْرَارُ بِالْإِيمَانِ وَجْهَانِ: فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، وَمَنْ لَا دِينَ لَهُ يَدَّعِي أَنَّهُ دِينُ نُبُوَّةٍ، فَإِذَا شَهِدَ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَقَدْ أَقَرَّ بِالْإِيمَانِ، وَمَتَى رَجَعَ عَنْهُ قُتِلَ، وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ فَهُولَاءِ يَدَّعُونَ دِينَ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَدْ بَدَّلُوا مِنْهُ، وَقَدْ أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِيهِ الْإِيمَانُ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَفَرُوا بِتَرْكِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَاتِّبَاعِ دِينِهِ مَعَ مَا كَفَرُوا بِهِ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللهِ قَبْلَهُ فَقَدْ قِيلَ لِي: إِنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ مُقِيمٌ عَلَى دِينِهِ يَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَيَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيَقُولُ: لَمْ يُبْعَثْ إِلَيْنَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ أَحَدٌ هَكَذَا فَقَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُسْتَكْمِلَ الْإِقْرَارِ بِالْإِيمَانِ حَتَّى يَقُولَ وَإِنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ حَقٌّ، أَوْ فَرْضٌ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللهِ وَأَبْرَأُ مِمَّا خَالَفَ دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ دِينَ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا قَالَ: هَذَا فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِقْرَارَ بِالْإِيمَانِ - وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ - وَعَلَى قيَاسِ هَذَا كُلُّ مَنْ تَلَفَّظَ بِكَلَامٍ مُحْتَمَلٍ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ صَرِيحَ إِقْرَارٍ بِالْإِيمَانِ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الِاحْتِمَالِ " " وَقَدْ بَسَطَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ، وَقَدْ يَنْعَقِدُ الْإِيمَانُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ إِذَا أَتَى بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى
وقَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ، أَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، بَعْدَ أَنْ قَالَهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقْتُلْهُ " . فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَطَعَ يَدِي، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدُ: أَقْتُلُهُ ؟ فَقَالَ: " لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتهُ الَّتِي قَالَ " أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، حدثنا ابْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، عَنِ الْمِقْدَادِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ . . . فَذَكَرَهُ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةٍ شَبِيهَةٍ بِقِصَّةِ الْمِقْدَادِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ . فَذَكَرَ مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِعْرَاضِهِ عَنْ قَاتِلِهِ وَقَوْلِهِ: " أَنَّ اللهَ أَبَى عَلَيَّ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا "
فَصْلٌ فِيمَنْ كَفَّرَ مُسْلِمًا
80 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَا: حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهَ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ: وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَيْهِ . قَالَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: " إِذَا قَالَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إِنْ أَرَادَ أَنَّ الدِّينَ الَّذِي يَعْتَقِدُهُ كُفْرٌ كَفَرَ بِذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ كَافِرٌ فِي الْبَاطِنِ، وَلَكِنَّهُ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ نِفَاقًا لَمْ يَكْفُرْ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا لَمْ يَكْفُرْ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ رَمَاهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ مِثْلَهُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -: قَدْ رُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ حِينَ خَانَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكِتَابَةِ إِلَى مَكَّةَ: " دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقَ " " فَسَمَّاهُ عُمَرُ مُنَافِقًا، وَلَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا فَقَدْ صَدَّقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَصِرْ بِهِ عُمَرُ كَافِرًا لِأَنَّهُ اكْفَرَهُ بِالتَّأْوِيلِ، وَكَأَنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ يُحْتَمَلُ "
بَابُ الْقَوْلِ فِي إِيمَانِ الْمُقَلِّدِ وَالْمُرْتَابِ " الْمُقَلِّدُ: مَنْ تَدَيَّنَ مَا تَدَيَّنَ لِأَنَّهُ دِينُ آبَائِهِ وَقَرَابَتِهِ، وَأَهْلِ بَلَدِهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ وَرَاءَ ذَلِكَ حُجَّةٌ يَأْوِي إِلَيْهَا، وَالْمُرْتَابُ: مَنْ يَقُولُ: اعْتَقَدْتُ الْإِسْلَامَ، وَتَابَعْتُ أَهْلَهُ احْتِيَاطًا لِنَفْسِي، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَقَدْ فُزْتُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يَضُرُّنِي وَوَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ " وَبَسَطَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فِيهِ الْكَلَامَ، قَالَ: " وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَيْسَ بِمُقَلِّدٍ رَجُلَانِ: أَحَدُهُمَا: الَّذِي عَرَفَ اللهَ - تَعَالَى جَدُّهُ - بِالدَّلَائِلِ، وَالْحُجَجِ مَعْرِفَةً تَامَّةً لَا شَكَّ مَعَهَا، وَعَرَفَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُجَجِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ، ثُمَّ اعْتَرَفَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَقَبِلَ عَنْ رَسُولِهِ جَمِيعَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدَهُ، وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ بِالطَّاعَةِ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ، وَالْآخَرُ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ إِجَابَةً لِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ - وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ إِلَى أَنْ قَالَ - ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْمُؤْمِنُ قَبْلَ أَنْ آمَنَ يُثْبِتُ اللهَ - تَعَالَى جَدُّهُ - إِلَّا أَنَّهُ يُلْحِدُ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ كَانَ إِيمَانُهُ الْحَادِثُ تَرْكَ ذَلِكَ الْإِلْحَادِ لِمَا يَقُولُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُوهُ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَدِينُ دينا وَيَرَى أَنْ لَا صَانِعَ لِلْعَالَمِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْآنَ، فَوَجْهُ إِيمَانِهِ بِاللهِ لِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ أَنَّ لِلْعَالَمِ إِلَهًا وَاحِدًا لَمْ يَزَلْ، وَلَا يَزَالُ، وَلَا يُشْبِهُ شَيْئًا قَادِرًا لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ عَالِمًا، حَكِيمًا كَانَ وَلَا شَيْءَ غَيْرُهُ، وَأَبْدَعَ كُلَّ مَوْجُودٍ سِوَاهُ، وَاخْتَرَعَهُ اخْتِرَاعًا لَا مِنْ أَصْلٍ، وَأَنَّهُ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ لِيُعَرِّفَهُ إِلَيْهِمْ وَيُنَبِّهَهُمْ عَلَى آثَارِ خَلْقِهِ الَّتِي يَرَوْنَهَا، وَيَغفلُونَ عَنْهَا وَيَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ، وَعِبَادَتِهِ
وَأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى صِدْقِهِ هِيَ مَا أَيَّدَهُ بِهِ مِنْ كَذَا وَكَذَا مِمَّا لَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ، - وَإِنْ تَظَاهَرُوا - أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ وَاحِدٌ مِنَ النَّاسِ يَجْمَعُهُ وَإِيَّاهُمُ الْبَشَرِيَّةُ، ثُمَّ يَجْمَعُهُ وَأَهْلَ بَلَدِهِ الْهَوَاءُ وَالْأَرْضُ وَالْمَاءُ، وَكَانَ مَا عَدَا هَذَا - الَّذِي يَذْكُرُ أَنَّهُ أمد بِهِ لِيَكُونَ دَلَالَةً عَلَى صِدْقِهِ - لَا يُبَايِنُ فِيهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَيَحْتَاجُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَى مِثْلِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ وَلَا يَقْدِرُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمعتادةِ إِلَّا عَلَى مثل مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَيَعْجِزُ عَمَّا يَعْجِزُونَ عَنْهُ وَجَبَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مِنْ فَضْلِ هَذَا الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ مِمَّا هُوَ خَارِجٌ عَنْ قَضِيَّةِ الْعَادَاتِ عَاجِزٌ مِثْلُهُمْ، وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ، وَقَدْ وُجِدَ بِهِ وَظَهَرَ عَلَى يَدِهِ حَقٌّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صُنْعِهِ، وَلَكِنْ مِنْ صُنْعِ غَيْرِهِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغِيَرُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ فِي الْقُدْرَةِ نَظِيرَهُ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاسْتَحَالَ وُجُودُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا اسْتَحَالَ وُجُودُهُ مِنْهُ، وَفِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صُنْعِ صَانِعٍ لَا يَفْعَلُ الْأَشْيَاءَ بِمِثْلِ الْقُوَّةِ، وَالْقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا يَصْنَعُ الصُّنَّاعُ الْمُشَاهِدُونَ، وَأَنَّهُ كَمَا لَمْ يُشْبِهْ صُنْعُهُ صُنْعَهُمْ، فَكَذَلِكَ هُوَ غَيْرُ مُشْبِهٍ إِيَّاهُمْ وَلَا جَائِزَ عَلَيْهِ مِنْ مَعَانِي النَّقْصِ مَا هُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ فَانْتَظَمَتْ حُجَّتُهُ هَذِهِ إِثْبَاتُ الصَّانِعِ عَلَى مَنْ يَجْهَلُهُ وَلَا يَعْتَرِفُ بِهِ، وَإِثْبَاتُ رِسَالَتِهِ مِنْ عِنْدِهِ فَمَنِ اسْتَسْلَمَ لِحُجَّتِهِ وَصَدَّقَهُ فِي جَمِيعِ قَوْلِهِ، وَآمَنَ بِجُمْلَةِ دَعْوَتِهِ كَانَ إِثْبَاتُ الرَّسُولِ وَالْمُرْسَلُ مِنْهُ مَعًا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، فَهَذَا وَجْهُ الْإِيمَانِ بِاللهِ إِجَابَةً لِدَعْوَةِ رَسُولِهِ إِلَيْهِ وَهَذَا إِجَابَةٌ بِحُجَّةٍ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ إِيمَانُ عَامَّةِ الْمُسْتَجِيبِينَ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَالرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ تَنَبَّهُ بَعْدُ فَرَأَى وَنَظَرَ وَبَحَثَ، فَبَصَّرَهُ اللهُ مِنَ الدَّلَائِلِ مَا شَدَّ بِهِ أَزْرَهُ، وَعَصَمَ دِينَهُ، وَقَوَّى يَقِينَهُ، وَطَلَبَ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ مَا يَنْصُرُ بِهِ الدِّينَ، وَيُجَادِلُ بِهِ أَعْدَاءَهُ، وَيَنْتَصِبُ بِهِ لِلدَّفْعِ عَنْهُ "
81 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حدثنا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَصُلْبُ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: " إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فُتِنَ أَصْحَابُهُ بِمَكَّةَ أَشَارَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَلْحَقُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ إِلَى أَنْ قَالَ، فَكَلَّمَهُ جَعْفَرٌ يَعْنِي النَّجَاشِيَّ قَالَ: كُنَّا عَلَى دِينِهِمْ - يَعْنِي دِينَ أَهْلِ مَكَّةَ - حَتَّى بَعَثَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِينَا رَسُولًا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَنَخْلَعَ مَا يَعْبُدُ قَوْمُنَا، وَغَيْرُهُمْ مِنْ دُونِهِ، وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَكُلِّ مَا يُعْرَفُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ وَتَلَا عَلَيْنَا تَنْزِيلًا جَاءَهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ، وَعَرَفْنَا أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: فَفَارَقْنَا عِنْدَ ذَلِكَ قَوْمَنَا وَآذَوْنَا، وَفَتَنُونَا فَلَمَّا بَلَغَ مِنَّا مَا يَكْرَهُ وَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ إِلَى بِلَادِكَ اخْتِيَارًا لَكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ لِتَمْنَعَنَا مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: هَلْ مَعَكُمْ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ تَقْرَؤُونَهُ عَلَيَّ ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ فَقَرَأَ كهيعص، فَلَمَّا قَرَأَهَا بَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ، وَقَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَالْكَلَامَ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى لَيَخْرُجَانِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ "
82 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَا: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حدثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، حدثنا فُضَيْلُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حدثنا شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بِمَ كُنْتَ نَبِيًّا ؟ قَالَ: " أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ النَّخْلَ فَأَجَابَنِي تُؤْمِنُ بِي ؟ " قَالَ: نَعَمْ . فَدَعَاهُ فَأَجَابَهُ فَآمَنَ بِهِ وَأَسْلَمَ، وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ شَرِيكٍ وَأَتَمَّ مِنْ هَذَا، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ " وَقَدْ ذَكَرْنَا شَوَاهِدَ هَذَا فِي كِتَابِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ "، وَذَكَرْنَا فِيهِ مِنْ إِيمَانِ مَنْ آمَنَ حِينَ وَقَفَ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعْجِزَتِهِ مَا يَكْشِفُ عَنْ صِحَّةِ مَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - "
83 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَهْوَاءِ فَقَالَ: " عَلَيْكَ بِدِينِ الْأَعْرَابِيِّ، وَالْغُلَامِ فِي الْكِتَابِ وَالْهُ عَمَّنْ سِوَاهُ " قَالَ الْإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -: " وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وقَالَ غَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ - فِي النَّهْيِ عَنِ الْخَوْضِ فِي مَسَائِلِ الْكَلَامِ - فَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لَتَبْيِينِ صِحَّةِ الدِّينِ فِي أَصْلِهِ، إِذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا بُعِثَ مُؤَيَّدًا بِالْحُجَجِ، فَكَانَتْ مُشَاهَدَتُهَا لِلَّذِينَ شَاهَدُوهَا، وَبَلَاغُهَا الْمُسْتَفِيضُ، لَمَنْ بَلَغَهُ كَافِيًا فِي إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ، وَالنُّبُوَّةِ مَعًا عَنْ غَيْرِهَا، وَلَمْ يَأْمَنُوا إنْ توَسِّعَ النَّاسُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَكْمُلُ عَقْلُهُ، وَيَضْعُفُ رَأْيُهُ فَيَرْتَبُكُ فِي بَعْضِ ضَلَالَةِ الضَّالِّينَ، وَشُبَهِ الْمُلْحِدِينَ، ولَا يَسْتَطِيعُ مِنْهَا مَخْرَجًا كَالرَّجُلِ الضَّعِيفِ غَيْرِ الْمَاهِرِ بِالسِّبَاحَةِ إِذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ غَامِرٍ قَوِيٍّ، لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَغْرَقَ فِيهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ، وَلَمْ يَنْهُوا عَنْ عِلْمِ الْكَلَامِ لِأَنَّ عَيْنَهُ مَذْمُومٌ، أَوْ غَيْرُ مُفِيدٍ، وَكَيْفَ يَكُونُ الْعِلْمُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعِلْمِ صِفَاتِهِ، وَمَعْرِفَةِ رُسُلِهِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ النَّبِيِّ الصَّادِقِ، وَبَيْنَ الْمُتَنَبِّئِ الْكَاذِبِ عَلَيْهِ مَذْمُومًا أَوْ مَرْغُوبًا عَنْهُ ؟ وَلَكِنَّهُمْ لِإِشْفَاقِهِمْ عَلَى الضُّعَفَاءِ أن لَّا يَبْلُغُوا مَا يُرِيدُونَ مِنْهُ فَيَضِلُّوا، نَهُوا عَنِ الِاشْتِغَالِ بِهِ " ثُمَّ بَسَطَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - الْكَلَامَ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى تَعَلُّمِهِ إِعْدَادًا لِأَعْدَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَقَالَ: " غَيْرُهُ فِي نَهْيِهِمْ عَنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِأَنَّ السَّلَفَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ كَانُوا يَكْتَفُونَ بِمُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَإِنَّمَا يَشْتَغِلُ فِي زَمَانِهِمْ بِعِلْمِ الْكَلَامِ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ، فَكَانُوا يَنْهُونَ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِكَلَامِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ كَانُوا يَدَّعُونَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ مَذَاهِبَهُمْ فِي الْأُصُولِ تُخَالِفُ الْمَعْقُولَ، فَقَيَّضَ اللهُ تَعَالَى جَمَاعَةً مِنْهُمْ لِلِاشْتِغَالِ بِالنَّظَرِ، وَالِاسْتِدْلَالِ حَتَّى تَبَحَّرُوا فِيهِ، وَبَيَّنُوا بِالدَّلَائِلِ النَّيِّرَةِ، وَالْحُجَجِ الْبَاهِرَةِ أَنَّ مَذَاهِبَ أَهْلِ السُّنَّةِ تُوَافِقُ الْمَعْقُولَ، كَمَا هِيَ مُوَافَقَةٌ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، إِلَّا أَنَّ الْإِيجَابَ يَكُونُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لمَا يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِبٍ، دُونَ الْعَقْلِ . وَقَدْ كَانَ مِنَ السَّلَفِ مَنْ يَشْرَعُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَيَرُدُّ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ "
84 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَعْقِلٍ، حدثنا حَرْمَلَةُ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ، حدثنا مَالِكٌ، أَنَّهُ دَخَلَ يَوْمًا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، فَذَكَرَ قِصَّةً - ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ - يَعْنِي ابْنَ هُرْمُزَ - بَصِيرًا بِالْكَلَامِ، وَكَانَ يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ "
بَابُ الْقَوْلِ فِيمَنْ يَكُونُ مُؤْمِنًا بِإِيمَانِ غَيْرِهِ
85 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَمُسْلِمٌ، كُلُّ إِنْسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ يَلْكُزُهُ الشَّيْطَانُ فِي حِضْنَيْهِ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَقَدْ حُكِّينَا عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهَا الْخَلْقَ، فَجَعَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يُفْصِحُوا بِالْقَوْلِ، فَيَخْتَارُوا أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ: الْإِيمَانِ، أَوِ الْكُفْرِ لَا حُكْمَ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا الْحُكْمُ لَهُمْ بِآبَائِهِمْ، فَمَا كَانَ آبَاؤُهُمْ يَوْمَ يُولَدُونَ فَهُمْ بِحَالِهِ إِمَّا مُؤْمِنٌ فَعَلَى إِيمَانِهِ، أَوْ كَافِرٌ فَعَلَى كُفْرِهِ " " فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى - فِي هَذَا إِلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَوْلُودَ لَا حُكْمَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَبَعٌ لِوَالِدَيْهِ فِي الدِّينِ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا حَتَّى يُعْرِبَ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقُهُمْ بِآبَائِهِمْ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ أَيْضًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَ ذَرَارِيَّ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ، وَزَعَمَ أَنَّ أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فِي الْجَمِيعِ، وَوَكَلَ أَمْرَهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ بِالسُّنَنِ الصَّحِيحَةِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقَاوِيلَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ، وَمَا احْتَجَّ بِهِ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ فِي آخِرِ كِتَابِ الْقَدَرِ، فَمَنْ أَحَبَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَمَتَى مَا أَسْلَمَ الْأَبَوَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا صَارَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ، أَوْ أَحَدِهِمَا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ إِسْلَامَ مَنْ صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ، أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ، وَإِذَا سُبِيَ الصَّغِيرُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَمَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَدِينُهُ دِينُ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ سُبِيَ وَحْدَهُ فَدِينُهُ دِينُ السَّابِي لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ الَّذِي أَوْلَى بِهِ مِنْهُ، فَقَامَ فِي دِينِهِ مَقَامَ أَبَوَيْهِ كَمَا قَامَ فِي الْوِلَايَةِ، وَالْكَفَالَةِ مَقَامَهُمَا، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ "
بَابُ الْقَوْلِ فِيمَنْ يَصِحُّ إِيمَانُهُ، أَوْ لَا يَصِحُّ " قَالَ اللهُ عز وجل: { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا } [النور: 59]، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَيْهِمِ الْفَرْضُ فِي إِيذَانِهِمْ فِي الِاسْتِئْذَانِ إِذَا بَلَغُوا قَالَ: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ } إِلَى قَوْلِهِ { لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 164]، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ { لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } [آل عمران: 190]، وَخَاطَبَ بِالْفَرَائِضِ مَنْ عَقلَهَا "
86 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ" وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ إِسْلَامِ عَلِيٍّ، وَصَلَاتِهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:" لَمَّا أَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ فَهُوَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ خَصَّهُ بِالْخِطَابِ لَمَّا صَارَ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ، وَالْمَعْرِفَةِ دُونَ سَائِرِ الصِّغَارِ لِيَكُونَ ذَلِكَ كَرَامَةً لَهُ، وَمَنْقَبَةً، فَلَمَّا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ وَالدَّعْوَةُ صَحَّتْ مِنْهُ الْإِجَابَةُ، وَسَائِرُ الصِّغَارِ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمُ الْخِطَابُ، وَالدَّعْوَةُ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمُ الْإِسْلَامُ، أَوْ يَكُونُ خِطَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَالصَّلَاةِ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَنَّهُ بَالِغٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ لَيْسَ مِمَّا شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بَلْ لَيْسَ يُحْفَظُ قَبْلَ قِصَّةِ ابْنِ عُمَرَ فِي أُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَجْرُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى رَأْيِهِمْ، وَمَا تَعَارَفُوهُ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُولَدَ لَهُ، وَالرَّجُلَ مَنْ يُمْكِنُ أَنْ يُولَدَ لَهُ، وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ابْنَ عَشْرَ سِنِينَ لَمَّا أَسْلَمَ"" وَظَاهِرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ ابْنُ عَشْرٍ أَنَّهُ اسْتَكْمَلَ عَشْرًا، وَدَخَلَ فِي الْحَادِيَ عَشَرَ، وَمَنْ بَلَغَ هَذَا السِّنَّ فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُولَدَ لَهُ، فَلَمَّا شُرِعَ الْبُلُوغُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسِّنينِّ نُظِرَ إِلَى السِّنِّ الَّتِي كُلُّ مَنْ بَلَغَهَا جَازَ أَنْ يُولَدَ لَهُ دُونَ السِّنِّ الَّتِي يَنْدُرُ مِمَّنْ بَلَغَهَا الْإِيلَادُ، وَكَانَ مَنْ قَصُرَتْ سِنُوهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِّ صَغِيرًا فِي الْحُكْمِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِحَّ إِسْلَامُهُ وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ، وَفِي كِتَابِ الْفَضَائِلِ سَائِرَ مَا قِيلَ فِيهِ"
بَابُ الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ
87 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، وَأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحِ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْعَنْبَرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي يَحْيَى بْنُ مَنْصُورٍ قَالَا: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أخبرنا وَكِيعٌ، حدثنا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ الْمَكِّيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مُوسَى، عَنْ وَكِيعٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ " وَدُعَاءُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ مُسْتَحَقٌّ، وَدُعَاءُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ إِذَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّثَبُّتِ فِي قَهْرِهِمْ مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ، وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي كِتَابِ السُّنَنِ "
الْأَوَّلُ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وهو بَابٌ فِي الْإِيمَانِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ
88
- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ
أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَبُو مُسْلِمٍ، حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي
صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ
أَفْضَلُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى
عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ " قَالَ
الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ فَرْضٌ
تَجْمَعُ الِاعْتِقَادَ بِالْقَلْبِ، وَالِاعْتِرَافَ بِاللِّسَانِ،
وَالِاعْتِقَادُ وَالْإِقْرَارُ، وَإِنْ كَانَا عَمَلَيْنِ يُعْمَلَانِ
بِجَارِحَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، فَإِنَّ نَوْعَ الْعَمَلِ وَاحِدٌ
وَالْمَنْسُوبُ مِنْهُ إِلَى الْقَلْبِ هُوَ الْمَنْسُوبُ إِلَى
اللِّسَانِ، وَالْمَنْسُوبُ إِلَى اللِّسَانِ هُوَ الْمَنْسُوبُ إِلَى
الْقَلْبِ كَمَا أَنَّ الْمَكْتُوبَ - مِمَّا جَمَعَ بَيْنَ كَتْبِهِ
وَقَوْلِهِ - هُوَ الْمَقُولُ وَالْمَقُولُ هُوَ الْمَكْتُوبُ " قَالَ: "
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ بِالِاعْتِقَادِ، وَالْإِقْرَارِ مَجْمُوعُ عِدَّةِ
أَشْيَاءَ أَحَدُهَا إِثْبَاتُ الْبَارِئِ جَلَّ جَلَالُهُ لِيَقَعَ بِهِ
مُفَارَقَةُ التَّعْطِيلِ، وَالثَّانِي: إِثْبَاتُ وَحْدَانِيَّتِهِ
لِتَقَعَ بِهِ الْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ، وَالثَّالِثُ: إِثْبَاتُ
أَنَّهُ لَيْسَ بِجَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ لِيَقَعَ بِهِ الْبَرَاءَةُ مِنَ
التَّشْبِيهِ، وَالرَّابِعُ: إِثْبَاتُ أَنَّ وُجُودَ كُلِّ مَا سِوَاهُ
كَانَ مَعْدُومًا مِنْ قَبْلِ إِبْدَاعِهِ لَهُ وَاخْتِرَاعِهِ إِيَّاهُ
لِيَقَعَ بِهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِالْعِلَّةِ
وَالْمَعْلُولِ وَالْخَامِسُ: إِثْبَاتُ أَنَّهُ مُدَبِّرٌ مَا أَبْدَعَ،
وَمُصَرِّفُهُ عَلَى مَا يَشَاءُ لِيَقَعَ بِهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ قَوْلِ
الْقَائِلِينَ بِالطَّبَائِعِ، أَوْ تَدْبِيرِ الْكَوَاكِبِ أَوْ تَدْبِيرِ
الْمَلَائِكَةِ، فَأَمَّا الْبَرَاءَةُ بِإِثْبَاتِ الْبَارِئِ جَلَّ
ثَنَاؤُهُ وَالِاعْتِرَافُ لَهُ بِالْوُجُودِ مِنْ مَعَانِي التَّعْطِيلِ
فَلِأَنَّ قَوْمًا ضَلُّوا عَنْ مَعْرِفَةِ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
فَكَفَرُوا، وَأَلْحَدُوا، وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَا فَاعِلَ لِهَذَا
الْعَالَمِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا
مَوْجُودَ إِلَّا الْمَحْسُوسَاتُ، وَلَيْسَ وَرَاءَهَا شَيْءٌ، وَأَنَّ
الْكَوَائِنَ وَالْحَوادِثَ إِنَّمَا تَكُونُ وَتَحْدُثُ مِنْ قِبَلِ
الطَّبَائِعِ الَّتِي فِي الْعَنَاصِرِ وَهِيَ: الْمَاءُ، وَالنَّارُ،
وَالْهَوَاءُ، وَالْأَرْضُ، وَلَا مُدَبِّرَ لِلْعَالَمِ يَكُونُ مَا
يَكُونُ بِاخْتِيَارِهِ وَصُنْعِهِ، فَإِذْ أَثْبَتَ الْمُثْبِتُ
لِلْعَالَمِ إِلَهًا، وَنَسَبَ الْفِعْلَ وَالصُّنْعَ إِلَيْهِ فَقَدْ
فَارَقَ لْإِلْحَادَ التَّعْطِيلَ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَذَاهِبَ
الْمُلْحِدِينَ، وَالْقَائِلُونُ بِهِ يُسَمِّيهِمْ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ
الْإِلْحَادِ الْفِرْقَةَ الْمُتَجَاهِلَةِ وَيَدْعُونَهُمْ غَيْرَ
الْفَلَاسِفَةِ، أَمَا الْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ بِإِثْبَاتِ
الْوَحْدَانِيَّةِ فَلِأَنَّ قَوْمًا ادَّعَوْا فَاعِلَيْنِ وَزَعَمُوا
أَنَّ أَحَدَهُمَا يَفْعَلُ الْخَيْرَ، وَالْآخَرَ يَفْعَلُ الشَّرَّ،
وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ بَدْءَ الْخَلْقِ كَانَ مِنَ النَّفْسِ إِلَّا
أَنَّهُ كَانَ يَقَعُ مِنْهَا لَا عَلَى سَبِيلِ السَّدَادِ، وَالْحِكْمَةِ
فَأَخَذَ الْبَارِئُ عَلَى يَدِهَا، وَعَمَدَ إِلَى مَادَّةٍ قَدِيمَةٍ
كَانَتْ مَوْجُودَةً مَعَهُ لَمْ تَزَلْ، فَرَكَّبَ مِنْهَا هَذَا
الْعَالَمَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ السَّدَادِ وَالْحِكْمَةِ،
فَإِذَا أَثْبَتَ الْمُثْبِتُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحده وَلَا
خَالِقَ سِوَاهُ وَلَا قَدِيمَ غَيْرُهُ فَقَدِ انْتَفَى عَنْ قَوْلِ
التَّشْرِيكِ الَّذِي هُوَ فِي الْبُطْلَانِ وَوُجُوبِ اسْمِ الْكُفْرِ
لِقَائِلِهِ كَالْإِلْحَادِ وَالتَّعْطِيلِ، وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ مِنَ
التَّشْبِيهِ بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ،
فَلِأَنَّ قَوْمًا زَاغُوا عَنِ الْحَقِّ فَوَصَفُوا الْبَارِئَ - جَلَّ
وَعَزَّ - بِبَعْضِ صِفَاتِ الْمُحْدَثِينَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:
إِنَّهُ جَوْهَرٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ جِسْمٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ
أَجَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَرْشِ قَاعِدًا كَمَا يَكُونُ الْمَلِكُ
عَلَى سَرِيرِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي وُجُوبِ اسْمِ الْكُفْرِ لِقَائِلِهِ
كَالتَّعْطِيلِ وَالتَّشْرِيكِ، فَإِذَا أَثْبَتَ الْمُثْبِتُ أَنَّهُ
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَجِمَاعُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِجَوْهَرٍ
وَلَا عَرَضٍ فَقَدِ انْتَفَى التَّشْبِيهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَوْهَرًا
أَوْ عَرَضًا لَجَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى سَائِرِ الْجَوَاهِرِ،
وَالْأَعْرَاضِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ جَوْهَرًا، وَلَا عَرَضًا لَمْ يَجُزْ
عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْجَوَاهِرِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا جَوَاهِرُ
كَالتَّأْلِيفِ وَالتَّجْسِيمِ وشَغْلِ الْأَمْكِنَةِ وَالْحَرَكَةِ
وَالسُّكُونِ، وَلَا مَا يَجُوزُ عَلَى الْأَعْرَاضِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا
أَعْرَاضٌ كَالْحُدُوثِ وَعَدَمِ الْبَقَاءِ، وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ مِنَ
التَّعْطِيلِ بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ مُبْدِعٌ كُلَّ شَيْءٍ سِوَاهُ فَلِأَنَّ
قَوْمًا مِنَ الْأَوَائِلِ خَالَفُوا الْمُعَطِّلَةَ، ثُمَّ خُذِلُوا عَنْ
بُلُوغِ الْحَقِّ فَقَالُوا: إِنَّ الْبَارِئَ مَوْجُودٌ غَيْرُ أَنَّهُ
عِلَّةٌ لِسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ، وَسَبَبٌ لَهَا بِمَعْنَى أَنَّ
وُجُودَهُ اقْتَضَى وُجُودَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى تَرْتِيبٍ لَهُمْ
يَذْكُرُونَهُ، وَأَنَّ الْمَعْلُولُ إِذَا كَانَ لَا يُفَارِقُ الْعِلَّةَ
فَوَاجِبٌ إِذَا كَانَ الْبَارِئُ لَمْ يَزَلْ أَنْ يَكُونَ مَادَّةَ
هَذَا الْعَالَمِ لَمْ تَزَلْ مَعَهُ، فَمَنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ الْمُبْدِعُ
الْمُوجِدُ الْمُحْدِثُ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ مِنْ جَوْهَرٍ، وَعَرَضٍ
بِاخْتِيَارِهِ وَإِرَادَتِهِ الْمُخْتَرِعُ لَهَا لَا مِنْ أَصْلٍ فَقَدِ
انْتَفَى عَنْ قَوْلِهِ التَّعْلِيلُ الَّذِي هُوَ فِي وُجُوبِ اسْمِ
الْكُفْرِ لِقَائِلِهِ كَالتَّعْطِيلِ، وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ مِنَ
الشَّرِيكِ فِي التَّدْبِيرِ بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ لَا مُدَبِّرَ لِشَيْءٍ
مِنَ الْمَوْجُودِاتِ إِلَّا اللهُ فَلِأَنَّ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّ
الْمَلَائِكَةَ تُدَبِّرُ الْعَالَمَ وَسَمَّوْهَا آلِهَةً، وَقَدْ قَالَ
اللهُ عز وجل لِلْمَلَائِكَةِ: { فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا } [النازعات:
5] وَمَعْنَى الْمُدَبِّرَاتِ: الْمُنَفِّذَاتِ لِمَا دَبَّرَ اللهُ عَلَى
أَيْدِيهَا كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يُنَفِّذُ حُكْمَ اللهِ بَيْنَ الْخُصُومِ
حَاكِمٌ، وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تُدَبِّرُ مَا تَحْتَهَا
وَأَنَّ كُلَّ كَائِنَةٍ، وَحَادِثَةٍ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ
آثَارِ حَرَكَاتِ الْكَوَاكِبِ وَافْتِرِاقِهَا، وَاقْتِرَانِهَا،
وَاتِّصَالِهَا، وَانْفِصَالِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهَا،
فَمَنْ أَثْبَتَ أَنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - هُوَ الْمُدَبِّرُ لِمَا
أَبْدَعَ، وَلَا مُدَبِّرَ سِوَاهُ، فَقَدِ انْتَفَى عَنْ قَوْلِهِ
التَّشْرِيكُ فِي التَّدْبِيرِ الَّذِي هُوَ فِي وُجُوبِ اسْمِ الْكُفْرِ
لِقَائِلِهِ كَالتَّشْرِيكِ فِي الْقِدَمِ، أَوْ فِي الْخَلْقِ، ثُمَّ
إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ ضَمَّنَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا
كَلِمَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَمَرَ
الْمَأْمُورِينَ بِالْإِيمَانِ أَنْ يَعْتَقِدُوهَا وَيَقُولُوهَا، فَقَالَ
جَلَّ وَعَزَّ: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هو } " وَقَالَ: "
فِيمَا ذَمَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ: { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا
لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ } [الصافات: 36]، وَالْمَعْنَى
أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ قولوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
اسْتَكْبَرُوا، وَلَمْ يَقُولُوا: بَلْ قَالُوا: مَكَانَهَا أَئِنَّا
لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ "
89 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ الْفَقِيهُ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْحَكَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ
90 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَبِّانِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا يَحْيَى، حدثنا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ: " قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [القصص: 56] رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
91 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ،
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ شَوْذَبٍ الْوَاسِطِيُّ، حدثنا شُعَيْبُ
بْنُ أَيُّوبَ، حدثنا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِِسْمَاعِيلَ
النَّهْدِيُّ، حدثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ
بْنِ بِشْرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: لَمَّا قُبِضَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُسْوِسَ نَاسٌ فَكُنْتُ
مِمَّنْ وُسْوِسَ، فَمَرَّ عَلَيَّ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَسَلَّمَ
عَلَيَّ فَلَمْ أَرُدَّ عَلَيْهِ، فَشَكَانِي إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ، فَجَاءَ فَقَالَ: سَلَّمَ عَلَيْكَ أَخُوكَ فَلَمْ تُسَلِّمْ
عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَا عَلِمْتُ تَسْلِيمَهُ، وَإِنِّي عَنْ ذَلِكَ
لَفِي شُغْلٍ، فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَلِمَ ؟
فَقُلْتُ: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ
أَسْأَلْهُ عَنْ نَجَاةِ هَذَا الْأَمْرِ قَالَ: قَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ
ذَلِكَ قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقْتُهُ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ
وَأُمِّي أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ، قَالَ: قَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَجَاةِ هَذَا الْأَمْرِ قَالَ: "
مَنْ قَبِلَ الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُهَا عَلَى عَمِّي فَهِيَ لَهُ
نَجَاةٌ "،
92 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ،
حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ حَاتِمٍ الدُّورِيُّ، حدثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَذَكَرَهُ
بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: " مَنْ قَبِلَ
الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُهَا عَلَى عَمِّي فَرَدَّهَا فَهِيَ لَهُ
نَجَاةٌ "
93 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ الْأَصْبَهَانِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ رُسْتُمٍ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، حدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ أَبِي عَرِيبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ "
94 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدَآبَاذِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ، حدثنا عَبْدُ الصَّمَدِ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَبَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ مَاتَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ "
95 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ فَذَكَرَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ مَاتَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: " وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ فَضَائِلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْجُزْءِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ جُمْلَةً كَافِيَةً، فَاقْتَصَرْنَا هَهُنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا "
96 - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدَانَ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حدثنا الْبَزَّارُ يَعْنِي
أَحْمَدَ بْنَ عَمْرٍو، حدثنا أَبُو كَامِلٍ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنِ الْأَغَرِّ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ نَفَعَتْهُ يَوْمًا مِنْ دَهْرِهِ
أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ "
97 - وَأَخْبَرَنَا
عَلِيٌّ، أخبرنا أَحْمَدُ، حدثنا ابْنُ مِلْحَانَ، حدثنا عَمْرُو بْنُ
خَالِدٍ، حدثنا ابْنُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
عَنْ مَنْصُورٍ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَنْجَتْهُ
بَدَلَ نَفَعَتْهُ
98 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ،
أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ فَذَكَرَهُ
بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ
99 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْحُرْفِيُّ إِمْلَاءً بِبَغْدَادَ، حدثنا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَزَّازُ، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ الْحُلْوَانِيُّ، حدثنا يَحْيَى يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُ - وَاللَّفْظُ لَهُ - أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبَانَ بْنِ مَيْمُونٍ السَّرَّاجُ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرَاثِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ، وَلَا فِي نُشُورِهِمْ، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَنْفُضُونَ عَنْ رُءُوسِهِمْ يَقُولُونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ " " تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -: " وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَدْ أَخْرَجْنَاهُ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَذَكَرْنَا انْتِظَامَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَعَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنَ الْعَقَائِدِ الْخَمْسِ ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَدْ أَثْبَتَ اللهَ، وَنَفَى غَيْرَهُ فَخَرَجَ بِإِثْبَاتِ مَا أَثْبَتَ مِنَ التَّعْطِيلِ، وَبِمَا ضَمَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْيٍ غيره عَنِ التَّشْرِيكِ، وَأَثْبَتَ بِاسْمِ الْإِلَهِ الْإِبْدَاعَ وَالتَّدْبِيرَ، وَنَفَى عَنْهُ التَّشْبِيهَ لِأَنَّ اسْمَ الْإِلَهِ لَا يَجِبُ إِلَّا لِلْمُبْدِعِ، وَإِذَا وَقَعَ الِاعْتِرَافُ بِالْإِبْدَاعِ، فَقَدْ وَقَعَ بِالتَّدْبِيرِ لِأَنَّ الْإِيجَادَ تَدْبِيرٌ وَإِبْقَاءَهُ وَإِحْدَاثَ الْأَعْرَاضِ فِيهِ وَإِعْدَامَهُ بَعْدَ إِيجَادِهِ تَدْبِيرٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ شَبِيهٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى شَبِيهِهِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ اسْمَ الْإِلَهِ كَمَا لَا يَسْتَحِقُّهُ خَصْمُهُ الَّذِي شَبَّهَهُ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْإِلَهِ، وَالشَّبِيهَ لَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا أَنَّ اسْمَ الْإِلَهِ، وَنَفْيَ الْإِبْدَاعِ لَا يَأْتَلِفَانِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - حَدِيثَ الْأَسَامِي، وَضَمَّ إِلَيْهَا مِنَ الْأَسَامِيَ مَا وَرَدَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَجَعَلَهَا مُنْقَسِمَةً بَيْنَ الْعَقَائِدِ الْخَمْسِ، وَنَحْنُ قَدْ نَقَلْنَا جَمِيعَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَأَضَفْنَا إِلَيْهِ مِنَ الشَّوَاهِدِ وَمَعْرِفَةِ الصِّفَاتِ، وَتَأْوِيلِ الْآيَاتِ الْمُشْكِلَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُشْتَبِهَاتِ مَا لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ مَنْ أَحَبَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - فِي إِثْبَاتِ حَدَثِ الْعَالَمِ، وَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ صَانِعًا وَمُدَبِّرًا لَا شَبِيهَ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ فُصُولًا حِسَانًا لَا يُمْكِنُ حَذْفُ شَيْءٍ مِنْهَا فَتَرَكْتُهَا عَلَى حَالِهَا، وَنَقَلْتُ هَهُنَا مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ "
فَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَعْرِفَةِ صِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ " حَقِيقَةُ الْمَعْرِفَةَ أَنْ نَعْرِفَهُ مَوْجُودًا قَدِيمًا، لَمْ يَزَلْ وَلَا يَفْنَى أَحَدًا صَمَدًا شَيْئًا وَاحِدًا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْوَهْمِ، وَلَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَجَزَّأُ لَيْسَ بِجَوْهَرٍ، وَلَا عَرَضٍ، وَلَا جِسْمٍ قَائِمًا بِنَفْسِهِ مُسْتَغْنِيًا عَنْ غَيْرِهِ حَيًّا قَادِرًا عَالِمًا مُرِيدًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا لَهُ الْحَيَاةُ، وَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمُ، وَالْإِرَادَةُ وَالسَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالْكَلَامُ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَلَا يُشْبِهُ شَيْءٌ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الْمَصْنُوعَاتِ، وَلَا يُقَالُ فِيهَا: إِنَّهَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ وَلَا هِيَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَلَا يُقَالُ: إِنَّهَا تُفَارِقُهُ، أَوْ تُجَاوِزُهُ، أَوْ تُخَالِفُهُ، أَوْ تُوَافِقُهُ، أَوْ تُحِلُّهُ بَلْ هِيَ نُعُوتٌ لَهُ أَزَلِيَّةٌ، وَصِفَاتٌ لَهُ أَبَدِيَّةٌ تَقُومُ بِهِ مَوْجُودَةٌ بِوُجُودِهِ قَائِمَةٌ بِدَوَامِهِ لَيْسَتْ بِأَعْرَاضٍ وَلَا بِأَغْيَارٍ، وَلَا حَالَّةٍ فِي أَعْضَاءٍ غَيْرِ مُكَيَّفَةٍ بِالتَّصَوُّرِ فِي الْأَذْهَانِ وَلَا مَقْدُورَةٍ بِالتَّمْثِيلِ فِي الْأَوْهَامِ، فَقُدْرَتُهُ تَعُمُّ الْمَقْدُورَاتِ، وَعِلْمُهُ يَعُمُّ الْمَعْلُومَاتِ وَإِرَادَتُهُ تَعُمُّ الْمُرَادَاتِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَا يُرِيدُ، وَلَا يُرِيدُ مَا لَا يَكُونُ وَهُوَ الْمُتَعَالِي عَنِ الْحُدُودِ، وَالْجِهَاتِ، وَالْأَقْطَارِ، وَالْغَايَاتِ الْمُسْتَغْنِي عَنِ الْأَمَاكِنِ، وَالْأَزْمَانِ لَا تَنَالُهُ الْحَاجَاتِ، وَلَا تَمَسُّهُ الْمَنَافِعُ، وَالْمَضَرَّاتُ، وَلَا تَلْحَقُهُ اللَّذَّاتُ، وَلَا الدَّوَاعِي، وَلَا الشَّهَوَاتُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا جَازَ عَلَى الْمُحْدَثَاتِ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِهَا،
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ وَلَا السُّكُونُ، وَالِاجْتِمَاعُ، وَالِافْتِرَاقُ، وَالْمُحَاذَاةُ، وَالْمُقَابَلَةُ، وَالْمُمَاسَّةُ، وَالْمُجَاوَزَةُ، وَلَا قِيَامُ شَيْءٍ حَادِثٍ بِهِ وَلَا بُطْلَانُ صِفَةٍ أَزَلِيَّةٍ عَنْهُ، وَلَا يَصِحُّ عَلَيْهِ الْعَدَمُ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ شَرِيكٌ قَادِرٌ عَلَى إِمَاتَةِ كُلِّ حَيٍّ سواه، وَيَجُوزُ مِنْهُ إِفْنَاءُ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرِهِ، وَإِعَادَتُهُ الْأَجْسَامَ بَعْدَهُ وَخَلْقُ أَمْثَالِهَا مِنْ غَيْرِ قَصْرٍ عَلَى حَدٍّ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يُتَوَهَّمُ عَلَى الِانْفِرَادِ حُدُوثُهُ لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّ مَا أَنْعَمَ بِهِ تَفَضُّلٌ مِنْهُ، وَكُلُّ مَا أَضَرَّ بِهِ عَدْلٌ مِنْهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ جَوْرٌ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ ظُلْمٌ "
100 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَا: حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ } [الإخلاص: 2] قَالَ: " الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يَمُوتُ إِلَّا سَيُورَثُ، وَأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عَدْلٌ ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ "
101 - أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الدَّامِغَانِيُّ، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أخبرنا جَدِّي إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُجَيْدٍ، وَأَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ بُنْدَارٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَأَبُو عَمْرِو بْنُ حَمْدَانَ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ قُرَيْشٍ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا: حدثنا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، حدثنا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حدثنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدَةً إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْمَلِكُ، الْقُدُّوسُ، السَّلَامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ ، الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ، الْمُتَكَبِّرُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ ، الْمُصَوِّرُ، الْغَفَّارُ، الْقَهَّارُ، الْوَهَّابُ، الرَّزَّاقُ، الْفَتَّاحُ، الْعَلِيمُ، الْقَابِضُ ، الْبَاسِطُ ، الْخَافِضُ، الرَّافِعُ، الْمُعِزُّ، الْمُذِلُّ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، الْحَكَمُ، الْعَدْلُ، اللَّطِيفُ، الْخَبِيرُ، الْحَلِيمُ، الْعَظِيمُ، الْغَفُورُ، الشَّكُورُ، الْعَلِيُّ، الْكَبِيرُ، الْحَفِيظُ، الْمُقِيتُ ، الْحَسِيبُ ، الْجَلِيلُ ، الْكَرِيمُ، الرَّقِيبُ، الْمُجِيبُ، الْوَاسِعُ، الْحَكِيمُ، الْوَدُودُ ، الْمَجِيدُ، الْبَاعِثُ ، الشَّهِيدُ، الْحَقُّ، الْوَكِيلُ، الْقَوِيُّ، الْمَتِينُ، الْوَلِيُّ، الْحَمِيدُ، الْمُحْصِي ، الْمُبْدِئُ، الْمُعِيدُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الْحَيُّ الْقَيُّومُ، الْمَاجِدُ، الْوَاجِدُ، الْوَاحِدُ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الْقَادِرُ، الْمُقْتَدِرُ، الْمُقَدِّمُ، الْمُؤَخِّرُ، الْأَوَّلُ، الْآخِرُ، الظَّاهِرُ، الْبَاطِنُ، الْبَرُّ، التَّوَّابُ، الْمُنْتَقِمُ، الْعَفُوُّ، الرَّءُوفُ ، مَالِكُ الْمُلِكِ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْوَالِي، الْمُتَعَالِي الْمُقْسِطُ ، الْجَامِعُ ، الْغَنِيُّ، الْمُغْنِي، الرَّافِعُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، النُّورُ، الْهَادِي، الْبَدِيعُ، الْبَاقِي، الْوَارِثُ، الرَّشِيدُ، الصَّبُورُ " وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمَانِعُ بَدَلَ قَوْلِهِ الرَّافِعُ، وَقَالَ: الْوَالِي الْمُتَعَالِي عَقِبَ قَوْلِهِ: الْبَاطِنُ . وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: " وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ الْإِسْفَرَايِينِيُّ قَوْلَهُ: " مَنْ أَحْصَاهَا دخل الجنة " يُرِيدُ مَنْ عَلِمَهَا، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ اسْمًا لِلذَّاتِ، وَثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ اسْمًا لِصِفَاتِ الذَّاتِ وَثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ اسْمًا لِلْفِعْلِ "
بَيَانُ مَعَانِي أَسْمَاءِ الذَّاتِ
"
اللهُ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا: أَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الْخَلْقِ،
وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَا يُرِيدُ، وَأَنَّهُ الْغَالِبُ الَّذِي
لَا يُغْلَبُ، وَأَنَّهُ الْقَاهِرُ الَّذِي لَا يُقْهَرُ، وَأَنَّهُ لَا
يَصِحُّ التَّكْلِيفُ إِلَّا مِنْهُ . الْمَلِكُ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ
يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ
الْإِذْلَالُ،
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ الْمُمْلِكُ، السَّالِبُ، الْمُمَكِّنُ الْمَانِعُ، النافع، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُوَلِّي، وَيَعْزِلُ، وَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْعَزْلُ، وَالسَّلْبُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ الْمُتَفَرِّدً بِالْعِزِّ، وَالسُّلْطَانِ، لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي مَعْنَاهُ . الْقُدُّوسُ: وَلَهُ مَعَانٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْبَرِيءُ عَنِ الْمَعَايِبِ، وَالشُّرَكَاءِ، وَالْأَنْدَادِ، وَالْأَضْدَادِ وَمِنْهَا: أَنَّ لَهُ الْكَمَالَ فِي كُلِّ وَصْفٍ يَخْتَصُّ بِهِ، وَمِنْهَا: أَنَّ تَطْهِيرَ غَيْرِهِ مِنَ الْعُيُوبِ إِلَيْهِ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَوْهَامَ لَا تُدْرِكُهُ بِالتَّحْدِيدِ، وَالْأَبْصَارَ، لَا تُدْرِكُهُ بِالتَّصْوِيرِ .
السَّلَامُ وَلَهُ مَعَانٍ: مِنْهَا: أَنَّ السَّلَامَةَ بِهِ وَمِنْهِ، وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ أَطَاعَهُ سَلِمَ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ سَلِيمٌ مِنَ النَّقَائِصِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَسْلَمُ مَنْه مَنْ عَبَدَهُ عَلَى تَحْقِيقِ الْمُرَادِ . الْمُؤْمِنُ: وَلَهُ مَعَانٍ: مِنْهَا: أَنَّ الْهُدَى وَالْإِيمَانَ إِلَيْهِ، وَمِنْهَا: أَنَّ التَّصْدِيقَ، وَالتَّكْذِيبَ بِهِ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْحَقَائِقَ تَنْكَشِفُ لَدَيْهِ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَمْرَ يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، لَا خِلَافَ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا: اسْتِحَالَةُ الزَّوَالِ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا: تَعَذُّرُ الْمُنَازَعَةِ لَهُ . الْمُهَيْمِنُ: وَهُوَ مِنْ أَسَامِي الْكَمَالِ يَجْمَعُ أَوْصَافَ الْفَضْلِ، وَيَنْقُضُ أَوْصَافَ النَّقْصِ، كَأَنَّ الْكَمَالَ الَّذِي لَا يَصِحُّ عَلَيْهِ الزَّوَالُ، تَدْخُلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ،
وَالْحِفْظُ، وَالْعَطَاءُ، وَالْمَنْعُ، وَالِاخْتِصَاصُ بِهِ عَنِ الْغِيَرِ . الْعَزِيزُ: وَلَهُ مَعَانٍ: مِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُرَامُ، مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُخَالَفُ فِي الْمُرَادِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُخَوَّفُ بِالتَّهْدِيدِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُحَطُّ عَنِ الْمَنْزِلَةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يُعَذِّبُ مَنْ أَرَادَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ مَلْجَأُ الْهَارِبِينَ، وَمِنْهَا أَنَّ إِلَيْهِ مَطَالِبَ الْمُرِيدِينَ، وَمِنْهَا أَنَّ عَلَيْهِ طَرِيقَ الْمَارِقِينَ، وَمِنْهَا أَنَّ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْعَامِلِينَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ، وَأَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِحَدٍّ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِ نَقْصٌ . الْجَبَّارُ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَحْنُو عِنْدَ التَّعْذِيبِ، وَلَا يُشْفِقُ عِنْدَ الْبَذْلِ إِذَا
أَعْطَى أَعْطَى عَنْ سَعَةٍ، وَإِذَا مَنَعَ مَنَعَ عَنْ قُدْرَةٍ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَكْتَرِثُ بِالنَّاكِبِينَ، وَلَا يَفْرَحُ بِالْمُخْلِصِينَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَمَنَّى مَا لَا يَكُونُ، وَلَا يَتَلَهَّفُ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُنَاقَشُ فِي الْفِعْلِ، وَلَا يُطَالَبُ بِالْعِلَّةِ، وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي مَقْدُورِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَتَّةً، وَأَنَّهُ يَذِلُّ عِنْدَ عِزَّتِهِ الْأَعِزَّاءُ، وَيَشْرُفُ عِنْدَ تَقْرِيبِهِ الْأَذِلَّاءُ . الْمُتَكَبِّرُ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَا مِقْدَارَ لِشَيْءٍ عِنْدَهُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ اللَّوْمُ، وَلَا يَصِحُّ فيه الْعِقَابُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَخْلُقُ لِلنَّفْعِ، وَلَا يَخْتَرِعُ لِلدَّفْعِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ
عَلَيْهِ الْمِنَّةُ بِالطَّاعَةِ، وَالْعِبَادَةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الثَّوَابُ عَنِ الْمُتَابَعَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَشْرُفُ بِالِاتِّبَاعِ، وَلَا يَنْحَطُّ بِالِاعْتِدَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ لِفَائِدَةٍ، وَلَا يَنْهَى لِعَائِدَةٍ . الْعَلِيُّ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ عَلِيٌّ عَنِ الْمَالِكِ، وَالْآمِرِ وَالنَّاهِي وَالتَّهْدِيدِ، وَالرَّسْمِ، وَالْمَنْعِ، وَالْإِيجَابِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ عَلِيٌّ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الْخَلَائِقِ، وَالْخَلْقِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَلَا يُحَاسَبُ عَلَى مَا يَقْبِضُ . الْعَظِيمُ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ التَّحْدِيدُ، وَالْمِسَاحَةُ، وَمِنْهَا نَفْيُ الْكَثَافَةِ وَالرِّقَّةِ، وَمِنْهَا وُجُوبُ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ عِنْدَ الطَّاعَةِ .
الْجَلِيلُ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ يَجِلُّ عَنْ أَنْ يَجُوزَ عَلَيْهِ مَا دَلَّ عَلَى الْحُدُوثِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجِبُ الِانْقِيَادُ لَهُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُجِلُّ إِلَّا مَنْ رَفَعَهُ . الْكَبِيرُ: وَلَهُ مَعَانٍ وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْمِقْدَارُ، وَالتَّقْدِيرُ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي التَّدْبِيرِ، وَلَا يُخَالَفُ فِي الْأُمُورِ . الْحَمِيدُ: وَلَهُ مَعَانٍ مَحْمُودَةٌ، وَلَهُ صِفَاتُ الْمَدْحِ، وَالْكَمَالِ .
الْمَجِيدُ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُسَاوِي فِيمَا لَهُ مِنْ أَوْصَافِ الكمال، وَمِنْهَا أَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْجَلَالِ، وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعِزِّ، وَمِنْهَا أَنَّ الَّذِي يُفِيدُ مِنْ أَوْصَافِ الْمَدْحِ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِهِ . الْحَقُّ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنْ لَا يُمْكِنَ رَدُّهُ وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَلَا يُوصَفُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى مَا يُوجِبُ ذَمَّهُ، وَمِنْهَا أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يُحْمَدْ وَصْفُهُ، وَمِنْهَا الْمُبَيِّنُ لِخَلْقِهِ مَا أَرَادَهُمْ لَهُ .
الْمُبِينُ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ بَيِّنٌ لِذَوِي الْعُقُولِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْفَضْلَ يَقَعُ بِهِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّحْقِيقَ، وَالتَّمْيِيزَ إِلَيْهِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْهِدَايَةَ بِهِ . الْوَاحِدُ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّبْعِيضُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّشْبِيهُ، وَلَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ مِنْ مُلْكِهِ، وَلَا حَدَّ لِسُلْطَانِهِ .
الْمَاجِدُ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا الِارْتِفَاعُ، وَالْعُلُوُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، وَمِنْهَا التَّقْرِيبُ عَلَى حَسَبِ الْمَشِيئَةِ، وَمِنْهَا الَاخْتِصَاصُ بِالْوِلَايَةِ وَالتَّوْلِيَةِ . الصَّمَدُ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْوَهْمِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْكَوْنَ وَالْأَحْوَالَ مِنْهُ تُطْلَبُ .
الْأَوَّلُ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُكَافَأَ عَلَى النِّعْمَةِ، وَالْبَلِيَّةِ، وَلَا يُسْبَقُ بِالْفِعْلِ . الْآخِرُ: وَمَعْنَاهُ الدَّائِمُ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ . الظَّاهِرُ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَصِحُّ إِدْرَاكُهُ بِالْأَدِلَّةِ عَلَى الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ . الْبَاطِنُ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِاللَّمْسِ، وَالشَّمِّ، وَالذَّوْقِ، وَأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الْخَفِيَّاتِ . الْمُتَعَالِ: وَلَهُ مَعَانٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنْ يُطَاقَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ تَعَالَى عَنِ الزَّوَالِ بِالذَّاتِ وَالصِّفَةُ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ تَعَالَى عَنِ الْحَاجَةِ .
الْغَنِيُّ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُدْرَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دِعَامَةٍ، أوْ عَلَاقَةٍ وأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ حُدُوثُ شَيْءٍ إلَا يَصِحُّ مِنْهُ بِمَا لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى اسْتِحْدَاثِ حُكْمٍ . النُّورُ: وَلَهُ مَعَانٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَوْلِيَائِهِ بِالدَّلِيلِ، وَلَا يَصِحُّ إِدْرَاكُهُ بِالْأَبْصَارِ، وَيَظْهَرُ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ بِالْعَقْلِ . ذُو الْجَلَالِ: وَمَعْنَاهُ الْمُخْتَصُّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَوْصَافِ، وَقَالَ: وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ السَّيِّدُ "
قَالَ الْإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -: " وَقَدْ ذَكَرْتُ إِسْنَادَهُ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وإسناد غيره مما ورد به الْحَدِيثِ . قَالَ الْأُسْتَاذُ: ومَعْنَاهُ أَنَّهُ مَالِكُ كُلِّ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّهُ مُتْفَرِدٌ بِالْإِيجَادِ الْمَوْلَى: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُغَيِّرُ مَا شَاءَ، كَيْفَ شَاءَ . الْأَحَدُ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِ الِاتِّصَالُ وَالْمُمَاسَّةُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ النُّقْصَانُ وَالزِّيَادَةُ . الْفَرْدُ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ لَهُ الزَّوْجَةُ وَالْوَلَدُ . الْوِتْرُ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي الْمَعْدُودَاتِ بِالْمَعْنَى، وَتَحْقِيقُهُ أَنْه لَا يُوصَفَ بِصِفَةٍ يَصِحُّ، وَصْفُ غَيْرِهِ بِهَا إِلَّا وَلَهُ اخْتِصَاصٌ وَمُبَايَنَةٌ "
أَسَامِي صِفَاتِ الذَّاتِ " فَمِنْ أَسَامِي صِفَاتِ الذَّاتِ الَّذِي عَادَ إِلَى الْقُدْرَةِ الْقَاهِرُ: وَمَعْنَاهُ الْغَالِبُ . الْقَهَّارُ وَمَعْنَاهُ: الَّذِي لَا يُقْهَرُ وَلَا يُغْلَبُ
الْقَوِيُّ وَمَعْنَاهُ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ كُلِّ مُرَادٍ . الْمُقْتَدِرُ: وَمَعْنَاهُ الَّذِي لَا يَرُدَّهُ شَيْءٌ عَنِ الْمُرَادِ . الْقَادِرُ: وَمَعْنَاهُ إِثْبَاتُ الْقُدْرَةِ .
ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ: وَمَعْنَاهُ نَفْيُ النِّهَايَةِ فِي الْقُدْرَةِ وَتَعْمِيمُ الْمَقْدُورَاتِ قَالَ: وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ الْغَلَّابُ وَمَعْنَاهُ يُكْرِهُ عَلَى مَا يُرِيدُ وَلَا يُكْرَهُ عَلَى مَا يُرَادُ . وَمِنْ أَسَامِي صِفَاتِ الذَّاتِ مَا هُوَ لِلْعِلْمِ وَمَعْنَاهُ، فَمِنْهَا الْعَلِيمُ: وَمَعْنَاهُ تَعْمِيمُ الْمَعْلُومَاتِ وَمِنْهَا
الْخَبِيرُ وَيَخْتَصُ بِأَنْ يَعْلَمَ مَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ . وَمِنْهَا الْحَكِيمُ: وَيَخْتَصُّ بِأَنْ يَعْلَمَ دَقَائِقَ الْأَوْصَافِ . وَمِنْهَا الشَّهِيدُ: وَيَخْتَصُّ بِأَنْ يَعْلَمَ الْغَائِبَ وَالْحَاضِرَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ . وَمِنْهَا
الْحَافِظُ: وَيَخْتَصُّ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَى مَا عَلِمَ وَمِنْهَا الْمُحْصِي: وَيَخْتَصُّ بِأَنَّهُ لَا يُشْغِلُهُ الْكَثْرَةُ عَنِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ مِثْلُ ضَوْءِ النُّورِ، وَاشْتِدَادِ الرِّيحِ، وَتَسَاقُطِ الْأَوْرَاقِ، فَيَعْلَمُ عِنْدَ ذَلِكَ عَدَدَ أَجْزَاءِ الْحَرَكَاتِ فِي كُلِّ وَرَقَةٍ، وَكَيْفَ لَا يَعْلَمُ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَهَا ؟ وَقَدْ قَالَ { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك: 14]،
وَمِنْ أَسَامِي صِفَاتِ الذَّاتِ مَا يَعُودُ إِلَى الْإِرَادَةِ فَمِنْهَا: الرَّحْمَنُ وَهُوَ الْمُرِيدُ لَرِزْقِ كُلِّ حَيٍّ فِي دَارِ الْبَلْوَى وَالِامْتِحَانِ . وَمِنْهَا الرَّحِيمُ وَذَلِكَ الْمُرِيدُ لِإِنْعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ . وَمِنْهَا
الْغَفَّارُ وَهُوَ الْمُرِيدُ لِإِزَالَةِ الْعُقُوبَةِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ . وَمِنْهَا الْوَدُودُ وَهُوَ الْمُرِيدُ لِلْإِحْسَانِ إِلَى أَهْلِ الْوِلَايَةِ . وَمِنْهَا الْعَفُوُّ وَهُوَ الْمُرِيدُ لِتَسْهِيلِ الْأُمُورِ عَلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ . وَمِنْهَا
الرَّؤُوفُ وَهُوَ الْمُرِيدُ لِلتَّخْفِيفِ عَنِ الْعِبَادَةِ . وَمِنْهَا الصَّبُورُ وَهُوَ الْمُرِيدُ لِتَأْخِيرِ الْعُقُوبَةِ، وَمِنْهَا الْحَلِيمُ وَهُوَ الْمُرِيدُ لِإِسْقَاطِ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ . وَمِنْهَا
الْكَرِيمُ وَهُوَ الْمُرِيدُ لِتَكْثِيرِ الْخَيْرَاتِ عِنْدَ الْمُحْتَاجِ . وَمِنْهَا الْبَرُّ وَهُوَ الْمُرِيدُ لِإِعْزَازِ أَهْلِ الْوِلَايَةِ .
وَمِنْ أَسَامِي صِفَاتِ الذَّاتِ مَا يَرْجِعُ إِلَى السَّمْعِ وَهُوَ السَّمِيعُ . وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْبَصَرِ وَهُوَ الْبَصِيرُ . وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْحَيَاةِ وَهُوَ الْحَيُّ .
وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْبَقَاءِ وَهُوَ الْبَاقِي . وَفِي مَعْنَاهُ الْوَارِثُ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ . وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْكَلَامِ . وَهُوَ الشَّكُورُ
وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَهُوَ الرَّقِيبُ . أَسَامِي صِفَاتِ الْفِعْلِ مِنْهَا الْخَالِقُ وَيَخْتَصُّ بِاخْتِرَاعِ الشَّيْءِ . وَمِنْهَا الْبَارِئُ وَيَخْتَصُّ بِاخْتِرَاعِهِ عَلَى الْحُسْنِ . وَمِنْهَا
الْمُصَوِّرُ وَيَخْتَصُّ بَأَنْوَاعِ التَّرْكِيبِ، وَمِنْهَا الْوَهَّابُ وَيَخْتَصُّ بِكَثْرَةِ الْعَطِيَّةِ وَاسْتِحَالَةِ وُرُودِ مَا يَحْجِزُه عَنْهُ وَمِنْهَا
الرَّزَّاقُ وَيَخْتَصُّ بِعَطِيَّةِ مَا يَقُوتُ وَيَدْفَعُ التَّلَفَ، وَمِنْهَا الْفَتَّاحُ وَيَخْتَصُّ بِتَيْسِيرِ مَا عَسَرَ، وَمِنْهَا الْقَابِضُ وَيَخْتَصُّ بِالسَّلْبِ . وَمِنْهَا الْبَاسِطُ وَيَخْتَصُّ بِالتَّوْسِعَةِ فِي الْمَنْحِ . وَمِنْهَا
الْخَافِضُ وَيَخْتَصُّ بِإِذْلَالِ الْجَاحِدِينَ، وَمِنْهَا الرَّافِعُ وَيَخْتَصُّ بِإِعْطَاءِ الْمَنَازِلِ، وَمِنْهَا الْمُعِزُّ وَيَخْتَصُّ بِتَحْسِينِ الْأَحْوَالِ . وَمِنْهَا الْمُذِلُّ وَيَخْتَصُّ بِالْحَطِّ، وَمِنْهَا الْحَكَمُ وَيَخْتَصُّ بأن يَفْعَلَ مَا يُرِيدُ، وَمِنْهَا
الْعَدْلُ وَيَخْتَصُّ بِأَنْ لَا يُقَبَّحَ مِنْهُ مَا يَفْعَلُ، وَمِنْهَا اللَّطِيفُ وَيَخْتَصُّ بِدَقَائِقِ الْأَفْعَالِ . وَمِنْهَا الْحَفِيظُ وَيَخْتَصُّ بِأَنْ لَا يَشْغَلَهُ دَفْعٌ عَنْ دَفْعٍ، وَمِنْهَا
الْمُقِيتُ وَيَخْتَصُّ بِأَنْ لَا يَشْغَلَهُ فِعْلُ بَلِيَّةٍ عَنْ بَلِيَّةٍ، وَمِنْهَا الْحَسِيبُ وَيَخْتَصُّ بِأَنْ لَا يَشْغَلَهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، وَمِنْهَا الرَّقِيبُ وَيَخْتَصُّ بِأَنْ لَا يَشْغَلَهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، وَمِنْهَا الْمُجِيبُ وَيَخْتَصُّ بِالْبَذْلِ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ، وَمِنْهَا الْوَاسِعُ ويَخْتَصُّ بِأَنْ لَا يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ عَطِيَّةٌ، وَمِنْهَا
الْبَاعِثُ وَيَخْتَصُّ بِالْحَشْرِ، وَمِنْهَا الْوَكِيلُ وَيَخْتَصُّ بِكَفَالَةِ الْخَلْقِ، وَمِنْهَا الْمُبْدِئُ وَيَخْتَصُّ بِابْتِدَاءِ التَّفَضُّلِ، وَمِنْهَا الْمُعِيدُ وَيَخْتَصُّ بِالْإِعَادَةِ، وَمِنْهَا الْمُحْيِي وَيَخْتَصُّ بِخَلْقِ الْحَيَاةِ، وَمِنْهَا
الْمُمِيتُ وَيَخْتَصُّ بِخَلْقِ الْمَوْتِ، وَمِنْهَا الْقَيُّومُ وَيَخْتَصُّ بِإِدَامَةِ الْخَلْقِ عَلَى الْأَوْصَافِ، وَمِنْهَا الْوَاجِدُ وَيَخْتَصُّ بِوُجُودِ مَا يُرِيدُ، وَمِنْهَا الْمُقَدِّمُ وَيَخْتَصُّ بِتَقْدِيمِ مَا يُرِيدُ، وَمِنْهَا الْمُؤَخِّرُ وَيَخْتَصُّ بِتَأْخِيرِ مَا يُرِيدُ، وَمِنْهَا
الْوَلِيُّ وَيَخْتَصُّ بِحِفْظِ أَهْلِ الْوِلَايَةِ، وَمِنْهَا التَّوَّابُ وَيَخْتَصُّ بِخَلْقِ تَوْبَةِ التَّائِبِينَ، وَمِنْهَا الْمُنْتَقِمُ وَيَخْتَصُّ بِعِقَابِ النَّاكِثِينَ، وَمِنْهَا الْمُقْسِطُ وَيَخْتَصُّ بِفِعْلِ الْعَدْلِ، وَمِنْهَا الْجَامِعُ وَيَخْتَصُّ بِجَمْعِ الْخُصُومِ وَالْإِنْصَافِ، وَمِنْهَا
الْمغَنِيُّ وَيَخْتَصُّ بِإِزَالَةِ النَّقَائِصِ وَالْحَاجَاتِ، وَمِنْهَا النَّافِعُ وَيَخْتَصُّ بِخَلْقِ اللَّذَّاتِ، وَمِنْهَا الْهَادِي وَيَخْتَصُّ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَمِنْهَا
الْمُضِلُّ وَيَخْتَصُّ بِخَلْقِ الْمَعَاصِي يَعْنِي يخَلْقَهَا، وَمِنْهَا الْبَدِيعُ وَيَخْتَصُّ بِاسْتِحَالَةِ الْمُشَارَكَةِ لَهُ فِي الْخَلْقِ، وَمِنْهَا الرَّشِيدُ وَيَخْتَصُّ بِإِصَابَةِ الْمَقْصُودِ، وَمِنْهَا مَالِكُ الْمُلْكِ وَيَخْتَصُّ بِالتَّبْدِيلِ
قَالَ: وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ بَعْضِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ عَلَى أَسَامِي الذَّاتِ . قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ اللهِ تَعَالَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ
قِسْمٌ مِنْهَا لِلذَّاتِ، وَقِسْمٌ لِصِفَاتِ الذَّاتِ، وَقِسْمٌ لِصِفَاتِ الْفِعْلِ، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ الِاسْمُ وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ وَهُوَ مِثْلُ قَدِيمٍ وَشَيْءٍ وَإِلَهٍ وَمَالِكٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ " الِاسْمُ هو الْمُسَمَّى " أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالِاسْمِ زِيَادَةُ صِفَةٍ لِلْمُسَمَّى بَلْ هُوَ إِثْبَاتٌ لِلْمُسَمَّى . الثَّانِي: الِاسْمُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْمُسَمَّى، ولَا يُقَالُ إِنَّهَا هِيَ الْمُسَمَّى، وَلَا يُقَالُ إِنَّهَا غَيْرُ الْمُسَمَّى . وَهُوَ مِثْلُ الْعَالِمِ وَالْقَادِرِ، لِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ . الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، فَالِاسْمُ فِيهِ غَيْرُ الْمُسَمَّى وَهُوَ مِثْلُ الْخَالِقِ وَالرَّازِقِ، لِأَنَّ الْخَلْقَ وَالرِّزْقَ غَيْرُهُ فَأَمَّا التَّسْمِيَةُ إِذَا كَانَتْ مِنَ الْمَخْلُوقِ فَهِيَ فِيهَا غَيْرُ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى، وَإِذَا كَانَتِ التَّسْمِيَةُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهَا صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ وَهِيَ كَلَامُهُ . وَلَا يُقَالُ إِنَّهَا الْمُسَمَّى وَلَا غَيْرُ الْمُسَمَّى، وَلَا يُقَالُ إِنَّهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ فِي جَمِيعِ أَسْمَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى أَنَّ الِاسْمَ وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ
قَالَ: وَالِاسْمُ فِي قَوْلِنَا " عَالِمٌ وَخَالِقٌ لِذَاتِ الْبَارِي الَّتِي لَهَا صِفَاتُ الذَّاتِ مِثْلُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَصِفَاتُ الْفِعْلِ مِثْلُ الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ . قَالَ: وَلَا نَقُولُ لِهَذِهِ الصِّفَاتِ إِنَّهَا أَسْمَاءٌ بَلِ الِاسْمُ ذَاتُ اللهِ الَّذِي لَهُ هَذِهِ الصِّفَاتُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيُّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ قَالَ: وَيَصِحُّ ذَلِكَ عِنْدِي بِمَا يَشْهَدُ لَهُ اللِّسَانُ بِذَلِكَ . أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى } [مريم: 7] فَأَخْبَرَ أَنَّ اسْمَهُ يَحْيَى ثم قَالَ: { يَا يَحْيَى } [مريم: 12] فَخَاطَبَ اسْمَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ يَحْيَى وَهُوَ اسْمُهُ، وَاسْمُهُ هُوَ، وَكَذَلِكَ قَالَ: { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا } [يوسف: 40] وَأَرَادَ الْمُسَمَّيَاتِ . وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَهُ أَوْلَا هُوَ الْمُسَمَّى لَكَانَ الْقَائِلِ إِذَا قَالَ: عَبَدْتُ
اللهَ - وَاللهُ اسْمُهُ - أَنْ يَكُونَ عَبَدَ اسْمَهُ، أَمَّا غَيْرُهُ وَأَمَّا لَا، فقَالُ له: إِنَّهُ هُوَ وَذَلِكَ مُحَالٌ . وَقَوْلُهُ: " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا " مَعْنَاهُ تَسْمِيَّاتِ الْعِبَادِ لِلَّهِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ وَاحِدٌ، قَالَ الشَّاعِرُ: إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَادَ ثُمَّ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا، لِأَنَّ اسْمَ السَّلَامِ هُوَ السَّلَامُ . وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَجْرَى الْأَسْمَاءَ مُجْرَى الصِّفَاتِ . وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهَا . وَالْمُخْتَارُ مِنْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -
102 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ حَسَّانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَقِيهَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ سَعِيدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى { تَبَارَكَ } [الأعراف: 54] فَقَالَ: " ارْتَفَعَ وَعَلَا " فَصْلٌ فِي الْإِشَارَةِ إِلَى أَطْرَافِ الْأَدِلَّةِ فِي مَعْرِفَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي حَدَثِ الْعَالَمِ الْعَالَمُ عِبَارَةُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرِ اللهِ هُوَ جُمْلَةُ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَوْجُودٌ عَنْ عَدَمٍ بِإِيجَادِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاخْتِرَاعِهِ إِيَّاهُ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } [الروم: 27] وَسُئِلَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَدْءِ هَذَا الْأَمْرِ فَقَالَ " كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ " ثُمَّ ذَكَرَ الْخَلْقَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ فِي الْعَقْلِ دَلِيلٌ عَلَى حَدَثِ الْأَجْسَامِ ؟ قِيلَ: نَعَمْ وَقَدْ وَجَدْنَا الْأَجْسَامَ لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْحَوَادِثِ الْمُتَعَاقِبَةِ عَلَيْهَا كَالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ وَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالْأَرَايِحِ وَمَا لَمْ يَنْفَكَّ مِنَ الْحَوَادِثِ وَلَمْ يَسْبِقْهَا مُحْدَثٌ مِثْلُهَا وَإِنْ قَالَ: وَهَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى حَدَثِ الْأَعْرَاضِ ؟ قِيلَ: نَعَمْ قَدْ وَجَدْنَاهَا تَتَضَادُّ فِي الْوُجُودِ وَلَا يَصِحُّ وُجُودُ جَمِيعِهَا مَعًا فِي مَحَلٍّ فَثَبَتَ أَنَّ بَعْضَهَا يَبْطُلُ بِبَعْضٍ وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْبُطْلَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا حَادِثًا، لِأَنَّ الْقَدِيمَ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَصِحُّ عَلَيْهِ الْعَدَمُ فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَوَادِثَ لَابُدَّ لَهَا مِنْ مُحْدِثٍ ؟ قِيلَ: نَعَمْ حَقِيقَةُ الْمُحْدَثِ مَا وُجِدَ عَنْ عَدَمٍ وَلَوْلَا أَنَّ مَوْجُودًا أَوْجَدَهُ لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ أَوْلَى مِنْ عَدَمِهِ وَيَتَقَدَّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَلَوْلَا أَنَّ مُقَدِّمًا قَدَّمَ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ حُدُوثُهُ مُتَقَدِّمًا أَوْلَى مِنْ حُدُوثِهِ مُتَأَخِّرًا وَكَذَلِكَ وُجُودُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضِ الْهَيْئَاتِ الْمَخْصُوصَةِ يَدُلُّ عَلَى جَاعِلٍ خَصَّهُ بِتلكَ لَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْهَيْئَاتِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلِأَنَّا نُشَاهِدُ الْأَجْسَامَ يَنتقَّلُ أَسْبَابُهَا، وَتَتَبَدَّلُ أَحْوَالُهَا فَلَوْلَا أَنَّ مُنْقِلًا نَقَلَهَا، لَمْ يَكُنِ انْتِقَالُهَا أَوْلَى مِنْ بَقَائِهَا عليها وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَعَلُّقَهَا بِمَنْ نَقَلَهَا، وَحَاجَتَهَا إِلَى مَنْ غَيَّرَهَا، وأَنَّهَا مَصْنُوعَةٌ، وَأَنَّ لَهَا صَانِعًا غَيْرَهَا، وَنَحْنُ نُصَوِّرُهُ فِي الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ، بَإِنَّهُ كَانَ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عِظَامًا وَلَحْمًا وَدَمًا وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ نَفْسَهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، لِأَنَّا نَرَاهُ فِي حَالٍ كَمَالِ قُوَّتِهِ وَتَمَامِ عَقْلِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحْدِثُ لِنَفْسِهِ سَمْعًا وَلَا بَصَرًا، وَلَا أَنْ يَخْلُقَ لِنَفْسِهِ جَارِحَةً، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ تَكَامُلِهِ وَاجْتِمَاعِ قُوَّتِهِ عَنْ ذَلِكَ أَعْجَزُ . وَقَدْ رَأَيْنَاهُ طِفْلًا ثُمَّ شَابًّا، ثُمَّ كَهْلًا ثُمَّ شَيْخًا . وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ نَفْسَهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ نَاقِلًا نَقَلَهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَدَبَّرَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ . وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْقُطْنَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَوَّلَ غَزْلًا مَفْتُولًا ثُمَّ ثَوْبًا مَنْسُوجًا مِنْ غَيْرِ صَانِعٍ وَلَا مُدَبِّرٍ، وَالطِّينَ وَالْمَاءَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَا بِنَاءً مُشَيَّدًا مِنْ غَيْرِ بَانٍ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ صَانِعٌ لَا صُنْعَ لَهُ . لَا يَجُوزُ صُنْعٌ إلَا مِنْ صَانِعٍ . وَقَدْ نَبَّهَنَا اللهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْعِبَرِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ، وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ، وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ } . وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ أَثَرَ الصُّنْعِ مَوْجُودٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ؟ قَالَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - قِيلَ لَهُ إِنَّ السَّمَاءَ جِسْمٌ مَحْدُودٌ مُتَنَاهٍ، فَالْمَحْدُودُ الْمُتَنَاهِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا، لِأَنَّ الْقَدِيمَ هُوَ الْمَوْجُودُ الَّذِي لَا سَبَبَ لِوُجُودِهِ، وَمَا لَا سَبَبَ لِوُجُودِهِ، فَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِهَايَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وُجُودُهُ إِلَى تِلْكَ النِّهَايَةِ أَوْلَى مِنْ وُجُودِهِ دُونَهَا، أَوْ وَرَائهَا، ولِأَنَّ الْمُتَنَاهِيَ لَا يَكُونُ خَالِصَ الْوُجُودِ لِأَنَّهُ إِلَى نِهَايَتِهِ يَكُونُ مَوْجُودًا، ثُمَّ يَكُونُ وَرَاءَ نِهَايَتِهِ مَعْدُومًا، وَالْقَدِيمُ لَا يُعْدَمُ . فَصَحَّ أَنَّ الْمُتَنَاهِيَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا، وَالسَّمَاءُ مُتَنَاهِيَةٌ، فَثَبَتَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَدِيمٍ، فَإِنْ قِيلَ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا مُتَنَاهِيَةٌ ؟ قِيلَ: الدَّلِيلُ عَلَى ذلك أَنَّهَا مُتَنَاهِيَةٌ عِيَانًا مِنَ الْجِهَةِ الَّتِي تَلِينَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مُتَنَاهِيَةٌ مِنَ الْجِهَاتِ الَّتِي لا نَرَاهَا ولَا نُشَاهِدُها، لِأَنَّ تَنَاهِيَهَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ قَدْ أَوْجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مَا يَلِينَا مِنْهَا قَدِيمًا مَوْجُودًا إِلَّا بِسَبَبٍ، فَصَحَّ، أَنَّ مَا لَا تَلِينَا مِنْهَا فَهِيَ كَذَلِكَ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ، وَاحِدٌ بَعْضُهُ قَدِيمٌ وَبَعْضُهُ غَيْرَ قَدِيمٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ السَّمَاءَ جِسْمٌ ذُو أَجْزَاءٍ، كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ مَحْدُودٌ مُتَنَاهٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهَا مَحْدُودٌ مُتَنَاهٍ - ثُمَّ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ - " وَمَا قُلْتُهُ فِي السَّمَاءِ فَهُوَ فِي الْأَرْضِ مِثْلُهُ وَأَبَيْنُ، لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْأَرْضِ تَقْبَلُ فِي الْعَيَانِ أَنْوَاعًا مِنَ الِاسْتِحَالَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَاءُ وَالْهَوَاءُ لِأَنَّ أَجْزَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَجْتَمِعُ مَرَّةً، وَيَفْتَرِقُ أُخْرَى، وَيَنْتَقِلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَصَارَ حُكْمُهَا حُكْمَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَجْسَامِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي الْحَاجَةِ إِلَى مُغَيِّرٍ غَيَّرَهَا، وَنَاقِلٍ نَقَلَهَا، وَهُوَ الله الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ " قَالَ: الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -: " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَهَلْ فِي الْعَقْلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُحْدِثَهَا وَاحِدٌ ؟ قِيلَ: نَعَمْ وَهُوَ اسْتِغْنَاءُ الْجَمِيعِ فِي حُدُثِهِ بِمُحْدِثٍ وَاحِدٍ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهَا عَدَدٌ مِنْ عَدَدٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ لَكَانَ لَا يَجْرِي تَدْبِيرُهُمَا عَلَى نَظْمٍ، وَلَّا يتسق عَلَى أَحْكَامٍ، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهَ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ } [الأنبياء: 22] . وَلَكَانَ الْعَجْزُ يَلْحَقُهُمَا، أَوْ أَحَدَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا إِحْيَاءَ جِسْمٍ، أَرَادَ الْآخَرُ إِمَاتَتَهُ، كَانَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَتِمَّ مُرَادُهُمَا، وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ، أَوْ لَا يَتِمُّ مُرَادُهُمَا، أَوْ مُرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ، وَمَنْ لَمْ يَتِمَّ مُرَادُهُ كَانَ عَاجِزًا، وَالْعَاجِزُ لَا يَكُونُ إِلَهًا ولا قَدِيمًا، وَبعِبَارَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ حَالَ الِاثْنَيْنِ لَا يَخْلُو مِنْ صِحَّةِ الْمُخَالَفَةِ، أَوْ تَعَذُّرِ الْمُنَازَعَةِ، فَإِنْ صَحَّتِ الْمُخَالَفَةُ، كَانَ الْمَمْنُوعُ مِنَ الْمُرَادِ مَوْصُوفًا بِالْقَهْرِ، وَإِنْ تَعَذَّرَتِ الْمُنَازَعَةُ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْصُوفًا بِالنَّقْصِ وَالْعَجْزِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنَ التَّشبِيَهِ، وَقَدْ دَعَانَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى تَوْحِيدِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ بِمَا أَرَانَا مِنَ الْآيَاتِ، وَأَوْضَحَ لَنَا مِنَ الدَّلَالَاتِ، فَقَالَ عَزَّ وجل: { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } [البقرة: 163] . قَرَأَهَا إِلَى قَوْلِهِ: { لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 164] إِلَى سَائِرِ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ مِنَ الدَّلَالَاتِ عَلَى صُنْعِهِ وَتَوْحِيدِهِ "
103 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الصَّائِغُ، حدثنا آدَمُ، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، فِي قَوْلِهِ: " { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [البقرة: 163] لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَجِبَ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } الْآيَةَ يَقُولُ: إِنَّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ { لَآيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 164] "
104 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ،
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الدَّقِيقِيُّ قَالَ: وَجَدْتُ فِي
كِتَابٍ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ:"
[البحر المتقارب]
فَيَا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الْإِلَـ ... ـهُ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ جَاحِدُ؟
وَلِلَّهِ فِي كُلِّ تَحْرِيكَةٍ ... وَتَسْكِينَةٍ أَبَدًا شَاهِدُ
فِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ"
وَيُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ لِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ
105
- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
الْحُسَيْنِ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ناقِلُهُ
أَيِ الْقِسْمَ الْمَذْكُورَ يَقُولُ: حَكَى جَدِّي فِي كُتُبِهِ عَنْ
شُيُوخِهِ، أَنَّ أَبَا الْعَتَاهِيَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنَ قَاسِمٍ" جَاءَ
إِلَى دُكَّانِ سَقِيفَةِ الْوَرَّاقِ فَجَلَسَ وَتَحَدَّثَ، ثُمَّ ضَرَبَ
بِيَدِهِ إِلَى دَفْتَرٍ فَكَتَبَ فِي ظَهْرِهِ:
[البحر المتقارب]
فَيَا عَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الْإِلَـ ... ـهُ أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الْجَاحِدُ
وَلِلَّهِ فِي كُلِّ تَحْرِيكَةٍ ... وَتَسْكِينَةٍ أَبَدًا شَاهِدُ
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
ثُمَّ
أَلْقَاهُ وَنَهَضَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ
جَاءَ أَبُو نُوَاسٍ فَجَلَسَ وَتَحَدَّثَ، وَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى ذَلِكَ
الدَّفْتَرِ، فَقَالَ: أَحْسَنَ قَاتَلَهُ اللهُ، وَاللهِ لَوَدِدْتُهُ
لِي بِجَمِيعِ مَا قُلْتُهُ لِمَنْ هِيَ؟ قُلْت: لِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ
فَقَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ أَبُو نُوَاسٍ الدَّفْتَرَ،
فَكَتَبَ:
[البحر المجتث]
سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الْخَلْـ ... ـقَ مِنْ ضَعِيفٍ مَهِينٍ
يَسُوقُهُ مِنْ قَرَارٍ ... إِلَى قَرَارٍ مَكِينٍ
يَحُوزُ شَيْئًا فَشَيْئًا ... فِي الْحُجُبِ دُونَ الْعُيُونِ
حَتَّى بَدَتْ حَرَكَاتٌ ... مَخْلُوقَةٌ مِنْ سُكُونٍ
فَلَمَّا
عَادَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ نَظَرَ فِيهِ فَقَالَ أَحْسَنَ قَاتَلَهُ
اللهُ، وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا لِي بِجَمِيعِ مَا قُلْتُ وَمَا
أَقُولُ، لِمَنْ هِيَ؟ فَقُلْنَا: لِأَبِي نُوَاسٍ فَقَالَ: الشَّيْطَانُ،
ثُمَّ كَتَبَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:
[البحر الوافر]
فَإِنْ أَكُ حَالِكًا فَالْمِسْكُ أَحْوَى ... وَمَا لِسَوَادِ جِلْدِي مِنْ بَقَاءٍ
وَلَكِنِّي عَنِ الْفَحْشَاءِ ناءٍ ... كَبُعْدِ الْأَرْضِ عَنْ جَوِّ السَّمَاءِ"
106 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، حدثنا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } [الأعراف: 11] قَالَ: " خُلِقُوا فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ، ثُمَّ صُوِّرُوا فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ "
107 - حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ الدَّقِيقِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدِينِيُّ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أخبرنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حدثنا بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَخْلَصَ اللهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ، وَجَعَلَ قَلْبَهُ سَلِيمًا، وَلِسَانَهُ صَادِقًا، وَنَفْسَهُ مُطْمَئِنَّةً، وَخَلِيقَتَهُ مُسْتَقِيمَةً، وَجَعَلَ أُذُنَهُ مُسْتَمِعَةً، وَعَيْنَهُ نَاظِرَةً فَأَمَّا الْأُذُنُ فَقِمْعٌ ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَمُقِرَّةٌ لِمَا يُوعِي الْقَلْبُ، وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ جَعَلَ اللهُ قَلْبَهُ وَاعِيًا "
108 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ،
حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ، عَنْ
عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: " الْقَلْبُ مَلَكٌ وَلَهُ جُنُودٌ، فَإِذَا صَلُحَ الْمَلِكُ
صَلُحَتْ جُنُودُهُ، وَإِذَا فَسَدَ الْمَلِكُ فَسَدَتْ جُنُودُهُ،
وَالْأُذُنَانِ قِمَعٌ، وَالْعَيْنَانِ مَسْلَحَةٌ، وَاللِّسَانُ
تُرْجُمَانٌ ، وَالْيَدَانِ جَنَاحَانِ، وَالرِّجْلَانِ بَرِيدَانِ،
وَالْكَبِدُ رَحْمَةٌ، وَالطِّحَالُ ضَحِكٌ، وَالْكُلْيَتَانِ مَكْرٌ،
وَالرِّئَةُ نَفَسٌ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: "
هَكَذَا جَاءَ مَوْقُوفًا، وَمَعْنَاهُ فِي الْقَلْبِ جَاءَ فِي حَدِيثِ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا " أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ محمد النَّسَوِيِّ، حدثنا
109 - وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ: رَفَعَهُ
إِسْمَاعِيلُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ
عِيسَى، عَنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
الْأَسْوَدِ، حدثنا عَبْدُ اللهِ، أخبرنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ
أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ، فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا الْحَكَمُ بْنُ فَصِيلٍ (1) ، عَنْ
عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا
__________
(1) تحرف في
المطبوع إلى : "فضيل" بالمعجمة ، وصوابه : "فَصِيل" بفتح الفاء ، وكسر
الصاد المهملة ، انظر "المُؤتَلِف والمُختَلِف" للدارقطني 4/1815 ،
و"الإكمال" لابن ماكولا 7/66 ، و"الأنساب" للسمعاني 4/389 ، و"المُشْتَبِه"
للذهبي 509 ، و"توضيح المشتبه" لابن ناصر الدين 7/109 ، و"تبصير المنتبه"
3/1081 لابن حَجَر.
110 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حدثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُرْتَفِعِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } [الذاريات: 21] قَالَ: " سَبِيلُ الْخَلَاءِ وَالْبَوْلِ "
111 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ
الْوَلِيدِ الْفَحَّامُ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } [الذاريات: 21]
قَالَ: " سَبِيلُ الْخَلَاءِ وَالْبَوْلِ " كَذَا قَالَ
112 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، حدثنا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ
الْأَبِيوَرْدِيُّ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ، عَنْ , مُحَمَّدِ بْنِ الْمُرْتَفِعِ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ
فَذَكَرَهُ
113 - أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، حدثنا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنِ الْهَيْثَمِ، حدثنا الْأَصْمَعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ السَّمَّاكِ يَقُولُ لِرَجُلٍ: " تَبَارَكَ مَنْ خَلَقَكَ فَجَعَلَكَ تُبْصِرُ بِشَحْمٍ، وَتَسْمَعُ بِعَظْمٍ، وَتَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ "
114 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي آخَرِينَ قَالُوا: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حدثنا أَبُو أُمَيَّةَ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ، حدثنا صَالِحٌ النَّاجِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } [فاطر: 1] قَالَ: " حُسْنِ الصَّوْتِ "
115 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَصْرِيُّ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْعَسْقَلَانِيِّ، عَنْ خُلَيْدِ بْنِ دَعْلَجٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: { يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } [فاطر: 1] قَالَ: " الْمَلَاحَةُ فِي الْعَيْنَيْنِ "
116 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ الْخَيَّاطَ يَقُولُ: حدثنا ذُو النُّونِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيُّ قَالَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةً لِلْعِلْمِ، وَلَوْلَا أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ أَنْطَقَ اللِّسَانَ بِالْبَيَانِ، وَافْتَتَحَهُ بِالْكَلَامِ مَا كَانَ الْإِنْسَانُ إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الْبَهِيمَةِ يُومِئُ بِالرَّأْسِ، وَيُشِيرُ بِالْيَدِ "
117 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: " تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ "
118 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ قَالَ: حدثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قِيلَ لِأُمِّ الدَّرْدَاءِ: مَا كَانَ أَفْضَلُ أَعْمَالِ أَبِي الدَّرْدَاءِ ؟ قَالَتْ: " التَّفَكُّرُ "
119 - أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُوسُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الزِّمِّيُّ الْمُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ الْوَازِعِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللهِ - يَعْنِي عَظَمَتَهُ - وَلَا تتَفَكَّرُوا فِي اللهِ " هَذَا إِسْنَادٌ فِيهِ نَظَرٌ
120 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِيُّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: " جُمْلَةُ التَّوْحِيدِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ لَا تَتَصَوَّرَ فِي وَهْمِكَ شَيْئًا إِلَّا وَاعْتَقَدْتَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مَالِكُهُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَأَيْن الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَوْجُودٌ ؟ قِيلَ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ أَوْجَدَ الْعَالَمَ وَأحْدَثَهُ، وَالْفِعْلُ لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ إِلَّا مِنْ ذَوِي قُدْرَةٍ . وَالْقُدْرَةُ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا فَوَجَبَ أَنَّهَا تَقُومُ بِقَادِرٍ مَوْجُودٍ، وَلِأَنَّ اسْتِحَالَةَ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْ مَعْدُومٍ كَاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ لَا مِنْ فَاعِلٍ، فَلَمَّا اسْتَحَالَ فِعْلٌ لَا مِنْ فَاعِلٍ اسْتَحَالَ فِعْلٌ مِنْ مَعْدُومٍ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ ؟ قِيلَ: قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَلَوْ كَانَ مُحْدَثًا لَتَعَلَّقَ بِغَيْرِهِ لَا إِلَى نِهَايَةٍ، فَالْمَوْجُودُ لَا يَنْفَكُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا، أَوْ مُحْدَثًا، فَلَمَّا فَسَدَ كَوْنُهُ مُحْدَثًا ثَبَتَ أَنَّهُ قَدِيمٌ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: قَدْ بَيَّنَا احْتِيَاجَ الْمُحْدَثَاتِ إِلَى مُقَدِّمٍ يُقَدِّمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا، وَمُؤَخِّرٍ يُؤَخِّرُ مَا تَأَخَّرَ مِنْهَا، وَمُخَصِّصٌ يُخَصِّصُ بَعْضَهَا بِبَعْضِ، الْهَيْئَاتِ دُونَ بَعْضٍ، فَلَوْ كَانَ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا مُشَارِكًا لَهَا فِي الْحُدُوثِ لَشَارَكَهَا فِي الْحَاجَةِ إِلَى الْمُقَدِّمِ، والْمُؤَخِّرِ والْمُخَصِّصِ، وَلَوْ كَانَ بِهَذَا الْوَصْفِ لَاقْتَضَى كُلٌّ مُحْدِثًا قَبْلَهُ، وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ مُحْدَثَاتِ، وَاحِدٍ قَبْلَ وَاحِدٍ لَا إِلَى أَوَّلٍ لِاسْتِحَالَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحُدُوثِ، وَنَفْيِ الِابْتِدَاءِ فَثَبَتَ أَنَّهُ قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ، وَلَا جَوْهَرٍ، لَا عَرَضٍ قِيلَ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جِسْمًا لَكَانَ مُؤَلَّفًا . وَالْمُؤَلَّفُ شَيْئَانِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ ولَا يَحْتَمِلُ التَّأْلِيفِ، وَلَيْسَ بِجَوْهَرٍ لِأَنَّ الْجَوْهَرَ هُوَ الْحَامِلُ لِلْأَعْرَاضِ، الْمُقَابِلُ لِلْمُتَضَادَّاتِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى حُدُوثِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ تَعَالَى قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ، وَلَيْسَ بِعَرَضٍ لِأَنَّ الْعَرَضَ لَا يَصِحُّ بَقَاؤُهُ، وَلَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، - وَهُوَ - سُبْحَانَهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا، فَلَا يَصِحُّ عَدَمُهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا كَانَ الْقَدِيمُ سُبْحَانَهُ شَيْئًا لَا كَالْأَشْيَاءِ، مَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ جِسْمًا لَا كَالْأَجْسَامِ ؟ قِيلَ لَهُ: لَوْ لَزِمَ ذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ صُورَةً لَا كَالصُّوَرِ، وَجَسَدًا لَا كَالْأَجْسَادِ، وَجَوْهَرًا لَا كَالْجَوَاهِرِ، فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْ هَذَا . وَبَعْدُ: فَإِنَّ الشَّيْءَ سِمَةٌ لِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَقَدْ سَمَّى اللهُ - سُبْحَانَهُ - نَفْسَهُ شَيْئًا، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ؟ قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ }، وَلَمْ يُسَمِّ نَفْسَهُ جِسْمًا، وَلَا سَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، قال اللهَ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا، وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف: 180]، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الْمَصْنُوعَاتِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْوَهْمِ ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ لَوْ أَشْبَهَهَا لَجَازَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمَصْنُوعَاتِ مِنْ سِمَاتِ النَّقْصِ وَأَمَارَاتِ الْحَدَثِ، وَالْحَاجَةِ إِلَى مُحْدِثٍ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفْيَهُ، فَوَجَبَ أَنَّهُ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11]، وَلِأَنَّا نَجِدُ كُلَّ صَنْعَةٍ فِيمَا بَيْنَنَا لَا تُشْبِهُ صَانِعَهَا كَالْكِتَابَةِ لَا تُشْبِهُ الْكَاتِبَ، وَالْبِنَاءِ لَا يُشْبِهُ الْبَانِيَ، فَدَلَّ مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا غَابَ عَنَّا، وَعَلِمْنَا أَنَّ صَنْعَةَ الْبَارِي لَا تُشْبِهُهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، مُسْتَغْنٍ عَنْ غَيْرِهِ ؟ قِيلَ: لِأَنَّ خَلاف هَذَا الْوَصْفِ يُوجِبُ حَاجَتَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَالْحَاجَةُ دَلِيلُ الْحَدَثِ لِأَنَّهَا تَكُونُ إِلَى وَقْتٍ، ثُمَّ تَبْطُلُ بِحُدُوثِ ضِدِّهَا، وَمَا جَازَ دُخُولُ الْحَوَادِثِ عَلَيْهِ كَانَ مُحْدَثًا مِثْلَهَا، وَقَدْ قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى قِدَمِهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ ؟ قِيلَ: ظُهُورُ فِعْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى حَيَاتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ مِنْ مَيِّتٍ، وَلَا عَاجِزٍ، وَلَا جَاهِلٍ بِهِ، فدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ بِخِلَافِ وَصْفِ مَنْ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَا يَكُونُ بِخِلَافِ ذَلِكَ إِلَّا وَهُوَ حَيٌّ قَادِرٌ عَالِمٌ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُرِيدٌ ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ حَيٌّ، عَالِمٌ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ، وَلَا مَغْلُوبٍ، وَلَا بِهِ آفَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَكُلُّ حَيٍّ خَلَا مِمَّا يُضَادَّ الْعِلْمَ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ آفَةٌ تُخْرِجُهُ مِنَ الْإِرَادَةِ كَانَ مُرِيدًا مُخْتَارًا قَاصِدًا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ حَيٌّ، وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ حَيٍّ يَتَعَرَّى عَنِ الْوَصْفِ بِمَا يُدْرِكُ الْمَسْمُوعَ، وَالْمَرْئِيَّ، أَوْ بِالْآفَةِ الْمَانِعَةِ مِنْهُ، وَيَسْتَحِيلُ تَخْصِيصُهُ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ، بِالْآفَةِ لِأَنَّهَا مَنْعٌ، وَالْمَنْعُ يَقْتَضِي مَانِعًا وَمَمْنُوعًا، وَمَنْ كَانَ مَمْنُوعًا كَانَ مَغْلُوبًا، وَذَلِكَ صِفَةُ الْحَدَثِ، وَالْبَارِي قَدِيمٌ لَمْ يَزَلْ، فَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ حَيٌّ لَيْسَ بِسَاكِتٍ، وَلَا بِهِ آفَةٌ تَمْنَعُهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَكُلُّ حَيٍّ كَانَ كَذَلِكَ، كَانَ مُتَكَلِّمًا، وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ لُزُومُ الْخِطَابِ، وَوُجُودُ الْأَمْرِ عَمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْكَلَامُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَكَلِّمًا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ حَيًّا، قَادِرًا، عَالِمًا، مُرِيدًا، سَمِيعًا، بَصِيرًا، مُتَكَلِّمًا ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ مَوْصُوفًا بِأَضْدَادِهَا مِنَ مَوْتِ، أَوْ عَجْزٍ أَوْ آفَةٍ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاسْتَحَالَ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ فِعْلٌ، وَفِي صِحَّةِ الْفِعْلِ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ، قَادِرٌ، عَالِمٌ، مُرِيدٌ، سَمِيعٌ، بَصِيرٌ، مُتَكَلِّمٌ، لَهُ الْحَيَاةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ، وَالسَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالْكَلَامُ ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إِثباثُ مَوْجُودٍ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ مَعَ نَفْيِ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَنْهُ، وَحِينَ لَزِمَ إِثْبَاتُهُ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ لَزِمَ إِثْبَاتُ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَهُ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ } [البقرة: 255]، وَقَالَ تَعَالَى { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا } [طه: 98]، وَقَالَ: { وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [الطلاق: 12]، أَيْ عِلْمُهُ قَدْ أَحَاطَ بِالْمَعْلُومَاتِ كُلِّهَا - إِلَى سَائِرِ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَقَالَ: { إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذاريات: 58] . فَأَثْبَتَ الْقُوَّةَ لِنَفْسِهِ، وَهِيَ الْقُدْرَةُ، وَأَثْبَتَ الْعِلْمَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَالمٌ بِعِلْمٍ، قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ عَالِمٌ لَا عِلْمَ لَهُ لَجَازَ عِلْمٌ لَا لعَالِمَ بِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ فَاعِلٌ لَا فِعْلَ لَهُ، لَجَازَ فِعْلٌ لَا لِفَاعِلٍ، فَلَا اسْتَحَالَ فَاعِلٌ لَا فِعْلَ لَهُ كَمَا اسْتَحَالَ فِعْلٌ لَا فَاعِلَ لَهُ، كَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ عَالِمٌ لَا عِلْمَ لَهُ كَمَا يَسْتَحِيلُ عِلْمٌ لَا لِعَالِمٍ، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ لَوْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي كَوْنِ الْعَالِمِ عَالِمًا لَمْ يَضُرَّ عَدَمُهُ فِي كُلِّ عَالِمٍ، حَتَّى يَصِحَّ كُلُّ عَالِمٍ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ، وَحِينَ كَانَ شَرْطًا فِي كَوْنِ بَعْضِهِمْ عَالِمًا وَجَبَ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَالِمٍ لِامْتِنَاعِ اخْتِلَافِ الْحَقَائِقِ مِنَ الْمَوْصُوفِينَ، وَلِأَنَّ إِحْكَامَ الْفِعْلِ يَمْتَنِعُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ مِنَّا بِهِ كَمَا يَمْتَنِعُ مَعَ كَوْنِنَا غَيْرَ عَالِمِينَ بِهِ، فَكَمَا وَجَبَ اسْتِوَاءُ جَمِيعِ الْمُحْكِمِينَ فِي كَوْنِهِمْ عُلَمَاءَ، كَذَلِكَ يَجِبُ اسْتِوَاءُهُمْ فِي كَوْنِ الْعِلْمِ لَهُمْ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ مِنْ غَيْرِ ذِي عِلْمٍ بِهِ مِنَّا كَاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ مِنْ غَيْرِ عَالِمٍ بِهِ مِنَّا، وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ مَا يَعْلَمُ بِهِ الْعَالِمُ، وَبِعَدَمِهِ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَالِمًا، فَلَوْ كَانَ الْقَدِيمُ عَالِمًا بِنَفْسِهِ كَانَتْ نَفْسُهُ عِلْمًا لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ، فَإِنْ عَارَضُوا مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَاتِ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف: 76] قُلْنَا: لَسْنَا نَقُولُ: إِنَّ اللهَ ذُو عِلْمٍ عَلَى التَّنْكِيرِ، وَإِنَّمَا نَقُولُ: إِنَّهُ ذُو الْعِلْمِ عَلَى التَّعْرِيفِ كَمَا نَقُولُ: إِنَّهُ ذُو الْجَلَالِ، وَالْإِكْرَامِ عَلَى التَّعْرِيفِ، وَلَا نَقُولُ إِنَّهُ ذُو جَلَالٍ وَإِكْرَامٍ عَلَى التَّنْكِيرِ فَمَعْنَى الْآيَةِ إِذًا: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ مُحْدَثٍ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، فَإِنْ قَالُوا: فَيَقُولُونَ: إِنَّ عِلْمَهُ قَدِيمٌ وَهُوَ قَدِيمٌ . قِيلَ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ مَعَ إِثْبَاتِهِ لَهُ أَزَلِيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ بِهِ الِاشْتِبَاهُ لِأَنَّ الْقَدِيمَ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي وُجُودِهِ بِشَرْطِ الْمُبَالَغَةِ، وَالْتَقَدِّمُ فِي الْوُجُودِ هُوَ الْوُجُودُ، وَالْوُجُودُ لَا يُوجِبُ الِاشْتِبَاهَ عِنْدَ أَحَدٍ، فَكَذَلِكَ الْتَقَدِّمُ فِي الْوُجُودِ لَا يُوجِبُ الِاشْتِبَاهَ، وَلِأَنَّ الْقِدَمَ وَصْفٌ مُشْتَرَكٌ يُقَالُ: شَيْخٌ قَدِيمٌ، وَبِنَاءٌ قَدِيمٌ، وَعِرْجُونٌ قَدِيمٌ، فَالِاشْتِبَاهُ لَا يَقَعُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الِاشْتِبَاهُ يَقَعُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْقِدَمِ، لَكَانَ يَقَعُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْحَدَثِ، فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْحَدَثِ، لَمْ يَقَعْ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْقِدَمِ، وَلِأَنَّ عِنْدَنَا حَقِيقَةَ الْمُشْتَبِهِينَ هُمَا الْغَيْرَانِ اللَّذَانِ يَجُوزُ عَلَى أَحَدِهِمَا جَمِيعُ مَا يَجُوزُ عَلَى صَاحِبِهِ وَينُوبُ مَنَابَهُ، وَصِفَاتُ اللهِ تَعَالَى لَيْسَتْ بِأَغْيَارٍ لَهُ، فَإِنْ قَالُوا: لَوْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَوْ غَيْرَهُ أوْ بَعْضَهُ قِيلَ: هَذِهِ دَعْوَى بَلْ مَا يُنْكِرُ مِنْ عِلْمٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هُوَ هُوَ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ عَالِمًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: غَيْرُهُ لِاسْتِحَالَةِ مُفَارَقَتِهِ لَهُ، وَمَعْنَى الْغَيْرَيْنِ مَا لَا يَسْتَحِيلُ مُفَارَقَةُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ بِوَجْهٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بَعْضُهُ إِذْ لَيْسَ الْمَوْصُوفُ بِهِ مُتَبَعِّضًا، فَإِنْ قَالَ: لَوْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ لَكَانَ عَرَضًا مُكْتَسَبًا، أَوْ مُضْطَرًا إِلَيْهِ، وَكَانَ اعْتِقَادًا مِنْ جِنْسِ عُلُومِنَا لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ الْعِلْمِ الْمَعْقُولِ، قِيلَ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَمْ يَكُنْ عِلْمًا لِأَنَّهُ عَرَضٌ أَوْ بِصِفَةٍ مِمَّا ذَكَرْتُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ عِلْمًا لِأَنَّ الْعِالْمَ بِهِ يُعْلَمٌ، ثُمَّ يُنْظرُّ فَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ مُحْدَثًا كَانَ عِلْمُهُ عَرَضًا مُكْتَسَبًا، أَوْ مُضْطَرًا إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدَثًا لَمْ يَصِحَّ وَصْفُهُ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَثَ، وَلَمَّا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ، وَلَا مُكْتَسِبٍ وَلَا مُضْطَرٍّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُمْ، فَإِنْ قَالُوا: لَوْ كَانَ عَالِمًا بِعِلْمٍ لَكَانَ مُحْتَاجًا إِلَى عِلْمِهِ قِيلَ: لَا تَجُوزُ عَلَيْهِ الْحَاجَةُ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ، لَيْسَ عِلْمُهُ، وَلَا سَائِرُ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ أَغْيَارًا لَهُ، وَلَا أَبْعَاضًا حَتَّى يَصِحَّ وَصْفُهُ بِالْحَاجَةِ إِلَى غَيْرِهِ أَوْ إِلَى بَعْضِهِ، فَإِنْ قَالُوا: فَيَقُولُونَ إِنَّ عِلْمَهُ عِلْمٌ بِكُلِّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ قِيلَ: كَذَلِكَ نَقُولُ، وَلِذَلِكَ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى عِلْمَهُ، فَقَالَ: { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [الطلاق: 12]، وَأَمَّا غَيْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِكُلِّ مَعْلُومٍ، فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ، فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَجِبُ كَوْنُهُ عَالِمًا بِكُلِّ مَعْلُومٍ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ عِلْمًا بِكُلِّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ . وَالْكَلَامُ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ كَالْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ، وَلَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ يُجَاوِرُهُ لِأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ تَقْتَضِي الْمُمَاسَّةَ، أَوِ الْمُقَارَبَةَ فِي الْمَكَانِ، وَذَلِكَ صِفَةُ للْأَجْسَامِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْحَوَادِثِ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهَا تَحُلُّهُ لِأَنَّ الْحُلُولَ يَقْتَضِي الْمُجَاوَرَةَ، وَقَدْ قَامَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى بُطْلَانِهَا، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهَا تُخَالِفُهُ أَوْ تُفَارِقُهُ لِأَنَّ الْمُفَارَقَةَ، وَالْمُخَالَفَةَ فَرْعٌ لِلْغَيْرِيَّةِ، وَالتَّغَايُرِ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ صِفَاتِهِ مُحَالٌ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ مِلْكُهُ لِأَنَّ مَا يُمْلَكُ يَصِحُّ أَنْ يُفْعَلَ، وَصِفَاتُهُ أَزَلِيَّةٌ لَا يَصِحُّ أَنْ تُفْعَلَ، وَلَا يُقَالُ: فِي صِفَاتِ ذَاتِهِ إِنَّهَا فِي أَنْفُسِهَا مُخْتَلِفَةٌ، وَلَا مُتَّفِقَةٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُتَغَايِرَةٍ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّهَا مَعَ اللهِ أَوْ فِي اللهِ بَلْ هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِذَاتِهِ قَائِمَةٌ بِهِ لَمْ يَزَلْ كان مَوْصُوفًا بِهَا، وَلَا يَزَالُ هُوَ مَوْصُوفًا بِهَا . وَلِلَّهِ تَعَالَى صِفَاتٌ خَبَرِيَّةٌ مِنْهَا الْوَجْهُ وَالْيَدُ . وطَرِيقُ إِثْبَاتِهَا وُرُودُ خَبَرِ الصَّادِقِ بِهَا فَنُثْبِتُهَا وَلَا نُكَيِّفُهَا . وَأَمَّا صِفَاتُ الْفِعْلِ: كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ فَإِنَّهَا أَغْيَارٌ، وَهِيَ فِيمَا لَا يَزَالُ، وَلَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِهَا فِي الْأَزَلِ، وَأَبَى الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنْ يَقُولُوا: فِي اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ خَالِقًا وَرَازِقًا، وَلَكِنْ يَقُولُونَ: خَالِقُنَا لَمْ يَزَلْ، وَرَازِقُنَا لَمْ يَزَلْ، قَادِرًا عَلَى الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ فِي الْأَزَلِ، ثُمَّ خَلَقَ، وَإِذَا سُمِّيَ خَالِقًا بَعْدَ وُجُودِ الْخَلْقِ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ تَغَيُّرًا فِي ذَاتِهِ، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا سُمِّيَ أَبًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يُسَمَّ أَبًا، لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ تَغَيُّرًا فِي نَفْسِهِ . وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَجُوزُ الْقَوْلُ بأنه لَمْ يَزَلْ خَالِقًا رَازِقًا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ سَيَخْلُقُ وَسَيَرْزُقُ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ "
121 - أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [مريم: 65] " هَلْ تَعْلَمُ لِلرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ مَثَلًا، أَوْ شَبَهًا "
122 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاتِي قَالَا: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ الْغِفَارِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، حدثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [مريم: 65] قَالَ: " لَيْسَ أَحَدٌ يُسَمَّى الرَّحْمَنَ غَيْرَهُ "
الثَّانِي مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ بَابٌ فِي الْإِيمَانِ بِرُسُلِ اللهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ عَامَّةً " اعْتِقَادًا وَإِقْرَارًا إِلَّا أَنَّ الْإِيمَانَ بِمَا عَدَا نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُرْسَلِينَ إِلَى الَّذِينَ ذَكَرُوا لَهُمْ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللهِ إِلَيْهِمْ، وَكَانُوا فِي ذَلِكَ صَادِقِينَ مُحِقِّينَ، وَالْإِيمَانُ بِالْمُصْطَفَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُ نَبِيُّهُ وَرَسُولُهُ إِلَى الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ وَإِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ قَالَ اللهُ عز وجل: { آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ } [النساء: 136]، فَقَرَنَ الْإِيمَانَ بِرَسُولِهِ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَقَالَ: { وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } [البقرة: 285]، وَقَالَ: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ، أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ } [النساء: 150] الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ اللهَ جَلَّ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْكُفْرَ بِبَعْضِ رُسُلِهِ كُفْرًا بِجَمِيعِهِمْ، ثُمَّ جَعَلَ الْكُفْرَ بِجَمِيعِهِمْ كُفْرًا بِهِ، وَقَالَ: بَعْدَ ذَلِكَ: { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ } [النساء: 152] الْآيَةَ فَثَبَتَ أَنَّ حُسْنَ الْمَآبِ إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ رُسُلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَآمَنَ بِجَمَاعَتِهِمْ "
وَقَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى ربهم عَزَّ وَجَلَّ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ بِسْطَامٍ
125 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اللَّيْثِ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، حدثنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، فَقَالَ: " يَا مُعَاذُ " . قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ . قَالَ: " مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ " . قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا ؟ قَالَ: " إِذًا يَتَّكِلُوا " . قَالَ: وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ
126 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ بِبَغْدَادَ، حدثنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوْحٍ الْمَدَائِنِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ "
127 - أَخْبَرَنَا
أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ،
حدثنا أَبُو قِلَابَةَ، ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي
إِسْحَاقَ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلِ بْنِ خَلَفٍ
الْقَاضِي، حدثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي أَبَا
قِلَابَةَ، حدثنا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، حدثنا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ،
عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ هِصَّانَ بْنِ كَاهِلٍ، عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ
مَاتَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ
يَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى قَلْبٍ مُوقِنٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ "
128 -
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ
اللهِ السَّعْدِيُّ، حدثنا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ
نَحْوَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ،
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
129 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَا: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ قَالَ: أَنْبَأَنِي أَبُو عُمَرَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الْخَشْخَاشِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ كَمِ الْمُرْسَلُونَ ؟ قَالَ: " ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا " . قَالَ: قُلْتُ آدَمُ نَبِيٌّ كَانَ ؟ قَالَ: " نَعَمْ نَبِيُّ مُكَلَّمٌ "
130 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنَّ اللهَ بَعَثَهُمْ كَمَا بَعَثَنِي "
131 - وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ السَّعْدِيُّ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَمِ النَّبِيُّونَ ؟ قَالَ: " مِائَةُ أَلْفِ نَبِيٍّ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ " . قَالَ: قُلْتُ: كَمِ الْمُرْسَلُونَ مِنْهُمْ ؟ قَالَ: " ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ " أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أخبرنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ السَّامِرِيُّ بِبَغْدَادَ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ السَّعْدِيُّ الْبَصْرِيُّ فَذَكَرَهُ " وَرُوِي ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ غَيْرِ قَوِيٍّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ "
132 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ
اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، حدثنا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
أخبرنا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ
حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ
وَجَلَّ: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا
نَبِيًّا } [مريم: 41] قَالَ:" كَانَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ إِلَّا عَشَرَةً: نُوحٌ، وَصَالِحٌ، وَهُودٌ، وَلُوطٌ،
وَشُعَيْبُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَعْقُوبُ،
وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَهُ اسْمَانِ إِلَّا إِسْرَائِيلُ، وَعِيسَى
فَإِسْرَائِيلُ يَعْقُوبُ، وَعِيسَى الْمَسِيحُ" قَالَ الْبَيْهَقِيُّ
رَحِمَهُ اللهُ تعالى:" وَالْإِيمَانُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ لَهُ، وَهُوَ قَبُولُ مَا
جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَنْهُ، وَالْعَزْمُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ،
لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ فِي أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ إِلْتزَامٌ لِطَاعَتِهِ،
وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللهِ، وَالْإِيمَانِ لَهُ لِأَنَّهُ
مِنْ تَصْدِيقِ الرُّسُلِ، وَفِي طَاعَةِ الرَّسُولِ طَاعَةُ الْمُرْسِلِ
لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ أَطَاعَهُ . قَالَ اللهُ تَعَالَى: { مَنْ يُطِعِ
الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهُ } [النساء: 80]" قَالَ:" وَالنُّبُوَّةُ
اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّبَأ، وَهُوَ الْخَبَرُ إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ
بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَبَرٌ خَاصٌّ، وَهُوَ الَّذِي يُكْرِمُ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أَحَدًا مِنْ عِبَادِهِ فَيُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ
بِإِلْقَائِهِ إِلَيْهِ، وَيُوقِفُهُ بِهِ عَلَى شَرِيعَتِهِ بِمَا فِيهَا
مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَوَعْظٍ وَإِرْشَادٍ، وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ، فَتَكُونُ
النُّبُوَّةُ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْمُخْبَرَاتِ
الْمَوْصُوفَةِ، والنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ
الْمُخْبِرُ بِهَا، فَإِنِ انْضَافَ إِلَى هَذَا التَّوْقِيفِ أَمْرٌ
بِتَبْلِيغِهِ النَّاسَ وَدُعَائِهِمْ إِلَيْهِ كَانَ نَبِيًّا رَسُولًا،
وَإِنْ أُلْقِيَ إِلَيْهِ لِيَعْمَلَ بِهِ فِي خَاصَّتِهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ
بِتَبْلِيغِهِ، وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ كَانَ نَبِيًّا، وَلَمْ يَكُنْ
رَسُولًا، فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وَلَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولًا"
قَالَ:" وَقَدْ أَرْشَدَ اللهُ تَعَالَى إِلَى أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ فِي
الْقُرْآنِ كَمَا أَرْشَدَ إِلَى آيَاتِ الْحَدَثِ الدَّالَّةِ عَلَى
الْخَالِقِ وَالْخَلْقِ، فَقَالَ عَزَّ اسْمُهُ: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا
رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ، وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } [الحديد: 25]، وَقَالَ: {
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى
اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [النساء: 165]، وَقَالَ: { وَلَوْ أَنَّا
أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا
أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ
نَذِلَّ وَنَخْزَى } [طه: 134]، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ بَعَثَ
الرُّسُلَ لِقَطْعِ حُجَّةِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ فِي ذَلِكَ وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا أَنَّ الْحُجَّةَ الَّتِي قُطِعَتْ عَلَى الْعِبَادِ هِيَ أَنْ
لا يَقُولُوا: إِنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنْ كَانَ خَلَقَنَا
لِنَعْبُدَهُ، فَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا الْعِبَادَةَ
الَّتِي يُرِيدُهَا مِنَّا وَيَرْضَاهَا لَنَا، مَا هِيَ؟ وَكَيْفَ هِيَ؟
فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي عُقُولِنَا الِاسْتِجْدَاءُ لَهُ، وَالشُّكْرُ
عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْنَا، فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا
أَنَّ التَّذَلُّلَ وَالْعُبُودِيَّةَ مِنَّا بِمَاذَا يَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ، وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ يَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ فَقُطِعَتْ
حُجَّتُهُمْ بِأَنْ أُمِرُوا، وَنُهُوا وَشُرِّعَتْ لَهُمُ الشَّرَائِعُ،
وَنُهِجَتْ لَهُمُ الْمَنَاهِجُ فَعَرَفُوا مَا يُرَادُ مِنْهُمْ،
وَزَالَتِ الشُّبْهَةُ عَنْهُمْ، وَالْآخَرُ أَنَّ الْحُجَّةَ الَّتِي
قُطِعَتْ هِيَ أَلَّا يَقُولُوا: إِنَّا رُكِّبْنَا تَرْكِيبَ شَهْوَةٍ،
وَغَفْلَةٍ، وَسُلِّطَ عَلَيْنَا الْهَوَى، وَوُضِعَتْ فِينَا
الشَّهَوَاتِ، فَلَوْ أُمْدِدْنَا بِمَنْ إِذَا سَهَوْنَا نَبَّهَنَا،
وَإِذَا مَالَ بِنَا الْهَوَى إِلَى وَجْهٍ قَوَّمَنَا لِمَا كَانَ مِنَّا
إِلَّا الطَّاعَةَ، وَلَكِنْ لَمَّا خُلِّينَا وَنُفُوسَنَا، وَوُكِّلْنَا
إِلَيْهَا، وَكَانَتْ أَحْوَالُنَا مَا ذَكَرْنَا غُلِّبَتِ الْأَهْوَاءُ
عَلَيْنَا، وَلَمْ نَمْلِكْ قَهْرَهَا، وَكَانَتِ الْمَعَاصِي مِنَّا
لِذَلِكَ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْحُجَّةَ الَّتِي قُطِعَتْ هِيَ أَنْ لَا
يَقُولُوا: قَدْ كَانَ فِي عُقُولِنَا حُسْنُ الْإِيمَانِ، وَالصِّدْقِ،
وَالْعَدْلِ وَشُكْرِ الْمُنْعِمِ وَقُبْحِ الْكَذِبِ، وَالْكُفْرِ،
وَالظُّلْمِ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْحَسَنَ
إِلَى الْقَبِيحِ عُذِّبَ بِالنَّارِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا، وَأَنَّ
مَنْ تَرَكَ الْقَبِيحَ إِلَى الْحَسَنِ أُثِيبَ بِالْجَنَّةِ خَالِدًا
مُخَلَّدًا فِيهَا لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا تُدْرِكُ بِالْعَقْلِ أَنَّ
لِلَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ خَلْقًا هُوَ الْجَنَّةُ، أَوْ خَلْقًا هُوَ
النَّارُ الْغَائِبَ، فَكَيْفَ يُدْرِكُ أَنَّ أَحَدَهُمَا مُعَدٌّ
لِلْعُصَاةِ، وَالْآخَرَ لِأَهْلِ الطَاعَةِ، وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّا
نُعَذَّبُ عَلَى مَعَاصٍ، وَذُنُوبٍ مُتَنَاهِيَةٍ عَذَابًا مُتَنَاهِيًا،
أَوْ غَيْرَ مُتَنَاهٍ، أَوْ نُثَابُ على الطَّاعَةِ الْمُتَنَاهِيَةِ
ثَوَابًا غَيْرَ مُتَنَاهٍ، لَمَا كَانَ مِنَّا إِلَّا الطَّاعَةُ فَقَطَعَ
اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْحُجَجَ كُلَّهَا بِبَعْثِة
الرُّسُلَ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ . ثُمَّ إِنَّ الْحَلِيمِيَّ -
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - احْتَجَّ فِي صِحَّةِ بَعْثِ الرُّسُلِ بِمَا
عَرَفَ مِنْ بُرُوجِ الْكَوَاكِبِ، وَعَدَدِهَا وَسَيْرِهَا، ثُمَّ بِمَا
فِي الْأَرْضِ مِمَّا يَكُونُ قُوتًا، وَمَا يَكُونُ دَوَاءً لِدَاءٍ
بِعَيْنِهِ، وَمَا يَكُونُ سُمًّا، وَمَا يَخْتَصُّ بِدَفْعِ ضَرَرِ
السُّمِّ، وَمَا يَخْتَصُّ بِجَبْرِ الْكَسْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
الْمَنَافِعِ، وَالْمَضَارِّ الَّتِي لَا تُدْرَكُ إِلَّا بِخَبَرٍ، ثُمَّ
بِوُجُودِ الْكَلَامِ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّ مَنْ وُلِدَ أَصَمَّ لَمْ
يَنْطِقْ أَبَدًا، وَمَنْ سَمِعَ لُغَةً، وَنَشَأَ عَلَيْهَا تَكَلَّمَ
بِهَا فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ سَمِعَ، وَأَنَّ أَوَّلَ
مَنْ تَكَلَّمَ مِنَ الْبَشَرِ تَكَلَّمَ عَنْ تَعْلِيمٍ وَوَحْيٍ كَمَا
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا }
[البقرة: 31]، وَقَالَ تَعَالَى: { خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ
الْبَيَانَ } [الرحمن: 4]، ثُمَّ إِنَّ كُلَّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ اللهُ
تَعَالَى إِلَى قَوْمٍ، فَلَمْ يُخَلِّهِ مِنْ آيَةٍ أَيَّدَهُ بِهَا،
وَحُجَّةٍ آتَاهَا إِيَّاهُ، وَجَعَلَ تِلْكَ الْآيَةَ مُخَالِفَةً
لِلْعَادَاتِ، إِذْ كَانَ مَا يُرِيدُ الرَّسُولُ إِثْبَاتَهُ بِهَا مِنْ
رِسَالَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرًا خَارِجًا، عَنِ الْعَادَاتِ
لِيُسْتَدَلَّ لِاقْتِرَانِ تِلْكَ الْآيَةِ بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ رَسُولُ
اللهِ" وَبَسَطَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - الْكَلَامَ فِي
ذَلِكَ إِلَى أَنْ قَالَ:" وَالْكَذِبُ عَلَى اللهِ تَعَالَى
وَالِافْتِرَاءُ عَلَيْهِ بِدَعْوَى الرِّسَالَةِ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ
أَعْظَمِ الْجِنَايَاتِ، فَلَا يَلِيقُ بِحِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى أَنْ
يَظْهَرَ عَلَى مَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ آيَةٌ نَاقِضَةٌ لِلْعَادَاتِ
فَيَفْتَتِنَ الْعِبَادُ بِهِ، وَقَدْ نزلَ اللهُ تعالى مِنْ هَذَا
الصَّنِعِ نَصًّا فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ - يَعْنِي نَبِيَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ
الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ
الْوَتِينَ } [الحاقة: 44]" قَالَ:" وَكُلُّ آيَةٍ آتَاهَا اللهُ رَسُولًا،
فَإِنَّهُ يُقَرِّرُ بِهَا عِنْدَ الرَّسُولِ أَوَّلًا أَنَّهُ رَسُولُ
حَقًّا، ثُمَّ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّهُ بِأن
يَعْلَمُ بِهَا نُبُوَّةَ نَفْسِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ لَهُ عَلَى قَوْمِهِ
دَلَالَةً سِوَاهَا، وَمُعْجِزَاتُ الرُّسُلِ كَانَتْ أَصْنَافًا
كَثِيرَةً، وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ أَعْطَى مُوسَى
عَلَيْهِ السَّلَامِ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ: الْعَصَا، وَالْيَدَ،
وَالدَّمَ، وَالطُّوفَانَ، وَالْجَرَادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفَادِعَ،
وَالطَّمْسَ، وَالْبَحْرَ، فَأَمَّا الْعَصَا فَكَانَتْ حُجَّتَهُ عَلَى
الْمُلْحِدِينَ وَالسَّحَرَةِ جَمِيعًا، وَكَانَ السِّحْرُ فِي ذَلِكَ
الْوَقْتِ فَاشِيًا، فَلَمَّا انْقَلَبَتْ عَصَاهُ حَيَّةً تَسْعَى،
وَتَلَقَّفَتْ حِبَالَ السَّحَرَةِ وَعِصِيَّهُمْ، عَلِمُوا أَنَّ
حَرَكَتْهَا عَنْ حَيَةِ حَادِثَةٍ فِيهَا حَقِيقَةِ، وَلَيْسَتْ مِنْ
جِنْسِ مَا يُتَخَيَّلُ بِالْحِيَلِ، فَجَمَعَ ذَلِكَ الدَّلَالَةَ عَلَى
الصُّانعِ، وَعَلَى نُبُوَّتِهِ جَمِيعًا، وَأَمَّا سَائِرُ الْآيَاتِ
الَّتِي لَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا مَعَ السَّحَرَةِ، فَكَانَتْ دَلَالَاتٍ
عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ الْقَائِلِينَ بِالدَّهْرِ، فَأَظْهَرَ اللهُ
تَعَالَى بِهَا صِحَّةَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ أَفْضَلُ
الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِنْ أَنَّ لَهُ وَلَهُمْ رَبًّا وَخالِقًا،
وَأَلَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحَدِيدَ لِدَاوُدَ، وَسَخَّرَ لَهُ
الْجِبَالَ وَالطَّيْرَ، فَكَانَتْ تُسَبِّحُ مَعَهُ بِالْعَشِيِّ
وَالْإِشْرَاقِ، وَأَقْدَرَ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ
الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى الْكَلَامِ فِي الْمَهْدِ، فَكَانَ
يَتَكَلَّمُ فِيهِ كَلَامَ الْحُكَمَاءِ، وَكَانَ يُحْيِي لَهُ الْمَوْتَى،
وَيُبْرِئُ بِدُعَائِهِ أَوْ بِيَدِهِ إِذَا مَسَحَ الْأَكْمَهَ،
وَالْأَبْرَصَ، وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ
الطَّيْرِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ، ثُمَّ
إِنَّهُ رَفَعَهُ مِنْ بَيْنِ الْيَهُودِ، لَمَّا أَرَادُوا قَتْلَهُ
وَصَلْبَهُ، فَعَصَمَهُ اللهُ تَعَالَى بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَخْلُصَ
أَلَمُ الْقَتْلِ، وَالصَّلْبِ إِلَى بَدَنِهِ، وَكَانَ الطِّبُّ عَامًّا
غَالِبًا فِي زَمَانِهِ، فَأَظْهَرَ اللهُ تَعَالَى بِمَا أَجْرَاهُ عَلَى
يَدَهِ، وَعَجَزَ الْحُذَّاقُ مِنَ الْأَطِبَّاءِ عَمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْ
ذَلِكَ بِدَرَجَاتٍ كَثِيرَةٍ، أَنَّ التعويلَ عَلَى الطَّبَائِعِ،
وَإِمْكَانَ مَا خَرَجَ عَنْهَا بَاطِلٌ وإنَّ لِلْعَالَمِ خَالِقًا،
وَمُدَبِّرًا، وَدَلَّ بِإِظْهَارِ ذَلِكَ لَهُ وَبُدُعَائِهِ عَلَى
صِدْقِهِ . وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ . وَأَمَّا الْمُصْطَفَى نَبِيُّنَا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ صَلَوَاتُ اللهِ
عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَصَحْبِهِ
أَجْمَعِينَ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ الرُّسُلِ آيَاتٍ وبَيِّنَاتٍ، وَذَكَرَ
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَعْلَامَ نُبُوَّتِهِ تَبْلُغُ أَلْفًا،
فَأَمَّا الْعِلْمُ الَّذِي اقْتَرَنَ بِدَعْوَتِهِ، وَلَمْ يَزَلْ
يَتَزَايَدُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، وَدَامَ فِي أُمَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ
فَهُوَ الْقُرْآنُ الْمُعْجِزُ الْمُبِينُ، الَّذِي هُوَ كَمَا وَصَفَهُ
بِهِ مَنْ أَنْزَلَهُ، فَقَالَ: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا
يَأْتِيَهُ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ
مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 41] وَقَالَ تَعَالَى: { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ
كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الواقعة: 77] وَقَالَ: { بَلْ هُوَ
قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظِ } [البروج: 21] وَقَالَ: { إِنَّ
هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ } [آل عمران: 62]، وَقَالَ: { وَهَذَا
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ، وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ } [الأنعام: 155] وَقَالَ: { إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ
ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي
سَفْرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [عبس: 11]، وَقَالَ: { قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا
الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
ظَهِيرًا } [الإسراء: 88] فَأَبَانَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - أَنَّهُ
أَنْزَلَهُ عَلَى وَصْفٍ مُبَايِنٍ لِأَوْصَافِ كَلَامِ الْبَشَرِ
لِأَنَّهُ مَنْظُومٌ، وَلَيْسَ بِمَنْثُورٍ، وَنَظْمُهُ لَيْسَ نَظْمَ
الرَّسَائِلِ، وَلَا نَظْمَ الْخُطَبِ، وَلَا نَظْمَ الْأَشْعَارِ، وَلَا
هُوَ كَأَسْجَاعِ الْكُهَّانِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ أَحَدًا لَا يَسْتَطِيعُ
أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَتَحَدَّاهُمْ عَلَى
الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ إِنِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ
أَوْ ظَنُّوهُ، فَقَالَ تَعَالَى: { فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ
مُفْتَرَيَاتٍ } [هود: 13]، ثُمَّ نَقَصَهُمْ تِسْعًا، فَقَالَ: { فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ } [البقرة: 23]، فَكَانَ ما يقصه مِنَ الْأَمْرِ
غَيْرَ أَنَّ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ دَلَالَةً، وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ غَيْرَ مَدْفُوعٍ عِنْدَ
الْمُوَافِقِ وَالْمُخَالِفِ عَنِ الْحَصَافَةِ وَالْمَتَانَةِ وَقُوَّةِ
الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، وَكَانَ مَعَ
ذَلِكَ قَدِ انْتَصَبَ لِدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى دِينِهِ لَمْ يَجُزٍ
بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ: أَنِ ائْتُوا بِسُورَةٍ
مِنْ مِثْلِ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوهُ
إِنْ أَتَيْتُمْ بِهِ، فَأَنَا كَاذِبٌ وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ
أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ فِي
قَوْمِهِ مَنْ يُعَارِضُهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ بَطَلَتْ
دَعْوَاهُ، فَهَذَا إِلَى أَنْ نُذْكَرَ مَا بَعْدَهُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ
عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِلْعَرَبِ أَنِ ائْتُوا بِمِثْلِهِ إِنِ
اسْتَطَعْتُمُوهُ، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوهُ إِلَّا وَهُوَ وَاثِقٌ
مُتَحَقِّقٌ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
هَذَا الْيَقِينُ وَقَعَ لَهُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ رَبِّهِ الَّذِي أَوْحَى
إِلَيْهِ بِهِ فَوَثِقَ بِخَبَرِهِ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ، وَأَمَّا مَا
بَعْدَ هَذَا فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ لَهُمْ:" ائْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"
فَطَالَتِ الْمُهْلَةُ وَالنَّظِرَةُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَتَوَاتَرَتِ
الْوَقَائِعُ وَالْحُرُوبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَقُتِلَتْ
صَنَادِيدُهُمْ، وَسُبِيَتْ ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ، وَانْتُهِبَتْ
أَمْوَالُهُمْ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدُ لمُعَارَضَتِهِ فَلَوْ قَدَرُوا
عَلَيْهَا لَافْتَدَوْا بِهَا أَنْفُسَهُمْ، وَأَوْلَادَهُمْ وَأهَالِيهِمْ
وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا سَهْلًا
عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا أَهْلَ لِسَانٍ وَفَصَاحَةٍ وَشِعْرٍ وَخَطَابَةٍ،
فَلَمَّا لَمْ يَأْتُوا بِذَلِكَ وَلَا ادَّعُوهُ صَحَّ أَنَّهُمْ
كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْهُ، وَفِي ظُهُورِ عَجْزِهِمْ بَيَانُ أَنَّهُ فِي
الْعَجْزِ مِثْلُهُمْ إِذْ كَانَ بَشَرًا مِثْلُهُمْ لِسَانُهُ لِسَانُهُمْ
وَعَادَتُهُ عَادَتُهُمْ وَطِبَاعُهُ طِبَاعُهُمْ وَزَمَانُهُ
زَمَانُهُمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ فَوَجَبَ
الْقَطْعُ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى جَدُّهُ لَا مِنْ عِنْدِهِ
وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ . فَإِنْ ذَكَرُوا سَجْعَ مُسَيْلِمَةَ فَكُلُّ
مَا جَاءَ بِهِ مُسَيْلِمَةُ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ مُحَاكَاةً
وَسَرِقَةً وَبَعْضُهُ كَأَسَاجِيعِ الْكُهَّانِ، وَأَرَاجِيزِ الْعَرَبِ،
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا هُوَ
أَحْسَنُ لَفْظًا، وَأَقُومُ مَعْنًى، وَأَبَيْنُ فَائِدَةً، ثُمَّ لَمْ
تَقُلْ لَهُ الْعَرَبُ هَا أَنْتَ تَتَحَدَّانَا عَلَى الْإِتْيَانِ
بِمِثْلِ الْقُرْآنِ، وَتَزْعُمُ أَنَّ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ لَوِ
اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ،
ثُمَّ قَدْ جِئْتَ بِمِثْلِهِ مُفْتَرًى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللهِ
وَذَلِكَ قَوْلُهُ:" أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبْ" وَقَوْلُهُ:"
[البحر الرجز]
تَاللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا"
وَقَوْلُهُ:"
إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَهْ فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ
وَالْمُهَاجِرِهْ" وَقَوْلُهُ:" تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ،
وَالدِّرْهَمِ، وَعَبْدِ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا رَضِيَ،
وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ، وَانْتَكَسَ - وَإِنْ شِيكَ - فَلَا
انْتَقَشَ" فَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا
يُشْبِهُ الْقُرْآنَ، وَأَنَّ فِيهِ كَثِيرًا" كَقَوْلِهِ: وَحَكَى
الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَشْعَرِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى -
فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ:" يَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّظْمُ قَدْ كَانَ، فِيمَا بَيْنَهُمْ فَعَجَزُوا
عَنْهُ عِنْدَ التَّحَدِّي، فَصَارَ مُعْجِزَةً لِأَنَّ إِخْرَاجَ مَا فِي
الْعَادَةِ عَنِ الْعَادَةِ نَقْضٌ لِلْعَادَةِ كَمَا أَنَّ إِدْخَالَ مَا
لَيْسَ فِي الْعَادَةِ فِي الْفِعْلِ نَقْضٌ لِلْعَادَةِ - وَبَسَطَ
الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ - وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ ظَهَرَتْ بِذَلِكَ
مُعْجِزَتُهُ، وَاعْتَرَفَتِ الْعَرَبُ بِقُصُورِهِمْ عَنْهُ وَعَجَزِهِمْ
عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ
133 - حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، " أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَكَأَنَّ رَقَّ لَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ، فَذَكَرَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا إِلَى أَنْ قَالَ الْوَلِيدُ: وَاللهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمُ بِرَجَزِهِ وَلَا بِقَصِيدَتِهِ مِنِّي، وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ، وَاللهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَاللهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ: حَلَاوَةً وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلَهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يَعْلَى، وَإِنَّهُ لَيُحَطِّمُ مَا تَحْتَهُ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ مَوْصُولًا، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا، وَذَكَرَ الْآيَةَ الَّتِي قَرَأَهَا { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ } [النحل: 90] "
وَرُوِّينَا مِنْ وَجْهٍ
آخَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَتَمَّ مِنْ ذَلِكَ: " حِينَ اجْتَمَعَ
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَنَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَدْ حَضَرَ
الْمَوْسِمُ لِيَجْتَمِعُوا عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَقُولُونَ: فِي
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوُفُودِ الْعَرَبِ،
فَقَالُوا: فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ فَقُلْ وَأَقِمْ لنا رَأَيًا
نَقُومُ بِهِ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا: أَسْمَعُ فَقَالُوا:
نَقُولُ كَاهِنٌ . فَقَالَ: مَا هُوَ بِكَاهِنٍ . لَقَدْ رَأَيْتُ
الْكُهَّانَ فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكَاهِنِ وَسِحْرِهِ، فَقَالُوا:
نَقُولُ مَجْنُونٌ . فَقَالَ: مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ، وَلَقَدْ رَأَيْنَا
الْجُنُونَ، وَعَرَفْنَاهُ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ، وَلَا تَخَالُجِهِ،
وَلَا وَسْوَسَتِهِ، فَقَالُوا: نَقُولُ شَاعِرٌ قَالَ: مَا هُوَ
بِشَاعِرٍ، وَلَقَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ بِرَجَزِهِ وَهَزَجِهِ،
وَقَرِيضِهِ، وَمَقْبُوضِهِ وَمَبْسُوطِهِ، فَمَا هُوَ بِالشِّعْرِ
قَالُوا: فَنَقُولُ هُوَ سَاحِرٌ قَالَ: فَمَا هُوَ بِسَاحِرٍ لَقَدْ
رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلَا
عَقْدِهِ، فَقَالُوا: فَمَا تَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ قَالَ:
وَاللهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ أَصْلَهُ لَمُغْدِقٌ،
وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجَنًى، فَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا
إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ أَنْ
تَقُولُوا: سَاحِرٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ، وَبَيْنَ أَبِيهِ وَبَيْنَ
الْمَرْءِ، وَبَيْنَ أَخِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ،
وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ عَشِيرَتِهِ فَتُفَرِّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ،
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: {
ذَرْنِي، وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } [المدثر: 11] إِلَى قَوْلِهِ: {
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } [المدثر: 26]
134 - " أَخْبَرَنَاهُ أَبُو
عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حدثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، - رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا -، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ اجْتَمَعَ وَنَفَرٌ
مِنْ قُرَيْشٍ فَذَكَرَهُ . " وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ دَلَائِلِ
النُّبُوَّةِ فِي الْجُزْءِ الثَّامِنِ مِنْهُ مَعَ سَائِرِ مَا وَرَدَ،
عَنِ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَغَيْرِهِمَا
فِيمَا قَالُوا: عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَاعْتَرَفُوا بِهِ مِنْ
أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا مِثْلَهُ، وَفِي الْقُرْآنِ وَجْهَانِ آخران
لِلْإِعْجَازِ: أَحَدُهُمَا مَا فِيهِ مِنَ الْخَبَرِ، عَنِ الْغَيْبِ،
وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } [التوبة: 33]، وَقَوْلِهِ: {
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ } [النور: 55]، وَقَوْلِهِ فِي
الرُّومِ: { وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ
سِنِينَ } [الروم: 4]، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وَعْدِهِ إِيَّاهُ
بِالْفُتُوحِ فِي زَمَانِهِ وَبَعْدَهُ، ثُمَّ كَانَ كَمَا أَخْبَرَ،
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَعْلَمُ
النُّجُومَ وَلَا الْكِهَانَةَ، وَلَا يُجَالِسُ أَهْلَهَا . وَالْآخَرُ:
مَا فِيهِ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ قَصَصِ الْأَوَّلِينَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ
ادُّعِيَ عَلَيْهِ فِيمَا وَقَعَ الْخَبَرُ عَنْهُ مِمَّنْ كَانَ مِنْ
أَهْلِ تِلْكَ الْكُتُبِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ كِتَابًا، وَلَا يَخُطُّهُ، وَلَا
يُجَالِسُ أَهْلَ الْكِتَابِ لِلْأَخْذِ عَنْهُمْ، وَحِينَ زَعَمَ
بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ رَدَّ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ
عَلَيْهِ فَقَالَ: { لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ،
وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } [النحل: 103] "
135 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي التَّفْسِيرِ، أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حدثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حدثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " قَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنَّمَا يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا عَبْدٌ لِابن الْحَضْرَمِيِّ رُومِيٌّ، وَكَانَ صَاحِبَ كُتُبٍ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونُ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ } [النحل: 103] - أَيْ يَتَكَلَّمُ بِالرُّومِيَّةِ - { وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } [النحل: 103] " " أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ فَقَالَ: عَنْ مُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . . . . . "
136 - وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، حدثنا وَرْقَاءُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: " كَانَ لَنَا غُلَامَانِ نَصْرَانِيَّانِ مِنْ أَهْلِ عَيْنِ التَّمْرِ ويُسَمَّى أَحَدُهُمَا: يَسَارٌ، وَالْآخَرُ: جَبْرٌ، وكانا صيقلين وَكَانَا يَقْرَآنِ كِتَابًا لَهُمَا، فَرُبَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّمَا يَتَعَلَّمُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمَا فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ " وَزَعَمَ الْكَلْبِيُّ فِيمَا رَوَى عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا " أَنَّهُمَا كَانَا أَسْلَمَا، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيهُمَا فَيُحَدِّثُهُمَا، وَيُعَلِّمُهُمَا، وَكَانَا يَقْرَآنِ كِتَابَيهُمَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَمَنْ تَعَلَّقَ بِمثل هَذَا الضَّعِيفِ لَمْ يَسْكُتْ عَنْ شَيْءٍ يَتَّهِمُهُ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَوِ اتَّهَمُوهُ بِشَيْءٍ مِمَّا نَفَيْنَاهُ عَنْهُ لَذَكَرُوهُ، وَلَمْ يَسْكُتُوا عَنْهُ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ وَبَسَطَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - كَلَامَهُ فِي الْإِشَارَةِ إِلَى مَا فِي كِتَابِ اللهِ تعالى مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِعْجَازِ، ثُمَّ إِنَّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَ الْقُرْآنِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ: " إِجَابَةَ الشَّجَرَةِ إِيَّاهُ لَمَّا دَعَاهَا، وَتَكُلُّمَ الذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ إِيَّاهُ، وَازْدِيَادَ الطَّعَامِ لِأَجْلِهِ حَتَّى أَصَابَ مِنْهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَخُرُوجَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فِي الْمِخْضَبِ حَتَّى تَوَضَّأَ مِنْهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَحَنِينَ الْجِذْعِ، وَظُهُورَ صِدْقِهِ فِي مُغَيَّبَاتٍ كَثِيرَةٍ أَخْبَرَ عَنْهَا " وَغَيْرَ هَذِهِ كَمَا قَدْ ذُكِرَ، وَدُوِّنَ وَفِي الْوَاحِدِ مِنْهَا كِفَايَةٌ غَيْرَ أَنَّ اللهَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - لَمَّا جَمَعَ لَهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْثُهُ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عَامَّةً، وَالْآخَرُ خَتْمُهُ النُّبُوَّةَ بِهِ ظَاهَرَ لَهُ بَيْنَ الْحُجَجِ حَتَّى إِنْ شَذَّتْ وَاحِدَةٌ عَنْ فَرِيقٍ بَلَغَتْهُمْ أُخْرَى، وَإِنْ لَمْ تَنْجَعْ وَاحِدَةٌ نَجَعَتْ أُخْرَى، وَإِنْ دَرَسَتْ عَلَى الْأَيَّامِ وَاحِدَةٌ بَقِيَتْ أُخْرَى، وَلِلَّهِ فِي كُلِّ حَالٍ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى نَظَرِهِ لِخَلْقِهِ وَرَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ كَمَا يَسْتَحِقُّهُ . وَذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تعالى - فُصُولًا فِي الْكَهَنَةِ، وَمُسْتَرْقِي السَّمْعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ ومَا وُجِدَ مِنَ الْكَهَنَةِ، وَالْجِنِّ فِي تَصْدِيقِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِشَارَاتِهِمْ علَى أَوْلِيَائِهِمِ من الْإِنْسِ بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى مُؤْمِنِي الْجِنِّ أَنْ يَحْمِلُوا أَوْلِيَاءَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى اللهِ، أَوْ عَلَى مُتَابَعَةِ مَنْ يَكْذِبُ عَلَى اللهِ، وَعَلَى كُفَّارِهِمْ أَنْ يَأْمُرُوا أَوْلِيَاءَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِمَنْ كَفَرُوا بِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْهُمْ إِنَّمَا هُوَ لِمَعْرِفَةٍ وَقَعَتْ لَهُ لصِدْقِهِ لِمَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الْإِنْسِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ "
137 - أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، حدثنا يَحْيَى هُوَ ابْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَما أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: " وَبَلَغَنى أَنَّ جَوَامِعَ الْكَلِمِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَمَعَ لَهُ الْأُمُورَ الْكَبيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ وَالْأَمْرَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
138 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُحَمَّدَ آبَادِيُّ، حدثنا أَبُو بَكْرٍعُمَرُ بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسِيُّ، حدثنا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا جُوَيْرِيَةُ بْنُ بَشِيرٍ الْهُجَيْمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ، قَرَأَ يَوْمًا هَذِهِ الْآيَةَ: { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ } [النحل: 90] إِلَى آخِرِهَا ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَمَعَ لَكُمُ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ فَوَاللهِ مَا تَرَكَ الْعَدْلُ، وَالْإِحْسَانُ مِنْ طَاعَةِ اللهِ شَيْئًا إِلَّا جَمَعَهُ، وَلَا تَرَكَ الْفَحْشَاءُ ، وَالْمُنْكَرُ وَالْبَغْيُ، مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ شَيْئًا إِلَّا جَمَعَهُ "
الثَّالِثُ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ بَابٌ فِي الْإِيمَانِ بِالْمَلَائِكَةِ " وَالْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ يَنْتَظِمُ مَعَانِيَ أَحَدُهَا: التَّصْدِيقُ بِوُجُودِهِمْ . وَالْآخَرُ: إِنْزَالُهُمْ مَنَازِلَهُمْ، وَإِثْبَاتُ أَنَّهُمْ عِبَادُ اللهِ، وَخَلْقُهُ كَالْإِنْسِ، وَالْجِنِّ مَأْمُورُونَ مُكَلَّفُونَ لَا يَقْدِرُونَ إِلَّا عَلَى مَا قَدِّرُهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَالْمَوْتُ عَلَيْهِمْ جَائِزٌ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُمْ أَمَدًا بَعِيدًا، فَلَا يَتَوَفَّاهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوهُ، وَلَا يُوصَفُونَ بِشَيْءٍ يُؤَدِّي وَصْفَهُمْ بِهِ إِلَى إِشْرَاكِهِمْ بِاللهِ تَعَالَى جَدُّهُ، وَلَا يَدَّعُونَ آلِهَةُ كَمَا ادَّعَتْهُمُ الْأَوَائِلُ . وَالثَّالِثُ الِاعْتِرَافُ بِأَنَّ مِنْهُمْ رُسُلَ اللهِ يُرْسِلُهُمْ إِلَى مَنْ يَشَاءُ مِنَ الْبَشَرِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَ بَعْضَهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَيَتْبَعَ ذَلِكَ الِاعْتِرَافُ بِأَنَّ مِنْهُمْ حَمَلَةَ الْعَرْشِ، وَمِنْهُمُ الصَّافُّونَ، وَمِنْهُمْ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ، وَمِنْهُمْ خَزَنَةُ النَّارِ، وَمِنْهُمْ كَتَبَةُ الْأَعْمَالِ، وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يَسُوقُونَ السَّحَابَ، وَقَدْ وَرَدَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ كُلِّهِ، أَوْ بِأَكْثَرِهِ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي الْإِيمَانِ بِهِمْ خَاصَّةً: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } [البقرة: 285] "
فَصْلُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " مِنَ النَّاسِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَحْيَاءَ الْعُقَلَاءَ النَّاطِقِينَ فَرِيقَانِ: إِنْسٌ وَجِنٌّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ صِنْفَانِ أَخْيَارٌ وَأَشْرَارٌ، فَأَخْيَارُ الْإِنْسِ يُدْعَوْنَ أَبْرَارًا، ثُمَّ يَنْقَسِمُونَ إِلَى رُسُلٍ وَغَيْرِ رُسُلٍ، وَأَشْرَارُهُمْ يُدْعَوْنَ فُجَّارًا ثُمَّ يَنْقَسِمُونَ إِلَى كُفَّارٍ، وَغَيْرِ كُفَّارٍ، وَأَخْيَارُ الْجِنِّ يُسَمَّوْنَ مَلَائِكَةً، ثُمَّ يَنْقَسِمُونَ إِلَى رُسُلٍ وَغَيْرِ رُسُلٍ، وَأَشْرَارُهُمْ يُدْعَوْنَ شَيَاطِينَ، ثُمَّ قَدْ يُسْتَعَارُ هَذَا الِاسْمُ لِفُجَّارِ الْإِنْسِ تَشْبِيهًا لَهُمْ بِفُجَّارِ الْجِنِّ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ هَذَا التَّفْسِيرُ، وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْجِنَّ مِنْهُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ، وَمِنْهُمْ سُكَّانُ السَّمَاءِ فَالَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ السَّمَاءِ يُدْعَوْنَ الْمَلَأَ الْأَعْلَى، وَيَدْعُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَالَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ هُمُ الْجِنُّ بِالْإِطْلَاقِ، وَيَنْقَسِمُونَ إِلَى أَخْيَارٍ وَفُجَّارٍ، وَمُؤْمِنِينَ، وَكَافِرِينَ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمَلَأِ الْأَعْلَى مَلَائِكَةٌ لِأَنَّهُمْ مُسْتَصْلَحُونَ لِلرِّسَالَةِ الَّتِي تُسَمَّى الْوَلَا، وَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ أَصْلُهُ مَالِكٌ، وَأَنَّ مِلَاكَ مَقْلُوبٌ، وَأَنَّهُ قِيلَ: الْوَاحِدُ الْمَلَائِكَةُ مَالِكٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ مَوْضِعٌ لِلرِّسَالَةِ بِكَوْنِهِ مُصْطَفًى مُخْتَارًا لِلسَّمَاءِ أَنْ يَسْكُنَهَا إِذْ كَانَتِ الرِّسَالَةُ مِنْهَا تَأْتِي سُكَّانَ الْأَرْضِ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا قَالَ أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْهُمْ مَعْنًى، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فِي آيَةٍ أُخْرَى: { إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [الكهف: 50] فَأَبَانَ أَنَّ
الْمَأْمُورِينَ بِالسُّجُودِ كَانُوا طَبَقَةً وَاحِدَةً إِلَّا أَنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا عَصَى، وَلُعِنَ صَارَ مِنَ الْجِنِّ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ الْأَرْضَ، وَأَيْضًا إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ عَنِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللهِ فَقَالَ تَعَالَى: { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا } [الصافات: 158] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مِنَ الْجِنِّ، وَأَنَّ النَّسَبِ الَّذِي جَعَلُوهُ بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْجِنِّ قَوْلُهُمُ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ تَعَالَى عَمَّا قَالُوا عُلُوًّا كَبِيرًا، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِنْسَ هُمُ الظَّاهِرُونَ وَالْجِنَّ هُمُ الْمُجْتَنُّونَ، وَالْمَلَائِكَةُ مُجْتَنُّونَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَ الْخَلَائِقَ قَالَ: { خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ } [الرحمن: 15] فَلَوْ كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ صِنْفًا ثَالِثًا لَمَا كَانَ يَدَعُ أَشْرَافَ الْخَلَائِقِ فَلَا يَتَمَدَّحُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى خَلْقِهِ " قَالَ: " وَمَنْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ إِنَّ سُكَّانَ الْأَرْضِ يَنْقَسِمُونَ إِلَى إِنْسٍ وَجِنٍّ، فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ عَنْ هَذَا الْحَدِّ لَمْ يَلْحَقْهُ اسْمُ الْإِنْسِ وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا، وَلَا اسْمُ الْجِنِّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرْئِيٍّ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَيْرُ الْجِنِّ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَخْبَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ سَبَبِ مُفَارَقَتِهِ الْمَلَائِكَةَ فَقَالَ: { إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [الكهف: 50] فَلَوْ كَانَ كُلُّهُمْ جِنًّا لَاشْتَرَكُوا
فِي الِامْتِنَاعِ عَنِ السُّجُودِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ، وَفِي هَذَا مَا أَبَانَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ خَيْرٌ وَالْجِنَّ خَيْرٌ وَأَنَّهُمَا فَرِيقَانِ شَتَّى، وَإِنَّمَا دَخَلَ إِبْلِيسُ فِي الْأَمْرِ الَّذِي خُوطِبَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي مُسَاكَنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَمُجَاوَرَتِهِمْ بِحُسْنِ عِبَادَتِهِ، وَشِدَّةِ اجْتِهَادِهِ فَجَرَى فِي عِدَادِهِمْ، فَلَمَّا أُمِرَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ دَخَلَ فِي الْجُمْلَةِ الْمَلَكُ الْأَصْلِيُّ، وَالْمُلْحَقُ بِهِمْ غَيْرَ أَنَّ مُفَارَقَتَهُ الْمَلَائِكَةَ فِي أَصْلِ جَبَلَتِهِ حَمَلَتْهُ عَلَى مُفَارَقَتِهِمْ فِي الطَّاعَةِ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [الكهف: 50]، وَأَمَّا قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا } [الصافات: 158] فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ تَسْمِيَتُهُمُ الْأَصْنَامَ آلِهَةً وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهَا بَنَاتُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَقَرُّبُهُمْ بِعِبَادَتِهَا إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ حِينَ كَانَ شَيَاطِينُ الْجِنِّ يَدْخُلُونَ أَجْوَافَهَا وَيُكَلِّمُونَهُمْ مِنْهَا، فَكَانُوا يَنْسِبُونَ ذَلِكَ الْكَلَامَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا } [الصافات: 158] لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْأَصْنَامَ لِمَكَانِ تَكْلِيمِ الْجِنَّةِ إِيَّاهُمْ مِنْ أَجْوَافِهَا آلِهَةً، وَادَّعَوْا أَنَّهَا بَنَاتُ اللهِ فَأَثْبَتُوا بَيْنَ اللهِ تَعَالَى، وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا جَهْلًا مِنْهُمْ "
139 - قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، حدثنا آدَمُ ، حدثنا وَرْقَاءُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا } [سورة : الصافات ، آية رقم : 158] قَالَ : " قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ : الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ تَعَالَى ، فَقَالَ لَهُمْ : أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَمَنْ أُمَّهَاتُهُمْ ؟ فَقَالُوا : بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } [سورة : الصافات ، آية رقم : 158] يَقُولُ : إِنَّهَا سَتَحْضُرُ الْحِسَابَ " ، قَالَ : " وَالْجِنَّةُ هِيَ الْمَلَائِكَةُ " وَرُوِّينَا ، عنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ : " جَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ بَنَاتَ اللهِ مِنَ الْجِنِّ ، وَكَذَبَ أَعْدَاءُ اللهِ " ، وَعَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ : " قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ اللهَ صَاهَرَ الْجِنَّ ، فَخَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ "
وَرُوِّينَا، عَنِ الْكَلْبِيِّ
أَنَّهُ قَالَ: " يَقُولُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمِ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ
اللهِ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ
إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } [الصافات: 158] مُحْضَرُونَ النَّارَ الَّذِينَ
قَالُوا الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ، قال وَيُقَالُ نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ فِي الزَّنَادِقَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: خَلَقَ اللهُ
النَّاسَ، وَالدَّوَابَّ، وَالْأَنْعَامَ، فَقَالَ: إِبْلِيسُ
لَأَخْلُقَنَّ خَلْقًا أَضُرُّهُمْ به فَخَلَقَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ
وَالسِّبَاعَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ،
وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا } [الصافات: 158] قَالُوا: هُوَ إِبْلِيسُ
أَخْزَاهُ اللهُ تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ "
140 -
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّهَّانُ، أخبرنا الْحُسَيْنُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
نَصْرٍ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ بِلَالٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنِ
الْكَلْبِيِّ فَذَكَرَهُ قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "
وَأَمَّا قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ
صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ }
[الرحمن: 15] فَإِنَّمَا هُوَ بَيَانُ مَا رَكَّبَهُ مِنْ خَلْقٍ
مُتَقَدِّمٍ، فَلَمْ تَدْخُلِ الْمَلَائِكَةُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مُخْتَرَعُونَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَهُمْ كُونُوا فَكَانُوا كَمَا قَالَ: لِلْأَصْلِ الَّذِي مِنْهُ خَلْقُ الْجِنِّ، وَالْأَصْلُ الَّذِي خَلَقَ مِنْهُ الْإِنْسَ هُوَ: التُّرَابُ، وَالْمَاءُ والنار وَالْهَوَاءُ كُنْ فَكَانَ، فَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي الِاخْتِرَاعِ كَأُصُولِ الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ لَا كَأَعْيَانِهِمْ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرُوا مَعَهُمْ، وَاللهُ أَعْلَمُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " وَأَبَيْنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ صِنْفٌ غَيْرَ الْجِنِّ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا "
141 - وَذَلِكَ فيمَا أَخْبَرَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو الْأَزْهَرِ، وَحِمْدَانُ السُّلَمِيُّ قَالُوا: حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ " وَفِي فَصْلِهِ بَيْنَهُمَا فِي الذِّكْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نُورًا، آخَرَ غَيْرَ نُورِ النَّارِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ "
142 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: " إِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَبِيلَةً يُقَالُ: لَهَا الْجِنُّ، وَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْهَا، وَكَانَ يَسُوسُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَسَخِطَ اللهُ عَلَيْهِ فَمَسَخَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " فَهَذَا إِنْ ثَبَتَ دَلَّ عَلَى مُفَارَقَةِ هذه الْقَبِيلَةِ غَيْرَهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فِي التَّسْمِيَةِ " وَزَعَمَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: " أَنَّ خَلْقَ إِبْلِيسَ، وَخَلْقَ هَؤُلَاءِ وَقَعَ مِنْ نَارِ السَّمُومِ، وَمِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَهُمْ كَانُوا خُزَّانَ الْجَنَّةِ رَأَسَهُمْ إِبْلِيسُ، وَكَانُوا أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَهَبَطُوا إِلَى الْأَرْضِ حِينَ اقْتَتَلَتِ الْجِنُّ الَّذِينَ كَانُوا سُكَّانَ الْأَرْضِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَوْحَى الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30] " وَزَعَمَ الْكَلْبِيُّ: " أَنَّهُمْ كَانُوا خُزَّانَ الْجِنَانِ يُقَالُ: لِذَلِكَ الْجِنَّةُ، الْجِنُّ، اشْتُقَّ لَهُمُ اسْمٌ مِنَ الْجَنَّةِ، وَكَانَ مَعَ إِبْلِيسَ أَقَالِيدُ الْجِنَانِ، وَخَلَقَهُ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَهِيَ نَارٌ لَا دُخَانَ لَهَا فَاقْتَتَلَ الْجِنُّ بَنُو الْجَانِّ، فِيمَا بَيْنَهُمْ فَبَعَثَ اللهُ تَعَالَى إِبْلِيسَ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي جُنْدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَهَبَطُوا إِلَى الْأَرْضِ، وَأَخْرَجُوا الْجِنَّ بَنِي الْجَانِّ مِنْهَا وَأَلْحَقُوهُمْ بِجَزَائِرِ الْبَحْرِ، وَسَكَنُوا الْأَرْضَ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَهُمْ: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30]، وَلَمْ يَعْنِ بِهِ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ إِنْ كَانَ خَلْقُ هَؤُلَاءِ أَيْضًا وَقَعَ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ أَنْ يَكُونُوا إِنَّمَا يُسَمَّوْنَ الْجِنَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَلْبِيُّ، أَوْ لِمُوَافَقَتِهِمِ الْجِنَّ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَخَلْقُ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقْعٌ مِنْ نُورٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَقَوْلُهُ: { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا } [الصافات: 158] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ هَذِهِ الْقَبِيلَةَ الَّتِي يُقَالُ: لَهَا الْجِنُّ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ " قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مُفَارَقَةِ الْجِنِّ الْمَلَائِكَةَ، أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَسْأَلُ الْمَلَائِكَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فَيَقُولُ لَهُمْ: { أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ } [سبأ: 40]، فَيَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: { سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ } [سبأ: 41] فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَيْرُ الْجِنِّ " فَقَالَ البيهقي رَحِمَهُ اللهُ: " وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّبَرِّي مِنَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى الَّذِينَ كَانُوا لَا يُسَمَّوْنَ جِنًّا، وَاللهُ أَعْلَمُ "
143 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَصَمِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: " إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ الَّتِي تُوقِدُونَ لَجَزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْء مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ وَأَنَّ السَّمُومَ الْحَارَّ الَّتِي خَلَقَ اللهُ تَعَالَى مِنْهَا الْجَانَّ لَجُزْءُ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ "
144 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ، حدثنا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حدثنا عَبَّادٌ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: " كَانَ اسْمُ إِبْلِيسَ عَزَازِيلَ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ ذَوِي الْأَرْبَعَةِ الْأَجْنِحَةِ، ثُمَّ أَبْلَسَ بَعْدُ "
145 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: " كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ، وَكَانَ يُدَبِّرُ أَمْرَ السَمَاءِ الدُّنْيَا "
146 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَا: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حدثنا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ زُفَرَ، حدثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: { كَانَ مِنَ الْجِنِّ } [الكهف: 50] قَالَ: " كَانَ مِنَ الْجَنَّانِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْجَنَّةِ " قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: " ثُمَّ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُسَمَّوْنَ رُوحَانِيِّينَ بِضَمِ الرَّاءِ، وَسَمَّى الله عَزَّ وَجَلَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الرُّوحَ الْأَمِينَ، وَرُوحَ الْقُدُسِ وَقَالَ: { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا } [النبأ: 38] فَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِيلَ إِنَّهُ مَلَكٌ عَظِيمٌ سِوَى جِبْرِيلَ يَقُومُ وَحْدَهُ صَفًّا، وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ الرُّوحُ جَوْهَرٌ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُؤَلِّفَ اللهُ عز وجل، أَرْوَاحًا فَيُجَسِّمَهَا وَيَخْلُقَ خَلْقًا نَاطِقًا عَاقِلًا، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَجْسَامُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ مُخْتَرَعَةً كَمَا اخْتَرَعَ عِيسَى، وَنَاقَةَ صَالِحٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ رَوْحَانِيُّونَ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - بِمَعْنَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَحْصُورِينَ فِي الْأَبْنِيَةِ، وَالظُّلَلِ وَلَكِنَّهُمْ فِي فُسْحَةٍ، وَبَسَاطَةٍ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ هُمُ الرُّوحَانِيُّونَ وَمَلَائِكَةَ الْعَذَابِ هُمُ الْكَرُوبِيُّونَ فَهَذَا مِنَ الْكَرْبِ، وَذَاكَ مِنَ الرُّوحِ وَاللهُ أَعْلَمُ " قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: وَذَكَرَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: " أَنَّ الْكَرُوبِيِّينَ سُكَّانُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ يَبْكُونَ، وَيَنْتَحِبُونَ " " وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَخْبَارَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي تَفْسِيرِ الرُّوحِ، وَالْمَلَكِ الَّذِي يُسَمَّى رُوحًا فِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ قَدِيمًا، وَحَدِيثًا فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالْبَشَرِ فَذَهَبَ ذَاهِبُونَ إِلَى أَنَّ الرُّسُلَ مِنَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنَ الرُّسُلِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالْأَوْلِيَاءُ مِنَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمَلَأَ الْأَعْلَى مُفَضَّلُونَ عَلَى سُكَّانِ الْأَرْضِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ "
147 - وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أخبرنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، حدثنا أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حدثنا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ، حدثنا عُرْوَةُ بْنُ رُوَيْمٍ، عَنِ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَمَّا خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذُرِّيَّتَهُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبُّ خَلَقْتَهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ، وَيَنْكِحُونَ وَيَرْكَبُونَ فَاجْعَلْ لَهُمُ الدُّنْيَا، وَلَنَا الْآخِرَةَ، فَقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لَا أَجْعَلُ مَنْ خَلَقْتُهُ بِيَدَيَّ، وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي كَمَنْ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: " وَقَالَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ وَفِي ثُبُوتِهِ نَظَرٌ، وَمَنْ قَالَ فِي الْمَلَائِكَةِ هُمْ قَبِيلَانِ أَشْبَهُ أَنْ يَقُولَ: فِي هَذَا أَرَادَ الْقَبِيلَ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ إِبْلِيسُ دُونَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَهُمُ الْأَشْرَافُ، وَالْعُظَمَاءُ وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ "
وَرُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَّامٍ
أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ أَكْرَمَ خَلِيقَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَى اللهِ
سُبْحَانَهُ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " . قَالَ
بِشْرٌ: قُلْتُ رَحِمَكَ اللهُ: فَأَيْنَ الْمَلَائِكَةُ ؟ قَالَ:
فَنَظَرَ إِلَيَّ وَضَحِكَ فَقَالَ: " يَا ابْنَ أَخِي، وَهَلْ تَدْرِي مَا
الْمَلَائِكَةُ ؟ إِنَّمَا الْمَلَائِكَةُ خَلْقٌ كَخَلْقِ الْأَرْضِ،
وَخَلْقِ السَّمَاءِ، وَخَلْقِ السَّحَابِ، وَخَلْقِ الْجِبَالِ، وَخَلْقِ
الرِّيَاحِ وَسَائِرِ الْخَلَائِقِ، وَإِنَّ أَكْرَمَ الْخَلَائِقِ عَلَى
اللهِ تَعَالَى أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ،
148 - أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ
الْمُقْرِئُ، أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حدثنا
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
أَسْمَاءَ، حدثنا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنِ ابْنِ
سَلَّامٍ فَذَكَرَهُ
149 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التَّرْقُفِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما يَقُولُ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَضَّلَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ، وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ " . قَالُوا: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا فَضْلُهُ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ ؟ قَالَ: " لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِأَهْلِ السَّمَاءِ: { وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ، فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 29]، وَقَالَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 2] " . قَالُوا: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا فَضْلُهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ ؟ قَالَ: " لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ } [إبراهيم: 4] وَقَالَ اللهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا } [النساء: 79] فَأَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ " وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ أَبِيهِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ . " وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ عَارَضَهُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الزمر: 65] إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: الْخِطَابُ وَقَعَ إِلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ أَوْ يَقُولَ: إِنْ كَانَ هُوَ الْمُرَادُ بِهِ فَقَدْ أَمَّنَهُ الْآيَةَ الَّتِي قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ "
150 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، حدثنا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، حدثنا أَبُو الْأَزْهَرِ، حدثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: " الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ " " كَذَا رَوَاهُ أَبُو الْمُهَزِّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَأَبُو الْمُهَزِّمِ مَتْرُوكٌ "
151 - أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍعَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ مِنْ أَصْلِهِ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَمْرَوِيُّ إِمْلَاءً، حدثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمُّويَهْ بْنِ عَبَّادٍ السَّرَّاجُ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حدثنا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ، حدثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ تَمَّامٍ السُّلَمِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ شَيْءٍ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنِ ابْنِ آدَمَ " . قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْمَلَائِكَةُ قَالَ: " الْمَلَائِكَةُ مَجْبُورُونَ بِمَنْزِلَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ " " تَفَرَّدَ بِهِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ تَمَّامٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: عِنْدَهُ عَجَائِبُ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ مَوْقُوفًا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ الصَّحِيحُ "
152 - أَخْبَرَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي قُمَاشِ، حدثنا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنْ أَبِيهِ - كذا قَالَ - سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: " لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنِ ابْنِ آدَمَ " . قُلْتُ: الْمَلَائِكَةُ ؟ قَالَ: " أُولَئِكَ بِمَنْزِلَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ أُولَئِكَ مَجْبُورُونَ "
153 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أخبرنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيْبُلِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَيَادِيُّ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ إِذْ جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَوَكَزَ بَيْنَ كَتِفَيَّ، فَقُمْتُ إِلَى شَجَرَةٍ فِيهَا مِثْلُ وَكْرَيِ الطَّيْرِ، فَقَعَدْتُ فِي أَحَدِهِمَا، وَقَعَدَت فِي الْآخَرِ، فَسَمَّتْ، وَارْتَفَعَتْ حَتَّى إِذَا سَدَّتِ الْخَافِقَيْنِ، وَأَنَا أُقَلِّبُ طَرْفِي ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَمَسَّ السَّمَاءَ لَمَسَسْتُ فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَأَنَّهُ حِلْسٌ لَاطِئٌ فَعَرَفْتُ فَضْلَ عِلْمِهِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ "
وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُطَارِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَوَقَعَ جِبْرِيلُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ كَأَنَّهُ حِلْسٌ، فَعَرَفْتُ فَضْلَ خَشْيَتِهِ، عَلَى خَشْيَتِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ: نَبِيًّا مَلَكًا، أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا، أَوْ إِلَى الْجَنَّةِ فَأَوْمَأَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ أَنْ تَوَاضَعْ، فَقُلْتُ: لَا، بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا "
154 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الزَّاهِدُ الْأَصْبَهَانِيُّ، حدثنا أَبُو السَّرِيِّ مُوسَى بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبَّادٍ، حدثنا حُبَيْشُ بْنُ مُبَشِّرٍ الْفَقِيهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ فَذَكَرَ قِصَّةً، ثُمَّ قَالَ يَزِيدُ: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدِ بْنِ حَاجِبٍ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمَّا أُسْرِيَ بِي كُنْتُ أَنَا فِي شَجَرَةٍ وَجِبْرِيلُ فِي شَجَرَةٍ فَغَشِيَنَا مِنْ أَمْرِ اللهِ بَعْضُ مَا غَشِيَنَا فَخَرَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، وَثَبَتُّ عَلَى أَمْرِي فَعَرَفْتُ فَضْلَ إِيمَانِ جِبْرِيلَ عَلَى إِيمَانِي "
155 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُسَامَةَ الْكَلْبِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُنَاجِيهِ ، إِذِ انْشَقَّ أُفُقُ السَّمَاءِ فَأَقْبَلَ جِبْرِيلُ يَتَضَاءَلَ، وَيَدْخُلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ، وَيَدْنُو مِنَ الْأَرْضِ، فَإِذَا مَلَكٌ قَدْ مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وُيُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ نَبِيًّا مَلَكًا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ نَبِيًّا عَبْدًا " . قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَشَارَ جِبْرِيلُ إِلَيَّ بِيَدِهِ أَنْ تَوَاضَعْ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ نَاصِحٌ، فَقُلْتُ: عَبْدًا نَبِيًّا "، فعَرَجَ ذَلِكَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: " يَا جِبْرِيلُ، قَدْ كُنْتَ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا فَرَأَيْتُ مِنْ حَالِكَ مَا شَغَلَنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ ؟ " قَالَ: هَذَا إِسْرَافِيلُ خَلْقهُ اللهُ يَوْمَ خَلْقَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَافِنًا قَدَمَيْهِ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّبِّ سَبْعُونَ نُورًا، مَا مِنْهَا نُورٌ يَدْنُو مِنْهُ إِلَّا احْتَرَقَ بَيْنَ يَدَيْهِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، فَإِذَا أَذِنَ اللهُ فِي شَيْءٍ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ فِي الْأَرْضِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ اللَّوْحُ يَضْرِبُ جَبِينَهُ، فَيَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِي أَمَرَنِي بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مِيكَائِيلَ أَمَرَهُ بِعَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مَلَكِ الْمَوْتِ أَمَرَهُ بِهِ فقُلْتُ: " يَا جِبْرِيلُ، عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ ؟ " قَالَ: عَلَى الرِّيَاحِ وَالْجُنُودِ . قُلْتُ: " عَلَى أَيِّ شَيْءٍ مِيكَائِيلُ ؟ " قَالَ: عَلَى النَّبَاتِ والقطر . قُلْتُ: " عَلَى أَيِّ شَيْءٍ مَلَكُ الْمَوْتِ ؟ " قَالَ: عَلَى قَبْضِ الْأَنْفُسِ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ هَبَطَ إِلَّا بِقِيَامِ السَّاعَةِ، وَمَا ذَاكَ الَّذِي رَأَيْتَ مِنِّي إِلَّا خَوْفًا مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ " قَوْلُهُ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّبِّ سَبْعُونَ نُورًا: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ عَرْشِ الرَّبِّ "
156 - أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُمَحِيُّ بِمَكَّةَ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ، حدثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: " يُدَبِّرُ أَمْرَ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ، وَإِسْرَافِيلُ . فَأَمَّا جِبْرِيلُ: فَوُكِّلَ بِالرِّيَاحِ وَالْجُنُودِ، وَأَمَّا مِيكَائِيلُ: فَوُكِّلَ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ، وَأَمَّا مَلَكُ الْمَوْتِ: فَوُكِّلَ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ، وَأَمَّا إِسْرَافِيلُ: فَهُوَ يَنْزِلُ بِالْأَمْرِ عَلَيْهِمْ "
157 - أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، أخبرنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: " إِنَّ في السَّمَاوَاتِ لَسَمَاءً مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهَا جَبْهَةُ مَلَكٍ أوَ قَدَمَاهُ "، ثُمَّ قَرَأَ: { وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ } [الصافات: 166]
158 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَا: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، أخبرنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، أخبرنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا عَنْ قَوْلِ اللهِ: { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 20]، وَ { لَا يَسْأَمُونَ } [فصلت: 38]، فَقَالَ: " هَلْ يُؤْذِيكَ طَرْفُكَ ؟ " قَالَ: لَا . قَالَ: " فَهَلْ يُؤْذِيكَ نَفَسُكَ ؟ " قَالَ: لَا . قَالَ: " فَإِنَّهُمْ أُلْهِمُوا التَّسْبِيحَ كَمَا أُلْهِمْتُمُ النَّفَسَ وَالطَّرْفَ "
159 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ الْمُخَارِقِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: قُلْتُ لِكَعْبٍ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللهِ: { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 20] أَمَا شَغَلَهُمْ رِسَالَةٌ ؟ أَمَا شَغَلَهُمْ عَمَلٌ ؟ فَقَالَ: " مَنْ هَذَا ؟ " فَقَالَ: غُلَامٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَخَذَنِي فَضَمَّنِي، وَقَالَ: " يَا ابْنَ أَخِي إِنَّهُ جَعَلَ لَهُمُ التَّسْبِيحَ كَمَا جَعَلَ لَكُمُ النَّفَسَ أَلَسْتَ تَأْكُلُ، وَتَشْرَبُ وَتَجِيءُ وَتَذْهَبُ وَتَتَكَلَّمُ، وَأَنْتَ تَتَنَفَّسُ ؟ فَكَذَلِكَ جَعَلَ لَهُمُ التَّسْبِيحَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: " وَمَنْ قَالَ: بِالْأَوَّلِ زَعَمَ أَنَّهُمْ خُلِقُوا بِلَا شَهْوَةٍ، فَمَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَطِينُهُ مَعْجُونٌ بِالْهَوَى وَالشَّهْوَةِ كَانَتْ عِبَادَتُهُ أَفْضَلُ أَلَا تَرَى مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِالشَّهْوَةِ كَيْفَ وَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَذَكَرَ قِصَّةَ هَارُوتَ، وَمَارُوتَ "
160 - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ، حدثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ الْبَغْدَادِيُّ قَالَا: حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَهْبَطَهُ اللهُ تعالى إِلَى الْأَرْضِ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: أَيْ رَبُّ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا، وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ؟ قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، قَالُوا: رَبَّنَا نَحْنُ أَطْوَعُ لَكَ مِنْ بَنِي آدَمَ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ: هَلُمُّوا مَلَكَيْنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَتَّى نُهْبِطَهُمَا إِلَى الْأَرْضِ، فَنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ قَالُوا: رَبَّنَا هَارُوتُ، وَمَارُوتُ فَأُهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ، وَمُثِّلَتْ لَهُمَا الزَّهْرَةُ امْرَأَةً مِنْ أَحْسَنِ الْبَشَرِ فَجَاءَتْهُمَا، فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ حَتَّى تَكَلَّمَا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْإِشْرَاكِ قَالَا: لَا وَاللهِ لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شيئًا أَبَدًا، فَذَهَبَتْ عَنْهُمْ ثُمَّ رَجَعَتْ بِصَبِيٍّ تَحْمِلُهُ فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ حَتَّى تَقْتُلَا هَذَا الصَّبِيَّ فَقَالَا: لَا وَاللهِ لَا نَقْتُلُهُ فَذَهَبَتْ عَنْهُمَا، ثُمَّ رَجَعَتْ بِقَدَحِ خَمْرٍ تَحْمِلُهُ فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لَا وَاللهِ حَتَّى تَشْرَبَا هَذَا الْخَمْرَ فَشَرِبَا فَسَكِرَا فَوَقَعَا عَلَيْهَا وَقَتَلَا الصَّبِيَّ، فَلَمَّا أَفَاقَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ: وَاللهِ مَا تَرَكْتُمَا مِمَّا أَبَيْتُمَا عَلَيَّ إِلَّا وَقَدْ فَعَلْتُمَاهُ حِينَ سَكِرْتُمَا فَخُيِّرَاعِنْدَ ذَلِكَ بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا " كَذَا رَوَاهُ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ
161 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ بْنِ مُوسَى، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَشْرَفَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى الدُّنْيَا، فَرَأَتْ بَنِي آدَمَ يَعْصُونَ، فَقَالُوا: يَا رَبُّ مَا أَجْهَلَ هَؤُلَاءِ مَا أَقَلَّ مَعْرِفَةَ هَؤُلَاءِ بِعَظَمَتِكَ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُمْ فِي مِسْلَاخِهِمْ لَعَصَيْتُمُونِي . قَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، وَنُقَدِّسُ لَكَ ؟ قَالَ: فَاخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ، قَالُوا: فَاخْتَارُوا هَارُوتَ، وَمَارُوتَ، ثُمَّ أُهْبِطَا إِلَى الدُّنْيَا، وَرُكِّبَتْ فِيهِمَا شَهَوَاتُ بَنِي آدَمَ، وَمُثِّلَتْ لَهُمَا امْرَأَةٌ فَمَا عُصِمَا حَتَّى وَاقَعَا الْمَعْصِيَةَ فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا، أَوْ عَذَابَ الْآخِرَةِ، فَنَظَرَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ ؟ قَالَ: أَقُولُ إِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا مُنْقَطِعُ، وَإِنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ لَا يَنْقَطِعُ، فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا فَهُمَا اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ } [البقرة: 102] " الْآيَةَ وَرُوِّينَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَصَحُّ " فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ إِنَّمَا أَخَذَهُ، عَنْ كَعْبٍ "
162 - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، حدثنا حَمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ذَكَرَ سُفْيَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: " ذَكَرَتِ الْمَلَائِكَةُ بَنِي آدَمَ، وَمَا يَأْتُونَ مِنَ الذُّنُوبِ قال: قَالَ: فَاخْتَارُوا مِنْكُمْ مَلَكَيْنِ فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ، فَقَالَ لَهُمَا: إِنِّي أُرْسِلُ رَسُولِي إِلَى النَّاسِ ولَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ رُسُلٌ، انْزِلَا فَلَا تُشْرِكَا بِي شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقَا، وَلَا تَزْنِيَا " قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ كَعْبٌ: " فَمَا اسْتَكْمَلَا يَوْمَهُمَا الَّذِي نَزَلَا فِيهِ حَتَّى أَتَيَا فِيهِ بمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمَا " وَهَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا . وَرُوِي فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ " وَمَنْ قَالَ: بِالْقَوْلِ الْآخَرِ أَشْبَهُ أَنْ يَقُولَ: إِذَا كَانَ التَّوْفِيقُ لِلطَّاعَةِ، وَالْمَعْصِيَةِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ مَنْ كَانَ تَوْفِيقُهُ لَهُ وَعِصْمَتُهُ إِيَّاهُ أَكْثَرَ، وَوَجَدْنَا الطَّاعَةَ الَّتِي وُجُودُهَا بِتَوْفِيقِهِ، وَعِصْمَتِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَكْثَرَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا كَذَلِكَ، وَذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَوْجِيهَ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ أَنْقُلْهُ، وَاخْتَارَ تَفْضِيلَ الْمَلَائِكَةِ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا ذَهَبُوا إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَالْأَمْرُ فِيهِ سَهْلٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مِنَ الْفَائِدَةِ إِلَّا مَعْرِفَةُ الشيء عَلَى مَا هُوَ بِهِ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ "
163 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى قَالَا: حدثنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ عُمَيْرٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " إِنَّمَا قَوْلُهُ: جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، كَقَوْلِهِ عَبْدَ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ "
164 - أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حدثنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُكْرَمٍ الْبَزَّارُ بِبَغْدَادَ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ الْجُمَحِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ، فَذَكَرَ قِصَّةَ امْتِنَاعِ أَبِي جَحْشٍ اللَّيْثِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَلُمَّ يَا عُمَرُ " اجْلِسْ حَتَّى أُحَدِّثَكَ بِغِنَى الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ صَلَاةِ أَبِي جَحْشٍ إِنَّ للَّهِ فِي سَمَائِهِ مَلَائِكَةً خُشُوعًا لَا يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ قَالُوا: رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، وَإِنَّ لِلَّهِ فِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ مَلَائِكَةً سُجُودًا لَا يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ، ثُمَّ قَالُوا: رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: " قَدْ أَخْرَجْتُهُ بِطُولِهِ فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق