الكتاب : بين الطليعة والتهافت
المؤلف : د. ماهر ياسين الفحل
المؤلف : د. ماهر ياسين الفحل
بين الطليعة والتهافت
كنا قد كتبنا مقالا في جريدة ( الرأي ) ، العدد : 63 . بتاريخ ( 23 / ربيع الأول / 1421 هـ ، الموافق : 25 / 6 / 2000 م ) عنوانه : (( الطليعة لكتاب الإيهام ، لما تضمنه كتاب " تحرير التقريب " من الأوهام )) .
تناولنا في هذا المقال ، الوصف الإجمالي لهذا الكتاب ، وبينا فيه المدة الزمنية التي استغرقها الحافظ ابن حجر ، في تحرير ، وضبط كتابه " التقريب " .
وبينا فيه أن هذا الكتاب النفيس ، أصبح مرجعا لأهل العلم ، من حين بزوغه وخروجه إلى الناس ، حتى يومنا هذا .
وقلنا فيه : إن الحافظ ابن حجر ، تعقبه - في عصرنا - عالمان جليلان هما : الدكتور بشار عواد معروف ، والشيخ شعيب الأرنؤوط . إذ تعقباه في كتاب لهما ، سمياه : " تحرير تقريب التهذيب " ، إذ وجها للحافظ ابن حجر انتقادات ربت على ألفي انتقاد في مواضع عديدة ، بمعنى أنهما انتقدا ما مجموعه ربع الكتاب .
وذكرنا في حينه : أن مما يؤسف عليه ، أن أحدا من المختصين ، لم يأخذ على عاتقه ، التصدي لهذا الكتاب ، فيبين للناس مدى دقته من زيفه . مما اضطرنا إلى أن نتصدى نحن لهذه المهمة العلمية ، الدينية ، فتتبعنا هذا الكتاب الذي ألفاه إذ (( ليس من المعقول أن يخطأ ابن حجر - رحمه الله - في ربع كتاب استغرق في تأليفه ربع قرن ! )) .
وبعد ذلك بينا في الطليعة ، النتائج التي توصلنا إليها في كتابنا " كشف الإيهام " ، وذكرنا بعض القواعد التي استعملها المحرران ، فأدت إلى وقوعهم في الخطأ ، ومن ذلك : توثيقهم الإجمالي لشيوخ أبي داود السجستاني ، ومنها : تضعيفهما لكثير من رجال الشيخين .
(1/1)
ومما بينا فيه بالأدلة ... أن المحررين لم يستعملا نسخا خطية في طبعهما نص " التقريب " ، وإنما اعتمدا طبعة الشيخ الفاضل : محمد عوامة ، وأن ما ادعياه من اعتمادهما على نسختين خطيتين: واحدة بخط الحافظ ابن حجر - رحمه الله - والأخرى بخط الميرغني ؛ غير صحيح البتة .
والدليل على ذلك ... وقوع المحررين في أخطاء ، وقعت في طبعة الشيخ ( محمد عوامة ) .
بل إن الأمر زاد على ذلك ، فقد وقع للشيخ الفاضل ( محمد عوامة ) ، بعض الأخطاء الطباعية ، وحصلت له بعض السقوطات . وهذه الأخطاء ، وتلكم السقوطات جاءت - ومع الأسف الشديد - في كتابيهما " تحرير التقريب " .
وهذا ما يجعلنا نجزم مطمئنين ، بأن لا أصل ، ولا أصول لهما ، سوى سلخ ما في طبعة الشيخ محمد عوامة ، بغثها ، وغثيثها ، وحلوها ومرها ، وعدلها ومعوجها .
ومن توفيقات الله تعالى في بيان الحق ، وتزييف الباطل ، أن الشيخ محمد عوامة صرح بالسقوطات التي حصلت له في نص " التقريب " ؛ عند تحقيقه لكتاب " الكاشف " ، وهي - كما قلنا - سقطت من كتاب " التحرير " للمحررين مما جعلنا نجزم بسلخهما لطبعته ، نسأل الله السلامة .
وقد ذكرنا في ذلكم المقال شيئا مما تقدم أنهما وقعا فيه تبعا لما وقع فيه الشيخ محمد عوامة .
وبعد أن ظهر المقال في الجريدة ، وخرج إلى الناس ، اتصل - في اليوم نفسه الذي وزعت فيه الجريدة - الدكتور بشار بالجريدة ، وطلب نشر مقال له يرد به علينا . وقد أجبناه بكل أدب واحترام ، بأننا مستعدون لنشر مقاله في العدد اللاحق .
وفعلا ... فقد دفع لنا ما كتبه يوم ( الثلاثاء : 27/ 6 /2000 م ) ؛ بعبارات شديدة اللهجة .
ولما كنا لا نتعصب لشيء ، سوى تعصبنا لكتاب الله ، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، نشرنا رده بحروفه ، وهمزاته ، وفواصله ، وعلامات تعجبه وعلامات استفهامه وذلك في العدد ( 64 ) بتاريخ : 1 / ربيع الثاني / 1421 هـ - 2 / 7 / 2000 م )
(1/2)
ووعدنا القراء بأننا سوف ننشر مقالا في الاجابة عما كتبه الدكتور بشار في العدد اللاحق ؛ ولكن ... فوجئنا بأن الأمر قد تحول من قضية ( علمية ) إلى قضية تخضع للمجاملات الاجتماعية وملائمات مقتضيات التوافق الاجتماعي فقد جرت محاولات بعض الأخوة من المهتمين بالعمل الإسلامي والدراسات الإسلامية سواء أكانوا مشايخ أو أكادميين لإجراء حوار متبادل بين كلا الطرفين ... انتهى ، إلى أن يصار إلى نقل الحوار من دائرة الصحافة إلى دائرة الجلسات العلمية ، وتم الاتفاق بين كلا الطرفين على أن يترك لكل واحد منهما حق الكتابة والرد في كتب ورسائل علمية ، وتأسيا بهذا يصدر كتابنا الذي هو بين يدي القارئ الكريم .
وفي العدد التالي ، وهو العدد : (65) بتاريخ: (8 / ربيع 2 / 1421 هـ الموافق : 9 / 7 / 2000 م ) نشرنا في الجريدة نفسها مقالا بعنوان : ( ساعات طويلة من الحوار تؤكد : خلاف الرأي لا يفسد في الود قضية ) وقد اعتذرنا في هذا المقال عن الرد ، وبينا سبب ذلك .
ومقابل موقفنا الإسلامي ، الأخوي هذا ، ألا وهو عدم الرد عليه ، وجهت إلينا سيول من الانتقادات ، وكم من الاستفسارات سببها عدم ردنا على مقال الدكتور بشار ؛ لأن مقالته جاءت مقالة حاطب ليل ، وجارف سيل مؤطرة بشعار التغرير ، والتدليس ، والخداع .
ولكن ... حسن العهد من حسن الإسلام ، وإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، ونحن حينما تركنا الرد عليه ، وحينما صبرنا على ما وجه إلينا من انتقاد ؛ لأننا آثرنا الرد عليه في كتابنا : " كشف الإيهام " هذا ، إذ من غير المعقول أن نسكت على الباطل أو أن نقف مكتوفي الأيدي أمام تلك الشطحات العلمية التي وقع فيها الدكتور بشار ، وشريكه الشيخ ( شعيب ) .
(1/3)
ثم إن الأمانة الدينية ، والعلمية ثم التاريخية ، توجب علينا بيان ذلك ، وعدم السكوت عنه ، حفاظا على السنة ودفاعا عمن ذب عن السنة ، وقضى عمره في تأصيل الأصول ، وتقعيد القواعد الحديثية ؛ من أجل معرفة صحيح حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من ضعيفه ، خدمة لمن أوتي جوامع الكلم ، ولحديثه ، ولشريعته .
إن الواجب التاريخي ، والأخلاقي في عدم بخس حق الدكتور بشار ؛ يحتمان علينا عدم الاكتفاء بذكر كلامنا عن كتاب " تحرير تقريب التهذيب " ، والرد الذي أعددناه ولم ننشره - كما ذكرنا سابقا - بل نرى أن نسوق مقالة الدكتور بشار بحروفها ، ثم نذكر الرد المعد عليه ، ليكون أنفع للقارئ وأثبت للتاريخ ، وليعلم الناس جميعا : أننا لم نبتغ في ذلك إلا الدفاع عن السنة النبوية المطهرة من تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، وزيف الزائفين ، وهذا نص مقالة الدكتور بشار عواد معروف . قال :
تهافت طليعة الإيهام
بشار عواد معروف
تلك آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار !
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم :
(1/4)
اطلعت بفرط العجب على مقالة كتبها الدكتور عبد اللطيف هميم في العدد ( 63 ) من جريدته ( الرأي ) بتاريخ 23 ربيع الأول سنة 1421 هـ الموافق 25 / 6 / 2000 عنوانها : ( الطليعة لكتاب الإيهام لما تضمنه كتاب تحرير التقريب من الأوهام ) زعم فيها أنه ينتقد فيها عملي وعمل صديقي ورفيق دربي العلامة النحرير الشهير الشيخ شعيب الأرنؤوط - أطال الله في عمره ومتعنا والمسلمين بعلمه - في كتابنا ( تحرير التقريب ) الذي هو حصيلة خبرتنا وممارستنا لهذا العلم خلال أكثر من خمسة وثلاثين عاما ، وهو كتاب أثار ضجة في العالم الإسلامي كما قال الدكتور عبد اللطيف لما فيه من الآراء والدراسات الجادة والقواعد المنهجية المتينة ، ولما فيه من تصحيحات لأحكام أعظم حافظ عرفه عصره هو الحافظ ابن حجر العسقلاني .وكنا قد نوهنا في مقدمتنا أن عقلنا للنصيح مفتوح وأن صدرنا رحب إن شاء الله تعالى ، وأننا نتقبل كل نقد علمي يؤدي إلى تصحيح بعض ما في الكتاب خدمة لهذا لعلم الشريف ؛ ولكن الذي قرأته في مقالة الدكتور عبد اللطيف كان سيلا من التجريح الذي لا أدري ما الدافع إليه ولا الغاية المرجوة منه ، فضلا عن أن مقالته هذه مليئة بالأغلاط الفاحشة وتحريف النصوص والجهل بأبسط قواعد هذا العلم الجليل .
ومما زاد استعجابي أن الدكتور عبد اللطيف لا بضاعة له في هذه الصناعة ولا نعرف له فيه (1) كتابا ، ولا حتى بحثا أو مقالة ولا تخصصا ولا ممارسة ؛ ولذلك جاءت مقالته مقالة حاطب ليل لا يدري ماذا يحتطب .
__________
(1) كذا في أصل المقالة والصواب : فيها .
(1/5)
والعجب من الدكتور أن يكيل الاتهامات لاثنين قضيا حياتهما في خدمة هذا العلم الشريف وألفا وحققا فيه أكثر من ثلاث مئة مجلدا ، وخرجا العشرات من طلبة العلم ، ونالت كتبهما وتحقيقاتهما المنزلة المحمودة بين أهل العلم في العالمين العربي والإسلامي وطبع كل كتاب من كتبهما عدة طبعات ، فهما عنده مع الأسف : مخلطان ، مدلسان ، متعسفان ، مغرران ، مقلدان متلاعبان بالنصوص مموهان ، متناقضان ، متهافتان ، حاقدان ، معاندان لجوجان مجازفان سارقان ، عديما الأمانة ، والإنصاف ، والمنهجية ... الخ فما ترك شتيمة إلا شتمنا بها ؛ ولذلك فنحن قبل كل شيء مخاصمانه يوم القيامة إن شاء الله تعالى ولا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه .
وها نحن أولاء نبين بإيجاز شديد تهافت هذا الإيهام الذي توهمه الكاتب تاركين التفصيلات في الرد على كتابه المزعوم حين صدوره ؛ لأن المقام لا يتسع لمزيد تفصيل وبيان ، وبأسلوب علمي يختلف عن أسلوبه في التجريح والتشهير .
(1)
لقد اتهمنا الدكتور عبد اللطيف بسرقة طبعة الشيخ محمد عوامة من ( التقريب ) وهي دعوى باطلة ذلك أننا اعتمدنا نسخة الحافظ ابن حجر التي بخطه ونسخة الميرغني للإفادة من تعليقاته ، أما نسخة الحافظ ففي خزانة كتبي نسخة مصورة منها وأنا مستعد أن أنشرها بتمامها على صفحات جريدته ، وأما نسخة الميرغني فقد أهداها إيانا صديقنا العلامة الشيخ محمود ميرة حفظه الله تعالى فلم تعد أية قيمة للنسخ الأخرى البتة ، كما هو معروف في علم تحقيق النصوص الذي لو كان الدكتور يفقه أصوله لما قال الذي قاله ولما تمنى أن يجمع نسخ الكتاب ويدرسها ، فوجود نسخة بخط المؤلف كمن يريد التيمم بحضور الماء .
ولا أدل على صحة هذه الدعوى من أننا صححنا للشيخ محمد عوامة عشرات المواضع ، كما هو ظاهر في تعليقاتنا على المجلدات الأربعة من ( التحرير ) والتي لا يمكن أن تصحح أو تستدرك من غير وجود النسخ الخطية .
(1/6)
أما طبعة السيد عادل مرشد فهي مستلة من ( تحرير التقريب ) ، وهذا من صنع الناشر مع الأسف ، هذا فضلا عن أن ( تحرير التقريب ) هو دراسة لكتاب ( التقريب ) وتحرير أحكامه ، ولم يكن تحقيق الكتاب هو الهدف المباشر لهذا العمل ، فما فائدة تحقيقه بعد تحقيق أصل أصله ( تهذيب الكمال ) .
ومن نعم الله علينا وعميم إحسانه إلينا أن يتورط الدكتور في ما اتهمنا به من السرقة فيقع هو فيه ، حيث نسب إلى نفسه في مقالته فقرة سلخها من مقدمتي لكتاب ( الجامع الكبير ) للإمام الترمذي الذي طبع في بيروت منذ سنة 1996 حيث قلت معتذرا عن الحصول على بعض النسخ الخطية ( جـ1 ص 14 ) : (( وهو أمر متعذر علينا لعدة أسباب ، منها : أن العديد من هذه النسخ لا سيما العتيقة منها في استانبول حيث نقلت إليها حينما استولى الأتراك على البلاد العربية ، وهم ضنينون بها على طلبة العلم العرب لا يمكن تصويرها إلا بالرشا الباهضة ، أو شد الرحال إليها ، وهو أمر يكاد أن يكون متعذرا علينا لصعوبة حصولنا على إذن بدخول هذه البلدان والتنقل فيها في هذه السنيات العجاف لظروف خارجة عن إرادتنا ، فضلا عن بذل وافر المال مع عدم تحمل الحال نسأل الله حسن الختام )) .
فسلخ الدكتور هذا النص ونسبه إلى نفسه في جريدته ؛ لكنه حذف منه العبارة الأخيرة ( مع تحمل الحال ) (1) ؛ لأن حاله يتحمل وهو الذي أفاء الله عليه من عرض الدنيا الكثير ، أما حالنا فلا يتحمل ، فنحن راضون بما قسم الله لنا من معرفة حرم منها كثير من الناس هي عندنا أغلى شيء في هذه الدنيا الفانية . كما حذف دعاءنا بحسن الختام ، إذ ما زال الدكتور في عز شبابه ، أما نحن فقد تعدينا سن الكهولة فتجاوزنا الستين .
(2)
__________
(1) كذا في أصل المقال ، والصواب : ( مع عدم تحمل الحال ) .
(1/7)
انتقد الدكتور علينا قولنا : (( ويستثنى من ذلك أبو داود السجستاني صاحب السنن ، فإنه قد عرف بالاستقراء أنه لا يروي في السنن إلا عن من هو ثقة )) ثم قال : (( وهذه البلية التي ذكراها قد أدت بهما إلى توثيق مئات الرواة الضعفاء على هذه القاعدة الشاذة المنكرة )) ثم عزز ذلك بثمانية عشر مثالا ، أخطأ في جميعها .
وأول ما نرد على هذه البلية ، فنبين أن هذه (( القاعدة الشاذة المنكرة )) قد قال بها قبلنا الحافظ ابن حجر نفسه الذي كتب الدكتور هذه المقالة ، زعم أنه يدافع عنه ، فقال في ترجمة الحسين بن علي بن الأسود العجلي من كتابه تهذيب التهذيب ( 2 / 344 ) : (( وهذا مما يدل على أن أبا داود لم يرو عنه ، فإنه لا يروي إلا عن ثقة عنده )) ، وقال في ترجمة داود بن عمير الأزدي من تهذيب التهذيب ( 3 / 180 ) : (( وقد تقدم أن أبا داود لا يروي إلا عن ثقة )) ، وقد صرح بذلك في غير ما موضع من كتابه ، فهل يعد الدكتور قول الحافظ ابن حجر بلية وهل يعد قاعدته هذه قاعدة شاذة منكرة ؟! نعوذ بالله من المجازفة .
ومما يلاحظ أن الدكتور لم يفهم القاعدة فهما جيدا ، وكان عليه أن يحاكمنا إلى منهجنا الذي بيناه في مقدمتنا للكتاب والذي يقوم على أمرين :
الأول : أن هذه القاعدة خاصة بمن روى عنهم أبو داود في السنن خاصة ونصنا في هذا واضح ،كما نقله الدكتور نفسه .
الثاني : أننا حينما نعد هذا توثيقا منه ، فلا يعني أننا نتابعه في الحكم ، فهو يعامل كما يعامل غيره ، من سائر أئمة الجرح والتعديل ، فيقبل قوله أو يرد بعد أن يدرس حال الراوي جيدا .
(1/8)
ومما يؤسف عليه أن الأمثلة الثمانية عشر التي ساقها الدكتور في مقالته أخطأ في جميعها خطأ فاحشا ، لعدم معرفته بهذا العلم وأسسه ، فهو لم يدرك مدلولات الرقوم ( الرموز ) المستعملة في هذا الكتاب . وقد استعمل الإمام المزي وتابعه الحافظ ابن حجر لأبي داود عدة رقوم ، فرقم ( د ) لمن روى له في السنن ، ثم رقم ( مد ) لمن روى له في كتاب المراسيل ، و ( ل ) لمن روى له في كتاب المسائل ، و ( صد ) لمن روى له في كتاب فضائل الأنصار ، و ( خد ) لمن روى له في كتاب الناسخ والمنسوخ ، و ( قد ) لمن روى له في كتاب القدر ، و ( ف ) لمن روى له في كتاب التفرد ، و ( كد ) لمن روى له في كتاب مسند مالك ، وهذه الرقوم يعرفها من له أدنى معرفة بهذا العلم ، لكن الدكتور يجهلها جهلا كاملا بدليل أنه ساق المثل الأول ( 122 ) وقد روى عنه أبو داود في كتاب المسائل وليس في كتاب السنن ، وساق المثل الرابع ( 480 ) وقد روى عنه أبو داود في كتاب المراسيل وليس في كتاب السنن ، وساق المثل الثالث عشر ( 3432 ) وقد روى له أبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ وليس في كتاب السنن ، فهؤلاء مما لا تنطبق القاعدة عليهم كما بيناه بوضوح في مقدمتنا للتحرير ونقله هو بنصه .
(1/9)
ثم ساق المثل السادس ( 1331 ) وهذا لم يرو عنه أبو داود أصلا إنما هو من رجال الترمذي ، وقد رقم الحافظ ابن حجر عليه برقم الترمذي ( ت ) فقرأها الدكتور ( دالا ) من كثرة دقته وتثبته في أمثلته ، ونحوه المثال السابع عشر ( 6337 ) فهذا لم يرو عنه أبو داود أيضا ، وإنما روى عنه ابن ماجه ، فرقم له الحافظ ابن حجر ( ق ) فقرأها الدكتور ( دالا ) من كثرة حرصه على تقريب الحافظ ابن حجر ، ثم ساق المثل الرابع عشر ( 3700 ) وهذا لم تثبت رواية أبي داود عنه كما نوه الإمام المزي في تهذيب الكمال 16 / 296 ، وإنما ذكره ؛ لأن الحافظ ابن عساكر ذكر أنه من شيوخ أبي داود ، وهو وهم من ابن عساكر رحمه الله إذ لم يقف الإمام المزي على روايته عنه ولا وقف عليها الحافظ ابن حجر ، بل ولا ذكره الجياني في كتابه ( شيوخ أبي داود ) أصلا وذكر السابع عشر ( 1332 ) وهذا لم يثبت أيضا أن أبا داود روى عنه كما فصله الإمام المزي في تهذيب الكمال 6 / 394 - 395 وكما بينته مفصلا في تعليقي عليه ، وإنما هو من أوهام الحافظ ابن عساكر أيضا رحمه الله تعالى .
أما الأمثلة الأخرى فقد روى عنهم أبو داود في السنن ، واعتبرنا ذلك توثيقا منه لهم ؛ لكن تكلم فيهم آخرون ، أو انفرد هو بالرواية عن بعضهم ، فوازنا بين الأقوال بعد استقراء أحوالهم وأصدرنا حكمنا عليهم ، فمنهم من وافقنا فيهم حكم الحافظ ابن حجر كما في الأمثلة ، الثالث ( 470 ) ، والثامن (1473) والتاسع ( 1537 ) ، والعاشر ( 1753 ) ، أو خالفنا فيه حكم الحافظ ، كما في الأمثلة الباقية .
(1/10)
ثم إن الدكتور يحتطب ولا يدري ما الذي يحتطبه ، فقد قال في المثال الثاني ( 226 ) : (( إبراهيم بن العلاء بن الضحاك ضعفه أبو داود نفسه فقال : ليس بشيء )) وأحال على تهذيب التهذيب 1 / 149 قال أفقر العباد بشار بن عواد : وهذا النقل مما أخطأ فيه الحافظ ابن حجر رحمه الله فلا أدري من أين أتى به ، فليس في الرواة الذين رووا أقوال أبي داود من قال مثل هذا القول ، بل هناك نقيضه ، حيث قال الآجري ، وهو أشهر من روى أقوال أبي داود في الجرح والتعديل : (( سألت أبا داود عنه فقال : ثقة كتبت عنه )) ( سؤالات الآجري 5 / الورقة 25 ) ، ثم كيف يتصور أن يقول إمام كبير مثل أبي داود عن شيخ ( ليس بشيء ) ثم يروي عنه في السنن ؟! وقد فاتت ابن حجر هذه النكتة التي رد مثيلتها قبل قليل حينما قال : (( وهذا مما يدل على أن أبا داود لم يرو عنه ، فإنه لا يروي إلا عن ثقة عنده )) ( تهذيب التهذيب 3 / 180 ) وقد بينا غير مرة أن ابن آدم خطاء ، وأن كل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
( 3 )
وزعم الدكتور أن من تخليطاتنا الفاحشة وأباطيلنا المنكرة أننا تجنينا على رواة الصحيحين ، وأننا خرقنا الإجماع وخالفنا الجماهير ، ثم نقل نصا للحافظ ابن حجر في ( هدي الساري ) كنا قد ذكرناه في مقدمة التحرير ، فاستلبه ، لكنه اقتطع من آخره ما لا يخدم غرضه ، وهو قول ابن حجر أن من روى له الشيخان فإن ذلك مقتضيا لعدالته عندهما ، أما النص الذي اقتطعه فهو : (( هذا إذا خرج له في الأصول ، فأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج لهم في الضبط وغيره ... )) إلى آخر النص فهو كمن يقول ( ويل للمصلين ) ثم يسكت .
(1/11)
فهذا من أقوى الأدلة على أن الشيخين قد أخرجا لبعض من تكلم فيهم ، ولا أدل على ذلك من أن الحافظ ابن حجر نفسه قد تكلم في رجال من رجال الصحيحين على هذا المعنى المذكور في النص الذي حذفه الدكتور لعدم ملائمته غرضه ولو كان الحافظ ابن حجر يعتقد أن كل من روى له البخاري ومسلم ثقة باطراد ، لما أنزل مئات الرواة ممن أخرج لهم الشيخان في صحيحيهما عن هذه المنزلة ، فقال في بعضهم (( مقبول )) ( يعني حيث يتابع وإلا فضعيف عند التفرد ) أو (( صدوق يخطئ )) أو (( صدوق يهم )) فلماذا لم يحاسبه الدكتور على أحكامه هذه ويعد ذلك منه تجنيا على رجال الصحيحين وخروجا على الإجماع والجمهور كما يزعم ؟! .
وقد ساق الدكتور لهذه المسألة سبعة وعشرين مثلا أخطأ في جميعها ، إذ لم نخالف في هذه الأحكام الإجماع والجمهور ، بل اعتمدنا الإجماع والجمهور كما هو مبين في الأدلة التي سقناها في التحرير ، فإذا كنا من المخلطين الفاحشين والمبطلين فإن علماء أعلاما من أمثال إمام الأئمة الإمام المبجل أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد القطان ، وأبي زرعة وأبي حاتم والرازيان (1) وعلي بن المديني ، والترمذي ، وأبي داود ، والنسائي ، والعقيلي وابن عدي ، والذهبي ، وابن حجر نفسه ينبغي أن تنطبق عليهم هذه الأوصاف المقذعة التي رمانا بها الدكتور ؛ لأن هؤلاء جميعهم وغيرهم كانوا معتمدنا في أدلتنا التي سقناها في تلك الأحكام وأن هؤلاء كلهم قد ضعفوا رجالا ممن روى لهم الشيخان ، وإننا على عكس ما صورنا الدكتور قد دافعنا عن الصحيحين دفاعا علميا مجيدا حينما بينا أن الشيخين إنما انتقيا في الأغلب الأعم الصحيح من حديث هؤلاء المتكلم فيهم .
ففي مثله الأول ( 254 ) ، قال : (( إبراهيم بن مهاجر البجلي ، من رجال مسلم ، قالا : ضعيف يعتبر به )) .
__________
(1) كذا في الأصل ، والصواب : الرازيين .
(1/12)
قلت : هذا الرجل انتقى مسلم من حديثه حديثين صحيحين فقط توبع عليهما كما بيناه في ( التحرير ) وهو شيخ ضعفه يحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد القطان ، وأبو حاتم الرازي ، والنسائي ، والترمذي ، وابن حبان ، والدارقطني وذكرته جميع كتب الضعفاء ، وما حسن القول فيه قليلا سوى الإمام أحمد وتلميذه أبي داود ، ومعلوم في علم الجرح والتعديل أن الجرح مقدم على التعديل في حال التعادل ، فما بال الدكتور بكل هؤلاء الذين ضعفوا هذا الراوي ، هل هم من المخلطين الفاحشين المبطلين ؟!
وقال في مثله الثاني ( 723 ) : (( بشير بن المهاجر ، من رجال مسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الرجل ضعفه تضعيفا شديدا الإمام المبجل أحمد بن حنبل ، فقد ، قال : (( منكر الحديث ، قد اعتبرت أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب )) ، وقال ابن عدي بعد أن خبر حديثه : (( روى ما لا يتابع عليه )) ، وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء وقال : (( منكر الحديث )) ، ولا نعلم أحدا وثقه سوى ابن معين ، وكلام إمام الأئمة أحمد فيه من الجرح المفسر الذي لا ينبغي أن يعدل إلى غيره ، وإنما انتقى مسلم من صحيح حديثه ، فالضعيف الذي يعتبر به إنما يعتبر به في المتابعات والشواهد وفضائل الأعمال والزهد والرقائق ، كما هو مفصل في كتب العلم ، فهل يريد منا الدكتور أن نوثق من هذا حاله ؟ أم أن الإمام أحمد مبطل يتقول على رجال الصحيحين ؟
وقال في مثله الثالث ( 1198 ) : (( حسان بن حسان ، من رجال البخاري قالا عنه : ضعيف )) .
(1/13)
قلت : هذا الرجل قد روى عنه البخاري حديثين فقط ، أحدهما في المغازي والثاني في اعتمار النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الحج ، وقد توبع عليهما ، فهما من صحيح حديثه ، ولا نعلم أحدا وثق حسانا هذا ، بل نعلم أن عالمين جليلين جهبذين قد ضعفاه ، أولهما أبو حاتم الرازي إذ قال : (( منكر الحديث )) والثاني هو إمام أهل العراق في هذا العلم الدارقطني ، كما هو مفصل في التحرير وفي تعليقي على ترجمته من تهذيب الكمال .
وقال في مثله الرابع ( 1214 ) : (( الحسن بن بشر ، من رجال البخاري قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : انتقى البخاري من حديثه حديثين صحيحين كلاهما في الصلاة ، قد توبع عليهما ، فهما من صحيح حديثه . وقد ذكر الإمام أحمد وتلميذه أبو داود أنه روى عن زهير بن معاوية الجعفي أشياء مناكير ، وضعفه النسائي ، وقال ابن خراش : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم وحده : صدوق ، فهؤلاء ثلاثة من أئمة الجرح والتعديل قد ضعفوه ، وجرحهم مقدم على من عدله .
وقال في مثله الخامس ( 1240 ) : (( الحسن بن ذكوان ، من رجال البخاري قالا عنه : ضعيف )) .
قلت : ما روى عنه البخاري سوى حديث واحد في الرقاق له شواهد كثيرة وهذا الرجل ضعيف كما قلنا ضعفه يحيى بن معين ، وأبو حاتم الرازي والنسائي ، وابن أبي الدنيا ، والدارقطني ، وقال أحمد : (( أحاديثه أباطيل )) وما حسن القول فيه سوى يحيى بن سعيد القطان ، فهل هؤلاء الذين ضعفوه من المبطلين ، أم من الحاقدين على البخاري ومسلم ، وابن حجر الذين جاء بعدهم بست مئة عام ؟!
وقال في مثله السادس ( 1677 ) : (( خالد بن مخلد القطواني ، من رجال البخاري ومسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
(1/14)
قلت : هذا الرجل قال فيه الإمام أحمد : (( له أحاديث مناكير )) وقال ابن سعد : (( كان منكر الحديث ... وكتبوا عنه ضرورة )) ، وقال الجوزجاني : كان شتاما معلنا بسوء مذهبه ( يعني يشتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وذكره زكريا الساجي ، وأبو العرب القيرواني ، والعقيلي ، وابن عدي ، وابن الجوزي والذهبي وغيرهم في جملة الضعفاء ، وقال أبو حاتم : (( يكتب حديثه )) ( يعني للاعتبار ولا يحتج به ) . فإن كان هناك من مبطل فاحش ومخلط فيتعين أن يكون كل هؤلاء الذين ضعفوه على قاعدة الدكتور .
وقال في مثله السابع ( 2406 ) : (( سعيد بن النظر ( كذا ) البغدادي ، شيخ البخاري ، وقالا عنه : بل مجهول الحال روى عنه اثنان ولم يوثقه أحد مع أنه في ثقات ابن حبان )) .
قلت : مجهول الحال هو الذي لا يعرف فيه تعديل ، فهذا الرجل روى عنه اثنان فقط ، أما ذكر ابن حبان له في كتاب الثقات فشبه لا شيء كما هو معروف في كتب المصطلح .
وقال في مثله الثامن ( 2466 ) : (( سلم بن زرير ، من رجال البخاري ومسلم قالا عنه : ضعيف )) .
قلت : هذا الرجل ضعفه يحيى بن سعيد القطان ، ويحيى بن معين ، وأبو داود والنسائي ، وذكره ابن حبان في المجروحين ، وهو من المجودين في هذا الكتاب وقال : (( لم يكن الحديث صناعته ، وكان الغالب عليه الصلاح ، يخطئ خطأ فاحشا ، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما يوافق الثقات ، ووثقه أبو حاتم وحده وقال أبو زرعة : صدوق ، والجرح مقدم على التعديل كما في كتب المصطلح فهذا مما يعتبر به في الشواهد والمتابعات ويتحسن حديثه إذا توبع أو كانت للحديث شواهد ، فقد أخرج له البخاري ثلاثة أحاديث ، وأخرج له مسلم حديثا واحدا في الشواهد كما هو مفصل في ( التحرير ) .
وقال في مثله التاسع ( 3390 ) : (( عبد الله بن أبي صالح السمان ، من رجال مسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
(1/15)
قلت : هذا الرجل لم نخالف فيه قول الحافظ ابن حجر إذ قال فيه : (( لين الحديث )) وهي معادلة لعبارة : (( ضعيف يعتبر به )) كما بيناه في مقدمة التحرير ، وإنما ذكرنا ذلك لتوحيد المصطلحات ، ولبيان أن مسلما إنما أخرج له حديثا واحدا اقتصر الترمذي على تحسينه ، وهو الحديث الوحيد الذي له في دواوين الإسلام ، فإن ابن حجر هو الذي ضعفه ، فهو المبطل المخلط على قاعدة الدكتور .
وقال في مثله العاشر ( 3936 ) : (( عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة ، شيخ البخاري ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الرجل قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق يخطئ )) وهي ليست بعيدة عن عبارة (( ضعيف يعتبر به )) ، فالصدوق الذي يخطئ إنما يتحسن حديثه عند المتابعة ، وقد روى عنه البخاري حديثين الأول في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - والثاني في الأطعمة ، فهذان الحديثان ليسا مما احتج به البخاري في الأصول ، وقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح ص 586 بعد أن اعترف بضعفه : (( فتبين أنه ( يعني البخاري ) ما احتج به )) ، وقد ضعفه ابن أبي داود وأبو أحمد الحاكم ، وحينما ذكره ابن حبان في الثقات على تساهله قال : (( ربما خالف )) ولا نعلم أحدا وثقه .
وقال في مثله الحادي عشر ( 4608 ) : (( عطاء ، أبو الحسن السوائي ، من رجال البخاري ، قالا عنه : مجهول )) .
قلت : هذا الرجل تفرد بالرواية عنه أبو إسحاق الشيباني ، وقرنه بعكرمة عن ابن عباس ولم يوثقه أحد ولذلك قال الإمام الذهبي في الميزان : (( لا يعرف )) فهو سلفنا فيه ، والحديث الذي أخرجه البخاري ( 4579 ) إنما هو حديث عكرمة عن ابن عباس ، وإنما قال أبو إسحاق الشيباني بعد أن ساقه من طريق عكرمة : (( وذكره عطاء أبو الحسن السوائي ، قال : (( أظنه عن ابن عباس )) فلا يقال عن مثل هذا أنه من رجال البخاري فإن وجوده أو عدمه في سند الحديث واحد ؛ لأن الحديث هو حديث عكرمة عن ابن عباس كما ذكرنا .
(1/16)
وقال في مثله الثاني عشر ( 4632 ) : (( عقبة بن التوأم ، من رجال مسلم ، قالا عنه : مجهول )) .
قلت : هذا الشيخ تفرد بالرواية عنه وكيع بن الجراح ولم يوثقه أحد ، ولذلك ذكره الذهبي في الميزان وقال : (( لا يعرف )) فهو الذي جهله وهو حكم صحيح لأن من تفرد عنه واحد ولم يوثقه أحد فهو مجهول ، وإنما أخرج له مسلم حديثا واحدا برقم ( 1985 ) قرنه فيه وكيع بن الجراح بالأوزاعي وعكرمة بن عمار ، فوجوده في السند او عدمه سواء ، فالإمام الذهبي هو المبطل المخلط على قاعدة الدكتور !
وقال في مثله الثالث عشر ( 5043 ) : (( عمرو بن أبي سلمة التنيسي ، من رجال البخاري ومسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الرجل قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق له أوهام )) وهو ليس ببعيد عن حكمنا ، وقد ضعفه الإمام أحمد ويحيى بن معين وزكريا الساجي والعقيلي ، وقال أبو حاتم الرازي : (( يكتب حديثه ولا يحتج به )) وما وثقه سوى ابن يونس المصري ، وهو شبه لا شيء أمام هؤلاء الجهابذة العلماء الأعلام ، وإنما أخرج له البخاري ومسلم من روايته عن الأوزاعي وكان عنده شيء سمعه من الأوزاعي وشيء عرضه عليه وشيء أجازه له ، فأخرجا مما سمعه منه ، أي أنهما انتقيا من حديثه الصحيح ، فالمبطلون والمخلطون الفاحشون هم الإمام أحمد وابن معين والساجي والعقيلي وأبو حاتم الرازي على قاعدة الدكتور فقد تكلموا في رجل من رجال البخاري ومسلم .
وقال في مثله الرابع عشر ( 5198 ) : (( عنبسة بن خالد ، من رجال البخاري قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
(1/17)
قلت : إنما أخرج له البخاري أربعة أحاديث فقط قرنه فيها بالإمام الثقة عبد الله بن وهب المصري فوجوده مع عدمه سواء ، ولا نعلم أحدا وثقه سوى أن أحمد بن صالح المصري قال فيه : صدوق ، وهو من المتساهلين في توثيق المصريين وقال الإمام يحيى بن عبد الله بن بكير : إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق ، قال : وكان يجيئني ، ولم يكن موضعا للكتابة أن يكتب عنه .
وقال الإمام المبجل أحمد بن حنبل : ما لنا ولعنبسة ، أي شيء خرج علينا من عنبسة ، وقال أبو حاتم : كان على خراج مصر ، وكان يعلق النساء بالثدي قال ابن القطان الفاسي : كفى بهذا في تجريحه ، وقد ثبت بالأدلة هذا الفعل الإجرامي عنه وهو انتهاك لمحارم الله مسقط لعدالته ، فهل يريد الدكتور أن يعدل مثل هذا ؟! أم أن ابن بكير راوي موطأ الإمام مالك مخلط فاحش ومبطل منكر ؟
وقال في مثله الخامس عشر ( 5475 ) : (( القاسم بن عوف الشيباني ، من رجال مسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الرجل تركه الإمام شعبة بن الحجاج فلم يحدث عنه حديثا واحدا وقال الإمام أبو حاتم : مضطرب الحديث ومحله عندي الصدق ، وقال ابن عدي : وهو ممن يكتب حديثه ( يعني في المتابعات والشواهد ) وهو التعبير الذي استعملناه نفسه ، وإنما أخرج له مسلم حديثا واحدا في صلاة الضحى انتقاه من صحيح حديثه .
وقال في مثله السادس عشر ( 5556 ) : (( قطن بن نسير ، من رجال مسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الشيخ كان الإمام أبو زرعة يحمل عليه ، وقال ابن عدي بعد أن فتش حديثه ودرسه : (( كان يسرق الحديث ويوصله )) وما وثقه أحد سوى أن ابن حبان ذكره في الثقات ، وهو شبه لا شيء كما هو معلوم عند أهل العلم وإنما روى له مسلم حديثا واحدا في المناقب ، فهذا مما يعد حسنا في مثل هذا الموضوع .
وقال في مثله السابع عشر ( 5819 ) : (( محمد بن الحسن بن هلال ، من رجال البخاري ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
(1/18)
قلت : هذا الشيخ قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق فيه لين ورمي بالقدر )) وليس ببعيد عن قولنا : (( ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد )) ، وقد ضعفه الإمامان الجهبذان أبو حاتم والنسائي ، وقال ابن معين وحده : ليس به بأس ، وإنما أخرج له البخاري حديثا في كتاب الأحكام ذكره عقب إسناد آخر فوجوده أو عدمه سواء ، فالمبطلان والمخلطان الفاحشان هنا هما أبو حاتم والنسائي ، على قاعدة الدكتور !
وقال في مثله الثامن عشر ( 6093 ) : (( محمد بن عبد العزيز العمري ، من رجال البخاري ، قال عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الشيخ قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق يهم )) وهو ليس ببعيد عن حكمنا ، قال ابو زرعة : ليس بقوي ، وقال أبو حاتم : كان عنده غرائب ولم يكن عندهم بالمحمود ، هو إلى الضعف ما هو ، وقال البزار : لم يكن بالحافظ ووثقه العجلي وهو من المتساهلين جدا ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : ربما خالف ، والجرح مقدم فضلا عن أنه قد جاء من الجهابذة ، وإنما أخرج له البخاري حديثين فقط ، أحدهما في التفسير ، والثاني في الاعتصام ولم يخرج له شيئا في الأحكام .
وقال في مثله التاسع عشر ( 6196 ) : (( محمد بن عمرو اليافعي ، من رجال مسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الشيخ إنما أخرج له مسلم حديثا واحدا عن الكهان ، ولم يخرج له شيئا في الأحكام ، وقال ابن يونس : حدث بغرائب ، وقال ابن عدي : في حديثه مناكير ، وقال يحيى بن معين : غيره أقوى منه ، وقال ابن القطان : لم تثبت عدالته ، وما حسن الرأي فيه سوى يعقوب بن سفيان الفسوي حينما قال : لا بأس به ، وهذا لا يعد شيئا تجاه من ضعفه ، فالذين تجنوا عليه - على قاعدة الدكتور - هم : ابن معين ، وابن عدي ، وابن يونس وابن القطان الذي اقتبس الدكتور عنوان كتابه المزعوم من كتابه ( الوهم والإيهام ) .
(1/19)
وقال في مثله العشرين ( 6258 ) : (( محمد بن كعب بن مالك ، من رجال مسلم ، وثقه ابن حجر وقالا عنه : مقبول في أحسن أحواله )) .
قلت : لا ندري لم أطلق ابن حجر توثيقه وعلى أية قاعدة استند ، فهذا الرجل روى عنه اثنان فقط ، ولم يوثقه أحد ، وإنما روى له مسلم حديثا واحدا وقال ابن منجويه في ( رجال صحيح مسلم ) : (( محمد بن كعب أو معبد بن كعب ، ومعبد أصح )) وهذا يدل على أن هذا الرجل غير معروف الحال .
وقال في مثله الحادي والعشرين ( 6791 ) : (( معروف بن خربوذ من رجال البخاري ومسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الشيخ ضعفه يحيى بن معين ، والعقيلي ، وابن حبان ، وقال الإمام أحمد : ما أدري كيف حديثه ، وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ( يعني للاعتبار ولا يحتج به ) ، ولم يخرج له البخاري حديثا ، بل روى له أثرا واحدا في العلم رواه عن أبي الطفيل عن علي : (( حدثوا الناس بما يعرفون )) ( 1 / 44 ) .
وروى له مسلم ( 1275 ) حديثه عن أبي الطفيل أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج فهما لم يحتجا به ، فالذين تجنى عليه هم ابن معين والعقيلي وابن حبان وغيرهم على قاعدة الدكتور .
وقال في مثله الثاني والعشرين ( 7091 ) : (( نبهان الجمحي ، من رجال البخاري قالا عنه : مجهول )) .
قلت : هذا الشيخ تفرد بالرواية عنه سالم أبو النضر ، ولم يوثقه أحد ، بل لم يسمه البخاري في روايته ولا ذكره في تاريخه أصلا ، وكل الذي قاله في حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي : (( عن نافع مولى أبي قتادة ، وأبي صالح مولى التوأمة ، قال : سمعت أبا قتادة )) ، فالقاعدة تقتضي تجهيله ، وإنما قال ابن حجر : (( مقبول )) وهي تعني عنده : أن روايته تقبل حيث يتابع وإلا فهو ضعيف ، كما بين في مقدمة التقريب .
وقال في مثله الثالث والعشرين ( 7288 ) : (( هشام بن حجير ، من رجال البخاري ومسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
(1/20)
قلت : هذا الشيخ قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق له أوهام )) وهو لا يختلف كثيرا عن حكمنا ، وقد ضعفه مطلقا الإمام أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد القطان ، والعقيلي ، وذكر أبو داود أنه ضرب الحد بمكة وما وثقه سوى العجلي ، وابن سعد ، والذهبي ، وتوثيقهم تجاه الأئمة الجهابذة الذين ذكرناهم شبه لا شيء ، وقال أبو حاتم : (( يكتب حديثه )) ( يعني للاعتبار ولا يحتج به ) ، وليس له في البخاري سوى حديث واحد في قول سليمان - عليه السلام - : لأطوفن الليلة علىتسعين امرأة ، وقد توبع عليه ، فالذين تجنوا عليه وأفحشوا في تخليطاتهم وأباطيلهم - على قاعدة الدكتور - هم : أحمد وابن معين ، ويحيى القطان ، والعقيلي ، وأبو داود !! نسأل الله السلامة .
وقال في مثله الرابع والعشرين ( 7294 ) : (( هشام بن سعد المدني من رجال مسلم ، وعلق له البخاري ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الشيخ قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق له أوهام )) وقد ضعفه الأئمة : يحيى بن سعيد القطان ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، والنسائي وابن سعد ، وابن حبان ، وابن عبد البر ، ويعقوب بن سفيان ، وقال أبو حاتم : (( يكتب حديث ولا يحتج به )) ، وقال أبو زرعة : (( شيخ محله الصدق )) ، وقال في موضع آخر : (( واهي الحديث )) ولم يوثقه كبير أحد فماذا يريد منا الدكتور أن نقول في مثل هذا أجمع العلماء على تضعيفه ، وإنما اعتبرنا حديثه لأن مسلما أخرج له ، فانظر أيها الدكتور كيف يتجنى يحيى القطان والإمام أحمد وابن معين والنسائي وابن سعد والعقيلي وأبو حاتم على هذا الذي قفز القنطرة لأن مسلما روى له حديثا في صحيحه ، أليس هذا : (( من تخليطاتهم الفاحشة وأباطيلهم المنكرة )) ، أم ماذا ؟! أم أنه قفز القنطرة بعدهم ؟ .
وقال في مثله الخامس والعشرين ( 7476 ) : (( وهب بن ربيعة الكوفي ، من رجال مسلم ، قالا عنه : مجهول )) .
(1/21)
قلت : هذا الشيخ قال فيه الحافظ ابن حجر : (( مقبول )) ( يعني حيث يتابع وإلا فضعيف ) ، وإنما حكمنا بجهالته لتفرد واحد بالرواية عنه ولقول الإمام الذهبي في الميزان : (( لا يعرف )) ، ولم يحتج به مسلم بل روى له حديثا واحدا في أسباب النزول ( 2775 ) ، فإن كان من مبطل فاحش ومخلط فهو الإمام الذهبي الذي جهله ، وليس نحن ، على قاعدة الدكتور .
وقال في مثله السادس والعشرين ( 7679 ) : (( يحيى بن يمان العجلي ، من رجال مسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الرجل قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق عابد يخطئ كثيرا وقد تغير )) . فعبارتنا في النتيجة هي أهون من عبارة ابن حجر وقد ضعفه الإمام أحمد بن حنبل ، والنسائي ، وابن نمير ، وأبو داود وقال : يخطئ في الأحاديث ويقلبها ، وذكر يعقوب بن شيبة أنه ليس بحجة إذا خولف ، ولا نعلم وثقه كبير أحد ، وأقصى ما قال بعضهم أنه صدوق اختلط ( خرف ) فلماذا لم يحاسب الدكتور كل هؤلاء الذين منعوه من قفز القنطرة ؟!
وقال في مثله الأخير ( 8243 ) : (( أبو عثمان ، شيخ لربيعة بن يزيد من رجال مسلم ، قالا عنه : مجهول )) .
قلت : الذي جهله هو الإمام الذهبي ، إذ قال في الميزان : (( لا يدري من هو )) فهو المخلط الفاحش والمبطل المنكر الذي لم يقفز هذا الشيخ القنطرة ، وإنما قال ذلك لتفرد واحد بالرواية عنه ولأن أحدا لم يوثقه أصلا ، بل لا يعرف له اسم وقد تكون هذه الكنية لأحد الرواة الذين أخرج لهم مسلم كما بينه الحافظ ابن حجر في التقريب .
من هذا يتضح لكل منصف ذي بصيرة أننا لم نتكلم في أحاديث الصحيحين وإنما تكلمنا كما تكلم العلماء الأعلام قبلنا ومنهم الحافظ ابن حجر نفسه في رجال انتقى الشيخان أحاديث معدودة من حديثهم الصحيح .
فإذا كان الأمر كما بينا والحال على ما وصفنا فلرب سائل يسأل لماذا الكلام في هؤلاء الرجال ؟ وما الحاجة إلى بيان ضعفهم ؟ فنقول وبالله نستعين :
(1/22)
إنما يراد بذلك الحكم على أحاديث هؤلاء خارج الصحيحين إذ يأتي كثير من قليلي المعرفة بهذا العلم الجليل فيصحح أحاديث هؤلاء في الكتب الأخرى كمستدرك الحاكم وغيره ، بحجة أن هؤلاء من رجال الصحيحين أو أن هذا الإسناد على شرط البخاري أو مسلم والأمر بلا شك ليس كذلك فهذا كله مخالف لصنيع الجهابذة الأقدمين ومنهم الشيخان ، فإن الضعيف الذي يعتبر به إنما يعتبر به إذا توبع ، فإن تفرد طرح حديثه ، وليس من ذلك في الصحيحين بحمد الله ومنه شيء .
كما أرى من الواجب علي أن أنبه إلى مسألة علمية قد لا يتنبه إليها كثير من المعنيين بهذا الشأن وهي أن أحاديث الصحيحين كلها صحيحة ؛ لكن مفهوم الصحة يختلف عند الشيخين من موضوع إلى آخر ، فما هو صحيح في المناقب أو التفسير أو الأدب هو غير الصحيح الذي يرويانه في الأحكام ، ولذلك فهما يتساهلان بعض التساهل في هذه الأبواب ومثيلاتها فيعدون الحديث الحسن صحيحا لأنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا ، ومن هنا نفهم لماذا روى الشيخان لبعض المتكلم فيهم في هذه الأبواب ولم يرويا لهم شيئا في الأحكام والحلال والحرام .
(1/23)
ومن العجيب أن الدكتور ذكر هذه الانتقادات التي أثبتنا وهاءها فأظهرنا وكأننا نتكلم في الصحيحين بسوء مع أننا كان من أكبر وكدنا الدفاع عن هذين الكتابين العظيمين اللذين هما أصح الكتب في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان عليه أن يذكر مئات المواضع التي تعقبنا فيها الحافظ ابن حجر حينما لم يحالفه التوفيق حينما أنزل كثيرا من رجال الصحيحين إلى مرتبة أدنى مما هم عليه ففي حرف الألف فقط تعقبناه في الأرقام (6) و (17) و (27) و (46) و (58) و (76) و (84) و (110) و (159) و (205) و (222) و (303) و (334) و (359) وهم رجال احتج بهم البخاري واستعمل لفظة : (( صدوق )) فقط لهم ، وبينا أنهم ثقات لا ينبغي أن ينزلوا إلى هذه المرتبة ، وكذلك فيمن أخرج لهم مسلم ، ووصفهم بالصدق فقط ، كما في الأرقام (133) و (138) و (145) و (343) ، أو هما من رجال الشيخين واقتصر فيهما على هذه اللفظة ، وبينا أنهم ثقات ، كما في (358) و (552) وغيرها ، وهذا في حرف واحد ، فما بالك بالكتاب كله ؟ وإني لأعجب من صنيعه الذي كان ينظر فيه من جانب واحد وقرت في ذهنه صورة مسبقة في الإساءة إلينا ولم يتعقب الحافظ ابن حجر الذي انتقد انتقادات أشد من انتقاداتنا سواء أكان ذلك في رجال الصحيحين أم في غيرهم .
(1/24)
ومن سخريات الزمان أن يصف الدكتور عبد اللطيف طبعة تهذيب الكمال التي قضيت شطرا كبيرا من عمري في تحقيقه بأنها طافحة بالخطأ ولا أدري من أين جاء بهذا الرأي العجيب الغريب الذي لم يقل به أحد من أهل العلم ، ولا أدري إن كان يعلم أو لا يعلم بأن هذا الكتاب بمجلداته الخمسة والثلاثين قد طبع ست طبعات وأثنى عليه العلماء في مشارق الأرض ومغاربها ، ولعلي استحيي أن أذكر له نصوص ما قاله علماء أعلام مثل الشيخ العلامة سعيد حوى ، والشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة يرحمهما الله والشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي وجمهور غفير من العلماء الأعلام في هذا الكتاب فإن هذا مما يعرفه القاصي والداني وبدلا من أن يفتخر بعراقي استطاع خلال خمسة وثلاثين عاما من الاشتغال في هذا العلم ورغم الظروف الصعبة التي مر بها بلدنا المجاهد أن ينتج فيه أكثر من مئة وخمسين مجلدا ربما زادت صفحاتها على المئة ألف صفحة فإنه يهاجمه كل هذا الهجوم ، ولكننا لا نقول إلا بقول الله تعالى : ( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) [ البقرة ] .
(1/25)
ولم يتمكن الدكتور عبد اللطيف بعد كل هذا الهجوم العنيف إلا أن يعترف في الأقل بأنه يتعين أن يخضع لنا في خمس مئة ترجمة أخطأ فيها الحافظ ابن حجر فإذا عرفنا أن التقريب قد احتوى على قرابة الثمانية آلاف وثمان مئة ترجمة وأن قرابة خمسهم هم صحابة ، معدلون أصلا ، وأن خمس الكتاب أيضا هم ثقات لا يختلف فيهم اثنان قد أجمع العلماء على توثيقهم ، وأن خمسا آخر من الكتاب هم من الضعفاء والمتروكون (1) والكذابين اللذين لا يختلف في تجريحهم اثنان علمنا قيمة هذه الخمس مئة ترجمة التي أخطأ فيها الحافظ ابن حجر واستطعنا بحمد الله ومنه وتوفيقه وتسديده أن نعدل هذه الأحكام التي فيها الخدمة العظمى لسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - التي بمتابعتها تكون العزة والكفاية والنصرة والفلاح والنجاح وبمخالفتها أعاذنا الله الخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة ، مع تمام إيماننا حتى الآن في الأقل أننا لم نجانب الصواب في الألفي موضع التي انتقدنا فيها الحافظ ابن حجر ، كما ظهر للقارئ من تهافت طليعة الإيهام .
(5)
وإني إذ أكتب هذا الرد الوجيز لأتحدى الدكتور عبد اللطيف هميم بمناظرة (2) حول هذا الكتاب في المكان والوقت الذي يشاء خلال شهر تموز وبدعوة أهل العلم والمعرفة بهذا الشأن ، وإني أعد عدم استجابته لهذه المناظرة العلنية اعترافا بالهزيمة : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) [ آل عمران ] .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وكتبه
أفقر العباد بشار بن عواد
انتهى مقال الدكتور بشار عواد معروف .
__________
(1) كذا في الأصل ، والصواب : المتروكين .
(2) وقد حصلت مناظرة بحمد الله يوم الأربعاء الموافق 5 / 7 / 2000 في مجلس الشيخ بركات .
(1/26)
وقد كان من المقرر أن ينشر في الأسبوع اللاحق رد الدكتور عبد اللطيف هميم على مقالة الدكتور بشار عواد ، ولكن –كما ذكرنا – فإن الاتفاق حال دون ذلك ، ونحن نحترم عهودنا ومواثيقنا حتى وإن كنا نعتقد حيف ذلك الاتفاق وتجاهله لشواغلنا ، وها نحن الآن نسطر في هذا الكتاب الرد الذي أعددناه للنشر ، ولم ينشر ، فقلنا في حينها :
تهافت التهافت
- 1 -
(( ينبغي أن أقول ، ومنذ لحظة مبكرة ، إنني لم أكن متحمسا للرد على الهجوم الذي جاء في الأسبوع الماضي من الدكتور بشار عواد معروف ، والذي بدا لي غريبا ممعنا في غرابته .
ورحت أغالب مشاعري ، وأرد فهمي لطبائع الأشياء ، فإذا طبائع الأشياء كلها تقول : إنه عندما تختلط الأمور ، فإن ما يضيع ليس هو العلم فقط وإنما يضيع الإنسان نفسه .
ولعلها نوازع النفس – والنفس أمارة بالسوء – دفعت الدكتور بشار ، أن يهاجمني بكل هذا العنف ، ويرمي آخر النصال الباقية في جعابه ، وربما دفعه آخرون تواروا خلف واجهات ، وحرضوا غيرهم ، وابتعدوا هم .
ثم لعله العقل الباطن ، يدفع الكامن فيه إلى السطح ، ومن هنا لم أجد في رد الدكتور بشار ، غرابة مما لقيت وألقى ، فذلك شأنه .
وأشهد أنني كنت في شغل عن هذا كله ، لكنه الحظ ... وأشهد أنني لم أغضب ولم أتأثر من رد الدكتور بشار ، فقد كنت أعرف الحقيقة ، ومعرفة الحقيقة دائما مبعث ثقة ، وسند ، وسلام للنفس والضمير ... ولكن الذي غضب وهاجم وثار ، وأكل من أطراف ثوبي ، وسكت عن الحق ، وكتم شهادته ، يعرف نفسه .
والحقيقة ... فإن هجومه لم يزعجني ، بقدر ذلك القصد المقصود ، لأغراض في نفس يعقوب !!!
ولست أريد في هذا المقال أن أرد ، أو أدافع ، فما أظنني بحاجة إلى شيء من ذلك كله ، وأنا بطبعي لا أعتب على الناس ، أو على الزمان .
(1/27)
ويقينا أن هناك كثيرين غيري ، رأوا ما رأيت من أخطاء منهج الدكتور بشار وقرؤوا ما قرأت ... لكنهم فضلوا السكوت ، واعتقدوا بالحكمة القائلة : ( إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب ) !
والغريب ... إن الدكتور بشار قد استعجل في رده قبل أن يقرأ شيئا من كتابنا " كشف الإيهام " الذي ننوي طبعه ، ونشره في الأشهر الأربعة القادمة وهو كتاب لم يكن من خطتنا للعمل هذا العام 2000 م ، ولكننا وجدنا نشره ضروريا قبل أن ينزل صمت الأبدية ... ثم إن الأجل إذا جاء فإنه في يد ليس لبشر عليها سلطان .
ولعل أجيالا من بعدنا ، عندما تجيء فإنها ستحقق بين كتاب " التحرير " للدكتور بشار ، وكتاب " كشف الإيهام " وتدقق ، وتوازن ، ثم تعرف وتحكم ويفعل الله ما يشاء ويختار .
والحقيقة : فإن الاختلاف يجوز في قضية فكر ؛ لأنها موضوع ( اجتهاد ) لكن الخلاف غير جائز في قضية علم ؛ لأنها موضوع ( قانون ) .
ومنذ البدء ، فإننا أشير إلى اختلاف منهج الشيخ شعيب الأرنؤوط عن منهج الدكتور بشار عواد ... وأذكر هنا مثالين :
الأول : عبد الله بن محمد بن عقيل : في التحرير ( 3592 ) : (( ضعيف يعتبر به )) في حين أن الشيخ شعيب يحسن له مطلقا .
الثاني : محمد بن إسحاق : في التحرير ( 5723 ) : (( ثقة )) في حين الشيخ شعيب يحسن له ، ولا يرقيه إلى مراتب الثقات .
واللافت للنظر أن الشيخ شعيب لم يذكر في كتبه التي زادت على ( 150 ) مجلدا كتاب ( التحرير ) ! وهنا يلح السؤال : لماذا ؟
موافقات هي ... أم شيء أكثر ؟
والطريف ... إن هذا الكتاب وأقصد به ( التحرير ) الذي أثيرت حوله ضجة في العالم الإسلامي ؛ فإنه في الحقيقة لم يحض بالقبول ، لا بل إن طبعة الكتاب البالغة ( 500 ) نسخة ، لم تنفد طوال السنوات الثلاث الماضية ، وأكثر من ذلك ، فإن هذا الكتاب قد انخفض سعره إلى أقل من النصف !
ثم ماذا ... ؟
(1/28)
لم يحبس الدكتور بشار شيئا في صدره ، وراح يفيض ، والحقيقة فإني أحسست وأنا أقرأ في رده بنوع من الهدوء الداخلي ... ونوع من الصفاء الفكري والنفسي العميق خاصة بما قاله عني بالنص : (( إن الدكتور عبد اللطيف لا بضاعة له في هذه الصناعة ، ولا نعرف له فيه كتابا ، ولا حتى بحثا أو مقالة ولا تخصصا ، ولا ممارسة ، ولذلك جاءت مقالته مقالة حاطب ليل ، لا يدري ماذا يحتطب )) .
أليس هذا كله غريبا ؟ أليس فيه ما يدعونا إلى التحفظ ؟ أليس من العيب أن تصبح هذه حجة ؟
ويكفيني أن أقول : إنني كنت أحاضر في الفلسفة الإسلامية في الجامعة ، التي كان يرأسها بشار عواد نفسه فترة سنين ، في حين أنني لم أكن صاحب اختصاص في الفلسفة الإسلامية ، وناقشت وأشرفت على عشرات الرسائل في الماجستير والدكتوراه ... فهل كنت صاحب اختصاص ؟
ثم ... هل كانت المئات ، بل الألوف من ألمع المفكرين والباحثين والمجتهدين أصحاب اختصاص فيما فكروا وبحثوا واجتهدوا ؟!
إنني أريد أن أسأل ، ويكفيني مقدما أي جواب ، والحق أني لم أمارس في ذلك كله أكثر من دور الباحث ، وهو أمر طبيعي لشخص لم يحترف غير البحث والتأليف والكتابة لمدة وصلت الآن إلى خمس وثلاثين سنة .
ومع ذلك ، فأنا لم أدع لنفسي احتكار الحقيقة ، أو احتكار تفسيرها ، ولكني اتخذت مواقف ، وأبديت آراء ، تقبل الصواب والخطأ .
ومن الإنصاف للحقيقة في أقل تقدير ، أن أقول : إن ابني ( سرمد ) الذي لا يتجاوز عمره الأربع عشرة سنة ، له القدرة على تخريج الأحاديث من أي مصدر يشاؤه الدكتور بشار .
وهنا يحضرني قول أمير الشعراء ( أحمد شوقي ) من انهم غلبوا على أعصابهم فتوهموا أوهام مغلوب على أعصابه !
وإذا كان الدكتور بشار، وصفني بأني (حاطب ليل ، لا يدري ماذا يحتطب) ؟! فالحمد لله ... فإنني لا أكتب إلا في الهواء الطلق ، وفي الضوء لا في الظلمة وأخطب على المنابر أمام الناس ، وأعتقد إن صوتي مسموع لمن يريد أن يسمع .
(1/29)
وهنا ... أقترح على الدكتور بشار أن لا يرمي سنارة الصيد في النهر ، قبل أن يتأكد أن هنالك سمكا تحت الماء .
أما أنه يريد الاستفراد وحده بعلم ( الجرح والتعديل ) في العالم الإسلامي فهذا ما لا يقبله عقل عاقل .
وأما أن يتجاوز الدكتور بشار حدود الحوار فيتهمني بالسرقة من مقدمة كتابه : " الجامع الكبير " فهذا ما لا يستحق أن أرد عليه ، لأنني لا أرضى لنفسي أن أكون ريحا في زوبعة هوجاء ، وإنما ذكر ما ذكر على سبيل التعريض بأن من اعتذر بمثل هذا العذر المقبول لدينا لا يسعه ادعاء نسخ لا وجود لها وهو معذور في ذلك لو لم يدع هذا .
واعتذرنا بعذره لنقول له : بأن مثل هذا لم يجعلنا نبحث عن نسخ كتلك النسخ التي ذكر على قاعدة – إن اللبيب بالإشارة يفهم – وربما جاء في الصمت ما هو أبلغ من كل كلام .
وراح الهجوم لا يلوي على شيء .
ولعل في ذهني سؤالا واحدا ، يطرح نفسه علي بغير صخب ، وبغير إلحاح ... والسؤال هو : ولكن ما هي الحقيقة ؟
كل هذه تفسيرات ولها شواهد ، وقد تكشف ، وبالتالي قد تريح ، ولكن هل يمكن القبول بها حقيقة نهائية ومطلقة ؟
والحقيقة من وجهة نظري ، أن الدكتور بشار ، والشيخ شعيب الأرنؤوط قد أخذا نص التقريب لطبعة الشيخ ( محمد عوامة ) ، وهذا يعني أنهما أخذا ( 8826 ) نصا ، والمشكلة أن نص التقريب من كتاب التحرير مأخوذ من الشيخ ( محمد عوامة ) ، والطريف أن غالب الخطأ الذي حصل في طبعة الشيخ ( محمد عوامة ) قد انتقل بدوره إلى " التحرير ".
والآن .. أود أن أبين ما جاء في مقال الدكتور بشار من المغالطات ، إيضاحا للحق ، وتبصيرا للقراء ، ليس غير .
أولا : جاء في مقال الدكتور : (( وهو – أي : تحريره – كتاب أثار ضجة في العالم الإسلامي كما قال الدكتور عبد اللطيف لما فيه من الآراء والدراسات الجادة والقواعد المنهجية المتينة )) .
(1/30)
قلنا : مازلنا على قولنا بأن " التحرير " أثار ضجة ؛ لكن ليس سببها ما فيه من الآراء والدراسات الجادة والقواعد المنهجية المتينة ، وإن كانت موهمة أنها من قولنا على حد عبارة الدكتور ، التي بنيت بطريقة لغوية توهم أن العبارة الأخيرة من كلامنا وليست كذلك ، فنحن وإياه على غير خلاف في الضجة المثارة ؛ ولكنا غير متفقين في سبب الضجة ، فنحن لا نلقي كلامنا جزافا – بحمد الله – نعم .. الكتاب أثار ضجة في العالم الإسلامي ؛ لما فيه من الآراء والدراسات الشاذة ، إذ لو كانت الدراسات واقعة أصلا – فضلا عن كونها جادة – لكانت النتائج سليمة ، فما بني على أصل صحيح كان صحيحا ، وما بني على أصل فاسد كان ... .
ويكفينا في هذه العجالة المقتضبة أن نورد بعض الأدلة على ما قلناه كي لا يكون الأمر تزويقا لعبارات ، ولهج بأوهام لا حقيقة لها :
أ. في الترجمة ( 6883 تحرير ) مندل بن علي العنزي . حكم عليه الحافظ ، فقال : (( ضعيف )) ، فعلق المحرر هناك بقوله : (( تدل دراسة ترجمته أنه لم يكن شديد الضعف ، فهو ممن يعتبر به في المتابعات والشواهد )) .
قلنا : هذا كلام من لا يجعل طلب الحقيقة المحضة نصب عينه ، إذ أي دراسة هذه التي يزعم الدكتور أنه أجراها ، وعن مندل نفسه يقول ابن القطان الفاسي – وهو من هو - : (( هو غاية في الضعف )) (1) .
ونقل ابن عدي عن السعدي – وهو الجوزجاني – أنه قال : (( مندل وحبان واهيا الحديث )) (2) ، فمن أين جاءت الدراسة ؟!
ثم إن الراوي من رجال أبي داود وابن ماجه ففتشنا أحاديثه في سنن ابن ماجه فوجدناها تسعة أحاديث ، حكم الدكتور بشار في تحقيقه لسنن ابن ماجه بضعفها جميعا ، وأرقامها : ( 1247 ، 1297 ، 1300 ، 1312 ، 1551 ، 1608 ، 1755 ، 1960 ، 3435 ) . فأين كانت دراسته حينها ؟!
__________
(1) بيان الوهم والإيهام 3 / 112 عقيب 804 .
(2) الكامل 8 / 216 .
(1/31)
وهذا إما تقصير في البحث عن الراوي عند تحقيق سنن ابن ماجه أو خطأ في دراسة التحرير .
وأزيد الدكتور العزيز واحدة وهي : أنه عند تضعيفه لتلك الأحاديث أعلها جميعا بمندل هذا ، وقال عنه : (( ضعيف )) ، وهو ممن يفرق بين ضعيف ، وضعيف يعتبر به (1) ، فأي تناقض عجيب هذا ؟!
ب. في الترجمة ( 6977 تحرير ) : موسى بن طارق اليماني أبو قرة الزبيدي . حكم عليه الحافظ فقال : (( ثقة يغرب )) ، فتعقبه المحرر بقوله : (( قوله : (( يغرب )) مما تفرد به ابن حبان ، وأخذها منه المصنف، ولا معنى لذكرها )) .
هذه هي دراسته الجادة !!
ونقول له : بل لها معنى فقد ساق له ابن المظفر في " غرائب مالك " (2) حديثا أغرب فيه ، وفصلنا القول فيه في كتابنا " كشف الإيهام " (3) ، ولشيخنا العلامة النحرير الدكتور هاشم جميل كلام نفيس نقلناه بحروفه في الموضع المذكور آنفا .
ولم يسع الدكتور بشار في تعليقه على الموطأ (4) إلا أن يعترف بإغراب أبي قرة ، فقال : (( وهو كما ترى لا يصح عن مالك ، لإغراب أبي قرة دون أصحاب مالك الثقات الأثبات الذين رووه مرسلا )) (5) ، فأين كانت دراساته الجادة عند تحقيقه للموطأ ، أم أنه حقق الموطأ من غير دراسة جادة ؟!
ج. في الترجمة ( 6017 تحرير ) محمد بن عبد الله بن الزبير أبو أحمد الزبيري . حكم عليه الحافظ فقال : (( ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري )) .
__________
(1) مقدمة التحرير 1 / 48 .
(2) ص 122 رقم 105 .
(3) الترجمة 507 .
(4) برواية يحيى بن يحيى الليثي 2 / 290 .
(5) الغريب في الأمر أن الدكتور بشار كتب على طرة تحقيقه للموطأ أنه طبع سنة 1996 ، واعتمد على كتاب غرائب مالك المطبوع سنة 1998 ، فلا ندري كيف يكون هذا ؟ وقد سبقنا بالإشارة إلى مثل هذا الأستاذ عبد المجيد تركي في مقدمة تحقيقه لموطأ مالك برواية القعنبي .
(1/32)
فاشتد نكير المحرر عليه فقال : (( قوله : (( إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري )) أخذه من قول أحمد الذي تفرد به حنبل بن إسحاق عنه : (( كان كثير الخطأ في حديث سفيان )) ، وهو قول فيه نظر ... الخ كلامه .
وقول الحافظ قول محقق ، فإن الراوي أخطأ في حديث أخرجه الترمذي (1) ، وأشار إلى خطأ أبي أحمد أبو زرعة وأبو حاتم والترمذي ، وتناولناه بالتفصيل في كتابنا " كشف الإيهام " (2) .
ومما يزيدنا ثقة بتلك الدراسات الجادة ! أن يعترف الدكتور بشار نفسه بخطأ أبي أحمد الزبيري في تعليقه على جامع " الترمذي " (3) ، وكذلك شريكه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على " سير أعلام النبلاء " (4) .
فليس أمام الدكتور إلا أن يتجرع مرارة الاعتراف بأحد أمرين أحلاهما مر : فإما أن يعترف بعدم إجراء دراسات جادة عند تحقيقه لجامع الترمذي ، وكذا شريكه الشيخ شعيب ، أو يعترف بخطأ دراسته الجادة ! التي تعقب بها الحافظ ابن حجر في تحريره .
د. في الترجمة ( 3273 تحرير ) : عبد الله بن حسان التميمي ، أبو الجنيد العنبري . حكم عليه الحافظ فقال : (( مقبول )) ، فتعقبه المحرر فقال : (( بل : صدوق حسن الحديث ، فقد روى عنه جمع غفير ، وذكره ابن حبان في " الثقات " ، ولا يعلم فيه جرح )) .
هكذا كانت نتيجة الدراسة الجادة للدكتور !!!
نقول : الكلام في هذا الراوي فصلنا القول فيه في كتابنا " كشف الإيهام " (5) ولكن لا بأس من الإشارة السريعة إلى بعض ما ذكرنا :
__________
(1) 2995 ) .
(2) الترجمة ( 464 ) .
(3) 5 / 100 – 101 .
(4) 15 / 30 .
(5) الترجمة ( 333 ) .
(1/33)
والشيء الذي نود البدء به هنا أن هذا التعليق نقله الدكتور من هامش " تهذيب الكمال " (1) ، وهو بدوره كان قد تلقفه من تعليقات الشيخ الفاضل محمد عوامة على " الكاشف " (2) ، إلا أن الأخير لم يجزم بكون الذي ذكره ابن حبان هو هذا الراوي بعينه ، في حين جزم الدكتور – كما ترى - بذلك ، والذي ذكره ابن حبان في " الثقات " (3) نسبه (( قردوسي )) وقال : (( أخو هشام بن حسان )) ، والكل يدري أن القرادسة بطن من الأزد ، وهذا الراوي عنبري وهم بطن من تميم ، وفرق بينهما الإمام البخاري في " التاريخ الكبير " (4) فلا ندري أي دراسة هذه التي تقود بصاحبها إلى التخليط وقلب الأمور ؟
هـ. وفي خاتمة القول أسوق ترجمة كاملة بنصها من كتابنا " كشف الإيهام " (5) ليدرك الدكتور بشار – قبل غيره - أنه ليس لديه لا دراسات جادة ولا غير جادة ، وأن الأمر ليس إلا أوهاما وتخليطات .
فنقول :
( 243 تحرير ) إبراهيم بن محمد الزهري الحلبي ، نزيل البصرة : صدوق يخطئ ، من الحادية عشرة . ق .
تعقباه بقولهما : (( بل : صدوق حسن الحديث ، كما قال الذهبي في " الكاشف " ، وكلمة (( يخطئ )) أخذها من ابن حبان ، ولا نعلم من أين جاءه الخطأ ، وليس له في الكتب الستة سوى حديث واحد عند ابن ماجه ( 780 ) رواه عن يحيى بن الحارث الشيرازي وهو ثقة وإن قال ابن حجر : (( مقبول )) كما سيأتي بيانه في موضعه ، وهو حديث : (( ليبشر المشاؤون في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة )) ، وقد توبع عليه إبراهيم بن محمد الحلبي ، كما ذكر البوصيري ، ورقه : 53 ، وقال أبو الفضل العراقي : حسن غريب . وذكره ابن خزيمة في " صحيحه " واستغربه وصححه الحاكم ، فهو حديث حسن )) .
__________
(1) 4 / 112 .
(2) 1 / 545 .
(3) 8 / 337 .
(4) 5 / 73 الترجمتين ( 190 ، 192 ) .
(5) الترجمة ( 74 ) .
(1/34)
- قلنا : هما بين الناس أعلم من هذا ، ولولا قراءة العينين له لكذبنا في سماعه آذاننا فموارد الاعتراض فيه عليهما كثيرة منها :
1 – إضافة لفظة : (( يخطئ )) إلى : (( صدوق )) لا بد منها ، فالرجل استغرب من حديثه ما استغرب وأخطأ في بعض مروياته ، كما يدل عليه قول ابن حبان .
واعتراضهما على الحافظ أنه أخذها من ابن حبان ( 8 / 75 ) لا يضير الحافظ في شيء ، وقد أدرك الشيخ محمد عوامة ضرورة ذلك عند تعليقه على الكاشف ( 1 / 224 الترجمة 199 ) عند قول الذهبي : (( صدوق )) فقال : (( الأولى أن يزاد (( يخطئ )) على قول المصنف فيه كما قال في التقريب )) .
وكذلك اعتمد البوصيري قول ابن حبان فضعف الحديث بسبب ذلك كما سيأتي ، على أن المحررين يعتمدان قول ابن حبان في الجرح إذا أرادا واشتهيا ، كما في مقدمتهما للتحرير ( 1 / 34 الفقرة : 5 و 6 ) ، فما لهما عجبا من الحافظ لما أفاد من قول ابن حبان ، وعجبا من قول ابن حبان بقولهما : (( ولا نعلم من أين جاءه الخطأ )) .
2 – قولهما : (( وليس له في الكتب الستة سوى حديث واحد )) لا يلزم منه أن ليس له خارج الستة أحاديث غيرها سبرها ابن حبان ، وقال فيه هذا الحكم وحمل كلام ابن حبان على الاستقصاء أحرى من تركه من غير استقصاء فمع ما فيه من تقديم سوء الظن ؛ فيه تخطئة بلا دليل .
3 – قولهما : (( قد توبع عليه إبراهيم بن محمد الحلبي كما ذكره البوصيري ورقه : 53 )) .
قلنا : هذا كلام غير صحيح ، يعوزه التحقيق والدقة والأمانة ؛ فإن هذا الحديث من حديث سهل بن سعد الساعدي ، تفرد به إبراهيم بن محمد ولم يتابع عليه ، فقد رواه ابن ماجه ( 780 ) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي ، قال : حدثنا يحيى بن الحارث الشيرازي ، قال : حدثنا زهير بن محمد التميمي ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي فذكره .
(1/35)
ورواه ابن خزيمة ( 1498 ) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي البصري بخبر غريب غريب ، قال : حدثنا يحيى بن الحارث الشيرازي وكان ثقة وكان عبد الله بن داود يثني عليه ، قال : حدثنا زهير بن محمد التميمي .
ورواه ابن خزيمة أيضا برقم ( 1499 ) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد قال : حدثنا يحيى بن الحارث ، قال : حدثنا أبو غسان المدني ، كلاهما ( زهير ، وأبو غسان ) عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي فذكره .
فأين المتابعة أيها المحرران ؟! ولو كان متابعا فكيف يضعفه البوصيري كما سيأتي ، وكيف يقول ابن خزيمة فيه : (( حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي البصري بخبر غريب غريب )) ، فما معنى الغرابة إذن ؟!
ثم إذا كان متابعا فكيف يقتصر الدكتور بشار على تحسين إسناده في تعليقه على سنن ابن ماجه ( 2 / 87 ) مع أنه شرط في مقدمة تحقيقه لسنن ابن ماجه ( 1 / 24 ) أن الصدوق الحسن الحديث إذا توبع ارتقى حديثه إلى : صحيح .
وكذلك قال المحرران في مقدمتهما للتحرير ( 1 / 48 ) ، ثم كيف يقولان في آخر تعقبهما : (( فهو حديث حسن )) ؟ فأين المنهجية التي طالبتم بها الحافظ ابن حجر ؟
طالبتم بحرا يقلل مائه ومطرتم الصحراء بالقطرات
4 – نقلهما عن البوصيري ذكر المتابعة ، وعدم ذكرهما كلام البوصيري كاملا يخل بالأمانة ، فقد قدم البوصيري كلامه بقوله : (( هذا إسناد فيه مقال إبراهيم بن محمد هذا قال ابن حبان في " الثقات " : يخطئ )) .
فنقول لهما : لماذا تنقلان ما ينفعكم ، وتهملان غيره . فاتقوا الله وقولوا قولا سديدا .
(1/36)
5 – ثم إن نقلهما ذكر المتابعة لإبراهيم بن محمد الزهري : خطأ فاضح ، أو هو من التلاعب بكلام الأئمة النقاد – نسأل الله الستر والعافية – فإن المتابعة ليست لإبراهيم بن محمد – كما زعما – بل هي لزهير بن محمد كما سبقت عند ابن خزيمة ، ومن طريقه الحاكم ( 1 / 212 ) ، وها نحن أولاء نسوق كلام البوصيري كاملا كي لا يبقى في المسألة لبس ، قال البوصيري في مصباح الزجاجة ( الورقة / 53 من نسخة حلب ، 1/167 ط الحوت ، 1 / 99 ط الدار العربية ) : (( هذا إسناد فيه مقال ، إبراهيم ابن محمد هذا قال ابن حبان في " الثقات " : (( يخطئ )) ، وقال الذهبي في " الكاشف ": (( صدوق )) ، ولم أر لأحد ممن تكلم في الرجال كلاما غيرهما ، وباقي رجال الإسناد ثقات . لكن قال شيخنا أبو الفضل ابن الحسين ( هو العراقي ) رحمه الله تعالى في أماليه بعد أن ساقه من هذا الطريق : (( هذا حديث حسن غريب )) قال : وقد تابع زهير بن محمد عليه أبو غسان محمد بن طريف فساقه ( العراقي ) بسنده إلى يحيى بن الحارث الشيرازي : حدثنا أبو غسان ، عن أبي حازم ، فذكره بلفظ : (( بالنور التام )) انتهى . ورواه الحاكم بالسند المذكور ، عن زهير ، وأبي غسان جميعا )) .
قلنا : لكن المحرران لم ينتبها على سبب ذكر العراقي – رحمه الله – المتابعة لزهير بن محمد ، وسبب ذلك معروف عند أهل الحديث الذين جمعوا مع العلم العمل ، وهو أن أبا الفرج أورده في " العلل المتناهية " ( 686 ) بسند ابن ماجه ، وأعله بزهير ، ونقل عن البخاري قوله : (( زهير : حديثه منكر )) ، فساق العراقي المتابعة لزهير ليبرأ عهدته منه ويبقى الحديث فردا من أفراد إبراهيم بن محمد ، لذا قال فيه العراقي : (( حسن غريب )) وكذلك يفهم من صنيع ابن خزيمة .
ماذا أقول وهل هنالك فرصة ... لأصيح فيكم صيحة التذكير
(1/37)
حررتما التقريب لكن أسفا ... تحريركم يحتاج للتحرير
فإنا لله وإنا إليه راجعون . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فأي دراسة جادة هذه التي يزعمها الدكتور ، ومن سبر ثنايا " تحريره " تيقن أنه جعل الحافظ ابن حجر ندا له ، فإذا خالفه في توثيق شخص ذكر التوثيق حسب ولم يذكر التجريح ، وإذا كان العكس فالعكس ، وكتابنا " كشف الإيهام " خير دليل على ذلك .
ثانيا : وجاء أيضا في مقال الدكتور الكريم قوله : (( ولما فيه من التصحيحات لأحكام أعظم حافظ عرفه عصره ، هو الحافظ ابن حجر العسقلاني )) .
نقول : أبقيت ماذا – أيها الدكتور – لعصر أعظم حافظ فيه يخطئ في ربع كتاب استغرق في تأليفه وتحريره وضبطه ربع قرن ، إذ تقول في نهاية مقالك السابق : (( إذا عرفنا أن التقريب قد احتوى على قرابة الثمانية آلاف وثمان مئة ترجمة ، وأن قرابة خمسهم هم صحابة معدلون أصلا ، وأن خمس الكتاب أيضا هم ثقات لا يختلف فيهم اثنان قد أجمع العلماء على توثيقهم ، وأن خمسا آخر من الكتاب هم من الضعفاء والمتروكون (1) والكذابين اللذين (2) لا يختلف في تجريحه اثنان )) .
فأنت يا دكتور تحتاج لإيضاح أمرين أشكلهما كلامك :
الأول : أنك أهملت خمسين آخرين فلم تذكرهما تعمية منك على القراء وهذا هو شأنك ، وكأنك توحي إلى أن هذين الخمسين هما موطن ظهور الأصالة والاجتهاد ، ومجال اختلاف النقاد .
والثاني : إذا كنت قد تعقبت الحافظ ابن حجر في أكثر من ربع الكتاب من المجموع الذي ذكرته .
__________
(1) كذا في أصل المقال ، والصواب : والمتروكين .
(2) كذا في أصل المقال ، والصواب : الذين – بلام واحدة - .
(1/38)
عليه : فأنت تجرده من أي جهد علمي أو أصالة أو اجتهاد أو قوة في النظر في هذا الكتاب ، وهو الأمر الذي تخفيه ولا تبديه ، فأي عظمة بقيت لابن حجر وهو يخطئ فيما نسبته ( 35.04 % ) من تراجم الكتاب ؟ ولم هذا الوصف تحديدا ؟!
ومن المعلوم لدى الدكتور بشار أن قواعد نقد الرجال عند المحدثين كانت من الدقة بالمكان الذي يعرفه الدكتور قبل غيره ، ولنأخذ مثلا واحدا على هذا وهو الترجمة ( 2550 تحرير ) : سليمان بن داود بن الجارود ، أبو داود الطيالسي . حكم عليه الحافظ فقال : (( ثقة حافظ ، غلط في أحاديث )) ، فقال المحرر هناك : (( عمدة ابن حجر في هذا القول هو قول إبراهيم بن سعيد الجوهري : أخطأ أبو داود الطيالسي في ألف حديث . وهذا من المبالغات والتهاويل التي لا يعول عليها ولا يلتفت إليها ، قال الذهبي في " السير " : (( لو أخطأ في سبع هذا لضعفوه )) ... )) .
فإذا أخطأ الراوي في سبع الألف ( أي : مئة وثلاث وأربعين تقريبا ) ضعف من قبل المحدثين ، أفيكون من يخطئ في أكثر من ألفين وخمسمائة ترجمة – على زعم الدكتور – أعظم حافظ في عصره ؟
ثم أي تصحيحات تلك التي يتبختر الدكتور بها ، وقد أربت استدراكاتنا على التحرير على ألفي موضع ؟ حتى قلنا :
قد كنت في بعض الأمور محاولا ... أن لا تكون كثيرة التجهيل
شاهدت أشياء فجئت ببعضها ... وتركت بعضا خيفة التطويل
فهل هذا إلا مسخ للحقيقة ومحاولة الرقي على حساب الآخرين ؟
عتبي على قوم نظن صلاحهم ... جاؤوا بهذا رغبة التحرير
ما كان أغنى مثلهم عن مثله ... كيلا يكونوا عرضة التقصير
ثالثا : وقال الدكتور في مقاله : (( ولكن الذي قرأته في مقالة الدكتور عبد اللطيف كان سيلا من التجريح الذي لا أدري ما الدافع إليه ولا الغاية المرجوة منه )) .
(1/39)
من باب الأمانة العلمية التي استشعرها دائما أقول : إن الدكتور في كلماته هذه كان عديم الأمانة ، إذ إننا لم نصفه بشيء من التجريح ؛ ولكننا أعلنا نتائج بحثنا كأي باحث مكفول له هذا الحق ، وقد استعجل الرد عليها دون أن يقرأها .
وإذا كانت لدى الدكتور استعدادت ليصفنا بأننا : حاطب ليل ، لا بضاعة لي في هذا العلم ، و ... و ... ، فإن أخلاقي تمنعني من أن أبتدئه بمثل صنيعه ، ورحم الله الشاعر إذ يقول :
إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفا ... أن نبتدي بالأذى من كان يؤذينا
ولم نزد على أن ذكرنا أن نتائج بحثنا كانت كذا وكذا ، كما يفعل كل الباحثين المتحررين المنصفين ، أما وقد ابتدأنا الدكتور بشار بالأذى فلن نقف مكتوفي الأيدي فرقا منه ، ولكننا لن أتجاوز حدود اللياقة تنزيها لأنفسنا ولأسماع القراء عما اجترأ عليه الدكتور .
نقول : بم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو الذي نسب (1) إلى البخاري أنه وثق عطاء ابن أبي مسلم الخراساني ، ومعاذ الله أن يكون البخاري قد وثق عطاء ، بل الأمر على النقيض من هذا إذ نص البخاري على تضعيفه فساقه في ضعفائه (2) ونقل ذلك الإمام الذهبي (3) .
__________
(1) التحرير 3 / 17 الترجمة ( 4600 ) .
(2) الترجمة ( 278 ) .
(3) ميزان الاعتدال 3 / 74 .
(1/40)
بل بم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو الذي تقول على الإمام الترمذي في الموضع نفسه ، فادعى أنه نقل في " علله الكبير " عن البخاري أنه قال عن عطاء : (( رجل ثقة ، روى عنه الثقات ... )) ، وهذا غاية في التخليط إذ هذا القول في " العلل الكبير " (1) وهو مصدر بـ ( قال أبو عيسى ) ، وفي هذا النقل تعمية للقراء عن النقل الصحيح للإمام الترمذي عن الإمام البخاري (2) إذ قال الترمذي ما نصه : (( سألت محمدا عن هذا الحديث ، فقال : شعيب بن رزيق مقارب الحديث ؛ ولكن الشأن في عطاء الخراساني . ما أعرف لمالك بن أنس رجلا يروي عنه مالك يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني . قلت : ما شأنه ؟ قال : عامة أحاديثه مقلوبة )) .
ثم بم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو الذي في نهاية النقل السابق عن البخاري قال : (( ولم أسمع أحدا من المتكلمين تكلم فيه بشيء )) ، والبخاري نفسه أورد عطاء في " تاريخه الكبير " (3) وساق بسنده إلى القاسم بن عاصم قلت لسعيد بن المسيب : إن عطاء الخراساني حدثني عنك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الذي واقع في رمضان بكفارة الظهار ، قال : كذب ما حدثته ، إنما بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : تصدق )) .
وبم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو القائل في الترجمة ( 3592 ) : عبد الله بن محمد بن عقيل ابن أبي طالب الهاشمي : (( وما حسن الرأي فيه سوى الترمذي وشيخه البخاري ، فقال الأول : صدوق ، وقال الثاني : مقارب الحديث )) .
__________
(1) ص 273 الترجمة ( 500 ) .
(2) أي : قبله بصفحة واحدة ، ص 271 الترجمة ( 495 ) .
(3) 6 / 474 الترجمة ( 3027 ) .
(1/41)
نقول : قد حسن الرأي فيه غيرهما كثير منهم : الذهبي (1) وابن العربي (2) والعجلي (3) والحاكم (4) والبوصيري (5) والسيوطي (6) وأبو الفتح اليعمري (7) وابن حجر (8) والشيخ شعيب في جميع تحقيقاته .
وبم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو القائل في الترجمة ( 5817 ) : (( بل لا نعلم من حسن الرأي فيه )) .
وقد قال الحافظ في تهذيب التهذيب (9) : (( وقال الحسين بن حسن الرازي ، عن ابن معين : ثقة )) .
وبم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو القائل في الترجمة ( 5960 ) : (( ولا نعلم فيه جرحا )) ، والحق أن ابن القطان الفاسي قال : (( لا تعرف أيضا حاله )) (10) 0) ، وقد نقله الدكتور نفسه في تعليقه على " تهذيب الكمال " (11) 1) ، فالدكتور يعلمه ويريد منا أن لا يصفه أحد بـ ... .
وبم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو القائل في الترجمة ( 1531 ) : (( ولم يوثقه أحد )) ، علما أن مقتضيات الأمانة العلمية أن يذكر أن أحدا لم يمسه بجرح أيضا كما فعل ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (12) .
__________
(1) في المغني الترجمة ( 3337 ) ، وفي الميزان 2 / 485 .
(2) أحكام القرآن 1 / 400 .
(3) ثقاته 2 / 57 .
(4) تهذيب التهذيب 6 / 15 .
(5) مصباح الزجاجة 1 / 222 .
(6) الجامع الصغير ( 8193 ) .
(7) فيض القدير 5 / 527 .
(8) تغليق التعليق 4 / 461 ، التلخيص الحبير 2 / 108 .
(9) 9 / 118 .
(10) 10) بيان الوهم والإيهام 3 / 509 عقيب ( 1281 ) .
(11) 11) 6 / 347 الترجمة ( 5883 ) .
(12) 3 / 32 .
(1/42)
ولكن الذي يفت الأكباد ويضرم نار اللوعة أن يتجاهل الدكتور الدافع لتلك النتائج التي أسفر عنها بحثنا ، ويشهد الله أنه ما دفعنا لأن نزج أنفسنا في هذا المعترك الصعب ونجشمها أصناف التعب إلا الغضبة لله لانتهاك سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، أم تراه غاب عن ذهن الدكتور - وهو يكيل لنا سيل التهم - أن الله يقيض لسنة صفيه - صلى الله عليه وسلم - حماة في كل عصر ومصر ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين .
ولعل الدكتور بشارا نسي أو تناسى ما روى عن السلف في ذلك ، فإن كان الأمر هكذا فإننا نسوق له بعض ذلك :
أ. روى ابن الجوزي في مقدمة " الموضوعات " (1) عن سفيان قال : (( ما ستر الله أحدا يكذب في الحديث )) .
ب. وروى عن ابن المبارك : (( لو هم رجل في السحر أن يكذب في الحديث لأصبح الناس يقولون : فلان كذاب )) (2) .
ج. وعن سفيان الثوري قال : (( لو هم رجل أن يكذب في الحديث وهو في بيت في جوف بيت لأظهر الله عليه )) (3) .
د. وعن قبيصة قال : سمعت سفيان يقول : (( الملائكة حراس السماء ، وأصحاب الحديث حراس الأرض )) (4) .
ولو ذهبنا نستقصي ما روي عن سلفنا في ذلك لطال بنا المقام ، وخرج بنا عن مقصوده ، وفيما ذكرناه عبرة : { لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } (5) .
__________
(1) 1 / 48 .
(2) مقدمة الموضوعات 1 / 49 .
(3) سير أعلام النبلاء 7 / 248 .
(4) سير أعلام النبلاء 7 / 274 .
(5) سورة ق : 50 .
(1/43)
وتذهب الأفكار بعيدا بالدكتور بشار فيظن سكوت الناس إقرار له على ما صنع وسيصنع في كتبه ؛ ولكن الخوف من سطوة لسانه و ... ألجمهم عن الكلام ، وليقرأ إن أراد أن يعرف عاقبة أمره قول الإمام الذهبي - رحمه الله - : (( فحق على المحدث أن يتورع في ما يؤديه وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى مجالس العلماء والتحري والإتقان وإلا تفعل :
فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك بالمداد
قال الله تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } فإن آنست يا هذا من نفسك فهما وصدقا ودينا وورعا وإلا فلا تتعن ، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب فبالله لا تتعب ، وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فأرحنا منك فبعد قليل ينكشف البهرج وينكب الزغل ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ، فقد نصحتك فعلم الحديث صلف فأين علم الحديث ؟ وأين أهله ؟ كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب )) (1) .
وعندئذ سيعلم الدكتور بشار – ولات ساعة مندم – أن الله تعالى يناضح عن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وأن أطواد الحق شامخة ، وأن مراكب الزيف غارقة ، ولذا قيل : (( من طلب الحديث لغير الله مكر به )) (2) ، وإنا ناصحون أمناء – إن شاء الله – للدكتور أن يراجع نفسه ويعاود النظر في أوراقه ، فيجعل نيته خالصة لوجه الله لا لشهرة ولا مال ، فـ { كل شيء هالك إلا وجهه } (3) .
__________
(1) تذكرة الحفاظ 1 / 4 .
(2) هو قول حماد بن سلمة ، انظر : حلية الأولياء 6 / 251 ، وسير أعلام النبلاء 7 / 448 .
(3) سورة القصص : 88 .
(1/44)
رابعا : وصف الدكتور بشار " الطليعة " بأنها طافحة بالخطأ ، وما هذا من الدكتور إلا غاية في الأمانة ؟!! وسنرجئ الرد عليه فقرة فقرة إلى مكان قريب، لكن الذي آسف عليه أن كثيرا من الذين في صدورهم ريب { فهم في ريبهم يترددون } (1) ، اغتروا بقوله هذا وصورت لهم هممهم القاصرة عن تقصي الحقائق أن الصدق فيها بجانب الدكتور لسلاسة الأسلوب وخلط الموازين ؛ ولكن الله يأبى إلا أن ينصر الحق { ولتعلمن نبأه بعد حين } (2) .
خامسا : جاء في مقال الدكتور قوله : (( ومن العجيب أن الدكتور ذكر هذه الانتقادات التي أثبتنا وهاءها فأظهرنا وكأننا نتكلم في الصحيحين بسوء مع أننا كان من أكبر وكدنا الدفاع عن هذين الكتابين العظمين )) .
نقول : لم يبق في جعاب الدكتور بشار إلا الرطن بكليمات يستجدي بها عواطف الناس ، فيظهر لهم أنه منافح عن الصحيحين ، و الحقيقة أن أفعاله تخالف أقاويله ، إذ أنه تطاول على صاحبي الصحيحين ، ولم يرع لهما حرمة ؛ وإليك الأمثلة على ذلك :
أ. في ( 1 / 38 من التحرير ) مثل المحرر بحريز بن عثمان الرحبي على عدم اعتداد المحدثين بعقائد الرواة في ميزان النقد عندهم ، إذ حريز مشهور بالنصب ومع ذلك فقد أجمع الأئمة على توثيقه .
لكن الامام البخاري نقل في " تاريخه الكبير " (3) عن أبي اليمان أن حريزا رجع عن النصب ، ولعل هذا لم يرق للدكتور فتطاول على صنيع البخاري إذ أخرج له في صحيحه ، فقال الدكتور بلسان ذرب سلط : (( ولعل هذا هو السبب الذي جعله يخرج له في الصحيح حديثين ، وما فعل حسنا ، فانظر تعليقنا على ترجمته )) (4) .
__________
(1) سورة التوبة : 45 .
(2) سورة ص : 88 .
(3) 3 / 103 .
(4) تهذيب الكمال 5 / 572 ، ط1 .
(1/45)
ولما نظرنا في تعليقه على ترجمته وجدناه علق على قول الفلاس فقال : (( والله لا أدري كيف يكون ثبتا من كان شديد التحامل على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ، نعوذ بك اللهم من المجازفة )) .
ولعل الدكتور يظن أنه هو الذي فعل حسنا فضرب بتوثيق الأئمة عرض الحائط ، وابتدع لنا قولا الله أعلم بالدافع له ، فخرق الاجماع وخالف الجمهور (1) .
ب. في الترجمة ( 381 من التحرير ) : إسحاق بن محمد بن إسماعيل الفروي . حكم الدكتور عليه بالضعف المطلق ، ولما كان إسحاق هذا من رجال البخاري جاء الدكتور بنقل ينم عن كثير توقير لصاحبي الصحيحين ودفاع عنهما إذ اعتمد قول من قال : (( وقد روى عنه البخاري ويوبخونه في هذا )) . أفمن ينقل هذا ويرتضيه يدافع عن الصحيحين أم ... ؟ !!
ورحم الله ابن القيم إذ قال :
وحاطب الليل في الظلماء منتصبا ... لكل داهية تدني من العطب
ج. في الترجمة ( 5065 من التحرير ) : عمرو بن عبد الله بن عبيد ، أبو إسحاق السبيعي . لم يعبأ المحرر بقول الإمام البخاري فقال : (( وقول البخاري يشير إلى أن ما رواه أبو إسحاق بطريق العنعنة غير مقبول ، وهذا غير مسلم له ، فقد روى هو حديثين لأبي إسحاق بطريق العنعنة (2) ) . علما أن الدكتور اضطرب جدا بخصوص مرويات أبي إسحاق ، كما أوضحناه في كتابنا " كشف الإيهام " (3) .
ماذا يقال وقد تجاوز حده ... تحريركم أيها الشيخان
لم تبق في علم الحديث مقالة ... لم تهدماها دونما بنيان
إن تتركا " التقريب " غير محرر ... هذا لعمري غاية الإحسان
__________
(1) انظر في تفصيل هذا القول الشاذ المبتدع نقدنا لمقدمة التحرير 1 / 175 .
(2) ابن ماجه 2 / 398 عند الحديث ( 1235 ) .
(3) الترجمة ( 416 ) .
(1/46)
د. زد على ذلك أن الدكتور ضعف العديد من رجال الصحيحين ، فهو منازع لهما ، وكنا قد سردنا بعض ذلك في " الطليعة " وفصلنا القول فيهم في كتابنا " كشف الإيهام " بما يثلج صدر المحب لسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
ولعل الدكتور بشار وكذلك القارئ الكريم قد تسرب الملل إلى أنفسهم لكثرة الإحالة إلى كتابنا " كشف الإيهام " دون أن يطلعوا على شيء مما فصلنا النقد فيه ، فنود أن نسوق في هذه العجالة نماذج لما ذكرنا في الكتاب ليكونوا على دراية بكثرة التهافتات في التحرير المزعوم للدكتور بشار عواد ، فنقول :
227 - ( 1227 تحرير ) الحسن بن أبي الحسن البصري ، واسم أبيه : يسار ، بالتحتانية والمهملة ، الأنصاري مولاهم : ثقة فقيه فاضل مشهور ، وكان يرسل كثيرا ويدلس ، قال البزار : كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز ويقول : حدثنا وخطبنا ، يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة ، هو رأس أهل الطبقة الثالثة ، مات سنة عشرة ومئة ، وقد قارب التسعين . ع .
- قلنا : نبه هنا المحرران على شيء ما ، فقالا : (( ينبغي التنبه أن تدليس الحسن قادح إذا كان عن صحابي ، أما إذا كان عن تابعي فلا ، ولابد من هذا القيد )) .
قلنا : هذه قاعدة استخرجاها من كيسهما ، وما في غرائبهما مثلها فلقد نمت أولا : عن جهل بأبسط قواعد مصطلح الحديث ، وثانيا : محاولتهما اختراع قواعد ، والتقول بما لم يقل به سابق قبلهما .
فمن المعروف بداهة لمن له أدنى ممارسة وطلب في هذا العلم الشريف ، أن من عرف بالتدليس لم تقبل عنعنته مطلقا ، وإن كانت عن معاصر ، وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين ، ( النكت على كتاب ابن الصلاح 2 / 633 ) بل : نقل النووي في " المجموع " (1) الاتفاق على رد عنعنة المدلس ( أنظر : التقييد والإيضاح ص 99 ، وظفر الأماني ص 389 ) .
__________
(1) 4 / 466 ، وكذلك أعاد ذلك في شرحه على صحيح مسلم ( 2 / 199 طبعة الشعب ) .
(1/47)
بل : نقل الرامهرمزي ( المحدث الفاصل ص 450 ) والخطيب البغدادي ( الكفاية ص 515 ) عن بعض الفقهاء وأهل الحديث : رد حديث المدلس مطلقا سواء بين السماع أم لا (1) .
ولم ينقل القبول في عنعنة المدلس إلا عن بعض من قبل المرسل مطلقا ( الكفاية ص 515 ) ، وهو من مذاهب أهل الأصول لا المحدثين ، وما نظن المحررين من القائلين به .
ثم تخصيص القدح بعنعنته عن الصحابة ، مما لم نجد لهما فيه سلفا ، وأي فرق بين عنعنته عن صحابي أو عن تابعي ؟ وما نرى وقوعهما في هذا الخطأ ، إلا من خلطهما بين عنعنة المدلس وعنعنة غير المدلس ، فإن الثانية هي التي وقع فيها خلاف فيما إذا كان معاصرا فهل تقبل بمجرد الإمكان أم يشترط التحقق والوقوع ؟؟
وهذا الذي دعاهما إلى الفصل بين عنعنته عن الصحابة وعنعنته عن التابعين ومن هذا يتبين لك زيف هذه القاعدة ، وأن هناك ألف بد من هذا القيد .
والله المسؤول أن يهدينا إلى الصواب والسداد .
والمثل الآخر :
328 – ( 3054 تحرير ) عاصم بن بهدلة ، وهو ابن أبي النجود ، بنون وجيم ، الأسدي مولاهم ، الكوفي ، أبو بكر المقرئ: صدوق له أوهام ، حجة في القراءة ، وحديثه في " الصحيحين " مقرون ، من السادسة ، مات سنة ثمان وعشرين . ع .
تعقباه بقولهما : (( بل : ثقة يهم ، فهو حسن الحديث ، وقوله : (( صدوق له أوهام )) ليس بجيد ، فقد وثقه يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل وأبو زرعة الرازي ، ويعقوب بن سفيان ، وابن حبان . وجعله ابن معين من نظراء الأعمش ، وإن فضل هو وأحمد الأعمش عليه . وكل هؤلاء وثقوه مع معرفتهم ببعض أوهامه اليسيرة )) .
__________
(1) المجموع 2 / 178 ، وبه قال ابن حزم ، كما في " إحكامه " ( 1 / 141 ) . وقارن بالعواصم والقواصم ( 8/236 ) وانظر بلا بد : أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء ص 230 .
(1/48)
- قلنا : هذا كلام متناقض ، فكيف يكون (( ثقة )) ثم يكون حسن الحديث ؟! ومعلوم أن الثقة صحيح الحديث ، وأن الحسن الحديث هو (( الصدوق )) ، وقد نصا على ذلك في مقدمتهما ( 1 / 48 ) وهو من بدائه هذا العلم .
وبسبب هذا الحكم المتناقض تناقض الدكتور بشار في تعليقه على ابن ماجه حديث ( 138 ) ، فقال عن الحديث : (( إسناده صحيح عاصم بن بهدلة بن أبي النجود ثقة يهم )) .
وحديث (150 ) قال عنه : (( إسناده صحيح عاصم بن بهدلة بن أبي النجود عندنا ثقة )) .
وحديث ( 168 ) قال عنه : (( إسناده حسن )) .
وحديث ( 226 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ، عاصم عندنا ثقة )) .
وحديث ( 284 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ، فعاصم عندنا ثقة )) .
وحديث ( 306 ) قال عنه : (( إسناده صحيح )) .
وحديث ( 478 ) قال عنه : (( إسناده صحيح )) .
وحديث ( 684 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ، عاصم عندنا ثقة )) .
وحديث ( 755 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ، عاصم بن أبي النجود ثقة )) .
وحديث ( 793 ) قال عنه : (( إسناده صحيح )) .
وحديث ( 1023 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ورجاله ثقات ، عاصم عندنا ثقة )) .
وحديث ( 1255 ) قال عنه : (( إسناده صحيح )) .
وحديث ( 1695 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ، عاصم هو ابن بهدلة ثقة )) .
وحديث ( 1725 ) قال عنه : (( إسناده صحيح عاصم هو ابن بهدلة بن أبي النجود ثقة عندنا )) .
وحديث ( 1818 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ورجاله ثقات ؛ لأن عاصما ثقة )) .
وحديث ( 3881 ) قال عنه : (( إسناده حسن )) .
وحديث ( 3920 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ، عاصم ثقة عندنا )) .
وحديث ( 3930 م ) قال عنه : (( إسناده ضعيف )) ، لعلة غير عاصم .
وحديث ( 4023 ) قال عنه : (( إسناده صحيح عاصم وهو ابن بهدلة ثقة عندنا )) .
وحديث ( 4070 ) قال : (( إسناده صحيح )) .
وقد سقنا هذا لنبين مدى التناقض الكبير بسبب سرعة الأحكام ، ومعلوم أن سرعة الأحكام تورث كثرة الأوهام .
(1/49)
وأما نقلهما عن العلماء فقد اضطرب كثيرا في هذه الترجمة :
فالروايات اختلفت عن الإمام أحمد ويحيى فيه : ففي إحداها عن الإمام أحمد أنه ثقة – كما نقلاه - ، لكن روى المروذي قال : (( سألت أبا عبد الله عن عاصم بن أبي النجود فقال : هو أستاذ أبي بكر بن عياش ، ليس به بأس وكأنه لينه )) . ( سؤالاته : 74 ) .
ونقلهما عن ابن معين توثيقه مطلقا هو في رواية ابن أبي مريم ( هامش تهذيب الكمال 4 / 6 الترجمة 2989 ط 98 ) وقال في رواية : (( ليس بالقوي )) وقال في رواية : (( لا بأس به )) ( تهذيب الكمال 4/6 الترجمة 2989 ط 98 ) وقال في رواية عبد الله بن أحمد : (( ليس به بأس )) ( الجرح والتعديل 6 /341 الترجمة 1887 ) ، وفي رواية ابن طهمان : (( ثقة لا بأس به وهو من نظراء الأعمش ، والأعمش أثبت منه )) . ( سؤالاته 157 ) .
ونقل التوثيق مطلقا عن يعقوب بن سفيان لا يجوز ، فهو إنما قال فيه : (( في حديثه اضطراب ، وهو ثقة )) ( تهذيب الكمال 4/6 الترجمة 2989 ط 98 ) ثم إن المحررين قد أعرضا ولم يذكرا جملة من الأقوال التي لا توافق حكمهما وهو في حق غيرهما تساهل علمي واختلال في المنهج .
فقد قال الدارقطني : (( في حفظه شيء )) ( تهذيب الكمال 4 / 6 الترجمة 2989 ط 98 ) ، وسؤالات البرقاني 1 / الترجمة ( 338 ) ، وتهذيب التهذيب ( 5/39 ) والكاشف (1 / 518 الترجمة 2496 )،والميزان ( 2/357 الترجمة 4068 ) . وقال النسائي : (( ليس بالحافظ )) ( حاشية الكاشف 1 / 518 الترجمة 2496 ) . وقال ابن خراش : (( في حديثه نكرة )) ( تهذيب الكمال 4 / 6 الترجمة 2989 ط 98 ) ، الميزان ( 2 / 357 الترجمة 4068 ) ، وحاشية الكاشف ( 1 / 518 الترجمة 2496 ) .
وقال العقيلي : (( لم يكن فيه إلا سوء الحفظ )) ، ( تهذيب الكمال 4 / 6 الترجمة 2989 ط 98 ، وتهذيب التهذيب 5 / 39 ) . وقال ابن سعد : (( كان عاصم ثقة إلا أنه كان كثير الخطأ في حديثه )) ، ( طبقاته 6 / 321 ) .
(1/50)
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : (( سألت أبا زرعة عنه ، فقال : ثقة ، فذكرته لأبي ، فقال : ليس محله هذا أن يقال : هو ثقة ، وقد تكلم فيه ابن علية فقال : كأن كل من كان اسمه عاصم سيئ الحفظ )) . ( الجرح والتعديل 6 / 341 الترجمة 1887 ، وتهذيب الكمال 4 / 5 الترجمة 2989 ط 98 وتهذيب التهذيب 5 / 39 ) .
وقال أيضا : (( وذكر أبي : عاصم ابن أبي النجود فقال : محله عندي محل الصدق صالح الحديث ، ولم يكن بذاك الحافظ )) . ( المصادر السابقة ) .
وقال شعبة : (( حدثنا عاصم بن أبي النجود وفي النفس ما فيها )). ( الميزان 2 / 357 الترجمة 4068 ) .
وقال الآجري : (( سألت أبا داود عن عاصم وعمرو بن مرة ، فقال : عمرو فوقه )) . ( سؤالاته 3 / الترجمة 162 ) .
وقال أبو بكر البزار : (( لم يكن بالحافظ )) ، ( تهذيب التهذيب 5 / 40 ) .
وقال ابن قانع : قال حماد بن سلمة : (( خلط عاصم في آخر عمره )) . ( تهذيب التهذيب 5 / 40 ) .
وقال العجلي : (( كان عاصم عثمانيا ، وكان صاحب سنة وقراءة للقرآن وكان ثقة رأسا في القراءة ، وكان ثقة في الحديث ، ولكن يختلف عليه في حديث زر وأبي وائل )) . ( تهذيب تأريخ دمشق 7 / 124 ) .
وقال أبو زيد الواسطي : (( كان عاصم يحدثنا بالحديث عن زر بالغداة ، ثم يحدثنا به عن أبي وائل في العشي )) . ( المصدر السابق )
وقال يحيى بن سعيد : (( ليس به بأس )) . ( المصدر نفسه )
وقال أيضا : (( ما وجدت رجلا اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ )) . ( الميزان 2 / 357 الترجمة 4068 ) .
وقال زهير بن حرب أبو خيثمة : (( مضطرب ، أعرض )) . ( العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله 2 / 117 رقم 717 ) .
والذي يمعن في النظر جيدا يجد أن قول العجلي ناشئ عن تتبع تام لمرويات عاصم فقد حصر الوهم في روايته عن أبي وائل وزر بن حبيش ، وأمثلة هذا كثيرة نكتفي بواحد لكل من الراويين :
(1/51)
أما أبو وائل : فقد قال عبد الله بن أحمد في علله ( 2 / 168 رقم 1151 ) : (( سمعت أبي قال : سمعت أبا داود قال : حدثنا شعبة قال : أخبرنا عاصم بن بهدلة قال : سمعت أبا وائل يحدث عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى سباطة قوم فبال قائما )) . وما هو كما يقول الأعمش ما حدثنا أبو وائل إلا عن المغيرة بن شعبة .
قال شعبة : وقد كنت سمعت حديث الأعمش منه (1) فلقيت منصورا فسألته فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى سباطة قوم فبال قائما .
وحديث المغيرة : أخرجه الإمام أحمد ( 4/246 ) ، وعبد بن حميد ( 396 و 399 ) ، وابن ماجه ( 306 ) ، وابن خزيمة ( 63 ) ، كلهم من طرق عن عاصم بن بهدلة ، وحماد بن أبي سليمان ، عن أبي وائل ، عن المغيرة ، به مرفوعا
وحديث حذيفة : أخرجه الحميدي ( 442 ) ، وأحمد ( 5 / 382 و 5 / 402 ) ، والدارمي ( 674 ) ، والبخاري ( 1 / 66 ) ، ومسلم ( 1 / 157 ) ، وأبو داود ( 23 ) ، وابن ماجه ( 305 ) ، والترمذي (13) ، والنسائي ( 1 / 19 و 1 / 25 ) ، وابن خزيمة ( 61 ) . كلهم من طريق الأعمش .
وأخرجه أحمد ( 5 / 382 و 5 / 402 ) ، والبخاري ( 1/66 و 3 / 177 ) ومسلم ( 1 / 157 ) ، والنسائي ( 1 / 25 ) ، وابن خزيمة ( 52 ) ، كلهم من طريق منصور .
وأخرجه النسائي ( 1 / 25 ) عن الأعمش ومنصور مقرونين.
كلاهما ( الأعمش ومنصور ) عن أبي وائل ، عن حذيفة به ، مرفوعا .
__________
(1) أخرج ابن ماجه ( 306 ) هذا الحديث من طريق شعبة عن عاصم عن أبي وائل عن المغيرة ، قال شعبة بعده : (( قال عاصم يومئذ وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة وما حفظه . فسألت عنه منصورا فحدثنيه عن أبي وائل ، عن حذيفة )) .
(1/52)
ومن هذا يظهر لك خطأ عاصم في هذا الحديث إذ هو حديث حذيفة لا المغيرة وإن تابعه عليه حماد بن أبي سليمان فقد قال عبد الله في العلل ومعرفة الرجال ( 2 / 169 رقم 1156 ) : (( حدثني أبي ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا عاصم بن بهدلة وحماد بن أبي سليمان ، عن أبي وائل ، عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى سباطة قوم فبال قائما . ( قال حماد بن أبي سليمان : ففحج رجليه ) . قال أبي : منصور والأعمش أثبت من حماد وعاصم )) .
فهذا نص على ترجيح رواية منصور والأعمش ، وقد نقل الإمام أحمد عن شعبة أنه كان يختار الأعمش على عاصم في تثبيت الحديث . ( العلل ومعرفة الرجال 2 / 117 رقم 717 ) .
ومما يجعلنا نوقن أن عاصما ما ضبط حديثه أن المزي في تحفة الأشراف ( 8 / حديث 11502 ) أشار إلى أن ابن ماجه رواه أيضا عن إسحاق بن منصور ، عن أبي داود ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن المغيرة بن شعبة به ، ولم يذكر أبا وائل . ( هذه الرواية لا توجد في المطبوع من سنن ابن ماجه ) .
ثم إن الأعمش ومنصور متابعان عليه متابعة نازلة ، فقد رواه الإمام أحمد ( 5 / 394 ) قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا يونس – يعني : ابن أبي إسحاق-، عن أبي إسحاق ، عن نهيك عن عبد الله السلولي ، عن حذيفة ، به.
ثم إن البخاري ومسلما ما روياه من طريق عاصم ولا حماد ، رغم شغف الإمام مسلم بإيراد المتابعات ، لعلمهما بالخطأ في هذا الحديث .
ومن هذا نعلم خطأ من صحح إسناد الحديث من رواية عاصم وحماد كالعلامة الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة ( 1 / 36 حديث 63 ) ، والدكتور بشار في تعليقه على سنن ابن ماجه ( 1 / 274 حديث 306 ) ، ولهما في مثل هذا نظائر كثيرة لو تتبعناها لهما لبلغت مجلدات .
أما زر بن حبيش :
(1/53)
فقد أخرج أحمد ( 5 / 396 ، 399 ، 400 ، 405 ) ، وابن ماجه ( 1695 ) ، والنسائي ( 4 / 142 ) ، من حديث عاصم ، عن زر بن حبيش قال: قلت لحذيفة : (( أي ساعة تسحرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع )) .
وهذا حديث رجاله ثقات ، إلا أن عاصما تفرد به - وهو ممن لا يحتمل تفرده - والحديث مخالف لما عليه عمل الأمة منذ الصدر الأول وحتى يوم الناس هذا ، فكيف صحح الدكتور بشار إسناده في تعليقه على سنن ابن ماجه ( 3 / 185 ) ؟؟ أم هو مجرد الحكم على ظواهر الأسانيد من غير مراجعة لكتب العلل والأفراد والنظر في المتون ؟؟
فالحكم الدقيق لعاصم : أنه حسن الحديث كما قال الذهبي في الميزان ( 2 / 357 الترجمة 4068 ) ، وحاله ممن لا يحتمل الحكم على أفراده بالصحة وأما روايته عن زر بن حبيش وأبي وائل فهي ضعيفة ، فتأمل !!
والمثل الآخر :
538 – ( 7511 تحرير ) يحيى بن أيوب الغافقي ، بمعجمة ثم فاء وقاف أبو العباس المصري : صدوق ربما أخطأ ، من السابعة ، مات سنة ثمان وستين . ع .
(1/54)
تعقباه بقولهما : (( بل : هو صدوق ، كما قال البخاري ، وقد وثقه ابن معين ، ويعقوب بن سفيان ، وإبراهيم الحربي ، والدارقطني ، وقال أبو داود : صالح ، وقال أحمد بن صالح المصري : ليس به بأس ، وذكره ابن حبان في " الثقات " ، وقال ابن عدي : (( وهو من فقهاء مصر ومن علمائهم ولا أرى في حديثه إذا روى عنه ثقة أو يروي هو عن ثقة حديثا منكرا فأذكره ، وهو عندي صدوق لا بأس به . واختلف فيه قول النسائي ، فقال مرة : ليس به بأس ، وقال مرة : ليس بالقوي . وضعفه أبو زرعة ، وابن سعد ، والعقيلي . وقال أحمد : كان سيئ الحفظ ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ، يكتب حديثه ولا يحتج به . وقد استشهد به البخاري في عدة أحاديث من روايته عن حميد الطويل ماله عنده غيرها سوى حديثه عن يزيد بن أبي حبيب في صفة الصلاة بمتابعة الليث وغيره ، واحتج به مسلم في " الصحيح " )) .
- قلنا : هذا التعقب لا معنى ولا قيمة له ، وهو يدل على عدم المنهجية والتساهل في إصدار الأحكام ، وعلى عدم الدقة . ولنا عليهما في هذا التعقيب أمور :
الأول : الحكم واحد ، والنتيجة هي هي ؛ لكنهما حذفا من حكم الحافظ لفظ : (( ربما أخطأ )) وهي مهمة نافعة كما سيأتي .
الثاني : نقلهما قول النسائي في تضعيفه لم يكن دقيقا ، وعبارته الدقيقة كما في ضعفائه ( 626 ) : (( ليس بذاك القوي )) ، وقد نقلها ابن عدي في الكامل ( 9 / 54 طبعة أبي سنة ) بلفظ : (( ليس بذاك )) .
الثالث : أهملا قول ابن معين الآخر فقد قال عنه : (( صالح )) ( الجرح والتعديل 9 / 128 الترجمة 542 ) .
الرابع : أهملا بعض الأقوال في تقوية أمر المترجم ، فقد نقل ابن عدي في الكامل ( 9 / 55 طبعة أبي سنة ) عن عثمان قوله : (( يحيى بن أيوب مصري صالح )) ، وقال الذهبي في الكاشف (2/362 الترجمة 6137) : (( صالح الحديث )) .
(1/55)
الخامس : أهملا كثيرا من أقوال أئمة الجرح والتعديل التي تضعف أمر المترجم ؛ لأنها لا تخدم غرضهما ؛ فقد قال ابن سعد في طبقاته ( 7 / 516 ) : (( منكر الحديث )) ، وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ ( 1 / 227 – 228 ) : (( حديثه فيه مناكير )) . وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام ( 4 / 69 عقيب 1504 ) : (( وهو من قد علمت حاله ، وأنه لا يحتج به لسوء حفظه ، وقد عيب على مسلم إخراجه ... )) . وقال ( 3 / 495 عقيب 1269 ) : (( فإن يحيى بن أيوب يضعف )) . وقال ( 3 / 324 عقيب 1070 ) : (( يحيى بن أيوب مختلف فيه ، وهو مما عيب على مسلم إخراجه حديثه )) .
وقال الحاكم : (( إذا حدث من حفظه يخطئ ، وما حدث من كتاب فليس به بأس )) نقله السهارنفوري في بذل المجهود ( 2 / 28 ) .
وقال الدارقطني : (( في بعض حديثه اضطراب )) ( الميزان 4/362 ) .
وقد ضعفه ابن حزم في المحلى ( 1 / 88 و 6 / 72 و 7 / 37 ) .
فلماذا أهمل المحرران كل هذا ، فهل هكذا يكون التحرير ؟ !
السادس : إن المحررين حذفا من الحكم : (( ربما أخطأ )) ، وهي مهمة لازمة لا بد منها ؛ لأن المترجم عدت له بعض الأخطاء ، فإقران الحافظ لفظة : (( صدوق )) بـ (( ربما أخطأ )) فائدة غالية نافعة ترشد الباحث إلى أوهام المترجم وأخطائه ليحذر خطؤه ، وينتفع بذلك عند المقارنة والمعارضة ؛ ولكن العجلة التي عمت على المحررين جعلتهما لا يدريان ما يكتبان . وقد فتشنا عن أحاديث المترجم فوجدنا عددا من الأحاديث التي أخطأ أو خولف فيها يحيى بن أيوب الغافقي ، وهي :
(1/56)
الحديث الأول : ما أخرجه الطحاوي في شرح المعاني ( 1 / 406 ) وفي شرح المشكل ( 5649 ) ، والبيهقي في دلائل النبوة ( 7 / 192 ) من طريق سعيد بن أبي مريم ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، قال : حدثني حميد ، قال : حدثني ثابت البناني ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد يخالف بين طرفيه ، فكانت آخر صلاة صلاها .
نقول : لقد خولف يحيى بن أيوب في هذا الحديث :
فقد أخرجه أحمد ( 3 / 159 ) ، والنسائي ( 2 / 79 ) ، وفي الكبرى ( 860 ) من طريق إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس ، به .
وأخرجه أحمد ( 3 / 216 ) من طريق سفيان الثوري ، عن حميد ، عن أنس ، به .
وأخرجه أحمد ( 3 / 233 ) من طريق عبد الوهاب الثقفي ، عن حميد عن أنس .
وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة ( 7 / 192 ) من طريق محمد بن جعفر ، قال : أخبرنا حميد ، أنه سمع أنسا ، فذكره .
فهؤلاء أربعتهم ( إسماعيل بن جعفر ، وسفيان الثوري ، وعبد الوهاب الثقفي ، ومحمد بن جعفر ) رووه عن حميد عن أنس ، بدون ذكر ثابت مع أن الرواية الأخيرة فيها تصريح لسماع حميد عن أنس ، مما يرجح وهم يحيى بن أيوب الغافقي بذكره ثابتا .
الحديث الثاني : ما أخرجه الدارمي ( 1705 ) ، وأبو داود ( 2454 ) والترمذي ( 730 ) ، وفي علله الكبير ( 202 ) ، والنسائي ( 4 / 196 ) ، وابن خزيمة ( 1933 ) ، والطحاوي في شرح المعاني ( 2 / 54 ) ، والدارقطني ( 2 / 172 ) ، والبيهقي ( 4 / 202 ) من طريق يحيى بن أيوب ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، عن حفصة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من لم يجمع الصيام قبل الفجر ، فلا صيام له )) .
(1/57)
قال الترمذي في الجامع ( 730 ) عقيبه : (( حديث حفصة ، حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ، وقد روي عن نافع ، عن ابن عمر قوله ، وهو أصح . وهكذا أيضا روي هذا الحديث عن الزهري موقوفا . ولا نعلم أحدا رفعه إلا يحيى بن أيوب )) .
ثم إن الدكتور بشار قد أيد الترمذي في ذلك فوضع هامشا على اسم أيوب وقال ( 2 / 101 ) : (( وكذلك قال البخاري كما نقل المصنف في العلل ، وأحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والطحاوي )) .
نقول : والحق معهم فإن يحيى بن أيوب قد أخطأ في هذا الحديث . فقد رواه مالك ( رواية أبي مصعب 775 ، ورواية سويد 456 ، ورواية يحيى 788 ، والشيباني 372 ) ، وعبد الرزاق في مصنفه ( 7787 ) عن ابن جريج وعبيد الله بن عمر ؛ ثلاثتهم ( مالك ، وابن جريج ، وعبيد الله ) رووه عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ؛ أنه كان يقول : (( لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر )) .
وأخرجه عبد الرزاق ( 7786 ) ، والطحاوي في شرح المعاني ( 2 / 55 ) من طريق الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن حفصة قالت : (( لا صوم لمن لم يجمع الصيام من الليل )) .
الحديث الثالث : ما أخرجه البزار ( 1109 ) من طريق يحيى بن أيوب الغافقي ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمر بن الحكم ، عن سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت ... الحديث )) . هكذا رواه يحيى بن أيوب الغافقي وخولف فيه .
وقد رواه عبد الله بن المبارك في الزهد ( 416 ) عن عبد الله بن لهيعة ومن طريقه الترمذي ( 2538 ) ، والبغوي ( 4377 ) عن يزيد بن أبي حبيب ، عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، به .
وهذا سند قوي فهو من رواية أحد العبادلة عن ابن لهيعة ، وقال الشيخ شعيب في تعليقه على شرح السنة ( 15 / 214 ) : (( إسناده صحيح )) .
(1/58)
وأخرجه أبو نعيم في صفة الجنة ( 57 ) من طريق ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن سليمان بن حميد ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه .
الحديث الرابع : ما أخرجه الترمذي ( 3502 ) ، والبغوي في شرح السنة ( 1374 ) من طريق يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن خالد بن أبي عمران أن ابن عمر قال : قلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه ... الحديث .
قال الترمذي بإثره : (( هذا حديث حسن غريب )) وقد روى بعضهم هذا الحديث عن خالد بن أبي عمران ، عن نافع ، عن ابن عمر .
قلنا : هو كما قال الإمام الترمذي فقد أخرجه النسائي في الكبرى ( 10234 ) ، وفي عمل اليوم والليلة ( 401 ) من طريق عبد الله بن عبد الحكم عن بكر ، عن عبيد الله بن زحر ، عن خالد بن أبي عمران عن نافع ، عن ابن عمر ، به .
وأخرجه الحاكم في المستدرك ( 1 / 528 ) من طريق الليث بن سعد عن خالد بن أبي عمران ، عن نافع ، عن ابن عمر ، به . وصححه الحاكم ، ولم يتعقبه الذهبي .
الحديث الخامس : ما أخرجه ابن المبارك في الزهد ( 749 ) ، والحاكم ( 4 / 193 ) من طريق يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن زيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دعا بقميص له جديد فلبسه ... الحديث .
وهذا حديث معلول تناوله إمام النقاد وشيخ المعللين والمجرحين ، الإمام الجهبذ العراقي أبو الحسن الدارقطني في كتابه العظيم " علل الحديث " ( 2 / 137 - 138 س 160 ) وذكر الاختلاف فيه انتهى فيه بقوله : (( الحديث غير ثابت )) .
(1/59)
الحديث السادس : ما رواه أبو داود ( 158 ) ، والدارقطني ( 1 / 198 ) من طريق يحيى بن أيوب ، عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد ، عن أيوب بن قطن ، عن أبي بن عمارة ، قال يحيى بن أيوب - وكان قد صلى مع رسول الله للقبلتين - أنه قال : يا رسول الله ، أمسح على الخفين ؟ قال : (( نعم )) قال : يوما ؟ قال : (( يوما )) ... الحديث .
نقول : هذا الحديث اختلف فيه اختلافا كبيرا على يحيى بن أيوب .
قال الإمام الدارقطني في سننه ( 1 / 198 ) : (( لا يثبت ، وقد اختلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافا كثيرا قد بينته في موضع آخر )) ( ونقل الزيلعي 1 / 178 ، وصاحب التعليق المغني 1 / 198 - 199 عن ابن القطان تفصيل الاختلاف فيه ) .
وأبو داود أشار أيضا إلى الاختلاف في إسناده (السنن 1 /40 - 41) .
وقد طول السهارنفوري في بذل المجهود ( 2 / 27 - 31 ) في تعليل الحديث وبيان الاختلاف فيه .
بعد هذا ... نرى أن التعقب على الحافظ ، فيه تكلف لا يخفى ، لذا قلنا : كلام المحررين لا معنى له ولا قيمة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وهنا تقتضي الأمانة العلمية ، والتاريخية أن نذكر مجموعة من الاستشهادات والأمثلة التي لا يختلف حولها عاقلان ، والتي قد لا تروق للدكتور بشار عواد معروف .
ونتوقف أمام المثال الأول :
المثال الأول : سقطت من التحرير ( 2 / 256 الترجمة 3553 ) لفظة : (( صدوق )) وسبب ذلك سقوطها من طبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 319 الترجمة 3553 ) ، وقد صرح الشيخ محمد عوامة بذلك فقال في تعليقه على الكاشف ( 1 / 588 الترجمة 2927 ) : (( وفي التقريب ( 3553 ) صدوق وسقطت من الطبع سهوا فتضاف )) . وهي ثابتة في مخطوطة الموصل ( الورقة : 98 أ ) ، وفي مخطوطة الأوقاف ( 123 ب ) .
(1/60)
المثال الثاني : سقطت من التحرير ( 2 / 267 الترجمة 3607 ) لفظة : (( ثقة )) وسبب ذلك سقوطها من نص محمد عوامة ( ص 322 الترجمة 3607 ) وقد صرح بذلك الشيخ محمد عوامة في تعليقه على الكاشف ( 1 / 596 الترجمة 2975 ) فقال : (( ثقة ، وكذلك قال الحافظ في التقريب ( 3607 ) وسقطت مني أثناء الطبع فتضاف )) . وهي ثابتة في مخطوطة الموصل ( الورقة : 100 أ ) ، وفي مخطوطة الأوقاف ( 125 ب ) .
فلماذا لم يجب على هذين المثالين الدكتور بشار في رده ، ثم أين المقابلة وأين النسخ ؟
المثال الثالث : جاء في التحرير ( 3 / 362 الترجمة 6569 ) النص الآتي : (( مروان بن سالم المفقع بفاء ثم قاف ثقيلة )) وهذا التصحيف القبيح نشأ لهما من طبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 526 الترجمة 6569 ) فهو كذلك فيها وفي طبعات التقريب : (( المقفع بقاف ثم فاء )) كما في طبعة مصطفى عبد القادر عطا ( 2 / 171 الترجمة 6590 ) وهو يزعم كما يزعم المحرران من أنه استعمل نسخة بخط الحافظ ابن حجر ، وكذلك في طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف ( 2 / 239 الترجمة 1019 ) ، بل إن الحافظ نفسه في كتاب " التقريب " ذكره في الألقاب ( تحرير 4 / 374 ) فقال : (( المقفع : مروان بن سالم )) وكذلك في " تهذيب التهذيب " ( 10 / 93 ) قال : (( مروان بن سالم المقفع )) ، وذكره في الألقاب من " تهذيب التهذيب " ( 12 / 356 ) فقال : (( المقفع : هو مروان بن سالم )) بل إن الله ينصر الحق وأهله فقد نقل العلماء الفهماء النجباء قول الحافظ ابن حجر على الجادة ، قال العظيم آبادي في شرحه لسنن أبي داود المسمى " عون المعبود " ( 2 / 278 ) : (( قال في التقريب : (( مروان بن سالم المقفع بقاف ثم فاء ثقيلة )) .
وكذلك قال السهارنفوري في " شرح بذل المجهود " ( 11 / 160 ) : (( قال في التقريب : بقاف ثم فاء ثقيلة )) .
(1/61)
ويبدو إن أخذ المحررين من نص محمد عوامة دفعهما إلى القول : (( هكذا قيده المصنف وما أصاب ، فهو بقاف ثم فاء : (( المقفع )) . هكذا قالا مقالتهم فخطئا من لم يخطئ ، ولينظر القارئ إلى من هذا شأنه هل يستطيع تحريرا ؟
علما بأن هذه التعليقة التي ذكرها المحرران قد سلخاها من تعليقات الشيخ محمد عوامة ( ص 526 ) وزوقاها ، وكفى بالله حسيبا .
المثال الرابع : في التحرير ( 1 / 104 الترجمة 274 ) إبراهيم بن يوسف بن إسحاق ابن أبي إسحاق السبيعي : صدوق يهم ، من السابعة ، مات سنة ثمان وتسعين خ م د س ق )) .
قلنا : هكذا تحرفت الرقوم عندهما ، وقد انتقل لهما هذا التحريف والخطأ من طبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 95 الترجمة 274 ) فالرقوم عنده هكذا .
والصواب في الرقوم : (( خ م د ت س )) وهي كذلك في طبعات التقريب منها :
طبعة مصطفى عبد القادر عطا ( 1 / 69 الترجمة 274 ) ، وكذلك طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف ( 1 / 47 الترجمة 305 ) ، وهكذا جاءت الرقوم في ( تهذيب الكمال 2 / 249 الطبعة الكبيرة ، وتهذيب التهذيب 1 / 183 ، والكاشف 1 / 227 ، والميزان 1 / 76 ) .
وحديث إبراهيم هذا عند الترمذي برقم (1957) و ( 3399 ) و ( 3806 ) وليس له في ابن ماجة ذكر البتة ، فأين النسخ التي أشار إليها الدكتور بشار وأين المقابلة ؟؟ وأين الصدق ، وأين الزيف ؟
المثال الخامس : جاء في التحرير ( 1 / 147 الترجمة 529 ) النص الآتي : (( أشعث بن زبيد اليامي . بالياء التحتانية )) هكذا سقطت منه لفظتان عندهما وصوابه : (( أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد اليامي ، بالياء التحتانية )) وهو كذلك في طبعات التقريب ( انظر : طبعة مصطفى عبد القادر عطا 1 / 106 الترجمة 530 ، وطبعة عبد الوهاب عبد اللطيف 1 / 80 الترجمة 605 وتهذيب الكمال 3 / 274 ) . وهي ثابتة في مخطوطة الموصل ( 17 أ ) وفي مخطوطة الأوقاف ( 20 ب ) . فأين المقابلة وأين النسخ ؟
(1/62)
المثال السادس : جاء في التحرير ( 1 / 154 الترجمة 573 ) : (( أوس ابن أبي أوس ، وأسم أبي أوس : حذيفة ، الثقفي : صحابي أيضا ، وهو غير الذي قبله على الصحيح . ت ق )) .وقالا في الحاشية : (( هكذا في الأصل : ( ت ق ) وصوابه ( د س ق ) ، وهو الذي في " التهذيبين " .
والواضح أن الدكتور بشارا والشيخ شعيب قد قلدا الشيخ محمد عوامة في النص – كما في طبعته ( ص 115 الترجمة 575 ) – وحاولا أن يخطئا الحافظ ابن حجر ، وإنما ذكر الحافظ الرقوم على الصواب ( د س ق ) كما في طبعة مصطفى عبد القادر عطا ( 1 / 112 الترجمة 574 ، وطبعة عبد الوهاب عبد اللطيف 1 / 85 الترجمة 652 ) .
ودعونا لانخدع أنفسنا .. حتى يتجلى وجه الحق والحقيقة . فماذا بعد ؟ .
المثال السابع : في التحرير ( 1 / 191 الترجمة 796 ) : (( التلب ، بفتح ثم كسر وتشديد الموحدة وقيل : بتخفيفها ، ابن ثعلبة بن ربيعة التميمي العنبري صحابي . د س ))
قلنا : سقطت عندهما من النص جملة : (( له حديث واحد )) بعد لفظة : (( صحابي )) وهذه الجملة ثابتة في طبعات التقريب ( انظر طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف 1 / 112 الترجمة 5 ، وطبعة مصطفى عبد القادر 1 / 142 الترجمة 798 ) . وهي ثابتة في مخطوطة الموصل ( 23 ب ) ، وفي مخطوطة الأوقاف ( 27 ب ) ، فأين المقابلة .. وأين النسخ ؟ .
المثال الثامن : جاء في التحرير ( 1 / 203 الترجمة 861 ) : (( ثور بن يزيد )) رقما له : ( ع ) وقالا في الحاشية : (( هكذا وقع رقمه ع ، وهو خطأ فما علمنا أن مسلما أخرج له، ولا ذكر لذلك في التهذيبين ، ورمزه فيهما : خ4 ))
(1/63)
وعلى هذا النحو يبدو في النص تحريف وتقليد منهما لطبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 135 الترجمة 861 ) ولم يصدقا في حاشيتهما ، فالحافظ ابن حجر كتب ( خ4 ) وهي كذلك في طبعات التقريب منها : ( طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف 1 / 121 الترجمة 53 ، وطبعة مصطفى عبد القادر عطا 1 / 151 الترجمة 863 ) . فأين النسخ وأين المقابلة ؟ .
المثال التاسع : في التحرير ( 1 / 207 الترجمة 282 ) رقما للجارود بن معاذ السلمي هكذا : ( ت (( س )) ) ، وقالا في الحاشية : (( سقط من الأصل رقم : (( س )) ، واستدرك من التهذيبين )) .
ونقول : لم يسقط ، بل هو ثابت في طبعات التقريب ( انظر على سبيل المثال : طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف 1 / 124 الترجمة 21 ، وطبعة مصطفى عبد القادر 1 / 154 الترجمة 884 ) ، وإنما سقط رقم (( النسائي )) من طبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 137 الترجمة 882 ) .
فأين النسخ وأين المقابلة ! ؟
المثال العاشر : في التحرير ( 1 / 246 الترجمة 1092 ) : (( حبيب بن سالم الأنصاري ، رقمه ( م4 ) وقالا في الحاشية : (( سقط رقم ( 4 ) من الأصل والمطبوع . قال المزي : روى له الجماعة سوى البخاري )) .
ونقول لم يسقط في الأصل إنما سقط من محمد عوامة ( ص 151 الترجمة 1092 ) فقط ، والرقم ثابت في طبعات التقريب منها : طبعة مصطفى عبد القادر ( 1 / 184 رقم 1095 ) وهي نسخة قوبلت على الأصل الذي بخط ابن حجر ، كما ذكر محققها ، ووضع لذلك صورا .وكذلك الرقم ثابت في طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف ( 1 / 149 الترجمة 115 ) .
فأين النسخ وأين المقابلة ؟ .
المثال الحادي عشر : في التحرير ( 2 / 116 الترجمة 2800 م – شعيب بن رزيق الثقفي الطائفي :لا بأس به ، من الخامسة د )
لكنهما قالا في الحاشية : (( هذه الترجمة سقطت من الأصل ، واستدركناها من التهذيبين )) .
(1/64)
نقول : هذه دعوى غير صحيحة وتشبع بما لم يعط صاحبها ، فالترجمة كلها ثابتة في طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف ( 1 / 352 الترجمة 79 ، وطبعة مصطفى عبد القادر 1 / 419 الترجمة 2810 ) ، وإنما سقطت هذه الترجمة من طبعة الشيخ محمد عوامة . فأين النسخ .. وأين المقابلة ؟ .
المثال الثاني عشر : في التحرير ( 3 / 71 الترجمة 4892 ) ترجمة : عمر بن الدرفس .
حرفا النص فلم يذكرا حكم الحافظ ابن حجر ، وقلدا في ذلك طبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 412 الترجمة 4892 ) لأنها سقطت عنده ، وقال المحرران عقب ذلك : (( لم يذكر له مرتبة )) .
نقول : بل ذكر له مرتبة فقال : (( مقبول )) كما في طبعة : عبد الوهاب عبد اللطيف ( 2 / 54 الترجمة 419 ) ، وطبعة مصطفى عبد القادر ( 1 / 716 الترجمة 4908 ) .
وقد أغرب الدكتور وأبعد وناقض نفسه وعارض إذ نقل قول الحافظ في تعليقه على تهذيب الكمال ( 5 / 346 الترجمة 4818 ط 1998 هامش 2 ) فقال : (( وقال ابن حجر في التقريب : مقبول )) .
فهل هذا هو التحقيق والتحرير ؟؟ ، أم السرعة والتساهل ، وتكثير المؤلفات أم ماذا ؟
المثال الثالث عشر : في التحرير ( 3 / 146 الترجمة 5340 ) ترجمة عيسى بن يونس بن أبان ، جعلا حكم الحافظ : (( صدوق )) . وحكم الحافظ : (( صدوق ربما أخطأ )) كما في جميع طبقات التقريب ( طبعة عوامة ص441 الترجمة 5340 ، وطبعة مصطفى عبد القادر 1 / 776 الترجمة 5357 وطبعة عبد الهاب 2 / 103 الترجمة 932 ) . وهي ثابتة في مخطوطة الموصل ( 152 ب ) ، وفي مخطوطة الأوقاف ( 186 أ )
المثال الرابع عشر : جاء في التحرير ( 3 / 335 الترجمة 6405 ) النص الآتي : (( محمد بن يزيد الحزامي الكوفي البزاز من العاشرة ))
(1/65)
قلنا : سقط عندهما من النص لفظة : (( صدوق )) بعد (( البزاز )) وقبل : (( من العاشرة )) ، وإنما ورد عليهما هذا الخطأ بسبب تقليدهما التام لطبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 514 الترجمة 6405 ) وأكثر من ذلك : أنهما استدركا على الحافظ ابن حجر فقالا : (( لم يذكر المصنف مرتبته ، وهو : (( صدوق حسن الحديث )) .
قلنا : بل ذكر له مرتبة ، فقال : (( صدوق )) كما في طبعة : عبد الوهاب عبد اللطيف ( 2 / 220 الترجمة 831 ) ، والفضيحة الكبرى : أن الدكتور قال في تعليقه على تهذيب الكمال ( 6 / 567 الترجمة 6298 ط 1998 آخر هامش 3 ) : ( وفي التقريب : (( صدوق )) ) ، فانظر ماذا صنع ، وكأنه لا يدري ما يكتب ، فناقض نفسه بنفسه بسبب تقليده التام لمحمد عوامة .
المثال الخامس عشر : جاء في التحرير ( 2 / 13 الترجمة 2217 ) سرق ، بالضم وتشديد الراء ، ابن أسد الجهني .
قلنا : لو كانت هناك نسخ كما ادعى الدكتور – حفظه الله – لما استدركنا عليه كل هذه الأمثلة ، التي سئمنا نحن طولها ، ولكن لتترسخ الحقيقة عند القارئ ، وهذا المثال واحد منها ، إذ سقط من هذه الترجمة جملة كاملة بعد قوله : (( وتشديد الراء )) وهي : (( وصوب العسكري تخفيفها )) .
والسبب في سقوطها من تحريره سقوطها من طبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 229 الترجمة 2217 ) وهذه الجملة ثابتة في مخطوطة الموصل ( 61 أ ) ، وفي مخطوطة الأوقاف ( 77 أ ) ، وفي جميع طبعات التقريب ، وكذا في الإصابة 2 / 20 ، وتبصير المنتبه 2 / 778 .
ولنا الكثير من الأمثلة لمن أراد أن يستزيد ، فانظر كتابنا " كشف الإيهام " التراجم 269 ، 307 ، 375 ، 567 ، 583 ، 585 ، وغيرها سوى ما أحصيناه في الملاحق .
لذا فقد قلنا في طيات كتابنا :
تحرير تقريب بمسخ حروفه ... ما هكذا يتحرر التقريب
- 2 -
(1/66)
قال العبد المفتقر إلى عفو ربه عبد اللطيف هميم : هذا غيض من فيض وقد سبرنا لهما مئات من التراجم مما وقع لهما فيها التصحيف والتحريف والسقط .
ولا يمكننا أن نسوق كل ذلك في هذه العجالة ، بل سوف نقدم ذلك هدية للمحررين في كتابنا " كشف الإيهام " لنبرهن لهما أن لا وجود لنسخ خطية في عملهما ، وسأعزي لهما في هذه العجالة بعض ذلك على وجه السرعة .
- ففي الترجمة ( 6081 ) سقط من حكم الحافظ لفظة : (( جدا )) .
- وفي الترجمة ( 6125 ) سقط من النص لفظة : (( الكوفي )) .
- وفي الترجمة ( 6194 ) سقط من النص ثلاث كلمات .
- وفي الترجمة ( 6242 ) سقطت أربع كلمات من آخر النص .
- وفي عقيب الترجمة ( 6284 ) إحالة ، سقط منها ثلاث كلمات .
- وفي الترجمة ( 6465 ) سقط منها ثلاث كلمات .
- وفي الترجمة ( 6474 ) سقطت ثلاث كلمات .
- وفي الترجمة ( 6484 ) سقطت لفظة (( المدني )) قبل : (( صدوق )) .
- وفي الترجمة ( 6499 ) سقطت لفظة (( براءين )) بعد كلمة (( محرر )) .
- وفي عقيب الترجمة ( 6635 ) إحالة سقطت منها ثلاث كلمات .
- وفي عقيب الترجمة (6768 ) إحالة سقطت منها ثلاث كلمات .
- وفي الترجمة ( 6895 ) سقطت كلمتان .
- وفي قبيل الترجمة ( 7029 ) إحالة سقطت منها كلمتان .
فأين النسخ ، وأين المقابلة ، وأين التحرير ، وأين الضبط ، وأين الإتقان (1) ؟؟
- 3 -
ثم إن الدكتور أثبت لنفسه أنه اعتمد في ضبط النص على نسخة بخط ابن حجر وأن عنده نسخة مصورة في خزانة كتبه .
ولا أدري ما فائدة وجودها في خزانة مكتبته مع عدم الإفادة منها ، ولماذا لم يصور لنا في مقدمة التحرير صورا لها مع أنه مولع بنشر صور المخطوطات في مقدمات كتبه كما صور لنا ثلاثا وثلاثين صورة من مخطوطات " تهذيب الكمال " ( 1 / 110 – 142 ) وأطال النفس في وصفها .
__________
(1) ولا بد للمنصف أن يرجع إلى كتابنا هذا وينظر في الجداول فسيجد أن ما ذكر كحبة القمح من البيدر .
(1/67)
ثم قال الدكتور بعد أن تكلم عن نسخة الميرغني التي لم يصور لنا صورة منها : (( فلم تعد أية قيمة للنسخ الأخرى البتة كما هو معروف في علم تحقيق النصوص )) .
قلنا : هذا الكلام في غاية العجب ، فكيف لا قيمة للنسخ الأخرى ؟؟ إذ أن المصنف قد يزيد أو يحذف من كتابه حتى بعد إخراجه للناس ، وأعظم مثال على ذلك موطأ نجم العلماء الإمام مالك بن أنس الأصبحي ، فإن رواياته زادت على الثلاثين ، وفي كل واحدة ما ليس في الأخرى ، فنجد خلاف الروايات واضحا بالزيادات والنقصان ( وإذا كان الدكتور بشار قليل البضاعة بعلم التحقيق – كما غمزنا به – فليرجع إلى كتاب (( تحقيق النصوص ونشرها )) لعبد السلام هارون ص 31 – 34 ) .
ثم إن أول راد على الدكتور بشار في كلامه هذا صنيعه في كتبه ، فقد زعم أنه حقق " تحفة الأشراف " على سبعة وسبعين جزءا بخط المؤلف ، ثم قابل النص على نسخة كاملة بخط ابن السراج ، ونسخة بخط البرزالي ، ونسخة بخط ابن المهندس و ... و ... و ... (1) ، حتى حشا مقدمته بسبعين صورة للمخطوطات التي زعم أنه حقق الكتاب استنادا إليها ، فأقول له : لماذا استعملت بقية النسخ مع وجود نسخة كاملة بخط المؤلف – كما زعمت – ؟ ونحوه صنع في تهذيب الكمال ( انظر : مقدمة التحرير 1 / 45 ) وهذا يرد على مقالته : (( فوجود نسخة بخط المؤلف كمن يريد التيمم بحضور الماء )) .
ثم ذهب الدكتور بشار يدلل على صحة دعواه ؛ بأنه صحح للشيخ محمد عوامة عشرات المواضع ، وهذا ليس دليلا على صحة دعواه ، إذ كل امرئ يستطيع أن يصحح ذلك بالرجوع إلى كتب الرجال الأخرى .
- 4 -
ثم إن الدكتور بشارا قال : (( ولم يكن تحقيق الكتاب هو الهدف المباشر لهذا العمل ، فما فائدة تحقيقه بعد تحقيق أصل أصله " تهذيب الكمال " )) .
__________
(1) وسيكون لنا بحث مستقل في بيان حقيقة هذه النسخ المدعاة .
(1/68)
قلنا : هذا كلام يسخر منه الأغبياء قبل العقلاء ، فقد ذكر المحرران في مقدمتهما للتحرير ( 1 / 44 – 45 ) أن عملهما ينقسم على قسمين : الأول منه : (( خاص بضبط نص كتاب التقريب )) إذ قاما – كما زعما – بمقابلته على النسخ ، ومقابلته على تهذيب الكمال ، والعناية بإصلاح الرقوم التي وقعت خطأ في الطبعات السابقة ، ثم ما معنى أنه ربط تحقيق " التقريب " بتحقيق أصل أصله ، وهما كتابان مستقلان ، ليس في الأول ما في الثاني ، فهل احتوى تهذيب الكمال على حكم على الراوي ، أو ذكر لطبقته ، أو ... ؟؟
وكل ما ذكرته آنفا يمكن تجاوزه لو كان أصل أصله " تهذيب الكمال " قد حقق تحقيقا سليما خاليا من الأخطاء والتصحيفات والسقوطات ، وستأتي نماذج من الأمثلة على هذا ، ولا يهمنا إن كان الدكتور قد قضى فيه شطرا من عمره أو كان أفنى عمره كله فيه ، أويريد أن يلجم ألسنة الحق بهذا التهويل ؟
- 5 -
ثم إن الدكتور بشارا لما أحس بالهزيمة أمام سرقاته الفادحة لنصوص محمد عوامة ذهب يغمزنا بذلك ، فذكر أننا نقلنا من مقدمته لجامع الترمذي كليمات مفادها أن معظم المخطوطات في استانبول ، وأن التنقل في هذه البلدان صعب وكأنه يظن أن لا أحد يعلم بذلك ، وهو أمر يعرفه كل العقلاء ، وكنا نقصد غير هذا لو تنبه الدكتور ، وأثبتنا ما أثبتنا من كلامه ثقة بأنه قادر على قراءة المسكوت عنه ، وما وراء السطور من الإشارات ، فلا أدري ما أقول وقد فاتت هذه الدكتور على قرب معناها وبساطة إشارتها .
وقد قلنا له في أثناء الكتاب :
ولما كتبنا الرد كنا نعلم ... أن المحرر بالإشارة يفهم
- 6 -
(1/69)
ثم ذهب الدكتور ليعيد حقده على ابن حجر فغمزه في قاعدة توثيق شيوخ أبي داود مطلقا وألصقها به ، ولكنه أغفل عامدا عبارة الحافظ ، فعبارته في التهذيب ( 2 / 344 ) : (( وهذا مما يدل على أن أبا داود لم يرو عنه ، فإنه لا يروي إلا عن ثقة عنده )) ، فالحافظ ابن حجر يدرك أن هذه القاعدة يعمل بها عند أبي داود نفسه ، وليس مطلقا ، وإنما قال الحافظ ذلك ؛ لأن أبا داود كان يتوقى في الأخذ عن الشيوخ كما بينه ابن القطان في " بيان الوهم والإيهام " ( 5 / 39 عقيب 2279 ) . ففرق ما بينكم وبين الحافظ أن الحافظ لم يوثق على هذه القاعدة رواة ضعفاء .
ثم راح الدكتور بشار يدافع عن نفسه بأنهما يعملان بهذه القاعدة بعد دراسة حال الراوي ، وقد ورط نفسه في ذلك ؛ إذ ما فائدة هذه القاعدة إذا كان الراوي يدرس دراسة ضافية .
ثم إن الدكتور ذهب يحل رقوم كتب الرجال الخاصة بأبي داود ، وهذا منه عجيب فكأنه مؤسسها ومن منا لا يعرف ذلك ، فهي من بدائه هذا العلم وأولياته ؛ ولكن صنع ذلك ليكثر الورق والكلمات .
ثم غرر الدكتور " المحرر المحقق " ؟! في رده علينا : بأننا سقنا في الرد عليه – بخصوص قاعدة توثيق شيوخ أبي داود – التراجم ( 122 ) و ( 480 ) و ( 3232 ) ، وإن هؤلاء قد وقعت رواية أبي داود عنهم خارج السنن .
ونحن إذ سقنا هؤلاء إنما لندلل على بطلان قاعدتهم وشذوذها ونكارتها ؛ إذ كيف يوثقونهم في مكان ويضعفونهم في مكان آخر ، ثم إنهما قد مشيا على هذه القاعدة في السنن وخارج السنن وهذه مناقضة عجيبة ، إذ خالفا منهجهما وصنيعهما ، فقد وثقا على هذه القاعدة عددا من الرواة وروايتهم عند أبي داود خارج السنن ، ومن هؤلاء الكثر :
( 303 ) أزهر بن جميل بن جناح ، وثقاه على هذه القاعدة ، وإنما روى له أبو داود في كتاب " الزهد " بنص المحررين في الحاشية .
(
(1/70)
6062 ) محمد بن عبد الجبار الهمذاني ، وثقاه على هذه القاعدة ، وإنما روى له أبو داود في كتاب " المراسيل " فقط ، ورقمه (( مد )) .
( 6146 ) محمد بن عقيل بن خويلد ، وثقاه على هذه القاعدة ، وإنما روى له أبو داود في كتاب " الناسخ والمنسوخ " ورقمه (( خد )) .
( 6400 ) محمد بن يزيد بن عبد الملك ، وثقاه على هذه القاعدة ، وإنما روى له أبو داود في كتاب " القدر " ، ورقمه (( قد )) .
وكل هذا يدل على تناقضهم وعدم منهجيتهم ، وقد فصلنا ذلك بتوسع في كتابنا " كشف الإيهام " بما يثلج صدر المحب لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وإنما ذكرنا في " الطليعة " نتفا من ذلك ورموزا على كتابنا الأصل الذي لا ندري ما سيفعل الدكتور بعد قراءته .
ثم اعترض الدكتور بشار على المثل السادس ( 1331 ) بأن الحافظ رقم عليه برقم : ( ت ) فهو ليس من شيوخ أبي داود ، وهذا من التدليس الكثير الذي عودنا عليه صاحب المقال .
فصحيح أن الحافظ ابن حجر لم يرقم له سوى برقم الترمذي ( ت ) ، وذلك أنه لم يقف على رواية أبي داود عنه ، وقد نص عليها المزي كما ذكر المحرران في تعليقهما على قول الحافظ ( التحرير 1 / 289 ) .
وكذلك اعترض الدكتور بشار على المثل السابع ( 6337 ) بأن ابن حجر رقم برقم ابن ماجة ( ق ) فقرأتها دالا ، وهذا من تدليسه أيضا ، فقد قال ابن حجر قبل الرقم : (( روى عنه أبو داود خارج السنن )) .
(1/71)
وكذلك اعترض على الترجمة ( 3700 ) بأن المزي لم يقف عليه ، وإنما ذكره ابن عساكر ، وهذه فلسفة من الدكتور بشار ، فعدم وقوف المزي عليها لا يعني بالضرورة عدم كونه من شيوخ أبي داود ، فرواة السنن عن أبي داود كثيرون ذكر منهم العظيم آبادي – في " عون المعبود " ( 4 / 546 ) – سبعة وقد يزيدون ، ومعلوم أن في بعض الروايات ما ليس في الأخرى من الأحاديث والشيوخ ، ولربما لم يقف المزي على هذه الرواية التي فيها المترجم ، ثم كيف يهمل الدكتور بشار قول ابن عساكر في جعل المترجم من شيوخ أبي داود وابن عساكر إليه المنتهى في معرفة شيوخ أصحاب الكتب الستة ، وهو أمير هذا الباب .
ويجاب عن اعتراضه بالمثل ( 1332 ) بمثل ما أجيب عن السابق ، ثم إذا كان ذلك كذلك فلماذا لم تردا على ابن حجر في تعديل الرقم مع أنكما اشترطتما في المقدمة ( 1 / 45 ) ، أن تتبعاه في تعديل الرقوم ؟!
ثم إن الدكتور تهجم بشدة على المثل ( 226 ) وخطأ ابن حجر في نقله عن أبي داود قوله : : (( ليس بشيء )) ولو تأمل الدكتور هذا وما شاكله لدرى أنه سيؤدي إلى ذهاب الثقة بكتبه فهو حين يحس بالخسارة يخطئ الكبار ، من غير تدليل على خطئهم .
- 7 -
أما دفاع الدكتور بشار ، عن تضعيفهما لرجال الصحيحين ، فهو – مع الأسف – سيل من التغرير ، فكأنه كتب ذلك وجعل النصح والحق وراء ظهره ، وها نحن نتولى الرد عليها واحدة تلو الأخرى :
أما اعتراضه على المثل الأول ، فهو سيل من التغرير والتدليس ، ولنا عليه في هذا أربعة استدراكات :
الأول : نقل تضعيفه مطلقا عن النسائي ، وإنما قال فيه النسائي : (( ليس بالقوي )) كما في تهذيب الكمال ( 2 / 213 ) ، وفرق بين العبارتين ، ثم إن الدكتور بشار قد غض الطرف عن قول النسائي الآخر إذ قال : (( ليس به بأس )) كما في تهذيب الكمال ( 2 / 213 ط 1 ) .
(1/72)
الثاني : قوله : (( وما حسن القول فيه سوى أحمد بن حنبل ، وتلميذه أبي داود )) كلام غير صحيح مجانب للصدق ، فقال عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري : (( لا بأس به )) كما في الجرح والتعديل ( 2 / 133 ) وتهذيب الكمال ( 2 / 212 ) وتهذيب التهذيب ( 1 / 167 ) ، وقال ابن سعد في الطبقات ( 6 / 331 ) : (( كان إبراهيم ثقة )) وهذا القول نقله الدكتور بشار نفسه في تعليقه على تهذيب الكمال .
ونقل أيضا قول مغلطاي : ( وقال الساجي : (( صدوق اختلفوا في وهمه )) ) ( 1 / الورقة 71 – 72 ) وقد وثقه ابن شاهين ، ووثقه كذلك إمام المؤرخين الذهبي في ديوان الضعفاء ( 1 / 59 الترجمة 256 ) .
الثالث : إن الدكتور بشارا نفسه دافع عن المترجم دفاعا مجيدا ، فقد قال في تعليقه على تهذيب الكمال ( 2 / 213 ) : (( وقال الذهبي في "ديوان الضعفاء" الورقة : 10 ) : (( ثقة )) ، وقال النسائي : ليس بالقوي ؛ لذلك ذكره في كتابه النافع " من تكلم فيه وهو موثق " ( وانظر : رجال صحيح مسلم لابن منجويه الورقة : 6 ، والجمع لابن القيسراني : 1 / 23 ) )) ، فما له تقعقع هنا وأبى إلا المخالفة ؟!
الرابع : نقل تضعيفه عن الإمام الدارقطني ، وتضعيفه إنما في سؤالات الحاكم عنه ، أما في رواية الجوهري لكتاب الضعفاء للدارقطني ، فقد قال في أثناء ترجمته : ( والكوفي هو ابن جابر : (( يعتبر به )) ) كما نقله المحرر الدكتور بشار في تعليقه على تهذيب الكمال ، وفرق بين إطلاق اللفظين ؟
أما اعتراضه على المثل الثاني ، فلا يسلم له لثلاثة أمور :
الأول : في نقله عن ابن عدي بعض قصور ، فقد نقل بداية كلامه وهو : (( وقد روى ما لا يتابع عليه )) ، وترك آخره وفيه : (( وهو ممن يكتب حديثه وإن كان فيه بعض الضعف )) ( 2 / 182 ) وإنما اضطر الدكتور بشار لاجتزاء قول ابن عدي ؛ لأنه لا يخدم غرضه .
(1/73)
الثاني : قوله : (( لا نعلم أحدا وثقه سوى ابن معين )) فيه نظر ، فقد نقل هو بنفسه بعض من وثقه غير ابن معين منهم العجلي وابن خلفون والإمام الذهبي وجعله ابن حجر صدوقا ( تهذيب الكمال 4 / 178 ، وتهذيب التهذيب 1 / 469 ) وذكره أيضا ابن حبان في الثقات ( 6 / 98 ) ، وقال : (( يخطئ كثيرا )) .
الثالث : أن الإمام النسائي حسن القول فيه ، فقال مرة : (( ليس به بأس )) ( تهذيب الكمال 4 / 177 ط1 ، وقال أخرى : (( ليس بالقوي )) ( الضعفاء : 79 ) .
وأما اعتراضه على المثل الثالث ، فقد بين للناس مدى قصور نظره وسرعة أحكامه ومجازفاته .
فقوله : (( ولا نعلم أحدا وثق حسانا هذا )) فيه نظر .
فقد كان المقرئ يثني عليه ، كما ذكر ذلك البخاري في التاريخ الكبير ( 3/35 الترجمة 142 ) ، وكذلك بذكر ابن حبان له في الثقات ( 8 / 208 ) ، والدكتور بشار نفسه قد نقل في تعليقه على تهذيب الكمال ( 6 / 26 ) ، قول الذهبي في " المغني " : (( ثقة )) .
والعجب العجاب من تناقضات الدكتور الذي يزعم التحرير ، أنه حكم على حسان بـ(( ضعيف )) وقد قال في ديباجة تحريره ( 1 / 48 ) : (( ومن قلنا فيه ضعيف ، فحديثه ضعيف لا يصلح للمتابعات ولا للشواهد )) فقارن ذلك مع قوله في تهافته : (( هذا الرجل قد روى عنه البخاري حديثين فقط ، أحدهما : في المغازي ، والثاني : في اعتمار النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الحج ، وقد توبع عليهما فهما من صحيح حديثه )) !!
أما اعتراضه على المثل الرابع ، فلا يسلم له لأمور :
الأول : هو أن قول الدكتور : (( ضعفه النسائي )) غير دقيق ، فقد قال النسائي : (( ليس بالقوي )) ( الضعفاء 154 ) ، وفرق بين الإطلاقين .
(1/74)
الثاني : قوله : (( قال أبو حاتم وحده : صدوق )) فيه نظر ، فأبو حاتم لم يوثقه وحده ، فقد ذكره ابن حبان في الثقات ( 8 / 169 ) مع أن الدكتور بشار نفسه نقل في تعليقه على تهذيب الكمال ( 6 / 61 ) عن مغلطاي وابن حجر : أن مسلمة بن القاسم الأندلسي : (( وثقه )) ( تهذيب التهذيب 2 / 256 ) .
الثالث : إن إطلاق الحكم عن الإمام أحمد بن حنبل بأنه ضعفه مطلقا ليس بشيء فالإمام المبجل أحمد بن حنبل تردد فيه قوله ، كما نقل ذلك الخطيب والذهبي ( تاريخ بغداد 7 / 290 ، والميزان 1 / 481 ) وفي تأريخ الخطيب : (( قال أبو عبد الله : ما أرى كان به بأس في نفسه )) .
أما اعتراضه على المثل الخامس ، فلا يسلم له ، لأمور :
الأول : إن قول الدكتور : (( ضعفه النسائي )) فيه مجازفة ، فالنسائي قال فيه : (( ليس بالقوي )) ( الضعفاء 152 ) وفرق بين العبارتين .
الثاني : قوله : (( وما حسن القول فيه سوى يحيى بن سعيد القطان )) فيه نظر شديد ، فهذا الشيخ قال فيه المزي : (( ... على أن يحيى القطان ، وابن المبارك قد روى عنه ، وناهيك به جلالة أن يرويا عنه ، وأرجو أنه لا بأس به )) ( تهذيب الكمال 6 / 147 ) . وكذلك ذكره ابن حبان في الثقات ( 6 / 163 ) .
الثالث : إن الدكتور قد نقل تضعيفه عن ابن أبي الدنيا ، وهذا ليس بسديد فابن أبي الدنيا إنما قال فيه : (( كان يحيى يحدث عنه وليس عندي بالقوي )) كما نقل هذا الدكتور بشار في تعليقه على تهذيب الكمال ( 6 / 147 ) .
الرابع : أما الإمام الدارقطني ، فقد وثقه مرة – في سننه - فقد ساق في سننه حديث استقبال القبلة في الخلاء قال : أخبرنا أبو بكر النيسابوري ، قال أخبرنا محمد بن يحيى ، قال أخبرنا صفوان بن عيسى ، عن الحسن بن ذكوان ، عن مروان ... )) ثم قال : (( هذا صحيح ، كلهم ثقات )) ( السنن 1 / 58 ) وهذا ما أشار إليه الدكتور نفسه .
(1/75)
فتأمل بعد إلى دفاعه عن نفسه ، وإلى تساهله ، وتسيير النصوص على هواه نسأل الله العافية وحسن الختام .
أما اعتراضه على المثل السادس ، فلا يسلم له ، ولنا عليه اعتراضات :
الأول : ذكره ابن عدي ( في كامله 3 / 466 طبعة أبي سنة ) وقال فيه : هو عندي – إن شاء الله – لا بأس به ، وهذا يبطل نقل الدكتور تضعيف ابن عدي له ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 8 / 224 ) .
الثاني : أما يحيى بن معين فقد قال في تاريخه رقم ( 301 ) : (( ليس به بأس )) وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل ( 3 / 354 ) : (( يكتب حديثه )) .
الثالث : إن الإمام أبا داود قال عنه : (( صدوق لكنه يتشيع )) ( سؤالات الآجري : 103 ) .
الرابع : فضلا عن ذلك فإن الدكتور قد نقل توثيقه عن ابن شاهين ، فقال ابن شاهين: (( ثقة ، صدوق ، قاله عثمان بن أبي شيبة )) (الترجمة 316) وقال مغلطاي : (( وفي تاريخ نيسابور للحاكم : سئل صالح بن محمد عنه فقال : ثقة في الحديث إلا أنه كان متهما بالغلو ... وذكره الساجي وأبو العرب والعقيلي في " جملة الضعفاء " )) ( 1 / الورقة 319 ) .
أما اعتراضه على المثل الثامن ، فلا يسلم له ، لعدة أمور :
الأول : نقله تضعيف النسائي فيه نظر ، فقد قال النسائي فيه : (( ليس بالقوي )) ( الضعفاء 236 ) .
الثاني : أما نقله تضعيف ابن حبان في المجروحين فقط ، ففيه نظر ، فما له لم يذكر أن ابن حبان ذكره في الثقات ( 6 / 421 ) .
الثالث : قوله : (( وثقه أبو حاتم وحده )) فيه نظر ، فقد حسن الرأي فيه أبو زرعة ، فقال عنه : (( صدوق )) وقال العجلي : ثقة ( الجرح والتعديل 4 / الترجمة 1142 ) و ( اكمال مغلطاي 2 / الورقة 114 ) .
وهذا كله مما دبجه يراع الدكتور بشار نفسه في تعليقه على تهذيب الكمال ( 11 / 223 ) .
(1/76)
ونقل الدكتور بشار أيضا : عن مغلطاي ، عن أبي عبد الله الحاكم النيسابوري أنه قال فيمن عيب إخراجه على الشيخين ، قال : أخرجه محمد في الأصول ومسلم في الشواهد ، وقال يحيى : ضعيف ، وهذا القول من يحيى لقلة اشتغال سلم بالحديث وقلة روايته وتعهده له ... فإنه حدث بأحاديث مستقيمة كلها صحيحة ... )) .
الرابع : أما نقله التضعيف عن أبي داود ففيه مجازفة ، فإنما قال فيه : (( ليس بذاك )) كما في تهذيب التهذيب ( 4 / 130 ) . اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .
وأما جوابه عن المثل التاسع ( 3390 ) ففيه تكلف غير خاف ؛ لأن الحافظ ابن حجر عبارته في التقريب : (( لين الحديث )) ، وقالا هما في التحرير : (( ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد ، وليس له في الكتب الستة سوى حديث واحد أخرجه مسلم ( 1653 ) ، وأبو داود ( 3255 ) ، والترمذي ( 1354 ) وابن ماجه ( 2120 ) و ( 2121 ) ، وحسنه الترمذي )) .
قلنا : سنبين للمعترض الدكتور بشار عواد معروف مدى البون الكبير بين كلامه وكلام الحافظ بعدة أمور :
الأول : إن حكم الحافظ ابن حجر : (( لين الحديث )) حكم صحيح دقيق ناشئ عن عدالة واستقراء تام وجمع لأقوال النقاد .
ثانيا : لقد فات المحررين ذكر توثيق المترجم ، فقد وثقه ابن معين ، والساجي والأزدي كما في هامش تهذيب الكمال ( 4 / 168 ط 98 ) ، وتهذيب التهذيب ( 5 / 263 – 264 ) ، والمحرران لم يذكرا هذا التوثيق ؛ لأنه لا يخدم غرضهما ؛ ولأن البحث والتدقيق لم يكن من وكدهما . نسأل الله الأمان .
(1/77)
ثالثا : من بدائه علم الحديث أن صاحبي الصحيحين إذا خرجا عمن في حفظه شيء ، فهما ينتقيان من صحيح حديثه ( وهذا مبين بتفصيل في أثر علل الحديث ص 19 ) ، وشأن المترجم فإنما له حديث واحد بنص المحررين وهو ما أخرجه مسلم ( 5 / 87 حديث 1653 ) من طريق عبد الله بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك )) ، فهذا الحديث من صحيح حديث المترجم انتقاه منه صاحب الصحيح لما علم أنه من صحيح حديثه ولم يخطئ فيه ، وقد ذكر النووي في شرحه لصحيح مسلم ( 4 / 197 طبعة الشعب ) إجماع العلماء على مضمون الحديث . فهل تنبه المعترض على دقة صاحب الصحيح كيف ينتقي من أحاديث من في حفظهم شيء ؟؟
الرابع : إن الدكتور بشارا في تعليقه على ابن ماجه أدرك خطأه في حكمه في التحرير ، فاضطر إلى الأخذ بقول الحافظ ابن حجر في تعليقه على ابن ماجه ؛ لأن الحديث في صحيح الإمام مسلم ، وتضعيف الحديث منازعة لصاحب الصحيح فقال في تعليقه على ابن ماجه ( 3 / 495 ) : (( إسناده ضعيف ؛ عبد الله بن أبي صالح وإن روى له مسلم فهو لين الحديث ، فيقبل حديثه عند المتابعة فقط ، ولم يتابع )) .
وكذلك كرر مثل هذا الكلام في تعليقه على الجامع الكبير للترمذي ( 1/29 ) ويؤخذ عليه في كلامه هذا أمران :
الأول : إنه تجنى على حديث صحيح من أحاديث صحيح مسلم فضعفه .
والثاني : أنه ذكر أن عبد الله لم يتابع وقد توبع ، فقد أخرجه الإمام المبجل أحمد بن حنبل في مسنده ( 2 / 331 ) قال : حدثنا أبو النضر ، قال : حدثنا أبو عقيل ( قال أحمد : إسمه عبد الله بن عقيل الثقفي ، ثقة ) ، قال : حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يمينك بما يصدقك به صاحبك )) .
(1/78)
فهل أدرك المعترض كيف كان تخريج صاحب الصحيح ، وهل أدرك مدى دقة الحافظ ابن حجر إذ قال : (( لين الحديث )) ولم يقل (( ضعيف يعتبر به )) ، ولا نقول إلا : إنا لله وإنا إليه راجعون .
أما اعتراضه على المثل العاشر ، ففيه مجازفة ، مع قلة تدقيق ، فالمترجم شيخ البخاري في الصحيح ، والمحرر المعترض الدكتور بشار لما استفاد من ابن حجر في مقدمة " فتح الباري " أهمل قول الحافظ : (( قواه أبو حاتم )) ( هدي الساري ص 418 ) ، وأهمل المحرر الدكتور بشار قولا آخرا ، فقد قال في تعليقه على تهذيب الكمال ( 4 / 437 ط 98 ) : (( وقال الذهبي : صدوق )) ( المغني : 2 / الترجمة 3598 ) .
فهل هكذا يكون التحرير ؟! ، ثم إن الإمام الذهبي قد أصر على ذلك فقال في الكاشف ( 1 / 635 الترجمة 3256 ) : (( صدوق )) .
نقول : فرجل هو شيخ البخاري واعتمده في الصحيح ، وروى عنه أبو زرعة وقواه أبو حاتم ، ووثقه ابن حبان كما ذكر الدكتور نفسه ، وصدقه إمام المؤرخين (( الذهبي )) ، كيف يقال فيه : (( ضعيف يعتبر به )) وكيف يعدل عن قول الحافظ إلى غيره ، وهو الخبير العالم بصحيح البخاري وخفاياه ، وهل وجدت أعدل من حكمه إذ حكم عليه بما يجمع أقوال الأئمة النقاد ، نسأل الله العافية ونعوذ بالله من المجازفة .
أما اعتراضه على المثل الحادي عشر ، فجوابه : في الفصل (( الثالث )) حينما تكلمنا عن رتبة مقبول .
أما اعتراضه على المثل الثاني عشر ، فهو كسابقه ، جوابه في الفصل (( الثالث )) ، أما اعتراضه على المثل الثالث عشر ، فهي من مجازفات الدكتور المحرر ، فقد وثقه ابن حبان ( 8 / 482 ) ، وقال الذهبي في الكاشف ( 2 / 77 الترجمة 4166 ) : (( وثقه جماعة )) ، فتأمل بعد إلى مدى دقة كلام هذا المحرر .
أما تقريعه لنا في المثل الرابع عشر ، فجوابه ما ذكرناه في كتابنا هذا " كشف الإيهام " الترجمة ( 423 ) . و إليك نصه :
(1/79)
423 – ( 5198 تحرير ) عنبسة بن خالد بن يزيد الأموي ، مولاهم الأيلي بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة : صدوق ، من التاسعة ، مات سنة ثمان وتسعين ومائة . خ د .
تعقباه بقولهما : (( بل : ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد ، فما قال فيه : (( صدوق )) سوى أحمد بن صالح المصري ، وهو متساهل في توثيق المصريين ، وقال ابن بكير : إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق ، قال : وكان يجيئني ، ولم يكن موضعا للكتابة أن يكتب عنه ، وقال أحمد : ما لنا ولعنبسة أي شيء خرج علينا من عنبسة . وقال أبو حاتم : كان على خراج مصر وكان يعلق النساء بالثدي ، قال ابن القطان الفاسي : كفى بهذا في تجريحه .
قلنا : قد ثبت عنه أنه كان يعلق النساء بثديهن ، وهذا انتهاك لمحارم الله مسقط لعدالته .
وقد روى له البخاري أربعة أحاديث فقط قرنه فيها بابن وهب )) .
- قلنا : قولهما : (( فما قال فيه صدوق سوى أحمد بن صالح المصري )) كلام غير صحيح ، فقد أثنى عليه أبو داود ثناء بالغا فقال : (( عنبسة أحب إلينا من الليث بن سعد )) ( تهذيب الكمال 5 / 500 الترجمة 5118 ، ط 98 ) ، وتهذيب التهذيب 8 / 154 ) فهذه المفاضلة من أعلى مراتب التوثيق .
فتضاف إلى رواية أحمد بن صالح إمام أهل مصر عنه وقال فيه : (( صدوق )) .
ومن عجب أن الدكتور بشار قال في تعليقه على " تهذيب الكمال " ( 5 / 501 الترجمة 5118 ط 98 ) : (( وقال ابن حجر في التقريب : صدوق . قال بشار : بل ضعيف )) .
فناقض قوله في " التحرير " قوله في " تهذيب الكمال " ؛ لأنه يفرق بين ضعيف فقط وهو الذي لا يعتبر به ، والآخر ضعيف يعتبر به (مقدمة التحرير 1/48) . والأعجب من ذلك والأدهى قول المحرر : (( وقد روى له البخاري أربعة أحاديث فقط قرنه فيها بابن وهب )) .
(1/80)
وهو كلام غير صحيح ؛ سببه تقليدهما الأعمى لغيرهما ، فما أخرج له البخاري هكذا البتة . إنما أخرج له في ( 2 / 43 رقم 1046 فتح ) كتاب الصلاة باب : خطبة الإمام في الكسوف . قال : حدثنا يحيى بن بكير ، قال : حدثني الليث عن عقيل ، عن ابن شهاب ح وحدثني أحمد بن صالح ، قال : حدثنا عنبسة ، قال : حدثنا يونس عن ابن شهاب ... الحديث . وهذه متابعة نازلة لليث بن سعد .
والحديث الثاني : في ( 4 / 164 رقم 3342 فتح ) في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب : ذكر إدريس عليه السلام . قال : حدثنا عبدان ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يونس ، عن الزهري ح حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عنبسة ، حدثنا يونس ، عن ابن شهاب ... الحديث . وهذه متابعة تامة لعبد الله بن المبارك .
والحديث الثالث : أخرجه في ( 5 / 69 رقم 3889 فتح ) كتاب المناقب باب : وفود الأنصار . قال : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، وحدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عنبسة ، حدثنا يونس عن ابن شهاب ... الحديث . وهذه متابعة نازلة لليث بن سعد أيضا .
والحديث الرابع : في ( 9 / 198 رقم 7561 فتح ) كتاب التوحيد ، باب : قراءة الفاجر والمنافق . قال : حدثنا علي ، حدثنا هشام ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ح وحدثني أحمد بن صالح ، حدثنا عنبسة ، حدثنا يونس ، عن ابن شهاب ... الحديث . وهذه متابعة نازلة لهشام بن يوسف الصنعاني .
فأين ابن وهب الذي زعماه . ثم نقول من كان حالهما هكذا فكيف يعتمد تحريرهما ؟!
وبعد هذا النقل من كتابنا " كشف الإيهام " هناك كلمة للدكتور بشار ذكرها في تهافته أثارت لوعة في قلبي وهي قوله : (( فوجوده مع عدمه سواء )) .
وهذا من الدكتور بشار عجيب غريب لا أدري كيف صدر منه ؛ إذ أن في كلامه هذا طعنا بصاحب الصحيح ؛ لأن مضمونه يقتضي أن البخاري حشا كتابه بما لا فائدة فيه ، مع أن البخاري وسم كتابه بالمختصر ؛ فوجود شيء لا فائدة فيه في كتاب مختصر عبث .
(1/81)
ثم لا ندري كيف قال الدكتور مقولته هذه ، مع أن الإمام البخاري لا يضع حرفا ، ولا يحذف حرفا إلا لنكتة حديثية أو فائدة فقهية ؛ ولعل من فائدة ذلك أن أحاديث من طعن فيهم ليست كلها خطأ ، بل فيها ما يصح ، وفيها ما هو غير ذلك ، كما إن أحاديث الثقة ليست كلها صحيحة ، إذ قد يحفظ الضعيف ويخطئ الثقة .
وأما اعتراضه على المثل الخامس عشر ، فلا يسلم له ؛ لأن ابن حبان ذكره في الثقات ( 5 / 305 ) ، والدكتور لم يذكر ذلك ، مع أن المزي نقل توثيق ابن حبان في تهذيب الكمال ( 6 / 77 الترجمة 5394 ط 98 ) .
وأما اعتراضه على المثل السادس عشر ، فلا يسلم له ، وقوله عن توثيق ابن حبان : (( شبه لا شيء )) فلا يسلم له ؛ فإن هذا من شيوخ شيوخ ابن حبان وقد قال في الثقات ( 9 / 22 ) : (( حدثنا عنه أحمد بن علي بن المثنى وغيره من شيوخنا )) .
وقد قسم المعلمي اليماني توثيق ابن حبان إلى درجات ، فقال : (( والتحقيق أن توثيقه على درجات : الأولى : أن يصرح به كأن يقول : (( كان متقنا )) أو (( مستقيم الحديث )) أو نحو ذلك . الثانية : أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم . الثالثة : أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة . الرابعة : أن يظهر من سياق كلامه أنه عرف ذلك الرجل معرفة جيدة . الخامسة : ما دون ذلك .
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم والثانية قريبة منها ، والثالثة مقبولة ، والرابعة صالحة ، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل والله أعلم )) ( التنكيل 2 / 450 – 451 ، وانظر : مجلة الحكمة ص 293 – 294 العدد 17 ) .
فها أنت ترى أن المترجم من شيوخ شيوخ ابن حبان ، وأن ابن حبان عالم بأحاديثه فتوثيقه مقبول ، لا كما زعم الدكتور المحرر .
(1/82)
أما اعتراضه على المثل السابع عشر ، فلا يسلم له ، فقد ذكره ابن حبان في الثقات ( 9 / 38 ) ، ثم إن الدكتور أطلق تضعيف أبي حاتم ، ولا يجوز له ذلك ، وإنما قال أبو حاتم فيه : (( ليس بقوي )) كما في تهذيب الكمال ( 6 / 280 ط 98 ) .
أما اعتراضه على المثل الثامن عشر ، فلا يسلم له أيضا ، وقد أهمل قول يعقوب بن سفيان الفسوي ، إذ قال في " المعرفة والتاريخ " ( 2 / 437 ) : (( كان حافظا )) ، وقد اعتمده الذهبي في الكاشف ( 2/196 الترجمة 5011 ) فقول يعقوب بن سفيان مع توثيق العجلي وابن حبان يتيح للحافظ ابن حجر أن يقول فيه : (( صدوق يهم )) ولا اعتراض عليه ؛ إذ جمع بين أقوال الأئمة النقاد .
أما اعتراضه على المثل التاسع عشر ، فلا يسلم له ، بل في قوله مجازفة ، وقلة تحقيق ، فقد ذكره ابن حبان في الثقات ( 9 / 40 ) ، وقال عنه الذهبي في الكاشف ( 2 / 207 ) : (( وثق )) ، وكل هذا مع قول يعقوب بن سفيان يتيح للحافظ حكمه ولا اعتراض عليه .
أما اعتراضه على المثل الحادي والعشرين ، فلا يسلم له ؛ فقد قال الساجي : (( صدوق )) ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 439 ) علما بأن الدكتور المحرر قد دلس ذكر توثيق ابن حبان إياه في الثقات .
ثم إن الإمام الذهبي حينما نقل تضعيف ابن معين ، عقبه بقوله : (( قواه غيره )) ( الكاشف 2 / 280 الترجمة 5551 ) . فليراجع الدكتور بشار أوراقه جيدا ولا يتسرع في إطلاق الأحكام ، وليعلم أن هذا الباب خطير .
أما اعتراضه على المثل الثاني والعشرين فالجواب عنه في الفصل (( الثالث )) حينما تكلمنا عن المقبول عند الحافظ ابن حجر .
أما اعتراضه على المثل الثالث والعشرين ، فهو من مجازفات الدكتور بشار ولنا عليه في اعتراضه اعتراضان :
(1/83)
الأول : أنه نقل التضعيف عن ابن معين ، وهذا في رواية عبد الله بن أحمد عن ابن معين ، ذكرها المزي في تهذيب الكمال ( 7 / 396 ط 98 ) ، والمزي أكثر إتقانا من محرر التقريب إذ قال عقب ذلك ، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين : (( صالح )) .
الثاني : قوله : (( ما وثقه سوى العجلي وابن سعد والذهبي )) قول مجانب للصواب للغاية ، فقد وثقه ابن حبان ( 7 / 567 ) ، وقال الساجي : (( صدوق )) ( تهذيب التهذيب 11 / 33 ) ، وقال ابن شبرمة : (( ليس بمكة مثله )) ( تهذيب الكمال 7 / 396 ط 98 ) .
أما اعتراضه على المثل الرابع والعشرين فهو من وضع القدم في موضع الزلل وقوله : (( أجمع العلماء على تضعيفه )) من غرائب الدكتور بشار وانفراداته التي يأتينا بها بين الحين والآخر ، فقد قال الساجي : (( صدوق )) ( تهذيب التهذيب 11 / 41 ) ، وقال العجلي : (( جائز الحديث ، حسن الحديث )) ( تهذيب التهذيب 11 / 40 ) ، وقال الذهبي في الكاشف (2/336 الترجمة 5964) : (( حسن الحديث )) ، وقد صحح له الدارقطني ( 1 / 37 ) ونقل الحافظ تصحيحه في تغليق التعليق ( 2 / 129 ) ، والفتح ( 1 / 299 ) وأقره ، وقال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح ( 1 / 464 ) : (( هشام بن سعد قد ضعف من قبل حفظه ، وأخرج له مسلم ، فحديثه في مرتبة الحسن )) .
وكذلك إطلاق النقل في التضعيف عن ابن معين والنسائي ، فيه من غير محمود العجلة ما فيه ، فقد نقل الإمام الذهبي في الميزان ( 4 / 299 الترجمة 9224 ) ما نصه : (( وقال ابن معين : ليس بذاك القوي ، وليس بمتروك . وقال النسائي : ضعيف ، وقال مرة : ليس بالقوي )) . ثم نقل عن أبي داود أنه قال : (( هو أثبت الناس في زيد بن أسلم )) .
(1/84)
فإذا علمت أن الإمام الذهبي قال : (( يقال له : يتيم زيد بن أسلم صحبه وأكثر عنه )) ، تقرر عندك أن أكثر روايته عن زيد بن أسلم ، الذي نص أبو داود على أنه أثبت الناس فيه . ورقم المزي ( 7 / 402 ط 98 ) على روايته عن زيد بن أسلم بـ ( خت م 4 ) .
فهل هكذا يكون التحرير ؟ وهل هكذا يدافع المرء عن نفسه فينقل ما له ويدع ما عليه ؟! إن هذا لأمر عجيب ! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وأما اعتراضه على المثل الخامس والعشرين ، فالجواب عنه في الفصل ( الثالث ) إذ فصلنا الدفاع عن مصطلح الحافظ : (( مقبول )) .
وأما اعتراضه على المثل السادس والعشرين ، فقد أذهلنا دفاعه عن نفسه ، وقمنا حائرين مترددين كيف تصدر هذه الكلمات من رجل يدعي التحقيق والتحرير حتى استثبت الكثير الكثير في أنه قال ذلك ولا ندري كيف خانه قلمه وإنا نتعقبه هنا بأمرين :
الأول : إطلاقه تضعيف المترجم عن الإمام أحمد فيه من المجازفة ما لا يخفى فالذي قاله أحمد : (( ليس حجة )) ( تهذيب الكمال 8 / 108 ط 98 ) ولينه في رواية المروذي ( العلل / الترجمة 53 ) .
والآخر : قوله : (( ولا نعلم وثقه كبير أحد . وأقصى ما قال بعضهم أنه : صدوق اختلط ( خرف ) )) .
قلنا : هذا تدليس عجيب غريب فقد روى عثمان بن سعيد الدارمي ، عن يحيى بن معين : (( أرجو أن يكون صدوقا . وقال عبد الخالق بن منصور : ليس به بأس )) ( تهذيب الكمال 8 / 108 ط 98 ) . والمحرران إذا اشتهيا عدا هذه اللفظة : لفظة توثيق .
وقال علي ابن المديني : (( صدوق وكان قد فلج فتغير حفظه )) ، وقال يعقوب بن شيبة : (( كان صدوقا كثير الحديث )) ( تهذيب الكمال 8 / 108 ط 98 ) ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 9 / 255 ) ، وقال وكيع : (( ما كان أحد أحفظ منه ، كان يحفظ في المجلس خمسمائة حديث !! )) ( الكاشف 2 / 379 الترجمة 6274 ) . فتأمل بعد إلى كلام الدكتور المحرر ؟
(1/85)
وبعد هذا الدفاع عن تضعيفهما لرجال الصحيحين ، نود أن نناقش الدكتور بشارا ، في قضايا ثلاث :
الأولى : إنه استجاز لنفسه أن يتكلم في رواة الصحيحين ، معللا ذلك بأن علماء الجرح والتعديل ، قد تكلموا في بعضهم ، فهل بلغ الدكتور بشار مبلغهم من العلم والورع ؟ فقد سوغ لنفسه ما لم نر أحدا منهم سوغه لنفسه تأدبا وشدة في الدين ؟! وهل بلغ مبلغهم من العدالة ، والورع ؟! أم تناسى أنه يشترط هذا فيمن يتصدى للكلام في الرجال ؟ وقد قال إمام النقاد الإمام الذهبي في الموقظة ( ص 82 ) : (( والكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام وبراءة من الهوى ، والميل ، وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله )) . وقال في الميزان ( 3 / 46 ) : (( والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع )) نسأل الله أن يكون الدكتور كذلك لنقنع أنفسنا بقبول مثل هذا منه .
الثانية : إن الدكتور بشار والشيخ شعيب أطلقا لفظة : (( ضعيف )) على (( حسان بن حسان )) و (( سلم بن زرير )) وهما من رجال البخاري ، وقد قالا في مقدمتهما للتحرير ( 1 / 48 ) : (( ومن قلنا فيه ضعيف ، فحديثه ضعيف لا يصلح للمتابعات ، ولا للشواهد )) .
أليس في كلامهما من التجني على رواة البخاري – الذي هو أعظم بوابة في التصدي لأعداء الإسلام فهو الكتاب الذي أطبقت الأمة على صحته وجودته – وما لا يخفى على أحد ؟!
الثالثة : إن الدكتور بشارا افترى على كتب المصطلح ونسب إليها ما ليس فيها فقال حين ضعف (( سعيد بن النضر )) : (( أما ذكر ابن حبان له في الثقات ( 8 / 267 ) فشبه لا شيء كما هو معروف في كتب المصطلح )) .
فنقول له : بل ليس معروفا إنما هو من كيس الكاتب .
(1/86)
الرابعة : إن الدكتور ارتكب جناية عظمى ، ألبسها ثوبا آخر ، فقال : (( لكن مفهوم الصحة يختلف عند الشيخين من موضوع إلى آخر ، فما هو صحيح في المناقب أو التفسير أو الأدب هو غير الصحيح الذي يرويانه في الأحكام ، ولذلك فهما يتساهلان بعض التساهل في هذه الأبواب ومثيلاتها فيعدون الحديث الحسن صحيحا لأنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا ، ومن هنا نفهم لماذا روى الشيخان لبعض المتكلم فيهم في هذه الأبواب ولم يرويا لهم شيئا في الأحكام والحلال والحرام )) .
وفي هذا تقول لا يخفى وتحكم لا دليل عليه ولا مستند له ، ونحن نتحدى الدكتور بشارا أن يأتي بأدلة على هذا القول ، ولو كان مثل هذا من غيره صدر لكان للقلم غير هذا الحديث ، فليس مثل هذا مما يسكت عنه ، فأين ما أجمعت عليه الأمة من أن كل ما في الصحيحين صحيح ؟
فهذا باب كان الأولى بالدكتور أن لا يفتحه ، فضلا عن أن يترك الباب بعده مشرعا على مصراعيه ، إذ أشار ولم يفصل ، ولم يبين ، وعمى في مقام يقتضي الإسهاب لو كان في الأمر ما يدعو إلى الإسهاب ، وليس له مسعف من أحد من العلماء ، فهي قاعدة شاذة منكرة استخرجها صاحبنا من كيسه ، وتباهى بها كأنه أسس علم تصحيح الأخبار من جديد .
والذي نريد أن لا يخفى عن ذهن القارئ الكريم أن هذا القول ينطوي على انعدام الثقة كليا بصاحبي الصحيحين وكتابيهما ، إذ أنهما وسما كتابيهما بـ " الصحيح " فكيف إذن (( يعدون الحديث الحسن صحيحا )) ، وهل إن في الصحيحين أحاديث حسان لم تبلغ درجة الصحة ؟؟ معاذ الله من الثرثرة التي لا تجدي نفعا .
وهل تناسى الدكتور بشار أن علماء مصطلح الحديث منذ أن وضعت لبينته الأولى حتى يوم الناس هذا مجمعون على أن ما اتفق عليه الشيخان هو أعلى مراتب الصحيح على الإطلاق ، بل ذهب جمهورهم إلى أنه يفيد العلم اليقيني النظري (1) .
__________
(1) انظر : علوم الحديث لابن الصلاح 34 .
(1/87)
وما هذا وشبهه من الدكتور إلا سبيل يستمرئ بها الكلام في الصحيحين ورجالهما ، وما خفي كان أعظم .
ثم أراد الدكتور بشار في آخر دفاعه أن يسخر من نفسه فقال – وكأنه لا يدري ما يخرج من فيه - : (( ومن سخريات الزمان أن يصف الدكتور عبد اللطيف طبعة تهذيب الكمال التي قضيت شطرا كبيرا من عمري في تحقيقه بأنها طافحة بالخطأ ، ولا أدري من أين جاء بهذا الرأي العجيب الغريب الذي لم يقل به أحد من أهل العلم )) .
قلنا : لو سكت عن عيوب طبعته لكان خيرا له ، فما من صفحة من صفحاتها إلا وفيها خطأ أو أكثر ، دل على ذلك المراس والمران . بل إن أول من قال هذا هو قلم المتكلم الدكتور بشار عواد حين تكلم عن الطبعة المختصرة ذات المجلدات الثمان فقال – كما في تعليقه على التحرير ( 1 / 45 الهامش ) - : (( صدرت (1) طبعة جديدة متقنة عن مؤسسة الرسالة كما أعددنا ضميمة بالأخطاء لمن اقتنى الطبعة الأولى )) .
فأين ما قلت أيها الدكتور ، أم ما تدري ما يخط قلمك ؟؟
وقد قال قالته هذه بعد أن قال في صلب التحرير ( 1 / 45 ) : (( ثم قابلنا الكتاب على تهذيب الكمال بعد أن انتهى تحقيقه وتدقيقه والتعليق عليه وتصحيح ما وقع في طبعته الأولى من أخطاء طبعية وغيرها على مجموعة النسخ الخطية )) .
ثم إنه قال في ديباجة تحقيقه للطبعة الجديدة ( 1 / 37 ) : (( لكن مثل هذا العمل الكبير لابد أن تظهر فيه بعض الأخطاء الطبعية والأوهام اليسيرة في قراءة النص )) .
__________
(1) هكذا قال المحرران علما أن هذه الطبعة صدرت 1998 م بعد التحرير بعام ، وهذا مبطل لزعمهما . وقد نسيا أنهما كتبا في المقدمة نفسها ( 1 / 10 ) : (( ... وهي الآن [ أي المؤسسة ] بسبيل إعادة طبعه لتقليص عدد مجلداته ... ) وليس بعجيب على من ناقض نفسه في صفحات قلائل أن يناقضها ما بين كتاب وآخر .
(1/88)
وقد أدرك العلامة الشيخ محمد عوامة كثرة الأخطاء والتصحيفات والتحريفات في الطبعة ذات الخمسة والثلاثين مجلدا فعمل فهرسا في خاتمة تحقيقه للكاشف ( 2 / 566 ) نبه فيه على الأخطاء الواردة في تلك الطبعة ، بل إن الشيخ محمد عوامة نبه على كثير من السقوطات التي وقعت في نص هذه الطبعة فقال في تعليقه على الكاشف ( 1/309 ) عند ترجمة (( حبيب بن عبد الله الأزدي )) : (( ثم إن رواية المترجم عن الحكم بن عمرو الغفاري غير مذكورة في تهذيب الكمال ( 5 / 384 ) لكنها ثابتة في مصورة مخطوطته ( 1 / 228 ) ، وفي مختصريه " تذهيب التهذيب " للمصنف ( 1 / 46 / أ ) ، و " تهذيب التهذيب " لابن حجر ، فيكون قد حصل سقط في نصه المحقق )) .
وكذلك نبه الشيخ محمد عوامة على التحريفات والتصحيفات لمطبوعة تهذيب الكمال عند تحقيقه لتقريب التهذيب : منها عند تعليقه على الرقم ( ر ) لجزء القراءة للبخاري فقال ( ص 10 ) : (( وهي راء مهملة ، كما ضبطها المصنف في كتابه هذا في ستة مواضع ، كما سيأتي إن شاء الله ( ص 48 ) في الحديث عن رموزه ، وليست زايا معجمة ، كما شاع وذاع ، تقليدا لطبعة " تهذيب التهذيب " ، حتى الدكتور بشار عواد لم يتنبه له إلا في ( 4 / 299 ) من تهذيب الكمال ، ثم عاد إلى الغلط ( 5 / 114 ) )) .
وأحببنا أن نسوق في هذه العجالة بعض أخطاء طبعته ليكون الكلام بالبرهان :
1 – جامع بن بكار بن بلال العاملي . سقط رقمه من الطبعة الكبيرة ( 4 / 483 ) ، ومن الطبعة 98 كذلك ( 1 / 434 ) وقد صرح المزي بأن أبا داود روى له في المراسيل ، ورقمه : ( مد ) كما في تهذيب التهذيب ( 2 / 55 ) ، والتقريب ( 886 ) ، والخلاصة ( 60 ) .
2 - في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 5 / 197 ) : (( حاتم بن وردان بن مهران )) .
(1/89)
هكذا دبجته يد الدكتور المحرر بشار وصوابه : (( مروان )) كما في تاريخ البخاري الكبير ( 3 / 77 الترجمة 275 ) ، والصغير ( 2 / 234 ) وتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر ( 2/131 ) ، والتقريب (1001) .
3 – ترجمة الحسن بن أحمد بن أبي شعيب ، جاءت رموزه في مطبوعة تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 6 / 48 ) : ( م ق ت ) . وهو تحريف قبيح ، وصوابه: ( م مد ت ) فقد صرح المزي أن أبا داود روى له في المراسيل .
4 – ترجمة : الحسن بن داود بن محمد المنكدري ، جاء في مطبوعة تهذيب الكمال الكبيرة ( 6 / 144 ) في صدر الكلام عن سماعه من المعتمر ما نصه : (( قال محمد بن عبد الرحيم البزاز : جلس إلينا المنكدري فسألته ، في أي سنة كتبت عن المعتمر ؟ فقال : في سنة كذا . فنظرنا فإذا هو قد كتب عن المعتمر ابن خمسين سنة )) . كذا جاء فيها : (( خمسين )) وهو خطأ مجحف بلا ريب ، صوابه : (( ابن خمس )) كما جاء في التذهيب ( 1 / 66 ب ) ، وتهذيب التهذيب ( 2 / 275 ) ، وهكذا وقع في طبعة 1998(2/126) على الرغم من أن الدكتور بشار يزعم أن هذه الطبعة الثانية قوبلت على نسخ خطية عديدة !! وهذا يكشف الستر عنه ويبين أن لا نسخ ولا مقابلات ، وإلا فأين أثر المقابلة ؟!
5 – ترجمة : الحسن بن علي بن أبي طالب ، تحرف في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 6 / 220 ) الرقم ( 4 ) إلى ( ع ) .
6 – وكذلك ترجمة الحسن بن محمد بن الصباح ، تحرف في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 6 / 310 ) الرقم ( خ 4 ) إلى ( خ ع ) .
7 – ترجمة : حطان بن عبد الله الرقاشي . تحرفت رقومه في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 6 / 561 ) ( م 4 ) إلى ( م ع ) .
8 – ترجمة : حفص بن عمر بن ميمون العدني . تحرف رقمه في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 7 / 42 ) ( ق ) إلى ( ت ) .
(1/90)
9 – زيد بن أبي الشعثاء العنبري ، أبو الحكم البصري . في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 10/79 ) ، هكذا كتب قلم الدكتور بشار:(( العنبري )) وهو خطأ صوابه : (( العنزي )) . كما في التاريخ الكبير ( 3 / الترجمة 1324 ) للبخاري .
10 – سليمان بن الأشعث بن شداد . رقمه في الطبعة الكبيرة ( 11 / 355 ) وكذلك الطبعة 98 ( 3 / 262 الترجمة 2476 ): ( ت ) والصواب: ( ت س ) كما صرح به المزي ، وكما هو في تهذيب التهذيب ( 4 / 169 ) والتقريب ( 2533 ) .
11 – صالح بن رستم المزني . رقومه في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 13 / 47 ) : ( خت م 4 ) وكذلك في طبعة 98 ( 3 / 427 الترجمة 2798 ) وقد سقط من الرقوم الرقم : ( بخ ) . فالصواب : ( خت بخ م 4 ) ، وقد صرح به المزي آخر الترجمة فقال : (( استشهد به البخاري في الصحيح وروى له في " الأدب " والباقون )) .
وجاءت الرقوم على الصواب في تهذيب التهذيب ( 4 / 391 ) ، وفي الخلاصة ( ص 170 ) .
12 – عروة المزني . جاءت رقومه في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 20 / 40 ) ، وطبعة 98 ( 5 / 160 الترجمة 4504 ) : ( د ت ) وفيه سقط ظاهر صوابه : ( د ت ق ) . وقد صرح به المزي فقال : (( روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه )) وجاءت رقومه على الصواب : ( د ت ق ) في تهذيب التهذيب ( 7 / 189 ) .
13 – عمرو بن منصور القيسي البصري القداح . رقمه في الطبعة الكبيرة ( 22 / 249 ) وطبعة 98 ( 5 / 465 الترجمة 5043 ) : ( ر ) وفيه سقط قبيح صوابه : ( ر بخ ) كما صرح به المزي إذ قال : (( روى عنه البخاري في " القراءة خلف الإمام " ، وفي " الأدب " )) والرقم على الصواب في تهذيب التهذيب ( 8 / 106 ) .
(1/91)
14 – الوليد بن رباح الدوسي المدني ، مولى ابن أبي ذباب . جاءت رقومه في الطبعة 98 ( 7 / 469 الترجمة 7298 ) : ( خت د ت ق ت ) وزيادة الرقم ( ت ) الأخير خطأ قبيح على الرغم من أن الدكتور زعم أن هذه الطبعة حققت على عدد غفير من النسخ (1) .
وهذا قليل من كثير لو أردت الاستطراد فيه ، لبلغت به مجلدات ، وإنما سقت هذه الأمثلة ليعلم القارئ أي القولين من سخريات الزمان .
وقد اعرضنا عن إيراد كثير من مما تضمنه مقال الدكتور طلبا للاختصار ولعدم تحمل المقام إسهابا يخرجنا عن مقصودنا ،إذ قد بينا في كتابنا " كشف الإيهام " ما يشفي العليل ويروي الغليل فهو شوكة في عين كل مبغض للسنة النبوية المطهرة .
( 9 )
أما بعد : فقد آن الأوان أن نسأل أنفسنا :
ما هو الخطأ فيما قلنا أو كتبنا ؟ وليكن ما قلناه خطأ ، فلماذا لا يتبرع أحد غير بشار ، بردنا إلى الصواب ، وله الأجر والثواب .
هل نقول : إننا يجب أن نتعلم مناقشة آراء الناس دون أن نتجاوز ذلك إلى تجريح أشخاصهم ؟
ولكن ما فائدة هذا القول ؟ وما جدواه ؟
إننا نستطيع أن نطبق ما نرتضيه من القواعد على أنفسنا ، ولكننا لا نستطيع أن نفرضه قسرا على الآخرين .
ذلك هو القصد ... والله من وراء القصد .
أمران كم قضا مضاجع عالم ... - ... الحق مر والسكوت مرار
فلئن سكت فأنت تخذل حافظا ... - ... ولئن كتبت فضجة ستثار
عتب على قلم الحقيقة أخرس ... - ... فمتى وقد هدمت رؤاك تغار ؟
ومتى ستكتب أنت أول صارخ ... - ... يرجى إذا قتل الهواء غبار
__________
(1) وقد ملكنا مسند العراق الشيخ صبحي السامرائي عدة نسخ خطية من تهذيب الكمال ، ولعلنا في قابل أيامنا نقوم بتحقيقه وبيان ما في طبعة الدكتور من الوهم والإيهام والسقط والإسقاط والتصحيف والتحريف .
(1/92)
فكتبت موجوع الفؤاد ، مرارة ... - ... ألا يرى غير السكوت خيار
يا دولة " التحرير" لست بدولة ... - ... قد آن يقتل ليلتيك نهار
(1/93)
كنا قد كتبنا مقالا في جريدة ( الرأي ) ، العدد : 63 . بتاريخ ( 23 / ربيع الأول / 1421 هـ ، الموافق : 25 / 6 / 2000 م ) عنوانه : (( الطليعة لكتاب الإيهام ، لما تضمنه كتاب " تحرير التقريب " من الأوهام )) .
تناولنا في هذا المقال ، الوصف الإجمالي لهذا الكتاب ، وبينا فيه المدة الزمنية التي استغرقها الحافظ ابن حجر ، في تحرير ، وضبط كتابه " التقريب " .
وبينا فيه أن هذا الكتاب النفيس ، أصبح مرجعا لأهل العلم ، من حين بزوغه وخروجه إلى الناس ، حتى يومنا هذا .
وقلنا فيه : إن الحافظ ابن حجر ، تعقبه - في عصرنا - عالمان جليلان هما : الدكتور بشار عواد معروف ، والشيخ شعيب الأرنؤوط . إذ تعقباه في كتاب لهما ، سمياه : " تحرير تقريب التهذيب " ، إذ وجها للحافظ ابن حجر انتقادات ربت على ألفي انتقاد في مواضع عديدة ، بمعنى أنهما انتقدا ما مجموعه ربع الكتاب .
وذكرنا في حينه : أن مما يؤسف عليه ، أن أحدا من المختصين ، لم يأخذ على عاتقه ، التصدي لهذا الكتاب ، فيبين للناس مدى دقته من زيفه . مما اضطرنا إلى أن نتصدى نحن لهذه المهمة العلمية ، الدينية ، فتتبعنا هذا الكتاب الذي ألفاه إذ (( ليس من المعقول أن يخطأ ابن حجر - رحمه الله - في ربع كتاب استغرق في تأليفه ربع قرن ! )) .
وبعد ذلك بينا في الطليعة ، النتائج التي توصلنا إليها في كتابنا " كشف الإيهام " ، وذكرنا بعض القواعد التي استعملها المحرران ، فأدت إلى وقوعهم في الخطأ ، ومن ذلك : توثيقهم الإجمالي لشيوخ أبي داود السجستاني ، ومنها : تضعيفهما لكثير من رجال الشيخين .
(1/1)
ومما بينا فيه بالأدلة ... أن المحررين لم يستعملا نسخا خطية في طبعهما نص " التقريب " ، وإنما اعتمدا طبعة الشيخ الفاضل : محمد عوامة ، وأن ما ادعياه من اعتمادهما على نسختين خطيتين: واحدة بخط الحافظ ابن حجر - رحمه الله - والأخرى بخط الميرغني ؛ غير صحيح البتة .
والدليل على ذلك ... وقوع المحررين في أخطاء ، وقعت في طبعة الشيخ ( محمد عوامة ) .
بل إن الأمر زاد على ذلك ، فقد وقع للشيخ الفاضل ( محمد عوامة ) ، بعض الأخطاء الطباعية ، وحصلت له بعض السقوطات . وهذه الأخطاء ، وتلكم السقوطات جاءت - ومع الأسف الشديد - في كتابيهما " تحرير التقريب " .
وهذا ما يجعلنا نجزم مطمئنين ، بأن لا أصل ، ولا أصول لهما ، سوى سلخ ما في طبعة الشيخ محمد عوامة ، بغثها ، وغثيثها ، وحلوها ومرها ، وعدلها ومعوجها .
ومن توفيقات الله تعالى في بيان الحق ، وتزييف الباطل ، أن الشيخ محمد عوامة صرح بالسقوطات التي حصلت له في نص " التقريب " ؛ عند تحقيقه لكتاب " الكاشف " ، وهي - كما قلنا - سقطت من كتاب " التحرير " للمحررين مما جعلنا نجزم بسلخهما لطبعته ، نسأل الله السلامة .
وقد ذكرنا في ذلكم المقال شيئا مما تقدم أنهما وقعا فيه تبعا لما وقع فيه الشيخ محمد عوامة .
وبعد أن ظهر المقال في الجريدة ، وخرج إلى الناس ، اتصل - في اليوم نفسه الذي وزعت فيه الجريدة - الدكتور بشار بالجريدة ، وطلب نشر مقال له يرد به علينا . وقد أجبناه بكل أدب واحترام ، بأننا مستعدون لنشر مقاله في العدد اللاحق .
وفعلا ... فقد دفع لنا ما كتبه يوم ( الثلاثاء : 27/ 6 /2000 م ) ؛ بعبارات شديدة اللهجة .
ولما كنا لا نتعصب لشيء ، سوى تعصبنا لكتاب الله ، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، نشرنا رده بحروفه ، وهمزاته ، وفواصله ، وعلامات تعجبه وعلامات استفهامه وذلك في العدد ( 64 ) بتاريخ : 1 / ربيع الثاني / 1421 هـ - 2 / 7 / 2000 م )
(1/2)
ووعدنا القراء بأننا سوف ننشر مقالا في الاجابة عما كتبه الدكتور بشار في العدد اللاحق ؛ ولكن ... فوجئنا بأن الأمر قد تحول من قضية ( علمية ) إلى قضية تخضع للمجاملات الاجتماعية وملائمات مقتضيات التوافق الاجتماعي فقد جرت محاولات بعض الأخوة من المهتمين بالعمل الإسلامي والدراسات الإسلامية سواء أكانوا مشايخ أو أكادميين لإجراء حوار متبادل بين كلا الطرفين ... انتهى ، إلى أن يصار إلى نقل الحوار من دائرة الصحافة إلى دائرة الجلسات العلمية ، وتم الاتفاق بين كلا الطرفين على أن يترك لكل واحد منهما حق الكتابة والرد في كتب ورسائل علمية ، وتأسيا بهذا يصدر كتابنا الذي هو بين يدي القارئ الكريم .
وفي العدد التالي ، وهو العدد : (65) بتاريخ: (8 / ربيع 2 / 1421 هـ الموافق : 9 / 7 / 2000 م ) نشرنا في الجريدة نفسها مقالا بعنوان : ( ساعات طويلة من الحوار تؤكد : خلاف الرأي لا يفسد في الود قضية ) وقد اعتذرنا في هذا المقال عن الرد ، وبينا سبب ذلك .
ومقابل موقفنا الإسلامي ، الأخوي هذا ، ألا وهو عدم الرد عليه ، وجهت إلينا سيول من الانتقادات ، وكم من الاستفسارات سببها عدم ردنا على مقال الدكتور بشار ؛ لأن مقالته جاءت مقالة حاطب ليل ، وجارف سيل مؤطرة بشعار التغرير ، والتدليس ، والخداع .
ولكن ... حسن العهد من حسن الإسلام ، وإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، ونحن حينما تركنا الرد عليه ، وحينما صبرنا على ما وجه إلينا من انتقاد ؛ لأننا آثرنا الرد عليه في كتابنا : " كشف الإيهام " هذا ، إذ من غير المعقول أن نسكت على الباطل أو أن نقف مكتوفي الأيدي أمام تلك الشطحات العلمية التي وقع فيها الدكتور بشار ، وشريكه الشيخ ( شعيب ) .
(1/3)
ثم إن الأمانة الدينية ، والعلمية ثم التاريخية ، توجب علينا بيان ذلك ، وعدم السكوت عنه ، حفاظا على السنة ودفاعا عمن ذب عن السنة ، وقضى عمره في تأصيل الأصول ، وتقعيد القواعد الحديثية ؛ من أجل معرفة صحيح حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من ضعيفه ، خدمة لمن أوتي جوامع الكلم ، ولحديثه ، ولشريعته .
إن الواجب التاريخي ، والأخلاقي في عدم بخس حق الدكتور بشار ؛ يحتمان علينا عدم الاكتفاء بذكر كلامنا عن كتاب " تحرير تقريب التهذيب " ، والرد الذي أعددناه ولم ننشره - كما ذكرنا سابقا - بل نرى أن نسوق مقالة الدكتور بشار بحروفها ، ثم نذكر الرد المعد عليه ، ليكون أنفع للقارئ وأثبت للتاريخ ، وليعلم الناس جميعا : أننا لم نبتغ في ذلك إلا الدفاع عن السنة النبوية المطهرة من تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، وزيف الزائفين ، وهذا نص مقالة الدكتور بشار عواد معروف . قال :
تهافت طليعة الإيهام
بشار عواد معروف
تلك آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار !
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم :
(1/4)
اطلعت بفرط العجب على مقالة كتبها الدكتور عبد اللطيف هميم في العدد ( 63 ) من جريدته ( الرأي ) بتاريخ 23 ربيع الأول سنة 1421 هـ الموافق 25 / 6 / 2000 عنوانها : ( الطليعة لكتاب الإيهام لما تضمنه كتاب تحرير التقريب من الأوهام ) زعم فيها أنه ينتقد فيها عملي وعمل صديقي ورفيق دربي العلامة النحرير الشهير الشيخ شعيب الأرنؤوط - أطال الله في عمره ومتعنا والمسلمين بعلمه - في كتابنا ( تحرير التقريب ) الذي هو حصيلة خبرتنا وممارستنا لهذا العلم خلال أكثر من خمسة وثلاثين عاما ، وهو كتاب أثار ضجة في العالم الإسلامي كما قال الدكتور عبد اللطيف لما فيه من الآراء والدراسات الجادة والقواعد المنهجية المتينة ، ولما فيه من تصحيحات لأحكام أعظم حافظ عرفه عصره هو الحافظ ابن حجر العسقلاني .وكنا قد نوهنا في مقدمتنا أن عقلنا للنصيح مفتوح وأن صدرنا رحب إن شاء الله تعالى ، وأننا نتقبل كل نقد علمي يؤدي إلى تصحيح بعض ما في الكتاب خدمة لهذا لعلم الشريف ؛ ولكن الذي قرأته في مقالة الدكتور عبد اللطيف كان سيلا من التجريح الذي لا أدري ما الدافع إليه ولا الغاية المرجوة منه ، فضلا عن أن مقالته هذه مليئة بالأغلاط الفاحشة وتحريف النصوص والجهل بأبسط قواعد هذا العلم الجليل .
ومما زاد استعجابي أن الدكتور عبد اللطيف لا بضاعة له في هذه الصناعة ولا نعرف له فيه (1) كتابا ، ولا حتى بحثا أو مقالة ولا تخصصا ولا ممارسة ؛ ولذلك جاءت مقالته مقالة حاطب ليل لا يدري ماذا يحتطب .
__________
(1) كذا في أصل المقالة والصواب : فيها .
(1/5)
والعجب من الدكتور أن يكيل الاتهامات لاثنين قضيا حياتهما في خدمة هذا العلم الشريف وألفا وحققا فيه أكثر من ثلاث مئة مجلدا ، وخرجا العشرات من طلبة العلم ، ونالت كتبهما وتحقيقاتهما المنزلة المحمودة بين أهل العلم في العالمين العربي والإسلامي وطبع كل كتاب من كتبهما عدة طبعات ، فهما عنده مع الأسف : مخلطان ، مدلسان ، متعسفان ، مغرران ، مقلدان متلاعبان بالنصوص مموهان ، متناقضان ، متهافتان ، حاقدان ، معاندان لجوجان مجازفان سارقان ، عديما الأمانة ، والإنصاف ، والمنهجية ... الخ فما ترك شتيمة إلا شتمنا بها ؛ ولذلك فنحن قبل كل شيء مخاصمانه يوم القيامة إن شاء الله تعالى ولا نقول إلا ما يرضي الرب سبحانه .
وها نحن أولاء نبين بإيجاز شديد تهافت هذا الإيهام الذي توهمه الكاتب تاركين التفصيلات في الرد على كتابه المزعوم حين صدوره ؛ لأن المقام لا يتسع لمزيد تفصيل وبيان ، وبأسلوب علمي يختلف عن أسلوبه في التجريح والتشهير .
(1)
لقد اتهمنا الدكتور عبد اللطيف بسرقة طبعة الشيخ محمد عوامة من ( التقريب ) وهي دعوى باطلة ذلك أننا اعتمدنا نسخة الحافظ ابن حجر التي بخطه ونسخة الميرغني للإفادة من تعليقاته ، أما نسخة الحافظ ففي خزانة كتبي نسخة مصورة منها وأنا مستعد أن أنشرها بتمامها على صفحات جريدته ، وأما نسخة الميرغني فقد أهداها إيانا صديقنا العلامة الشيخ محمود ميرة حفظه الله تعالى فلم تعد أية قيمة للنسخ الأخرى البتة ، كما هو معروف في علم تحقيق النصوص الذي لو كان الدكتور يفقه أصوله لما قال الذي قاله ولما تمنى أن يجمع نسخ الكتاب ويدرسها ، فوجود نسخة بخط المؤلف كمن يريد التيمم بحضور الماء .
ولا أدل على صحة هذه الدعوى من أننا صححنا للشيخ محمد عوامة عشرات المواضع ، كما هو ظاهر في تعليقاتنا على المجلدات الأربعة من ( التحرير ) والتي لا يمكن أن تصحح أو تستدرك من غير وجود النسخ الخطية .
(1/6)
أما طبعة السيد عادل مرشد فهي مستلة من ( تحرير التقريب ) ، وهذا من صنع الناشر مع الأسف ، هذا فضلا عن أن ( تحرير التقريب ) هو دراسة لكتاب ( التقريب ) وتحرير أحكامه ، ولم يكن تحقيق الكتاب هو الهدف المباشر لهذا العمل ، فما فائدة تحقيقه بعد تحقيق أصل أصله ( تهذيب الكمال ) .
ومن نعم الله علينا وعميم إحسانه إلينا أن يتورط الدكتور في ما اتهمنا به من السرقة فيقع هو فيه ، حيث نسب إلى نفسه في مقالته فقرة سلخها من مقدمتي لكتاب ( الجامع الكبير ) للإمام الترمذي الذي طبع في بيروت منذ سنة 1996 حيث قلت معتذرا عن الحصول على بعض النسخ الخطية ( جـ1 ص 14 ) : (( وهو أمر متعذر علينا لعدة أسباب ، منها : أن العديد من هذه النسخ لا سيما العتيقة منها في استانبول حيث نقلت إليها حينما استولى الأتراك على البلاد العربية ، وهم ضنينون بها على طلبة العلم العرب لا يمكن تصويرها إلا بالرشا الباهضة ، أو شد الرحال إليها ، وهو أمر يكاد أن يكون متعذرا علينا لصعوبة حصولنا على إذن بدخول هذه البلدان والتنقل فيها في هذه السنيات العجاف لظروف خارجة عن إرادتنا ، فضلا عن بذل وافر المال مع عدم تحمل الحال نسأل الله حسن الختام )) .
فسلخ الدكتور هذا النص ونسبه إلى نفسه في جريدته ؛ لكنه حذف منه العبارة الأخيرة ( مع تحمل الحال ) (1) ؛ لأن حاله يتحمل وهو الذي أفاء الله عليه من عرض الدنيا الكثير ، أما حالنا فلا يتحمل ، فنحن راضون بما قسم الله لنا من معرفة حرم منها كثير من الناس هي عندنا أغلى شيء في هذه الدنيا الفانية . كما حذف دعاءنا بحسن الختام ، إذ ما زال الدكتور في عز شبابه ، أما نحن فقد تعدينا سن الكهولة فتجاوزنا الستين .
(2)
__________
(1) كذا في أصل المقال ، والصواب : ( مع عدم تحمل الحال ) .
(1/7)
انتقد الدكتور علينا قولنا : (( ويستثنى من ذلك أبو داود السجستاني صاحب السنن ، فإنه قد عرف بالاستقراء أنه لا يروي في السنن إلا عن من هو ثقة )) ثم قال : (( وهذه البلية التي ذكراها قد أدت بهما إلى توثيق مئات الرواة الضعفاء على هذه القاعدة الشاذة المنكرة )) ثم عزز ذلك بثمانية عشر مثالا ، أخطأ في جميعها .
وأول ما نرد على هذه البلية ، فنبين أن هذه (( القاعدة الشاذة المنكرة )) قد قال بها قبلنا الحافظ ابن حجر نفسه الذي كتب الدكتور هذه المقالة ، زعم أنه يدافع عنه ، فقال في ترجمة الحسين بن علي بن الأسود العجلي من كتابه تهذيب التهذيب ( 2 / 344 ) : (( وهذا مما يدل على أن أبا داود لم يرو عنه ، فإنه لا يروي إلا عن ثقة عنده )) ، وقال في ترجمة داود بن عمير الأزدي من تهذيب التهذيب ( 3 / 180 ) : (( وقد تقدم أن أبا داود لا يروي إلا عن ثقة )) ، وقد صرح بذلك في غير ما موضع من كتابه ، فهل يعد الدكتور قول الحافظ ابن حجر بلية وهل يعد قاعدته هذه قاعدة شاذة منكرة ؟! نعوذ بالله من المجازفة .
ومما يلاحظ أن الدكتور لم يفهم القاعدة فهما جيدا ، وكان عليه أن يحاكمنا إلى منهجنا الذي بيناه في مقدمتنا للكتاب والذي يقوم على أمرين :
الأول : أن هذه القاعدة خاصة بمن روى عنهم أبو داود في السنن خاصة ونصنا في هذا واضح ،كما نقله الدكتور نفسه .
الثاني : أننا حينما نعد هذا توثيقا منه ، فلا يعني أننا نتابعه في الحكم ، فهو يعامل كما يعامل غيره ، من سائر أئمة الجرح والتعديل ، فيقبل قوله أو يرد بعد أن يدرس حال الراوي جيدا .
(1/8)
ومما يؤسف عليه أن الأمثلة الثمانية عشر التي ساقها الدكتور في مقالته أخطأ في جميعها خطأ فاحشا ، لعدم معرفته بهذا العلم وأسسه ، فهو لم يدرك مدلولات الرقوم ( الرموز ) المستعملة في هذا الكتاب . وقد استعمل الإمام المزي وتابعه الحافظ ابن حجر لأبي داود عدة رقوم ، فرقم ( د ) لمن روى له في السنن ، ثم رقم ( مد ) لمن روى له في كتاب المراسيل ، و ( ل ) لمن روى له في كتاب المسائل ، و ( صد ) لمن روى له في كتاب فضائل الأنصار ، و ( خد ) لمن روى له في كتاب الناسخ والمنسوخ ، و ( قد ) لمن روى له في كتاب القدر ، و ( ف ) لمن روى له في كتاب التفرد ، و ( كد ) لمن روى له في كتاب مسند مالك ، وهذه الرقوم يعرفها من له أدنى معرفة بهذا العلم ، لكن الدكتور يجهلها جهلا كاملا بدليل أنه ساق المثل الأول ( 122 ) وقد روى عنه أبو داود في كتاب المسائل وليس في كتاب السنن ، وساق المثل الرابع ( 480 ) وقد روى عنه أبو داود في كتاب المراسيل وليس في كتاب السنن ، وساق المثل الثالث عشر ( 3432 ) وقد روى له أبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ وليس في كتاب السنن ، فهؤلاء مما لا تنطبق القاعدة عليهم كما بيناه بوضوح في مقدمتنا للتحرير ونقله هو بنصه .
(1/9)
ثم ساق المثل السادس ( 1331 ) وهذا لم يرو عنه أبو داود أصلا إنما هو من رجال الترمذي ، وقد رقم الحافظ ابن حجر عليه برقم الترمذي ( ت ) فقرأها الدكتور ( دالا ) من كثرة دقته وتثبته في أمثلته ، ونحوه المثال السابع عشر ( 6337 ) فهذا لم يرو عنه أبو داود أيضا ، وإنما روى عنه ابن ماجه ، فرقم له الحافظ ابن حجر ( ق ) فقرأها الدكتور ( دالا ) من كثرة حرصه على تقريب الحافظ ابن حجر ، ثم ساق المثل الرابع عشر ( 3700 ) وهذا لم تثبت رواية أبي داود عنه كما نوه الإمام المزي في تهذيب الكمال 16 / 296 ، وإنما ذكره ؛ لأن الحافظ ابن عساكر ذكر أنه من شيوخ أبي داود ، وهو وهم من ابن عساكر رحمه الله إذ لم يقف الإمام المزي على روايته عنه ولا وقف عليها الحافظ ابن حجر ، بل ولا ذكره الجياني في كتابه ( شيوخ أبي داود ) أصلا وذكر السابع عشر ( 1332 ) وهذا لم يثبت أيضا أن أبا داود روى عنه كما فصله الإمام المزي في تهذيب الكمال 6 / 394 - 395 وكما بينته مفصلا في تعليقي عليه ، وإنما هو من أوهام الحافظ ابن عساكر أيضا رحمه الله تعالى .
أما الأمثلة الأخرى فقد روى عنهم أبو داود في السنن ، واعتبرنا ذلك توثيقا منه لهم ؛ لكن تكلم فيهم آخرون ، أو انفرد هو بالرواية عن بعضهم ، فوازنا بين الأقوال بعد استقراء أحوالهم وأصدرنا حكمنا عليهم ، فمنهم من وافقنا فيهم حكم الحافظ ابن حجر كما في الأمثلة ، الثالث ( 470 ) ، والثامن (1473) والتاسع ( 1537 ) ، والعاشر ( 1753 ) ، أو خالفنا فيه حكم الحافظ ، كما في الأمثلة الباقية .
(1/10)
ثم إن الدكتور يحتطب ولا يدري ما الذي يحتطبه ، فقد قال في المثال الثاني ( 226 ) : (( إبراهيم بن العلاء بن الضحاك ضعفه أبو داود نفسه فقال : ليس بشيء )) وأحال على تهذيب التهذيب 1 / 149 قال أفقر العباد بشار بن عواد : وهذا النقل مما أخطأ فيه الحافظ ابن حجر رحمه الله فلا أدري من أين أتى به ، فليس في الرواة الذين رووا أقوال أبي داود من قال مثل هذا القول ، بل هناك نقيضه ، حيث قال الآجري ، وهو أشهر من روى أقوال أبي داود في الجرح والتعديل : (( سألت أبا داود عنه فقال : ثقة كتبت عنه )) ( سؤالات الآجري 5 / الورقة 25 ) ، ثم كيف يتصور أن يقول إمام كبير مثل أبي داود عن شيخ ( ليس بشيء ) ثم يروي عنه في السنن ؟! وقد فاتت ابن حجر هذه النكتة التي رد مثيلتها قبل قليل حينما قال : (( وهذا مما يدل على أن أبا داود لم يرو عنه ، فإنه لا يروي إلا عن ثقة عنده )) ( تهذيب التهذيب 3 / 180 ) وقد بينا غير مرة أن ابن آدم خطاء ، وأن كل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
( 3 )
وزعم الدكتور أن من تخليطاتنا الفاحشة وأباطيلنا المنكرة أننا تجنينا على رواة الصحيحين ، وأننا خرقنا الإجماع وخالفنا الجماهير ، ثم نقل نصا للحافظ ابن حجر في ( هدي الساري ) كنا قد ذكرناه في مقدمة التحرير ، فاستلبه ، لكنه اقتطع من آخره ما لا يخدم غرضه ، وهو قول ابن حجر أن من روى له الشيخان فإن ذلك مقتضيا لعدالته عندهما ، أما النص الذي اقتطعه فهو : (( هذا إذا خرج له في الأصول ، فأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج لهم في الضبط وغيره ... )) إلى آخر النص فهو كمن يقول ( ويل للمصلين ) ثم يسكت .
(1/11)
فهذا من أقوى الأدلة على أن الشيخين قد أخرجا لبعض من تكلم فيهم ، ولا أدل على ذلك من أن الحافظ ابن حجر نفسه قد تكلم في رجال من رجال الصحيحين على هذا المعنى المذكور في النص الذي حذفه الدكتور لعدم ملائمته غرضه ولو كان الحافظ ابن حجر يعتقد أن كل من روى له البخاري ومسلم ثقة باطراد ، لما أنزل مئات الرواة ممن أخرج لهم الشيخان في صحيحيهما عن هذه المنزلة ، فقال في بعضهم (( مقبول )) ( يعني حيث يتابع وإلا فضعيف عند التفرد ) أو (( صدوق يخطئ )) أو (( صدوق يهم )) فلماذا لم يحاسبه الدكتور على أحكامه هذه ويعد ذلك منه تجنيا على رجال الصحيحين وخروجا على الإجماع والجمهور كما يزعم ؟! .
وقد ساق الدكتور لهذه المسألة سبعة وعشرين مثلا أخطأ في جميعها ، إذ لم نخالف في هذه الأحكام الإجماع والجمهور ، بل اعتمدنا الإجماع والجمهور كما هو مبين في الأدلة التي سقناها في التحرير ، فإذا كنا من المخلطين الفاحشين والمبطلين فإن علماء أعلاما من أمثال إمام الأئمة الإمام المبجل أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد القطان ، وأبي زرعة وأبي حاتم والرازيان (1) وعلي بن المديني ، والترمذي ، وأبي داود ، والنسائي ، والعقيلي وابن عدي ، والذهبي ، وابن حجر نفسه ينبغي أن تنطبق عليهم هذه الأوصاف المقذعة التي رمانا بها الدكتور ؛ لأن هؤلاء جميعهم وغيرهم كانوا معتمدنا في أدلتنا التي سقناها في تلك الأحكام وأن هؤلاء كلهم قد ضعفوا رجالا ممن روى لهم الشيخان ، وإننا على عكس ما صورنا الدكتور قد دافعنا عن الصحيحين دفاعا علميا مجيدا حينما بينا أن الشيخين إنما انتقيا في الأغلب الأعم الصحيح من حديث هؤلاء المتكلم فيهم .
ففي مثله الأول ( 254 ) ، قال : (( إبراهيم بن مهاجر البجلي ، من رجال مسلم ، قالا : ضعيف يعتبر به )) .
__________
(1) كذا في الأصل ، والصواب : الرازيين .
(1/12)
قلت : هذا الرجل انتقى مسلم من حديثه حديثين صحيحين فقط توبع عليهما كما بيناه في ( التحرير ) وهو شيخ ضعفه يحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد القطان ، وأبو حاتم الرازي ، والنسائي ، والترمذي ، وابن حبان ، والدارقطني وذكرته جميع كتب الضعفاء ، وما حسن القول فيه قليلا سوى الإمام أحمد وتلميذه أبي داود ، ومعلوم في علم الجرح والتعديل أن الجرح مقدم على التعديل في حال التعادل ، فما بال الدكتور بكل هؤلاء الذين ضعفوا هذا الراوي ، هل هم من المخلطين الفاحشين المبطلين ؟!
وقال في مثله الثاني ( 723 ) : (( بشير بن المهاجر ، من رجال مسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الرجل ضعفه تضعيفا شديدا الإمام المبجل أحمد بن حنبل ، فقد ، قال : (( منكر الحديث ، قد اعتبرت أحاديثه فإذا هو يجيء بالعجب )) ، وقال ابن عدي بعد أن خبر حديثه : (( روى ما لا يتابع عليه )) ، وذكره العقيلي في كتاب الضعفاء وقال : (( منكر الحديث )) ، ولا نعلم أحدا وثقه سوى ابن معين ، وكلام إمام الأئمة أحمد فيه من الجرح المفسر الذي لا ينبغي أن يعدل إلى غيره ، وإنما انتقى مسلم من صحيح حديثه ، فالضعيف الذي يعتبر به إنما يعتبر به في المتابعات والشواهد وفضائل الأعمال والزهد والرقائق ، كما هو مفصل في كتب العلم ، فهل يريد منا الدكتور أن نوثق من هذا حاله ؟ أم أن الإمام أحمد مبطل يتقول على رجال الصحيحين ؟
وقال في مثله الثالث ( 1198 ) : (( حسان بن حسان ، من رجال البخاري قالا عنه : ضعيف )) .
(1/13)
قلت : هذا الرجل قد روى عنه البخاري حديثين فقط ، أحدهما في المغازي والثاني في اعتمار النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الحج ، وقد توبع عليهما ، فهما من صحيح حديثه ، ولا نعلم أحدا وثق حسانا هذا ، بل نعلم أن عالمين جليلين جهبذين قد ضعفاه ، أولهما أبو حاتم الرازي إذ قال : (( منكر الحديث )) والثاني هو إمام أهل العراق في هذا العلم الدارقطني ، كما هو مفصل في التحرير وفي تعليقي على ترجمته من تهذيب الكمال .
وقال في مثله الرابع ( 1214 ) : (( الحسن بن بشر ، من رجال البخاري قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : انتقى البخاري من حديثه حديثين صحيحين كلاهما في الصلاة ، قد توبع عليهما ، فهما من صحيح حديثه . وقد ذكر الإمام أحمد وتلميذه أبو داود أنه روى عن زهير بن معاوية الجعفي أشياء مناكير ، وضعفه النسائي ، وقال ابن خراش : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم وحده : صدوق ، فهؤلاء ثلاثة من أئمة الجرح والتعديل قد ضعفوه ، وجرحهم مقدم على من عدله .
وقال في مثله الخامس ( 1240 ) : (( الحسن بن ذكوان ، من رجال البخاري قالا عنه : ضعيف )) .
قلت : ما روى عنه البخاري سوى حديث واحد في الرقاق له شواهد كثيرة وهذا الرجل ضعيف كما قلنا ضعفه يحيى بن معين ، وأبو حاتم الرازي والنسائي ، وابن أبي الدنيا ، والدارقطني ، وقال أحمد : (( أحاديثه أباطيل )) وما حسن القول فيه سوى يحيى بن سعيد القطان ، فهل هؤلاء الذين ضعفوه من المبطلين ، أم من الحاقدين على البخاري ومسلم ، وابن حجر الذين جاء بعدهم بست مئة عام ؟!
وقال في مثله السادس ( 1677 ) : (( خالد بن مخلد القطواني ، من رجال البخاري ومسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
(1/14)
قلت : هذا الرجل قال فيه الإمام أحمد : (( له أحاديث مناكير )) وقال ابن سعد : (( كان منكر الحديث ... وكتبوا عنه ضرورة )) ، وقال الجوزجاني : كان شتاما معلنا بسوء مذهبه ( يعني يشتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وذكره زكريا الساجي ، وأبو العرب القيرواني ، والعقيلي ، وابن عدي ، وابن الجوزي والذهبي وغيرهم في جملة الضعفاء ، وقال أبو حاتم : (( يكتب حديثه )) ( يعني للاعتبار ولا يحتج به ) . فإن كان هناك من مبطل فاحش ومخلط فيتعين أن يكون كل هؤلاء الذين ضعفوه على قاعدة الدكتور .
وقال في مثله السابع ( 2406 ) : (( سعيد بن النظر ( كذا ) البغدادي ، شيخ البخاري ، وقالا عنه : بل مجهول الحال روى عنه اثنان ولم يوثقه أحد مع أنه في ثقات ابن حبان )) .
قلت : مجهول الحال هو الذي لا يعرف فيه تعديل ، فهذا الرجل روى عنه اثنان فقط ، أما ذكر ابن حبان له في كتاب الثقات فشبه لا شيء كما هو معروف في كتب المصطلح .
وقال في مثله الثامن ( 2466 ) : (( سلم بن زرير ، من رجال البخاري ومسلم قالا عنه : ضعيف )) .
قلت : هذا الرجل ضعفه يحيى بن سعيد القطان ، ويحيى بن معين ، وأبو داود والنسائي ، وذكره ابن حبان في المجروحين ، وهو من المجودين في هذا الكتاب وقال : (( لم يكن الحديث صناعته ، وكان الغالب عليه الصلاح ، يخطئ خطأ فاحشا ، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما يوافق الثقات ، ووثقه أبو حاتم وحده وقال أبو زرعة : صدوق ، والجرح مقدم على التعديل كما في كتب المصطلح فهذا مما يعتبر به في الشواهد والمتابعات ويتحسن حديثه إذا توبع أو كانت للحديث شواهد ، فقد أخرج له البخاري ثلاثة أحاديث ، وأخرج له مسلم حديثا واحدا في الشواهد كما هو مفصل في ( التحرير ) .
وقال في مثله التاسع ( 3390 ) : (( عبد الله بن أبي صالح السمان ، من رجال مسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
(1/15)
قلت : هذا الرجل لم نخالف فيه قول الحافظ ابن حجر إذ قال فيه : (( لين الحديث )) وهي معادلة لعبارة : (( ضعيف يعتبر به )) كما بيناه في مقدمة التحرير ، وإنما ذكرنا ذلك لتوحيد المصطلحات ، ولبيان أن مسلما إنما أخرج له حديثا واحدا اقتصر الترمذي على تحسينه ، وهو الحديث الوحيد الذي له في دواوين الإسلام ، فإن ابن حجر هو الذي ضعفه ، فهو المبطل المخلط على قاعدة الدكتور .
وقال في مثله العاشر ( 3936 ) : (( عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة ، شيخ البخاري ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الرجل قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق يخطئ )) وهي ليست بعيدة عن عبارة (( ضعيف يعتبر به )) ، فالصدوق الذي يخطئ إنما يتحسن حديثه عند المتابعة ، وقد روى عنه البخاري حديثين الأول في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - والثاني في الأطعمة ، فهذان الحديثان ليسا مما احتج به البخاري في الأصول ، وقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح ص 586 بعد أن اعترف بضعفه : (( فتبين أنه ( يعني البخاري ) ما احتج به )) ، وقد ضعفه ابن أبي داود وأبو أحمد الحاكم ، وحينما ذكره ابن حبان في الثقات على تساهله قال : (( ربما خالف )) ولا نعلم أحدا وثقه .
وقال في مثله الحادي عشر ( 4608 ) : (( عطاء ، أبو الحسن السوائي ، من رجال البخاري ، قالا عنه : مجهول )) .
قلت : هذا الرجل تفرد بالرواية عنه أبو إسحاق الشيباني ، وقرنه بعكرمة عن ابن عباس ولم يوثقه أحد ولذلك قال الإمام الذهبي في الميزان : (( لا يعرف )) فهو سلفنا فيه ، والحديث الذي أخرجه البخاري ( 4579 ) إنما هو حديث عكرمة عن ابن عباس ، وإنما قال أبو إسحاق الشيباني بعد أن ساقه من طريق عكرمة : (( وذكره عطاء أبو الحسن السوائي ، قال : (( أظنه عن ابن عباس )) فلا يقال عن مثل هذا أنه من رجال البخاري فإن وجوده أو عدمه في سند الحديث واحد ؛ لأن الحديث هو حديث عكرمة عن ابن عباس كما ذكرنا .
(1/16)
وقال في مثله الثاني عشر ( 4632 ) : (( عقبة بن التوأم ، من رجال مسلم ، قالا عنه : مجهول )) .
قلت : هذا الشيخ تفرد بالرواية عنه وكيع بن الجراح ولم يوثقه أحد ، ولذلك ذكره الذهبي في الميزان وقال : (( لا يعرف )) فهو الذي جهله وهو حكم صحيح لأن من تفرد عنه واحد ولم يوثقه أحد فهو مجهول ، وإنما أخرج له مسلم حديثا واحدا برقم ( 1985 ) قرنه فيه وكيع بن الجراح بالأوزاعي وعكرمة بن عمار ، فوجوده في السند او عدمه سواء ، فالإمام الذهبي هو المبطل المخلط على قاعدة الدكتور !
وقال في مثله الثالث عشر ( 5043 ) : (( عمرو بن أبي سلمة التنيسي ، من رجال البخاري ومسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الرجل قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق له أوهام )) وهو ليس ببعيد عن حكمنا ، وقد ضعفه الإمام أحمد ويحيى بن معين وزكريا الساجي والعقيلي ، وقال أبو حاتم الرازي : (( يكتب حديثه ولا يحتج به )) وما وثقه سوى ابن يونس المصري ، وهو شبه لا شيء أمام هؤلاء الجهابذة العلماء الأعلام ، وإنما أخرج له البخاري ومسلم من روايته عن الأوزاعي وكان عنده شيء سمعه من الأوزاعي وشيء عرضه عليه وشيء أجازه له ، فأخرجا مما سمعه منه ، أي أنهما انتقيا من حديثه الصحيح ، فالمبطلون والمخلطون الفاحشون هم الإمام أحمد وابن معين والساجي والعقيلي وأبو حاتم الرازي على قاعدة الدكتور فقد تكلموا في رجل من رجال البخاري ومسلم .
وقال في مثله الرابع عشر ( 5198 ) : (( عنبسة بن خالد ، من رجال البخاري قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
(1/17)
قلت : إنما أخرج له البخاري أربعة أحاديث فقط قرنه فيها بالإمام الثقة عبد الله بن وهب المصري فوجوده مع عدمه سواء ، ولا نعلم أحدا وثقه سوى أن أحمد بن صالح المصري قال فيه : صدوق ، وهو من المتساهلين في توثيق المصريين وقال الإمام يحيى بن عبد الله بن بكير : إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق ، قال : وكان يجيئني ، ولم يكن موضعا للكتابة أن يكتب عنه .
وقال الإمام المبجل أحمد بن حنبل : ما لنا ولعنبسة ، أي شيء خرج علينا من عنبسة ، وقال أبو حاتم : كان على خراج مصر ، وكان يعلق النساء بالثدي قال ابن القطان الفاسي : كفى بهذا في تجريحه ، وقد ثبت بالأدلة هذا الفعل الإجرامي عنه وهو انتهاك لمحارم الله مسقط لعدالته ، فهل يريد الدكتور أن يعدل مثل هذا ؟! أم أن ابن بكير راوي موطأ الإمام مالك مخلط فاحش ومبطل منكر ؟
وقال في مثله الخامس عشر ( 5475 ) : (( القاسم بن عوف الشيباني ، من رجال مسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الرجل تركه الإمام شعبة بن الحجاج فلم يحدث عنه حديثا واحدا وقال الإمام أبو حاتم : مضطرب الحديث ومحله عندي الصدق ، وقال ابن عدي : وهو ممن يكتب حديثه ( يعني في المتابعات والشواهد ) وهو التعبير الذي استعملناه نفسه ، وإنما أخرج له مسلم حديثا واحدا في صلاة الضحى انتقاه من صحيح حديثه .
وقال في مثله السادس عشر ( 5556 ) : (( قطن بن نسير ، من رجال مسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الشيخ كان الإمام أبو زرعة يحمل عليه ، وقال ابن عدي بعد أن فتش حديثه ودرسه : (( كان يسرق الحديث ويوصله )) وما وثقه أحد سوى أن ابن حبان ذكره في الثقات ، وهو شبه لا شيء كما هو معلوم عند أهل العلم وإنما روى له مسلم حديثا واحدا في المناقب ، فهذا مما يعد حسنا في مثل هذا الموضوع .
وقال في مثله السابع عشر ( 5819 ) : (( محمد بن الحسن بن هلال ، من رجال البخاري ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
(1/18)
قلت : هذا الشيخ قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق فيه لين ورمي بالقدر )) وليس ببعيد عن قولنا : (( ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد )) ، وقد ضعفه الإمامان الجهبذان أبو حاتم والنسائي ، وقال ابن معين وحده : ليس به بأس ، وإنما أخرج له البخاري حديثا في كتاب الأحكام ذكره عقب إسناد آخر فوجوده أو عدمه سواء ، فالمبطلان والمخلطان الفاحشان هنا هما أبو حاتم والنسائي ، على قاعدة الدكتور !
وقال في مثله الثامن عشر ( 6093 ) : (( محمد بن عبد العزيز العمري ، من رجال البخاري ، قال عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الشيخ قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق يهم )) وهو ليس ببعيد عن حكمنا ، قال ابو زرعة : ليس بقوي ، وقال أبو حاتم : كان عنده غرائب ولم يكن عندهم بالمحمود ، هو إلى الضعف ما هو ، وقال البزار : لم يكن بالحافظ ووثقه العجلي وهو من المتساهلين جدا ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : ربما خالف ، والجرح مقدم فضلا عن أنه قد جاء من الجهابذة ، وإنما أخرج له البخاري حديثين فقط ، أحدهما في التفسير ، والثاني في الاعتصام ولم يخرج له شيئا في الأحكام .
وقال في مثله التاسع عشر ( 6196 ) : (( محمد بن عمرو اليافعي ، من رجال مسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الشيخ إنما أخرج له مسلم حديثا واحدا عن الكهان ، ولم يخرج له شيئا في الأحكام ، وقال ابن يونس : حدث بغرائب ، وقال ابن عدي : في حديثه مناكير ، وقال يحيى بن معين : غيره أقوى منه ، وقال ابن القطان : لم تثبت عدالته ، وما حسن الرأي فيه سوى يعقوب بن سفيان الفسوي حينما قال : لا بأس به ، وهذا لا يعد شيئا تجاه من ضعفه ، فالذين تجنوا عليه - على قاعدة الدكتور - هم : ابن معين ، وابن عدي ، وابن يونس وابن القطان الذي اقتبس الدكتور عنوان كتابه المزعوم من كتابه ( الوهم والإيهام ) .
(1/19)
وقال في مثله العشرين ( 6258 ) : (( محمد بن كعب بن مالك ، من رجال مسلم ، وثقه ابن حجر وقالا عنه : مقبول في أحسن أحواله )) .
قلت : لا ندري لم أطلق ابن حجر توثيقه وعلى أية قاعدة استند ، فهذا الرجل روى عنه اثنان فقط ، ولم يوثقه أحد ، وإنما روى له مسلم حديثا واحدا وقال ابن منجويه في ( رجال صحيح مسلم ) : (( محمد بن كعب أو معبد بن كعب ، ومعبد أصح )) وهذا يدل على أن هذا الرجل غير معروف الحال .
وقال في مثله الحادي والعشرين ( 6791 ) : (( معروف بن خربوذ من رجال البخاري ومسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الشيخ ضعفه يحيى بن معين ، والعقيلي ، وابن حبان ، وقال الإمام أحمد : ما أدري كيف حديثه ، وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ( يعني للاعتبار ولا يحتج به ) ، ولم يخرج له البخاري حديثا ، بل روى له أثرا واحدا في العلم رواه عن أبي الطفيل عن علي : (( حدثوا الناس بما يعرفون )) ( 1 / 44 ) .
وروى له مسلم ( 1275 ) حديثه عن أبي الطفيل أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج فهما لم يحتجا به ، فالذين تجنى عليه هم ابن معين والعقيلي وابن حبان وغيرهم على قاعدة الدكتور .
وقال في مثله الثاني والعشرين ( 7091 ) : (( نبهان الجمحي ، من رجال البخاري قالا عنه : مجهول )) .
قلت : هذا الشيخ تفرد بالرواية عنه سالم أبو النضر ، ولم يوثقه أحد ، بل لم يسمه البخاري في روايته ولا ذكره في تاريخه أصلا ، وكل الذي قاله في حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي : (( عن نافع مولى أبي قتادة ، وأبي صالح مولى التوأمة ، قال : سمعت أبا قتادة )) ، فالقاعدة تقتضي تجهيله ، وإنما قال ابن حجر : (( مقبول )) وهي تعني عنده : أن روايته تقبل حيث يتابع وإلا فهو ضعيف ، كما بين في مقدمة التقريب .
وقال في مثله الثالث والعشرين ( 7288 ) : (( هشام بن حجير ، من رجال البخاري ومسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
(1/20)
قلت : هذا الشيخ قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق له أوهام )) وهو لا يختلف كثيرا عن حكمنا ، وقد ضعفه مطلقا الإمام أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، ويحيى بن سعيد القطان ، والعقيلي ، وذكر أبو داود أنه ضرب الحد بمكة وما وثقه سوى العجلي ، وابن سعد ، والذهبي ، وتوثيقهم تجاه الأئمة الجهابذة الذين ذكرناهم شبه لا شيء ، وقال أبو حاتم : (( يكتب حديثه )) ( يعني للاعتبار ولا يحتج به ) ، وليس له في البخاري سوى حديث واحد في قول سليمان - عليه السلام - : لأطوفن الليلة علىتسعين امرأة ، وقد توبع عليه ، فالذين تجنوا عليه وأفحشوا في تخليطاتهم وأباطيلهم - على قاعدة الدكتور - هم : أحمد وابن معين ، ويحيى القطان ، والعقيلي ، وأبو داود !! نسأل الله السلامة .
وقال في مثله الرابع والعشرين ( 7294 ) : (( هشام بن سعد المدني من رجال مسلم ، وعلق له البخاري ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الشيخ قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق له أوهام )) وقد ضعفه الأئمة : يحيى بن سعيد القطان ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، والنسائي وابن سعد ، وابن حبان ، وابن عبد البر ، ويعقوب بن سفيان ، وقال أبو حاتم : (( يكتب حديث ولا يحتج به )) ، وقال أبو زرعة : (( شيخ محله الصدق )) ، وقال في موضع آخر : (( واهي الحديث )) ولم يوثقه كبير أحد فماذا يريد منا الدكتور أن نقول في مثل هذا أجمع العلماء على تضعيفه ، وإنما اعتبرنا حديثه لأن مسلما أخرج له ، فانظر أيها الدكتور كيف يتجنى يحيى القطان والإمام أحمد وابن معين والنسائي وابن سعد والعقيلي وأبو حاتم على هذا الذي قفز القنطرة لأن مسلما روى له حديثا في صحيحه ، أليس هذا : (( من تخليطاتهم الفاحشة وأباطيلهم المنكرة )) ، أم ماذا ؟! أم أنه قفز القنطرة بعدهم ؟ .
وقال في مثله الخامس والعشرين ( 7476 ) : (( وهب بن ربيعة الكوفي ، من رجال مسلم ، قالا عنه : مجهول )) .
(1/21)
قلت : هذا الشيخ قال فيه الحافظ ابن حجر : (( مقبول )) ( يعني حيث يتابع وإلا فضعيف ) ، وإنما حكمنا بجهالته لتفرد واحد بالرواية عنه ولقول الإمام الذهبي في الميزان : (( لا يعرف )) ، ولم يحتج به مسلم بل روى له حديثا واحدا في أسباب النزول ( 2775 ) ، فإن كان من مبطل فاحش ومخلط فهو الإمام الذهبي الذي جهله ، وليس نحن ، على قاعدة الدكتور .
وقال في مثله السادس والعشرين ( 7679 ) : (( يحيى بن يمان العجلي ، من رجال مسلم ، قالا عنه : ضعيف يعتبر به )) .
قلت : هذا الرجل قال فيه الحافظ ابن حجر : (( صدوق عابد يخطئ كثيرا وقد تغير )) . فعبارتنا في النتيجة هي أهون من عبارة ابن حجر وقد ضعفه الإمام أحمد بن حنبل ، والنسائي ، وابن نمير ، وأبو داود وقال : يخطئ في الأحاديث ويقلبها ، وذكر يعقوب بن شيبة أنه ليس بحجة إذا خولف ، ولا نعلم وثقه كبير أحد ، وأقصى ما قال بعضهم أنه صدوق اختلط ( خرف ) فلماذا لم يحاسب الدكتور كل هؤلاء الذين منعوه من قفز القنطرة ؟!
وقال في مثله الأخير ( 8243 ) : (( أبو عثمان ، شيخ لربيعة بن يزيد من رجال مسلم ، قالا عنه : مجهول )) .
قلت : الذي جهله هو الإمام الذهبي ، إذ قال في الميزان : (( لا يدري من هو )) فهو المخلط الفاحش والمبطل المنكر الذي لم يقفز هذا الشيخ القنطرة ، وإنما قال ذلك لتفرد واحد بالرواية عنه ولأن أحدا لم يوثقه أصلا ، بل لا يعرف له اسم وقد تكون هذه الكنية لأحد الرواة الذين أخرج لهم مسلم كما بينه الحافظ ابن حجر في التقريب .
من هذا يتضح لكل منصف ذي بصيرة أننا لم نتكلم في أحاديث الصحيحين وإنما تكلمنا كما تكلم العلماء الأعلام قبلنا ومنهم الحافظ ابن حجر نفسه في رجال انتقى الشيخان أحاديث معدودة من حديثهم الصحيح .
فإذا كان الأمر كما بينا والحال على ما وصفنا فلرب سائل يسأل لماذا الكلام في هؤلاء الرجال ؟ وما الحاجة إلى بيان ضعفهم ؟ فنقول وبالله نستعين :
(1/22)
إنما يراد بذلك الحكم على أحاديث هؤلاء خارج الصحيحين إذ يأتي كثير من قليلي المعرفة بهذا العلم الجليل فيصحح أحاديث هؤلاء في الكتب الأخرى كمستدرك الحاكم وغيره ، بحجة أن هؤلاء من رجال الصحيحين أو أن هذا الإسناد على شرط البخاري أو مسلم والأمر بلا شك ليس كذلك فهذا كله مخالف لصنيع الجهابذة الأقدمين ومنهم الشيخان ، فإن الضعيف الذي يعتبر به إنما يعتبر به إذا توبع ، فإن تفرد طرح حديثه ، وليس من ذلك في الصحيحين بحمد الله ومنه شيء .
كما أرى من الواجب علي أن أنبه إلى مسألة علمية قد لا يتنبه إليها كثير من المعنيين بهذا الشأن وهي أن أحاديث الصحيحين كلها صحيحة ؛ لكن مفهوم الصحة يختلف عند الشيخين من موضوع إلى آخر ، فما هو صحيح في المناقب أو التفسير أو الأدب هو غير الصحيح الذي يرويانه في الأحكام ، ولذلك فهما يتساهلان بعض التساهل في هذه الأبواب ومثيلاتها فيعدون الحديث الحسن صحيحا لأنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا ، ومن هنا نفهم لماذا روى الشيخان لبعض المتكلم فيهم في هذه الأبواب ولم يرويا لهم شيئا في الأحكام والحلال والحرام .
(1/23)
ومن العجيب أن الدكتور ذكر هذه الانتقادات التي أثبتنا وهاءها فأظهرنا وكأننا نتكلم في الصحيحين بسوء مع أننا كان من أكبر وكدنا الدفاع عن هذين الكتابين العظيمين اللذين هما أصح الكتب في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان عليه أن يذكر مئات المواضع التي تعقبنا فيها الحافظ ابن حجر حينما لم يحالفه التوفيق حينما أنزل كثيرا من رجال الصحيحين إلى مرتبة أدنى مما هم عليه ففي حرف الألف فقط تعقبناه في الأرقام (6) و (17) و (27) و (46) و (58) و (76) و (84) و (110) و (159) و (205) و (222) و (303) و (334) و (359) وهم رجال احتج بهم البخاري واستعمل لفظة : (( صدوق )) فقط لهم ، وبينا أنهم ثقات لا ينبغي أن ينزلوا إلى هذه المرتبة ، وكذلك فيمن أخرج لهم مسلم ، ووصفهم بالصدق فقط ، كما في الأرقام (133) و (138) و (145) و (343) ، أو هما من رجال الشيخين واقتصر فيهما على هذه اللفظة ، وبينا أنهم ثقات ، كما في (358) و (552) وغيرها ، وهذا في حرف واحد ، فما بالك بالكتاب كله ؟ وإني لأعجب من صنيعه الذي كان ينظر فيه من جانب واحد وقرت في ذهنه صورة مسبقة في الإساءة إلينا ولم يتعقب الحافظ ابن حجر الذي انتقد انتقادات أشد من انتقاداتنا سواء أكان ذلك في رجال الصحيحين أم في غيرهم .
(1/24)
ومن سخريات الزمان أن يصف الدكتور عبد اللطيف طبعة تهذيب الكمال التي قضيت شطرا كبيرا من عمري في تحقيقه بأنها طافحة بالخطأ ولا أدري من أين جاء بهذا الرأي العجيب الغريب الذي لم يقل به أحد من أهل العلم ، ولا أدري إن كان يعلم أو لا يعلم بأن هذا الكتاب بمجلداته الخمسة والثلاثين قد طبع ست طبعات وأثنى عليه العلماء في مشارق الأرض ومغاربها ، ولعلي استحيي أن أذكر له نصوص ما قاله علماء أعلام مثل الشيخ العلامة سعيد حوى ، والشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة يرحمهما الله والشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي وجمهور غفير من العلماء الأعلام في هذا الكتاب فإن هذا مما يعرفه القاصي والداني وبدلا من أن يفتخر بعراقي استطاع خلال خمسة وثلاثين عاما من الاشتغال في هذا العلم ورغم الظروف الصعبة التي مر بها بلدنا المجاهد أن ينتج فيه أكثر من مئة وخمسين مجلدا ربما زادت صفحاتها على المئة ألف صفحة فإنه يهاجمه كل هذا الهجوم ، ولكننا لا نقول إلا بقول الله تعالى : ( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) [ البقرة ] .
(1/25)
ولم يتمكن الدكتور عبد اللطيف بعد كل هذا الهجوم العنيف إلا أن يعترف في الأقل بأنه يتعين أن يخضع لنا في خمس مئة ترجمة أخطأ فيها الحافظ ابن حجر فإذا عرفنا أن التقريب قد احتوى على قرابة الثمانية آلاف وثمان مئة ترجمة وأن قرابة خمسهم هم صحابة ، معدلون أصلا ، وأن خمس الكتاب أيضا هم ثقات لا يختلف فيهم اثنان قد أجمع العلماء على توثيقهم ، وأن خمسا آخر من الكتاب هم من الضعفاء والمتروكون (1) والكذابين اللذين لا يختلف في تجريحهم اثنان علمنا قيمة هذه الخمس مئة ترجمة التي أخطأ فيها الحافظ ابن حجر واستطعنا بحمد الله ومنه وتوفيقه وتسديده أن نعدل هذه الأحكام التي فيها الخدمة العظمى لسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - التي بمتابعتها تكون العزة والكفاية والنصرة والفلاح والنجاح وبمخالفتها أعاذنا الله الخوف والضلال والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة ، مع تمام إيماننا حتى الآن في الأقل أننا لم نجانب الصواب في الألفي موضع التي انتقدنا فيها الحافظ ابن حجر ، كما ظهر للقارئ من تهافت طليعة الإيهام .
(5)
وإني إذ أكتب هذا الرد الوجيز لأتحدى الدكتور عبد اللطيف هميم بمناظرة (2) حول هذا الكتاب في المكان والوقت الذي يشاء خلال شهر تموز وبدعوة أهل العلم والمعرفة بهذا الشأن ، وإني أعد عدم استجابته لهذه المناظرة العلنية اعترافا بالهزيمة : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) [ آل عمران ] .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وكتبه
أفقر العباد بشار بن عواد
انتهى مقال الدكتور بشار عواد معروف .
__________
(1) كذا في الأصل ، والصواب : المتروكين .
(2) وقد حصلت مناظرة بحمد الله يوم الأربعاء الموافق 5 / 7 / 2000 في مجلس الشيخ بركات .
(1/26)
وقد كان من المقرر أن ينشر في الأسبوع اللاحق رد الدكتور عبد اللطيف هميم على مقالة الدكتور بشار عواد ، ولكن –كما ذكرنا – فإن الاتفاق حال دون ذلك ، ونحن نحترم عهودنا ومواثيقنا حتى وإن كنا نعتقد حيف ذلك الاتفاق وتجاهله لشواغلنا ، وها نحن الآن نسطر في هذا الكتاب الرد الذي أعددناه للنشر ، ولم ينشر ، فقلنا في حينها :
تهافت التهافت
- 1 -
(( ينبغي أن أقول ، ومنذ لحظة مبكرة ، إنني لم أكن متحمسا للرد على الهجوم الذي جاء في الأسبوع الماضي من الدكتور بشار عواد معروف ، والذي بدا لي غريبا ممعنا في غرابته .
ورحت أغالب مشاعري ، وأرد فهمي لطبائع الأشياء ، فإذا طبائع الأشياء كلها تقول : إنه عندما تختلط الأمور ، فإن ما يضيع ليس هو العلم فقط وإنما يضيع الإنسان نفسه .
ولعلها نوازع النفس – والنفس أمارة بالسوء – دفعت الدكتور بشار ، أن يهاجمني بكل هذا العنف ، ويرمي آخر النصال الباقية في جعابه ، وربما دفعه آخرون تواروا خلف واجهات ، وحرضوا غيرهم ، وابتعدوا هم .
ثم لعله العقل الباطن ، يدفع الكامن فيه إلى السطح ، ومن هنا لم أجد في رد الدكتور بشار ، غرابة مما لقيت وألقى ، فذلك شأنه .
وأشهد أنني كنت في شغل عن هذا كله ، لكنه الحظ ... وأشهد أنني لم أغضب ولم أتأثر من رد الدكتور بشار ، فقد كنت أعرف الحقيقة ، ومعرفة الحقيقة دائما مبعث ثقة ، وسند ، وسلام للنفس والضمير ... ولكن الذي غضب وهاجم وثار ، وأكل من أطراف ثوبي ، وسكت عن الحق ، وكتم شهادته ، يعرف نفسه .
والحقيقة ... فإن هجومه لم يزعجني ، بقدر ذلك القصد المقصود ، لأغراض في نفس يعقوب !!!
ولست أريد في هذا المقال أن أرد ، أو أدافع ، فما أظنني بحاجة إلى شيء من ذلك كله ، وأنا بطبعي لا أعتب على الناس ، أو على الزمان .
(1/27)
ويقينا أن هناك كثيرين غيري ، رأوا ما رأيت من أخطاء منهج الدكتور بشار وقرؤوا ما قرأت ... لكنهم فضلوا السكوت ، واعتقدوا بالحكمة القائلة : ( إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب ) !
والغريب ... إن الدكتور بشار قد استعجل في رده قبل أن يقرأ شيئا من كتابنا " كشف الإيهام " الذي ننوي طبعه ، ونشره في الأشهر الأربعة القادمة وهو كتاب لم يكن من خطتنا للعمل هذا العام 2000 م ، ولكننا وجدنا نشره ضروريا قبل أن ينزل صمت الأبدية ... ثم إن الأجل إذا جاء فإنه في يد ليس لبشر عليها سلطان .
ولعل أجيالا من بعدنا ، عندما تجيء فإنها ستحقق بين كتاب " التحرير " للدكتور بشار ، وكتاب " كشف الإيهام " وتدقق ، وتوازن ، ثم تعرف وتحكم ويفعل الله ما يشاء ويختار .
والحقيقة : فإن الاختلاف يجوز في قضية فكر ؛ لأنها موضوع ( اجتهاد ) لكن الخلاف غير جائز في قضية علم ؛ لأنها موضوع ( قانون ) .
ومنذ البدء ، فإننا أشير إلى اختلاف منهج الشيخ شعيب الأرنؤوط عن منهج الدكتور بشار عواد ... وأذكر هنا مثالين :
الأول : عبد الله بن محمد بن عقيل : في التحرير ( 3592 ) : (( ضعيف يعتبر به )) في حين أن الشيخ شعيب يحسن له مطلقا .
الثاني : محمد بن إسحاق : في التحرير ( 5723 ) : (( ثقة )) في حين الشيخ شعيب يحسن له ، ولا يرقيه إلى مراتب الثقات .
واللافت للنظر أن الشيخ شعيب لم يذكر في كتبه التي زادت على ( 150 ) مجلدا كتاب ( التحرير ) ! وهنا يلح السؤال : لماذا ؟
موافقات هي ... أم شيء أكثر ؟
والطريف ... إن هذا الكتاب وأقصد به ( التحرير ) الذي أثيرت حوله ضجة في العالم الإسلامي ؛ فإنه في الحقيقة لم يحض بالقبول ، لا بل إن طبعة الكتاب البالغة ( 500 ) نسخة ، لم تنفد طوال السنوات الثلاث الماضية ، وأكثر من ذلك ، فإن هذا الكتاب قد انخفض سعره إلى أقل من النصف !
ثم ماذا ... ؟
(1/28)
لم يحبس الدكتور بشار شيئا في صدره ، وراح يفيض ، والحقيقة فإني أحسست وأنا أقرأ في رده بنوع من الهدوء الداخلي ... ونوع من الصفاء الفكري والنفسي العميق خاصة بما قاله عني بالنص : (( إن الدكتور عبد اللطيف لا بضاعة له في هذه الصناعة ، ولا نعرف له فيه كتابا ، ولا حتى بحثا أو مقالة ولا تخصصا ، ولا ممارسة ، ولذلك جاءت مقالته مقالة حاطب ليل ، لا يدري ماذا يحتطب )) .
أليس هذا كله غريبا ؟ أليس فيه ما يدعونا إلى التحفظ ؟ أليس من العيب أن تصبح هذه حجة ؟
ويكفيني أن أقول : إنني كنت أحاضر في الفلسفة الإسلامية في الجامعة ، التي كان يرأسها بشار عواد نفسه فترة سنين ، في حين أنني لم أكن صاحب اختصاص في الفلسفة الإسلامية ، وناقشت وأشرفت على عشرات الرسائل في الماجستير والدكتوراه ... فهل كنت صاحب اختصاص ؟
ثم ... هل كانت المئات ، بل الألوف من ألمع المفكرين والباحثين والمجتهدين أصحاب اختصاص فيما فكروا وبحثوا واجتهدوا ؟!
إنني أريد أن أسأل ، ويكفيني مقدما أي جواب ، والحق أني لم أمارس في ذلك كله أكثر من دور الباحث ، وهو أمر طبيعي لشخص لم يحترف غير البحث والتأليف والكتابة لمدة وصلت الآن إلى خمس وثلاثين سنة .
ومع ذلك ، فأنا لم أدع لنفسي احتكار الحقيقة ، أو احتكار تفسيرها ، ولكني اتخذت مواقف ، وأبديت آراء ، تقبل الصواب والخطأ .
ومن الإنصاف للحقيقة في أقل تقدير ، أن أقول : إن ابني ( سرمد ) الذي لا يتجاوز عمره الأربع عشرة سنة ، له القدرة على تخريج الأحاديث من أي مصدر يشاؤه الدكتور بشار .
وهنا يحضرني قول أمير الشعراء ( أحمد شوقي ) من انهم غلبوا على أعصابهم فتوهموا أوهام مغلوب على أعصابه !
وإذا كان الدكتور بشار، وصفني بأني (حاطب ليل ، لا يدري ماذا يحتطب) ؟! فالحمد لله ... فإنني لا أكتب إلا في الهواء الطلق ، وفي الضوء لا في الظلمة وأخطب على المنابر أمام الناس ، وأعتقد إن صوتي مسموع لمن يريد أن يسمع .
(1/29)
وهنا ... أقترح على الدكتور بشار أن لا يرمي سنارة الصيد في النهر ، قبل أن يتأكد أن هنالك سمكا تحت الماء .
أما أنه يريد الاستفراد وحده بعلم ( الجرح والتعديل ) في العالم الإسلامي فهذا ما لا يقبله عقل عاقل .
وأما أن يتجاوز الدكتور بشار حدود الحوار فيتهمني بالسرقة من مقدمة كتابه : " الجامع الكبير " فهذا ما لا يستحق أن أرد عليه ، لأنني لا أرضى لنفسي أن أكون ريحا في زوبعة هوجاء ، وإنما ذكر ما ذكر على سبيل التعريض بأن من اعتذر بمثل هذا العذر المقبول لدينا لا يسعه ادعاء نسخ لا وجود لها وهو معذور في ذلك لو لم يدع هذا .
واعتذرنا بعذره لنقول له : بأن مثل هذا لم يجعلنا نبحث عن نسخ كتلك النسخ التي ذكر على قاعدة – إن اللبيب بالإشارة يفهم – وربما جاء في الصمت ما هو أبلغ من كل كلام .
وراح الهجوم لا يلوي على شيء .
ولعل في ذهني سؤالا واحدا ، يطرح نفسه علي بغير صخب ، وبغير إلحاح ... والسؤال هو : ولكن ما هي الحقيقة ؟
كل هذه تفسيرات ولها شواهد ، وقد تكشف ، وبالتالي قد تريح ، ولكن هل يمكن القبول بها حقيقة نهائية ومطلقة ؟
والحقيقة من وجهة نظري ، أن الدكتور بشار ، والشيخ شعيب الأرنؤوط قد أخذا نص التقريب لطبعة الشيخ ( محمد عوامة ) ، وهذا يعني أنهما أخذا ( 8826 ) نصا ، والمشكلة أن نص التقريب من كتاب التحرير مأخوذ من الشيخ ( محمد عوامة ) ، والطريف أن غالب الخطأ الذي حصل في طبعة الشيخ ( محمد عوامة ) قد انتقل بدوره إلى " التحرير ".
والآن .. أود أن أبين ما جاء في مقال الدكتور بشار من المغالطات ، إيضاحا للحق ، وتبصيرا للقراء ، ليس غير .
أولا : جاء في مقال الدكتور : (( وهو – أي : تحريره – كتاب أثار ضجة في العالم الإسلامي كما قال الدكتور عبد اللطيف لما فيه من الآراء والدراسات الجادة والقواعد المنهجية المتينة )) .
(1/30)
قلنا : مازلنا على قولنا بأن " التحرير " أثار ضجة ؛ لكن ليس سببها ما فيه من الآراء والدراسات الجادة والقواعد المنهجية المتينة ، وإن كانت موهمة أنها من قولنا على حد عبارة الدكتور ، التي بنيت بطريقة لغوية توهم أن العبارة الأخيرة من كلامنا وليست كذلك ، فنحن وإياه على غير خلاف في الضجة المثارة ؛ ولكنا غير متفقين في سبب الضجة ، فنحن لا نلقي كلامنا جزافا – بحمد الله – نعم .. الكتاب أثار ضجة في العالم الإسلامي ؛ لما فيه من الآراء والدراسات الشاذة ، إذ لو كانت الدراسات واقعة أصلا – فضلا عن كونها جادة – لكانت النتائج سليمة ، فما بني على أصل صحيح كان صحيحا ، وما بني على أصل فاسد كان ... .
ويكفينا في هذه العجالة المقتضبة أن نورد بعض الأدلة على ما قلناه كي لا يكون الأمر تزويقا لعبارات ، ولهج بأوهام لا حقيقة لها :
أ. في الترجمة ( 6883 تحرير ) مندل بن علي العنزي . حكم عليه الحافظ ، فقال : (( ضعيف )) ، فعلق المحرر هناك بقوله : (( تدل دراسة ترجمته أنه لم يكن شديد الضعف ، فهو ممن يعتبر به في المتابعات والشواهد )) .
قلنا : هذا كلام من لا يجعل طلب الحقيقة المحضة نصب عينه ، إذ أي دراسة هذه التي يزعم الدكتور أنه أجراها ، وعن مندل نفسه يقول ابن القطان الفاسي – وهو من هو - : (( هو غاية في الضعف )) (1) .
ونقل ابن عدي عن السعدي – وهو الجوزجاني – أنه قال : (( مندل وحبان واهيا الحديث )) (2) ، فمن أين جاءت الدراسة ؟!
ثم إن الراوي من رجال أبي داود وابن ماجه ففتشنا أحاديثه في سنن ابن ماجه فوجدناها تسعة أحاديث ، حكم الدكتور بشار في تحقيقه لسنن ابن ماجه بضعفها جميعا ، وأرقامها : ( 1247 ، 1297 ، 1300 ، 1312 ، 1551 ، 1608 ، 1755 ، 1960 ، 3435 ) . فأين كانت دراسته حينها ؟!
__________
(1) بيان الوهم والإيهام 3 / 112 عقيب 804 .
(2) الكامل 8 / 216 .
(1/31)
وهذا إما تقصير في البحث عن الراوي عند تحقيق سنن ابن ماجه أو خطأ في دراسة التحرير .
وأزيد الدكتور العزيز واحدة وهي : أنه عند تضعيفه لتلك الأحاديث أعلها جميعا بمندل هذا ، وقال عنه : (( ضعيف )) ، وهو ممن يفرق بين ضعيف ، وضعيف يعتبر به (1) ، فأي تناقض عجيب هذا ؟!
ب. في الترجمة ( 6977 تحرير ) : موسى بن طارق اليماني أبو قرة الزبيدي . حكم عليه الحافظ فقال : (( ثقة يغرب )) ، فتعقبه المحرر بقوله : (( قوله : (( يغرب )) مما تفرد به ابن حبان ، وأخذها منه المصنف، ولا معنى لذكرها )) .
هذه هي دراسته الجادة !!
ونقول له : بل لها معنى فقد ساق له ابن المظفر في " غرائب مالك " (2) حديثا أغرب فيه ، وفصلنا القول فيه في كتابنا " كشف الإيهام " (3) ، ولشيخنا العلامة النحرير الدكتور هاشم جميل كلام نفيس نقلناه بحروفه في الموضع المذكور آنفا .
ولم يسع الدكتور بشار في تعليقه على الموطأ (4) إلا أن يعترف بإغراب أبي قرة ، فقال : (( وهو كما ترى لا يصح عن مالك ، لإغراب أبي قرة دون أصحاب مالك الثقات الأثبات الذين رووه مرسلا )) (5) ، فأين كانت دراساته الجادة عند تحقيقه للموطأ ، أم أنه حقق الموطأ من غير دراسة جادة ؟!
ج. في الترجمة ( 6017 تحرير ) محمد بن عبد الله بن الزبير أبو أحمد الزبيري . حكم عليه الحافظ فقال : (( ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري )) .
__________
(1) مقدمة التحرير 1 / 48 .
(2) ص 122 رقم 105 .
(3) الترجمة 507 .
(4) برواية يحيى بن يحيى الليثي 2 / 290 .
(5) الغريب في الأمر أن الدكتور بشار كتب على طرة تحقيقه للموطأ أنه طبع سنة 1996 ، واعتمد على كتاب غرائب مالك المطبوع سنة 1998 ، فلا ندري كيف يكون هذا ؟ وقد سبقنا بالإشارة إلى مثل هذا الأستاذ عبد المجيد تركي في مقدمة تحقيقه لموطأ مالك برواية القعنبي .
(1/32)
فاشتد نكير المحرر عليه فقال : (( قوله : (( إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري )) أخذه من قول أحمد الذي تفرد به حنبل بن إسحاق عنه : (( كان كثير الخطأ في حديث سفيان )) ، وهو قول فيه نظر ... الخ كلامه .
وقول الحافظ قول محقق ، فإن الراوي أخطأ في حديث أخرجه الترمذي (1) ، وأشار إلى خطأ أبي أحمد أبو زرعة وأبو حاتم والترمذي ، وتناولناه بالتفصيل في كتابنا " كشف الإيهام " (2) .
ومما يزيدنا ثقة بتلك الدراسات الجادة ! أن يعترف الدكتور بشار نفسه بخطأ أبي أحمد الزبيري في تعليقه على جامع " الترمذي " (3) ، وكذلك شريكه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على " سير أعلام النبلاء " (4) .
فليس أمام الدكتور إلا أن يتجرع مرارة الاعتراف بأحد أمرين أحلاهما مر : فإما أن يعترف بعدم إجراء دراسات جادة عند تحقيقه لجامع الترمذي ، وكذا شريكه الشيخ شعيب ، أو يعترف بخطأ دراسته الجادة ! التي تعقب بها الحافظ ابن حجر في تحريره .
د. في الترجمة ( 3273 تحرير ) : عبد الله بن حسان التميمي ، أبو الجنيد العنبري . حكم عليه الحافظ فقال : (( مقبول )) ، فتعقبه المحرر فقال : (( بل : صدوق حسن الحديث ، فقد روى عنه جمع غفير ، وذكره ابن حبان في " الثقات " ، ولا يعلم فيه جرح )) .
هكذا كانت نتيجة الدراسة الجادة للدكتور !!!
نقول : الكلام في هذا الراوي فصلنا القول فيه في كتابنا " كشف الإيهام " (5) ولكن لا بأس من الإشارة السريعة إلى بعض ما ذكرنا :
__________
(1) 2995 ) .
(2) الترجمة ( 464 ) .
(3) 5 / 100 – 101 .
(4) 15 / 30 .
(5) الترجمة ( 333 ) .
(1/33)
والشيء الذي نود البدء به هنا أن هذا التعليق نقله الدكتور من هامش " تهذيب الكمال " (1) ، وهو بدوره كان قد تلقفه من تعليقات الشيخ الفاضل محمد عوامة على " الكاشف " (2) ، إلا أن الأخير لم يجزم بكون الذي ذكره ابن حبان هو هذا الراوي بعينه ، في حين جزم الدكتور – كما ترى - بذلك ، والذي ذكره ابن حبان في " الثقات " (3) نسبه (( قردوسي )) وقال : (( أخو هشام بن حسان )) ، والكل يدري أن القرادسة بطن من الأزد ، وهذا الراوي عنبري وهم بطن من تميم ، وفرق بينهما الإمام البخاري في " التاريخ الكبير " (4) فلا ندري أي دراسة هذه التي تقود بصاحبها إلى التخليط وقلب الأمور ؟
هـ. وفي خاتمة القول أسوق ترجمة كاملة بنصها من كتابنا " كشف الإيهام " (5) ليدرك الدكتور بشار – قبل غيره - أنه ليس لديه لا دراسات جادة ولا غير جادة ، وأن الأمر ليس إلا أوهاما وتخليطات .
فنقول :
( 243 تحرير ) إبراهيم بن محمد الزهري الحلبي ، نزيل البصرة : صدوق يخطئ ، من الحادية عشرة . ق .
تعقباه بقولهما : (( بل : صدوق حسن الحديث ، كما قال الذهبي في " الكاشف " ، وكلمة (( يخطئ )) أخذها من ابن حبان ، ولا نعلم من أين جاءه الخطأ ، وليس له في الكتب الستة سوى حديث واحد عند ابن ماجه ( 780 ) رواه عن يحيى بن الحارث الشيرازي وهو ثقة وإن قال ابن حجر : (( مقبول )) كما سيأتي بيانه في موضعه ، وهو حديث : (( ليبشر المشاؤون في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة )) ، وقد توبع عليه إبراهيم بن محمد الحلبي ، كما ذكر البوصيري ، ورقه : 53 ، وقال أبو الفضل العراقي : حسن غريب . وذكره ابن خزيمة في " صحيحه " واستغربه وصححه الحاكم ، فهو حديث حسن )) .
__________
(1) 4 / 112 .
(2) 1 / 545 .
(3) 8 / 337 .
(4) 5 / 73 الترجمتين ( 190 ، 192 ) .
(5) الترجمة ( 74 ) .
(1/34)
- قلنا : هما بين الناس أعلم من هذا ، ولولا قراءة العينين له لكذبنا في سماعه آذاننا فموارد الاعتراض فيه عليهما كثيرة منها :
1 – إضافة لفظة : (( يخطئ )) إلى : (( صدوق )) لا بد منها ، فالرجل استغرب من حديثه ما استغرب وأخطأ في بعض مروياته ، كما يدل عليه قول ابن حبان .
واعتراضهما على الحافظ أنه أخذها من ابن حبان ( 8 / 75 ) لا يضير الحافظ في شيء ، وقد أدرك الشيخ محمد عوامة ضرورة ذلك عند تعليقه على الكاشف ( 1 / 224 الترجمة 199 ) عند قول الذهبي : (( صدوق )) فقال : (( الأولى أن يزاد (( يخطئ )) على قول المصنف فيه كما قال في التقريب )) .
وكذلك اعتمد البوصيري قول ابن حبان فضعف الحديث بسبب ذلك كما سيأتي ، على أن المحررين يعتمدان قول ابن حبان في الجرح إذا أرادا واشتهيا ، كما في مقدمتهما للتحرير ( 1 / 34 الفقرة : 5 و 6 ) ، فما لهما عجبا من الحافظ لما أفاد من قول ابن حبان ، وعجبا من قول ابن حبان بقولهما : (( ولا نعلم من أين جاءه الخطأ )) .
2 – قولهما : (( وليس له في الكتب الستة سوى حديث واحد )) لا يلزم منه أن ليس له خارج الستة أحاديث غيرها سبرها ابن حبان ، وقال فيه هذا الحكم وحمل كلام ابن حبان على الاستقصاء أحرى من تركه من غير استقصاء فمع ما فيه من تقديم سوء الظن ؛ فيه تخطئة بلا دليل .
3 – قولهما : (( قد توبع عليه إبراهيم بن محمد الحلبي كما ذكره البوصيري ورقه : 53 )) .
قلنا : هذا كلام غير صحيح ، يعوزه التحقيق والدقة والأمانة ؛ فإن هذا الحديث من حديث سهل بن سعد الساعدي ، تفرد به إبراهيم بن محمد ولم يتابع عليه ، فقد رواه ابن ماجه ( 780 ) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي ، قال : حدثنا يحيى بن الحارث الشيرازي ، قال : حدثنا زهير بن محمد التميمي ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي فذكره .
(1/35)
ورواه ابن خزيمة ( 1498 ) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي البصري بخبر غريب غريب ، قال : حدثنا يحيى بن الحارث الشيرازي وكان ثقة وكان عبد الله بن داود يثني عليه ، قال : حدثنا زهير بن محمد التميمي .
ورواه ابن خزيمة أيضا برقم ( 1499 ) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد قال : حدثنا يحيى بن الحارث ، قال : حدثنا أبو غسان المدني ، كلاهما ( زهير ، وأبو غسان ) عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي فذكره .
فأين المتابعة أيها المحرران ؟! ولو كان متابعا فكيف يضعفه البوصيري كما سيأتي ، وكيف يقول ابن خزيمة فيه : (( حدثنا إبراهيم بن محمد الحلبي البصري بخبر غريب غريب )) ، فما معنى الغرابة إذن ؟!
ثم إذا كان متابعا فكيف يقتصر الدكتور بشار على تحسين إسناده في تعليقه على سنن ابن ماجه ( 2 / 87 ) مع أنه شرط في مقدمة تحقيقه لسنن ابن ماجه ( 1 / 24 ) أن الصدوق الحسن الحديث إذا توبع ارتقى حديثه إلى : صحيح .
وكذلك قال المحرران في مقدمتهما للتحرير ( 1 / 48 ) ، ثم كيف يقولان في آخر تعقبهما : (( فهو حديث حسن )) ؟ فأين المنهجية التي طالبتم بها الحافظ ابن حجر ؟
طالبتم بحرا يقلل مائه ومطرتم الصحراء بالقطرات
4 – نقلهما عن البوصيري ذكر المتابعة ، وعدم ذكرهما كلام البوصيري كاملا يخل بالأمانة ، فقد قدم البوصيري كلامه بقوله : (( هذا إسناد فيه مقال إبراهيم بن محمد هذا قال ابن حبان في " الثقات " : يخطئ )) .
فنقول لهما : لماذا تنقلان ما ينفعكم ، وتهملان غيره . فاتقوا الله وقولوا قولا سديدا .
(1/36)
5 – ثم إن نقلهما ذكر المتابعة لإبراهيم بن محمد الزهري : خطأ فاضح ، أو هو من التلاعب بكلام الأئمة النقاد – نسأل الله الستر والعافية – فإن المتابعة ليست لإبراهيم بن محمد – كما زعما – بل هي لزهير بن محمد كما سبقت عند ابن خزيمة ، ومن طريقه الحاكم ( 1 / 212 ) ، وها نحن أولاء نسوق كلام البوصيري كاملا كي لا يبقى في المسألة لبس ، قال البوصيري في مصباح الزجاجة ( الورقة / 53 من نسخة حلب ، 1/167 ط الحوت ، 1 / 99 ط الدار العربية ) : (( هذا إسناد فيه مقال ، إبراهيم ابن محمد هذا قال ابن حبان في " الثقات " : (( يخطئ )) ، وقال الذهبي في " الكاشف ": (( صدوق )) ، ولم أر لأحد ممن تكلم في الرجال كلاما غيرهما ، وباقي رجال الإسناد ثقات . لكن قال شيخنا أبو الفضل ابن الحسين ( هو العراقي ) رحمه الله تعالى في أماليه بعد أن ساقه من هذا الطريق : (( هذا حديث حسن غريب )) قال : وقد تابع زهير بن محمد عليه أبو غسان محمد بن طريف فساقه ( العراقي ) بسنده إلى يحيى بن الحارث الشيرازي : حدثنا أبو غسان ، عن أبي حازم ، فذكره بلفظ : (( بالنور التام )) انتهى . ورواه الحاكم بالسند المذكور ، عن زهير ، وأبي غسان جميعا )) .
قلنا : لكن المحرران لم ينتبها على سبب ذكر العراقي – رحمه الله – المتابعة لزهير بن محمد ، وسبب ذلك معروف عند أهل الحديث الذين جمعوا مع العلم العمل ، وهو أن أبا الفرج أورده في " العلل المتناهية " ( 686 ) بسند ابن ماجه ، وأعله بزهير ، ونقل عن البخاري قوله : (( زهير : حديثه منكر )) ، فساق العراقي المتابعة لزهير ليبرأ عهدته منه ويبقى الحديث فردا من أفراد إبراهيم بن محمد ، لذا قال فيه العراقي : (( حسن غريب )) وكذلك يفهم من صنيع ابن خزيمة .
ماذا أقول وهل هنالك فرصة ... لأصيح فيكم صيحة التذكير
(1/37)
حررتما التقريب لكن أسفا ... تحريركم يحتاج للتحرير
فإنا لله وإنا إليه راجعون . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فأي دراسة جادة هذه التي يزعمها الدكتور ، ومن سبر ثنايا " تحريره " تيقن أنه جعل الحافظ ابن حجر ندا له ، فإذا خالفه في توثيق شخص ذكر التوثيق حسب ولم يذكر التجريح ، وإذا كان العكس فالعكس ، وكتابنا " كشف الإيهام " خير دليل على ذلك .
ثانيا : وجاء أيضا في مقال الدكتور الكريم قوله : (( ولما فيه من التصحيحات لأحكام أعظم حافظ عرفه عصره ، هو الحافظ ابن حجر العسقلاني )) .
نقول : أبقيت ماذا – أيها الدكتور – لعصر أعظم حافظ فيه يخطئ في ربع كتاب استغرق في تأليفه وتحريره وضبطه ربع قرن ، إذ تقول في نهاية مقالك السابق : (( إذا عرفنا أن التقريب قد احتوى على قرابة الثمانية آلاف وثمان مئة ترجمة ، وأن قرابة خمسهم هم صحابة معدلون أصلا ، وأن خمس الكتاب أيضا هم ثقات لا يختلف فيهم اثنان قد أجمع العلماء على توثيقهم ، وأن خمسا آخر من الكتاب هم من الضعفاء والمتروكون (1) والكذابين اللذين (2) لا يختلف في تجريحه اثنان )) .
فأنت يا دكتور تحتاج لإيضاح أمرين أشكلهما كلامك :
الأول : أنك أهملت خمسين آخرين فلم تذكرهما تعمية منك على القراء وهذا هو شأنك ، وكأنك توحي إلى أن هذين الخمسين هما موطن ظهور الأصالة والاجتهاد ، ومجال اختلاف النقاد .
والثاني : إذا كنت قد تعقبت الحافظ ابن حجر في أكثر من ربع الكتاب من المجموع الذي ذكرته .
__________
(1) كذا في أصل المقال ، والصواب : والمتروكين .
(2) كذا في أصل المقال ، والصواب : الذين – بلام واحدة - .
(1/38)
عليه : فأنت تجرده من أي جهد علمي أو أصالة أو اجتهاد أو قوة في النظر في هذا الكتاب ، وهو الأمر الذي تخفيه ولا تبديه ، فأي عظمة بقيت لابن حجر وهو يخطئ فيما نسبته ( 35.04 % ) من تراجم الكتاب ؟ ولم هذا الوصف تحديدا ؟!
ومن المعلوم لدى الدكتور بشار أن قواعد نقد الرجال عند المحدثين كانت من الدقة بالمكان الذي يعرفه الدكتور قبل غيره ، ولنأخذ مثلا واحدا على هذا وهو الترجمة ( 2550 تحرير ) : سليمان بن داود بن الجارود ، أبو داود الطيالسي . حكم عليه الحافظ فقال : (( ثقة حافظ ، غلط في أحاديث )) ، فقال المحرر هناك : (( عمدة ابن حجر في هذا القول هو قول إبراهيم بن سعيد الجوهري : أخطأ أبو داود الطيالسي في ألف حديث . وهذا من المبالغات والتهاويل التي لا يعول عليها ولا يلتفت إليها ، قال الذهبي في " السير " : (( لو أخطأ في سبع هذا لضعفوه )) ... )) .
فإذا أخطأ الراوي في سبع الألف ( أي : مئة وثلاث وأربعين تقريبا ) ضعف من قبل المحدثين ، أفيكون من يخطئ في أكثر من ألفين وخمسمائة ترجمة – على زعم الدكتور – أعظم حافظ في عصره ؟
ثم أي تصحيحات تلك التي يتبختر الدكتور بها ، وقد أربت استدراكاتنا على التحرير على ألفي موضع ؟ حتى قلنا :
قد كنت في بعض الأمور محاولا ... أن لا تكون كثيرة التجهيل
شاهدت أشياء فجئت ببعضها ... وتركت بعضا خيفة التطويل
فهل هذا إلا مسخ للحقيقة ومحاولة الرقي على حساب الآخرين ؟
عتبي على قوم نظن صلاحهم ... جاؤوا بهذا رغبة التحرير
ما كان أغنى مثلهم عن مثله ... كيلا يكونوا عرضة التقصير
ثالثا : وقال الدكتور في مقاله : (( ولكن الذي قرأته في مقالة الدكتور عبد اللطيف كان سيلا من التجريح الذي لا أدري ما الدافع إليه ولا الغاية المرجوة منه )) .
(1/39)
من باب الأمانة العلمية التي استشعرها دائما أقول : إن الدكتور في كلماته هذه كان عديم الأمانة ، إذ إننا لم نصفه بشيء من التجريح ؛ ولكننا أعلنا نتائج بحثنا كأي باحث مكفول له هذا الحق ، وقد استعجل الرد عليها دون أن يقرأها .
وإذا كانت لدى الدكتور استعدادت ليصفنا بأننا : حاطب ليل ، لا بضاعة لي في هذا العلم ، و ... و ... ، فإن أخلاقي تمنعني من أن أبتدئه بمثل صنيعه ، ورحم الله الشاعر إذ يقول :
إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفا ... أن نبتدي بالأذى من كان يؤذينا
ولم نزد على أن ذكرنا أن نتائج بحثنا كانت كذا وكذا ، كما يفعل كل الباحثين المتحررين المنصفين ، أما وقد ابتدأنا الدكتور بشار بالأذى فلن نقف مكتوفي الأيدي فرقا منه ، ولكننا لن أتجاوز حدود اللياقة تنزيها لأنفسنا ولأسماع القراء عما اجترأ عليه الدكتور .
نقول : بم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو الذي نسب (1) إلى البخاري أنه وثق عطاء ابن أبي مسلم الخراساني ، ومعاذ الله أن يكون البخاري قد وثق عطاء ، بل الأمر على النقيض من هذا إذ نص البخاري على تضعيفه فساقه في ضعفائه (2) ونقل ذلك الإمام الذهبي (3) .
__________
(1) التحرير 3 / 17 الترجمة ( 4600 ) .
(2) الترجمة ( 278 ) .
(3) ميزان الاعتدال 3 / 74 .
(1/40)
بل بم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو الذي تقول على الإمام الترمذي في الموضع نفسه ، فادعى أنه نقل في " علله الكبير " عن البخاري أنه قال عن عطاء : (( رجل ثقة ، روى عنه الثقات ... )) ، وهذا غاية في التخليط إذ هذا القول في " العلل الكبير " (1) وهو مصدر بـ ( قال أبو عيسى ) ، وفي هذا النقل تعمية للقراء عن النقل الصحيح للإمام الترمذي عن الإمام البخاري (2) إذ قال الترمذي ما نصه : (( سألت محمدا عن هذا الحديث ، فقال : شعيب بن رزيق مقارب الحديث ؛ ولكن الشأن في عطاء الخراساني . ما أعرف لمالك بن أنس رجلا يروي عنه مالك يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني . قلت : ما شأنه ؟ قال : عامة أحاديثه مقلوبة )) .
ثم بم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو الذي في نهاية النقل السابق عن البخاري قال : (( ولم أسمع أحدا من المتكلمين تكلم فيه بشيء )) ، والبخاري نفسه أورد عطاء في " تاريخه الكبير " (3) وساق بسنده إلى القاسم بن عاصم قلت لسعيد بن المسيب : إن عطاء الخراساني حدثني عنك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الذي واقع في رمضان بكفارة الظهار ، قال : كذب ما حدثته ، إنما بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : تصدق )) .
وبم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو القائل في الترجمة ( 3592 ) : عبد الله بن محمد بن عقيل ابن أبي طالب الهاشمي : (( وما حسن الرأي فيه سوى الترمذي وشيخه البخاري ، فقال الأول : صدوق ، وقال الثاني : مقارب الحديث )) .
__________
(1) ص 273 الترجمة ( 500 ) .
(2) أي : قبله بصفحة واحدة ، ص 271 الترجمة ( 495 ) .
(3) 6 / 474 الترجمة ( 3027 ) .
(1/41)
نقول : قد حسن الرأي فيه غيرهما كثير منهم : الذهبي (1) وابن العربي (2) والعجلي (3) والحاكم (4) والبوصيري (5) والسيوطي (6) وأبو الفتح اليعمري (7) وابن حجر (8) والشيخ شعيب في جميع تحقيقاته .
وبم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو القائل في الترجمة ( 5817 ) : (( بل لا نعلم من حسن الرأي فيه )) .
وقد قال الحافظ في تهذيب التهذيب (9) : (( وقال الحسين بن حسن الرازي ، عن ابن معين : ثقة )) .
وبم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو القائل في الترجمة ( 5960 ) : (( ولا نعلم فيه جرحا )) ، والحق أن ابن القطان الفاسي قال : (( لا تعرف أيضا حاله )) (10) 0) ، وقد نقله الدكتور نفسه في تعليقه على " تهذيب الكمال " (11) 1) ، فالدكتور يعلمه ويريد منا أن لا يصفه أحد بـ ... .
وبم يريدنا الدكتور بشار أن نصف تحريره وهو القائل في الترجمة ( 1531 ) : (( ولم يوثقه أحد )) ، علما أن مقتضيات الأمانة العلمية أن يذكر أن أحدا لم يمسه بجرح أيضا كما فعل ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (12) .
__________
(1) في المغني الترجمة ( 3337 ) ، وفي الميزان 2 / 485 .
(2) أحكام القرآن 1 / 400 .
(3) ثقاته 2 / 57 .
(4) تهذيب التهذيب 6 / 15 .
(5) مصباح الزجاجة 1 / 222 .
(6) الجامع الصغير ( 8193 ) .
(7) فيض القدير 5 / 527 .
(8) تغليق التعليق 4 / 461 ، التلخيص الحبير 2 / 108 .
(9) 9 / 118 .
(10) 10) بيان الوهم والإيهام 3 / 509 عقيب ( 1281 ) .
(11) 11) 6 / 347 الترجمة ( 5883 ) .
(12) 3 / 32 .
(1/42)
ولكن الذي يفت الأكباد ويضرم نار اللوعة أن يتجاهل الدكتور الدافع لتلك النتائج التي أسفر عنها بحثنا ، ويشهد الله أنه ما دفعنا لأن نزج أنفسنا في هذا المعترك الصعب ونجشمها أصناف التعب إلا الغضبة لله لانتهاك سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، أم تراه غاب عن ذهن الدكتور - وهو يكيل لنا سيل التهم - أن الله يقيض لسنة صفيه - صلى الله عليه وسلم - حماة في كل عصر ومصر ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين .
ولعل الدكتور بشارا نسي أو تناسى ما روى عن السلف في ذلك ، فإن كان الأمر هكذا فإننا نسوق له بعض ذلك :
أ. روى ابن الجوزي في مقدمة " الموضوعات " (1) عن سفيان قال : (( ما ستر الله أحدا يكذب في الحديث )) .
ب. وروى عن ابن المبارك : (( لو هم رجل في السحر أن يكذب في الحديث لأصبح الناس يقولون : فلان كذاب )) (2) .
ج. وعن سفيان الثوري قال : (( لو هم رجل أن يكذب في الحديث وهو في بيت في جوف بيت لأظهر الله عليه )) (3) .
د. وعن قبيصة قال : سمعت سفيان يقول : (( الملائكة حراس السماء ، وأصحاب الحديث حراس الأرض )) (4) .
ولو ذهبنا نستقصي ما روي عن سلفنا في ذلك لطال بنا المقام ، وخرج بنا عن مقصوده ، وفيما ذكرناه عبرة : { لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } (5) .
__________
(1) 1 / 48 .
(2) مقدمة الموضوعات 1 / 49 .
(3) سير أعلام النبلاء 7 / 248 .
(4) سير أعلام النبلاء 7 / 274 .
(5) سورة ق : 50 .
(1/43)
وتذهب الأفكار بعيدا بالدكتور بشار فيظن سكوت الناس إقرار له على ما صنع وسيصنع في كتبه ؛ ولكن الخوف من سطوة لسانه و ... ألجمهم عن الكلام ، وليقرأ إن أراد أن يعرف عاقبة أمره قول الإمام الذهبي - رحمه الله - : (( فحق على المحدث أن يتورع في ما يؤديه وأن يسأل أهل المعرفة والورع ليعينوه على إيضاح مروياته ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى مجالس العلماء والتحري والإتقان وإلا تفعل :
فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك بالمداد
قال الله تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } فإن آنست يا هذا من نفسك فهما وصدقا ودينا وورعا وإلا فلا تتعن ، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي ولمذهب فبالله لا تتعب ، وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فأرحنا منك فبعد قليل ينكشف البهرج وينكب الزغل ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ، فقد نصحتك فعلم الحديث صلف فأين علم الحديث ؟ وأين أهله ؟ كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب )) (1) .
وعندئذ سيعلم الدكتور بشار – ولات ساعة مندم – أن الله تعالى يناضح عن سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وأن أطواد الحق شامخة ، وأن مراكب الزيف غارقة ، ولذا قيل : (( من طلب الحديث لغير الله مكر به )) (2) ، وإنا ناصحون أمناء – إن شاء الله – للدكتور أن يراجع نفسه ويعاود النظر في أوراقه ، فيجعل نيته خالصة لوجه الله لا لشهرة ولا مال ، فـ { كل شيء هالك إلا وجهه } (3) .
__________
(1) تذكرة الحفاظ 1 / 4 .
(2) هو قول حماد بن سلمة ، انظر : حلية الأولياء 6 / 251 ، وسير أعلام النبلاء 7 / 448 .
(3) سورة القصص : 88 .
(1/44)
رابعا : وصف الدكتور بشار " الطليعة " بأنها طافحة بالخطأ ، وما هذا من الدكتور إلا غاية في الأمانة ؟!! وسنرجئ الرد عليه فقرة فقرة إلى مكان قريب، لكن الذي آسف عليه أن كثيرا من الذين في صدورهم ريب { فهم في ريبهم يترددون } (1) ، اغتروا بقوله هذا وصورت لهم هممهم القاصرة عن تقصي الحقائق أن الصدق فيها بجانب الدكتور لسلاسة الأسلوب وخلط الموازين ؛ ولكن الله يأبى إلا أن ينصر الحق { ولتعلمن نبأه بعد حين } (2) .
خامسا : جاء في مقال الدكتور قوله : (( ومن العجيب أن الدكتور ذكر هذه الانتقادات التي أثبتنا وهاءها فأظهرنا وكأننا نتكلم في الصحيحين بسوء مع أننا كان من أكبر وكدنا الدفاع عن هذين الكتابين العظمين )) .
نقول : لم يبق في جعاب الدكتور بشار إلا الرطن بكليمات يستجدي بها عواطف الناس ، فيظهر لهم أنه منافح عن الصحيحين ، و الحقيقة أن أفعاله تخالف أقاويله ، إذ أنه تطاول على صاحبي الصحيحين ، ولم يرع لهما حرمة ؛ وإليك الأمثلة على ذلك :
أ. في ( 1 / 38 من التحرير ) مثل المحرر بحريز بن عثمان الرحبي على عدم اعتداد المحدثين بعقائد الرواة في ميزان النقد عندهم ، إذ حريز مشهور بالنصب ومع ذلك فقد أجمع الأئمة على توثيقه .
لكن الامام البخاري نقل في " تاريخه الكبير " (3) عن أبي اليمان أن حريزا رجع عن النصب ، ولعل هذا لم يرق للدكتور فتطاول على صنيع البخاري إذ أخرج له في صحيحه ، فقال الدكتور بلسان ذرب سلط : (( ولعل هذا هو السبب الذي جعله يخرج له في الصحيح حديثين ، وما فعل حسنا ، فانظر تعليقنا على ترجمته )) (4) .
__________
(1) سورة التوبة : 45 .
(2) سورة ص : 88 .
(3) 3 / 103 .
(4) تهذيب الكمال 5 / 572 ، ط1 .
(1/45)
ولما نظرنا في تعليقه على ترجمته وجدناه علق على قول الفلاس فقال : (( والله لا أدري كيف يكون ثبتا من كان شديد التحامل على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ، نعوذ بك اللهم من المجازفة )) .
ولعل الدكتور يظن أنه هو الذي فعل حسنا فضرب بتوثيق الأئمة عرض الحائط ، وابتدع لنا قولا الله أعلم بالدافع له ، فخرق الاجماع وخالف الجمهور (1) .
ب. في الترجمة ( 381 من التحرير ) : إسحاق بن محمد بن إسماعيل الفروي . حكم الدكتور عليه بالضعف المطلق ، ولما كان إسحاق هذا من رجال البخاري جاء الدكتور بنقل ينم عن كثير توقير لصاحبي الصحيحين ودفاع عنهما إذ اعتمد قول من قال : (( وقد روى عنه البخاري ويوبخونه في هذا )) . أفمن ينقل هذا ويرتضيه يدافع عن الصحيحين أم ... ؟ !!
ورحم الله ابن القيم إذ قال :
وحاطب الليل في الظلماء منتصبا ... لكل داهية تدني من العطب
ج. في الترجمة ( 5065 من التحرير ) : عمرو بن عبد الله بن عبيد ، أبو إسحاق السبيعي . لم يعبأ المحرر بقول الإمام البخاري فقال : (( وقول البخاري يشير إلى أن ما رواه أبو إسحاق بطريق العنعنة غير مقبول ، وهذا غير مسلم له ، فقد روى هو حديثين لأبي إسحاق بطريق العنعنة (2) ) . علما أن الدكتور اضطرب جدا بخصوص مرويات أبي إسحاق ، كما أوضحناه في كتابنا " كشف الإيهام " (3) .
ماذا يقال وقد تجاوز حده ... تحريركم أيها الشيخان
لم تبق في علم الحديث مقالة ... لم تهدماها دونما بنيان
إن تتركا " التقريب " غير محرر ... هذا لعمري غاية الإحسان
__________
(1) انظر في تفصيل هذا القول الشاذ المبتدع نقدنا لمقدمة التحرير 1 / 175 .
(2) ابن ماجه 2 / 398 عند الحديث ( 1235 ) .
(3) الترجمة ( 416 ) .
(1/46)
د. زد على ذلك أن الدكتور ضعف العديد من رجال الصحيحين ، فهو منازع لهما ، وكنا قد سردنا بعض ذلك في " الطليعة " وفصلنا القول فيهم في كتابنا " كشف الإيهام " بما يثلج صدر المحب لسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
ولعل الدكتور بشار وكذلك القارئ الكريم قد تسرب الملل إلى أنفسهم لكثرة الإحالة إلى كتابنا " كشف الإيهام " دون أن يطلعوا على شيء مما فصلنا النقد فيه ، فنود أن نسوق في هذه العجالة نماذج لما ذكرنا في الكتاب ليكونوا على دراية بكثرة التهافتات في التحرير المزعوم للدكتور بشار عواد ، فنقول :
227 - ( 1227 تحرير ) الحسن بن أبي الحسن البصري ، واسم أبيه : يسار ، بالتحتانية والمهملة ، الأنصاري مولاهم : ثقة فقيه فاضل مشهور ، وكان يرسل كثيرا ويدلس ، قال البزار : كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز ويقول : حدثنا وخطبنا ، يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة ، هو رأس أهل الطبقة الثالثة ، مات سنة عشرة ومئة ، وقد قارب التسعين . ع .
- قلنا : نبه هنا المحرران على شيء ما ، فقالا : (( ينبغي التنبه أن تدليس الحسن قادح إذا كان عن صحابي ، أما إذا كان عن تابعي فلا ، ولابد من هذا القيد )) .
قلنا : هذه قاعدة استخرجاها من كيسهما ، وما في غرائبهما مثلها فلقد نمت أولا : عن جهل بأبسط قواعد مصطلح الحديث ، وثانيا : محاولتهما اختراع قواعد ، والتقول بما لم يقل به سابق قبلهما .
فمن المعروف بداهة لمن له أدنى ممارسة وطلب في هذا العلم الشريف ، أن من عرف بالتدليس لم تقبل عنعنته مطلقا ، وإن كانت عن معاصر ، وهذا مذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين ، ( النكت على كتاب ابن الصلاح 2 / 633 ) بل : نقل النووي في " المجموع " (1) الاتفاق على رد عنعنة المدلس ( أنظر : التقييد والإيضاح ص 99 ، وظفر الأماني ص 389 ) .
__________
(1) 4 / 466 ، وكذلك أعاد ذلك في شرحه على صحيح مسلم ( 2 / 199 طبعة الشعب ) .
(1/47)
بل : نقل الرامهرمزي ( المحدث الفاصل ص 450 ) والخطيب البغدادي ( الكفاية ص 515 ) عن بعض الفقهاء وأهل الحديث : رد حديث المدلس مطلقا سواء بين السماع أم لا (1) .
ولم ينقل القبول في عنعنة المدلس إلا عن بعض من قبل المرسل مطلقا ( الكفاية ص 515 ) ، وهو من مذاهب أهل الأصول لا المحدثين ، وما نظن المحررين من القائلين به .
ثم تخصيص القدح بعنعنته عن الصحابة ، مما لم نجد لهما فيه سلفا ، وأي فرق بين عنعنته عن صحابي أو عن تابعي ؟ وما نرى وقوعهما في هذا الخطأ ، إلا من خلطهما بين عنعنة المدلس وعنعنة غير المدلس ، فإن الثانية هي التي وقع فيها خلاف فيما إذا كان معاصرا فهل تقبل بمجرد الإمكان أم يشترط التحقق والوقوع ؟؟
وهذا الذي دعاهما إلى الفصل بين عنعنته عن الصحابة وعنعنته عن التابعين ومن هذا يتبين لك زيف هذه القاعدة ، وأن هناك ألف بد من هذا القيد .
والله المسؤول أن يهدينا إلى الصواب والسداد .
والمثل الآخر :
328 – ( 3054 تحرير ) عاصم بن بهدلة ، وهو ابن أبي النجود ، بنون وجيم ، الأسدي مولاهم ، الكوفي ، أبو بكر المقرئ: صدوق له أوهام ، حجة في القراءة ، وحديثه في " الصحيحين " مقرون ، من السادسة ، مات سنة ثمان وعشرين . ع .
تعقباه بقولهما : (( بل : ثقة يهم ، فهو حسن الحديث ، وقوله : (( صدوق له أوهام )) ليس بجيد ، فقد وثقه يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل وأبو زرعة الرازي ، ويعقوب بن سفيان ، وابن حبان . وجعله ابن معين من نظراء الأعمش ، وإن فضل هو وأحمد الأعمش عليه . وكل هؤلاء وثقوه مع معرفتهم ببعض أوهامه اليسيرة )) .
__________
(1) المجموع 2 / 178 ، وبه قال ابن حزم ، كما في " إحكامه " ( 1 / 141 ) . وقارن بالعواصم والقواصم ( 8/236 ) وانظر بلا بد : أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء ص 230 .
(1/48)
- قلنا : هذا كلام متناقض ، فكيف يكون (( ثقة )) ثم يكون حسن الحديث ؟! ومعلوم أن الثقة صحيح الحديث ، وأن الحسن الحديث هو (( الصدوق )) ، وقد نصا على ذلك في مقدمتهما ( 1 / 48 ) وهو من بدائه هذا العلم .
وبسبب هذا الحكم المتناقض تناقض الدكتور بشار في تعليقه على ابن ماجه حديث ( 138 ) ، فقال عن الحديث : (( إسناده صحيح عاصم بن بهدلة بن أبي النجود ثقة يهم )) .
وحديث (150 ) قال عنه : (( إسناده صحيح عاصم بن بهدلة بن أبي النجود عندنا ثقة )) .
وحديث ( 168 ) قال عنه : (( إسناده حسن )) .
وحديث ( 226 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ، عاصم عندنا ثقة )) .
وحديث ( 284 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ، فعاصم عندنا ثقة )) .
وحديث ( 306 ) قال عنه : (( إسناده صحيح )) .
وحديث ( 478 ) قال عنه : (( إسناده صحيح )) .
وحديث ( 684 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ، عاصم عندنا ثقة )) .
وحديث ( 755 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ، عاصم بن أبي النجود ثقة )) .
وحديث ( 793 ) قال عنه : (( إسناده صحيح )) .
وحديث ( 1023 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ورجاله ثقات ، عاصم عندنا ثقة )) .
وحديث ( 1255 ) قال عنه : (( إسناده صحيح )) .
وحديث ( 1695 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ، عاصم هو ابن بهدلة ثقة )) .
وحديث ( 1725 ) قال عنه : (( إسناده صحيح عاصم هو ابن بهدلة بن أبي النجود ثقة عندنا )) .
وحديث ( 1818 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ورجاله ثقات ؛ لأن عاصما ثقة )) .
وحديث ( 3881 ) قال عنه : (( إسناده حسن )) .
وحديث ( 3920 ) قال عنه : (( إسناده صحيح ، عاصم ثقة عندنا )) .
وحديث ( 3930 م ) قال عنه : (( إسناده ضعيف )) ، لعلة غير عاصم .
وحديث ( 4023 ) قال عنه : (( إسناده صحيح عاصم وهو ابن بهدلة ثقة عندنا )) .
وحديث ( 4070 ) قال : (( إسناده صحيح )) .
وقد سقنا هذا لنبين مدى التناقض الكبير بسبب سرعة الأحكام ، ومعلوم أن سرعة الأحكام تورث كثرة الأوهام .
(1/49)
وأما نقلهما عن العلماء فقد اضطرب كثيرا في هذه الترجمة :
فالروايات اختلفت عن الإمام أحمد ويحيى فيه : ففي إحداها عن الإمام أحمد أنه ثقة – كما نقلاه - ، لكن روى المروذي قال : (( سألت أبا عبد الله عن عاصم بن أبي النجود فقال : هو أستاذ أبي بكر بن عياش ، ليس به بأس وكأنه لينه )) . ( سؤالاته : 74 ) .
ونقلهما عن ابن معين توثيقه مطلقا هو في رواية ابن أبي مريم ( هامش تهذيب الكمال 4 / 6 الترجمة 2989 ط 98 ) وقال في رواية : (( ليس بالقوي )) وقال في رواية : (( لا بأس به )) ( تهذيب الكمال 4/6 الترجمة 2989 ط 98 ) وقال في رواية عبد الله بن أحمد : (( ليس به بأس )) ( الجرح والتعديل 6 /341 الترجمة 1887 ) ، وفي رواية ابن طهمان : (( ثقة لا بأس به وهو من نظراء الأعمش ، والأعمش أثبت منه )) . ( سؤالاته 157 ) .
ونقل التوثيق مطلقا عن يعقوب بن سفيان لا يجوز ، فهو إنما قال فيه : (( في حديثه اضطراب ، وهو ثقة )) ( تهذيب الكمال 4/6 الترجمة 2989 ط 98 ) ثم إن المحررين قد أعرضا ولم يذكرا جملة من الأقوال التي لا توافق حكمهما وهو في حق غيرهما تساهل علمي واختلال في المنهج .
فقد قال الدارقطني : (( في حفظه شيء )) ( تهذيب الكمال 4 / 6 الترجمة 2989 ط 98 ) ، وسؤالات البرقاني 1 / الترجمة ( 338 ) ، وتهذيب التهذيب ( 5/39 ) والكاشف (1 / 518 الترجمة 2496 )،والميزان ( 2/357 الترجمة 4068 ) . وقال النسائي : (( ليس بالحافظ )) ( حاشية الكاشف 1 / 518 الترجمة 2496 ) . وقال ابن خراش : (( في حديثه نكرة )) ( تهذيب الكمال 4 / 6 الترجمة 2989 ط 98 ) ، الميزان ( 2 / 357 الترجمة 4068 ) ، وحاشية الكاشف ( 1 / 518 الترجمة 2496 ) .
وقال العقيلي : (( لم يكن فيه إلا سوء الحفظ )) ، ( تهذيب الكمال 4 / 6 الترجمة 2989 ط 98 ، وتهذيب التهذيب 5 / 39 ) . وقال ابن سعد : (( كان عاصم ثقة إلا أنه كان كثير الخطأ في حديثه )) ، ( طبقاته 6 / 321 ) .
(1/50)
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : (( سألت أبا زرعة عنه ، فقال : ثقة ، فذكرته لأبي ، فقال : ليس محله هذا أن يقال : هو ثقة ، وقد تكلم فيه ابن علية فقال : كأن كل من كان اسمه عاصم سيئ الحفظ )) . ( الجرح والتعديل 6 / 341 الترجمة 1887 ، وتهذيب الكمال 4 / 5 الترجمة 2989 ط 98 وتهذيب التهذيب 5 / 39 ) .
وقال أيضا : (( وذكر أبي : عاصم ابن أبي النجود فقال : محله عندي محل الصدق صالح الحديث ، ولم يكن بذاك الحافظ )) . ( المصادر السابقة ) .
وقال شعبة : (( حدثنا عاصم بن أبي النجود وفي النفس ما فيها )). ( الميزان 2 / 357 الترجمة 4068 ) .
وقال الآجري : (( سألت أبا داود عن عاصم وعمرو بن مرة ، فقال : عمرو فوقه )) . ( سؤالاته 3 / الترجمة 162 ) .
وقال أبو بكر البزار : (( لم يكن بالحافظ )) ، ( تهذيب التهذيب 5 / 40 ) .
وقال ابن قانع : قال حماد بن سلمة : (( خلط عاصم في آخر عمره )) . ( تهذيب التهذيب 5 / 40 ) .
وقال العجلي : (( كان عاصم عثمانيا ، وكان صاحب سنة وقراءة للقرآن وكان ثقة رأسا في القراءة ، وكان ثقة في الحديث ، ولكن يختلف عليه في حديث زر وأبي وائل )) . ( تهذيب تأريخ دمشق 7 / 124 ) .
وقال أبو زيد الواسطي : (( كان عاصم يحدثنا بالحديث عن زر بالغداة ، ثم يحدثنا به عن أبي وائل في العشي )) . ( المصدر السابق )
وقال يحيى بن سعيد : (( ليس به بأس )) . ( المصدر نفسه )
وقال أيضا : (( ما وجدت رجلا اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ )) . ( الميزان 2 / 357 الترجمة 4068 ) .
وقال زهير بن حرب أبو خيثمة : (( مضطرب ، أعرض )) . ( العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله 2 / 117 رقم 717 ) .
والذي يمعن في النظر جيدا يجد أن قول العجلي ناشئ عن تتبع تام لمرويات عاصم فقد حصر الوهم في روايته عن أبي وائل وزر بن حبيش ، وأمثلة هذا كثيرة نكتفي بواحد لكل من الراويين :
(1/51)
أما أبو وائل : فقد قال عبد الله بن أحمد في علله ( 2 / 168 رقم 1151 ) : (( سمعت أبي قال : سمعت أبا داود قال : حدثنا شعبة قال : أخبرنا عاصم بن بهدلة قال : سمعت أبا وائل يحدث عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى سباطة قوم فبال قائما )) . وما هو كما يقول الأعمش ما حدثنا أبو وائل إلا عن المغيرة بن شعبة .
قال شعبة : وقد كنت سمعت حديث الأعمش منه (1) فلقيت منصورا فسألته فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى سباطة قوم فبال قائما .
وحديث المغيرة : أخرجه الإمام أحمد ( 4/246 ) ، وعبد بن حميد ( 396 و 399 ) ، وابن ماجه ( 306 ) ، وابن خزيمة ( 63 ) ، كلهم من طرق عن عاصم بن بهدلة ، وحماد بن أبي سليمان ، عن أبي وائل ، عن المغيرة ، به مرفوعا
وحديث حذيفة : أخرجه الحميدي ( 442 ) ، وأحمد ( 5 / 382 و 5 / 402 ) ، والدارمي ( 674 ) ، والبخاري ( 1 / 66 ) ، ومسلم ( 1 / 157 ) ، وأبو داود ( 23 ) ، وابن ماجه ( 305 ) ، والترمذي (13) ، والنسائي ( 1 / 19 و 1 / 25 ) ، وابن خزيمة ( 61 ) . كلهم من طريق الأعمش .
وأخرجه أحمد ( 5 / 382 و 5 / 402 ) ، والبخاري ( 1/66 و 3 / 177 ) ومسلم ( 1 / 157 ) ، والنسائي ( 1 / 25 ) ، وابن خزيمة ( 52 ) ، كلهم من طريق منصور .
وأخرجه النسائي ( 1 / 25 ) عن الأعمش ومنصور مقرونين.
كلاهما ( الأعمش ومنصور ) عن أبي وائل ، عن حذيفة به ، مرفوعا .
__________
(1) أخرج ابن ماجه ( 306 ) هذا الحديث من طريق شعبة عن عاصم عن أبي وائل عن المغيرة ، قال شعبة بعده : (( قال عاصم يومئذ وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة وما حفظه . فسألت عنه منصورا فحدثنيه عن أبي وائل ، عن حذيفة )) .
(1/52)
ومن هذا يظهر لك خطأ عاصم في هذا الحديث إذ هو حديث حذيفة لا المغيرة وإن تابعه عليه حماد بن أبي سليمان فقد قال عبد الله في العلل ومعرفة الرجال ( 2 / 169 رقم 1156 ) : (( حدثني أبي ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا عاصم بن بهدلة وحماد بن أبي سليمان ، عن أبي وائل ، عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى سباطة قوم فبال قائما . ( قال حماد بن أبي سليمان : ففحج رجليه ) . قال أبي : منصور والأعمش أثبت من حماد وعاصم )) .
فهذا نص على ترجيح رواية منصور والأعمش ، وقد نقل الإمام أحمد عن شعبة أنه كان يختار الأعمش على عاصم في تثبيت الحديث . ( العلل ومعرفة الرجال 2 / 117 رقم 717 ) .
ومما يجعلنا نوقن أن عاصما ما ضبط حديثه أن المزي في تحفة الأشراف ( 8 / حديث 11502 ) أشار إلى أن ابن ماجه رواه أيضا عن إسحاق بن منصور ، عن أبي داود ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن المغيرة بن شعبة به ، ولم يذكر أبا وائل . ( هذه الرواية لا توجد في المطبوع من سنن ابن ماجه ) .
ثم إن الأعمش ومنصور متابعان عليه متابعة نازلة ، فقد رواه الإمام أحمد ( 5 / 394 ) قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا يونس – يعني : ابن أبي إسحاق-، عن أبي إسحاق ، عن نهيك عن عبد الله السلولي ، عن حذيفة ، به.
ثم إن البخاري ومسلما ما روياه من طريق عاصم ولا حماد ، رغم شغف الإمام مسلم بإيراد المتابعات ، لعلمهما بالخطأ في هذا الحديث .
ومن هذا نعلم خطأ من صحح إسناد الحديث من رواية عاصم وحماد كالعلامة الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة ( 1 / 36 حديث 63 ) ، والدكتور بشار في تعليقه على سنن ابن ماجه ( 1 / 274 حديث 306 ) ، ولهما في مثل هذا نظائر كثيرة لو تتبعناها لهما لبلغت مجلدات .
أما زر بن حبيش :
(1/53)
فقد أخرج أحمد ( 5 / 396 ، 399 ، 400 ، 405 ) ، وابن ماجه ( 1695 ) ، والنسائي ( 4 / 142 ) ، من حديث عاصم ، عن زر بن حبيش قال: قلت لحذيفة : (( أي ساعة تسحرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع )) .
وهذا حديث رجاله ثقات ، إلا أن عاصما تفرد به - وهو ممن لا يحتمل تفرده - والحديث مخالف لما عليه عمل الأمة منذ الصدر الأول وحتى يوم الناس هذا ، فكيف صحح الدكتور بشار إسناده في تعليقه على سنن ابن ماجه ( 3 / 185 ) ؟؟ أم هو مجرد الحكم على ظواهر الأسانيد من غير مراجعة لكتب العلل والأفراد والنظر في المتون ؟؟
فالحكم الدقيق لعاصم : أنه حسن الحديث كما قال الذهبي في الميزان ( 2 / 357 الترجمة 4068 ) ، وحاله ممن لا يحتمل الحكم على أفراده بالصحة وأما روايته عن زر بن حبيش وأبي وائل فهي ضعيفة ، فتأمل !!
والمثل الآخر :
538 – ( 7511 تحرير ) يحيى بن أيوب الغافقي ، بمعجمة ثم فاء وقاف أبو العباس المصري : صدوق ربما أخطأ ، من السابعة ، مات سنة ثمان وستين . ع .
(1/54)
تعقباه بقولهما : (( بل : هو صدوق ، كما قال البخاري ، وقد وثقه ابن معين ، ويعقوب بن سفيان ، وإبراهيم الحربي ، والدارقطني ، وقال أبو داود : صالح ، وقال أحمد بن صالح المصري : ليس به بأس ، وذكره ابن حبان في " الثقات " ، وقال ابن عدي : (( وهو من فقهاء مصر ومن علمائهم ولا أرى في حديثه إذا روى عنه ثقة أو يروي هو عن ثقة حديثا منكرا فأذكره ، وهو عندي صدوق لا بأس به . واختلف فيه قول النسائي ، فقال مرة : ليس به بأس ، وقال مرة : ليس بالقوي . وضعفه أبو زرعة ، وابن سعد ، والعقيلي . وقال أحمد : كان سيئ الحفظ ، وقال أبو حاتم : محله الصدق ، يكتب حديثه ولا يحتج به . وقد استشهد به البخاري في عدة أحاديث من روايته عن حميد الطويل ماله عنده غيرها سوى حديثه عن يزيد بن أبي حبيب في صفة الصلاة بمتابعة الليث وغيره ، واحتج به مسلم في " الصحيح " )) .
- قلنا : هذا التعقب لا معنى ولا قيمة له ، وهو يدل على عدم المنهجية والتساهل في إصدار الأحكام ، وعلى عدم الدقة . ولنا عليهما في هذا التعقيب أمور :
الأول : الحكم واحد ، والنتيجة هي هي ؛ لكنهما حذفا من حكم الحافظ لفظ : (( ربما أخطأ )) وهي مهمة نافعة كما سيأتي .
الثاني : نقلهما قول النسائي في تضعيفه لم يكن دقيقا ، وعبارته الدقيقة كما في ضعفائه ( 626 ) : (( ليس بذاك القوي )) ، وقد نقلها ابن عدي في الكامل ( 9 / 54 طبعة أبي سنة ) بلفظ : (( ليس بذاك )) .
الثالث : أهملا قول ابن معين الآخر فقد قال عنه : (( صالح )) ( الجرح والتعديل 9 / 128 الترجمة 542 ) .
الرابع : أهملا بعض الأقوال في تقوية أمر المترجم ، فقد نقل ابن عدي في الكامل ( 9 / 55 طبعة أبي سنة ) عن عثمان قوله : (( يحيى بن أيوب مصري صالح )) ، وقال الذهبي في الكاشف (2/362 الترجمة 6137) : (( صالح الحديث )) .
(1/55)
الخامس : أهملا كثيرا من أقوال أئمة الجرح والتعديل التي تضعف أمر المترجم ؛ لأنها لا تخدم غرضهما ؛ فقد قال ابن سعد في طبقاته ( 7 / 516 ) : (( منكر الحديث )) ، وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ ( 1 / 227 – 228 ) : (( حديثه فيه مناكير )) . وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام ( 4 / 69 عقيب 1504 ) : (( وهو من قد علمت حاله ، وأنه لا يحتج به لسوء حفظه ، وقد عيب على مسلم إخراجه ... )) . وقال ( 3 / 495 عقيب 1269 ) : (( فإن يحيى بن أيوب يضعف )) . وقال ( 3 / 324 عقيب 1070 ) : (( يحيى بن أيوب مختلف فيه ، وهو مما عيب على مسلم إخراجه حديثه )) .
وقال الحاكم : (( إذا حدث من حفظه يخطئ ، وما حدث من كتاب فليس به بأس )) نقله السهارنفوري في بذل المجهود ( 2 / 28 ) .
وقال الدارقطني : (( في بعض حديثه اضطراب )) ( الميزان 4/362 ) .
وقد ضعفه ابن حزم في المحلى ( 1 / 88 و 6 / 72 و 7 / 37 ) .
فلماذا أهمل المحرران كل هذا ، فهل هكذا يكون التحرير ؟ !
السادس : إن المحررين حذفا من الحكم : (( ربما أخطأ )) ، وهي مهمة لازمة لا بد منها ؛ لأن المترجم عدت له بعض الأخطاء ، فإقران الحافظ لفظة : (( صدوق )) بـ (( ربما أخطأ )) فائدة غالية نافعة ترشد الباحث إلى أوهام المترجم وأخطائه ليحذر خطؤه ، وينتفع بذلك عند المقارنة والمعارضة ؛ ولكن العجلة التي عمت على المحررين جعلتهما لا يدريان ما يكتبان . وقد فتشنا عن أحاديث المترجم فوجدنا عددا من الأحاديث التي أخطأ أو خولف فيها يحيى بن أيوب الغافقي ، وهي :
(1/56)
الحديث الأول : ما أخرجه الطحاوي في شرح المعاني ( 1 / 406 ) وفي شرح المشكل ( 5649 ) ، والبيهقي في دلائل النبوة ( 7 / 192 ) من طريق سعيد بن أبي مريم ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، قال : حدثني حميد ، قال : حدثني ثابت البناني ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد يخالف بين طرفيه ، فكانت آخر صلاة صلاها .
نقول : لقد خولف يحيى بن أيوب في هذا الحديث :
فقد أخرجه أحمد ( 3 / 159 ) ، والنسائي ( 2 / 79 ) ، وفي الكبرى ( 860 ) من طريق إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس ، به .
وأخرجه أحمد ( 3 / 216 ) من طريق سفيان الثوري ، عن حميد ، عن أنس ، به .
وأخرجه أحمد ( 3 / 233 ) من طريق عبد الوهاب الثقفي ، عن حميد عن أنس .
وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة ( 7 / 192 ) من طريق محمد بن جعفر ، قال : أخبرنا حميد ، أنه سمع أنسا ، فذكره .
فهؤلاء أربعتهم ( إسماعيل بن جعفر ، وسفيان الثوري ، وعبد الوهاب الثقفي ، ومحمد بن جعفر ) رووه عن حميد عن أنس ، بدون ذكر ثابت مع أن الرواية الأخيرة فيها تصريح لسماع حميد عن أنس ، مما يرجح وهم يحيى بن أيوب الغافقي بذكره ثابتا .
الحديث الثاني : ما أخرجه الدارمي ( 1705 ) ، وأبو داود ( 2454 ) والترمذي ( 730 ) ، وفي علله الكبير ( 202 ) ، والنسائي ( 4 / 196 ) ، وابن خزيمة ( 1933 ) ، والطحاوي في شرح المعاني ( 2 / 54 ) ، والدارقطني ( 2 / 172 ) ، والبيهقي ( 4 / 202 ) من طريق يحيى بن أيوب ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، عن حفصة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من لم يجمع الصيام قبل الفجر ، فلا صيام له )) .
(1/57)
قال الترمذي في الجامع ( 730 ) عقيبه : (( حديث حفصة ، حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ، وقد روي عن نافع ، عن ابن عمر قوله ، وهو أصح . وهكذا أيضا روي هذا الحديث عن الزهري موقوفا . ولا نعلم أحدا رفعه إلا يحيى بن أيوب )) .
ثم إن الدكتور بشار قد أيد الترمذي في ذلك فوضع هامشا على اسم أيوب وقال ( 2 / 101 ) : (( وكذلك قال البخاري كما نقل المصنف في العلل ، وأحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والطحاوي )) .
نقول : والحق معهم فإن يحيى بن أيوب قد أخطأ في هذا الحديث . فقد رواه مالك ( رواية أبي مصعب 775 ، ورواية سويد 456 ، ورواية يحيى 788 ، والشيباني 372 ) ، وعبد الرزاق في مصنفه ( 7787 ) عن ابن جريج وعبيد الله بن عمر ؛ ثلاثتهم ( مالك ، وابن جريج ، وعبيد الله ) رووه عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ؛ أنه كان يقول : (( لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر )) .
وأخرجه عبد الرزاق ( 7786 ) ، والطحاوي في شرح المعاني ( 2 / 55 ) من طريق الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن حفصة قالت : (( لا صوم لمن لم يجمع الصيام من الليل )) .
الحديث الثالث : ما أخرجه البزار ( 1109 ) من طريق يحيى بن أيوب الغافقي ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمر بن الحكم ، عن سعد بن أبي وقاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت ... الحديث )) . هكذا رواه يحيى بن أيوب الغافقي وخولف فيه .
وقد رواه عبد الله بن المبارك في الزهد ( 416 ) عن عبد الله بن لهيعة ومن طريقه الترمذي ( 2538 ) ، والبغوي ( 4377 ) عن يزيد بن أبي حبيب ، عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، به .
وهذا سند قوي فهو من رواية أحد العبادلة عن ابن لهيعة ، وقال الشيخ شعيب في تعليقه على شرح السنة ( 15 / 214 ) : (( إسناده صحيح )) .
(1/58)
وأخرجه أبو نعيم في صفة الجنة ( 57 ) من طريق ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن سليمان بن حميد ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه .
الحديث الرابع : ما أخرجه الترمذي ( 3502 ) ، والبغوي في شرح السنة ( 1374 ) من طريق يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن خالد بن أبي عمران أن ابن عمر قال : قلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه ... الحديث .
قال الترمذي بإثره : (( هذا حديث حسن غريب )) وقد روى بعضهم هذا الحديث عن خالد بن أبي عمران ، عن نافع ، عن ابن عمر .
قلنا : هو كما قال الإمام الترمذي فقد أخرجه النسائي في الكبرى ( 10234 ) ، وفي عمل اليوم والليلة ( 401 ) من طريق عبد الله بن عبد الحكم عن بكر ، عن عبيد الله بن زحر ، عن خالد بن أبي عمران عن نافع ، عن ابن عمر ، به .
وأخرجه الحاكم في المستدرك ( 1 / 528 ) من طريق الليث بن سعد عن خالد بن أبي عمران ، عن نافع ، عن ابن عمر ، به . وصححه الحاكم ، ولم يتعقبه الذهبي .
الحديث الخامس : ما أخرجه ابن المبارك في الزهد ( 749 ) ، والحاكم ( 4 / 193 ) من طريق يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن زيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دعا بقميص له جديد فلبسه ... الحديث .
وهذا حديث معلول تناوله إمام النقاد وشيخ المعللين والمجرحين ، الإمام الجهبذ العراقي أبو الحسن الدارقطني في كتابه العظيم " علل الحديث " ( 2 / 137 - 138 س 160 ) وذكر الاختلاف فيه انتهى فيه بقوله : (( الحديث غير ثابت )) .
(1/59)
الحديث السادس : ما رواه أبو داود ( 158 ) ، والدارقطني ( 1 / 198 ) من طريق يحيى بن أيوب ، عن عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد ، عن أيوب بن قطن ، عن أبي بن عمارة ، قال يحيى بن أيوب - وكان قد صلى مع رسول الله للقبلتين - أنه قال : يا رسول الله ، أمسح على الخفين ؟ قال : (( نعم )) قال : يوما ؟ قال : (( يوما )) ... الحديث .
نقول : هذا الحديث اختلف فيه اختلافا كبيرا على يحيى بن أيوب .
قال الإمام الدارقطني في سننه ( 1 / 198 ) : (( لا يثبت ، وقد اختلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافا كثيرا قد بينته في موضع آخر )) ( ونقل الزيلعي 1 / 178 ، وصاحب التعليق المغني 1 / 198 - 199 عن ابن القطان تفصيل الاختلاف فيه ) .
وأبو داود أشار أيضا إلى الاختلاف في إسناده (السنن 1 /40 - 41) .
وقد طول السهارنفوري في بذل المجهود ( 2 / 27 - 31 ) في تعليل الحديث وبيان الاختلاف فيه .
بعد هذا ... نرى أن التعقب على الحافظ ، فيه تكلف لا يخفى ، لذا قلنا : كلام المحررين لا معنى له ولا قيمة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وهنا تقتضي الأمانة العلمية ، والتاريخية أن نذكر مجموعة من الاستشهادات والأمثلة التي لا يختلف حولها عاقلان ، والتي قد لا تروق للدكتور بشار عواد معروف .
ونتوقف أمام المثال الأول :
المثال الأول : سقطت من التحرير ( 2 / 256 الترجمة 3553 ) لفظة : (( صدوق )) وسبب ذلك سقوطها من طبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 319 الترجمة 3553 ) ، وقد صرح الشيخ محمد عوامة بذلك فقال في تعليقه على الكاشف ( 1 / 588 الترجمة 2927 ) : (( وفي التقريب ( 3553 ) صدوق وسقطت من الطبع سهوا فتضاف )) . وهي ثابتة في مخطوطة الموصل ( الورقة : 98 أ ) ، وفي مخطوطة الأوقاف ( 123 ب ) .
(1/60)
المثال الثاني : سقطت من التحرير ( 2 / 267 الترجمة 3607 ) لفظة : (( ثقة )) وسبب ذلك سقوطها من نص محمد عوامة ( ص 322 الترجمة 3607 ) وقد صرح بذلك الشيخ محمد عوامة في تعليقه على الكاشف ( 1 / 596 الترجمة 2975 ) فقال : (( ثقة ، وكذلك قال الحافظ في التقريب ( 3607 ) وسقطت مني أثناء الطبع فتضاف )) . وهي ثابتة في مخطوطة الموصل ( الورقة : 100 أ ) ، وفي مخطوطة الأوقاف ( 125 ب ) .
فلماذا لم يجب على هذين المثالين الدكتور بشار في رده ، ثم أين المقابلة وأين النسخ ؟
المثال الثالث : جاء في التحرير ( 3 / 362 الترجمة 6569 ) النص الآتي : (( مروان بن سالم المفقع بفاء ثم قاف ثقيلة )) وهذا التصحيف القبيح نشأ لهما من طبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 526 الترجمة 6569 ) فهو كذلك فيها وفي طبعات التقريب : (( المقفع بقاف ثم فاء )) كما في طبعة مصطفى عبد القادر عطا ( 2 / 171 الترجمة 6590 ) وهو يزعم كما يزعم المحرران من أنه استعمل نسخة بخط الحافظ ابن حجر ، وكذلك في طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف ( 2 / 239 الترجمة 1019 ) ، بل إن الحافظ نفسه في كتاب " التقريب " ذكره في الألقاب ( تحرير 4 / 374 ) فقال : (( المقفع : مروان بن سالم )) وكذلك في " تهذيب التهذيب " ( 10 / 93 ) قال : (( مروان بن سالم المقفع )) ، وذكره في الألقاب من " تهذيب التهذيب " ( 12 / 356 ) فقال : (( المقفع : هو مروان بن سالم )) بل إن الله ينصر الحق وأهله فقد نقل العلماء الفهماء النجباء قول الحافظ ابن حجر على الجادة ، قال العظيم آبادي في شرحه لسنن أبي داود المسمى " عون المعبود " ( 2 / 278 ) : (( قال في التقريب : (( مروان بن سالم المقفع بقاف ثم فاء ثقيلة )) .
وكذلك قال السهارنفوري في " شرح بذل المجهود " ( 11 / 160 ) : (( قال في التقريب : بقاف ثم فاء ثقيلة )) .
(1/61)
ويبدو إن أخذ المحررين من نص محمد عوامة دفعهما إلى القول : (( هكذا قيده المصنف وما أصاب ، فهو بقاف ثم فاء : (( المقفع )) . هكذا قالا مقالتهم فخطئا من لم يخطئ ، ولينظر القارئ إلى من هذا شأنه هل يستطيع تحريرا ؟
علما بأن هذه التعليقة التي ذكرها المحرران قد سلخاها من تعليقات الشيخ محمد عوامة ( ص 526 ) وزوقاها ، وكفى بالله حسيبا .
المثال الرابع : في التحرير ( 1 / 104 الترجمة 274 ) إبراهيم بن يوسف بن إسحاق ابن أبي إسحاق السبيعي : صدوق يهم ، من السابعة ، مات سنة ثمان وتسعين خ م د س ق )) .
قلنا : هكذا تحرفت الرقوم عندهما ، وقد انتقل لهما هذا التحريف والخطأ من طبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 95 الترجمة 274 ) فالرقوم عنده هكذا .
والصواب في الرقوم : (( خ م د ت س )) وهي كذلك في طبعات التقريب منها :
طبعة مصطفى عبد القادر عطا ( 1 / 69 الترجمة 274 ) ، وكذلك طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف ( 1 / 47 الترجمة 305 ) ، وهكذا جاءت الرقوم في ( تهذيب الكمال 2 / 249 الطبعة الكبيرة ، وتهذيب التهذيب 1 / 183 ، والكاشف 1 / 227 ، والميزان 1 / 76 ) .
وحديث إبراهيم هذا عند الترمذي برقم (1957) و ( 3399 ) و ( 3806 ) وليس له في ابن ماجة ذكر البتة ، فأين النسخ التي أشار إليها الدكتور بشار وأين المقابلة ؟؟ وأين الصدق ، وأين الزيف ؟
المثال الخامس : جاء في التحرير ( 1 / 147 الترجمة 529 ) النص الآتي : (( أشعث بن زبيد اليامي . بالياء التحتانية )) هكذا سقطت منه لفظتان عندهما وصوابه : (( أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد اليامي ، بالياء التحتانية )) وهو كذلك في طبعات التقريب ( انظر : طبعة مصطفى عبد القادر عطا 1 / 106 الترجمة 530 ، وطبعة عبد الوهاب عبد اللطيف 1 / 80 الترجمة 605 وتهذيب الكمال 3 / 274 ) . وهي ثابتة في مخطوطة الموصل ( 17 أ ) وفي مخطوطة الأوقاف ( 20 ب ) . فأين المقابلة وأين النسخ ؟
(1/62)
المثال السادس : جاء في التحرير ( 1 / 154 الترجمة 573 ) : (( أوس ابن أبي أوس ، وأسم أبي أوس : حذيفة ، الثقفي : صحابي أيضا ، وهو غير الذي قبله على الصحيح . ت ق )) .وقالا في الحاشية : (( هكذا في الأصل : ( ت ق ) وصوابه ( د س ق ) ، وهو الذي في " التهذيبين " .
والواضح أن الدكتور بشارا والشيخ شعيب قد قلدا الشيخ محمد عوامة في النص – كما في طبعته ( ص 115 الترجمة 575 ) – وحاولا أن يخطئا الحافظ ابن حجر ، وإنما ذكر الحافظ الرقوم على الصواب ( د س ق ) كما في طبعة مصطفى عبد القادر عطا ( 1 / 112 الترجمة 574 ، وطبعة عبد الوهاب عبد اللطيف 1 / 85 الترجمة 652 ) .
ودعونا لانخدع أنفسنا .. حتى يتجلى وجه الحق والحقيقة . فماذا بعد ؟ .
المثال السابع : في التحرير ( 1 / 191 الترجمة 796 ) : (( التلب ، بفتح ثم كسر وتشديد الموحدة وقيل : بتخفيفها ، ابن ثعلبة بن ربيعة التميمي العنبري صحابي . د س ))
قلنا : سقطت عندهما من النص جملة : (( له حديث واحد )) بعد لفظة : (( صحابي )) وهذه الجملة ثابتة في طبعات التقريب ( انظر طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف 1 / 112 الترجمة 5 ، وطبعة مصطفى عبد القادر 1 / 142 الترجمة 798 ) . وهي ثابتة في مخطوطة الموصل ( 23 ب ) ، وفي مخطوطة الأوقاف ( 27 ب ) ، فأين المقابلة .. وأين النسخ ؟ .
المثال الثامن : جاء في التحرير ( 1 / 203 الترجمة 861 ) : (( ثور بن يزيد )) رقما له : ( ع ) وقالا في الحاشية : (( هكذا وقع رقمه ع ، وهو خطأ فما علمنا أن مسلما أخرج له، ولا ذكر لذلك في التهذيبين ، ورمزه فيهما : خ4 ))
(1/63)
وعلى هذا النحو يبدو في النص تحريف وتقليد منهما لطبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 135 الترجمة 861 ) ولم يصدقا في حاشيتهما ، فالحافظ ابن حجر كتب ( خ4 ) وهي كذلك في طبعات التقريب منها : ( طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف 1 / 121 الترجمة 53 ، وطبعة مصطفى عبد القادر عطا 1 / 151 الترجمة 863 ) . فأين النسخ وأين المقابلة ؟ .
المثال التاسع : في التحرير ( 1 / 207 الترجمة 282 ) رقما للجارود بن معاذ السلمي هكذا : ( ت (( س )) ) ، وقالا في الحاشية : (( سقط من الأصل رقم : (( س )) ، واستدرك من التهذيبين )) .
ونقول : لم يسقط ، بل هو ثابت في طبعات التقريب ( انظر على سبيل المثال : طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف 1 / 124 الترجمة 21 ، وطبعة مصطفى عبد القادر 1 / 154 الترجمة 884 ) ، وإنما سقط رقم (( النسائي )) من طبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 137 الترجمة 882 ) .
فأين النسخ وأين المقابلة ! ؟
المثال العاشر : في التحرير ( 1 / 246 الترجمة 1092 ) : (( حبيب بن سالم الأنصاري ، رقمه ( م4 ) وقالا في الحاشية : (( سقط رقم ( 4 ) من الأصل والمطبوع . قال المزي : روى له الجماعة سوى البخاري )) .
ونقول لم يسقط في الأصل إنما سقط من محمد عوامة ( ص 151 الترجمة 1092 ) فقط ، والرقم ثابت في طبعات التقريب منها : طبعة مصطفى عبد القادر ( 1 / 184 رقم 1095 ) وهي نسخة قوبلت على الأصل الذي بخط ابن حجر ، كما ذكر محققها ، ووضع لذلك صورا .وكذلك الرقم ثابت في طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف ( 1 / 149 الترجمة 115 ) .
فأين النسخ وأين المقابلة ؟ .
المثال الحادي عشر : في التحرير ( 2 / 116 الترجمة 2800 م – شعيب بن رزيق الثقفي الطائفي :لا بأس به ، من الخامسة د )
لكنهما قالا في الحاشية : (( هذه الترجمة سقطت من الأصل ، واستدركناها من التهذيبين )) .
(1/64)
نقول : هذه دعوى غير صحيحة وتشبع بما لم يعط صاحبها ، فالترجمة كلها ثابتة في طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف ( 1 / 352 الترجمة 79 ، وطبعة مصطفى عبد القادر 1 / 419 الترجمة 2810 ) ، وإنما سقطت هذه الترجمة من طبعة الشيخ محمد عوامة . فأين النسخ .. وأين المقابلة ؟ .
المثال الثاني عشر : في التحرير ( 3 / 71 الترجمة 4892 ) ترجمة : عمر بن الدرفس .
حرفا النص فلم يذكرا حكم الحافظ ابن حجر ، وقلدا في ذلك طبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 412 الترجمة 4892 ) لأنها سقطت عنده ، وقال المحرران عقب ذلك : (( لم يذكر له مرتبة )) .
نقول : بل ذكر له مرتبة فقال : (( مقبول )) كما في طبعة : عبد الوهاب عبد اللطيف ( 2 / 54 الترجمة 419 ) ، وطبعة مصطفى عبد القادر ( 1 / 716 الترجمة 4908 ) .
وقد أغرب الدكتور وأبعد وناقض نفسه وعارض إذ نقل قول الحافظ في تعليقه على تهذيب الكمال ( 5 / 346 الترجمة 4818 ط 1998 هامش 2 ) فقال : (( وقال ابن حجر في التقريب : مقبول )) .
فهل هذا هو التحقيق والتحرير ؟؟ ، أم السرعة والتساهل ، وتكثير المؤلفات أم ماذا ؟
المثال الثالث عشر : في التحرير ( 3 / 146 الترجمة 5340 ) ترجمة عيسى بن يونس بن أبان ، جعلا حكم الحافظ : (( صدوق )) . وحكم الحافظ : (( صدوق ربما أخطأ )) كما في جميع طبقات التقريب ( طبعة عوامة ص441 الترجمة 5340 ، وطبعة مصطفى عبد القادر 1 / 776 الترجمة 5357 وطبعة عبد الهاب 2 / 103 الترجمة 932 ) . وهي ثابتة في مخطوطة الموصل ( 152 ب ) ، وفي مخطوطة الأوقاف ( 186 أ )
المثال الرابع عشر : جاء في التحرير ( 3 / 335 الترجمة 6405 ) النص الآتي : (( محمد بن يزيد الحزامي الكوفي البزاز من العاشرة ))
(1/65)
قلنا : سقط عندهما من النص لفظة : (( صدوق )) بعد (( البزاز )) وقبل : (( من العاشرة )) ، وإنما ورد عليهما هذا الخطأ بسبب تقليدهما التام لطبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 514 الترجمة 6405 ) وأكثر من ذلك : أنهما استدركا على الحافظ ابن حجر فقالا : (( لم يذكر المصنف مرتبته ، وهو : (( صدوق حسن الحديث )) .
قلنا : بل ذكر له مرتبة ، فقال : (( صدوق )) كما في طبعة : عبد الوهاب عبد اللطيف ( 2 / 220 الترجمة 831 ) ، والفضيحة الكبرى : أن الدكتور قال في تعليقه على تهذيب الكمال ( 6 / 567 الترجمة 6298 ط 1998 آخر هامش 3 ) : ( وفي التقريب : (( صدوق )) ) ، فانظر ماذا صنع ، وكأنه لا يدري ما يكتب ، فناقض نفسه بنفسه بسبب تقليده التام لمحمد عوامة .
المثال الخامس عشر : جاء في التحرير ( 2 / 13 الترجمة 2217 ) سرق ، بالضم وتشديد الراء ، ابن أسد الجهني .
قلنا : لو كانت هناك نسخ كما ادعى الدكتور – حفظه الله – لما استدركنا عليه كل هذه الأمثلة ، التي سئمنا نحن طولها ، ولكن لتترسخ الحقيقة عند القارئ ، وهذا المثال واحد منها ، إذ سقط من هذه الترجمة جملة كاملة بعد قوله : (( وتشديد الراء )) وهي : (( وصوب العسكري تخفيفها )) .
والسبب في سقوطها من تحريره سقوطها من طبعة الشيخ محمد عوامة ( ص 229 الترجمة 2217 ) وهذه الجملة ثابتة في مخطوطة الموصل ( 61 أ ) ، وفي مخطوطة الأوقاف ( 77 أ ) ، وفي جميع طبعات التقريب ، وكذا في الإصابة 2 / 20 ، وتبصير المنتبه 2 / 778 .
ولنا الكثير من الأمثلة لمن أراد أن يستزيد ، فانظر كتابنا " كشف الإيهام " التراجم 269 ، 307 ، 375 ، 567 ، 583 ، 585 ، وغيرها سوى ما أحصيناه في الملاحق .
لذا فقد قلنا في طيات كتابنا :
تحرير تقريب بمسخ حروفه ... ما هكذا يتحرر التقريب
- 2 -
(1/66)
قال العبد المفتقر إلى عفو ربه عبد اللطيف هميم : هذا غيض من فيض وقد سبرنا لهما مئات من التراجم مما وقع لهما فيها التصحيف والتحريف والسقط .
ولا يمكننا أن نسوق كل ذلك في هذه العجالة ، بل سوف نقدم ذلك هدية للمحررين في كتابنا " كشف الإيهام " لنبرهن لهما أن لا وجود لنسخ خطية في عملهما ، وسأعزي لهما في هذه العجالة بعض ذلك على وجه السرعة .
- ففي الترجمة ( 6081 ) سقط من حكم الحافظ لفظة : (( جدا )) .
- وفي الترجمة ( 6125 ) سقط من النص لفظة : (( الكوفي )) .
- وفي الترجمة ( 6194 ) سقط من النص ثلاث كلمات .
- وفي الترجمة ( 6242 ) سقطت أربع كلمات من آخر النص .
- وفي عقيب الترجمة ( 6284 ) إحالة ، سقط منها ثلاث كلمات .
- وفي الترجمة ( 6465 ) سقط منها ثلاث كلمات .
- وفي الترجمة ( 6474 ) سقطت ثلاث كلمات .
- وفي الترجمة ( 6484 ) سقطت لفظة (( المدني )) قبل : (( صدوق )) .
- وفي الترجمة ( 6499 ) سقطت لفظة (( براءين )) بعد كلمة (( محرر )) .
- وفي عقيب الترجمة ( 6635 ) إحالة سقطت منها ثلاث كلمات .
- وفي عقيب الترجمة (6768 ) إحالة سقطت منها ثلاث كلمات .
- وفي الترجمة ( 6895 ) سقطت كلمتان .
- وفي قبيل الترجمة ( 7029 ) إحالة سقطت منها كلمتان .
فأين النسخ ، وأين المقابلة ، وأين التحرير ، وأين الضبط ، وأين الإتقان (1) ؟؟
- 3 -
ثم إن الدكتور أثبت لنفسه أنه اعتمد في ضبط النص على نسخة بخط ابن حجر وأن عنده نسخة مصورة في خزانة كتبه .
ولا أدري ما فائدة وجودها في خزانة مكتبته مع عدم الإفادة منها ، ولماذا لم يصور لنا في مقدمة التحرير صورا لها مع أنه مولع بنشر صور المخطوطات في مقدمات كتبه كما صور لنا ثلاثا وثلاثين صورة من مخطوطات " تهذيب الكمال " ( 1 / 110 – 142 ) وأطال النفس في وصفها .
__________
(1) ولا بد للمنصف أن يرجع إلى كتابنا هذا وينظر في الجداول فسيجد أن ما ذكر كحبة القمح من البيدر .
(1/67)
ثم قال الدكتور بعد أن تكلم عن نسخة الميرغني التي لم يصور لنا صورة منها : (( فلم تعد أية قيمة للنسخ الأخرى البتة كما هو معروف في علم تحقيق النصوص )) .
قلنا : هذا الكلام في غاية العجب ، فكيف لا قيمة للنسخ الأخرى ؟؟ إذ أن المصنف قد يزيد أو يحذف من كتابه حتى بعد إخراجه للناس ، وأعظم مثال على ذلك موطأ نجم العلماء الإمام مالك بن أنس الأصبحي ، فإن رواياته زادت على الثلاثين ، وفي كل واحدة ما ليس في الأخرى ، فنجد خلاف الروايات واضحا بالزيادات والنقصان ( وإذا كان الدكتور بشار قليل البضاعة بعلم التحقيق – كما غمزنا به – فليرجع إلى كتاب (( تحقيق النصوص ونشرها )) لعبد السلام هارون ص 31 – 34 ) .
ثم إن أول راد على الدكتور بشار في كلامه هذا صنيعه في كتبه ، فقد زعم أنه حقق " تحفة الأشراف " على سبعة وسبعين جزءا بخط المؤلف ، ثم قابل النص على نسخة كاملة بخط ابن السراج ، ونسخة بخط البرزالي ، ونسخة بخط ابن المهندس و ... و ... و ... (1) ، حتى حشا مقدمته بسبعين صورة للمخطوطات التي زعم أنه حقق الكتاب استنادا إليها ، فأقول له : لماذا استعملت بقية النسخ مع وجود نسخة كاملة بخط المؤلف – كما زعمت – ؟ ونحوه صنع في تهذيب الكمال ( انظر : مقدمة التحرير 1 / 45 ) وهذا يرد على مقالته : (( فوجود نسخة بخط المؤلف كمن يريد التيمم بحضور الماء )) .
ثم ذهب الدكتور بشار يدلل على صحة دعواه ؛ بأنه صحح للشيخ محمد عوامة عشرات المواضع ، وهذا ليس دليلا على صحة دعواه ، إذ كل امرئ يستطيع أن يصحح ذلك بالرجوع إلى كتب الرجال الأخرى .
- 4 -
ثم إن الدكتور بشارا قال : (( ولم يكن تحقيق الكتاب هو الهدف المباشر لهذا العمل ، فما فائدة تحقيقه بعد تحقيق أصل أصله " تهذيب الكمال " )) .
__________
(1) وسيكون لنا بحث مستقل في بيان حقيقة هذه النسخ المدعاة .
(1/68)
قلنا : هذا كلام يسخر منه الأغبياء قبل العقلاء ، فقد ذكر المحرران في مقدمتهما للتحرير ( 1 / 44 – 45 ) أن عملهما ينقسم على قسمين : الأول منه : (( خاص بضبط نص كتاب التقريب )) إذ قاما – كما زعما – بمقابلته على النسخ ، ومقابلته على تهذيب الكمال ، والعناية بإصلاح الرقوم التي وقعت خطأ في الطبعات السابقة ، ثم ما معنى أنه ربط تحقيق " التقريب " بتحقيق أصل أصله ، وهما كتابان مستقلان ، ليس في الأول ما في الثاني ، فهل احتوى تهذيب الكمال على حكم على الراوي ، أو ذكر لطبقته ، أو ... ؟؟
وكل ما ذكرته آنفا يمكن تجاوزه لو كان أصل أصله " تهذيب الكمال " قد حقق تحقيقا سليما خاليا من الأخطاء والتصحيفات والسقوطات ، وستأتي نماذج من الأمثلة على هذا ، ولا يهمنا إن كان الدكتور قد قضى فيه شطرا من عمره أو كان أفنى عمره كله فيه ، أويريد أن يلجم ألسنة الحق بهذا التهويل ؟
- 5 -
ثم إن الدكتور بشارا لما أحس بالهزيمة أمام سرقاته الفادحة لنصوص محمد عوامة ذهب يغمزنا بذلك ، فذكر أننا نقلنا من مقدمته لجامع الترمذي كليمات مفادها أن معظم المخطوطات في استانبول ، وأن التنقل في هذه البلدان صعب وكأنه يظن أن لا أحد يعلم بذلك ، وهو أمر يعرفه كل العقلاء ، وكنا نقصد غير هذا لو تنبه الدكتور ، وأثبتنا ما أثبتنا من كلامه ثقة بأنه قادر على قراءة المسكوت عنه ، وما وراء السطور من الإشارات ، فلا أدري ما أقول وقد فاتت هذه الدكتور على قرب معناها وبساطة إشارتها .
وقد قلنا له في أثناء الكتاب :
ولما كتبنا الرد كنا نعلم ... أن المحرر بالإشارة يفهم
- 6 -
(1/69)
ثم ذهب الدكتور ليعيد حقده على ابن حجر فغمزه في قاعدة توثيق شيوخ أبي داود مطلقا وألصقها به ، ولكنه أغفل عامدا عبارة الحافظ ، فعبارته في التهذيب ( 2 / 344 ) : (( وهذا مما يدل على أن أبا داود لم يرو عنه ، فإنه لا يروي إلا عن ثقة عنده )) ، فالحافظ ابن حجر يدرك أن هذه القاعدة يعمل بها عند أبي داود نفسه ، وليس مطلقا ، وإنما قال الحافظ ذلك ؛ لأن أبا داود كان يتوقى في الأخذ عن الشيوخ كما بينه ابن القطان في " بيان الوهم والإيهام " ( 5 / 39 عقيب 2279 ) . ففرق ما بينكم وبين الحافظ أن الحافظ لم يوثق على هذه القاعدة رواة ضعفاء .
ثم راح الدكتور بشار يدافع عن نفسه بأنهما يعملان بهذه القاعدة بعد دراسة حال الراوي ، وقد ورط نفسه في ذلك ؛ إذ ما فائدة هذه القاعدة إذا كان الراوي يدرس دراسة ضافية .
ثم إن الدكتور ذهب يحل رقوم كتب الرجال الخاصة بأبي داود ، وهذا منه عجيب فكأنه مؤسسها ومن منا لا يعرف ذلك ، فهي من بدائه هذا العلم وأولياته ؛ ولكن صنع ذلك ليكثر الورق والكلمات .
ثم غرر الدكتور " المحرر المحقق " ؟! في رده علينا : بأننا سقنا في الرد عليه – بخصوص قاعدة توثيق شيوخ أبي داود – التراجم ( 122 ) و ( 480 ) و ( 3232 ) ، وإن هؤلاء قد وقعت رواية أبي داود عنهم خارج السنن .
ونحن إذ سقنا هؤلاء إنما لندلل على بطلان قاعدتهم وشذوذها ونكارتها ؛ إذ كيف يوثقونهم في مكان ويضعفونهم في مكان آخر ، ثم إنهما قد مشيا على هذه القاعدة في السنن وخارج السنن وهذه مناقضة عجيبة ، إذ خالفا منهجهما وصنيعهما ، فقد وثقا على هذه القاعدة عددا من الرواة وروايتهم عند أبي داود خارج السنن ، ومن هؤلاء الكثر :
( 303 ) أزهر بن جميل بن جناح ، وثقاه على هذه القاعدة ، وإنما روى له أبو داود في كتاب " الزهد " بنص المحررين في الحاشية .
(
(1/70)
6062 ) محمد بن عبد الجبار الهمذاني ، وثقاه على هذه القاعدة ، وإنما روى له أبو داود في كتاب " المراسيل " فقط ، ورقمه (( مد )) .
( 6146 ) محمد بن عقيل بن خويلد ، وثقاه على هذه القاعدة ، وإنما روى له أبو داود في كتاب " الناسخ والمنسوخ " ورقمه (( خد )) .
( 6400 ) محمد بن يزيد بن عبد الملك ، وثقاه على هذه القاعدة ، وإنما روى له أبو داود في كتاب " القدر " ، ورقمه (( قد )) .
وكل هذا يدل على تناقضهم وعدم منهجيتهم ، وقد فصلنا ذلك بتوسع في كتابنا " كشف الإيهام " بما يثلج صدر المحب لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وإنما ذكرنا في " الطليعة " نتفا من ذلك ورموزا على كتابنا الأصل الذي لا ندري ما سيفعل الدكتور بعد قراءته .
ثم اعترض الدكتور بشار على المثل السادس ( 1331 ) بأن الحافظ رقم عليه برقم : ( ت ) فهو ليس من شيوخ أبي داود ، وهذا من التدليس الكثير الذي عودنا عليه صاحب المقال .
فصحيح أن الحافظ ابن حجر لم يرقم له سوى برقم الترمذي ( ت ) ، وذلك أنه لم يقف على رواية أبي داود عنه ، وقد نص عليها المزي كما ذكر المحرران في تعليقهما على قول الحافظ ( التحرير 1 / 289 ) .
وكذلك اعترض الدكتور بشار على المثل السابع ( 6337 ) بأن ابن حجر رقم برقم ابن ماجة ( ق ) فقرأتها دالا ، وهذا من تدليسه أيضا ، فقد قال ابن حجر قبل الرقم : (( روى عنه أبو داود خارج السنن )) .
(1/71)
وكذلك اعترض على الترجمة ( 3700 ) بأن المزي لم يقف عليه ، وإنما ذكره ابن عساكر ، وهذه فلسفة من الدكتور بشار ، فعدم وقوف المزي عليها لا يعني بالضرورة عدم كونه من شيوخ أبي داود ، فرواة السنن عن أبي داود كثيرون ذكر منهم العظيم آبادي – في " عون المعبود " ( 4 / 546 ) – سبعة وقد يزيدون ، ومعلوم أن في بعض الروايات ما ليس في الأخرى من الأحاديث والشيوخ ، ولربما لم يقف المزي على هذه الرواية التي فيها المترجم ، ثم كيف يهمل الدكتور بشار قول ابن عساكر في جعل المترجم من شيوخ أبي داود وابن عساكر إليه المنتهى في معرفة شيوخ أصحاب الكتب الستة ، وهو أمير هذا الباب .
ويجاب عن اعتراضه بالمثل ( 1332 ) بمثل ما أجيب عن السابق ، ثم إذا كان ذلك كذلك فلماذا لم تردا على ابن حجر في تعديل الرقم مع أنكما اشترطتما في المقدمة ( 1 / 45 ) ، أن تتبعاه في تعديل الرقوم ؟!
ثم إن الدكتور تهجم بشدة على المثل ( 226 ) وخطأ ابن حجر في نقله عن أبي داود قوله : : (( ليس بشيء )) ولو تأمل الدكتور هذا وما شاكله لدرى أنه سيؤدي إلى ذهاب الثقة بكتبه فهو حين يحس بالخسارة يخطئ الكبار ، من غير تدليل على خطئهم .
- 7 -
أما دفاع الدكتور بشار ، عن تضعيفهما لرجال الصحيحين ، فهو – مع الأسف – سيل من التغرير ، فكأنه كتب ذلك وجعل النصح والحق وراء ظهره ، وها نحن نتولى الرد عليها واحدة تلو الأخرى :
أما اعتراضه على المثل الأول ، فهو سيل من التغرير والتدليس ، ولنا عليه في هذا أربعة استدراكات :
الأول : نقل تضعيفه مطلقا عن النسائي ، وإنما قال فيه النسائي : (( ليس بالقوي )) كما في تهذيب الكمال ( 2 / 213 ) ، وفرق بين العبارتين ، ثم إن الدكتور بشار قد غض الطرف عن قول النسائي الآخر إذ قال : (( ليس به بأس )) كما في تهذيب الكمال ( 2 / 213 ط 1 ) .
(1/72)
الثاني : قوله : (( وما حسن القول فيه سوى أحمد بن حنبل ، وتلميذه أبي داود )) كلام غير صحيح مجانب للصدق ، فقال عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان الثوري : (( لا بأس به )) كما في الجرح والتعديل ( 2 / 133 ) وتهذيب الكمال ( 2 / 212 ) وتهذيب التهذيب ( 1 / 167 ) ، وقال ابن سعد في الطبقات ( 6 / 331 ) : (( كان إبراهيم ثقة )) وهذا القول نقله الدكتور بشار نفسه في تعليقه على تهذيب الكمال .
ونقل أيضا قول مغلطاي : ( وقال الساجي : (( صدوق اختلفوا في وهمه )) ) ( 1 / الورقة 71 – 72 ) وقد وثقه ابن شاهين ، ووثقه كذلك إمام المؤرخين الذهبي في ديوان الضعفاء ( 1 / 59 الترجمة 256 ) .
الثالث : إن الدكتور بشارا نفسه دافع عن المترجم دفاعا مجيدا ، فقد قال في تعليقه على تهذيب الكمال ( 2 / 213 ) : (( وقال الذهبي في "ديوان الضعفاء" الورقة : 10 ) : (( ثقة )) ، وقال النسائي : ليس بالقوي ؛ لذلك ذكره في كتابه النافع " من تكلم فيه وهو موثق " ( وانظر : رجال صحيح مسلم لابن منجويه الورقة : 6 ، والجمع لابن القيسراني : 1 / 23 ) )) ، فما له تقعقع هنا وأبى إلا المخالفة ؟!
الرابع : نقل تضعيفه عن الإمام الدارقطني ، وتضعيفه إنما في سؤالات الحاكم عنه ، أما في رواية الجوهري لكتاب الضعفاء للدارقطني ، فقد قال في أثناء ترجمته : ( والكوفي هو ابن جابر : (( يعتبر به )) ) كما نقله المحرر الدكتور بشار في تعليقه على تهذيب الكمال ، وفرق بين إطلاق اللفظين ؟
أما اعتراضه على المثل الثاني ، فلا يسلم له لثلاثة أمور :
الأول : في نقله عن ابن عدي بعض قصور ، فقد نقل بداية كلامه وهو : (( وقد روى ما لا يتابع عليه )) ، وترك آخره وفيه : (( وهو ممن يكتب حديثه وإن كان فيه بعض الضعف )) ( 2 / 182 ) وإنما اضطر الدكتور بشار لاجتزاء قول ابن عدي ؛ لأنه لا يخدم غرضه .
(1/73)
الثاني : قوله : (( لا نعلم أحدا وثقه سوى ابن معين )) فيه نظر ، فقد نقل هو بنفسه بعض من وثقه غير ابن معين منهم العجلي وابن خلفون والإمام الذهبي وجعله ابن حجر صدوقا ( تهذيب الكمال 4 / 178 ، وتهذيب التهذيب 1 / 469 ) وذكره أيضا ابن حبان في الثقات ( 6 / 98 ) ، وقال : (( يخطئ كثيرا )) .
الثالث : أن الإمام النسائي حسن القول فيه ، فقال مرة : (( ليس به بأس )) ( تهذيب الكمال 4 / 177 ط1 ، وقال أخرى : (( ليس بالقوي )) ( الضعفاء : 79 ) .
وأما اعتراضه على المثل الثالث ، فقد بين للناس مدى قصور نظره وسرعة أحكامه ومجازفاته .
فقوله : (( ولا نعلم أحدا وثق حسانا هذا )) فيه نظر .
فقد كان المقرئ يثني عليه ، كما ذكر ذلك البخاري في التاريخ الكبير ( 3/35 الترجمة 142 ) ، وكذلك بذكر ابن حبان له في الثقات ( 8 / 208 ) ، والدكتور بشار نفسه قد نقل في تعليقه على تهذيب الكمال ( 6 / 26 ) ، قول الذهبي في " المغني " : (( ثقة )) .
والعجب العجاب من تناقضات الدكتور الذي يزعم التحرير ، أنه حكم على حسان بـ(( ضعيف )) وقد قال في ديباجة تحريره ( 1 / 48 ) : (( ومن قلنا فيه ضعيف ، فحديثه ضعيف لا يصلح للمتابعات ولا للشواهد )) فقارن ذلك مع قوله في تهافته : (( هذا الرجل قد روى عنه البخاري حديثين فقط ، أحدهما : في المغازي ، والثاني : في اعتمار النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الحج ، وقد توبع عليهما فهما من صحيح حديثه )) !!
أما اعتراضه على المثل الرابع ، فلا يسلم له لأمور :
الأول : هو أن قول الدكتور : (( ضعفه النسائي )) غير دقيق ، فقد قال النسائي : (( ليس بالقوي )) ( الضعفاء 154 ) ، وفرق بين الإطلاقين .
(1/74)
الثاني : قوله : (( قال أبو حاتم وحده : صدوق )) فيه نظر ، فأبو حاتم لم يوثقه وحده ، فقد ذكره ابن حبان في الثقات ( 8 / 169 ) مع أن الدكتور بشار نفسه نقل في تعليقه على تهذيب الكمال ( 6 / 61 ) عن مغلطاي وابن حجر : أن مسلمة بن القاسم الأندلسي : (( وثقه )) ( تهذيب التهذيب 2 / 256 ) .
الثالث : إن إطلاق الحكم عن الإمام أحمد بن حنبل بأنه ضعفه مطلقا ليس بشيء فالإمام المبجل أحمد بن حنبل تردد فيه قوله ، كما نقل ذلك الخطيب والذهبي ( تاريخ بغداد 7 / 290 ، والميزان 1 / 481 ) وفي تأريخ الخطيب : (( قال أبو عبد الله : ما أرى كان به بأس في نفسه )) .
أما اعتراضه على المثل الخامس ، فلا يسلم له ، لأمور :
الأول : إن قول الدكتور : (( ضعفه النسائي )) فيه مجازفة ، فالنسائي قال فيه : (( ليس بالقوي )) ( الضعفاء 152 ) وفرق بين العبارتين .
الثاني : قوله : (( وما حسن القول فيه سوى يحيى بن سعيد القطان )) فيه نظر شديد ، فهذا الشيخ قال فيه المزي : (( ... على أن يحيى القطان ، وابن المبارك قد روى عنه ، وناهيك به جلالة أن يرويا عنه ، وأرجو أنه لا بأس به )) ( تهذيب الكمال 6 / 147 ) . وكذلك ذكره ابن حبان في الثقات ( 6 / 163 ) .
الثالث : إن الدكتور قد نقل تضعيفه عن ابن أبي الدنيا ، وهذا ليس بسديد فابن أبي الدنيا إنما قال فيه : (( كان يحيى يحدث عنه وليس عندي بالقوي )) كما نقل هذا الدكتور بشار في تعليقه على تهذيب الكمال ( 6 / 147 ) .
الرابع : أما الإمام الدارقطني ، فقد وثقه مرة – في سننه - فقد ساق في سننه حديث استقبال القبلة في الخلاء قال : أخبرنا أبو بكر النيسابوري ، قال أخبرنا محمد بن يحيى ، قال أخبرنا صفوان بن عيسى ، عن الحسن بن ذكوان ، عن مروان ... )) ثم قال : (( هذا صحيح ، كلهم ثقات )) ( السنن 1 / 58 ) وهذا ما أشار إليه الدكتور نفسه .
(1/75)
فتأمل بعد إلى دفاعه عن نفسه ، وإلى تساهله ، وتسيير النصوص على هواه نسأل الله العافية وحسن الختام .
أما اعتراضه على المثل السادس ، فلا يسلم له ، ولنا عليه اعتراضات :
الأول : ذكره ابن عدي ( في كامله 3 / 466 طبعة أبي سنة ) وقال فيه : هو عندي – إن شاء الله – لا بأس به ، وهذا يبطل نقل الدكتور تضعيف ابن عدي له ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 8 / 224 ) .
الثاني : أما يحيى بن معين فقد قال في تاريخه رقم ( 301 ) : (( ليس به بأس )) وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل ( 3 / 354 ) : (( يكتب حديثه )) .
الثالث : إن الإمام أبا داود قال عنه : (( صدوق لكنه يتشيع )) ( سؤالات الآجري : 103 ) .
الرابع : فضلا عن ذلك فإن الدكتور قد نقل توثيقه عن ابن شاهين ، فقال ابن شاهين: (( ثقة ، صدوق ، قاله عثمان بن أبي شيبة )) (الترجمة 316) وقال مغلطاي : (( وفي تاريخ نيسابور للحاكم : سئل صالح بن محمد عنه فقال : ثقة في الحديث إلا أنه كان متهما بالغلو ... وذكره الساجي وأبو العرب والعقيلي في " جملة الضعفاء " )) ( 1 / الورقة 319 ) .
أما اعتراضه على المثل الثامن ، فلا يسلم له ، لعدة أمور :
الأول : نقله تضعيف النسائي فيه نظر ، فقد قال النسائي فيه : (( ليس بالقوي )) ( الضعفاء 236 ) .
الثاني : أما نقله تضعيف ابن حبان في المجروحين فقط ، ففيه نظر ، فما له لم يذكر أن ابن حبان ذكره في الثقات ( 6 / 421 ) .
الثالث : قوله : (( وثقه أبو حاتم وحده )) فيه نظر ، فقد حسن الرأي فيه أبو زرعة ، فقال عنه : (( صدوق )) وقال العجلي : ثقة ( الجرح والتعديل 4 / الترجمة 1142 ) و ( اكمال مغلطاي 2 / الورقة 114 ) .
وهذا كله مما دبجه يراع الدكتور بشار نفسه في تعليقه على تهذيب الكمال ( 11 / 223 ) .
(1/76)
ونقل الدكتور بشار أيضا : عن مغلطاي ، عن أبي عبد الله الحاكم النيسابوري أنه قال فيمن عيب إخراجه على الشيخين ، قال : أخرجه محمد في الأصول ومسلم في الشواهد ، وقال يحيى : ضعيف ، وهذا القول من يحيى لقلة اشتغال سلم بالحديث وقلة روايته وتعهده له ... فإنه حدث بأحاديث مستقيمة كلها صحيحة ... )) .
الرابع : أما نقله التضعيف عن أبي داود ففيه مجازفة ، فإنما قال فيه : (( ليس بذاك )) كما في تهذيب التهذيب ( 4 / 130 ) . اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .
وأما جوابه عن المثل التاسع ( 3390 ) ففيه تكلف غير خاف ؛ لأن الحافظ ابن حجر عبارته في التقريب : (( لين الحديث )) ، وقالا هما في التحرير : (( ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد ، وليس له في الكتب الستة سوى حديث واحد أخرجه مسلم ( 1653 ) ، وأبو داود ( 3255 ) ، والترمذي ( 1354 ) وابن ماجه ( 2120 ) و ( 2121 ) ، وحسنه الترمذي )) .
قلنا : سنبين للمعترض الدكتور بشار عواد معروف مدى البون الكبير بين كلامه وكلام الحافظ بعدة أمور :
الأول : إن حكم الحافظ ابن حجر : (( لين الحديث )) حكم صحيح دقيق ناشئ عن عدالة واستقراء تام وجمع لأقوال النقاد .
ثانيا : لقد فات المحررين ذكر توثيق المترجم ، فقد وثقه ابن معين ، والساجي والأزدي كما في هامش تهذيب الكمال ( 4 / 168 ط 98 ) ، وتهذيب التهذيب ( 5 / 263 – 264 ) ، والمحرران لم يذكرا هذا التوثيق ؛ لأنه لا يخدم غرضهما ؛ ولأن البحث والتدقيق لم يكن من وكدهما . نسأل الله الأمان .
(1/77)
ثالثا : من بدائه علم الحديث أن صاحبي الصحيحين إذا خرجا عمن في حفظه شيء ، فهما ينتقيان من صحيح حديثه ( وهذا مبين بتفصيل في أثر علل الحديث ص 19 ) ، وشأن المترجم فإنما له حديث واحد بنص المحررين وهو ما أخرجه مسلم ( 5 / 87 حديث 1653 ) من طريق عبد الله بن أبي صالح عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك )) ، فهذا الحديث من صحيح حديث المترجم انتقاه منه صاحب الصحيح لما علم أنه من صحيح حديثه ولم يخطئ فيه ، وقد ذكر النووي في شرحه لصحيح مسلم ( 4 / 197 طبعة الشعب ) إجماع العلماء على مضمون الحديث . فهل تنبه المعترض على دقة صاحب الصحيح كيف ينتقي من أحاديث من في حفظهم شيء ؟؟
الرابع : إن الدكتور بشارا في تعليقه على ابن ماجه أدرك خطأه في حكمه في التحرير ، فاضطر إلى الأخذ بقول الحافظ ابن حجر في تعليقه على ابن ماجه ؛ لأن الحديث في صحيح الإمام مسلم ، وتضعيف الحديث منازعة لصاحب الصحيح فقال في تعليقه على ابن ماجه ( 3 / 495 ) : (( إسناده ضعيف ؛ عبد الله بن أبي صالح وإن روى له مسلم فهو لين الحديث ، فيقبل حديثه عند المتابعة فقط ، ولم يتابع )) .
وكذلك كرر مثل هذا الكلام في تعليقه على الجامع الكبير للترمذي ( 1/29 ) ويؤخذ عليه في كلامه هذا أمران :
الأول : إنه تجنى على حديث صحيح من أحاديث صحيح مسلم فضعفه .
والثاني : أنه ذكر أن عبد الله لم يتابع وقد توبع ، فقد أخرجه الإمام المبجل أحمد بن حنبل في مسنده ( 2 / 331 ) قال : حدثنا أبو النضر ، قال : حدثنا أبو عقيل ( قال أحمد : إسمه عبد الله بن عقيل الثقفي ، ثقة ) ، قال : حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يمينك بما يصدقك به صاحبك )) .
(1/78)
فهل أدرك المعترض كيف كان تخريج صاحب الصحيح ، وهل أدرك مدى دقة الحافظ ابن حجر إذ قال : (( لين الحديث )) ولم يقل (( ضعيف يعتبر به )) ، ولا نقول إلا : إنا لله وإنا إليه راجعون .
أما اعتراضه على المثل العاشر ، ففيه مجازفة ، مع قلة تدقيق ، فالمترجم شيخ البخاري في الصحيح ، والمحرر المعترض الدكتور بشار لما استفاد من ابن حجر في مقدمة " فتح الباري " أهمل قول الحافظ : (( قواه أبو حاتم )) ( هدي الساري ص 418 ) ، وأهمل المحرر الدكتور بشار قولا آخرا ، فقد قال في تعليقه على تهذيب الكمال ( 4 / 437 ط 98 ) : (( وقال الذهبي : صدوق )) ( المغني : 2 / الترجمة 3598 ) .
فهل هكذا يكون التحرير ؟! ، ثم إن الإمام الذهبي قد أصر على ذلك فقال في الكاشف ( 1 / 635 الترجمة 3256 ) : (( صدوق )) .
نقول : فرجل هو شيخ البخاري واعتمده في الصحيح ، وروى عنه أبو زرعة وقواه أبو حاتم ، ووثقه ابن حبان كما ذكر الدكتور نفسه ، وصدقه إمام المؤرخين (( الذهبي )) ، كيف يقال فيه : (( ضعيف يعتبر به )) وكيف يعدل عن قول الحافظ إلى غيره ، وهو الخبير العالم بصحيح البخاري وخفاياه ، وهل وجدت أعدل من حكمه إذ حكم عليه بما يجمع أقوال الأئمة النقاد ، نسأل الله العافية ونعوذ بالله من المجازفة .
أما اعتراضه على المثل الحادي عشر ، فجوابه : في الفصل (( الثالث )) حينما تكلمنا عن رتبة مقبول .
أما اعتراضه على المثل الثاني عشر ، فهو كسابقه ، جوابه في الفصل (( الثالث )) ، أما اعتراضه على المثل الثالث عشر ، فهي من مجازفات الدكتور المحرر ، فقد وثقه ابن حبان ( 8 / 482 ) ، وقال الذهبي في الكاشف ( 2 / 77 الترجمة 4166 ) : (( وثقه جماعة )) ، فتأمل بعد إلى مدى دقة كلام هذا المحرر .
أما تقريعه لنا في المثل الرابع عشر ، فجوابه ما ذكرناه في كتابنا هذا " كشف الإيهام " الترجمة ( 423 ) . و إليك نصه :
(1/79)
423 – ( 5198 تحرير ) عنبسة بن خالد بن يزيد الأموي ، مولاهم الأيلي بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة : صدوق ، من التاسعة ، مات سنة ثمان وتسعين ومائة . خ د .
تعقباه بقولهما : (( بل : ضعيف يعتبر به في المتابعات والشواهد ، فما قال فيه : (( صدوق )) سوى أحمد بن صالح المصري ، وهو متساهل في توثيق المصريين ، وقال ابن بكير : إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق ، قال : وكان يجيئني ، ولم يكن موضعا للكتابة أن يكتب عنه ، وقال أحمد : ما لنا ولعنبسة أي شيء خرج علينا من عنبسة . وقال أبو حاتم : كان على خراج مصر وكان يعلق النساء بالثدي ، قال ابن القطان الفاسي : كفى بهذا في تجريحه .
قلنا : قد ثبت عنه أنه كان يعلق النساء بثديهن ، وهذا انتهاك لمحارم الله مسقط لعدالته .
وقد روى له البخاري أربعة أحاديث فقط قرنه فيها بابن وهب )) .
- قلنا : قولهما : (( فما قال فيه صدوق سوى أحمد بن صالح المصري )) كلام غير صحيح ، فقد أثنى عليه أبو داود ثناء بالغا فقال : (( عنبسة أحب إلينا من الليث بن سعد )) ( تهذيب الكمال 5 / 500 الترجمة 5118 ، ط 98 ) ، وتهذيب التهذيب 8 / 154 ) فهذه المفاضلة من أعلى مراتب التوثيق .
فتضاف إلى رواية أحمد بن صالح إمام أهل مصر عنه وقال فيه : (( صدوق )) .
ومن عجب أن الدكتور بشار قال في تعليقه على " تهذيب الكمال " ( 5 / 501 الترجمة 5118 ط 98 ) : (( وقال ابن حجر في التقريب : صدوق . قال بشار : بل ضعيف )) .
فناقض قوله في " التحرير " قوله في " تهذيب الكمال " ؛ لأنه يفرق بين ضعيف فقط وهو الذي لا يعتبر به ، والآخر ضعيف يعتبر به (مقدمة التحرير 1/48) . والأعجب من ذلك والأدهى قول المحرر : (( وقد روى له البخاري أربعة أحاديث فقط قرنه فيها بابن وهب )) .
(1/80)
وهو كلام غير صحيح ؛ سببه تقليدهما الأعمى لغيرهما ، فما أخرج له البخاري هكذا البتة . إنما أخرج له في ( 2 / 43 رقم 1046 فتح ) كتاب الصلاة باب : خطبة الإمام في الكسوف . قال : حدثنا يحيى بن بكير ، قال : حدثني الليث عن عقيل ، عن ابن شهاب ح وحدثني أحمد بن صالح ، قال : حدثنا عنبسة ، قال : حدثنا يونس عن ابن شهاب ... الحديث . وهذه متابعة نازلة لليث بن سعد .
والحديث الثاني : في ( 4 / 164 رقم 3342 فتح ) في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب : ذكر إدريس عليه السلام . قال : حدثنا عبدان ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا يونس ، عن الزهري ح حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عنبسة ، حدثنا يونس ، عن ابن شهاب ... الحديث . وهذه متابعة تامة لعبد الله بن المبارك .
والحديث الثالث : أخرجه في ( 5 / 69 رقم 3889 فتح ) كتاب المناقب باب : وفود الأنصار . قال : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، وحدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عنبسة ، حدثنا يونس عن ابن شهاب ... الحديث . وهذه متابعة نازلة لليث بن سعد أيضا .
والحديث الرابع : في ( 9 / 198 رقم 7561 فتح ) كتاب التوحيد ، باب : قراءة الفاجر والمنافق . قال : حدثنا علي ، حدثنا هشام ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ح وحدثني أحمد بن صالح ، حدثنا عنبسة ، حدثنا يونس ، عن ابن شهاب ... الحديث . وهذه متابعة نازلة لهشام بن يوسف الصنعاني .
فأين ابن وهب الذي زعماه . ثم نقول من كان حالهما هكذا فكيف يعتمد تحريرهما ؟!
وبعد هذا النقل من كتابنا " كشف الإيهام " هناك كلمة للدكتور بشار ذكرها في تهافته أثارت لوعة في قلبي وهي قوله : (( فوجوده مع عدمه سواء )) .
وهذا من الدكتور بشار عجيب غريب لا أدري كيف صدر منه ؛ إذ أن في كلامه هذا طعنا بصاحب الصحيح ؛ لأن مضمونه يقتضي أن البخاري حشا كتابه بما لا فائدة فيه ، مع أن البخاري وسم كتابه بالمختصر ؛ فوجود شيء لا فائدة فيه في كتاب مختصر عبث .
(1/81)
ثم لا ندري كيف قال الدكتور مقولته هذه ، مع أن الإمام البخاري لا يضع حرفا ، ولا يحذف حرفا إلا لنكتة حديثية أو فائدة فقهية ؛ ولعل من فائدة ذلك أن أحاديث من طعن فيهم ليست كلها خطأ ، بل فيها ما يصح ، وفيها ما هو غير ذلك ، كما إن أحاديث الثقة ليست كلها صحيحة ، إذ قد يحفظ الضعيف ويخطئ الثقة .
وأما اعتراضه على المثل الخامس عشر ، فلا يسلم له ؛ لأن ابن حبان ذكره في الثقات ( 5 / 305 ) ، والدكتور لم يذكر ذلك ، مع أن المزي نقل توثيق ابن حبان في تهذيب الكمال ( 6 / 77 الترجمة 5394 ط 98 ) .
وأما اعتراضه على المثل السادس عشر ، فلا يسلم له ، وقوله عن توثيق ابن حبان : (( شبه لا شيء )) فلا يسلم له ؛ فإن هذا من شيوخ شيوخ ابن حبان وقد قال في الثقات ( 9 / 22 ) : (( حدثنا عنه أحمد بن علي بن المثنى وغيره من شيوخنا )) .
وقد قسم المعلمي اليماني توثيق ابن حبان إلى درجات ، فقال : (( والتحقيق أن توثيقه على درجات : الأولى : أن يصرح به كأن يقول : (( كان متقنا )) أو (( مستقيم الحديث )) أو نحو ذلك . الثانية : أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم . الثالثة : أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة . الرابعة : أن يظهر من سياق كلامه أنه عرف ذلك الرجل معرفة جيدة . الخامسة : ما دون ذلك .
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم والثانية قريبة منها ، والثالثة مقبولة ، والرابعة صالحة ، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل والله أعلم )) ( التنكيل 2 / 450 – 451 ، وانظر : مجلة الحكمة ص 293 – 294 العدد 17 ) .
فها أنت ترى أن المترجم من شيوخ شيوخ ابن حبان ، وأن ابن حبان عالم بأحاديثه فتوثيقه مقبول ، لا كما زعم الدكتور المحرر .
(1/82)
أما اعتراضه على المثل السابع عشر ، فلا يسلم له ، فقد ذكره ابن حبان في الثقات ( 9 / 38 ) ، ثم إن الدكتور أطلق تضعيف أبي حاتم ، ولا يجوز له ذلك ، وإنما قال أبو حاتم فيه : (( ليس بقوي )) كما في تهذيب الكمال ( 6 / 280 ط 98 ) .
أما اعتراضه على المثل الثامن عشر ، فلا يسلم له أيضا ، وقد أهمل قول يعقوب بن سفيان الفسوي ، إذ قال في " المعرفة والتاريخ " ( 2 / 437 ) : (( كان حافظا )) ، وقد اعتمده الذهبي في الكاشف ( 2/196 الترجمة 5011 ) فقول يعقوب بن سفيان مع توثيق العجلي وابن حبان يتيح للحافظ ابن حجر أن يقول فيه : (( صدوق يهم )) ولا اعتراض عليه ؛ إذ جمع بين أقوال الأئمة النقاد .
أما اعتراضه على المثل التاسع عشر ، فلا يسلم له ، بل في قوله مجازفة ، وقلة تحقيق ، فقد ذكره ابن حبان في الثقات ( 9 / 40 ) ، وقال عنه الذهبي في الكاشف ( 2 / 207 ) : (( وثق )) ، وكل هذا مع قول يعقوب بن سفيان يتيح للحافظ حكمه ولا اعتراض عليه .
أما اعتراضه على المثل الحادي والعشرين ، فلا يسلم له ؛ فقد قال الساجي : (( صدوق )) ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 439 ) علما بأن الدكتور المحرر قد دلس ذكر توثيق ابن حبان إياه في الثقات .
ثم إن الإمام الذهبي حينما نقل تضعيف ابن معين ، عقبه بقوله : (( قواه غيره )) ( الكاشف 2 / 280 الترجمة 5551 ) . فليراجع الدكتور بشار أوراقه جيدا ولا يتسرع في إطلاق الأحكام ، وليعلم أن هذا الباب خطير .
أما اعتراضه على المثل الثاني والعشرين فالجواب عنه في الفصل (( الثالث )) حينما تكلمنا عن المقبول عند الحافظ ابن حجر .
أما اعتراضه على المثل الثالث والعشرين ، فهو من مجازفات الدكتور بشار ولنا عليه في اعتراضه اعتراضان :
(1/83)
الأول : أنه نقل التضعيف عن ابن معين ، وهذا في رواية عبد الله بن أحمد عن ابن معين ، ذكرها المزي في تهذيب الكمال ( 7 / 396 ط 98 ) ، والمزي أكثر إتقانا من محرر التقريب إذ قال عقب ذلك ، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين : (( صالح )) .
الثاني : قوله : (( ما وثقه سوى العجلي وابن سعد والذهبي )) قول مجانب للصواب للغاية ، فقد وثقه ابن حبان ( 7 / 567 ) ، وقال الساجي : (( صدوق )) ( تهذيب التهذيب 11 / 33 ) ، وقال ابن شبرمة : (( ليس بمكة مثله )) ( تهذيب الكمال 7 / 396 ط 98 ) .
أما اعتراضه على المثل الرابع والعشرين فهو من وضع القدم في موضع الزلل وقوله : (( أجمع العلماء على تضعيفه )) من غرائب الدكتور بشار وانفراداته التي يأتينا بها بين الحين والآخر ، فقد قال الساجي : (( صدوق )) ( تهذيب التهذيب 11 / 41 ) ، وقال العجلي : (( جائز الحديث ، حسن الحديث )) ( تهذيب التهذيب 11 / 40 ) ، وقال الذهبي في الكاشف (2/336 الترجمة 5964) : (( حسن الحديث )) ، وقد صحح له الدارقطني ( 1 / 37 ) ونقل الحافظ تصحيحه في تغليق التعليق ( 2 / 129 ) ، والفتح ( 1 / 299 ) وأقره ، وقال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح ( 1 / 464 ) : (( هشام بن سعد قد ضعف من قبل حفظه ، وأخرج له مسلم ، فحديثه في مرتبة الحسن )) .
وكذلك إطلاق النقل في التضعيف عن ابن معين والنسائي ، فيه من غير محمود العجلة ما فيه ، فقد نقل الإمام الذهبي في الميزان ( 4 / 299 الترجمة 9224 ) ما نصه : (( وقال ابن معين : ليس بذاك القوي ، وليس بمتروك . وقال النسائي : ضعيف ، وقال مرة : ليس بالقوي )) . ثم نقل عن أبي داود أنه قال : (( هو أثبت الناس في زيد بن أسلم )) .
(1/84)
فإذا علمت أن الإمام الذهبي قال : (( يقال له : يتيم زيد بن أسلم صحبه وأكثر عنه )) ، تقرر عندك أن أكثر روايته عن زيد بن أسلم ، الذي نص أبو داود على أنه أثبت الناس فيه . ورقم المزي ( 7 / 402 ط 98 ) على روايته عن زيد بن أسلم بـ ( خت م 4 ) .
فهل هكذا يكون التحرير ؟ وهل هكذا يدافع المرء عن نفسه فينقل ما له ويدع ما عليه ؟! إن هذا لأمر عجيب ! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وأما اعتراضه على المثل الخامس والعشرين ، فالجواب عنه في الفصل ( الثالث ) إذ فصلنا الدفاع عن مصطلح الحافظ : (( مقبول )) .
وأما اعتراضه على المثل السادس والعشرين ، فقد أذهلنا دفاعه عن نفسه ، وقمنا حائرين مترددين كيف تصدر هذه الكلمات من رجل يدعي التحقيق والتحرير حتى استثبت الكثير الكثير في أنه قال ذلك ولا ندري كيف خانه قلمه وإنا نتعقبه هنا بأمرين :
الأول : إطلاقه تضعيف المترجم عن الإمام أحمد فيه من المجازفة ما لا يخفى فالذي قاله أحمد : (( ليس حجة )) ( تهذيب الكمال 8 / 108 ط 98 ) ولينه في رواية المروذي ( العلل / الترجمة 53 ) .
والآخر : قوله : (( ولا نعلم وثقه كبير أحد . وأقصى ما قال بعضهم أنه : صدوق اختلط ( خرف ) )) .
قلنا : هذا تدليس عجيب غريب فقد روى عثمان بن سعيد الدارمي ، عن يحيى بن معين : (( أرجو أن يكون صدوقا . وقال عبد الخالق بن منصور : ليس به بأس )) ( تهذيب الكمال 8 / 108 ط 98 ) . والمحرران إذا اشتهيا عدا هذه اللفظة : لفظة توثيق .
وقال علي ابن المديني : (( صدوق وكان قد فلج فتغير حفظه )) ، وقال يعقوب بن شيبة : (( كان صدوقا كثير الحديث )) ( تهذيب الكمال 8 / 108 ط 98 ) ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 9 / 255 ) ، وقال وكيع : (( ما كان أحد أحفظ منه ، كان يحفظ في المجلس خمسمائة حديث !! )) ( الكاشف 2 / 379 الترجمة 6274 ) . فتأمل بعد إلى كلام الدكتور المحرر ؟
(1/85)
وبعد هذا الدفاع عن تضعيفهما لرجال الصحيحين ، نود أن نناقش الدكتور بشارا ، في قضايا ثلاث :
الأولى : إنه استجاز لنفسه أن يتكلم في رواة الصحيحين ، معللا ذلك بأن علماء الجرح والتعديل ، قد تكلموا في بعضهم ، فهل بلغ الدكتور بشار مبلغهم من العلم والورع ؟ فقد سوغ لنفسه ما لم نر أحدا منهم سوغه لنفسه تأدبا وشدة في الدين ؟! وهل بلغ مبلغهم من العدالة ، والورع ؟! أم تناسى أنه يشترط هذا فيمن يتصدى للكلام في الرجال ؟ وقد قال إمام النقاد الإمام الذهبي في الموقظة ( ص 82 ) : (( والكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام وبراءة من الهوى ، والميل ، وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله )) . وقال في الميزان ( 3 / 46 ) : (( والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع )) نسأل الله أن يكون الدكتور كذلك لنقنع أنفسنا بقبول مثل هذا منه .
الثانية : إن الدكتور بشار والشيخ شعيب أطلقا لفظة : (( ضعيف )) على (( حسان بن حسان )) و (( سلم بن زرير )) وهما من رجال البخاري ، وقد قالا في مقدمتهما للتحرير ( 1 / 48 ) : (( ومن قلنا فيه ضعيف ، فحديثه ضعيف لا يصلح للمتابعات ، ولا للشواهد )) .
أليس في كلامهما من التجني على رواة البخاري – الذي هو أعظم بوابة في التصدي لأعداء الإسلام فهو الكتاب الذي أطبقت الأمة على صحته وجودته – وما لا يخفى على أحد ؟!
الثالثة : إن الدكتور بشارا افترى على كتب المصطلح ونسب إليها ما ليس فيها فقال حين ضعف (( سعيد بن النضر )) : (( أما ذكر ابن حبان له في الثقات ( 8 / 267 ) فشبه لا شيء كما هو معروف في كتب المصطلح )) .
فنقول له : بل ليس معروفا إنما هو من كيس الكاتب .
(1/86)
الرابعة : إن الدكتور ارتكب جناية عظمى ، ألبسها ثوبا آخر ، فقال : (( لكن مفهوم الصحة يختلف عند الشيخين من موضوع إلى آخر ، فما هو صحيح في المناقب أو التفسير أو الأدب هو غير الصحيح الذي يرويانه في الأحكام ، ولذلك فهما يتساهلان بعض التساهل في هذه الأبواب ومثيلاتها فيعدون الحديث الحسن صحيحا لأنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا ، ومن هنا نفهم لماذا روى الشيخان لبعض المتكلم فيهم في هذه الأبواب ولم يرويا لهم شيئا في الأحكام والحلال والحرام )) .
وفي هذا تقول لا يخفى وتحكم لا دليل عليه ولا مستند له ، ونحن نتحدى الدكتور بشارا أن يأتي بأدلة على هذا القول ، ولو كان مثل هذا من غيره صدر لكان للقلم غير هذا الحديث ، فليس مثل هذا مما يسكت عنه ، فأين ما أجمعت عليه الأمة من أن كل ما في الصحيحين صحيح ؟
فهذا باب كان الأولى بالدكتور أن لا يفتحه ، فضلا عن أن يترك الباب بعده مشرعا على مصراعيه ، إذ أشار ولم يفصل ، ولم يبين ، وعمى في مقام يقتضي الإسهاب لو كان في الأمر ما يدعو إلى الإسهاب ، وليس له مسعف من أحد من العلماء ، فهي قاعدة شاذة منكرة استخرجها صاحبنا من كيسه ، وتباهى بها كأنه أسس علم تصحيح الأخبار من جديد .
والذي نريد أن لا يخفى عن ذهن القارئ الكريم أن هذا القول ينطوي على انعدام الثقة كليا بصاحبي الصحيحين وكتابيهما ، إذ أنهما وسما كتابيهما بـ " الصحيح " فكيف إذن (( يعدون الحديث الحسن صحيحا )) ، وهل إن في الصحيحين أحاديث حسان لم تبلغ درجة الصحة ؟؟ معاذ الله من الثرثرة التي لا تجدي نفعا .
وهل تناسى الدكتور بشار أن علماء مصطلح الحديث منذ أن وضعت لبينته الأولى حتى يوم الناس هذا مجمعون على أن ما اتفق عليه الشيخان هو أعلى مراتب الصحيح على الإطلاق ، بل ذهب جمهورهم إلى أنه يفيد العلم اليقيني النظري (1) .
__________
(1) انظر : علوم الحديث لابن الصلاح 34 .
(1/87)
وما هذا وشبهه من الدكتور إلا سبيل يستمرئ بها الكلام في الصحيحين ورجالهما ، وما خفي كان أعظم .
ثم أراد الدكتور بشار في آخر دفاعه أن يسخر من نفسه فقال – وكأنه لا يدري ما يخرج من فيه - : (( ومن سخريات الزمان أن يصف الدكتور عبد اللطيف طبعة تهذيب الكمال التي قضيت شطرا كبيرا من عمري في تحقيقه بأنها طافحة بالخطأ ، ولا أدري من أين جاء بهذا الرأي العجيب الغريب الذي لم يقل به أحد من أهل العلم )) .
قلنا : لو سكت عن عيوب طبعته لكان خيرا له ، فما من صفحة من صفحاتها إلا وفيها خطأ أو أكثر ، دل على ذلك المراس والمران . بل إن أول من قال هذا هو قلم المتكلم الدكتور بشار عواد حين تكلم عن الطبعة المختصرة ذات المجلدات الثمان فقال – كما في تعليقه على التحرير ( 1 / 45 الهامش ) - : (( صدرت (1) طبعة جديدة متقنة عن مؤسسة الرسالة كما أعددنا ضميمة بالأخطاء لمن اقتنى الطبعة الأولى )) .
فأين ما قلت أيها الدكتور ، أم ما تدري ما يخط قلمك ؟؟
وقد قال قالته هذه بعد أن قال في صلب التحرير ( 1 / 45 ) : (( ثم قابلنا الكتاب على تهذيب الكمال بعد أن انتهى تحقيقه وتدقيقه والتعليق عليه وتصحيح ما وقع في طبعته الأولى من أخطاء طبعية وغيرها على مجموعة النسخ الخطية )) .
ثم إنه قال في ديباجة تحقيقه للطبعة الجديدة ( 1 / 37 ) : (( لكن مثل هذا العمل الكبير لابد أن تظهر فيه بعض الأخطاء الطبعية والأوهام اليسيرة في قراءة النص )) .
__________
(1) هكذا قال المحرران علما أن هذه الطبعة صدرت 1998 م بعد التحرير بعام ، وهذا مبطل لزعمهما . وقد نسيا أنهما كتبا في المقدمة نفسها ( 1 / 10 ) : (( ... وهي الآن [ أي المؤسسة ] بسبيل إعادة طبعه لتقليص عدد مجلداته ... ) وليس بعجيب على من ناقض نفسه في صفحات قلائل أن يناقضها ما بين كتاب وآخر .
(1/88)
وقد أدرك العلامة الشيخ محمد عوامة كثرة الأخطاء والتصحيفات والتحريفات في الطبعة ذات الخمسة والثلاثين مجلدا فعمل فهرسا في خاتمة تحقيقه للكاشف ( 2 / 566 ) نبه فيه على الأخطاء الواردة في تلك الطبعة ، بل إن الشيخ محمد عوامة نبه على كثير من السقوطات التي وقعت في نص هذه الطبعة فقال في تعليقه على الكاشف ( 1/309 ) عند ترجمة (( حبيب بن عبد الله الأزدي )) : (( ثم إن رواية المترجم عن الحكم بن عمرو الغفاري غير مذكورة في تهذيب الكمال ( 5 / 384 ) لكنها ثابتة في مصورة مخطوطته ( 1 / 228 ) ، وفي مختصريه " تذهيب التهذيب " للمصنف ( 1 / 46 / أ ) ، و " تهذيب التهذيب " لابن حجر ، فيكون قد حصل سقط في نصه المحقق )) .
وكذلك نبه الشيخ محمد عوامة على التحريفات والتصحيفات لمطبوعة تهذيب الكمال عند تحقيقه لتقريب التهذيب : منها عند تعليقه على الرقم ( ر ) لجزء القراءة للبخاري فقال ( ص 10 ) : (( وهي راء مهملة ، كما ضبطها المصنف في كتابه هذا في ستة مواضع ، كما سيأتي إن شاء الله ( ص 48 ) في الحديث عن رموزه ، وليست زايا معجمة ، كما شاع وذاع ، تقليدا لطبعة " تهذيب التهذيب " ، حتى الدكتور بشار عواد لم يتنبه له إلا في ( 4 / 299 ) من تهذيب الكمال ، ثم عاد إلى الغلط ( 5 / 114 ) )) .
وأحببنا أن نسوق في هذه العجالة بعض أخطاء طبعته ليكون الكلام بالبرهان :
1 – جامع بن بكار بن بلال العاملي . سقط رقمه من الطبعة الكبيرة ( 4 / 483 ) ، ومن الطبعة 98 كذلك ( 1 / 434 ) وقد صرح المزي بأن أبا داود روى له في المراسيل ، ورقمه : ( مد ) كما في تهذيب التهذيب ( 2 / 55 ) ، والتقريب ( 886 ) ، والخلاصة ( 60 ) .
2 - في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 5 / 197 ) : (( حاتم بن وردان بن مهران )) .
(1/89)
هكذا دبجته يد الدكتور المحرر بشار وصوابه : (( مروان )) كما في تاريخ البخاري الكبير ( 3 / 77 الترجمة 275 ) ، والصغير ( 2 / 234 ) وتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر ( 2/131 ) ، والتقريب (1001) .
3 – ترجمة الحسن بن أحمد بن أبي شعيب ، جاءت رموزه في مطبوعة تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 6 / 48 ) : ( م ق ت ) . وهو تحريف قبيح ، وصوابه: ( م مد ت ) فقد صرح المزي أن أبا داود روى له في المراسيل .
4 – ترجمة : الحسن بن داود بن محمد المنكدري ، جاء في مطبوعة تهذيب الكمال الكبيرة ( 6 / 144 ) في صدر الكلام عن سماعه من المعتمر ما نصه : (( قال محمد بن عبد الرحيم البزاز : جلس إلينا المنكدري فسألته ، في أي سنة كتبت عن المعتمر ؟ فقال : في سنة كذا . فنظرنا فإذا هو قد كتب عن المعتمر ابن خمسين سنة )) . كذا جاء فيها : (( خمسين )) وهو خطأ مجحف بلا ريب ، صوابه : (( ابن خمس )) كما جاء في التذهيب ( 1 / 66 ب ) ، وتهذيب التهذيب ( 2 / 275 ) ، وهكذا وقع في طبعة 1998(2/126) على الرغم من أن الدكتور بشار يزعم أن هذه الطبعة الثانية قوبلت على نسخ خطية عديدة !! وهذا يكشف الستر عنه ويبين أن لا نسخ ولا مقابلات ، وإلا فأين أثر المقابلة ؟!
5 – ترجمة : الحسن بن علي بن أبي طالب ، تحرف في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 6 / 220 ) الرقم ( 4 ) إلى ( ع ) .
6 – وكذلك ترجمة الحسن بن محمد بن الصباح ، تحرف في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 6 / 310 ) الرقم ( خ 4 ) إلى ( خ ع ) .
7 – ترجمة : حطان بن عبد الله الرقاشي . تحرفت رقومه في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 6 / 561 ) ( م 4 ) إلى ( م ع ) .
8 – ترجمة : حفص بن عمر بن ميمون العدني . تحرف رقمه في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 7 / 42 ) ( ق ) إلى ( ت ) .
(1/90)
9 – زيد بن أبي الشعثاء العنبري ، أبو الحكم البصري . في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 10/79 ) ، هكذا كتب قلم الدكتور بشار:(( العنبري )) وهو خطأ صوابه : (( العنزي )) . كما في التاريخ الكبير ( 3 / الترجمة 1324 ) للبخاري .
10 – سليمان بن الأشعث بن شداد . رقمه في الطبعة الكبيرة ( 11 / 355 ) وكذلك الطبعة 98 ( 3 / 262 الترجمة 2476 ): ( ت ) والصواب: ( ت س ) كما صرح به المزي ، وكما هو في تهذيب التهذيب ( 4 / 169 ) والتقريب ( 2533 ) .
11 – صالح بن رستم المزني . رقومه في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 13 / 47 ) : ( خت م 4 ) وكذلك في طبعة 98 ( 3 / 427 الترجمة 2798 ) وقد سقط من الرقوم الرقم : ( بخ ) . فالصواب : ( خت بخ م 4 ) ، وقد صرح به المزي آخر الترجمة فقال : (( استشهد به البخاري في الصحيح وروى له في " الأدب " والباقون )) .
وجاءت الرقوم على الصواب في تهذيب التهذيب ( 4 / 391 ) ، وفي الخلاصة ( ص 170 ) .
12 – عروة المزني . جاءت رقومه في تهذيب الكمال الطبعة الكبيرة ( 20 / 40 ) ، وطبعة 98 ( 5 / 160 الترجمة 4504 ) : ( د ت ) وفيه سقط ظاهر صوابه : ( د ت ق ) . وقد صرح به المزي فقال : (( روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه )) وجاءت رقومه على الصواب : ( د ت ق ) في تهذيب التهذيب ( 7 / 189 ) .
13 – عمرو بن منصور القيسي البصري القداح . رقمه في الطبعة الكبيرة ( 22 / 249 ) وطبعة 98 ( 5 / 465 الترجمة 5043 ) : ( ر ) وفيه سقط قبيح صوابه : ( ر بخ ) كما صرح به المزي إذ قال : (( روى عنه البخاري في " القراءة خلف الإمام " ، وفي " الأدب " )) والرقم على الصواب في تهذيب التهذيب ( 8 / 106 ) .
(1/91)
14 – الوليد بن رباح الدوسي المدني ، مولى ابن أبي ذباب . جاءت رقومه في الطبعة 98 ( 7 / 469 الترجمة 7298 ) : ( خت د ت ق ت ) وزيادة الرقم ( ت ) الأخير خطأ قبيح على الرغم من أن الدكتور زعم أن هذه الطبعة حققت على عدد غفير من النسخ (1) .
وهذا قليل من كثير لو أردت الاستطراد فيه ، لبلغت به مجلدات ، وإنما سقت هذه الأمثلة ليعلم القارئ أي القولين من سخريات الزمان .
وقد اعرضنا عن إيراد كثير من مما تضمنه مقال الدكتور طلبا للاختصار ولعدم تحمل المقام إسهابا يخرجنا عن مقصودنا ،إذ قد بينا في كتابنا " كشف الإيهام " ما يشفي العليل ويروي الغليل فهو شوكة في عين كل مبغض للسنة النبوية المطهرة .
( 9 )
أما بعد : فقد آن الأوان أن نسأل أنفسنا :
ما هو الخطأ فيما قلنا أو كتبنا ؟ وليكن ما قلناه خطأ ، فلماذا لا يتبرع أحد غير بشار ، بردنا إلى الصواب ، وله الأجر والثواب .
هل نقول : إننا يجب أن نتعلم مناقشة آراء الناس دون أن نتجاوز ذلك إلى تجريح أشخاصهم ؟
ولكن ما فائدة هذا القول ؟ وما جدواه ؟
إننا نستطيع أن نطبق ما نرتضيه من القواعد على أنفسنا ، ولكننا لا نستطيع أن نفرضه قسرا على الآخرين .
ذلك هو القصد ... والله من وراء القصد .
أمران كم قضا مضاجع عالم ... - ... الحق مر والسكوت مرار
فلئن سكت فأنت تخذل حافظا ... - ... ولئن كتبت فضجة ستثار
عتب على قلم الحقيقة أخرس ... - ... فمتى وقد هدمت رؤاك تغار ؟
ومتى ستكتب أنت أول صارخ ... - ... يرجى إذا قتل الهواء غبار
__________
(1) وقد ملكنا مسند العراق الشيخ صبحي السامرائي عدة نسخ خطية من تهذيب الكمال ، ولعلنا في قابل أيامنا نقوم بتحقيقه وبيان ما في طبعة الدكتور من الوهم والإيهام والسقط والإسقاط والتصحيف والتحريف .
(1/92)
فكتبت موجوع الفؤاد ، مرارة ... - ... ألا يرى غير السكوت خيار
يا دولة " التحرير" لست بدولة ... - ... قد آن يقتل ليلتيك نهار
(1/93)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق