مراجع في مصطلح الحدبث واللغة العربية

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

الجمعة، 17 سبتمبر 2021

1-رياض الصالحين ماهر الفحل



[ص:90] غزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو مع أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - قال عبد الله: فحسبت ما كان عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومئتي ألف! فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير، فقال: يا ابن أخي، كم على أخي من الدين؟ فكتمته وقلت: مائة ألف. فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع هذه. فقال عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومئتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي، قال: وكان الزبير قد اشترى الغابة بسبعين ومئة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمئة ألف، ثم قام فقال: من كان له على الزبير شيء فليوافنا بالغابة، فأتاه عبد الله بن جعفر، وكان له على الزبير أربعمئة ألف، فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم؟ قال عبد الله: لا، قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن إخرتم، فقال عبد الله: لا، قال: فاقطعوا لي قطعة، قال عبد الله: لك من هاهنا إلى هاهنا. فباع عبد الله منها فقضى عنه دينه وأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان، والمنذر بن الزبير، وابن زمعة، فقال له معاوية: كم قومت الغابة؟ قال: كل سهم بمئة ألف، قال: كم بقي منها؟ قال: أربعة أسهم ونصف، فقال المنذر بن الزبير: قد أخذت منها سهما بمئة ألف، قال عمرو بن عثمان: قد أخذت منها سهما بمئة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمئة ألف، فقال معاوية: كم بقي منها؟ قال: سهم ونصف سهم، قال: قد أخذته بخمسين ومئة ألف. قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمئة ألف، فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه، قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا، قال: والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه. فجعل كل سنة ينادي في الموسم، فلما مضى أربع سنين قسم بينهم ودفع الثلث. وكان للزبير أربع نسوة، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومئتا ألف، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومئتا ألف. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 106 (3129).
(1/90)
26 - باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم
قال الله تعالى: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} [غافر:18]، وقال تعالى: {وما للظالمين من نصير} [الحج:71].
وأما الأحاديث فمنها: حديث أبي ذر - رضي الله عنه - المتقدم (1) في آخر باب المجاهدة.
__________
(1) انظر الحديث (111).
(1/90)
203 - وعن جابر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم. حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 18 (2578).
(1/91)
204 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء (1) من الشاة القرناء». رواه مسلم. (2)
__________
(1) الجلحاء: التي لا قرن لها. النهاية 1/ 284.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 18 (2582).
(1/91)
205 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا نتحدث عن حجة الوداع، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، ولا ندري ما حجة الوداع حتى حمد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدجال، فأطنب في ذكره، وقال: «ما بعث الله من نبي إلا أنذره أمته، أنذره نوح والنبيون من بعده، وإنه إن يخرج فيكم فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم، إن ربكم ليس بأعور، وإنه أعور عين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية. ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟» قالوا: نعم، قال: «اللهم اشهد» ثلاثا «ويلكم - أو ويحكم -، انظروا: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض». رواه البخاري، وروى مسلم بعضه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 223 (4402)، ومسلم 1/ 58 (66) (119) و (120).
(1/91)
206 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ظلم قيد شبر من الأرض، طوقه من سبع أرضين». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 170 (2453)، ومسلم 5/ 59 (1612). قال المصنف في شرح صحيح مسلم: «فيه تحريم الظلم، وتحريم الغصب وتغليظ عقوبته».
(1/91)
207 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته»، ثم قرأ: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} [هود: 102] متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 93 (4686)، ومسلم 8/ 19 (2583).
(1/91)
208 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إنك تأتي قوما من [ص:92] أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم (1) أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب (2)». متفق عليه. (3)
__________
(1) كرائم أموالهم: أي نفائسها التي تتعلق بها نفس مالكها ويختصها لها. النهاية 4/ 167.
(2) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 1/ 177 (29): «أي أنها مسموعة لا ترد».
(3) أخرجه: البخاري 2/ 158 (1496). عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ: ...
وأخرجه: مسلم 1/ 37 (29) (19).
(1/91)
209 - وعن أبي حميد عبد الرحمان بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا من الأزد (1) يقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم، قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا، والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله تعالى، يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء (2)، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر» ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه، فقال: «اللهم هل بلغت». ثلاثا متفق عليه. (3)
__________
(1) الأزد: تجمع قبائل وعمائر كثيرة في اليمن. اللسان 1/ 130 (أزد).
(2) الرغاء: صوت الإبل. والخوار: صوت البقر. وتيعر: تصيح وصوتها اليعار. النهاية 2/ 87 و240 و297.
(3) أخرجه: البخاري 3/ 209 (2597)، ومسلم 6/ 11 (1832) (26).
(1/92)
210 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه، من عرضه أو من شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم؛ إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 170 (2449).
(1/92)
211 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 9 (10)، وأخرجه: مسلم 1/ 47 (64) (40) بالشطر الأول فقط.
(1/92)
212 - وعنه - رضي الله عنه - قال: كان على ثقل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له كركرة، فمات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «هو في النار». فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلها. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 91 (3074).
(1/93)
213 - وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر (1) الذي بين جمادى وشعبان، أي شهر هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس ذا الحجة؟» قلنا: بلى. قال: «فأي بلد هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: «أليس البلدة؟» قلنا: بلى. قال: «فأي يوم هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: «أليس يوم النحر؟» قلنا: بلى. قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه»، ثم قال: «إلا هل بلغت، ألا هل بلغت؟» قلنا: نعم. قال: «اللهم اشهد». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 6/ 151 (1679): «أضافه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مضر لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم».
(2) أخرجه: البخاري 5/ 224 (4406)، ومسلم 5/ 108 (1679) (29).
(1/93)
214 - وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة» فقال رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ فقال: «وإن قضيبا من أراك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 85 (137) (218).
(1/93)
215 - وعن عدي بن عميرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة». فقام [ص:94] إليه رجل أسود من الأنصار، كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك، قال: «وما لك؟» قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال: «وأنا أقوله الآن: من استعملناه على عمل فليجيء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 12 (1833) (30).
(1/93)
216 - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلان شهيد. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها (1) أو عباءة». رواه مسلم. (2)
__________
(1) البردة: نوع من الثياب، والغلول: السرقة من الغنيمة. النهاية 1/ 116 و3/ 380.
(2) أخرجه: مسلم 1/ 75 (114) (182).
(1/94)
217 - وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم: أنه قام فيهم، فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله، تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «نعم، إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر». ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كيف قلت؟» قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدين؛ فإن جبريل - عليه السلام - قال لي ذلك (1)» رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 7/ 27 (1885): «المحتسب: هو المخلص لله تعالى. وفي الحديث تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله تعالى».
(2) أخرجه: مسلم 6/ 37 (1885) (117).
(1/94)
218 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتدرون من المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف (1) هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار». رواه مسلم. (2)
__________
(1) القذف: رمي المرأة بالزنا أو ما كان في معناه. النهاية 4/ 29.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 18 (2581) (59).
(1/94)
219 - وعن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار». متفق عليه. (1)
«ألحن» أي: أعلم.
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 86 (7169)، ومسلم 5/ 128 (1713) (4).
(1/95)
220 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لن يزال المؤمن في فسحة (1) من دينه ما لم يصب دما حراما». رواه البخاري. (2)
__________
(1) فسحة: سعة. النهاية 3/ 445.
(2) أخرجه: البخاري 9/ 2 (6862).
(1/95)
221 - وعن خولة بنت عامر الأنصارية، وهي امرأة حمزة - رضي الله عنه - وعنها، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن رجالا يتخوضون (1) في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة». رواه البخاري. (2)
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 6/ 263 (3118): «أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل».
(2) أخرجه: البخاري 4/ 104 (3118).
(1/95)
27 - باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم
قال الله تعالى: {ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} [الحج: 30]، وقال تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [الحج: 32]، وقال تعالى: {واخفض جناحك للمؤمنين} [الحجر: 88]، وقال تعالى: {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} [المائدة: 32].
(1/95)
222 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبك بين أصابعه. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 169 (2446)، ومسلم 8/ 20 (2585) (65).
(1/95)
223 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من مر في شيء من مساجدنا، أو [ص:96] أسواقنا، ومعه نبل فليمسك، أو ليقبض على نصالها (1) بكفه؛ أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء». متفق عليه. (2)
__________
(1) أي حديدة السهم. اللسان 14/ 167 (نصل).
(2) أخرجه: البخاري 9/ 62 (7075)، ومسلم 8/ 33 (2615) (124).
(1/95)
224 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 11 (6011)، ومسلم 8/ 20 (2586) (66).
(1/96)
225 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي رضي الله عنهما، وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا. فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «من لا يرحم لا يرحم!». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 8 (6011)، ومسلم 7/ 77 (2318) (65).
(1/96)
226 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقال: «نعم» قالوا: لكنا والله ما نقبل! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أو أملك إن كان الله نزع من قلوبكم الرحمة!». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 9 (5998)، ومسلم 7/ 77 (2317) (64).
(1/96)
227 - وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 141 (7376)، ومسلم 7/ 77 (2319) (66).
(1/96)
228 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء». متفق عليه. (1)
وفي رواية: «وذا الحاجة».
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 180 (703)، ومسلم 2/ 43 (467) (185).
(1/96)
229 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدع العمل، وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 62 (1128)، ومسلم 2/ 156 (718) (77).
(1/96)
230 - وعنها رضي الله عنها، قالت: نهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال (1) رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل؟ قال: «إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني». متفق عليه. (2)
معناه: يجعل في قوة من أكل وشرب.
__________
(1) أي لا يفطر يومين أو أياما. النهاية 5/ 193.
(2) أخرجه: البخاري 3/ 48 (1964)، ومسلم 3/ 134 (1150) (61).
(1/97)
231 - وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إني لأقوم إلى الصلاة، وأريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 181 (707). أتجوز: أخففها وأقللها. أشق: أي أثقل عليهم، من المشقة. النهاية 1/ 315 و2/ 491.
(1/97)
232 - وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة (1) الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 3/ 137 (657): «الذمة: هنا الضمان. وقيل: الأمان».
(2) أخرجه: مسلم 2/ 125 (657) (262).
(1/97)
233 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 168 (2442)، ومسلم 8/ 18 (2580) (58).
(1/97)
234 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى هاهنا، بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4882)، وابن ماجه (3933)، والترمذي (1927) وقال: «حديث حسن غريب».
(1/97)
235 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات -- بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه». رواه مسلم. (1)
«النجش»: أن يزيد في ثمن سلعة ينادى عليها في السوق ونحوه، ولا رغبة له في شرائها بل يقصد أن يغر غيره، وهذا حرام.
و «التدابر»: أن يعرض عن الإنسان ويهجره ويجعله كالشيء الذي وراء الظهر والدبر.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 10 (2564) (32).
(1/98)
236 - وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (183).
(1/98)
237 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال: «تحجزه - أو تمنعه - من الظلم فإن ذلك نصره». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 28 (6952).
(1/98)
238 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت (1) العاطس». متفق عليه. (2)
وفي رواية لمسلم: «حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه».
__________
(1) أي الدعاء بالخير والبركة. النهاية 2/ 499.
(2) أخرجه: البخاري 2/ 90 (1240)، ومسلم 7/ 3 (2162) (4) و (5).
(1/98)
239 - وعن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع، ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونهانا عن خواتيم أو تختم بالذهب، وعن شرب بالفضة، وعن المياثر الحمر، وعن القسي، وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج. متفق عليه (1).
وفي رواية: وإنشاد الضالة في السبع الأول.
«المياثر» بياء مثناة قبل الألف، وثاء مثلثة بعدها: وهي جمع ميثرة، وهي شيء يتخذ من حرير ويحشى قطنا أو غيره، ويجعل في السرج وكور البعير يجلس عليه الراكب. «القسي» بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة: وهي ثياب تنسج من حرير وكتان مختلطين. «وإنشاد الضالة»: تعريفها.
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 90 (1239)، ومسلم 6/ 135 (2066) (3).
(1/99)
28 - باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة
قال الله تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} [النور: 19].
(1/99)
240 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 21 (2590) (72).
(1/99)
241 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين (1)، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه». متفق عليه. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 272 (2990): «هم الذين جاهروا بمعاصيهم وأظهروها، وكشفوا ما ستر الله تعالى عليهم، فيتحدثون بها لغير ضرورة أو حاجة».
(2) أخرجه: البخاري 8/ 24 (6069)، ومسلم 8/ 224 (2990) (52).
(1/99)
242 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر». متفق عليه. (1)
«التثريب»: التوبيخ.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 93 (2152)، ومسلم 5/ 123 (1703) (30).
(1/100)
243 - وعنه، قال: أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قد شرب خمرا، قال: «اضربوه»
قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: «لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 196 (6777).
(1/100)
29 - باب قضاء حوائج المسلمين
قال الله تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} [الحج: 77].
(1/100)
244 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (233).
(1/100)
245 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه (1)». رواه مسلم (2).
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 20 (2699): «نفس الكربة: أزالها. وفي الحديث: فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة وغير ذلك، وفضل الستر على المسلمين، وفضل إنظار المعسر، وفضل المشي في طلب العلم، وفيه أن من كان عمله ناقصا، لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال، فينبغي ألا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء، ويقصر في العمل».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 71 (2699) (38).
(1/100)
30 - باب الشفاعة
قال الله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها} [النساء: 85].
(1/101)
246 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه، فقال: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب». متفق عليه. (1)
وفي رواية: «ما شاء».
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 171 (7476)، ومسلم 8/ 37 (2627) (145).
(1/101)
247 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة بريرة وزوجها، قال: قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم: «لو راجعته؟» قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: «إنما أشفع» قالت: لا حاجة لي فيه. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 62 (5283).
(1/101)
31 - باب الإصلاح بين الناس
قال الله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} [النساء: 114]، وقال تعالى: {والصلح خير} [النساء: 128]، وقال تعالى: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال: 1]، وقال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 10].
(1/101)
248 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة». متفق عليه. (1)
ومعنى «تعدل بينهما»: تصلح بينهما بالعدل.
__________
(1) انظر الحديث (122).
(1/101)
249 - وعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم [ص:102] يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا، أو يقول خيرا». متفق عليه. (1)
وفي رواية مسلم زيادة، قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث، تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. (2)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 240 (2692)، ومسلم 8/ 28 (2605) (101).
(2) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 8/ 331 (5605): «معناه ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس، بل هذا محسن، ولا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور».
(1/101)
250 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء، وهو يقول: والله لا أفعل، فخرج عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟»، فقال: أنا يا رسول الله، فله أي ذلك أحب. متفق عليه. (1)
معنى «يستوضعه»: يسأله أن يضع عنه بعض دينه. «ويسترفقه»: يسأله الرفق. «والمتألي»: الحالف.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 244 (2705)، ومسلم 5/ 30 (1557) (19).
(1/102)
251 - وعن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شر، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلح بينهم في أناس معه، فحبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحانت الصلاة، فجاء بلال إلى أبي بكر رضي الله عنهما، فقال: يا أبا بكر، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حبس وحانت الصلاة فهل لك أن تؤم الناس؟ قال: نعم، إن شئت، فأقام بلال الصلاة، وتقدم أبو بكر فكبر وكبر الناس، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشي في الصفوف حتى قام في الصف، فأخذ الناس في التصفيق، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - لا يلتفت في الصلاة، فلما أكثر الناس في التصفيق التفت، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع أبو بكر - رضي الله عنه - يده فحمد الله، ورجع القهقرى (1) وراءه حتى قام في الصف، فتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى للناس، فلما فرغ أقبل على الناس، فقال: «أيها الناس، ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق؟! إنما التصفيق [ص:103] للنساء. من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله، فإنه لا يسمعه أحد حين يقول: سبحان الله، إلا التفت. يا أبا بكر: ما منعك أن تصلي بالناس حين أشرت إليك؟»، فقال أبو بكر: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بالناس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. (2)
معنى «حبس»: أمسكوه ليضيفوه.
__________
(1) أي يمشي إلى خلفه. دليل الفالحين 3/ 64.
(2) أخرجه: البخاري 2/ 88 (1234)، ومسلم 2/ 25 (421) (102).
(1/102)
32 - باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين
قال الله تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم} [الكهف: 28].
(1/103)
252 - وعن حارثة بن وهب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف (1)، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر». متفق عليه. (2)
«العتل»: الغليظ الجافي. «والجواظ»: بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء المعجمة: وهو الجموع المنوع، وقيل: الضخم المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 161 (2853): «ضبطوا قوله: (متضعف) بفتح العين وكسرها المشهور الفتح، ومعناه يستضعفه الناس ويحتقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدنيا، وأما رواية الكسر فمعناها: متواضع متذلل خامل واضع من نفسه، وليس المراد الاستيعاب في الطرفين».
(2) أخرجه: البخاري 6/ 198 (4918)، ومسلم 8/ 154 (2853) (46).
(1/103)
253 - وعن أبي عباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: مر رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟»، فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع. فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم مر رجل آخر، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما رأيك في هذا؟» فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا». متفق عليه. (1) [ص:104]
قوله: «حري» هو بفتح الحاء وكسر الراء وتشديد الياء: أي حقيق. وقوله: «شفع» بفتح الفاء.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 118 (6447)، ولم أقف على رواية مسلم، وانظر: تحفة الأشراف 3/ 649 (4720) مع التعليق عليه.
(1/103)
254 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «احتجت الجنة والنار، فقالت النار: في الجبارون والمتكبرون. وقالت الجنة: في ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما علي ملؤها». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 151 (2847).
(1/104)
255 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 117 (4729)، ومسلم 8/ 125 (2785) (18).
(1/104)
256 - وعنه: أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، أو شابا، ففقدها، أو فقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها، أو عنه، فقالوا: مات. قال: «أفلا كنتم آذنتموني» فكأنهم صغروا أمرها، أو أمره، فقال: «دلوني على قبره» فدلوه فصلى عليها، ثم قال: «إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله تعالى. ينورها لهم بصلاتي عليهم». متفق عليه. (1)
قوله: «تقم» هو بفتح التاء وضم القاف: أي تكنس. «والقمامة»: الكناسة، «وآذنتموني» بمد الهمزة: أي: أعلمتموني.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 124 (458)، ومسلم 3/ 56 (956) (71).
(1/104)
257 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 154 (2854) (48).
(1/104)
258 - وعن أسامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قمت على باب الجنة، فإذا عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار. وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء». متفق عليه. (1)
«والجد»: بفتح الجيم: الحظ والغنى. وقوله: «محبوسون» أي: لم يؤذن لهم بعد في دخول الجنة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 39 (5196)، ومسلم 8/ 87 (2736) (93).
(1/104)
259 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلا عابدا، فاتخذ صومعة فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت. فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات. فتذاكر بنو إسرائيل جريجا وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه، فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها فوقع عليها، فحملت، فلما ولدت، قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك. قال: أين الصبي؟ فجاؤوا به فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه، وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب. قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا. وبينا صبي يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة، فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع»، فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحكي ارتضاعه بأصبعه السبابة في فيه، فجعل يمصها، قال: «ومروا بجارية وهم يضربونها، ويقولون: زنيت سرقت، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل. فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الرضاع ونظر إليها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فهنالك تراجعا الحديث، فقالت: مر رجل حسن الهيئة، فقلت: اللهم اجعل ابني مثله، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومروا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون: زنيت سرقت، فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهم اجعلني مثلها؟! قال: إن ذلك الرجل كان جبارا، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون: زنيت، ولم تزن وسرقت، ولم تسرق، فقلت: اللهم اجعلني مثلها» (1) متفق عليه. (2) [ص:106]
«المومسات» بضم الميم الأولى، وإسكان الواو وكسر الميم الثانية وبالسين المهملة؛ وهن الزواني. والمومسة: الزانية. وقوله: «دابة فارهة» بالفاء: أي حاذقة نفيسة. «والشارة» بالشين المعجمة وتخفيف الراء: وهي الجمال الظاهر في الهيئة والملبس. ومعنى «تراجعا الحديث» أي: حدثت الصبي وحدثها، والله أعلم.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/ 286 (2550): «في حديث جريج فوائد منها: عظم بر الوالدين، وتأكد حق الأم، وأن دعاءها مجاب، وأنه إذا تعارضت الأمور بدئ بأهمها».
(2) أخرجه: البخاري 4/ 201 (3436)، ومسلم 8/ 4 (2550) (8).
(1/105)
33 - باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين والمنكسرين والإحسان إليهم والشفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم
قال الله تعالى: {واخفض جناحك للمؤمنين} [الحجر: 88]، وقال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} [الكهف: 28]، وقال تعالى: {فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر} [الضحى: 9 - 10]، وقال تعالى: {أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين} [الماعون: 6].
(1/106)
260 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر، فقال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، وكنت أنا وابن مسعود. ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه، فأنزل الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الأنعام: 52] رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 127 (2413) (46).
(1/106)
261 - وعن أبي هبيرة عائذ بن عمرو المزني وهو من أهل بيعة الرضوان - رضي الله عنه: أن أبا سفيان أتى (1) على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عدو الله [ص:107] مأخذها، فقال أبو بكر - رضي الله عنه: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال: «يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك» فأتاهم فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي. رواه مسلم. (2)
قوله: «مأخذها» أي: لم تستوف حقها منه. وقوله: «يا أخي»: روي بفتح الهمزة وكسر الخاء وتخفيف الياء، وروي بضم الهمزة وفتح الخاء وتشديد الياء.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/ 250 (2504): «هذا الإتيان لأبي سفيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية.
قوله: «لا، يغفر الله لك ... ». قال: روي عن أبي بكر أنه نهى عن مثل هذه الصيغة، أي لا تقل قبل الدعاء (لا) فتصير صورته صورة نفي الدعاء. قال بعضهم: قل: لا ... ويغفر لك الله».
(2) أخرجه: مسلم 7/ 173 (2504) (170).
(1/106)
262 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما. رواه البخاري. (1)
و «كافل اليتيم»: الق‍ائم بأموره.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 68 (5304).
(1/107)
263 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة» وأشار الراوي وهو مالك بن أنس بالسبابة والوسطى. رواه مسلم. (1)
وقوله - صلى الله عليه وسلم: «اليتيم له أو لغيره» معناه: قريبه، أو الأجنبي منه، فالقريب مثل أن تكفله أمه أو جده أو أخوه أو غيرهم من قرابته، والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 221 (2983) (42).
(1/107)
264 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف». متفق عليه. (1)
وفي رواية في الصحيحين: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس».
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 154 (1479) و6/ 39 (4539)، ومسلم 3/ 95 (1039) (101) و (102).
(1/107)
265 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله». وأحسبه قال: «وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 11 (6007)، ومسلم 8/ 221 (2982) (41).
(1/107)
266 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «شر الطعام طعام الوليمة، يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله». رواه مسلم. (1)
[ص:108] وفي رواية في الصحيحين، عن أبي هريرة من قوله: «بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء».
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 32 (5177)، ومسلم 4/ 154 (1432) (107) و (110).
(1/107)
267 - وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من عال (1) جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين» وضم أصابعه. رواه مسلم. (2)
«جاريتين» أي: بنتين.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/ 351 (2631): «أي قام عليها بالمؤنة والتربية».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 38 (2631) (149).
(1/108)
268 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها، تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا، فأخبرته فقال: «من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن، كن له سترا من النار». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 136 (1418)، ومسلم 8/ 38 (2629) (147).
(1/108)
269 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 38 (2630) (148).
(1/108)
270 - وعن أبي شريح خويلد بن عمرو الخزاعي - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة» حديث حسن رواه النسائي بإسناد جيد. (1)
ومعنى «أحرج»: ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا، وأزجر عنه زجرا أكيدا.
__________
(1) أخرجه: النسائي في «الكبرى» (9150).
(1/108)
271 - وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، قال: رأى سعد أن له فضلا على من دونه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم». (1) رواه البخاري هكذا [ص:109] مرسلا، فإن مصعب بن سعد تابعي، ورواه الحافظ أبو بكر البرقاني في صحيحه متصلا عن مصعب، عن أبيه - رضي الله عنه.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 44 (2896).
(1/108)
272 - وعن أبي الدرداء عويمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ابغوني الضعفاء، فإنما تنصرون وترزقون، بضعفائكم». رواه أبو داود بإسناد جيد (1).
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2594)، والترمذي (1702)، والنسائي 6/ 45 - 46.
(1/109)
34 - باب الوصية بالنساء
قال الله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء:19]، وقال تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما} [النساء: 129].
(1/109)
273 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا؛ فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته، لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء». متفق عليه. (1)
وفي رواية في الصحيحين: «المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها، استمتعت وفيها عوج».
وفي رواية لمسلم: «إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها».
قوله: «عوج» هو بفتح العين والواو.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 161 (3331) و7/ 33 (5184)، ومسلم 4/ 178 (1468) (59) و (60) و (65).
(1/109)
274 - وعن عبد الله بن زمعة - رضي الله عنه: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، وذكر الناقة والذي عقرها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «{إذ انبعث أشقاها} انبعث لها رجل عزيز، عارم منيع في رهطه»، ثم ذكر النساء، فوعظ فيهن، فقال: «يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه» ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة، وقال: «لم يضحك أحدكم مما يفعل؟! (1)». متفق عليه. (2) [ص:110]
«والعارم» بالعين المهملة والراء: هو الشرير المفسد، وقوله: «انبعث»، أي: قام بسرعة.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 162 (2855): «في الحديث النهي عن ضرب النساء لغير ضرورة التأديب، وفيه النهي عن الضحك من الضرطة يسمعها من غيره».
(2) أخرجه: البخاري 6/ 210 (4942)، ومسلم 8/ 154 (2855) (49).
(1/109)
275 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر»، أو قال: «غيره». رواه مسلم. (1)
وقوله: «يفرك» هو بفتح الياء وإسكان الفاء وفتح الراء معناه: يبغض، يقال: فركت المرأة زوجها، وفركها زوجها، بكسر الراء يفركها بفتحها: أي أبغضها، والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 4/ 178 (1469) (61).
(1/110)
276 - وعن عمرو بن الأحوص الجشمي - رضي الله عنه: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله تعالى، وأثنى عليه وذكر ووعظ، ثم قال: «ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة (1) مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا؛ ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا؛ فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون؛ ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن». رواه الترمذي، (2) وقال: «حديث حسن صحيح».
قوله - صلى الله عليه وسلم: «عوان» أي: أسيرات جمع عانية، بالعين المهملة، وهي الأسيرة، والعاني: الأسير. شبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة في دخولها تحت حكم الزوج بالأسير «والضرب المبرح»: هو الشاق الشديد وقوله - صلى الله عليه وسلم: «فلا تبغوا عليهن سبيلا» أي: لا تطلبوا طريقا تحتجون به عليهن وتؤذونهن به، والله أعلم.
__________
(1) قال ابن العربي في عارضة الأحوذي 3/ 88 (1163): «يريد بمعصية ظاهرة لا تحل ولا تجد منها مخرجا ولا تتبين فيها عذرا، فحينئذ يملك الزوج عليها الأدب والهجران في المضجع».
(2) أخرجه: ابن ماجه (1851)، والترمذي (1163)، والنسائي في «الكبرى» (9169).
(1/110)
277 - وعن معاوية بن حيدة - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، [ص:111] ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت» حديث حسن رواه أبو داود (1) وقال: معنى «لا تقبح» أي: لا تقل: قبحك الله.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2142)، وابن ماجه (1850)، والنسائي في «الكبرى» (9171). وأخرج ابن ماجه روايته عن معاوية أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم.
(1/110)
278 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4682)، والترمذي (1162)، ورواية أبي داود اقتصرت على الجزء الأول من الحديث.
(1/111)
279 - وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله
- صلى الله عليه وسلم: «لا تضربوا إماء الله» فجاء عمر - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذئرن النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لقد أطاف بآل بيت محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم». رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
قوله: «ذئرن» هو بذال معجمة مفتوحة، ثم همزة مكسورة، ثم راء ساكنة، ثم نون، أي: اجترأن، قوله: «أطاف» أي: أحاط.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2146)، وابن ماجه (1985)، والنسائي في «الكبرى» (9167).
(1/111)
280 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 4/ 178 (1467) (64).
(1/111)
35 - باب حق الزوج على المرأة
قال الله تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله} [النساء: 34].
(1/111)
وأما الأحاديث فمنها حديث عمرو بن الأحوص السابق في الباب قبله (1).
281 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح». متفق عليه. (2) [ص:112]
وفي رواية لهما: «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح».
وفي رواية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها».
__________
(1) انظر الحديث (276).
(2) أخرجه: البخاري 7/ 39 (5193) و (5194)، ومسلم 4/ 156 (1436) (120) و157 (1436) (121) و (122).
(1/111)
282 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه». متفق عليه (1)
وهذا لفظ البخاري.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 39 (5195)، ومسلم 3/ 91 (1026) (84).
(1/112)
283 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 41 (5200)، ومسلم 6/ 7 (1829) (20).
(1/112)
284 - وعن أبي علي طلق بن علي - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور (1)». رواه الترمذي والنسائي، (2) وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) التنور: الذي يخبز فيه. النهاية 1/ 199.
(2) أخرجه: الترمذي (1160)، والنسائي في «الكبرى» (8971). وقال الترمذي: «حديث حسن غريب».
(1/112)
285 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1159) وقال: «حديث حسن غريب».
(1/112)
286 - وعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة ماتت، وزوجها عنها راض دخلت الجنة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (1854)، والترمذي (1161) وقال: «حديث حسن غريب» على أن إسناد الحديث ضعيف لجهالة مساور الحميري وأمه.
(1/112)
287 - وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تؤذي امرأة زوجها [ص:113] في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين لا تؤذيه قاتلك الله! فإنما هو عندك دخيل (1) يوشك أن يفارقك إلينا». رواه الترمذي، (2) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) الدخيل: الضيف والنزيل. النهاية 2/ 108.
(2) أخرجه: ابن ماجه (2014)، والترمذي (1174) وقال: «حديث حسن غريب».
(1/112)
288 - وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 11 (5096)، ومسلم 8/ 89 (2740) (97).
(1/113)
36 - باب النفقة على العيال
قال الله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة: 233]، وقال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} [الطلاق: 7]، وقال تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} [سبأ: 39].
(1/113)
289 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 78 (995) (39).
(1/113)
290 - وعن أبي عبد الله، ويقال له: أبو عبد الرحمان ثوبان بن بجدد مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أفضل دينار ينفقه الرجل: دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 78 (994) (38).
(1/113)
291 - وعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، هل لي أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بني؟ فقال: «نعم، لك أجر ما أنفقت عليهم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 86 (5369)، ومسلم 3/ 80 (1001) (47).
(1/113)
292 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في حديثه الطويل الذي قدمناه في أول الكتاب [ص:114] في باب النية: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: «وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (6).
(1/113)
293 - وعن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 21 (55)، ومسلم 3/ 81 (1002) (48).
(1/114)
294 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت» حديث صحيح رواه أبو داود وغيره.
ورواه مسلم في صحيحه بمعناه، قال: «كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته». (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1692)، والنسائي في «الكبرى» (9176)، وأخرج مسلم الحديث الثاني 3/ 78 (996) (40).
(1/114)
295 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 142 (1442)، ومسلم 3/ 83 (1010) (57).
(1/114)
296 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 139 (1428).
(1/114)
37 - باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد
قال الله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267].
(1/114)
297 - عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان أبو طلحة - رضي الله عنه - أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم [ص:115] يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن الله تعالى أنزل عليك: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب مالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله تعالى، أرجو برها، وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «بخ (1)! ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين»، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه، وبني عمه. متفق عليه. (2)
قوله - صلى الله عليه وسلم: «مال رابح»، روي في الصحيحين «رابح» و «رايح» بالباء الموحدة وبالياء المثناة، أي: رايح عليك نفعه، و «بيرحاء»: حديقة نخل، وروي بكسر الباء وفتحها.
__________
(1) بخ: كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء، وتكرر للمبالغة. النهاية 1/ 101.
(2) أخرجه: البخاري 2/ 148 (1461)، ومسلم 3/ 79 (998) (42).
(1/114)
38 - باب وجوب أمره أهله وأولاده المميزين وسائر من في رعيته بطاعة الله تعالى ونهيهم عن المخالفة وتأديبهم ومنعهم من ارتكاب منهي عنه
قال الله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [طه: 132]، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا} [التحريم: 6].
(1/115)
298 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كخ كخ إرم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة!؟». متفق عليه. (1)
وفي رواية: «أنا لا تحل لنا الصدقة».
وقوله: «كخ كخ» يقال: بإسكان الخاء، ويقال: بكسرها مع التنوين وهي كلمة زجر للصبي عن المستقذرات، وكان الحسن - رضي الله عنه - صبيا.
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 157 (1491)، ومسلم 3/ 117 (1069) (161).
(1/115)
299 - وعن أبي حفص عمر بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد ربيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كنت غلاما في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت يدي تطيش في الصحفة، [ص:116] فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يا غلام، سم الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك» فما زالت تلك طعمتي بعد. متفق عليه. (1)
«وتطيش»: تدور في نواحي الصحفة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 88 (5376)، ومسلم 6/ 109 (2022) (108).
(1/115)
300 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (283).
(1/116)
301 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها، وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع». حديث حسن رواه أبو داود بإسناد حسن. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (495).
(1/116)
302 - وعن أبي ثرية سبرة بن معبد الجهني - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «علموا الصبي الصلاة لسبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر سنين» حديث
حسن رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن». (1)
ولفظ أبي داود: «مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (494)، والترمذي (407).
(1/116)
39 - باب حق الجار والوصية به
قال الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم} [النساء: 36].
(1/116)
303 - وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 12 (6014) و (6015)، ومسلم 8/ 36 (2624) (140) و8/ 37 (2625) (141).
(1/116)
304 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك». رواه مسلم. (1)
وفي رواية له عن أبي ذر، قال: إن خليلي - صلى الله عليه وسلم - أوصاني: «إذا طبخت مرقا فأكثر ماءها، ثم انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف».
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 37 (2625 م) (142) و (143).
(1/117)
305 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن!» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه!». متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه».
«البوائق»: الغوائل والشرور.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 12 عقيب (6016)، ومسلم 1/ 49 (46) (73).
(1/117)
306 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (124).
(1/117)
307 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره»، ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين! والله لأرمين بها بين أكتافكم. متفق عليه. (1)
روي «خشبه» بالإضافة والجمع. وروي «خشبة» بالتنوين على الإفراد. وقوله: ما لي أراكم عنها معرضين: يعني عن هذه السنة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 173 (2463)، ومسلم 5/ 57 (1609) (136).
(1/117)
308 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليسكت». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 39 (6136)، ومسلم 1/ 49 (47) (75).
(1/117)
309 - وعن أبي شريح الخزاعي - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، [ص:118] ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليسكت». رواه مسلم بهذا اللفظ، وروى البخاري بعضه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 13 (6019)، ومسلم 1/ 50 (48) (77).
(1/117)
310 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: «إلى أقربهما منك بابا». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 115 (2259).
(1/118)
311 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1944) وقال: «حديث حسن غريب».
(1/118)
40 - باب بر الوالدين وصلة الأرحام
قال الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب (1) وابن السبيل وما ملكت أيمانكم} [النساء: 36]، وقال تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} [النساء: 1]، وقال تعالى: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} [الرعد: 21]، وقال تعالى: {ووصينا الأنسان بوالديه حسنا} [العنكبوت: 8]، وقال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء: 23 - 24]، وقال تعالى: {ووصينا الأنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك} [لقمان: 14].
__________
(1) الجار ذو القربى: الجار الذي بينك وبينه قرابة. والجار الجنب: الجار الغريب الذي ليس بينك وبينه قرابة. والصاحب بالجنب: الزوجة. قاله ابن الجوزي من بين أقوال أخرى. زاد المسير 2/ 79.
(1/118)
312 - وعن أبي عبد الرحمان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين»، قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 17 (2782)، ومسلم 1/ 62 (85) (137).
(1/118)
313 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا، فيشتريه فيعتقه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 4/ 218 (1510) (25).
(1/119)
314 - وعنه أيضا - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 39 (6138)، ومسلم 1/ 49 (47) (74).
(1/119)
315 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اقرؤوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد: 22 - 23] متفق عليه. (1)
وفي رواية للبخاري: فقال الله تعالى: «من وصلك، وصلته، ومن قطعك، قطعته».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 6 (5987) و8/ 7 (5988)، ومسلم 8/ 7 (2554) (16).
(1/119)
316 - وعنه - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أبوك». متفق عليه. (1)
وفي رواية: يا رسول الله، من أحق بحسن الصحبة؟ قال: «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك أدناك».
«والصحابة» بمعنى: الصحبة. وقوله: «ثم أباك» هكذا هو منصوب بفعل محذوف، [ص:107] أي: ثم بر أباك. وفي رواية: «ثم أبوك»، وهذا واضح.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 2 (5971)، ومسلم 8/ 2 (2548) (1) و (2).
(1/119)
317 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 5 (2551) (9).
(1/119)
318 - وعنه - رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك». رواه مسلم. (1)
«وتسفهم» بضم التاء وكسر السين المهملة وتشديد الفاء، «والمل» بفتح الميم، وتشديد اللام وهو الرماد الحار: أي كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن إليهم، لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه، وإدخالهم الأذى عليه، والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 8 (2558) (22).
(1/120)
319 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه». متفق عليه. (1)
ومعنى «ينسأ له في أثره»، أي: يؤخر له في أجله وعمره.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 73 (2067)، ومسلم 8/ 8 (2557) (21).
(1/120)
320 - وعنه، قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب، فلما نزلت هذه الآية: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى، يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب مالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله تعالى، أرجو برها وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله، حيث أراك الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «بخ! ذلك مال رابح، ذلك مال رابح! وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين»، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. متفق عليه. (1)
وسبق بيان ألفاظه في باب الإنفاق مما يحب.
__________
(1) انظر الحديث (297).
(1/120)
321 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: أقبل رجل إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى. قال: «فهل لك من [ص:121] والديك أحد حي؟» قال: نعم، بل كلاهما. قال: «فتبتغي الأجر من الله تعالى؟» قال: نعم. قال: «فارجع إلى والديك، فأحسن صحبتهما». متفق عليه، وهذا لفظ مسلم. (1)
وفي رواية لهما: جاء رجل فاستأذنه في الجهاد، فقال: «أحي والداك؟»
قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد».
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 71 (3004)، ومسلم 8/ 3 (2549) (5) و (6).
(1/120)
322 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس الواصل بالمكافىء، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها». رواه البخاري. (1)
و «قطعت» بفتح القاف والطاء. و «رحمه» مرفوع.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 7 (5991).
(1/121)
323 - وعن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني، وصله الله، ومن قطعني، قطعه الله». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 7 (5989)، ومسلم 8/ 7 (2555) (17).
(1/121)
324 - وعن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها: أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه، قالت: أشعرت يا رسول الله، أني أعتقت وليدتي؟ قال: «أو فعلت؟» قالت: نعم. قال: «أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 207 (2592)، ومسلم 3/ 79 (999) (44).
(1/121)
325 - وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: «نعم، صلي أمك». متفق عليه. (1)
وقولها: «راغبة» أي: طامعة عندي تسألني شيئا؛ قيل: كانت أمها من النسب، وقيل: من الرضاعة، والصحيح الأول.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 215 (2620)، ومسلم 3/ 81 (1003) (50).
(1/121)
326 - وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن»، قالت: فرجعت إلى عبد الله بن مسعود، فقلت له: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمرنا بالصدقة [ص:122] فأته، فاسأله، فإن كان ذلك يجزىء عني، وإلا صرفتها إلى غيركم. فقال عبد الله: بل ائتيه أنت، فانطلقت، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجتي حاجتها، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ألقيت عليه المهابة، فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزيء الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟، ولا تخبره من نحن، فدخل بلال على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من هما؟» قال: امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أي الزيانب هي؟»، قال: امرأة عبد الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 150 (1466)، ومسلم 3/ 80 (1000) (45).
(1/121)
327 - وعن أبي سفيان صخر بن حرب - رضي الله عنه - في حديثه الطويل في قصة هرقل: أن هرقل قال لأبي سفيان: فماذا يأمركم به؟ يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت: يقول: «اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (56).
(1/122)
328 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط (1)». وفي رواية: «ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا؛ فإن لهم ذمة ورحما» وفي رواية: «فإذا افتتحتموها، فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمة ورحما»، أو قال: «ذمة وصهرا». رواه مسلم. (2)
قال العلماء: «الرحم»: التي لهم كون هاجر أم إسماعيل - صلى الله عليه وسلم - منهم،
«والصهر»: كون مارية أم إبراهيم ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم.
__________
(1) القيراط: جزء من أجزاء الدينار. لسان العرب 11/ 115 (قرط).
(2) أخرجه: مسلم 7/ 190 (2543) (226) و (227).
(1/122)
329 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه الآية: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214] دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا، فاجتمعوا فعم وخص، وقال: «يا بني عبد شمس، يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا [ص:123] أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة، أنقذي نفسك من النار. فإني لا أملك لكم من الله شيئا، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها». رواه مسلم. (1)
قوله - صلى الله عليه وسلم: «ببلالها» هو بفتح الباء الثانية وكسرها، «والبلال»: الماء. ومعنى الحديث: سأصلها، شبه قطيعتها بالحرارة تطفأ بالماء، وهذه تبرد بالصلة.
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 133 (204) (348).
(1/122)
330 - وعن أبي عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جهارا غير سر، يقول: «إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها». متفق عليه، (1) واللفظ للبخاري.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 7 (5990)، ومسلم 1/ 136 (215) (366).
(1/123)
331 - وعن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري - رضي الله عنه: أن رجلا قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «تعبد الله، ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 130 (1396)، ومسلم 1/ 33 (13) (14).
(1/123)
332 - وعن سلمان بن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أفطر أحدكم، فليفطر على تمر؛ فإنه بركة، فإن لم يجد تمرا، فالماء؛ فإنه طهور»، وقال: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (2355)، وابن ماجه (1699) و (1844)، والترمذي (658)، والنسائي في «الكبرى» (3320).
(1/123)
333 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كانت تحتي امرأة، وكنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلقها، فأبيت، فأتى عمر - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «طلقها». رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح». (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5138)، وابن ماجه (2088)، والترمذي (1189).
(1/123)
334 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه: أن رجلا أتاه، قال: إن لي امرأة، وإن أمي تأمرني بطلاقها؟ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت، فأضع ذلك الباب، أو احفظه». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (2098)، والترمذي (1900) وقال: «حديث صحيح».
(1/123)
335 - وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الخالة بمنزلة الأم». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة؛ منها حديث أصحاب الغار (2)، وحديث جريج (3) وقد سبقا، وأحاديث مشهورة في الصحيح حذفتها اختصارا، ومن أهمها حديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - الطويل المشتمل على جمل كثيرة من قواعد الإسلام وآدابه، وسأذكره بتمامه إن شاء الله تعالى في باب الرجاء (4)، قال فيه:
دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة - يعني: في أول النبوة - فقلت له: ما أنت؟
قال: «نبي»، فقلت: وما نبي؟ قال: «أرسلني الله تعالى»، فقلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء ... » وذكر تمام الحديث. والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 241 (2699)، والترمذي (1904) وقال: «حديث صحيح».
(2) انظر الحديث (12).
(3) انظر الحديث (259).
(4) انظر الحديث (438).
(1/124)
41 - باب تحريم العقوق وقطيعة الرحم
قال الله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد: 22 - 23]، وقال تعالى: {والذين ينقضون
عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار} [الرعد: 25]، وقال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} [الإسراء: 23 - 24].
(1/124)
336 - وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» - ثلاثا - قلنا: بلى، يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق [ص:125] الوالدين»، وكان متكئا فجلس، فقال: «ألا وقول الزور وشهادة الزور» فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 225 (2654)، ومسلم 1/ 64 (87) (143).
(1/124)
337 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس». رواه البخاري. (1)
«اليمين الغموس»: التي يحلفها كاذبا عامدا، سميت غموسا؛ لأنها تغمس الحالف في الإثم.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 171 (6675).
(1/125)
338 - وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من الكبائر شتم الرجل والديه!»، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: «نعم، يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه». متفق عليه. (1)
وفي رواية: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه!»، قيل: يا رسول الله، كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: «يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 3 (5973)، ومسلم 1/ 64 (90) (146).
(1/125)
339 - وعن أبي محمد جبير بن مطعم - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يدخل الجنة قاطع» قال سفيان في روايته: يعني: قاطع رحم. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 6 (5984)، ومسلم 8/ 7 (2556) (18).
(1/125)
340 - وعن أبي عيسى المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى حرم عليكم: عقوق الأمهات، ومنعا وهات، ووأد البنات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال». متفق عليه (1).
قوله: «منعا» معناه: منع ما وجب عليه، و «هات»: طلب ما ليس له. و «وأد البنات» معناه: دفنهن في الحياة، و «قيل وقال» معناه: الحديث بكل ما يسمعه، فيقول: قيل كذا، وقال فلان كذا مما لا يعلم صحته، ولا يظنها، وكفى بالمرء كذبا [ص:126] أن يحدث بكل ما سمع. و «إضاعة المال»: تبذيره وصرفه في غير الوجوه المأذون فيها من مقاصد الآخرة والدنيا، وترك حفظه مع إمكان الحفظ. و «كثرة السؤال»: الإلحاح فيما لا حاجة إليه.
وفي الباب أحاديث سبقت في الباب قبله كحديث: «وأقطع من قطعك»، وحديث: «من قطعني قطعه الله» (2).
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 4 (5975)، ومسلم 5/ 130 (593) (12).
(2) انظر الحديثين (315) و (323).
(1/125)
42 - باب فضل بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه
341 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه». (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 6 (2552) (12).
(1/126)
342 - وعن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، قال ابن دينار: فقلنا له: أصلحك الله، إنهم الأعراب وهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان ودا لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه». (1)
وفي رواية عن ابن دينار، عن ابن عمر: أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه إذا مل ركوب الراحلة، وعمامة يشد بها رأسه، فبينا هو يوما على ذلك الحمار إذ مر به أعرابي، فقال: ألست فلان بن فلان؟ قال: بلى. فأعطاه الحمار، فقال: اركب هذا، وأعطاه العمامة وقال: اشدد بها رأسك، فقال له بعض أصحابه: غفر الله لك أعطيت هذا الأعرابي حمارا كنت تروح عليه، وعمامة كنت تشد بها رأسك؟ فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي» وإن أباه كان صديقا لعمر - رضي الله عنه.
روى هذه الروايات كلها مسلم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 6 (2552) (11) و (13).
(1/126)
343 - وعن أبي أسيد - بضم الهمزة وفتح السين - مالك بن ربيعة الساعدي - رضي الله عنه - قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل من بني سلمة،
فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: «نعم، الصلاة (1) عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما». رواه أبو داود. (2)
__________
(1) أي الدعاء لهما. النهاية 3/ 50.
(2) أخرجه: أبو داود (5142)، وابن ماجه (3664)، وإسناده ضعيف لجهالة أحد رواته.
(1/127)
344 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة رضي الله عنها، وما رأيتها قط، ولكن كان يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا إلا خديجة! فيقول: «إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد». متفق عليه. (1)
وفي رواية: وإن كان ليذبح الشاء، فيهدي في خلائلها (2) منها ما يسعهن.
وفي رواية: كان إذا ذبح الشاة، يقول: «أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة».
وفي رواية: قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرف استئذان خديجة، فارتاح لذلك، فقال: «اللهم هالة بنت خويلد».
قولها: «فارتاح» هو بالحاء، وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي (3): «فارتاع» بالعين ومعناه: اهتم به.
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 48 (3818) و (3821)، ومسلم 7/ 134 (2435) (74) و (75) و (2437) (78).
(2) أي صدائقها. دليل الفالحين 3/ 252.
(3) الحديث (3223).
(1/127)
345 - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - في سفر، فكان يخدمني، فقلت له: لا تفعل، فقال: إني قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا آليت على نفسي أن لا أصحب أحدا منهم إلا خدمته. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 42 (2888)، ومسلم 7/ 176 (2513) (181).
(1/127)
43 - باب إكرام أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيان فضلهم
قال الله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [الأحزاب: 33]، وقال تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [الحج: 32].
(1/128)
346 - وعن يزيد بن حيان، قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة، وعمرو ابن مسلم إلى زيد بن أرقم - رضي الله عنهم - فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا ابن أخي، والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما حدثتكم، فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه. ثم قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: «أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به»، فحث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. رواه مسلم. (1)
وفي رواية: «ألا وإني تارك فيكم ثقلين: أحدهما كتاب الله وهو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة».
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 122 (2408) (36) و (37).
(1/128)
347 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - موقوفا عليه - أنه قال: ارقبوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - في أهل بيته. رواه البخاري. (1)
معنى «ارقبوه»: راعوه واحترموه وأكرموه، والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 26 (3713).
(1/128)
44 - باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم
قال الله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} [الزمر: 9].
(1/129)
348 - وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سنا، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه». رواه مسلم. (1)
وفي رواية له: «فأقدمهم سلما» بدل «سنا»: أي إسلاما. وفي رواية: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءتهم سواء فيؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فليؤمهم أكبرهم سنا».
والمراد «بسلطانه»: محل ولايته، أو الموضع الذي يختص به «وتكرمته» بفتح التاء وكسر الراء: وهي ما ينفرد به من فراش وسرير ونحوهما.
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 133 (673) (290) و (291).
(1/129)
349 - وعنه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: «استووا ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم». رواه مسلم. (1)
وقوله - صلى الله عليه وسلم: «ليلني» هو بتخفيف النون وليس قبلها ياء، وروي بتشديد النون مع ياء قبلها. «والنهى»: العقول. «وأولوا الأحلام»: هم البالغون، وقيل: أهل الحلم والفضل.
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 30 (432) (122).
(1/129)
350 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم» ثلاثا «وإياكم وهيشات (1) الأسواق». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 2/ 333 (342): «أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها».
(2) أخرجه: مسلم 2/ 30 (432 م) (123).
(1/129)
351 - وعن أبي يحيى، وقيل: أبي محمد سهل بن أبي حثمة - بفتح الحاء المهملة وإسكان الثاء المثلثة - الأنصاري - رضي الله عنه - قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله ابن سهل وهو يتشحط (1) في دمه قتيلا، فدفنه، ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمان ابن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال: «كبر كبر» وهو أحدث القوم، فسكت، فتكلما، فقال: «أتحلفون وتستحقون قاتلكم؟ ... » وذكر تمام الحديث. متفق عليه. (2)
وقوله - صلى الله عليه وسلم: «كبر كبر» معناه: يتكلم الأكبر.
__________
(1) أي يتخبط فيه ويضطرب ويتمرغ. النهاية 2/ 449.
(2) أخرجه: البخاري 4/ 123 (3173)، ومسلم 5/ 98 (1669) (1).
(1/130)
352 - وعن جابر - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد يعني في القبر، ثم يقول: «أيهما أكثر أخذا للقرآن؟» فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 114 (1343).
(1/130)
353 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أراني في المنام أتسوك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر، فقيل لي: كبر، فدفعته إلى الأكبر منهما». رواه مسلم مسندا والبخاري تعليقا. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 57 (2271) (19)، وعلقه البخاري 1/ 70 (246).
(1/130)
354 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن من إجلال الله تعالى: إكرام ذي الشيبة (1) المسلم، وحامل القرآن غير الغالي (2) فيه، والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط (3)» حديث حسن رواه أبو داود. (4)
__________
(1) أي المسلم الذي شاب شعره. دليل الفالحين 3/ 278.
(2) أي المتجاوز الحد في التشدد والعمل. دليل الفالحين 3/ 278.
(3) أي العادل. النهاية 4/ 60.
(4) أخرجه: أبو داود (4843).
(1/130)
355 - وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا». حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». (1)
وفي رواية أبي داود: «حق كبيرنا».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4943)، والترمذي (1920).
(1/131)
356 - وعن ميمون بن أبي شبيب رحمه الله: أن عائشة رضي الله عنها مر بها سائل، فأعطته كسرة، ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة، فأقعدته، فأكل، فقيل لها في ذلك؟ فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أنزلوا الناس منازلهم». رواه أبو داود (1). لكن قال: ميمون لم يدرك عائشة. وقد ذكره مسلم في أول صحيحه تعليقا فقال: وذكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننزل الناس منازلهم، وذكره الحاكم أبو عبد الله في كتابه «معرفة علوم الحديث» وقال: «هو حديث صحيح».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4842)، وذكره مسلم في مقدمة صحيحه 1/ 5،
والحاكم في معرفة علوم الحديث: 217، وهو ضعيف غير صحيح، وانظر تعليقي على معرفة أنواع علم الحديث: 410 - 411، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 173.
(1/131)
357 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم عيينة بن حصن، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر - رضي الله عنه - وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته، كهولا كانوا أو شبانا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، فاستأذن له، فأذن له عمر - رضي الله عنه - فلما دخل قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر - رضي الله عنه - حتى هم أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله تعالى. رواه البخاري. (1)
__________
(1) انظر الحديث (50).
(1/131)
358 - وعن أبي سعيد سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: لقد كنت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلاما، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالا هم أسن مني. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 111 (1331)، ومسلم 3/ 60 (964) (88). ورواية البخاري مختصرة.
(1/131)
359 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض (1) الله له من يكرمه عند سنه». رواه الترمذي، (2) وقال: «حديث غريب».
__________
(1) أي سبب وقدر. النهاية 4/ 132.
(2) أخرجه: الترمذي (2022)، وقوله: «غريب» أي ضعيف وضعفه بسبب ضعف يزيد بن بيان وشيخه أبي الرحال الأنصاري.
(1/132)
45 - باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة
قال الله تعالى: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} إلى قوله تعالى: {قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} [الكهف: 60 - 66]، وقال تعالى: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} [الكهف: 28].
(1/132)
360 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا إلى أم أيمن - رضي الله عنها - نزورها كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها، فلما انتهيا إليها، بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 144 (2454) (103).
(1/132)
361 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم: «أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها عليه؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه». رواه مسلم. (1)
يقال: «أرصده» لكذا: إذا وكله بحفظه، و «المدرجة» بفتح الميم والراء: الطريق، ومعنى «تربها»: تقوم بها، وتسعى في صلاحها.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 12 (2567) (38).
(1/132)
362 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من عاد مريضا أو زار أخا له في الله، ناداه مناد: بأن طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن»، وفي بعض النسخ: «غريب».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (1443)، والترمذي (2008) وقال: «حديث غريب»، وذلك لضعف أبي سنان عيسى بن سنان.
(1/133)
363 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنة». متفق عليه. (1)
(يحذيك): يعطيك.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 125 (5534)، ومسلم 8/ 37 (2628) (146).
(1/133)
364 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك». متفق عليه. (1)
ومعناه: أن الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع، فاحرص أنت على ذات الدين، واظفر بها، واحرص على صحبتها.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 9 (5090)، ومسلم 4/ 175 (1466) (53).
(1/133)
365 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل: «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟» فنزلت: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك} [مريم: 64]. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 137 (3218).
(1/133)
366 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي». رواه أبو داود والترمذي بإسناد لا بأس به. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4832)، والترمذي (2395) وقال: «حديث حسن».
(1/133)
367 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل». رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح، (1) وقال الترمذي: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4833)، والترمذي (2378) وقال: «حديث حسن غريب».
(1/133)
368 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المرء مع من أحب». متفق عليه. (1)
وفي رواية: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال: «المرء مع من أحب».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 49 (6170)، ومسلم 8/ 43 (2641).
(1/134)
369 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن أعرابيا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما أعددت لها؟» قال: حب الله ورسوله، قال: «أنت مع من أحببت». متفق عليه (1)، وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية لهما: ما أعددت لها من كثير صوم، ولا صلاة، ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله.
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 14 (3688) و8/ 49 (6171)، ومسلم 8/ 42 (2639) (161) و (164).
(1/134)
370 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قوما ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «المرء مع من أحب». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 49 (6169)، ومسلم 8/ 43 (2640) (165).
(1/134)
371 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف». رواه مسلم. (1)
وروى البخاري قوله: «الأرواح ... » إلخ من رواية عائشة رضي الله عنها.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 41 (2638) (160).
وأخرج: البخاري 4/ 162 (3336) اللفظة الثانية من رواية عائشة «رضي الله عنها» معلقا.
(1/134)
372 - وعن أسير بن عمرو، ويقال: ابن جابر وهو - بضم الهمزة وفتح السين المهملة - قال: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: [ص:135] أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس - رضي الله عنه - فقال له: أنت أويس ابن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم. قال: فكان بك برص، فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم. قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد، ثم من قرن كان به برص، فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» فاستغفر لي فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي، فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس، فقال: تركته رث (1) البيت قليل المتاع، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد من أهل اليمن من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل» فأتى أويسا، فقال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي. قال: لقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له، ففطن له الناس، فانطلق على وجهه. رواه مسلم. (2)
وفي رواية لمسلم أيضا عن أسير بن جابر - رضي الله عنه: أن أهل الكوفة وفدوا على عمر - رضي الله عنه - وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس، فقال عمر: هل هاهنا أحد من القرنيين؟ فجاء ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال: «إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له: أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض فدعا الله تعالى، فأذهبه إلا موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم، فليستغفر لكم».
وفي رواية له: عن عمر - رضي الله عنه - قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن خير التابعين رجل يقال له: أويس، وله والدة وكان به بياض، فمروه، فليستغفر لكم».
قوله: «غبراء الناس» بفتح الغين المعجمة، وإسكان الباء وبالمد: وهم فقراؤهم وصعاليكهم ومن لا يعرف عينه من أخلاطهم «والأمداد» جمع مدد: وهم الأعوان والناصرون الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/ 275 (2542): «أي حقارة المتاع وضيق العيش».
(2) أخرجه: مسلم 7/ 188 (2542) (223) و189 (2542) (224) و (225).
(1/135)
373 - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرة، فأذن لي، وقال: «لا تنسنا يا أخي من دعائك» فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا.
وفي رواية: وقال: «أشركنا يا أخي في دعائك».
حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح». (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1498)، وابن ماجه (2894)، والترمذي (3562)، وفي الإسناد عاصم بن عبيد الله ضعيف.
(1/136)
374 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور قباء راكبا وماشيا، فيصلي فيه ركعتين. متفق عليه. (1)
وفي رواية: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي مسجد قباء كل سبت راكبا، وماشيا وكان ابن عمر يفعله.
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 77 (1193) و (1194)، ومسلم 4/ 127 (1399) (516) و (521).
(1/136)
46 - باب فضل الحب في الله والحث عليه وإعلام الرجل من يحبه، أنه يحبه، وماذا يقول له إذا أعلمه
قال الله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29] إلى آخر السورة، وقال تعالى: {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم} [الحشر: 9].
(1/136)
375 - وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 10 (16)، ومسلم 1/ 48 (43) (67).
(1/136)
376 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله - عز وجل - ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال، [ص:137] فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 138 (1423)، ومسلم 3/ 93 (1031) (91).
(1/136)
377 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 12 (2566) (37).
(1/137)
378 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 53 (54) (94).
(1/137)
379 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم: «أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكا ... » وذكر الحديث إلى قوله: «إن الله قد أحبك كما أحببته فيه». رواه مسلم، وقد سبق بالباب قبله. (1)
__________
(1) انظر الحديث (361).
(1/137)
380 - وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الأنصار: «لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 39 (3783)، ومسلم 1/ 60 (75) (129).
(1/137)
381 - وعن معاذ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله - عز وجل: المتحابون في جلالي، لهم منابر من نور يغبطهم (1) النبيون والشهداء». رواه الترمذي، (2) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أي تمني مثل ما للغير من الخير من غير زواله عن صاحبه. دليل الفالحين 3/ 335.
(2) أخرجه: الترمذي (2390).
(1/137)
382 - وعن أبي إدريس الخولاني رحمه الله، قال: دخلت مسجد دمشق، فإذا فتى براق الثنايا (1) وإذا الناس معه، فإذا اختلفوا في شيء، أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، [ص:138] فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل - رضي الله عنه. فلما كان من الغد، هجرت، فوجدته قد سبقني بالتهجير، ووجدته يصلي، فانتظرته حتى قضى صلاته، ثم جئته من قبل وجهه، فسلمت عليه، ثم قلت: والله إني لأحبك لله، فقال: آلله؟ فقلت: الله، فقال: آلله؟ فقلت: الله، فأخذني بحبوة ردائي، فجبذني إليه، فقال: أبشر! فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين (2) في». حديث صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح. (3)
قوله: «هجرت» أي بكرت، وهو بتشديد الجيم قوله: «آلله فقلت: الله» الأول بهمزة ممدودة للاستفهام، والثاني بلا مد.
__________
(1) أي وصف ثناياه بالحسن والصفاء وأنها تلمع إذا تبسم كالبرق وأراد صفة وجهه بالبشر والطلاقة. النهاية 1/ 120.
(2) أي الذين يبذلون أنفسهم في مرضاتي. دليل الفالحين 3/ 338.
(3) أخرجه: مالك في «الموطأ» (2744) برواية الليثي.
(1/137)
383 - وعن أبي كريمة المقداد (1) بن معد يكرب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أحب الرجل أخاه، فليخبره أنه يحبه». رواه أبو داود والترمذي، (2) وقال: «حديث صحيح».
__________
(1) الصواب: «المقدام» كما في مصادر التخريج وتحفة الأشراف 8/ 212 (11552)، وتهذيب الكمال 7/ 215 (6759)، وكما سيأتي في الحديث (515) و (542).
(2) - أخرجه: أبو داود (5124)، والترمذي (2392)، والنسائي في «الكبرى» (10034)، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح غريب».
(1/138)
384 - وعن معاذ - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده، وقال: «يا معاذ، والله، إني لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ، لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك». حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1522)، والنسائي 3/ 53.
(1/138)
385 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن رجلا كان عند النبي، - صلى الله عليه وسلم - فمر رجل به، فقال: يا رسول الله، أني لأحب هذا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم: «أأعلمته؟» قال: لا. قال: «أعلمه»، فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له. رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (5125)، والنسائي في «الكبرى» (10010).
(1/138)
47 - باب علامات حب الله تعالى للعبد والحث على التخلق بها والسعي في تحصيلها
قال الله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} [آل عمران: 31]، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} [المائدة: 54].
(1/139)
386 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش (1) بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه». رواه البخاري. (2)
معنى «آذنته»: أعلمته بأني محارب له. وقوله: «استعاذني» روي بالباء وروي بالنون.
__________
(1) أي الأخذ القوي الشديد. النهاية 1/ 135.
(2) انظر الحديث (95).
(1/139)
387 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أحب الله تعالى العبد، نادى
جبريل: إن الله تعالى يحب فلانا، فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا، فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض». متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه. فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض».
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 135 (3209)، ومسلم 8/ 40 (2637) (157).
(1/139)
388 - وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلا على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ {قل هو الله أحد}، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «سلوه، لأي شيء يصنع ذلك؟»، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أخبروه أن الله تعالى يحبه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 140 (7375)، ومسلم 2/ 200 (813) (263).
(1/140)
48 - باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} [الأحزاب: 58]، وقال تعالى: {فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر} [الضحى: 9 - 10].
(1/140)
وأما الأحاديث، فكثيرة منها:
حديث (1) أبي هريرة - رضي الله عنه - في الباب قبل هذا: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب».
ومنها حديث (2) سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - السابق في باب ملاطفة اليتيم، وقوله (3) صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك».
__________
(1) انظر الحديث (386).
(2) انظر الحديث (260).
(3) انظر الحديث (261).
(1/140)
389 - وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة الصبح، فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (232).
(1/140)
49 - باب إجراء أحكام الناس على الظاهر وسرائرهم إلى الله تعالى
قال الله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة: 5].
(1/140)
390 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 12 (25)، ومسلم 1/ 39 (22) (36).
(1/141)
391 - وعن أبي عبد الله طارق بن أشيم - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله تعالى». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 39 (23) (37).
(1/141)
392 - وعن أبي معبد المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار، فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف، فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال: «لا تقتله» فقلت: يا رسول الله، قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعد ما قطعها؟! فقال: «لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال». متفق عليه. (1)
ومعنى «أنه بمنزلتك» أي: معصوم الدم محكوم بإسلامه. ومعنى «أنك بمنزلته» أي: مباح الدم بالقصاص لورثته لا أنه بمنزلته في الكفر، والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 109 (4019)، ومسلم 1/ 66 (95) (155).
(1/141)
393 - وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم على مياههم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه، قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا المدينة، بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: «يا أسامة، أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟!» قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذا، فقال: «أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟!» فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. متفق عليه. (1) [ص:142]
وفي رواية: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أقال: لا إله إلا الله وقتلته؟!» قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!» فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.
«الحرقة» بضم الحاء المهملة وفتح الراء: بطن من جهينة: القبيلة المعروفة. وقوله: «متعوذا»: أي معتصما بها من القتل لا معتقدا لها.
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 4 (6872)، ومسلم 1/ 67 (96) (158) و68 (96) (159).
(1/141)
394 - وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين، وأنهم التقوا، فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، وأن رجلا من المسلمين قصد غفلته. وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف، قال: لا إله إلا الله، فقتله، فجاء البشير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله وأخبره، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله، فقال: «لم قتلته؟» فقال: يا رسول الله، أوجع في المسلمين، وقتل فلانا وفلانا، وسمى له نفرا، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف، قال: لا إله إلا الله. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أقتلته؟» قال: نعم. قال: «فكيف تصنع بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة؟» قال: يا رسول الله، استغفر لي. قال: «وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟» فجعل لا يزيد على أن يقول: «كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 68 (97) (160).
(1/142)
395 - وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود، قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: إن ناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال: إن سريرته حسنة. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 221 (2641).
(1/142)
50 - باب الخوف
قال الله تعالى: {وإياي فارهبون} [البقرة: 40]، وقال تعالى: {إن بطش ربك لشديد} [البروج: 12]، وقال تعالى: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم [ص:143] مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} [هود: 102 - 106]، وقال تعالى: {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 28]، وقال تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} [عبس: 34 - 37]، وقال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} [الحج: 1 - 2]، وقال تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمان: 46]، وقال تعالى: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين، فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} [الطور: 25 - 28]
والآيات في الباب كثيرة جدا معلومات، والغرض الإشارة إلى بعضها وقد حصل:
(1/142)
وأما الأحاديث فكثيرة جدا فنذكر منها طرفا وبالله التوفيق:
396 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد. فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 165 (7454)، ومسلم 8/ 44 (2643) (1).
(1/143)
397 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 149 (2842) (29).
(1/143)
398 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أهون [ص:144] أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه. ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا، وأنه لأهونهم عذابا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 144 (6562)، ومسلم 1/ 135 (213) (363) و (364).
(1/143)
399 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه: أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته». رواه مسلم. (1)
«الحجزة»: معقد الإزار تحت السرة، و «الترقوة» بفتح التاء وضم القاف: هي العظم الذي عند ثغرة النحر، وللإنسان ترقوتان في جانبي النحر.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 150 (2845) (33).
(1/144)
400 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه». متفق عليه. (1)
و «الرشح»: العرق.
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 207 (4938)، ومسلم 8/ 157 (2862) (60).
(1/144)
401 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: «لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا». فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم، ولهم خنين. متفق عليه. (1)
وفي رواية: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أصحابه شيء فخطب، فقال: «عرضت علي الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا». فما أتى على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أشد منه، غطوا رؤسهم ولهم خنين.
«الخنين» بالخاء المعجمة: هو البكاء مع غنة وانتشاق الصوت من الأنف.
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 68 (4621)، ومسلم 7/ 92 (2359) (134).
(1/144)
402 - وعن المقداد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل». قال سليم بن عامر الراوي عن المقداد: فوالله ما أدري ما يعني بالميل، أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به [ص:145] العين؟ قال: «فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه (1)، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما». قال: وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى فيه. رواه مسلم. (2)
__________
(1) أي معقد الإزار. النهاية 1/ 417.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 158 (2864) (62).
(1/144)
403 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم». متفق عليه. (1)
ومعنى «يذهب في الأرض»: ينزل ويغوص.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 138 (6532)، ومسلم 8/ 158 (2863) (61).
(1/145)
404 - وعنه، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع وجبة (1)، فقال: «هل تدرون ما هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها فسمعتم وجبتها». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/ 154 عقيب (2845): «معناها السقطة».
(2) أخرجه: مسلم 8/ 150 (2844).
(1/145)
405 - وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (139).
(1/145)
406 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله تعالى. والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى». رواه الترمذي (1)، وقال: «حديث حسن».
و «أطت» بفتح الهمزة وتشديد الطاء و «تئط» بفتح التاء وبعدها همزة مكسورة، والأطيط: صوت الرحل والقتب وشبههما، ومعناه: أن كثرة من في السماء [ص:146] من الملائكة العابدين قد أثقلتها حتى أطت. و «الصعدات» بضم الصاد والعين: الطرقات: ومعنى: «تجأرون»: تستغيثون.
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (4190)، والترمذي (2312) وقال: «حديث حسن غريب».
(1/145)
407 - وعن أبي برزة - براء ثم زاي - نضلة بن عبيد الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2417).
(1/146)
408 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم: {يومئذ تحدث أخبارها} [الزلزلة: 4] ثم قال: «أتدرون ما أخبارها»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، تقول: عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2429)، والنسائي في «الكبرى» (11693) وقال الترمذي عنه: «حديث حسن غريب صحيح» على أن سند الحديث ضعيف.
(1/146)
409 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «كيف أنعم! وصاحب القرن قد التقم القرن، واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ»، فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
«القرن»: هو الصور الذي قال الله تعالى: {ونفخ في الصور} [الكهف: 99]، كذا فسره رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2431).
(1/146)
410 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل. ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
و «أدلج»: بإسكان الدال ومعناه سار من أول الليل. والمراد التشمير في الطاعة، والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2450) وقال: «حديث حسن غريب».
(1/146)
411 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا». قلت: يا رسول الله، الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال: «يا عائشة، الأمر أشد من أن يهمهم ذلك».
وفي رواية: «الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض». متفق عليه. (1)
«غرلا» بضم الغين المعجمة، أي: غير مختونين.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 136 (6527)، ومسلم 8/ 156 (2859) (56).
(1/147)
51 - باب الرجاء
قال الله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر: 53]، وقال تعالى: {وهل نجازي إلا الكفور} [سبأ: 17]، وقال تعالى: {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} [طه: 48]، وقال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء} [الأعراف: 156].
(1/147)
412 - وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل». متفق عليه. (1)
وفي رواية لمسلم: «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، حرم الله عليه النار».
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 201 (3435)، ومسلم 1/ 42 (28) (46) و (29) (47).
(1/147)
413 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «يقول الله - عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها أو أغفر. ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا، لقيته بمثلها مغفرة». رواه مسلم. (1) [ص:148]
معنى الحديث: «من تقرب» إلي بطاعتي «تقربت» إليه برحمتي وإن زاد زدت «فإن أتاني يمشي» وأسرع في طاعتي «أتيته هرولة» أي: صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود «وقراب الأرض» بضم القاف، ويقال: بكسرها والضم أصح وأشهر ومعناه: ما يقارب ملأها، والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 67 (2687) (22).
(1/147)
414 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ما الموجبتان (1)؟ قال: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك به شيئا دخل النار». رواه مسلم. (2)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 1/ 299 عقيب (94): «معناه الخصلة الموجبة للجنة، والخصلة الموجبة للنار».
(2) أخرجه: مسلم 1/ 65 (93) (151).
(1/148)
415 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل، قال: «يا معاذ» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: «يا معاذ» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: «يا معاذ» قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثلاثا، قال: «ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار» قال: يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: «إذا يتكلوا» فأخبر بها معاذ عند موته تأثما. متفق عليه. (1)
وقوله: «تأثما» أي خوفا من الإثم في كتم هذا العلم.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 44 (128)، ومسلم 1/ 45 (32) (53).
(1/148)
416 - وعن أبي هريرة - أو أبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما - شك الراوي - ولا يضر الشك في عين الصحابي؛ لأنهم كلهم عدول - قال: لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا (1) فأكلنا وادهنا (2)؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «افعلوا» فجاء عمر - رضي الله عنه - فقال: يا رسول الله، إن فعلت قل الظهر، [ص:149] ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع الله لهم عليها بالبركة، لعل الله أن يجعل في ذلك البركة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «نعم» فدعا بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ويجيء بكف تمر ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبركة، ثم قال: «خذوا في أوعيتكم» فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه وأكلوا حتى شبعوا وفضل فضلة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة». رواه مسلم. (3)
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 1/ 204 (33): «أي الإبل التي يسقى عليها».
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 1/ 204 (33): «ليس مقصوده ما هو معروف من الأدهان وإنما معناه: اتخذنا دهنا من شحومها».
(3) أخرجه: مسلم 1/ 42 (27) (45).
(1/148)
417 - وعن عتبان بن مالك - رضي الله عنه - وهو ممن شهد بدرا، قال: كنت أصلي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار، فيشق علي اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له: إني أنكرت بصري وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه فوددت أنك تأتي فتصلي في بيتي مكانا أتخذه مصلى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «سأفعل» فغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - رضي الله عنه - بعد ما اشتد النهار، واستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذنت له، فلم يجلس حتى قال: «أين تحب أن أصلي من بيتك؟» فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكبر وصففنا وراءه فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا حين سلم فحبسته على خزيرة تصنع له، فسمع أهل الدار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي فثاب رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك لا أراه! فقال رجل: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تقل ذلك، ألا تراه قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله تعالى» فقال: الله ورسوله أعلم أما نحن فوالله ما نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله». متفق عليه. (1)
و «عتبان»: بكسر العين المهملة وإسكان التاء المثناة فوق وبعدها باء
موحدة. و «الخزيرة» بالخاء المعجمة والزاي: هي دقيق يطبخ بشحم. وقوله:
«ثاب رجال» بالثاء المثلثة: أي جاؤوا واجتمعوا.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 115 (425)، ومسلم 2/ 126 (33) (263).
(1/149)
418 - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى، إذ وجدت صبيا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟» قلنا: لا والله. فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 9 (5999)، ومسلم 8/ 97 (2754) (22).
(1/150)
419 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي».
وفي رواية: «غلبت غضبي» وفي رواية: «سبقت غضبي». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 129 (3194) و9/ 147 (7404) و9/ 153 (7422)، ومسلم 8/ 95 (2751) (14) و (15).
(1/150)
420 - وعنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه».
وفي رواية: «إن لله تعالى مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تعالى تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة». متفق عليه. (1)
ورواه مسلم أيضا من رواية سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى مئة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق بينهم، وتسع وتسعون ليوم القيامة».
وفي رواية: «إن الله تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مئة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء إلى الأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 9 (6000)، ومسلم 8/ 96 (2752) (17) و (19) و (2753) (20) و (21)
(1/150)
421 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربه تبارك وتعالى، قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم [ص:151] أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا، يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء». متفق عليه. (1)
وقوله تعالى: «فليفعل ما شاء» أي: ما دام يفعل هكذا، يذنب ويتوب أغفر له، فإن التوبة تهدم ما قبلها.
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 178 (7507)، ومسلم 8/ 99 (2758) (29).
(1/150)
422 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 94 (2749) (11).
(1/151)
423 - وعن أبي أيوب خالد بن زيد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لولا أنكم تذنبون، لخلق الله خلقا يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 94 (2748) (9).
(1/151)
424 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا قعودا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، في نفر فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا، فأبطأ علينا فخشينا أن يقتطع دوننا، ففزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتيت حائطا للأنصار ... وذكر الحديث بطوله إلى قوله: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اذهب فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 44 (31) (52).
(1/151)
425 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله - عز وجل - في إبراهيم - صلى الله عليه وسلم: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني} [إبراهيم: 36] الآية، وقول عيسى - صلى الله عليه وسلم: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 118] فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي» وبكى، فقال الله - عز وجل: «يا جبريل، اذهب إلى محمد -وربك أعلم - فسله ما يبكيه؟» فأتاه جبريل، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال - وهو أعلم - فقال الله تعالى: «يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 1/ 132 (202) (346).
(1/151)
426 - وعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار، فقال: «يا معاذ، هل تدري ما حق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا» فقلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 35 (2856)، ومسلم 1/ 43 (30) (49).
(1/152)
427 - وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم: 27]». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 100 (4699)، ومسلم 8/ 162 (2871) (73).
(1/152)
428 - وعن أنس - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الكافر إذا عمل حسنة، أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله تعالى يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته».
وفي رواية: «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله تعالى في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم يكن له حسنة يجزى بها». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 135 (2808) (56) و (57).
(1/152)
429 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غمر على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات». رواه مسلم. (1)
«الغمر»: الكثير.
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 132 (668) (284).
(1/152)
430 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا، إلا شفعهم الله فيه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 53 (948) (59).
(1/152)
431 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبة (1) نحوا من أربعين، فقال: «أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟» قلنا: نعم. قال: «أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟» قلنا: نعم، قال: «والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر». متفق عليه. (2)
__________
(1) أي بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب. النهاية 4/ 3.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 136 (6528)، ومسلم 1/ 138 (221) (377).
(1/153)
432 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا، فيقول: هذا فكاكك من النار».
وفي رواية عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال يغفرها الله لهم». رواه مسلم (1).
قوله: «دفع إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا، فيقول: هذا فكاكك من النار» معناه ما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه: «لكل أحد منزل في الجنة، ومنزل في النار، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار؛ لأنه مستحق لذلك بكفره» ومعنى «فكاكك»: أنك كنت معرضا لدخول النار، وهذا فكاكك؛ لأن الله تعالى، قدر للنار عددا يملؤها، فإذا دخلها الكفار بذنوبهم وكفرهم، صاروا في معنى الفكاك للمسلمين، والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 104 (2767) (49) و (51).
(1/153)
433 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقرره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته». متفق عليه. (1)
«كنفه»: ستره ورحمته.
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 93 (4685)، ومسلم 8/ 105 (2768) (52).
(1/153)
434 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه: أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فأنزل الله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود: 114] فقال الرجل: ألي هذا يا رسول الله؟ قال: «لجميع أمتي كلهم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 140 (526)، ومسلم 8/ 101 (2763) (39).
(1/154)
435 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أصبت حدا، فأقمه علي، وحضرت الصلاة، فصلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى الصلاة، قال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله. قال: «هل حضرت معنا الصلاة»؟ قال: نعم. قال: «قد غفر لك». متفق عليه. (1)
وقوله: «أصبت حدا» معناه: معصية توجب التعزير، وليس المراد الحد الشرعي الحقيقي كحد الزنا والخمر وغيرهما، فإن هذه الحدود لا تسقط بالصلاة، ولا يجوز للإمام تركها.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 206 (6823)، ومسلم 8/ 102 (2764) (44).
(1/154)
436 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشربة، فيحمده عليها». رواه مسلم. (1)
«الأكلة»: بفتح الهمزة وهي المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة، والله أعلم.
__________
(1) انظر الحديث (140).
(1/154)
437 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (16).
(1/154)
438 - وعن أبي نجيح عمرو بن عبسة - بفتح العين والباء - السلمي - رضي الله عنه - قال: كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا، فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخفيا، جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه
(1/154)
بمكة، فقلت له: ما أنت؟ قال: «أنا نبي» قلت: وما نبي؟ قال: «أرسلني الله» قلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: «أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء»، قلت: فمن معك على هذا؟ قال: «حر وعبد»، ومعه يومئذ أبو بكر وبلال - رضي الله عنهما، قلت: إني متبعك، قال: «إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا، ألا ترى حالي وحال الناس؟ ولكن ارجع إلى أهلك، فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني». قال: فذهبت إلى أهلي، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة حتى قدم نفر من أهلي المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله، فلم يستطيعوا ذلك، فقدمت المدينة، فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال: «نعم، أنت الذي لقيتني بمكة» قال: فقلت: يا رسول الله، أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة؟ قال: «صل صلاة الصبح، ثم اقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة (1) محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم اقصر عن الصلاة، فإنه حينئذ تسجر (2) جهنم، فإذا أقبل الفيء فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم اقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار» قال: فقلت: يا نبي الله، فالوضوء حدثني عنه؟ فقال: «ما منكم رجل يقرب وضوءه، فيتمضمض ويستنشق فيستنثر، إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه، إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين، إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه لله تعالى، إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه».
فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة، انظر ما تقول! في مقام واحد يعطى هذا الرجل؟ فقال عمرو: يا أبا أمامة، لقد كبرت سني، ورق عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن
__________
(1) أي تشهدها الملائكة. النهاية 2/ 513.
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 3/ 302 (832): «معناه: توقد عليها إيقادا بليغا».
(1/155)
أكذب على الله تعالى، ولا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو لم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا - حتى عد سبع مرات - ما حدثت أبدا به، ولكني سمعته أكثر من ذلك. رواه مسلم. (1)
قوله: «جرآء عليه قومه» هو بجيم مضمومة وبالمد على وزن علماء، أي: جاسرون مستطيلون غير هائبين، هذه الرواية المشهورة، ورواه الحميدي (2) وغيره «حراء» بكسر الحاء المهملة، وقال: معناه غضاب ذوو غم وهم، قد عيل صبرهم به، حتى أثر في أجسامهم، من قولهم: حرى جسمه يحرى، إذا نقص من ألم أو غم ونحوه، والصحيح أنه بالجيم.
قوله - صلى الله عليه وسلم: «بين قرني شيطان» أي ناحيتي رأسه والمراد التمثيل، ومعناه: أنه حينئذ يتحرك الشيطان وشيعته، ويتسلطون.
وقوله: «يقرب وضوءه» معناه يحضر الماء الذي يتوضأ به، وقوله: «إلا خرت خطايا» هو بالخاء المعجمة: أي سقطت، ورواه بعضهم «جرت» بالجيم، والصحيح بالخاء وهو رواية الجمهور. وقوله: «فينتثر» أي يستخرج ما في أنفه من أذى والنثرة: طرف الأنف.
__________
(1) أخرجه: مسلم 2/ 208 (832) (294).
(2) الإمام المحدث محمد بن فتوح (ت 488 هـ‍) في كتابه "الجمع بين الصحيحين" (3075).
(1/156)
439 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أراد الله تعالى رحمة أمة، قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة، عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو حي ينظر، فأقر عينه بهلاكها حين كذبوه وعصوا أمره». رواه مسلم (1).
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 65 (2288) (24).
(1/156)
52 - باب فضل الرجاء
قال الله تعالى إخبارا عن العبد الصالح: {وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد * فوقاه الله سيئات ما مكروا} [غافر: 44، 45]
(1/156)
440 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «قال الله - عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله، لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم [ص:157] يجد ضالته (1) بالفلاة، ومن تقرب إلي شبرا، تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا، تقربت إليه باعا، وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول». متفق عليه، (2) وهذا لفظ إحدى روايات مسلم. وتقدم شرحه في الباب قبله. (3)
وروي في الصحيحين: «وأنا معه حين يذكرني» بالنون، وفي هذه الرواية
«حيث» بالثاء وكلاهما صحيح.
__________
(1) أي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان وغيره. النهاية 3/ 98.
(2) أخرجه: البخاري 9/ 147 (7405)، ومسلم 8/ 91 (2675) (1).
(3) انظر الحديث (413) عن أبي ذر.
(1/156)
441 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة أيام، يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله - عز وجل». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 165 (2877) (82).
(1/157)
442 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
«عنان السماء» بفتح العين، قيل: هو ما عن لك منها، أي: ظهر إذا رفعت رأسك، وقيل: هو السحاب. و «قراب الأرض» بضم القاف، وقيل: بكسرها، والضم أصح وأشهر، وهو: ما يقارب ملأها، والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (3540) وقال: «حديث حسن غريب».
(1/157)
53 - باب الجمع بين الخوف والرجاء
اعلم أن المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفا راجيا، ويكون خوفه ورجاؤه سواء، وفي حال المرض يمحض الرجاء، وقواعد الشرع من نصوص الكتاب والسنة وغير ذلك متظاهرة على ذلك.
قال الله تعالى: {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} [الأعراف: 99]، وقال تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87]، وقال تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} [آل عمران: 106]، وقال تعالى: {إن ربك لسريع العقاب [ص:158] وإنه لغفور رحيم} [الأعراف: 166]، وقال تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} [الانفطار: 13 - 14]، وقال تعالى: {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية} [القارعة: 6 - 9] والآيات في هذا المعنى كثيرة. فيجتمع الخوف والرجاء في آيتين مقترنتين أو آيات أو آية.
(1/157)
443 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 97 (2755) (23).
(1/158)
444 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا وضعت الجنازة واحتملها الناس أو الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة، قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة، قالت: يا ويلها! أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 124 (1380).
(1/158)
445 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك». رواه البخاري. (1)
__________
(1) انظر الحديث (105).
(1/158)
54 - باب فضل البكاء من خشية الله تعالى وشوقا إليه
قال الله تعالى: {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} [الإسراء: 109]، وقال تعالى: {أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون} [النجم: 59].
(1/158)
446 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي القرآن» قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل؟! قال: «إني أحب أن أسمعه من غيري» فقرأت عليه سورة النساء، حتى جئت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} [النساء: 41] قال: «حسبك الآن» فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 241 (5050)، ومسلم 2/ 195 (800) (247).
(1/158)
447 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: «لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» قال: فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم، ولهم خنين. متفق عليه. (1) وسبق بيانه في باب الخوف.
__________
(1) انظر الحديث (401).
(1/159)
448 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (2774)، والترمذي (1633). ورواية ابن ماجه اقتصرت على اللفظة الثانية من الحديث.
(1/159)
449 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (376).
(1/159)
450 - وعن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز (1) كأزيز المرجل (2) من البكاء.
حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي في الشمائل بإسناد صحيح. (3)
__________
(1) أي: صوت البكاء وهو أن يجيش جوفه ويغلي بالبكاء. النهاية 1/ 45.
(2) أي: الإناء الذي يغلى فيه الماء. النهاية 4/ 315.
(3) أخرجه: أبو داود (904)، والترمذي في " الشمائل " (322) بتحقيقي، والنسائي في «الكبرى» (545).
(1/159)
451 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بن كعب - رضي الله عنه: «إن الله - عز وجل - أمرني أن أقرأ عليك: {لم يكن الذين كفروا ... } قال: وسماني؟ قال: «نعم» فبكى أبي. متفق عليه. (1)
وفي رواية: فجعل أبي يبكي.
__________
(1) أخرجه: البخاري 5/ 45 (3809)، ومسلم 2/ 195 (799) (245) و (246).
(1/159)
452 - وعنه، قال: قال أبو بكر لعمر، رضي الله عنهما، بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا إلى أم أيمن رضي الله عنها نزورها، كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم! قالت: ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكني أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء؛ فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم، وقد سبق في باب زيارة أهل الخير. (1)
__________
(1) انظر الحديث (360).
(1/160)
453 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه، قيل له في الصلاة، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس» فقالت عائشة رضي الله عنها: إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن غلبه البكاء، فقال: «مروه فليصل».
وفي رواية عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت: إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 173 (682) عن ابن عمر.
وأخرجه: البخاري 1/ 173 (679)، ومسلم 2/ 22 (418) (94) عن عائشة.
(1/160)
454 - وعن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف: أن عبد الرحمان بن عوف - رضي الله عنه - أتي بطعام وكان صائما، فقال: قتل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وهو خير مني، فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة (1) إن غطي بها رأسه بدت رجلاه؛ وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا - قد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام. رواه البخاري. (2)
__________
(1) أي: الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع فيه صور، تلبسه الأعراب. النهاية 1/ 116.
(2) أخرجه: البخاري 2/ 98 (1275).
(1/160)
455 - وعن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس شيء أحب إلى الله تعالى من قطرتين وأثرين: قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم [ص:161] تهراق في سبيل الله. وأما الأثران: فأثر في سبيل الله تعالى، وأثر في فريضة من فرائض الله تعالى». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
وفي الباب أحاديث كثيرة منها:
حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون. وقد سبق في باب النهي عن البدع (2).
__________
(1) أخرجه: الترمذي (1669) وقال: «حديث حسن غريب».
(2) انظر الحديث (157) باب المحافظة على السنة. (في بعض النسخ هذا رقم 456)
(1/160)
55 - باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر
قال الله تعالى: {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون} [يونس: 24]، وقال تعالى: {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} [الكهف: 45 - 46]، وقال تعالى: {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} [الحديد: 20]، وقال تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} [آل عمران: 14]، وقال تعالى: {يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور} [فاطر: 5]، وقال تعالى: {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين} [التكاثر: 1 - 5]، وقال تعالى: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا
يعلمون} [العنكبوت: 64] والآيات في الباب كثيرة مشهورة.
وأما الأحاديث فأكثر من أن تحصر فننبه بطرف منها على ما سواه.
(1/161)
456 - عن عمرو بن عوف الأنصاري - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآهم، ثم قال: «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟» فقالوا: أجل، يا رسول الله، فقال: «أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 117 (3158)، ومسلم 8/ 212 (2961) (6).
(1/162)
457 - وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، وجلسنا حوله، فقال: «إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 149 (1465)، ومسلم 3/ 101 (1052) (123).
(1/162)
458 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (70).
(1/162)
459 - وعن أنس - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 109 (6413)، ومسلم 5/ 188 (1805) (127).
(1/162)
460 - وعنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله: فيرجع اثنان، ويبقى واحد: يرجع أهله وماله ويبقى عمله». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (104).
(1/162)
461 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة (1)، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قط؟ هل مر [ص:163] بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط». رواه مسلم. (2)
__________
(1) أي: يغمس كما يغمس الثوب في الصبغ. النهاية 3/ 10.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 135 (2807) (55).
(1/162)
462 - وعن المستورد بن شداد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم (1)، فلينظر بم يرجع!». رواه مسلم. (2)
__________
(1) أي: البحر. النهاية 5/ 300.
(2) أخرجه: مسلم 8/ 56 (2858) (55).
(1/163)
463 - وعن جابر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بالسوق والناس كنفتيه، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: «أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟» فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ ثم قال: «أتحبون أنه لكم؟» قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا، إنه أسك فكيف وهو ميت! فقال: «فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم». رواه مسلم. (1)
قوله: «كنفتيه» أي: عن جانبيه. و «الأسك»: الصغير الأذن.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 210 (2957) (2).
(1/163)
464 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: كنت أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حرة (1) بالمدينة، فاستقبلنا أحد، فقال: «يا أبا ذر» قلت: لبيك يا رسول الله. فقال: «ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثلاثة أيام وعندي منه دينار، إلا شيء أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا» عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، ثم سار، فقال: «إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا» عن يمينه وعن شماله ومن خلفه «وقليل ماهم». ثم قال لي: «مكانك لا تبرح حتى آتيك» ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى، فسمعت صوتا، قد ارتفع، فتخوفت أن يكون أحد عرض للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأردت أن آتيه فذكرت قوله: «لا تبرح حتى آتيك» فلم أبرح حتى أتاني، فقلت: لقد سمعت صوتا تخوفت منه، فذكرت له، فقال: [ص:164] «وهل سمعته؟» قلت: نعم، قال: «ذاك جبريل أتاني. فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة»، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق». متفق عليه (2)، وهذا لفظ البخاري.
__________
(1) الحرة: كل أرض ذات حجارة سود. مراصد الاطلاع 1/ 394.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 74 (6268)، ومسلم 3/ 75 (94) (32).
(1/163)
465 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو كان لي مثل أحد ذهبا، لسرني أن لا تمر علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 118 (6445)، ومسلم 3/ 74 (991) (31).
(1/164)
466 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم». متفق عليه، (1) وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية البخاري: «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه».
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 128 (6490)، ومسلم 8/ 213 (2963) (8) و (9).
(1/164)
467 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة (1)، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض». رواه البخاري. (2)
__________
(1) القطيفة: كساء له خمل، والخميصة: ثوب خز أو صوف معلم. النهاية 2/ 81 و4/ 84.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 114 (6435).
(1/164)
468 - وعنه - رضي الله عنه - قال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة، ما منهم رجل عليه رداء: إما إزار، وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 120 (442).
(1/164)
469 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 210 (2956) (1).
(1/164)
470 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل». [ص:165]
وكان ابن عمر رضي الله عنهما، يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. رواه البخاري. (1)
قالوا في شرح هذا الحديث معناه: لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا، ولا تحدث نفسك بطول البقاء فيها، ولا بالاعتناء بها، ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه، ولا تشتغل فيها بما لا يشتغل به الغريب الذي يريد الذهاب إلى أهله، وبالله التوفيق.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 110 (6416).
(1/164)
471 - وعن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس». حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة. (1)
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (4102)، والحاكم 4/ 313.
(1/165)
472 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: ذكر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما أصاب الناس من الدنيا، فقال: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. رواه مسلم. (1)
«الدقل» بفتح الدال المهملة والقاف: رديء التمر.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 220 (2978) (36).
(1/165)
473 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني. متفق عليه. (1)
قولها: «شطر شعير» أي: شيء من شعير،، كذا فسره الترمذي. (2)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 119 (6451)، ومسلم 8/ 218 (2973) (27).
(2) في «جامعه» (2467).
(1/165)
474 - وعن عمرو بن الحارث أخي جويرية بنت الحارث أم المؤمنين، رضي الله عنهما، قال: ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا إلا [ص:166] بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 2 (2739).
(1/165)
475 - وعن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نلتمس وجه الله تعالى، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات ولم يأكل من أجره شيئا، منهم: مصعب بن عمير - رضي الله عنه - قتل يوم أحد، وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه، بدت رجلاه، وإذا غطينا بها رجليه، بدا رأسه، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نغطي رأسه، ونجعل على رجليه شيئا من الإذخر (1)، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهدبها. متفق عليه. (2)
«النمرة»: كساء ملون من صوف. وقوله: «أينعت» أي: نضجت وأدركت. وقوله: «يهدبها» هو بفتح الياء وضم الدال وكسرها لغتان: أي: يقطفها ويجتنيها، وهذه استعارة لما فتح الله تعالى عليهم من الدنيا وتمكنوا فيها.
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 4/ 25 (941): «وهو حشيش معروف طيب الرائحة».
(2) أخرجه: البخاري 8/ 71 (3897)، ومسلم 3/ 48 (940) (44).
(1/166)
476 - وعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (4110)، والترمذي (2320)، وقال: «حديث صحيح غريب».
(1/166)
477 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله تعالى، وما والاه، وعالما ومتعلما». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (4112)، والترمذي (2322) وقال: «حديث حسن غريب».
(1/166)
478 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا الضيعة (1) فترغبوا في الدنيا». رواه الترمذي، (2) وقال: «حديث حسن».
__________
(1) أي: الصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك. النهاية 3/ 108.
(2) أخرجه: الترمذي (2328).
(1/166)
479 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: مر علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نعالج خصا (1) لنا، فقال: «ما هذا؟» فقلنا: قد وهى، فنحن نصلحه، فقال: «ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك». رواه أبو داود والترمذي بإسناد البخاري ومسلم، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». (2)
__________
(1) أي: بيتا يعمل من الخشب والقصب. النهاية 2/ 37.
(2) أخرجه: أبو داود (5236)، وابن ماجه (4160)، والترمذي (2335).
(1/167)
480 - وعن كعب بن عياض - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي: المال». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2336) وقال: «حديث حسن صحيح غريب».
(1/167)
481 - وعن أبي عمرو، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو ليلى عثمان بن عفان - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث صحيح».
قال الترمذي: سمعت أبا داود سليمان بن سالم البلخي، يقول: سمعت النضر بن شميل، يقول: الجلف: الخبز ليس معه إدام، وقال غيره: هو غليظ الخبز. وقال الهروي: المراد به هنا وعاء الخبز، كالجوالق (2) والخرج، والله أعلم.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2341)، وهو حديث لا يصح بيانه في «الجامع في العلل».
(2) الجوالق: بفتح اللام وكسرها، وعاء من الأوعية (معرب). الذيل على النهاية: 84.
(1/167)
482 - وعن عبد الله بن الشخير - بكسر الشين والخاء المعجمتين - رضي الله عنه - أنه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ: {ألهاكم التكاثر} قال: «يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟!». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 211 (2958) (3).
(1/167)
483 - وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال: قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله، والله إني لأحبك، فقال: «انظر ماذا تقول؟» قال: والله إني لأحبك، ثلاث مرات، فقال: [ص:168] «إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا، فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
«التجفاف» بكسر التاء المثناة فوق وإسكان الجيم وبالفاء المكررة: وهو شيء يلبسه الفرس، ليتقى به الأذى، وقد يلبسه الإنسان.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2350) وقال: «حديث حسن غريب».
(1/167)
484 - وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2376)، والنسائي كما في «تحفة الأشراف» (11136).
(1/168)
485 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، قلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاء. فقال: «ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (4109)، والترمذي (2377).
(1/168)
486 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث صحيح».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (4122)، والترمذي (2353)، والنسائي في «الكبرى»
(11348) وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
(1/168)
487 - وعن ابن عباس وعمران بن الحصين - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء». متفق عليه من رواية ابن عباس، ورواه البخاري أيضا من رواية عمران بن الحصين. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 142 (3241) عن عمران بن حصين.
وأخرجه: مسلم 8/ 88 (2737) (94) عن ابن عباس.
ورواه البخاري 8/ 119 عقيب (6449) عن ابن عباس معلقا.
(1/168)
488 - وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار». متفق عليه. (1)
و «الجد»: الحظ والغنى. وقد سبق بيان هذا الحديث في باب فضل الضعفة.
__________
(1) انظر الحديث (258).
(1/168)
489 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد (1): ألا كل شيء ما خلا الله باطل». متفق عليه. (2)
__________
(1) هو لبيد بن ربيعة العامري، وتمام البيت: وكل نعيم لا محالة زائل.
(2) أخرجه: البخاري 5/ 53 (3841)، ومسلم 7/ 49 (2256) (3).
(1/169)
56 - باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات
قال الله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا} [مريم: 59 - 60]، وقال تعالى: {فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا} [القصص: 79 - 80]، وقال تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} [التكاثر: 8]، وقال تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا} [الإسراء: 18]. والآيات في الباب كثيرة معلومة.
(1/169)
490 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض. متفق عليه. (1)
وفي رواية: ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 97 (5416)، ومسلم 8/ 217 (2970) (20) و (22).
(1/169)
491 - وعن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقول: والله، يا ابن أختي، إن كنا ننظر إلى الهلال، ثم الهلال: ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله [ص:170] صلى الله عليه وسلم - نار. قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح (1) وكانوا يرسلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانها فيسقينا. متفق عليه. (2)
__________
(1) المنحة والمنيحة: أن يعطيه ناقة أو شاة، ينتفع بلبنها ويعيدها. النهاية 4/ 364.
(2) أخرجه: البخاري 3/ 201 (2567)، ومسلم 8/ 218 (2972) (28).
(1/169)
492 - وعن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه: أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه فأبى أن يأكل. وقال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. رواه البخاري. (1)
«مصلية» بفتح الميم: أي مشوية.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 97 (5414).
(1/170)
493 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: لم يأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - على خوان (1) حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات. رواه البخاري. (2)
وفي رواية له: ولا رأى شاة سميطا بعينه قط.
__________
(1) الخوان: ما يوضع عليه الطعام عند الأكل. النهاية 2/ 89.
(2) أخرجه: البخاري 7/ 98 (5421) و8/ 119 (6450).
(1/170)
494 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: لقد رأيت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. رواه مسلم. (1)
«الدقل»: تمر رديء.
__________
(1) انظر الحديث (472).
(1/170)
495 - وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النقي من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه الله تعالى. فقيل له: هل كان لكم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مناخل؟ قال: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منخلا من حين ابتعثه الله تعالى حتى قبضه الله تعالى، فقيل له: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثريناه. رواه البخاري. (1) [ص:171]
قوله: «النقي» هو بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء: وهو الخبز الحوارى، وهو: الدرمك. قوله: «ثريناه» هو بثاء مثلثة، ثم راء مشددة، ثم ياء مثناة من تحت ثم نون، أي: بللناه وعجناه.
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 96 (5413).
(1/170)
496 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟» قالا: الجوع يا رسول الله. قال: «وأنا، والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما، قوما» فقاما معه، فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أين فلان؟» قالت: ذهب يستعذب لنا الماء. إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا، وأخذ المدية، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إياك والحلوب» فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا. فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: «والذي نفسي بيده، لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم». رواه مسلم. (1)
قولها: «يستعذب» أي: يطلب الماء العذب، وهو الطيب. و «العذق» بكسر العين وإسكان الذال المعجمة: وهو الكباسة، وهي الغصن. و «المدية» بضم الميم وكسرها: هي السكين. و «الحلوب»: ذات اللبن.
والسؤال عن هذا النعيم سؤال تعديد النعم لا سؤال توبيخ وتعذيب، والله أعلم.
وهذا الأنصاري الذي أتوه هو، أبو الهيثم بن التيهان، كذا جاء مبينا في رواية الترمذي (2) وغيره.
__________
(1) أخرجه: مسلم 6/ 116 (2038) (140).
(2) في «جامعه» (2369)، والحاكم في «المستدرك» 4/ 131، والبيهقي في «شعب الإيمان» (4602) عن أبي هريرة.
(1/171)
497 - وعن خالد بن عمير العدوي، قال: خطبنا عتبة بن غزوان، وكان أميرا على البصرة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما، لا يدرك لها قعرا، والله لتملأن أفعجبتم؟! ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى قرحت أشداقنا، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك، فاتزرت بنصفها، واتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا. رواه مسلم. (1)
قوله: «آذنت» هو بمد الألف، أي: أعلمت. وقوله: «بصرم» هو بضم الصاد، أي: بانقطاعها وفنائها. وقوله: «وولت حذاء» هو بحاء مهملة مفتوحة، ثم ذال معجمة مشددة، ثم ألف ممدودة، أي: سريعة. و «الصبابة» بضم الصاد المهملة وهي: البقية اليسيرة. وقوله: «يتصابها» هو بتشديد الباء قبل الهاء، أي: يجمعها. و «الكظيظ»: الكثير الممتلىء. وقوله: «قرحت» هو بفتح القاف وكسر الراء، أي صارت فيها قروح.
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 215 (2967) (14).
(1/172)
498 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: أخرجت لنا عائشة رضي الله عنها كساء وإزارا غليظا، قالت: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذين. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 7/ 190 (5818)، ومسلم 6/ 145 (2080) (35) عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وليس عن أبيه.
(1/172)
499 - وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لنا طعام إلا ورق الحبلة، وهذا السمر، حتى إن كان أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط. متفق عليه. (1) [ص:173]
«الحبلة» بضم الحاء المهملة وإسكان الباء الموحدة: وهي والسمر، نوعان معروفان من شجر البادية.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 121 (6453)، ومسلم 8/ 215 (2966) (12).
(1/172)
500 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا». متفق عليه. (1)
قال أهل اللغة والغريب: معنى «قوتا» أي: ما يسد الرمق.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 122 (6460)، ومسلم 3/ 102 (1055) (126).
(1/173)
501 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فتبسم حين رآني، وعرف ما في وجهي وما في نفسي، ثم قال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق» ومضى فاتبعته، فدخل فاستأذن، فأذن لي فدخلت، فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللبن؟» قالوا: أهداه لك فلان - أو فلانة - قال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي» قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أحد، وكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، وأصاب منها، وأشركهم فيها. فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة! كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاءوا وأمرني فكنت أنا أعطيهم؛ وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن. ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بد، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا واستأذنوا، فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: «يا أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «خذ فأعطهم» قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم، فقال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «بقيت أنا وأنت» قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت، فقال «اشرب» فشربت، فما زال [ص:174] يقول: «اشرب» حتى قلت: لا، والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا! قال: «فأرني» فأعطيته القدح، فحمد الله تعالى، وسمى وشرب الفضلة. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 119 (6452).
(1/173)
502 - وعن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حجرة عائشة رضي الله عنها مغشيا علي، فيجيء الجائي، فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون وما بي من جنون، ما بي إلا الجوع. رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 9/ 128 (7324).
(1/174)
503 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 49 (2916)، ومسلم 5/ 55 (1603) (125).
(1/174)
504 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: رهن النبي - صلى الله عليه وسلم - درعه بشعير، ومشيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد سمعته يقول: «ما أصبح لآل محمد صاع (1) ولا أمسى» وإنهم لتسعة أبيات. رواه البخاري. (2)
«الإهالة» بكسر الهمزة: الشحم الذائب. و «السنخة» بالنون والخاء المعجمة: وهي المتغيرة.
__________
(1) الصاع: مكيال يسع أربعة أمداد. النهاية 3/ 60.
(2) أخرجه: البخاري 3/ 186 (2508).
(1/174)
505 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم منها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. رواه البخاري. (1)
__________
(1) انظر الحديث (468).
(1/174)
506 - وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أدم (1) حشوه ليف. رواه البخاري. (2)
__________
(1) الأدم: الجلد المدبوغ. عون المعبود 11/ 203.
(2) أخرجه: البخاري 8/ 121 (6456).
(1/174)
507 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا جلوسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل من الأنصار، فسلم عليه، ثم أدبر الأنصاري، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يا أخا الأنصار، كيف أخي سعد بن عبادة؟» فقال: صالح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من يعوده منكم؟» فقام وقمنا معه، ونحن بضعة عشر، ما علينا نعال، ولا خفاف، ولا قلانس (1)، ولا قمص، نمشي في تلك السباخ، حتى جئناه، فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين معه. رواه مسلم. (2)
__________
(1) القلانس: من ملابس الرؤوس. اللسان 11/ 279 (قلس).
(2) أخرجه: مسلم 3/ 40 (925) (13).
(1/175)
508 - وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» قال عمران: فما أدري قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين أو ثلاثا «ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 224 (2651)، ومسلم 7/ 185 (2535) (214).
(1/175)
509 - وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يا ابن آدم، إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 94 (1036) (97)، والترمذي (2343).
(1/175)
510 - وعن عبيد الله بن محصن الأنصاري الخطمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها (1)». رواه الترمذي، (2) وقال: «حديث حسن».
«سربه»: بكسر السين المهملة: أي نفسه، وقيل: قومه.
__________
(1) واحدها حذفار، وقيل: حذفور: أي فكأنما أعطي الدنيا بأسرها. النهاية 1/ 356.
(2) أخرجه: ابن ماجه (4141)، والترمذي (2346) وقال: «حديث حسن غريب».
(1/175)
511 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد أفلح من أسلم، وكان رزقه كفافا، وقنعه الله بما آتاه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 102 (1054) (125).
(1/175)
512 - وعن أبي محمد فضالة بن عبيد الأنصاري - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «طوبى لمن هدي للإسلام، وكان عيشه كفافا وقنع». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2349)، والنسائي كما في «تحفة الأشراف» 7/ 495 (11033).
(1/176)
513 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير. رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (3347)، والترمذي (2360).
(1/176)
514 - وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى بالناس، يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة - وهم أصحاب الصفة - حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين. فإذا صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف إليهم، فقال: «لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى، لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث صحيح».
«الخصاصة»: الفاقة والجوع الشديد.
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2368) وقال: «حديث حسن صحيح».
(1/176)
515 - وعن أبي كريمة المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
«أكلات» أي: لقم.
__________
(1) أخرجه: ابن ماجه (3349)، والترمذي (2380)، والنسائي في «الكبرى» (6770)، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
(1/176)
516 - وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي - رضي الله عنه - قال: ذكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما عنده الدنيا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ألا تسمعون؟ ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان» يعني: التقحل. رواه أبو داود. (1)
«البذاذة» - بالباء الموحدة والذالين المعجمتين - وهي رثاثة الهيئة وترك فاخر اللباس. وأما «التقحل» فبالقاف والحاء: قال أهل اللغة: المتقحل هو الرجل اليابس الجلد من خشونة العيش وترك الترفه.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4161)، وابن ماجه (4118).
(1/176)
517 - وعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر علينا أبا عبيدة - رضي الله عنه - نتلقى عيرا لقريش، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، فقيل: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء، فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط، ثم نبله بالماء فنأكله. قال: وانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر (1)، فقال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا، فأقمنا عليه شهرا، ونحن ثلاثمئة حتى سمنا، ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقطع منه الفدر كالثور أو كقدر الثور، ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها وتزودنا من لحمه وشائق، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا ذلك له، فقال: «هو رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟» فأرسلنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه فأكله. رواه مسلم. (2)
«الجراب»: وعاء من جلد معروف، وهو بكسر الجيم وفتحها والكسر أفصح. قوله: «نمصها» بفتح الميم، و «الخبط»: ورق شجر معروف تأكله الإبل. و «الكثيب»: التل من الرمل، و «الوقب»: بفتح الواو وإسكان القاف وبعدها باء موحدة وهو نقرة العين. و «القلال»: الجرار. و «الفدر» بكسر الفاء وفتح الدال: القطع. «رحل البعير» بتخفيف الحاء: أي جعل عليه الرحل. «الوشائق» بالشين المعجمة والقاف: اللحم الذي اقتطع ليقدد منه، والله أعلم.
__________
(1) العنبر: سمكة بحرية كبيرة، يتخذ من جلدها الترس. النهاية 3/ 306.
(2) أخرجه: مسلم 6/ 61 (1935) (17).
(1/177)
518 - وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، قالت: كان كم قميص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرصغ. رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن». [ص:178]
«الرصغ» بالصاد والرسغ بالسين أيضا: هو المفصل بين الكف والساعد.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (4027)، والترمذي (1765)، والنسائي في «الكبرى» (9666) وقال الترمذي: «حديث حسن غريب».
(1/177)
519 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: إنا كنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كدية شديدة، فجاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق. فقال: «أنا نازل» ثم قام، وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - المعول، فضرب فعاد كثيبا أهيل أو أهيم، فقلت: يا رسول الله، ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا ما في ذلك صبر فعندك شيء؟ فقالت: عندي شعير وعناق (1)، فذبحت العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي - صلى الله عليه وسلم - والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج، فقلت: طعيم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان، قال: «كم هو»؟ فذكرت له، فقال: «كثير طيب قل لها لا تنزع البرمة، ولا الخبز من التنورحتى آتي» فقال: «قوموا»، فقام المهاجرون والأنصار، فدخلت عليها فقلت: ويحك قد جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرون والأنصار ومن معهم! قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، قال: «ادخلوا ولا تضاغطوا» فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويخمر البرمة (2) والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا، وبقي منه، فقال: «كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة». متفق عليه. (3)
وفي رواية قال جابر: لما حفر الخندق رأيت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خمصا، فانكفأت إلى امرأتي، فقلت: هل عندك شيء؟ فإني رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصا شديدا، فأخرجت إلي جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن فذبحتها، وطحنت الشعير، ففرغت إلى فراغي، وقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: لا تفضحني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه، فجئته فساررته، فقلت: يا رسول الله، ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعا من شعير، فتعال أنت ونفر معك، فصاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا أهل الخندق: إن جابرا قد صنع سؤرا فحيهلا بكم» فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: «لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء» فجئت، وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يقدم الناس، حتى جئت امرأتي،
__________
(1) العناق: هي الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة. النهاية 3/ 311.
(2) البرمة: القدر مطلقا، وجمعها برام. النهاية 1/ 121.
(3) أخرجه: البخاري 5/ 139 (4102)، ومسلم 6/ 117 (2039) (141).
(1/178)
فقالت: بك وبك! فقلت: قد فعلت الذي قلت. فأخرجت عجينا، فبسق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثم قال: «ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي من برمتكم، ولا تنزلوها» وهم ألف، فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي،
وإن عجيننا ليخبز كما هو.
قوله: «عرضت كدية» بضم الكاف وإسكان الدال وبالياء المثناة تحت، وهي قطعة غليظة صلبة من الأرض لا يعمل فيها الفأس، و «الكثيب» أصله تل الرمل، والمراد هنا: صارت ترابا ناعما، وهو معنى «أهيل». و «الأثافي»: الأحجار التي يكون عليها القدر، و «تضاغطوا»: تزاحموا. و «المجاعة»: الجوع، وهو بفتح الميم. و «الخمص»: بفتح الخاء المعجمة والميم: الجوع، و «انكفأت»: انقلبت ورجعت. و «البهيمة» بضم الباء، تصغير بهمة وهي، العناق، بفتح العين. و «الداجن»: هي التي ألفت البيت: و «السؤر» الطعام الذي يدعى الناس إليه؛ وهو بالفارسية. و «حيهلا» أي تعالوا. وقولها «بك وبك» أي خاصمته وسبته، لأنها اعتقدت أن الذي عندها لا يكفيهم، فاستحيت وخفي عليها ما أكرم الله سبحانه وتعالى به نبيه - صلى الله عليه وسلم - من هذه المعجزة الظاهرة والآية الباهرة. «بسق» أي: بصق؛ ويقال أيضا: بزق، ثلاث لغات. و «عمد» بفتح الميم، أي: قصد. و «اقدحي» أي: اغرفي؛ والمقدحة: المغرفة. و «تغط» أي: لغليانها صوت، والله أعلم.
(1/179)
520 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال أبو طلحة لأم سليم: قد سمعت صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير، ثم أخذت خمارا لها، فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت ثوبي وردتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهبت به، فوجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا في المسجد، ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أرسلك أبو طلحة؟» فقلت: نعم، فقال: «ألطعام؟» فقلت: نعم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «قوموا» فانطلقوا وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس وليس عندنا ما نطعمهم؟ فقالت: الله ورسوله أعلم.
(1/179)
فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه حتى دخلا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «هلمي ما عندك يا أم سليم» فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففت، وعصرت عليه أم سليم عكة فآدمته، ثم قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقول، ثم قال: «ائذن لعشرة» فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: «ائذن لعشرة» فأذن لهم حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلا أو ثمانون. متفق عليه. (1)
وفي رواية: فما زال يدخل عشرة، ويخرج عشرة حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل، فأكل حتى شبع، ثم هيأها فإذا هي مثلها حين أكلوا منها.
وفي رواية: فأكلوا عشرة عشرة، حتى فعل ذلك بثمانين رجلا، ثم أكل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك وأهل البيت، وتركوا سؤرا.
وفي رواية: ثم أفضلوا ما بلغوا جيرانهم.
وفي رواية عن أنس، قال: جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما، فوجدته جالسا مع أصحابه، وقد عصب بطنه، بعصابة، فقلت لبعض أصحابه: لم عصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطنه؟ فقالوا: من الجوع، فذهبت إلى أبي طلحة، وهو زوج أم سليم بنت ملحان، فقلت: يا أبتاه، قد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عصب بطنه بعصابة، فسألت بعض أصحابه، فقالوا: من الجوع. فدخل أبو طلحة على أمي، فقال: هل من شيء؟ قالت: نعم، عندي كسر من خبز وتمرات، فإن جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده أشبعناه، وإن جاء آخر معه قل عنهم ... وذكر تمام الحديث.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 174 (6688)، ومسلم 6/ 118 (2040) (142) و119 (2040) (143) و120 (2040) (143).
(1/180)
57 - باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة
قال الله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6]، وقال تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة: 273]، وقال تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} [الفرقان: 67]، وقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم [ص:181] من رزق وما أريد أن يطعمون} [الذاريات: 56 - 57].
وأما الأحاديث، فتقدم معظمها في البابين السابقين، ومما لم يتقدم:
(1/180)
521 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس». متفق عليه. (1)
«العرض» بفتح العين والراء: هو المال.
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 118 (6446)، ومسلم 3/ 100 (1051) (120).
(1/181)
522 - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (511).
(1/181)
523 - وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: «يا حكيم، إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى» قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر - رضي الله عنه - يدعو حكيما ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئا، ثم إن عمر - رضي الله عنه - دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله. فقال: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه. فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي. متفق عليه. (1)
«يرزأ» براء ثم زاي ثم همزة؛ أي: لم يأخذ من أحد شيئا، وأصل الرزء: النقصان، أي: لم ينقص أحدا شيئا بالأخذ منه، و «إشراف النفس»: تطلعها وطمعها بالشيء. و «سخاوة النفس»: هي عدم الإشراف إلى الشيء، والطمع فيه، والمبالاة به والشره.
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 152 (1472)، ومسلم 3/ 94 (1035) (96).
(1/181)
524 - وعن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت (1) أقدامنا ونقبت قدمي، وسقطت [ص:182] أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق، قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره! قال: كأنه كره أن يكون شيئا من عمله أفشاه. متفق عليه. (2)
__________
(1) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 6/ 368: «فنقبت أقدامنا: هو بفتح النون وكسر القاف، أي قرحت من الحفاء».
(2) أخرجه: البخاري 5/ 145 (4128)، ومسلم 5/ 200 (1816) (149).
(1/181)
525 - وعن عمرو بن تغلب - بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بمال أو سبي فقسمه، فأعطى رجالا، وترك رجالا، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثم أثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني إنما أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب» قال عمرو بن تغلب: فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم. رواه البخاري. (1)
«الهلع»: هو أشد الجزع، وقيل: الضجر.
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 13 (923).
(1/182)
526 - وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله». متفق عليه. (1)
وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم أخصر.
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 139 (1427)، ومسلم 3/ 94 (1034) (95).
(1/182)
527 - وعن أبي عبد الرحمان معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا تلحفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحد منكم شيئا، فتخرج له مسألته مني شيئا وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 95 (1038) (99).
(1/182)
528 - وعن أبي عبد الرحمان عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: «ألا تبايعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم» وكنا حديثي عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: «ألا تبايعون رسول الله» فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك فعلام نبايعك؟ قال: «على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، [ص:183] والصلوات الخمس وتطيعوا الله» وأسر كلمة خفيفة «ولا تسألوا الناس شيئا» فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 97 (1043) (108).
(1/182)
529 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم». متفق عليه. (1)
«المزعة» بضم الميم وإسكان الزاي وبالعين المهملة: القطعة.
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 153 (1474)، ومسلم 3/ 96 (1040) (103).
(1/183)
530 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو على المنبر، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: «اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 139 - 140 (1429)، ومسلم 3/ 94 (1033) (94).
(1/183)
531 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا؛ فليستقل أو ليستكثر». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 96 (1041) (105).
(1/183)
532 - وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لا بد منه». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
«الكد»: الخدش ونحوه.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1639)، والترمذي (681)، والنسائي 5/ 100.
(1/183)
533 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل». رواه أبو داود والترمذي، (1) وقال: «حديث حسن».
«يوشك» بكسر الشين: أي يسرع.
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1645)، والترمذي (2326) وقال: «حديث حسن صحيح غريب».
(1/183)
534 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا، وأتكفل له بالجنة؟» فقلت: أنا، فكان لا يسأل أحدا شيئا. رواه أبو داود بإسناد صحيح. (1)
__________
(1) أخرجه: أبو داود (1643).
(1/183)
535 - وعن أبي بشر قبيصة بن المخارق - رضي الله عنه - قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» ثم قال: «يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال: سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة. فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت، يأكلها صاحبها سحتا». رواه مسلم. (1)
«الحمالة» بفتح الحاء: أن يقع قتال ونحوه بين فريقين، فيصلح إنسان بينهم على مال يتحمله ويلتزمه على نفسه. و «الجائحة» الآفة تصيب مال الإنسان. و «القوام» بكسر القاف وفتحها: هو ما يقوم به أمر الإنسان من مال ونحوه. و «السداد» بكسر السين: ما يسد حاجة المعوز ويكفيه، و «الفاقة»: الفقر. و «الحجى»: العقل.
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 98 (1044) (109).
(1/184)
536 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (264).
(1/184)
58 - باب جواز الأخذ من غير مسألة ولا تطلع إليه
537 - عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر، عن عمر - رضي الله عنهم - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء، فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني. فقال: «خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذه فتموله (1)، فإن شئت كله، وإن شئت تصدق به، وما لا، فلا تتبعه نفسك» قال سالم: فكان عبد الله لا يسأل أحدا شيئا، ولا يرد شيئا أعطيه. متفق عليه. (2)
(مشرف): بالشين المعجمة: أي متطلع إليه.
__________
(1) أي اجعله لك مالا. النهاية 3/ 373.
(2) أخرجه: البخاري 9/ 84 - 85 (7163)، ومسلم 3/ 98 (1045) (110).
(1/184)
59 - باب الحث على الأكل من عمل يده والتعفف به عن السؤال والتعرض للإعطاء
قال الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} [الجمعة: 10].
(1/185)
538 - وعن أبي عبد الله الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 152 (1471).
(1/185)
539 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره، خير له من أن يسأل أحدا، فيعطيه أو يمنعه». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 2/ 152 (1470)، ومسلم 3/ 97 (1042) (107).
(1/185)
540 - وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان داود - عليه السلام - لا يأكل إلا من عمل يده». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 74 - 75 (2073).
(1/185)
541 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان زكريا - عليه السلام - نجارا». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 103 (2379) (169).
(1/185)
542 - وعن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل من عمل يده». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 3/ 74 (2072).
(1/185)
60 - باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى
قال الله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} [سبأ: 39]، وقال تعالى: {وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} [البقرة: 272]، وقال تعالى: {وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة: 273].
(1/185)
543 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها». متفق عليه. (1)
ومعناه: ينبغي أن لا يغبط أحد إلا على إحدى هاتين الخصلتين.
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 28 (73)، ومسلم 2/ 201 (816) (268).
(1/186)
544 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟» قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: «فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر». رواه البخاري. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 116 (6442).
(1/186)
545 - وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (139).
(1/186)
546 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال: ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا قط، فقال: لا. متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 8/ 16 (6034)، ومسلم 7/ 74 (2311) (56).
(1/186)
547 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا». متفق عليه. (1)
__________
(1) انظر الحديث (295).
(1/186)
548 - وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم ينفق عليك». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 6/ 92 (4684)، ومسلم 3/ 77 (993) (36).
(1/186)
549 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف». متفق عليه. (1)
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/ 10 (12)، ومسلم 1/ 47 (39) (63).
(1/186)
550 - وعنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «أربعون خصلة: أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها؛ رجاء ثوابها وتصديق موعودها، إلا أدخله الله تعالى بها الجنة». رواه البخاري. (1) وقد سبق بيان هذا الحديث في باب بيان كثرة طرق الخير.
__________
(1) انظر الحديث (138).
(1/187)
551 - وعن أبي أمامة صدي بن عجلان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «يا ابن آدم، إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى». رواه مسلم. (1)
__________
(1) انظر الحديث (509).
(1/187)
552 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل، فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يلبث إلا يسيرا حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها. رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 7/ 74 (2312) (57).
(1/187)
553 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسما، فقلت: يا رسول الله، لغير هؤلاء كانوا أحق به منهم؟ فقال: «إنهم خيروني أن يسألوني بالفحش، أو يبخلوني، ولست بباخل». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 3/ 103 (1056) (127).
(1/187)
554 - وعن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال: بينما هو يسير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مقفله من حنين، فعلقه الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاه نعما، لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا». رواه البخاري. (1)
«مقفله» أي: حال رجوعه. و «السمرة»: شجرة. و «العضاه»: شجر له شوك.
__________
(1) أخرجه: البخاري 4/ 27 (2821).
(1/187)
555 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله - عز وجل». رواه مسلم. (1)
__________
(1) أخرجه: مسلم 8/ 21 (2588) (69).
(1/187)
556 - وعن أبي كبشة عمرو بن سعد الأنماري - رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر - أو كلمة نحوها - وأحدثكم حديثا فاحفظوه»، قال: «إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علما، ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالا، ولم يرزقه علما، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن صحيح».
__________
(1) أخرجه: الترمذي (2325).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق