التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن
الصلاح
للحافظ العراقي
11 بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم أعن ويسر
صلى الله عليه وسلم
والحمد لله الذى ألهم لإيضاح ما أبهم
وأفهم إلى الاصطلاح ولو شاء لم نفهم وأشهد أن لا إله إلا الله الكاشف لما ينوب من
الخطوب ويدهم وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من أنجد وأتهم وأعدل من أنقذ وأسهم
و صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم
وبعد
فإن أحسن ما صنف أهل الحديث فى معرفة
الاصطلاح كتاب علوم الحديث لابن الصلاح جمع فيه غرر الفوائد فأوعى ودعى له زمر
الشوارد فأجابت طوعا إلا أن فيه غير موضع قد خولف فيه وأماكن أحز تحتاج إلى تقييد
وتنبيه فأردت أن أجمع عليه نكتا تقيد مطلقه وتفتح مغلقه وقد أورد عليه غير واحد من
المتأخرين إيرادات
12 ليست بصحيحة فرأيت أن أذكرها وأبين تصويب
كلام الشيخ وترجيحه لئلا يتعلق بها من لا يعرف مصطلحات القوم ويتفق من مزجى البضاعات
ما لا يصلح للسوم وقد كان الشيخ الامام العلامة علاء الدين مغلطاى أوقفنى على شئ
جمعه عليه سماه إصلاح ابن الصلاح وقرأ من لفظه موضعا منه ولم أر كتابه المذكور بعد
ذلك وأيضا قد اختصره جماعة وتعقبوه فى مواضع منه فحيث كان الاعتراض عليه غير صحيح
ولا مقبول ذكرته بصيغة اعترض عليه على البناء للمفعول وقد أخبرنى بكتاب ابن الصلاح المذكور
الشيخان الإمامان الحافظان البارعان صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدى العلائى
وبهائى الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن خليل الأموى بقراءتى على
الثانى لجميع الكتاب وسماعا على الأول لبعض الكتاب وإجازة باقيه قالا أنا بجميعه
محمد بن يوسف بن المهتار الدمشقى قال أخبرنا بمؤلفه الشيخ الامام تقى الدين أبو
عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الشهرزورى رحمه الله قراءة عليه فى الخامسة من
عمرى وسميته التقييد والايضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح والله أسأل
وأستعين أن يوفق لإكماله ويعين وأن لا يجعل ما علمنا من العلم علينا وبالا ويجعله
خالصا لوجهه تبارك وتعالى إنه على ما يشاء قدير وبالاجابة جدير قوله ويعنى به محققو العلماء وكملتهم هو بضم
الياء وفتح النون على البناء للمفعول وعليه اقتصر صاحبا الصحاح والمحكم وحكى
الهروى فى الغبريين أنه استعمل على البناء للفاعل أيضا فيقال عنى بكذا يعنى به
وحكاه المطرزى أيضا وأنشد عليه عان بأخراها طويل الشغل قال والمبنى للمفعول أفصح
13 قوله جعله الله مليا بذلك وأملى وفيا بكل
ذلك وأوفى استعمل المصنف هنا مليا وأملى بغير همز على التخفيف وكتبه بالياء
المناسبة قوله وفيا وأوفى وإلا فالأول مهموز من قولهم ملوء الرجل بضم اللام
وبالهمز أى صار مليئا أى ثقه وهو ملئ بين الملاء والملاءة ممدودان قاله الجوهرى
18 النوع الأول معرفة الصحيح
قوله اعلم علمك الله وإياى أن الحديث
عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف انتهى
وقد اعترض عليه بأمرين أحدهما أن فى الترمذى مرفوعا إذا دعا أحدكم فليبدأ
بنفسه الأولى أن يقول علمنا الله وإياك انتهى ما اعترض به هذا المعترض والحديث الذى ذكره من عند الترمذى ليس هكذا
وهو حديث أبى بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه ثم قال هذا حديث حسن غريب صحيح ورواه أبو
داود أيضا ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه وقال رحمة الله علينا وعلى
موسى الحديث ورواه النسائى أيضا فى سننه الكبرى وهو عند
مسلم أيضا كما سيأتى فليس فيه ما ذكره من أن كل داع يبدأ بنفسه وإنما هو من
فعله صلى الله عليه وسلم لا من قوله وإذا كان كذلك فهو مقيد بذكره صلى الله عليه وسلم نبيا من الأنبياء كما ثبت فى صحيح مسلم فى حديث
أبى الطويل فى قصة موسى مع الخضر وفيه قال وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ
بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخى وكذا رحمة الله علينا الحديث فأما دعاؤه لغير الأنبياء فلم ينقل أنه كان
يبدأ بنفسه كقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى فى قصة
زمزم قال ابن عباس قال النبى صلى الله
عليه وسلم يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت
زمزم عينا معينا
19 وفى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله
عنها سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ فى سورة بالليل فقال يرحمه الله الحديث
وفى رواية للبخارى إن الرجل هو عباد بن بشر وللبخارى من حديث سلمة ابن
الأكوع من السائق قالوا عامر قال يرحمة الله الحديث فظهر بذلك أن بدأه بنفسه في الدعاء وكان
فيما إذا ذكر نبيا من الأنبياء كما تقدم على أنه قد دعا لبعض الأنبياء ولم يذكر
نفسه معه وذلك فى الحديث المتفق على صحته من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله لوطا لقد كان
يأوى إلى ركن شديد الحديث وفى الصحيحين أيضا من حديث ابن مسعود رضى
الله عنه مرفوعا يرحم الله موسى لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر الأمر الثانى أن ما نقله عن أهل الحديث من
كون الحديث ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة ليس بجيد فإن بعضهم يقسمه إلى قسمين فقط
صحيح وضعيف وقد ذكر المصنف هذا الخلاف فى النوع الثانى فى التاسع من التفريعات
المذكورة فيه فقال من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا فى أنواع
الصحيح لاندراجه فى أنواع ما يحتج به قال وهو الظاهر من كلام أبى عبد الله الحاكم
فى تصرفاته إلى آخر كلامه فكان ينبغى الاحتراز عن هذا الخلاف هنا والجواب أن ما نقله المصنف عن أهله الحديث
قد نقله عنهم الخطابى فى خطبة معالم السنن فقال اعلموا أن الحديث عند أهله على
ثلاثة أقسام حديث صحيح وحديث حسن وحديث سقيم ولم أر من سبق الخطابى إلى تقسيمه ذلك
وإن كان فى كلام المتقدمين ذكر الحسن وهو موجود فى كلام الشافعى رضى الله عنه
والبخارى وجماعة ولكن الخطابى نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة فتبعه
المصنف على ذلك هنا ثم حكى الخلاف فى الموضع الذى ذكره فلم يهمل حكاية الخلاف
والله أعلم
20 قوله أما الحديث الصحيح فهو المسند الذى
يتصل إسناده إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن من يقبل المرسل لا يشترط أن يكون مسندا
وأيضا اشتراط سلامته من الشذوذ والعلة إنما زادها أهل الحديث كما قاله ابن دقيق
العيد فى الاقتراح قال وفى هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيرا من
العلل التى يعلل بها المحدثون لا تجرى على أصول الفقهاء قال ومن شرط الحد أن يكون
جامعا مانعا والجواب أن من يصنف فى
علم الحديث إنما يذكر الحد عند أهله لا من عند غيرهم من أهل علم آخر وفى مقدمة مسلم أن المرسل فى أصل قولنا
وقول أهل العلم بالأخبار وليس بحجة وكون الفقهاء والأصوليين لا يشترطون فى الصحيح
هذين الشرطين لا يفسد الحد عند من يشترطهما على أن المصنف قد احترز عن خلافهم وقال
بعد أن فرغ من الحد وما يحترز به عنه فهذا هو الحديث الذى يحكم له بالصحة بلا خلاف
بين أهل الحديث وقد يختلفون فى صحة
بعض الأحاديث لاختلافهم فى وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم فى اشتراط بعض هذه
الأوصاف كما فى المرسل انتهى كلامه فقد احترز المصنف عما اعترض به عليه فلم يبق
للاعتراض وجه والله اعلم وقوله بلا
خلاف بين أهل الحديث إنما قد نفى الخلاف بأهل الحديث لأن غير أهل الحديث قد
يشترطون فى الصحيح شروطا زائدة على هذه كاشتراط العدد فى الرواية كما فى الشهادة
فقد حكاه الحازمى فى شروط الأئمة عن بعض متأخرى
21 المعتزلة على أنه قد حكى أيضا عن بعض أصحاب
الحديث قال البيهقى فى رسالته إلى أبى محمد الجوينى رحمهما الله رأيت فى الفصول
التى أملاها الشيخ خرسه الله تعالى حكاية عن بعض أصحاب الحديث أنه يشترط فى قبول
الأخبار أن يروى عدلان عن عدلين حتى يتصل مثنى مثنى برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكره قائله إلى آخر
كلامه وكأن البيهقى رآه فى كلام أبى محمد الجوينى فنبهه على أنه لا يعرف عن أهل
الحديث والله أعلم وقوله وقد يختلفون
فى صحة بعض الأحاديث لاختلافهم فى وجود هذه الأوصاف فيه انتهى يريد بقوله هذه
الأوصاف أى أوصاف القبول التى ذكرها فى حد الصحيح وإنما نبهت على ذلك وإن كان
واضحا لأنى رأيت بعضهم قد اعترض عليه فقال إنه يعنى الأوصاف المتقدمة من إرسال
وانقطاع وعضل وشذوذ وشبهها قال وفيه نظر من حيث إن أحدا لم يذكر أن المعضل والشاذ
والمنقطع صحيح وهذا الاعتراض ليس بصحيح فإنه إنما أراد أوصاف القبول كما قدمته
وعلى تقدير أن يكون أراد ما زعم فمن يحتج بالمرسل لا يتقيد بكونه أرسله التابعى بل
لو أرسله أتباع التابعين احتج به وهو عنده صحيح وإن كان معضلا وكذلك من يحتج
بالمرسل يحتج بالمنقطع بل المنقطع والمرسل عند المتقدمين واحد وقال أبو يعلى
الخليلى فى الإرشاد إن الشاذ ينقسم إلى صحيح ومردود فقول هذا المعترض إن أحدا لا
يقول فى الشاذ إنه صحيح مردود بقول الخليلى المذكور والله أعلم
22 قوله على أن جماعة من أهل الحديث خاضوا
غمرة ذلك فاضطربت أقوالهم فذكر الخلاف فى أصح الأسانيد إلى آخر كلامه اعترض عليه
بأن الحاكم وغيره ذكروا أن هذا بالنسبة إلى الأمصار أو إلى الأشخاص وإذا كان كذلك
فلا يبقى خلاف بين هذه الأقوال انتهى كلام المعترض وليس بجيد لأن الحاكم لم يقل إن
الخلاف مقيد بذلك بل قال لا ينبغى أن يطلق ذلك وينبغى أن يقيد بذلك فهذا لا ينفى
الخلاف المتقدم وأيضا ولو قيدناه بالأشخاص فالخلاف موجود فيقال أصح أسانيد على كذا
وقيل كذا وقيل كذا وأصح أسانيد ابن عمر كذا وقيل كذا فالخلاف موجود والله أعلم
23 قوله إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء
الحديث وغيرهما حديثا صحيح الإسناد ولم نجده فى أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته
فى شئ من مصنفات أهل الحديث المعتمدة المشهورة فإنا لا نتجاسر على حزم الحكم بصحته
فقد تعذر فى هذه الأعصار الاستقلال بادراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد إلى آخر
كلامه وقد خالفه فى ذلك الشيخ محيى الدين النووى فقال والأظهر عندى جوازه لمن تمكن
وقويت معرفته انتهى كلامه وما رجحه
النووى هو الذى عليه عمل أهل الحديث فقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن
نقدمهم فيها تصحيحا فمن المعاصرين لابن الصلاح أبو الحسن على بن محمد بن عبد الملك
بن القطان صاحب كتاب بيان الوهم والإيهام وقد صحح فى كتابه المذكور عدة أحاديث
منها حديث ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه
24 فى رجليه ويمسح عليهما ويقول كذلك كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يفعل أخرجه أبو بكر البزار فى مسنده وقال ابن
القطان إنه حديث صحيح ومنها حديث أنس بن مالك رضى الله عنه كان أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة
فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة رواه هكذا قاسم بن أصبغ وصححه ابن
القطان فقال وهو كما ترى صحح وتوفى ابن القطان هذا هو على قضاء سجلماسة من المغرب
سنة ثمان وعشرين وستمائة ذكره ابن الأبار فى التكملة وممن صحح أيضا من المعاصرين له الحافظ ضياء
الدين محمد بن عبد الواحد المقدسى جمع كتابا سماه المختارة التزم فيه الصحة وذكر
فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها فيما أعلم وتوفى الضياء المقدسى فى السنة التى مات
فيها ابن الصلاح سنة ثلاث وأربعين وستمائة وصحح الحافظ زكى الدين عبد العظيم بن
عبد القوى المنذرى حديثا فى جزء له جمع فيه ما ورد فيه غفر له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر وتوفى الزكى عبد العظيم سنة ست وخمسين وستمائة ثم صحح الطبقة التى تلى هذه أيضا فصحح
الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطى حديث جابر مرفوعا ماء زمزم لما شرب
له فى جزء جمعه فى ذلك أورده من رواية عبد الرحمن بن أبى الموال عن محمد بن
المنكدر عن جابر ومن هذه الطريق رواه البيهقى وفي شعب الأيمان وإنما المعروف رواية
عبد الله بن المؤمل عن ابن المنكدر كما رواه ابن ماجه وضعفه النووى وغيره من هذا
الوجه وطريق ابن عباس أصح من طريق جابر ثم صححت الطبقة التى تلى هذه وهم شيوخا
فصحح الشيخ تقى الدين السبكى حديث ابن عمر فى الزيارة فى تصنيفه المشهور كما
أخبرنى به ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذاك منهم إلا أن منهم من لا يقبل ذاك منهم
وكذا كان المتقدمون وبما صحح بعضهم شيئا فأنكر عليه تصحيحه والله أعلم
25 قوله أول من صنف الصحيح البخارى انتهى
اعترض عليه بأن مالكا صنف الصحيح قبله والجواب أن مالكا رحمه الله لم يفرد الصحيح
بل أدخل فيه المرسل والمنقطع والبلاغات ومن بلاغاته أحاديث لا تعرف كما ذكره ابن
عبد البر فلم يفرد الصحيح إذا والله أعلم
قوله وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج انتهى كلامه اعترض عليه بقول أبى
الفضل أحمد بن سلمة كنت مع مسلم بن الحجاج فى تأليف هذا الكتاب سنة خمس ومائتين
هكذا رأيته بخط الذى اعترض على ابن الصلاح سنة خمس ومائتين فقط وأراد بذلك أن
تصنيف مسلم لكتابه قديم فلا يكون تاليا لكتاب البخارى وقد تصحف التاريخ عليه وإنما
هو سنة خمسين ومائتين بزيادة الياء والنون وذلك باطل قطعا لأن مولد مسلم رحمه الله
سنة أربع ومائتين بل البخارى لم يكن فى التاريخ المذكور وصنف فضلا عن مسلم فإن
بينهما فى العمر عشر سنين ولد البخارى سنة أربع وتسعين ومائة
26 قوله فهذا وقول من فضل من شيوخ المغرب
كتاب مسلم على كتاب البخارى إن كان المراد به أن كتاب مسلم يترجح بأنه لم يمازجه
غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسدودا غير ممزوج بمثل ما فى
كتاب البخارى فى تراجم أبوابه من الأشياء التى لم يسندها على الوصف المشروط فى
الصحيح انتهى قلت قد روى مسلم بعد
الخطبة فى كتاب الصلاة بإسناده الى يحيى بن أبى كثير أنه قال لا يستطاع العلم
براحة الجسم فقد مزجه بغير الأحاديث ولكنه نادر جدا بخلاف البخارى والله اعلم
27 قوله وجملة ما فى كتابه الصحيح يعنى
البخارى سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المكررة انتهى هكذا أطلق
ابن الصلاح عدة أحاديثه والمراد بهذا العدد الرواية المشهورة وهى رواية محمد بن
يوسف الفربرى فأما رواية حماد بن شاكر فهى دونها بمائتى حديث وأنقص الروايات رواية
إبراهيم بن معقل فإنها تنقص عن رواية الفربرى ثلاثمائة حديث ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث مسلم وقد
ذكرها النووى من زياداته فى التقريب والتيسير فقال إن عدة أحاديثه نحو أربعة آلاف
بإسقاط المكرر انتهى ولم يذكر عدته بالمكرر وهو يزيد على عدة كتاب البخارى لكثرة
طرقه وقد رأيت عن أبى الفضل أحمد بن سلمة أنه اثنا عشر ألف حديث قوله ثم ان الزيادة فى الصحيح على ما فى
الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشتهرة لأئمة
الحديث كأبى داود الترمذى والنسائى وابن خزيمة والدارقطنى وغيرهم منصوصا على صحته
فيها انتهى كلامه ولا يشترط فى معرفة
الصحيح الزائد على ما فى الصحيحين أن ينص الأئمة المذكورون
28 وغيرهم على صحتها فى كتبهم المعتمدة المشتهرة
كما قيده المصنف بل لو نص أحد منهم على صحته بالإسناد الصحيح كما فى سؤالات يحيى
بن معين وسؤالات الإمام أحمد وغيرهما كفى ذلك فى صحته وهذا واضح وإنما قيده المصنف
بتنصيصهم على صحته فى كتبهم المشتهرة بناء على اختياره المتقدم أنه ليس لأحد أن
يصح فى هذه الأعصار فلا يكفى على هذا وجود التصحيح بلإسناد صحيح كما لا يكفى فى
التصحيح بوجود أصل الحديث بإسناد صحيح
ولكن قد تقدم أن اختياره هذا خالفه فيه النووى وغيره من أهل الحديث فإن
العمل على خلافه كما تقدم والله أعلم
وقوله ويكفى مجرد كونه موجودا فى كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب
ابن خزيمة وكذلك ما يوجد فى الكتب المخرجة على كتاب البخارى وكتاب مسلم ككتاب أبى عوانة
الاسفراينى وكتاب أبى بكر الاسماعيلى وكتاب أبى بكر البرقانى وغيرها من تتمة
لمحذوف أو زيادة شرح فى كثير من أحاديث الصحيحين وكثير من هذا موجود فى الجمع بين
الصحيحين لأبي عبد الله الحميدى انتهى كلامه وهو يقتضى أن ما وجد من الزيادات على
الصحيحين فى كتاب الحميدى يحكم بصحته وليس كذلك لأن المستخرجات المذكورة قد رووها
بأسانيدهم الصحيحة فكانت الزيادات التى تقع فيها صحيحة لوجودها بإسناد صحيح فى
كتاب مشهور على رأي
29 المصنف وأما الذى زاده الحميدى فى الجمع بين
الصحيحين فإنه لم يروه بإسناده حتى ينظر فيه ولا أظهر لنا اصطلاحا أنه يزيد فيه
زوايد التزم فيها الصحة فيقلد فيها وإنما جمع بين كتابين وليست تلك الزيادات فى
واحد من الكتابين فهى غير مقبولة حتى توجد فى غيره بإسناد صحيح والله أعلم وقد نص المصنف بعد هذا فى الفائدة الخامسة
التى تلى هذه أن من نقل شيئا من زيادات الحميدى عن الصحيحين أو أحدهما فهو مخطئ
وهو كما ذكر فمن أنزله أن تلك الزيادات محكوم بصحتها بلا مستند فالصواب ما ذكرناه
والله أعلم قوله واعتنى الحاكم أبو
عبد الله الحافظ بالزيادة فى عدد الحديث الصحيح على ما فى الصحيحين وجمع ذلك فى
كتاب سماه المستدرك أودعه ما ليس فى واحد من الصحيحين مما رآه على شرط الشيخين قد
أخرجا عن رواته فى كتابيهما الى آخر كلامه فيه أمران أحدهما أن قوله أودعه ما ليس
فى واحد من الصحيحين لبس كذلك فقد أودعه أحاديث مخرجه فى الصحيح وهما منه فى ذلك
وهى أحاديث كثيرة منها حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعا لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن
الحديث رواه الحاكم فى مناقب أبى سعيد الخدرى وقد أخرجه مسلم فى صحيحه وقد بين الحافظ أبو عبد الله الذهبى فى
مختصر المستدرك كثيرا من الأحاديث
30 التى أخرجها فى المستدرك وهى فى الصحيح الأمر الثانى أن قوله مما رآه على شرط
الشيخين قد أخرجا عن رواته فى كتابيهما فيه بيان أن ما هو على شرطهما هو مما أخرجا
عن رواته فى كتابيهما ولم يرد الحاكم ذلك فقد قال فى خطبة كتابه المستدرك وأنا
أستعين الله تعالى على اخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج مثلها الشيخان أو أحدهما
فقول الحاكم بمثلهما أى بمثل رواتها لابهم أنفسهم ويحتمل أن يراد بمثل تلك
الأحاديث وفيه نظر ولكن الذى ذكره
المصنف هو الذى فهمه ابن دقيق العيد من عمل الحاكم فإنه ينقل تصحيح الحاكم لحديث
وأنه على شرط البخارى مثلا ثم يعترض عليه بأن فيه فلانا ولم يخرج له البخارى وهكذا
فعل الذهبى فى مختصر المستدرك ولكن ظاهر كلام الحاكم المذكور مخالف لما فهموه عنه
والله أعلم قوله عند ذكر تساهل الحاكم
فالأولى أن تتوسط فى أمره فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة ان
لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به إلا أن تظهر فيه علة
توجب ضعفه انتهى كلامه وقد تعقبه بعض
من اختصر كلامه وهو مولانا قاضى القضاه بدر الدين بن جماعة فقال إنه يتتبع ويحكم
عليه بما يليق بحاله من الحسن أو الصحة أو الضعف وهذا هو الصواب إلا أن الشيخ أبا عمرو رحمه الله رأيه أنه
قد انقطع التصحيح فى هذه الأعصار فليس لأحد أن يصحح فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه
والله أعلم قوله ويقاربه فى حكمه صحيح
أبى حاتم بن حبان البستى انتهى وقد فهم
بعض المتأخرين من كلامه ترجيح كتاب الحاكم على كتاب ابن حبان فاعترض على كلامه هذا
بأن قال أما صحيح ابن حبان فمن عرف شرطه واعتبر كلامه
31 عرف سموه على كتاب الحاكم وما فهمه هذا
المعترض من كلام المصنف ليس بصحيح وإنما أراد أنه يقاربه فى التساهل فالحاكم أشد
تساهلا منه وهو كذلك قال الحازمى ابن حبان أمكن فى الحديث من الحاكم قوله ثم ان التخاريج المذكورة على الكتابين
يستفاد منها فائدتان فذكرهما
32 ولو قال أن هاتين الفائدتين من فائدة
المستخرجات كان أحسن فإن فيها غير هاتين الفائدتين فمن ذلك تكثير طرق الحديث ليرجح
بها عند التعارض قوله وأما الذى حذف
من مبتدإ إسناده واحد أو أكثر وأغلب ما وقع ذلك فى البخارى وهو فى كتاب مسلم قليل
جدا ففى بعضه نظر وينبغى أن يقول ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم وحكم به على من
علقه عنه فقد حكم بصحته عنه مثاله قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال
ابن عباس كذا قال مجاهد كذا قال عفان كذا قال القعنبى كذا روى أبو هريرة كذا وما
أشبه ذلك من العبارات فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه فلن
يستجيز إطلاق ذلك إلا اذا صح عنده ذلك عنه ثم اذا كان الذى علق الحديث عنه دون
الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابى وأما ما لم يكن فى لفظه جزم وحكم مثل روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وروى عن فلان كذا وفى الباب عن
النبى صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وما أشبهه من الألفاظ ليس منه حكم منه
بصحة ذلك من ذكره عنه لأن مثل هذه العبارات تستعمل فى الحديث الضعيف أيضا ومع ذلك
فإيراده له فى أثناء الصحيح مستعد بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه والله أعلم
انتهى كلامه وفيه أمور أحدها أن قوله
وهو فى مسلم قليل جدا هو ما ذكر ولكنى رأيت أن أبين موضع ذلك القليل ليضبط فمن ذلك
قول مسلم فى التيمم وروى الليث ابن سعد حدثنى جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز
الأعرج عن عمير مولى بن عباس أنه سمعه يقول أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى
ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبى الجهيم بن الحارث بن العمة
الأنصارى فقال أبو الجهيم أقبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم من نحو بير جمل الحديث
33 وقال مسلم فى البيوع وروى الليث بن سعد حدثنى
جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن ابن هرمز عن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك
أنه كان له مال على عبد الله بن أبى حدرد الأسلمى الحديث وقال مسلم فى الحدود وروى الليث أيضا عن
عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله وهذان الحديثان
الأخيران قد رواهما مسلم قبل هذين الطريقين متصلا ثم عقبهما بهذين الإسنادين
المعلقين فعلى هذا ليس فى كتاب مسلم بعد المقدمة حديث معلق لم يوصله إلا حديث أبى
الجهم المذكور وفيه بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا ثم عقبه بقول ورواه فلان وقد
جمعها الرشيد العطار فى الغرر والمجموعة وقد تبينت ذلك كله فى كتاب جمعته فيما
تكلم فيه من أحاديث الصحيحين بضعف أو انقطاع والله أعلم الأمر الثانى أن قوله فى أمثلة ما حذف من
مبتدإ إسناده واحد أو أكثر قال عفان كذا قال القعنبى كذا ليس بصحيح ولم يسقط من
هذا الإسناد شئ فإن عفان والعقنبى كلاهما من شيوخ البخارى الذين سمع منهم فما روى
عنهما ولو بصيغة لا نقتضى التصريح بالسماع فهو محمول على الاتصال وقد ذكره ابن
الصلاح كذلك على الصواب فى النوع الحادى عشر من كتابه فى الرابع من التفريعات التى
ذكرها فيه فأنكر على ابن حزم حكمه بالانقطاع على حديث أبى مالك الأشعرى أو أبى
عامر فى تحريم المعازف لأن البخارى أورده قائلا فيه قال هشام بن عمار وهشام بن
عمار أحد شيوخ البخارى وذكر المصنف هنا من أمثلة التعليق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال ابن عباس كذا
وكذا روى أبو هريرة كذا وكذا قال الزهرى عن أبى سلمة
34 عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وهكذا إلى شيوخ
شيوخه قال وأما ما أورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا فى الثالث من
هذه التفريعات انتهى كلامه وسيأتى هناك ذكر ما يعكر على كلامه فراجعه والذى ذكره
فى ثالث التفريعات أن من روى عمن لقيه بأى لفظ كان فإن حكمه الاتصال بشرط السلامة
من التدليس هذا حاصل ما ذكره وهو الصواب وليس البخارى مدلسا ولم يذكره أحد
بالتدليس فيما رأيت إلا أبا عبد الله بن منده فإنه قال فى جزء له فى اختلاف الأئمة
فى القراءة والسماع والمناولة والإجازة أخرج البخارى فى كتبه الصحيحة وغيرها قال
لنا فلان وهى إجازة وقال فلان وهو تدليس قال وكذلك مسلم أخرجه على هذا انتهى كلام
ابن منده وهو مردود عليه ولم يوافقه عليه أحد علمته والدليل على بطلان كلامه أنه ضم مع البخارى
مسلما فى ذلك ولم يقل مسلم فى صحيحه بعد المقدمة عن أحد من شيوخه قال فلان وإنما
روى عنهم بالتصريح فهذا يدلك على توهين كلام ابن منده لكن سيأتى فى النوع الحادى
عشر ما يدلك على أن البخارى قد يذكر الشئ عن بعض شيوخه ويكون بينهما واسطة وهذا هو
التدليس فالله أعلم الأمر الثالث أن
قوله ثم إذا كان الذى علق عنه الحديث دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال
الإسناد بينه وبين الصحابى فيه نقص لابد منه وهو
35 أنه يشترط مع اتصاله ثقة من أبرزه من رجاله
ويحترز بذلك عن مثل قول البخارى وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يستحى منه وقد ذكر المصنف بعد هذا
أن هذا ليس من شرط البخارى قطعا قال ولذلك لم يورده الحميدى فى جمعه بين الصحيحين الأمر الرابع أنه اعترض على المصنف فيما
قاله من ان ما كان مجزوما به فقد حكم بصحته عمن علقه عنه وما لم يكن مجزوما به
فليس فيه حكم بصحته وذلك لأن البخارى يورد بصيغة الشئ التمريض ثم يخرجه فى صحيحه
مسندا ويجزم بالشئ وقد يكون لا يصح ثم استدل المعترض بذلك بأن البخارى قال فى كتاب
الصلاة ويذكر عن أبى موسى كنا نتناوب النبى
صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء
ثم أسنده فى باب فضل العشاء وقال فى كتاب الطب ويذكر عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم فى الرقى بفاتحة الكتاب وهو مذكور عنده هكذا
قال حدثنا سيدان بن مضارب حدثني أبو معشر البراء حدثنا عبد الله بن الأخنس عن ابن
أبى مليكة عن ابن عباس به وقال فى كتاب الأشخاص ويذكر عن جابر أن النبى
صلى الله عليه وسلم رد على المتصدق
صدقته قال وهو حديث صحيح عنده دبر رجل
عبدا ليس له مال غيره فباعه النبى صلى
الله عليه وسلم من نعيم بن النحام وقال فى كتاب الطلاق ويذكر عن على بن أبى طالب
وبن المسيب وذكر نحوا من ثلاثة وعشرين تابعيا كذا قال وفيها ما هو صحيح عنده وفيها
ما هو ضعيف أيضا ثم استدل على الثانى بأن البخارى قال فى كتاب التوحيد فى باب وكان
عرشه على الماء إثر حديث أبى سعيد الناس يصعقون يوم القيامة فإذا أنا بموسى قال
وقال الماجشون وعن عبد الله بن الفضل عن أبى سلمة عن أبى هريرة فأكون أول من بعث
فذكر فى أحاديث الأنبياء حديث الماجشون هذا عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبى
هريرة وكذا رواه مسلم والنسائى ثم قال قال أبو مسعود إنما يعرف عن الماجشون عن ابن
الفضل عن الأعرج انتهى ما اعترض به عليه
والجواب أن ابن الصلاح لم يقل إن صيغة التمريض لا تستعمل إلا فى الضعيف بل
فى كلامه أنها تستعمل فى الصحيح أيضا ألا ترى قوله لأن مثل هذه العبارات
36 تستعمل فى الحديث الضعيف أيضا فقوله أيضا دال
على أنها تستعمل فى الصحيح أيضا فاستعمال البخارى لها فى موضع الصحيح ليس مخالفا
لكلام ابن الصلاح وإنما ذكر المصنف أنا إذا وجدنا عنده حديثا مذكورا بصيغة التمريض
ولم يذكره فى موضع آخر من كتابه مسندا أو تعليقا مجزوما به لم يحكم عليه بالصحة
وهو كلام صحيح ونحن لم نحكم على
الأمثلة التى اعترض بها المعترض إلا بوجودها فى كتابه مسنده فلو لم نجدها فى كتابه
إلا فى مواضع التمريض لم نحكم بصحتها على أن هذه الأمثلة الثلاثة التى اعترض بها
يمكن الجواب عنها بما ستراه والبخارى
رحمه الله حيث علق ما هو صحيح إنما يأتى به بصيغة الجزم وقد يأتى به بغير صيغة
الجزم لغرض آخر غير الضعف وهو إذا اختصر الحديث وآتى به بالمعنى عبر بصيغة التمريض
لوجود الخلاف المشهور فى جواز الرواية بالمعنى والخلاف أيضا فى جواز اختصار الحديث
وإن رأيت أن يتضح لك ذلك فقابل بين موضع التعليق وبين موضع الإسناد تجد ذلك
واضحا فأما المثال الأول فقال البخارى
فى باب ذكر العشاء والعتمة ويذكر عن أبى موسى كنا نتناوب النبى صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء فأعتم بها ثم قال فى باب فضل
العشاء حدثنا محمد بن العلا حدثنا أبو أسامة عن يزيد عن أبى بردة عن أبى موسى قال
كنت أنا وأصحابى الذين قدموا معى فى السفينة نزولا فى بقيع بطحان والنبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكان يتناوب النبى صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم فواقفنا
النبى صلى الله عليه وسلم وله بعض الشغل فى بعض أمره فأعتم بالصلاة حتى
أبهار الليل الحديث فانظر كيف اختصره
هناك وذكره بالمعنى فلهذا عدل عن الجزم لوجود الخلاف فى حواز ذلك والله أعلم وأما المثال الثانى فقال البخارى فى الطب
باب الرقا بفاتحة الكتاب ويذكر عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال بعده باب الشروط فى
الرقية بقطيع من الغنم سيدان بن مضارب أبو محمد الباهلى قال حدثنا أبو معشر يوسف
بن يزيد البراء
37 قال حدثنى عبد الله بن الأخنس أبو مالك عن
ابن أبى مليكه عن ابن عباس أن نفرا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من
أهل الماء فقال هل فيكم من راق فإن فى الماء رجلا لديفا أو سليما فانطلق رجل منهم
فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك فقالوا أخذت
على كتاب الله أجرا فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إن أحق ما أخذتم عليه
أجرا كتاب الله انتهى وإنما لم يأت به البخارى فى الموضع الأول
مجزوما به لقوله فيه عن النبى صلى الله
عليه وسلم والرقية بفاتحة الكتاب ليست فى
الحديث المتصل من قول النبى صلى الله عليه
وسلم ولا من فعله وإنما ذلك من تقديره على
الرقية بها وتقريره أحد وجوه السنن ولكن عزوه إلى النبى صلى الله عليه وسلم من باب الرواية بالمعنى والذى يدلك على أن البخارى إنما لم يجزم به
لما ذكرناه أنه علقه فى موضع آخر بلفظه فجزم به فقال فى كتاب الإجازة باب ما يعطى
فى الرقية بفاتحة الكتاب وقال ابن
عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله على أنه يجوز أن يكون الموضع الذى ذكره
البخارى بغير إسناد عن ابن عباس مرفوعا حديثا آخر فى الرقية بفاتحة الكتاب غير
الحديث الذى رواه كنحو ما وقع فى حديث جابر المذكور بعده وأما المثال الثالث فقوله رد على المتصدق
صدقته هو بغيرلفظ بيع العبد المدبر بل أزيد على هذا وأقول الظاهر أن البخارى لم
يرد الصدقة حديث جابر المذكور فى بيع المدبر وإنما أراد والله أعلم حديث جابر فى
الرجل الذى دخل والنبى صلى الله عليه
وسلم يخطب فأمرهم فتصدقوا عليه فجاء فى
الجمعة الثانية فأمر النبى صلى الله عليه
وسلم بالصدقة فقام ذلك المتصدق عليه فتصدق
بأحد ثوبيه فردة عليه النبى صلى الله عليه
وسلم
38 وهو حديث ضعيف رواه الدارقطنى وهو الذى تأول
به الحنفية قصة سليك الغطفانى فى أمره بتحية المسجد حين دخل فى حال الخطبة والله
أعلم وأما المثال الرابع وهو قوله
ويذكر عن على بن أبى طالب إلى آخره فليس فيه عليه اعتراض لأنه إذا جمع بين ما صح
وبين ما لم يصح أتى بصيغة التمريض لأن صيغة التمريض تستعمل فى الصحيح ولا تستعمل
ولا تستعمل صيغة الجزم فى الضعيف وأما عكس هذا وهو الإتيان بصيغة الجزم فيما ليس
بصحيح فهذا لا يجوز ولا يظن بالبخارى رحمه الله ذلك ولا يمكن أن يجزم بشئ إلا وهو
صحيح عنده وقول البخارى فى التوحيد
وقال الماجشون إلى آخره هو صحيح عند البخارى بهذا السند وكونه رواه فى أحاديث
الأنبياء متصلا فجعل مكان أبى سلمة الأعرج فهذا لا يدل على ضعف الطريق التى فيها
أبو سلمة ولا مانع من أن يكون عند الماجشون فى هذا الحديث إسنادان وأن شيخه عبد
الله بن الفضل سمعت من شيخين من الأعرج ومن أبى سلمة فرواه مرة عن هذا ومرة عن هذا
ويكون الإسناد الذى وصله به البخارى أصح من الإسناد الذى علقه به ولا يحكم على
البخارى بالوهم والغلط بقول أبى مسعود الدمشقى بقوله إنه إنما يعرف عن الأعرج فقد
عرفه البخارى عنهما ووصله مرة عن هذا أو علقه مرة عن هذا الأمر اقتضى ذلك فما وصل
إسناده صحيح وما علقه وجزم به يحكم عليه أيضا بالصحة والله أعلم قوله وكذلك مطلق قول الحافظ أبى نصر الوائلى
السجزى أجمع أهل العلم
39 الفقهاء وغيرهم أن رجلا لو حلف بالطلاق أن
جميع ما فى كتاب البخارى مما روى عن النبى
صلى الله عليه وسلم قد صح عنه
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها فى
حبالته انتهى وما ذكره الوايلى لا
يقتضى أنه لا يشك فى صحته ولا أنه مقطوع به لأن الطلاق لا يقع بالشك وقد ذكر
المصنف هذا فى شرح مسلم له فإنه حكى فيه عن إمام الحرمين أنه لو حلف إنسان بطلاق
امرأته أنما فى كتاب البخارى ومسلم مما حكما بصحته من قول النبى
صلى الله عليه وسلم لما ألزمته الطلاق ولا خثته لإجماع علماء المسلمين على
صحتهما ثم قال الشيخ أبو عمرو ولقائل
أن يقول إنه لا يحنث ولو لم يجمع المسلمون على صحتهما للشك فى الحنث فإنه لو حلف
بذلك فى حديث ليس هذه صفته لو يحنث وإن كان راويه فاسقا فعدم الحنث حاصل قبل
الإجماع فلا يضاف إلى الإجماع ثم قال
الشيخ أبو عمرو والجواب أن المضاف إلى الإجماع هو القطع بعدم الحنث ظاهرا وباطنا
وأما عند الشك فمحكوم به ظاهرا مع احتمال وجوده باطنا فعلى هذا يحمل كلام أمام
الحرمين فهو الأليق بتحقيقه وقال
النووى فى شرح مسلم إن ما قاله الشيخ فى تأويل كلام إمام الحرمين فى عدم الحنث فهو
بناء على ما اختاره الشيخ وأما على مذهب الأكثرين فيحتمل أنه أراد أنه لا يحنث
ظاهرا ولا يستحب له التزام الحنث حتى يستحب له الرجعة كما إذا حلف بمثل ذلك فى غير
الصحيحين فإنا لا نحنثه لكن تحب له الرجعة احتياطا لاحتمال الحنث وهو احتمال
ظاهر قال وأما الصحيحان فاحتمال الحنث
فيهما فى غاية من الضعف فلا يحب له الرجعة لضعف احتمال موجبها
40 قوله مثل قول البخارى باب ما يذكر فى
الفخد ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبى صلى الله عليه وسلم الفخد عورة انتهى
اعترض عليه بأن حديث جرهد صحيح وعلى تقدير صحة حديث جرهد ليس على المصنف رد
لأنه لم ينف صحته مطلقا لكن نفى كونه من شرط البخارى فإنه لما مثل به وبحديث بهز
بن حكيم قال فهذا قطعا ليس من شرطه على أنا لا نسلم أيضا صحته لما فيه من الاضطراب
فى إسناده فقيل عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه عن جده وقيل عن زرعة عن جده
ولم يذكر أباه وقيل عن أبيه عن النبى صلى
الله عليه وسلم لم يذكر جده وقيل عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن أبيه عن جده وقيل عن
زرعة بن مسلم عن جده ولم يذكر أباه وقيل عن ابن جرهد عن أبيه ولم يتم وقيل عن عبد
الله بن جرهد عن أبيه وقد أخرجه أبو
داود وسكت عليه والترمذى من طرق وحسنه وقال فى بعض طرقه وما أرى إسناده بمتصل
41 وقال البخارى فى صحيحه حديث أنس أسند
وحديث جرهد أحوط قوله عند ذكر أقسام
الصحيح فأولها صحيح أخرجه البخارى ومسلم جميعا انتهى اعترض عليه بأن الأولى أن نقول صحيح على
شرط الستة وقيل فى الاعتراض عليه أيضا الصواب أن يقول أصحها ما رواه الكتب الستة
والجواب أن من لم يشترط فى كتابه الصحيح لا يزيد تخريجه للحديث قوة نعم ما اتفق
الستة على توثيق رواته أولى بالصحة مما اختلفوا فيه وإن اتفق عليه الشيخان قوله فى الحديث المتفق عليه وهذا القسم
جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقينى النظرى واقع به إلى آخر كلامه وقال فى آخره سوى
أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطنى وغيره وهى معروفة عند
أهل هذا الشأن انتهى كلامه وفيه أمران
أحدهما أن ما ادعاه من أن ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته قد سبقه إليه الحافظ أبو
الفضل محمد بن طاهر المقدسى وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف فقالا إنه
مقطوع به وقد عاب الشيخ عز الدين بن عبد السلام على ابن الصلاح هذا وذكر أن بعض
المعتزلة يرون أن الأمة إذا عملت بحديث
42 اقتضى ذلك القطع بصحته قال وهو مذهب ردئ وقال الشيخ محيى الدين النووى فى التقريب
والتيسير خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون فقالوا يفيد الظن ما لم يتواتر وقال فى شرح مسلم نحو ذلك بزيادة قال ولا
يلزم من اجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه كلام النبى صلى الله عليه وسلم قال وقد اشتد إنكار ابن
برهان الإمام على من قال بما قاله الشيخ وبالغ فى تغليظه الأمر الثانى إن ما استثناه من المواضع
اليسيرة قد أجاب العلماء عنها بأجوبة ومع ذلك فليست بيسيرة بل هى مواضع كثيرة وقد
جمعتها فى تصنيف مع الجواب عنها وقد ادعى ابن حزم فى أحاديث من الصحيحين أنها
موضوعة ورد عليه ذلك كما بينته فى التصنيف المذكور والله أعلم قوله إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة
الصحيح والحسن الآن فى مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة فسبيل من أراد
العلم أو الاحتجاج بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو الاحتجاج به لذى
مذهب أن يرجع
43 إلى أصل قد قابله هو أو ثقه غير بأصول صحيحة
متعددة مروية بروايات متنوعة إلى آخر كلامه ما اشترطه المصنف من المقابلة بأصول
متعددة قد خالفه فيه الشيخ محيى الدين النووى فقال وإن قابلها بأصل معتمد محقق
أجزأه قلت وفى كلام ابن الصلاح فى موضع آخر ما يدل على عدم اشتراط تعدد الأصول
فإنه حين تكلم فى نوع الحسن أن نسخ الترمذى تختلف فى قوله حسن أو حسن صحيح ونحو
ذلك قال فينبغى أن تصحح أصلك بجماعة أصول وتعتمد على ما أتفقت عليه فقوله هنا ينبغى
يعطى عدم اشتراط والله أعلم
النوع الثانى معرفه الحسن
قوله روينا عن أبى سليمان الخطابى رحمه
الله تعالى أنه قال الحسن ما عرف مخرجه واشتهر رجاله انتهى ثم ذكر الشيخ بعد ذلك أنه ليس فى كلام
الترمذى والخطابى ما يفضل الحسن من الصحيح انتهى وفيه أمران أحدهما أن ما حكاه من
صيغة كلام الخطابى قد اعترض عليه فيه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد
فيما حكاه الحافظ أبو الفتح اليعمرى فى شرح الترمذى فقال إنه رآه بخط الحافظ أبى
على الجيانى أنه ما عرف مخرجه واستقر حاله أى بالسين المهملة وبالقاف وبالحاء
المهملة دون راء فى أوله قال ابن رشيد وأنا بحظ الجيانى عارف انتهى
44 وما اعترض به ابن رشيد مردود فإن الخطابى
قد قال ذلك فى خطبة كتابه معالم السنن وهو فى النسخ الصحيحة المعتمدة المسموعة كما
ذكره المصنف واشتهر رجاله وليس لقوله واستقر حاله كبير معنى والله أعلم الأمر الثانى أن ما ذكره من أنه ليس فى
كلام الخطابى ما يفصل الحسن من الصحيح ذكره ابن دقيق العيد أيضا فى الاقتراح وزاده
وضوحا فقال ليس فى عبارة الخطابى كبير تلخيص وأيضا فالصحيح قد عرف مخرجه واشتهر
رجاله فيدخل الصحيح فى الحسن واعترض الشيخ تاج الدين التبريزى على كلام الشيخ تقى
الدين بقوله فيه نظر لأنه ذكر من بعد أن الصحيح أخص من الحسن قال ودخول الخاص فى
حد العام ضرورى والتقييد بما يخرجه للحد وهو اعتراض متجه وقد أجاب بعض المتأخرين
عن استشكال حدى الترمذى والخطابى بأن قول الخطابى ما عرف مخرجه هو كقول الترمذى
ويروى نحوه من غير وجه وقول الخطابى اشتهر رجاله يعنى بالسلامة من وصمة الكذب هو
كقول الترمذى ولا يكون فى إسناده من يتهم بالكذب وزاد الترمذى ولا يكون شاذا ولا
حاجة إلى ذكره لأن الشاذ ينافى عرفان المخرج فكأنه كرره بلفظ متباين فلا إشكال
فيما قالاه انتهى وما فسر به قول
الخطابى ما عرف مخرجه بأن يروى من غير وجه لا يدل عليه كلام الخطابى أصلا بل الذى
رأيته فى كلام بعض الفضلاء أن فى قوله ما عرف مخرجه إحترازا عن المرسل وعن خبر
المدلس قبل أن يبين تدليسه وهذا أحسن فى تفسير كلام الخطابى لأن المرسل الذى سقط
بعض إسناده وكذلك المدلس الذى سقط منه بعضه لا يعرف فيهما مخرج الحديث لأنه لا
يدرى من سقط من إسناده بخلاف من أبرز جميع رجاله فقد عرف مخرج الحديث من أين والله
أعلم قوله وروينا عن أبى عيسى الترمذى
رحمه الله أنه يريد بالحسن أن لا يكون فى إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون شاذا أو
يروى من غير وجه نحو ذلك إنتهى
45 اعترض بعض من اختصر كلام ابن الصلاح عليه
فى حكاية هذا عن الترمذى وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال وهذا إن كان قد روى
عن الترمذى أنه قاله ففى أى كتاب له قاله وأين إسناده عنه وإن كان فهم من اصطلاحه
فى كتابه الجامع فليس ذلك بصحيح فإنه يقول فى كثير من الأحاديث هذا حديث حسن غريب
لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى وهذا
الإنكار عجيب فإنه فى آخر العلل التى فى آخر الجامع وهى داخلة فى سماعنا وسماع
المنكر لذلك وسماع الناس نعم ليست فى رواية كثير من المغاربة فإنه وقعت لهم رواية
المبارك ابن عبد الجبار الصيرفى وليست فى روايته عن أبى يعلى أحمد ابن عبد الواحد
وليست فى رواية أبى يعلى عن أبى على السنجى وليست فى رواية أبى على السنجى عن أبى
العباس المحبوبى صاحب الترمذى ولكنها فى رواية عبد الجبار ابن محمد الجراحى عن
المحبوبى ثم اتصلت عنه بالسماع إلى زماننا بمصر والشام وغيرهما من البلاد
الاسلامية ولكن استشكل أبو الفتح اليعمرى كون هذا الحد الذى ذكره الترمذى اصطلاحا
عاما لأهل الحديث فنورد لفظ الترمذى أولا
قال أبو عيسى وما ذكرنا فى هذا الكتاب حديث حسن إنما أردنا به حسن إسناده
عندنا كل حديث يروى لا يكون فى إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذا ويروى
من غير وجه نحو ذاك فهو عندنا حديث حسن انتهى كلامه فقيد الترمذى تفسير الحسن بما ذكره فى
كتابه الجامع فلذلك قال أبو الفتح اليعمرى فى شرح الترمذى إنه لو قال قائل إن هذا
إنما اصطلح عليه الترمذى فى كتابه هذا ولم ينقله اصطلاحا عاما كان له ذلك فعلى هذا
لا ينقل عن الترمذى حد الحديث الحسن بذلك مطلقا فى الاصطلاح العام والله أعلم قوله وقال بعض المتأخرين الحديث الذى فيه
ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن انتهى
وأراد المصنف ببعض المتأخرين هنا أبا الفرج ابن الجوزى فإنه قال هكذا فى
كتابيه الموضوعات والعلل المتناهية
46 قال الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد فى
الاقتراح إن هذا ليس مضبوطا بضابط يتميز به القدر المحتمل من غيره قال وإذا اضطرب
هذا الوصف لم يحصل التعريف المميز للحقيقة
قوله وقد أمعنت النظر فى ذلك والبحث جامعا بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع
استعمالهم فتنقح لى واتضح أن الحديث الحسن قسمان إلى آخر كلامه وقد أنكر بعض
العلماء المتأخرين لفظ إلا معان وقال إنه ليس عربيا وكذلك قول الفقهاء فى التنعم
أمعن فى الطلب ونحو ذلك وقد نظرت فى
ذلك فوجدته مأخوذا من أمعن الفرس فى عدوه أو من أمعن الماء إذا استنبطه وأخرجه وقد
حكى الأزهرى فى تهذيب اللغة عن الليث بن المظفر أمعن الفرس وغيره إذا تباعد فى
عدوه وكذا قال الجوهرى فى الصحاح وحكاه الأزهرى أيضا أمعن الماء إذا أحراه ويحتمل
أنه من أمعن إذا أكثر وهو من الامداد قال أبو عمر والمعن القليل والمعن الكثير
والمعن الطويل والمعن القصير والمعن الإقرار بالحق والمعن الجحود والكفر للنعم
والمعن الماء الطاهر وما ذكره المصنف
من كون الحديث الحسن على قسمين إلى آخر كلامه قد أخذ
47 عليه فيه الشيخ تقى الدين فى الاقتراح إجمالا
فقال بعد أن حكى كلامه وعليه فيه مؤاحذات ومناقشات وقال بعض المتأخرين يرد على القسم الأول
المنقطع والمرسل الذى فى رجاله مستور وروى مثله أو نحوه من وجه آخر ويرد على
الثانى المرسل الذى اشتهر رواته بما ذكر قال فالأحسن أن يقال الحسن ما فى إسناده
المتصل مستور له به شاهد أو مشهود قاصر عن درجة الإتقان وخلا من العلة والشذوذ
والله أعلم قوله الحسن يتقاصر عن
الصحيح فى أن الصحيح من شرطه أن يكون جميع رواته قد تبينت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم
إما بالنقل الصريح أو بالاستفاضة على ما سيبينه إن شاء الله تعالى وذلك غير مشترط
فى الحسن فإنه يكتفى فيه بما سبق ذكره من مجئ الحديث من وجوه وغير ذلك مما تقدم
شرحه انتهى كلامه وفيه أمران أحدهما أنه قد اعترض عليه بأن جميع رواة الصحيح لا
يوجد فيهم هذه الشروط إلا فى النذر اليسير إنتهى
48 والجواب أن العدالة تثبت إما بالتنصيص
عليها كالمصرح بتوثيقهم وهم كثير أو بتخريج من التزم الصحة فى كتابه له فالعدالة
أيضا تثبت بذلك وكذلك الضبط والإتقان درجاته متفاوتة فلا يشترط أعلا وجوه الضبط
كمالك وشعبة بل المراد بالضبط أن لا يكون مغفلا كثير الغلط وذلك بأن يعتبر حديثه
بحديث أهل الضبط والإتقان فان وافقهم غالبا فهو ضابط كما ذكره المصنف فى المسألة
الثانية من النوع الثالث والعشرين وإذا كان كذلك فلا مانع من وجود هذه الصفات فى
رواة صحيح الأحاديث والله أعلم الأمر
الثانى أن قوله فى الحسن إنه يكتفى فيه بما سبق ذكره من مجى الحديث من وجوه فيه
نظر إذ لم يسبق اشتراط مجيئه من وجوه بل من غير وجه كما سبق ذلك فى كلام الترمذى
وعلى هذا فمجيئه من وجهين كاف فى حد الحديث الحسن والله أعلم قول حكاية عن نص الشافعى رضى الله عنه فى
مراسل التابعين أنه يقبل منها المرسل الذى جاء نحوه مسندا وكذلك لو وافقه مرسل آخر
أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعى الأول فى كلام له ذكر فيه وجوها من الاستدلال
على صحة مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر انتهى كلامه وفيه نظر من حيث أن الشافعى
رضى الله عنه إنما يقبل من المراسيل التى اعتضدت بما ذكر مراسيل كبار التابعين
بشروط أخرى فى من أرسل كما نص عليه فى الرسالة فقال والمنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبى صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور منها أن ينظر إلى ما أرسل من
الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى كانت هذه
دلالة على صحة ما قيل عنه وحفظه
49 وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من
يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك ويعتبر عليه بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل
العلم من غير رجاله الذين قبل عنهم فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوى له مرسلة وهى أضعف
من الأولى فإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض
ما يروى عن بعض أصحاب النبى صلى الله عليه
وسلم قولا له فإن وجد يوافق ما روى عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فى هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا
عن أصل يصح إن شاء الله وكذلك إن وجد عوام من أهل للعلم يفتون بمثل معنى ما روى عن
النبى صلى الله عليه وسلم ثم يعتبر عليه
بأن يكون إذا سمى من روى عنه الأصل لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه
فيستدل بذلك على صحته فيما روى عنه ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ فى حديثه لم
يخالفه فان وجد حديثه أنقص كانت فى هذه دلائل على صحة مخرج حديثه ومتى خالف ما
وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدا قبول مرسله قال وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما
وصفت أحببنا أن نقبل مرسله ثم قال فأما من بعد كبار التابعين فلا أعلم واحدا يقبل
مرسله لأمور أحدها أنهم أشد تجوزا فيمن يروون عنه والآخر أنه وجد عليهم الدلائل
فيما أرسلوا لضعف مخرجه والآخر كثر الإحالة فى الأخبار وإذا كثرت الإحالة كان أمكن
للوهم وضعف من يقبل عنه هذه عبارة الشافعى رحمه الله فى الرسالة ورواها عنه
بالإسناد الصحيح
50 البيهقى فى المدخل والخطيب فى الكفاية وعلى
هذا فاطلاق الشيخ النقل عن الشافعى ليس بجيد وقد تبعه على ذلك الشيخ محيى الدين فى
عامة كتبه ثم تنبه لذلك فى شرح الوسيط المسمى بالتنقيح وهو من أواخر تصانيفه فقال
فيه وأما الحديث المرسل فليس بحجة عندنا إلا أن الشافعى قال يجوز الاحتجاج بمرسل
الكبار من التابعين بشرط أن يعتضد بأحد أمور أربعة فذكرها وقول النووى هنا يجوز الاحتجاج أخذه من عبارة
الشافعى فى قوله أحببنا أن نقبل مرسله وقد قال البيهقى فى المدخل إن قول الشافعى
أحببنا أراد به اخترنا انتهى وعلى هذا
فلا يلزم أن يكون الاحتجاج به جائزا فقط بل يقال اختار الشافعى الاحتجاج بالمرسل
الموصوف بما ذكر أما كونه على سبيل الجواز أو الوجوب فلا يدل عليه كلامه والله
اعلم قوله الثانى لعل الباحث الفهم
يقول إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها
51 قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل
حديث الأذنان من الرأس ونحوة إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن هذا الحديث رواه ابن
حبان فى صحيحه والجواب أن ابن حبان
أخرجه من رواية شهر بن حوشب عن أبى أمامة وشهر ضعفه الجمهور ومع هذا فهو من قول
أبى أمامة موقوفا عليه وقد بينه أبو داود فى سننه عقب تخريجه له فذكر عن سليمان بن
حرب قال يقولها أبو أمامة وقال حماد بن زيد فلا أدرى أهو من قول النبى صلى الله عليه وسلم أو أبى أمامة وكذا ذكر
الترمذى قول حماد بن زيد ثم قال الترمذى هذا حديث ليس اسناده بذاك القائم انتهى
وقد روى حديث جماعة من الصحابة جمعهم ابن الجوزى فى العلل المتناهية وضعفها كلها
والله أعلم قوله الرابع كتاب أبى عيسى
الترمذى رحمه الله أصل فى معرفة الحديث الحسن وهو الذى نوه باسمه وأكثر من ذكره فى
جامعه ويوجد فى متفرقات من كلام بعض
52 مشايخه والطبقة التى قبله كأحمد بن حنبل
والبخارى وغيرهما انتهى وقد وجد
التعبير به فى شيوخ الطبقة التى قبله أيضا كالشافعى رحمه الله تعالى فقال فى كتاب
اختلاف الحديث عند ذكر حديث ابن عمر
لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا
الحديث حديث ابن عمر مسند حسن الإسناد وقال فيه أيضا وسمعت من يروى بإسناد
حسن أن أبا بكرة ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم أنه ركع دون الصف الحديث
وقد اعترض أيضا على المصنف فى قوله أن الترمذى أكثر من ذكره فى جامعه بأن
يعقوب بن شيبة فى مسنده وأبا على الطوسى شيخ أبى حاتم أكثرا من قولهما حسن صحيح
انتهى وهذا الاعتراض ليس بجيد لأن
الترمذى أول من أكثر من ذلك ويعقوب وأبو على إنما صنفا كتابيهما بعد الترمذى وكأن
كتاب أبى على الطوسى مخرج على كتاب الترمذى لكنه شاركه فى كثير من شيوخه والله
أعلم قوله ومن مظانه أى الحسن سنن أبى
داود روينا عنه أنه قال ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه ثم قال قال وما كان فى
كتابى من حديث فيه وهن شديد فقد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح
من بعض قال ابن الصلاح فعلى
53 هذا ما وجدناه فى كتابه مذكورا مطلقا وليس فى
واحد من الصحيحين ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن عرفاه بأنه من
الحسن عند أبى داود وقد يكون فى ذلك ما ليس بحسن عند غيره ولا مندرج فيما حققنا
ضبط الحسن به إلى آخر كلامه وفيه أمور
أحدها قد اعترض الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد على
المصنف فى هذا فقال ليس يلزم أن يستفاد من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود بضعف
ولا نص عليه غيره بصحة أن الحديث عند أبى داود حسن إذ قد يكون عنده صحيحا وإن لم
يكن عند غيره كذلك حكاه الحافظ أبو الفتح اليعمرى فى شرح الترمذى عن ابن رشيد ثم
قال وهذا تعقب حسن انتهى والجواب عن
اعتراض ابن رشيد أن المصنف إنما ذكر مالنا أن نعرف الحديث به عند أبى داود
والاحتياط أن لا يرتفع به إلى درجة الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبى داود لأن
عبارة أبى داود فهو صالح إلى الاحتجاج به فان كان أبو داود يرى الحسن رتبة بين
الصحيح والضعيف فالاحتياط بل الصواب ما قاله ابن الصلاح وإن كان رأيه كالمتقدمين
أن الحديث ينقسم إلى صحيح وضعيف فما سكت عنه فهو صحيح والاحتياط أن يقال فهو صالح
كما عبر أبو داود به والله أعلم وهكذا
رأيت الحافظ أبا عبد الله بن المواق يفعل فى كتابه بغية النقاد يقول فى الحديث
الذى سكت عليه أبو داود هذا حديث صالح
الأمر الثانى أن الحافظ أبا الفتح اليعمرى تعقب ابن الصلاح هنا بأمر آخر
فقال فى شرح الترمذى لم يرسم أبو داود شيئا بالحسن وعمله بذلك شبيه بعمل مسلم الذى
54 لا ينبغى أن يحمل كلامه على غيره أنه اجتنب
الضعيف الواهى وأتى بالقسمين الأول والثانى وحديث من مثل به من الرواة من القسمين
الأول والثانى موجود فى كتابه دون القسم الثالث قال فهلا ألزم الشيخ أبو عمرو
مسلما من ذلك ما ألزم به أبا داود فمعنى كلامهما واحد قال
وقول أبى داود وما يشبهه يعنى فى الصحة وما يقاربه يعنى فيها أيضا قال وهو نحو قول
مسلم إنه ليس كل الصحيح نجده عند مالك وشعبة وسفيان فاحتاج أن ينزل إلى مثل حديث
ليث بن أبى سليم وعطاء بن السايب وزيد بن أبى زياد لما يشمل الكل من اسم العدالة
والصدق وأن تفاوتوا فى الحفظ والإتقان ولا فرق بين الطريقين غير أن مسلما شرط
الصحيح فتخرج من حديث الطبقة الثالثة وأبا داود لم يشرط فذكر ما يشتد وهنه عنده
والتزم البيان عنه قال وفى قول أبى داود أن بعضها أصح من بعض ما يشير إلى القدر
المشترك بينهما من الصحة وأن تفاوتت فيه لما يقتضيه صيغة أفعل فى الأكثر انتهى
كلام أبى الفتح والجواب عنه أن مسلما
شرط الصحيح بل الصحيح المجمع عليه فى كتابه فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه
بأنه حسن عنده لما عرف من قصور الحسن عن الصحيح وأبو داود قال إنما سكت عنه فهو
صالح والصالح يجوز أن يكون صحيحا ويجوز أن يكون حسنا عند من يرى الحسن رتبة متوسطة
بين الصحيح والضعيف ولم ينقل لنا عن
أبى داود هل يقول بذلك أو يرى ما ليس بضعيف صحيحا فكان الأولى بل الصواب أن لا
يرتفع بما سكت عنه إلى الصحة حتى يعلم أن رأيه هو الثانى ويحتاج الى نقل الأمر الثالث أن بعض من اختصر كتاب ابن
الصلاح يعقبه بتعقب آخر وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فقال إن الروايات لسنن أبى
داود كثيرة ويوجد فى بعضها ما ليس فى الأخرى ولأبى عبيد الآجرى عنه اسئله فى الجرح
والتعديل والتصحيح والتعليل كتاب مفيد ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها فى سننه فقول
ابن
55 الصلاح ما سكت عنه فهو حسن ما سكت عليه فى
سننه فقط أو مطلقا هذا مما ينبغى التنبيه عليه والتيقظ له أنتهى كلامه وهو كلام
عجيب وكيف يحسن هذا الاستفسار بعد قول
ابن الصلاح إن من مظان الحسن سنن أبى داود فكيف يحتمل حمل كلامه على الإطلاق فى السنن
وغيرها وكذلك لفظ أبى داود صريح فيه كأنه قال فى رسالته ذكرت فى كتابى هذا الصحيح
إلى آخر كلامه وأما قول ابن كثير من
ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها فى سننه إن أراد به أنه ضعف أحاديث ورجالا فى سؤالات
للآجرى وسكت عليها فى السنن فلا يلزم من ذكره لها فى السؤالات بضعف أن يكون الضعف
شديدا فانه يسكت فى سننه على الضعف الذى ليس بشديد كما ذكره هو نعم إن ذكر فى
السؤالات أحاديث أو رجالا بضعف شديد وسكت عليها فى السنن فهو وارد عليه ويحتاج
حينئذ إلى الجواب والله أعلم قوله الخامس
ما صار اليه صاحب المصابيح من تقسيم أحاديثه إلى نوعين الصحاح والحسان مريدا
بالصحاح ما ورد فى أحد الصحيحين أو فيهما وبالحسان ما أورده أبو داود والترمذى
وأشباههما فى تصانيفهم فهذا اصطلاح لا يعرف إلى آخر كلامه وأجاب بعضهم عن هذا
الايراد على البغوى بأن البغوى بين فى كتابه المصابيح عقب كل حديث كونه صحيحا أو
حسنا أو غريبا ولا يرد عليه ذلك قلت وما ذكره هذا المجيب عن البغوى من أنه يذكر
عقب كل حديث كونه صحيحا أو حسنا أو غريبا ليس كذلك فانه لا يبين الصحيح من الحسن
فيما أورده من السنن وإنما يسكت عليها وإنما يبين الغريب غالبا وقد يبين الضعيف
ولذلك قال فى خطبة كتابه وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه أنهى
56 فالإيرادات باق فى مزجه صحيح ما فى السنن
بما فيها من الحسن وكأنه سكت عن بيان ذلك لاشتراكهما فى الاحتجاج به والله
أعلم قوله السادس كتب المسانيد غير
ملتحقة بالكتب الخمسة التى هى الصحيحان وسنن أبى داود وسنن النسائى وجامع الترمذى
وما جرى مجرها فى الاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا كمسند أبى داود
الطيالسى ومسند عبيد الله ابن موسى ومسند أحمد بن حنبل ومسند إسحق بن راهويه ومسند
عبد بن حميد ومسند الدارمى ومسند ابى يعلى ومسند الحسن بن سفيان ومسند البزار أبى
بكر وأشباهها فهذه عادتهم فيها أن يخرجوا فى مسند كل صحابى ما رووه من حديثه غير
متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به فلذلك تأخرت مرتبها إلى آخر كلامه وفيه أمران
أحدهما أن عدة مسند الدارمى فى جملة هذه المسانيد مما أفرد فيه حديث كل صحابى وحده
وهم منه فانه مرتب الأبواب كالكتب الخمسة واشتهر تسميته بالمسند كما سمى البخارى
المسند الجامع الصحيح وان كان مرتبا على الأبواب لكون أحاديثه مسنده إلا أن مسند
الدارمى كثير الأحاديث المرسلة والمنقطعة والمعضلة والمقطوعة والله أعلم الأمر الثانى أنه اعترض على المصنف بالنسبة
إلى صحة بعض هذه المسانيد بأن أحمد بن حنبل شرط فى مسنده أن لا يخرج إلا حديثا
صحيحا عنده قاله
57 أبو موسى المدينى وبأن إسحق بن راهويه يخرج
مثل ما ورد عن ذلك الصحابى ذكره عنه أبو زرعة الرازى وبأن مسند الدارمى أطلق عليه
اسم الصحيح غير واحد من الحفاظ وبأن مسند البزار بين فيه الصحيح وغيره انتهى ما
اعترض به عليه والجواب أنا لا نسلم أن
أحمد اشترط الصحة فى كتابه والذى رواه أبو موسى المدينى بسنده إليه أنه سئل عن
حديث فقال انظروه فإن كان فى المسند وإلا فليس بحجة وهذا ليس صريحا فى أن جميع ما
فيه حجة بل فيه أن ما ليس فى كتابة ليس بحجة على أن ثم أحاديث صحيحة مخرجة فى
الصحيح وليست فى مسند أحمد منها حديث عائشة فى قصة أم زرع وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق بل فيه
أحاديث موضوعة وقد جمعتها فى جزء وقد ضعف الإمام احمد نفسه أحاديث فيه فمن ذلك
حديث عائشة مرفوعا رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا وفى إسناده عمارة وهو ابن زاذان قال الإمام
أحمد هذا الحديث كذب منكر قال وعمارة يروى أحاديث مناكير وقد أورد ابن الجوزى هذا
الحديث فى الموضوعات وحكى كلام الإمام أحمد المذكور وذكر ابن الجوزى أيضا فى
الموضوعات مما فى المسند حديث عمر ليكونن فى هذه الأمة رجل يقال له الوليد وحديث
أنس ما من معمر يعمر فى الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء
والجنون والجذام والبرص وحديث أنس
عسقلان أحد العروسين بيعت منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم وحديث ابن عمر من احتكر الطعام أربعين ليلة
فقد برأ من الله الحديث وفى الحكم بوضعه نظر وقد صححه الحاكم ومما فيه أيضا من المناكير حديث بريدة
كونوا فى بعث خراسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين ولعبد الله بن أحمد فى المسند أيضا زيادات
فيها الضعيف والموضوع فمن الموضوع
58 حديث سعد بن مالك وحديث ابن عمر أيضا فى سد
الأبواب إلا باب على ذكرهما ابن الجوزى فى الموضوعات أيضا وقال إنهما من وضع
الرافضة وأما مسند إسحق بن راهويه
ففيه الضعيف ولا يلزم من كونه يخرج أمثل ما يجد الصحابى أن يكون جميع ما خرجه
صحيحا بل هو أمثل بالنسبة لما تركه
ومما فيه من الضعيف حديث سليمان بن نافع العبدى عن أبيه قال وفد المنذر بن
ساوى من البحرين حتى أتى مدينة النبى صلى
الله عليه وسلم ومعه أناس وأنا غليم أمسك
جمالهم فسلموا على النبى صلى الله عليه
وسلم ووضع المنذر سلاحه ولبس ثيابا ومسح
لحيته بدهن وأنا مع الجمال أنظر إلى نبى الله
صلى الله عليه وسلم فكأني أنظر إلى
النبي صلى الله عليه وسلم كما أنظر إليك
قال ومات أبى وهو ابن عشرين ومائة قال صاحب الميزان سليمان غير معروف وهو يقتضى أن
نافعا عاش إلى دولة هشام انتهى والمعروف
أن آخر الصحابة موتا أبو الطفيل كما قاله مسلم وغيره والله أعلم وأما مسند الدارمى فلا يخفى ما فيه من
الضعيف لحال رواته أو لإرساله وذلك كثير فيه كما تقدم وأما مسند البزار فإنه مجملا يبين الصحيح
من الضعيف إلا قليلا إلا أنه يتكلم فى تفرد بعض رواة الحديث به ومتابعة غيره عليه
والله أعلم قوله الثامن فى قول الترمذى
وغيره هذا حديث حسن صحيح إشكال لأن الحسن قاصر عن الصحيح كما سبق إيضاحه ففى الجمع
بينهما فى ذلك حديث واحد جمع
59 بين نفى ذلك القصور وإثباته قال وجوابه أن
ذلك راجع إلى الإسناد فاذا روى الحديث الواحد باسنادين أحدهما إسناد حسن والآخر
باسناد صحيح استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن صحيح أى أنه حسن بالنسبة إلى إسناد
صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد
بالحسن معناه اللغوى وهو ما تميل اليه النفس ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحى
الذى نحن بصدده فاعلم ذلك انتهى كلامه
وقد تعقبه الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد فى الاقتراح بأن الجواب الأول ترد
عليه الأحاديث التى قيل فيها حسن صحيح مع أنه ليس له إلا مخرج واحد قال وفى كلام الترمذى
فى مواضع يقول هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى وقد أجاب بعض المتأخرين عن ابن الصلاح بأن
الترمذى حيث قال هذا يريد به تفرد أحد الرواة به عن الآخر لا التفرد المطلق قال
ويوضح ذلك ما ذكره فى الفتن من حديث خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبى هريرة يرفعه
من أشار إلى أخيه بحديدة الحديث قال فيه هكذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه
فاستغربه من حديث خالد لا مطلقا أنتهى
وهذا الجواب لا يمشى فى المواضع التى يقول فيها لا نعرفه إلا من هذا الوجه
كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقى نصف من شعبان فلا يصوموا
60 قال أبو عيسى حديث أبى هريرة حديث حسن
صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ ورد ابن دقيق العيد الجواب الثانى
بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حسن وذلك لا
يقوله أحد من المحدثين إذا أجروا على اصطلاحهم انتهى قلت قد أطلقوا على الحديث الضعيف بأنه حسن
وأرادوا حسن اللفظ لا المعنى الاصطلاحى فروى ابن عبد البر فى كتاب بيان آداب العلم
حديث معاذ بن جبل مرفوعا تعلموا العلم فإن تعلمه ذلك لله خشية وطلبه عبادة
ومذاكرته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه
معالم الحلال والحرام ومنار سبيل أهل الجنة وهو الأنس فى الوحشة والصاحب فى الغربة
والمحدث فى الخلوة والدليل على السراء والضراء والسلاح على الأعداء والزين عند
الأخلاء يرفع الله تعالى به أقواما فيجعلهم فى الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم
ويقتدى بفعالهم وينتهى إلى رأيهم ترغب الملائكة فى خلتهم وبأجنحتها تمسحهم يستغفر
لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه لأن العلم حياة القلوب
من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات
العلى فى الدنيا والآخرة التفكر فيه يعدل الصيام ومدارسته تعدل القيام به توصل
الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام هو إمام العمل والعمل تابعه يلهمه السعداء أو
يحرمه الأشقياء قال ابن عبد البر وهو
حديث حسن جدا ولكن ليس له إسناد قوى انتهى كلامه فأراد بالحسن حسن اللفظ قطعا فانه من رواية
موسى بن محمد البلقاوى عن عبد الرحيم ابن زيد العمى والبلقاوى هذا كذاب كذبه أبو
زرعة وأبو حاتم ونسبه ابن حبان والعقيلى إلى وضع الحديث والظاهر أن هذا الحديث مما
صنعت يداه وعبد الرحيم بن زيد العمى متروك الحديث أيضا
61 روينا عن أمية بن خالد قال قالت لشعبة تحدث عن
محمد بن عبيد الله العرزمى وتدع عبد الملك بن أبى سليمان وقد كان حسن الحديث قال
من حسنها فررت ولما ضعف ابن دقيق العيد ما أجاب به ابن الصلاح عن الاستشكال
المذكور أجاب عنه بما حاصله أن الحسن لا يشترط فيه قيد القصور عن الصحيح وإنما
يجيئه القصور حيث أنفرد الحسن وأما إذا ارتفع إلى درجة الصحة فالحسن حاصل لا محالة
تبعا للصحة لأن وجود الدرجة العليا وهى الحفظ والإتقان لا ينافى وجود الدنيا
كالصدق فيصح أن يقال حسن باعتبار الصفة الدنيا صحيح باعتبار الصفة العليا قال
ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنا ويؤيده قولهم حسن فى الأحاديث الصحيحة وهذا
موجود فى كلام المتقدمين أنتهى وقد
سبقه إلى نحو ذلك الحافظ أبو عبد الله المواق فقال فى كتابه بغية النقاد لم يخص
الترمذى الحسن بصفة تميزه عن الصحيح فلا يكون صحيحا إلا وهو غير شاذ ولا يكون
صحيحا حتى تكون رواته غير متهمين بل ثقات قال فظهر من هذا أن الحسن عند أبى عيسى
صفة لا تخص هذا القسم بل قد يشركه فيها الصحيح قال كل صحيح عنده حسن وليس كل حسن
صحيحا انتهى كلامه وقد اعترض على ابن
المواق فى هذا الحافظ أبو الفتح اليعمرى فقال فى شرح الترمذى بقى عليه أنه اشترط
فى الحسن أن يروى من وجه آخر ولم يشترط ذلك فى الصحيح انتهى هكذا اعترض أبو الفتح على ابن المواق بهذا
فى مقدمة شرح الترمذى ثم إنه خالف ذلك فى أثناء الشرح عند حديث عائشة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك فان الترمذى قال عقبه هذا حديث حسن غريب لا
نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبى بردة ولا نعرف فى هذا الباب إلا حديث
عائشة فأجاب أبو الفتح عن هذا الحديث بأن الذى يحتاج إلى مجيئه من غير وجه ما كان
راويه فى درجة المستور ومن لم تثبت عدالته قال وأكثر ما فى الباب أن الترمذى عرف
بنوع منه لا بكل أنواعه وأجاب بعض
المتأخرين وهو الحافظ عماد الدين بن كثير فى مختصره لعلوم الحديث عن أصل الاستشكال
بما حاصله أن الجمع فى حديث واحد بين الصحة والحسن درجة
62 متوسطة بين الصحيح والحسن فقال والذى يظهر
أنه يشرب الحكم بالصحة على الحديث بالحسن كما يشرب الحسن بالصحة قال فعلى هذا يكون
ما يقول فيه حسن صحيح أعلا رتبة عنده من الحسن ودون الصحيح ويكون حكمه على الحديث
بالصحة المحضة أقوى من حكمه عليه بالصحة مع الحسن انتهى وهذا الذى ظهر له تحكم لا دليل عليه وهو
بعيد من فهم معنى كلام الترمذى والله أعلم
قوله وذكر الحافظ أبو طاهر السلفى الكتب الخمسة وقال اتفق على صحتها علماء
المشرق والمغرب وهذا تساهل إلى آخر كلامه وإنما قال السلفى بصحة أصولها كذا ذكره
فى مقدمة الخطابى فقال وكتاب أبى داود فهو أحد الكتب الخمسة التى اتفق أهل الحل
والعقد من الفقهاء وحفاظ الحديث الاعلام النبهاء على قبولها والحكم بصحة أصولها
انتهى ولا يلزم من كون الشئ له أصل
صحيح أن يكون هو صحيحا فقد ذكر ابن الصلاح عند ذكر التعليق أن ما لم يكن فى لفظه
جزم مثل روى فليس فى شئ منه حكم منه بصحة ذلك من ذكره عنه قال ومع ذلك فإيراده له
فى أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله انتهى
فلم يحكم فى هذا بصحة مع كونه له أصل صحيح والله أعلم
63 النوع الثالث معرفة الضعيف
قوله كل حديث لم تجتمع فيه صفات
الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن فهو حديث ضعيف ثم قال وسبيل من أراد البسط أن
يعمد إلى صفة معينة منها فيجعل ما عدمت فيه من غير أن يخلفها جابر على حسب ما تقرر
فى نوع الحسن قسما واحدا ثم قال ثم ما عدم فيه جميع الصفات هو القسم الآخر الأرذل
انتهى كلامه فقوله ثم ما عدم فيه جميع
الصفات أى صفات ما يحتج به وهو الصحيح والحسن وهى ستة اتصال السند أو جبر المرسل
بما يؤكده وعدالة الرجال والسلامة من كثرة الخطأ والغفلة ومجئ الحديث من وجه آخر
حيث كان فى الإسناد مستور ليس منهما كثير الغلط والسلامة من الشذوذ والسلامة من
العلة فجعل المصنف ما عدم فيه هذه الصفات هو القسم الأرذل وخالف ذلك فى النوع
الحادى والعشرين فقال اعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة وما ذكره هناك
هو الصواب أن شر أقسام الضعيف الموضوع لأنه كذب بخلاف ما عدم فيه الصفات المذكورة
فإنه لا يلزم من فقدها كونه كذبا والله أعلم
والآخر فى كلام المصنف بقصر الهمز على وزن الفخذ وهو بمعنى الأرذل
64 النوع الرابع معرفة المسند
قوله ذكر أبو بكر الخطيب رحمه الله
أن المسند عند أهل الحديث هو الذى اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه وأكثر ما
يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم انتهى وقد اعترض عليه بأنه ليس فى كلام الخطيب دون
ما جاء عن الصحابة وغيرهم لا فى الكفاية ولا فى الجامع والجواب أنه ليس فى كلام
ابن الصلاح التصريح بنقله عنه وإنما حكى كلام الخطيب ثم قال وأكثر ما يستعمل ذلك
إلى آخر كلامه والله أعلم
66 النوع الثامن
قوله قول الصحابى كنا نفعل كذا أو
نقول كذا إن لم يضفه إلى زمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل الموقوف انتهى هكذا جزم به المصنف أنه إن
لم يضفه إلى زمنه يكون موقوفا وتبع المصنف فى ذلك الخطيب فإنه كذلك جزم به فى
الكفاية
67 والخلاف فى المسألة مشهور واختلف كلام الأئمة
أيضا فى الصحيح وقد حكى النووى الخلاف فى مقدمة شرح مسلم وحكى ما جزم به المصنف عن
الجمهور من المحدثين وأصحاب الفقه والأصول وقد أطلق الحاكم فى علوم الحديث الحكم
برفعه ولم يقيده بإضافته إلى زمنه وكذا أطلق الإمام فخر الدين الرازى فى المحصول
والسيف الآمدى فى الأحكام وقال أبو نصر الصباغ فى كتاب العدة إنه الظاهر ومثله
بقول عائشة رضى الله عنها كانت اليد لا تقطع فى الشئ التافه وحكاه النووى فى شرح
المهذب عن كثير من الفقهاء قال وهو قوى من حيث المعنى قوله وإذا قال الراوى عن التابعى رفع
الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا مرفوع ولكنه مرفوع مرسل انتهى ذكر الشيخ فيما يتعلق بالصحابى أربع مسائل
الأولى كنا نفعل كذا أو كانوا يفعلون كذا ونحوهما والثانية أمرنا بكذا ونحوه
والثالثة من السنة كذا والرابعة برفعه
ويبلغ به ونحوهما ثم ذكر فيما يتعلق بالتابعى المسألة الرابعة فقط وسكت عن الحكم
فى الثلث الأول إذا قالها التابعى فأحببت ذكر الحكم فيها فأما المسألة الأولى فإذا
قال التابعى كنا نفعل فليس بمرفوع قطعا وهل هو موقوف لا يخلو إما أن يضيفه إلى زمن
الصحابة أم لا فيحتمل فإن لم يضفه إلى زمنهم فليس بموقوف أيضا بل هو مقطوع وإن
أضافه إلى زمنهم فيحتمل أن يقال إنه موقوف لأن الظاهر اطلاعهم على ذلك وتقريرهم
ويحتمل أن يقال ليس بموقوف أيضا لأن تقرير الصحابى قد لا ينسب إليه بخلاف تقرير
النبى صلى الله عليه وسلم فإنه أحد وجوه
السنن وأما اذا قال التابعى كانوا يفعلون كذا فقال النووى فى شرح مسلم إنه لا يدل
على فعل جميع الأمة بل على البعض فلا حجة فيه إلا أن يصرح بنقله عن أهل الإجماع
فيكون نقلا للاجماع وفى ثبوته بخبر الواحد خلاف وأما المسألة الثانية فإذا قال التابعى
أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا فجزم أبو نصر
68 ابن الصباغ فى كتاب العدة فى أصول الفقه أنه
مرسل وذكر الغزالى فى المستصفى فيه احتمالين من غير ترجيح هل يكون موقوفا أو
مرفوعا مرسلا وحكى ابن الصباغ فى
العدة وجهين فيما إذا قال ذلك سعيد بن المسيب هل يكون حجة أم لا وأما المسألة الثالثة فإذا قال التابعى من السنة كذا كقول عبيد
الله بن عبد الله بن عتبة السنة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على
المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات رواه البيهقى فى سننه فهل هو مرسل مرفوع أو موقوف
متصل فيه وجهان لأصحاب الشافعى حكاهما النووى فى شرح مسلم وشرح المهذب وشرح الوسيط
قال والصحيح أنه موقوف انتهى وحكى
الداودى فى شرح مختصر المزنى أن الشافعى رضى الله عنه كان يرى فى القديم أن ذلك
مرفوع اذا صدر من الصحابى أو التابعى ثم رجع عنه لأنهم قد يطلقونه ويريدون سنة
البلد انتهى وما حكاه الداودى من رجوع
الشافعى عن ذلك فيما إذا قاله الصحابى لم يوافق عليه فقد احتج به فى مواضع من
الجديد فيمكن أن يحمل قوله ثم رجع عنه أى عما إذا قاله التابعى والله أعلم
70 النوع التاسع المرسل
قوله وصورته التى لا خلاف فيها حديث
التابعى الكبير الذى لقى جماعة من
71 الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدى بن الخيار
إلى آخر كلامه اعترض عليه بأن عبيد الله ابن عدى ذكر فى جملة الصحابة وهذا
الاعتراض ليس بصحيح لأنهم إنما ذكروه جريا على قاعدتهم فى ذكر من عاصره لأن عبيد
الله ولد فى حياته صلى الله عليه
وسلم ولم ينقل أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم كما ذكروا قيس بن أبى حازم وأمثاله ممن لم ير
النبى صلى الله عليه وسلم لكونهم عاصروه على القول الضعيف فى حد الصحابى
وإنما روى عبيد الله بن عدى عن الصحابة عمر وعثمان وعلى فى آخرين ولم يسمع من أبى
بكر فضلا عن النبى صلى الله عليه
وسلم قوله إذا انقطع الإسناد قبل
الوصول إلى التابعى فكان فيه رواية راو لم يسمع من المذكور فوقه فالذى قطع به
الحاكم الحافظ أبو عبد الله وغيره من أهل الحديث أن ذلك لا يسمى مرسلا إلى آخر
كلامه فقوله قبل الوصول إلى التابعى ليس بجيد بل الصواب قبل الوصول إلى الصحابى
فانه لو سقط التابعى أيضا كان منقطعا لا مرسلا عند هؤلاء ولكن هكذا وقع فى عبارة
الحاكم فتبعه المصنف والله أعلم
72 قوله الثانية قول الزهرى وأبى حازم ويحيى
بن سعيد الأنصارى وأشباههم من أصاغر التابعين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى ابن عبد البر أن قوما
لا يسمونه مرسلا بل منقطعا لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين وأكثر
روايتهم عن التابعين انتهى وما ذكر فى
حق من سمى من صغار التابعين أنهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين ليس
بصحيح بالنسبة إلى الزهرى فقد لقى من الصحابة ثلاثة عشر فأكثر وهم عبد الله بن عمر
وسهل بن سعد وأنس بن مالك وعبد الله بن جعفر وربيعة ابن عباد بكسر العين وتخفيف
الموحدة وسنين أبو جميلة والسايب بن يزيد وأبو الطفيل عامر بن وائلة والمسور بن
مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر وعبد الله ابن عامر بن ربيعة ومحمود بن الربيع وسمع
منهم كلهم إلا عبد الله بن جعفر فرآه رؤية وإلا عبد الله بن عمر فقد قال أحمد بن
حنبل ويحيى بن معين إنه لم يسمع منه وقال على ابن المدينى إنه سمع منه وقال ابن
حزم إنه لم يسمع أيضا من عبد الرحمن بان أزهر ثم حكى عن أحمد بن صالح المصرى أنه
قال لم يسمع منه فيما أرى ولم يدركه
قلت وكذا قال أحمد بن حنبل ما أراه سمع منه قال ومعمر وأسامة يقولان عنه
أنه سمع منه ولم يصنعا عندى شيئا وقيل إنه سمع أيضا من جابر بن عبد الله وسمع من
جماعة آخرين مختلف فى صحبتهم منهم محمود بن لبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل
وثعلبة بن أبى مالك القرظى وأبو أمامة بن سهل بن حنيف فهؤلاء سبعة عشر ما بين
صحابى ومختلف فى صحبته وقد تنبه المصنف لهذا الاعتراض فأملى حاشية على هذا المكان
من كتابه فقال قوله الواحد والاثنين كالمثال وإلا فالزهرى قد قيل إنه رأى عشرة من
الصحابة وسمع منهم أنا وسهل بن سعد والسايب بن يزيد ومحمود بن الربيع وسنينا أبا
جميلة وغيرهم وهو مع ذلك أكثر روايته عن التابعين والله أعلم
73 قوله الثالثة إذا قيل فى الاسناد فلان عن
رجل أو عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك فالذى ذكره الحاكم فى معرفة علوم الحديث أنه لا
يسمى مرسلا بل منقطعا وهو فى بعض المصنفات المعتبرة فى أصول الفقه معدود فى أنواع
المرسل انتهى اقتصر المصنف من الخلاف
على هذين القولين وكل من القولين خلاف ما عليه الأكثرون فإن الأكثرين ذهبوا إلى أن
هذا متصل فى إسناده مجهول وقد حكاه عن
74 الأكثرين الحافظ رشيد الدين العطار فى الغرر
المجموعة واختاره شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائى فى كتاب جامع التحصيل وما ذكره المصنف عن بعض المصنفات المعتبرة
ولم يسمعه فالظاهر أنه أراد به البرهان لإمام الحرمين فإنه قال فيه وقول الراوى
اخبرنى رجل أو عدل موثوق به من المرسل أيضا وزاد الإمام فخر الدين فى المحصول على
هذا فقال إن الراوى إذا سمى الأصل باسم لا يعرف به فهو كالمرسل وما ذكره المصنف عن بعض كتب الأصول قد فعله
أبو داود فى كتاب المراسيل فيروى فى بعضها ما أبهم فيه الرجل ويجعله مرسلا بل زاد
البيهقى على هذا فى سننه فجعل ما رواه التابعى عن رجل من الصحابة لم يسم مرسلا
وهذا ليس منه بجيد اللهم إلا إن كان يسميه مرسلا ويجعله حجة كمراسيل الصحابة فهو
قريب وقد روى البخارى عن الحميدى قال
إذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من أصحاب النبى
صلى الله عليه وسلم فهو حجة وإن لم
يسم ذلك الرجل وقال الأثرم قلت لأبى عبد الله يعنى أحمد بن حنبل إذا قال رجل من
التابعين حدثنى رجل من اصحاب النبى صلى
الله عليه وسلم ولم يسمه فالحديث صحيح قال
نعم وقد ذكر المصنف فى آخر هذا النوع التاسع أن الجهالة بالصحابى غير قادحة لأنهم
كلهم عدول وحكاه الحافظ أبو محمد عبد
الكريم الحلبى فى كتاب القدح المعلى عن اكثر العلماء نعم فرق أبو بكر الصيرفى من
الشافعية فى كتاب الدلائل بين أن يرويه التابعى عن الصحابى معنعنا أو مع التصريح
بالسماع فقال وإذا قال فى الحديث بعض التابعين عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم لا يقبل لأنى لا أعلم سمع التابعى من ذلك الرجل
إذ قد يحدث التابعى عن رجل وعن رجلين عن الصحابى ولا أدرى هل أمكن لقاء ذلك الرجل
أم لا فلو علمت إمكانه منه لجعلته كمدرك العصر قال وإذا قال سمعت رجلا من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل لأن
الكل عدول انتهى كلام الصيرفى وهو حسن متجه وكلام من أطلق قبوله محمول على هذا
التفصيل والله أعلم
75 قوله وفى صدر صحيح مسلم المرسل فى أصل
قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة انتهى ومسلم رحمه الله إنما قال ذلك حاكيا على
لسان خصمه الذى نازعه فى اشتراط اللقى فى الإسناد المعنعن فقال فان قال قلته لأنى
وجدت رواة الأخبار قديما وحديثا يروى أحدهم عن الآخر الحديث ولما يعاينه ولا سمع
منه شيئا قط فلما رأيتهم استجادوا رواية الحديث بينهم هكذا على الإرسال من غير
سماع والمرسل من الروايات فى أصل قولنا وقول اهل العلم بالأخبار ليس بحجة احتجت
لما وصفت من العلة إلى البحث عن سماع راوى كل خبر عن راويه إلى آخر كلامه فهذا كما
تراه حكاه على لسان خصمه ولكنه لما لم يرد هذا القدر منه حين رد كلامه كان كأنه
قائل به فلهذا عزاه المصنف إلى كتاب مسلم والله أعلم قوله ثم إنا لم نعد فى أنواع المرسل ونحوه
ما يسمى فى أصول الفقه مرسل الصحابى مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من احداث الصحابة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك
فى حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابى غير قادحة لأن
الصحابة كلهم عدول انتهى وفيه أمران
أحدهما أن قوله لأن روايتهم عن الصحابة ليس بجيد بل الصواب أن يقال لأن اكثر
رواياتهم عن الصحابة إذ قد سمع جماعة من الصحابة من بعض التابعين وسيأتى
76 فى كلام المصنف فى النوع الحادى والأربعين أن
ابن عباس وبقية العبادلة رووا عن كعب الأحبار وهو من التابعين وروى كعب أيضا عن
التابعين وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره فى رواية الصحابة عن التابعين
فبلغوا جمعا كثيرا إلا أن الجواب عن ذلك أن رواية الصحابة عن التابعين غالبها ليست
أحاديث مرفوعة وإنما هى من الإسرائيليات أو حكايات أو موقوفات وبلغنى أن بعض أهل
العلم أنكر أن يكون قد وجد شي من رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة عن النبى صلى الله عليه وسلم فرأيت أن أذكر هنا ما وقع لى من ذلك للفائدة
فمن ذلك حديث سهل بن سعد عن مروان ابن الحكم عن زيد بن ثابت أن النبى
صلى الله عليه وسلم أملى عليه لا
يستوى القاعدون من المؤمنين فجاء ابن أم مكتوم
الحديث رواه البخارى والنسائى والترمذى وقال حسن صحيح وحديث السائب بن يزيد عن عبد الرحمن بن عبد
القارى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن النبى
صلى الله عليه وسلم قال من نام عن حزبه أو عن شي منه فقرأه ما بين
صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة وحديث جابر
بن عبد الله عن أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق عن عائشة رضى الله عنهم أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع ثم يكسل هل عليهما من غسل
وعائشة جالسة فقال إنى لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل أخرجه مسلم وحديث عمرو بن الحرث المصطلقى عن ابن أخى
زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت خطبنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال
77 يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فإنكن
أكثر أهل جهنم يوم القيامة رواه
الترمذى والنسائى والحديث متفق عليه من غير ذكر ابن أخى زينب جعلاه من رواية عمر
بن الحارث عن زينب نفسها والله أعلم
وحديث يعلى بن أمية عن عبسة بن إبى سفيان عن أخته أم حبيبة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال
من صلى ثنتى عشرة ركعة بالنهار أو بالليل بنى له بيت فى الجنة رواه النسائى وحديث عبد الله بن عمر عن عبد الله بن محمد
بن أبى بكر الصديق عن عائشة قالت قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ألم تر أن
قومك حين بنوا الكعبة قصروا عن قواعد إبراهيم
الحديث رواه الخطيب فى كتاب رواية الصحابة عن التابعين بإسناد صحيح والحديث
متفق عليه من طريق مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن
أبى بكر أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة بذلك فجعله من رواية سالم عن عبد الله بن
محمد وهذا يشهد لصحة طريق الخطيب أن ابن عمر سمعه من عبد الله ابن محمد عن عائشة
والله أعلم وحديث ابن عمر عن صفية بنت
أبى عبيد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء فى الخفين عند الإحرام رواه الخطيب فى الكتاب المذكور والحديث عند
أبى داود من طريق ابن إسحق قال ذكرت لابن شهاب فقال حدثنى سالم أن عبد الله كان
يصنع ذلك يعنى قطع الخفين للمرأة المحرمه ثم حدثته صفية بنت أبى عبيد أن عائشة
حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد كان رخص للنساء فى الخفين فترك
ذلك وحديث جابر بن عبد الله عن أبى عمرو مولى عائشة واسمه ذكوان عن عائشة ان أن النبى
صلى الله عليه وسلم كان يكون جنبا
فيريد الرقاد فيتوضأ وضوءه للصلاة ثم يرقد
رواه أحمد فى مسنده وفى إسناده ابن لهيعة وحديث ابن عباس قال أتى على زمان وانا اقول
أولاد المسلمين مع المسلمين وأولاد المشركين مع المشركين حتى حدثنى فلان عن فلان
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم
78 فقال الله أعلم بما كانوا عاملين قال فلقيت
الرجل فأخبرنى فأمسكت عن قولى رواه أحمد فى مسنده وأبو داود الطيالسى أيضا فى
مسنده وإسناده صحيح وبين روايه عن
الطيالسى وهو يونس بن حبيب أن الصحابى المذكور فى هذا الحديث هو أبى بن كعب وكذا
قال الخطيب وترجم له فى رواية الصحابة عن التابعين عبد الله بن عباس عن صاحب لأبى
بن كعب وحديث ابن عمر عن أسماء بنت
زيد بن الخطاب عن عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر فلما
شق ذلك عليهم أمر بالسواك لكل صلاة
رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله
بن عبد الله بن عمر قال قلت أرايت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر عم ذاك
فقال حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر حدثها فذكره
وفى رواية علقها أبو داود وأسندها الخطيب إلى عبيد الله بن عبد الله بن عمر كذا
أورده الخطيب فى رواية عبد الله بن عمر عن أسماء والظاهر أنه من رواية ابنه عبيد الله بن
عبيد الله بن عمر عن أسماء وإن كانت حدثت أبن عمر نفسه وكذا جعل المزنى فى تهذيب
الكمال الراوى عنها عبد الله بن عبد الله بن عمر وحديث عمر عن أسماء بنت زيد بن
الخطاب عن عبد الله بن حنظلة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لولا أن
أشق على أمتى لأمرنهم بالسواك عند كل صلاة
رواة الخطيب فيه
79 وحديث سليمان بن صرد عن نافع بن جبير بن
مطعم عن أبيه قال تذاكروا غسل الجنابة عند النبى
صلى الله عليه وسلم فقال أما أنا
فأفيض على رأسى ثلاثا الحديث رواه الخطيب وهو متفق عليه من رواية سليمان عن جبير ليس فيه نافع وحديث أبى الطفيل عن بكر بن قرواش عن سعد
بن أبى وقاص قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم شيطان الردهة يحذره رحل من
بجيلة الحديث رواه أبو يعلى الموصلى فى
مسنده قال صاحب الميزان بكر بن قرواش لا يعرف والحديث منكر وحديث أبى هريرة عن أم
عبد الله أبى أبى ذئاب عن أم سلمة سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول ما ابتلى الله عبدا ببلاء وهو على طريقة
يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء له كفارة
رواه ابن أبى الدنيا فى كتاب المرض والكفارات ومن طريقه الخطيب وحديث ابن عمر عن صفية بنت أبى عبيد عن
حفصة عن النبى صلى الله عليه وسلم من لم يجمع الصوم قبل الصبح فلا صوم له وحديث ابن عمر عن صفية عن حفصة عن النبي
صلى الله عليه وسلم لا يحرم من الرضاع إلا عشر رضعات فصاعدا رواهما الخطيب وفى إسنادهما محمد بن عمر الواقدى وحديث أنس عن وقاص بن ربيعة عن أبى ذر قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل ابن آدم إنك إن دنوت منى شبرا دنوت منك
ذراعا الحديث وحديث أبى الطفيل عن عبد الملك بن أخى أبى
ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنى أنهم لن تسلطوا على قتلى ولن يفتنونى عن
دينى الحديث وحديث أبى أمامة عن عبسة بن أبى سفيان عن
أم حبيبة سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما من رجل مسلم يحافظ على أربع
ركعات قبل الظهر وأربع بعد الظهر فتمسه النار وحديث أبى الطفيل عن حلام بن جزل عن أبى
ذر مرفوعا الناس ثلاث طبقات الحديث روى هذه الأحاديث أيضا الخطيب بأسانيد ضعيفة
فهذه عشرون حديثا من رواية الصحابة مرفوعة عن التابعين عن الصحابة مرفوعة ذكرتها
للفائدة والله أعلم الأمر الثانى أنه
اعترض على المصنف فى قوله ما يسمى فى أصول الفقه بأن المحدثين أيضا يذكرون مراسيل
الصحابة فما وجه تخصيصه بأصول الفقه والجواب أن
80 المحدثين وإن ذكروا مراسيل الصحابة فإنهم لم
يختلفوا فى الاحتجاج بها وأما الأصوليون فقد اختلفوا فيها فذهب الأستاذ أبو إسحق
الاسفراينى إلى أنه لا يحتج بها وخالفه عامة أهل الأصول فجزموا بالاحتجاج بها وفى
بعض شروح المنار فى الأصول الحنفية دعوى الاتفاق على الاحتجاج بها ونقل الاتفاق
مردود بقول الأستاذ أبى اسحق والله أعلم
81 النوع الحادى عشر معرفة المعضل
وقوله وهو عبارة عن ما سقط من إسناده
اثنان فصاعدا انتهى
أطلق المصنف اسم المعضل على ما سقط
منه اثنان فصاعدا ولم يفرق بين أن يسقط ذلك من موضع واحد أو من موضعين وليس المراد
بذلك إلا سقوطهما من موضع واحد فأما اذا سقط راو من مكان ثم راو من موضع آخر فهو
منقطع فى موضعين وليس معضلا فى الاصطلاح وهذا مراد المصنف ويوضح مراده المثال الذى
مثل به بعد وهو قوله ومثاله ما يرويه تابع التابعى قائلا فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الى آخر كلامه قوله وأصحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل
بفتح الضاد وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أى
مستغلق شديد ولا التفات فى ذلك الى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل فى المثنى
انتهى
82 وأراد المصنف بذلك تخريج قول أهل الحديث
معضل بفتح الضاد على مقتضى اللثة فقال إنه وجد له قولهم أمر عضيل ثم زاده المصنف
إيضاحا فيما أملاه حين قراءة الكتاب عليه فقال إن فعيل يدل على الثلاثى قال فعلى
هذا يكون لنا عضل قاصرا واعضل متعديا وقاصرا كما قالوا ظلم الليل وأظلم الليل
وأظلم الليل انتهى وقد اعترض عليه بأن
فعيلا لا يكون من الثلاثى القاصر والجواب أنه إنما يكون من الثلاثى القاصر إذا كان
فعيل بمعنى مفعول فأما اذا كان بمعنى فاعل فيجئ من الثلاثى القاصر كقولك حريص من
حرص وإنما أراد المصنف بقولهم عضيل أنه بمعنى فاعل من عضل الأمر عاضل وعضيل والله
أعلم وقرأت بخط الحافظ شرف الدين
الحسن بن على بن الصيرفى على نسخة من كتاب ابن الصلاح فى هذا الموضع دلنا قولهم
عضيل على أن ماضيه عضل فيكون أعضله منه لا من أعضل هو وقد جاء ظلم الليل وأظلم
وأظلمه الله وغطش وأغطش وأغطشه الله تعالى والله أعلم قوله وذكر أبو نصر السجزى الحافظ قول الراوى
بلغنى نحو قول مالك بلغنى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمملوك طعامه وكسوته الحديث وقال أصحاب الحديث يسمونه المعضل
أنتهى وقد استشكل كون هذا الحديث معضلا الجواز أن يكون الساقط بين مالك وبين أبى
هريرة واحدا فقد سمع مالك من جماعة من أصحاب أبى هريرة كسعيد المقبرى ونعيم المجمر
ومحمد بن المنكدر فلم جعله معضلا والجواب أن مالكا قد وصل هذا الحديث خارج الموطأ
فرواه عن محمد
83 ابن عجلان عن أبيه عن أبى هريرة فقد عرفنا
سقوط اثنين منه فلذلك سموه معضلا والله أعلم
قوله عند ذكر الاسناد المعنعن والصحيح الذى عليه العمل أنه من قبيل الاسناد
المتصل ثم قال وكاد أبو عمر بن عبد البر الحافظ يدعى إجماع أئمه الحديث على ذلك
إلى آخر كلامه ولا حاجة إلى قوله كاد فقد ادعاه فقال فى مقدمة التمهيد إعلم وفقك
الله أنى تأملت أقاويل أئمة الحديث ونظرت فى كتب من اشترط الصحيح فى النقل منهم
84 ومن لم يشترطه فوجدتهم أجمعوا على قبول
الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم فى ذلك إذا جمع شروطا ثلاثة وهى عدالة المحدثين
ولقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة وأن يكونوا برآء من التدليس ثم قال وهو قول مالك
وعامة أهل العلم قوله اختلفوا فى قول
الراوى أن فلانا قال كذا وكذا هل هو بمنزلة عن فى الحمل على الاتصال إذا ثبت
التلاقى بينهما حتى يتبين فيه الانقطاع مثاله مالك عن الزهرى أن سعيد بن المسيب
قال كذا فروينا عن مالك رضى الله عنه أنه كان يروى عن فلان وأن فلانا سواء
85 وعن أحمد بن حنبل رضى الله عنه أنهما
ليسا سواء وحكى ابن عبد البر عن جمهور
أهل العلم أن عن وأن سواء ثم قال وحكى بن عبد البر عن أبى بكر البرديجى أن حرف أن
محمول على الانقطاع حتى يتبين السماع فى ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى ثم قال ابن
الصلاح ووجدت مثل ما حكاه عن البرديجى أبى بكر الحافظ للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة
فى مسنده الفحل فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن ابن الحنفية عن عمار للحافظ قال
أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فسلمت عليه فرد على السلام وجعله
مسندا موصولا وذكر رواية قيس بن سعد كذلك عن عطاء ابن أبى رباح عن ابن الحنفية أن
عمارا مر بالنبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فجعله مرسلا من حيث كونه قال إن عمارا
فعل ولم يقل عن عمار والله أعلم انتهى
وما حكاه المصنف عن أحمد بن حنبل وعن يعقوب بن شيبة من تفرقتهما بين عن وأن
ليس الأمر فيه على ما فهمه من كلامهما ولم يفرق أحمد ويعقوب بين عن وأن لصيغة أن
ولكن لمعنى آخر أذكره وهو أن يعقوب إنما جعله مرسلا من حيث أن ابن الحنفية لم يسند
حكاية القصة إلى عمار وإلا فلو قال ابن الحنفية إن عمارا قال مررت بالنبى صلى الله عليه وسلم لما جعله يعقوب ابن شيبة مرسلا فلما أتى به
بلفظ أن عمارا مر كان محمد بن الحنفية هو الحاكى لقصة لم يدركها لأنه لم يدرك مرور
عمار بالنبى صلى الله عليه وسلم فكان نقله لذلك مرسلا وهذا أمر واضح ولا فرق
بين أن يقول ابن الحنفية إن عمارا مر بالنبى
صلى الله عليه وسلم أو أن
النبى صلى الله عليه وسلم مر به عمار
فكلاهما مرسل بالاتفاق بخلاف ما إذا قال عن عمار قال مررت أو ان عمارا قال مررت
فإن هاتين العبارتين متصلتان لكونهما أسندتا إلى عمار وكذلك ما حكاه المصنف عن
أحمد ابن حنبل من تفرقته بين عن وأن فهو على هذا النحو ويوضح لك ذلك حكاية كلام
أحمد وقد رواه الخطيب وفى الكفاية بإسناده إلى أبى داود قال سمعت أحمد قيل له أن
رجلا قال عروة أن عائشة قالت يا رسول الله وعن عروة عن عائشة سواء قال كيف هذا
سواء ليس هذا سواء انتهى كلام أحمد
86 وانما فرق بين اللفظين لأن عروة فى اللفظ
الأول لم يسند ذلك إلى عائشة ولا ادرك القصة وإلا فلو قال عروة إن عائشة قالت قلت
يا رسول الله لكان ذلك متصلا لأنه أسند ذلك إليها وأما اللفظ الثانى فأسنده عروة إليها
بالعنعنة فكان ذلك متصلا فما فعله أحمد ويعقوب بن شيبة صواب سواء ليس مخالفا لقول
مالك ولا لقول غيره وليس فى ذلك خلاف بين أهل النقل وجملة القول فيه أن الراوى إذا
روى قصة أو واقعة فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم وبين بعض أصحابه والراوى لذلك صحابى قد أدرك
تلك الواقعة حكمنا لها بالاتصال وان لم نعلم أن الصحابى شهد تلك القصة وإن علمنا
أنه لم يدرك الواقعة فهو مرسل صحابى وإن كان الراوى كذلك تابعيا كمحمد بن الحنفية
مثلا فهى منقطعة وإن روى التابعى عن الصحابى قصة أدرك وقوعها كان متصلا ولو لم
يصرح بما يقتضى الاتصال وأسندها إلى الصحابى بلفظ أن فلانا قال أو بلفظ قال قال
فلان فهى متصلة أيضا كرواية ابن الحنفية الأولى عن عمار بشرط سلامة التابعى من
التدليس كما تقدم وإن لم يدركها ولا أسند حكايتها إلى الصحابى فهى منقطعة كرواية
ابن الحنفية الثانية فهذا الحقيق القول فيه
وممن حكى اتفاق أهل النقل على ذلك الحافظ أبو عبد الله بن المواق فى كتاب
بغية النقاد فذكر من عند أبى داود حديث عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة قطع أنفه
يوم الكلاب الحديث وقال إنه عند أبى داود هكذا مرسل قال وقد نبه ابن السكن على
إرساله فقال فذكر الحديث مرسلا قال ابن المواق وهو أمر بين لا خلاف بين أهل
التمييز من أهل هذا الشأن فى انقطاع ما يروى كذلك إذا علم أن الراوى لم يدرك زمان
القصة كما فى هذا الحديث وذكر نحو ذلك أيضا فى حديث أبى قيس أن عمرو بن العاص كان
على سرية الحديث فى التيمم من عند أبى داود أيضا وكذلك فعل ذلك غيره وهو أمر واضح
بين والله اعلم وقد ذكر المصنف بعد ما
حكاه عن مسند يعقوب بن شيبة أن الخطيب مثل هذه المسألة بحديث نافع عن ابن عمر عن
عمر أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم
أينام أحدنا وهو جنب الحديث وفى رواية أخرى عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال يا رسول
الله الحديث ثم قال أى الخطيب ظاهر الرواية الأولى يوجب أن يكون من مسند
89 عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم والثانية ظاهرها يوجب أن يكون من مسند ابن عمر
عن النبى صلى الله عليه وسلم انتهى وهذا يشهد لما ذكرناه الا أن المصنف
اعترض على الخطيب بقوله ليس هذا المثال مماثلا لما نحن بصدده الى آخر كلامه إلا أن
كون الرواية الثانية تدل على أنه من مسند ابن عمر لا يخالف فيه ابن الصلاح وهو
موافق لما ذكرناه وهو المقصود من الاستشهاد به والله أعلم و صلى الله عليه وسلم على محمد وآله قوله الرابع التعليق الذى يذكره أبو عبد
الله الحميدى فى أحاديث من صحيح البخارى قطع إسنادها صورته صورة الانقطاع وليس
حكمه حكمه ولا خارجا ما وجد
90 ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف
لما علم من شرطه اعترض عليه بأن شرط البخارى إن سمى كتابه المسند الصحيح والصحيح
هو ما فيه من المسند دون ما لم يسنده وهذا الاعتراض يؤيده قول ابن القطان فى بيان
الوهم والإيهام أن البخاى فيما يعلق من الأحاديث فى الأبواب غير مبال بضعف رواتها
فإنها غير معدودة فيما انتخب وإنما يعد من ذلك ما وصل الأسانيد به فاعلم ذلك انتهى
كلام ابن القطان والجواب أن المصنف
إنما يحكم بصحتها إلى من علقها عنه إذا ذكره بصيغة الجزم كما تقدم ولا يظن بالبخارى
أن يجزم القول فيما ليس بصحيح عمن جزم به عنه فأما إذا ذكر فيما أبرز من السند
ضعيفا فإنه ليس صحيحا عند البخارى كما تقدم والله أعلم قوله فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين
البخاري وهشام انتهى وإنما قال ابن حزم فى المحلى هذا حديث منقطع لم يتصل ما بين
البخارى وصدقة بن خالد انتهى وصدقة بن خالد هو شيخ هشام بن عمار فى هذا الحديث
وهذا قريب الا أن المصنف لا يجوز تغيير الألفاظ فى التصانيف وان اتفق المعنى
91 قوله وأما ما أورده أى البخارى كذلك عن
شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا فى الثالث من هذا التفريعات انتهى يريد أن ما
قال فيه البخارى وقال فلان وسمى بعض شيوخه أنه محكوم فيه بالاتصال كالإسناد
المعنعن ويشكل على ما ذكره المصنف هنا أن البخارى قال فى صحيحه فى كتاب الجنائز فى
باب ما جاء فى قاتل النفس وقال حجاج بن منهال حدثنا جرير بن حازم عن الحسن قال
حدثنا جندب فى هذا المسجد فما نسيناه وما نخاف أن يكذب جندب على النبى صلى الله عليه وسلم قال كان برجل خراج فقتل نفسه الحديث فحجاج بن منهال أحد شيوخ البخارى قد
سمع منه أحاديث وقد علق عنه هذا الحديث ولم يسمعه منه وبينه وبينه واسطة بدليل أنه
أورده فى باب ما ذكره عن بني إسرائيل فقال حدثنا محمد حدثنا حجاج حدثنا جرير عن
الحسن قال حدثنا جندب فذكر الحديث فهذا يدل على أنه لم يسمعه من حجاج وهذا
تدليس فلا ينبغى أن يحمل ما علقه عن
شيوخه على السماع منهم ويجوز أن يقال إن البخارى أخذه عن حجاج بن منهال بالمناولة
أو فى حالة المذاكرة على الخلاف الذى ذكره ابن الصلاح وسمعه ممن سمعه منه فلم
يستحسن التصريح باتصاله بينه وبين حجاج لما وقع من تحمله وهو قد صح عنده بواسطة
الذى حدثه به عنه فأتى به فى موضع بصيغة التعليق وفى موضع آخر بزيادة الواسطة وعلى
هذا فلا يسمى ما وقع من البخارى على هذا التقدير تدليسا وعلى كل حال فهو محكوم بصحته
لكونه أتى به بصيغة الجزم كما تقدم فما قاله ابن حزم فى حديث البخارى عن هشام بن
عمار بحديث المعارف من أنه ليس متصلا عند البخارى يمكن أن يكون البخارى أخذه عن
هشام مناولة أو فى المذاكرة فلم يصرح فيه بالسماع
92 وقوله إنه لا يصح وإنه موضع مردود عليه فقد
وصله غير البخارى من طريق هشام بن عمار ومن طريق غيره فقال الاسماعيلى فى صحيحه
حدثنا الحسن وهو ابن سفيان الإمام حدثنا هشام بن عمار وقال الطبرانى فى مسند
الشاميين حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد
وقال أبو داود فى سننه حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر كلاهما عن عبد
الرحمن بن يزيد ابن جابر بإسناده وقد
ذكر المصنف فيما تقدم فى النوع الأول فى أمثلة تعليق البخارى قال القعنبى والقضبى
من شيوخ البخارى فجعله هناك من باب التعليق وخالف ذلك هنا وقد يجاب عن المصنف بما
ذكره هنا عقب الإنكار عن ابن حزم وهو قوله والبخارى رحمه الله قد يفعل مثل ذلك
لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص الذى علق عنه وقد يفعل ذلك
لكونه قد ذكر ذلك الحديث فى موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك بغير ذلك
فى الاسباب التى لا يصحبها خلل الانقطاع انتهى فحديث النهى عن المعازف من باب ما
هو معروف من جهة الثقات عن هشام كما تقدم وحديث جندب من باب ما ذكره فى موضع آخر
من كتابه مسند وقد اعترض على المصنف فى قوله وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب
التى لا يصحبها خلل الانقطاع بأن حديث جندب الذى ذكر فى الجنائز صحبة خلل للأنقطاع
لأنه لم يأخذه عن حجاج بن منهال والجواب عن المصنف أنه لم يرد بقوله لا يصحبها خلل
للانقطاع أى فى غير الموضع الذى علقه فيه فان التعليق منقطع قطعا وانما أراد أنه
لا يصحبها خلل الانقطاع فى الواقع بأن يكون الحديث معروف الاتصال أما فى كتابه فى موضع آخر كحديث جندب أو فى
غير كتابه كحديث أبى مالك الأشعرى فإنه إنما جزم به حيث علم اتصاله وصحته فى نفس
الأمر كما تقدم والله تعالى أعلم
وأختلف فى محمد شيخ البخارى فى حديث جندب فقيل هو محمد بن يحيى الدهلى
93 وهو الظاهر فإنه روى عن حجاج بن منهال
والبخارى عادته لا ينسبه إذا روى عنه إما لكونه من أقرانه أو لما جرى بينهما وقيل
هو محمد بن جعفر السمنانى قوله ولم
أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط فيه بعض رجال الإسناد من وسطه أو من آخره ولا فى
مثل قوله يروى على فلان ويذكر عن فلان وما أشبهه مما ليس فيه جزم على من ذكر ذلك
عنه بأنه قاله وذكره انتهى وقد سمى غير
واحد من المتأخرين ما ليس بمجزوم تعليقا منهم الحافظ أبو الحجاج المزى كقول
البخارى فى باب مس الحرير من غير لبس ويروى فيه عن الزبيدى عن
94 الزهرى عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم فذكره المزى فى الأطراف
وعلم عليه علامة التعليق للبخارى وكذا فعل غير واحد من الحفاظ يقولون ذكره البخارى
تعليقا مجزوما أو تعليقا غير مجزوم به إلا أنه يجوز أن هذا الاصطلاح متجدد فلا لوم
على المصنف فى قوله إنه لم يجده قوله
أما إذا كان الذى وصله هو الذى أرسله وصله فى وقت وأرسله فى وقت
95 ثم قال أو رفعه واحد فى وقت ووقفه هو أيضا فى
وقت آخر فالحكم على الأصح فى كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع إلى آخر كلامه
وما صححه المصنف هو الذى رجحه أهل الحديث
وصحح الأصوليون خلافه وهو أن الاعتبار بما وقع منه أكثر فإن وقع وصله أو
رفعه أكثر من إرساله أو وقفه فالحكم للوصل والرفع وإن كان الإرسال أو الوقف فأكثر
فالحكم له والله أعلم
النوع الثانى عشر معرفة التدليس
قوله التدليس قسمان إلى آخر كلامه
ترك المصنف رحمه الله قسما ثالثا من
أنواع التدليس وهو شر الأقسام وهو الذى يسمونه تدليس التسوية وقد سماه بذلك أبو
الحسن بن القطان وغيره من أهل هذا الشأن وصورة هذا القسم من التدليس
96 أن يجئ المدلس إلى حديث سمعه من شيخ ثقة وقد
سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ثقة فيعمل
المدلس الذى سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط منه شيخ شيخه الضعيف ويجعله من رواية
شيخه الثقة عن الثقة الثانى بلفظ محتمل كالعنعنة ونحوها فيصير الإسناد كله ثقات
ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ فى الإسناد ما
يقتضى عدم قوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل ومثال ذلك ما ذكره أبو محمد بن أبى حاتم فى كتاب
العلل قال سمعت أبى وذكر الحديث الذى رواه إسحق بن راهويه عن بقية قال حدثنى أبو
وهب الأسدى عن نافع عن ابن عمر مرفوعا لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه
فقال أبى إن هذا الحديث له أمر قل من يفهمه روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن
إسحق بن أبى فروة عن نافع عن ابن عمر عن النبى
صلى الله عليه وسلم قال وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب وهو أسدى فكناه
بقية ونسبه إلى بنى أسد لكيلا يفطن له حتى اذا ترك إسحق ابن أبى فروة من الوسط لا
يهتدى له قال وكان بقية من أفعل الناس لهذا انتهى وممن كان يصنع هذا النوع من التدليس الوليد
بن مسلم وحكى أيضا عن
97 الأعمش وسفيان الثورى فأما الوليد بن مسلم
فحكى الدارقطنى عنه أنه كان يفعله وروينا عن أبى مسهر قال كان الوليد ابن مسلم
يحدث بأحاديث الأوزاعى عن الكذابين ثم يدلسها عنهم وروينا عن صالح جزرة قال سمعت
الهيثم بن خارجة يقول قلت للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث الأوزاعى قال كيف قلت تروى
عن الأوزاعى عن نافع وعن الأوزاعى عن الزهرى وعن الأوزاعى عن يحيى بن سعيد وغيرك
يدخل بين الأوزاعى وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمى وبينه وبين الزهرى إبراهيم
ابن مرة وقرة قال أنبل الأوزاعى أن يروى عن مثل هؤلاء قلت فإذا روى عن هؤلاء وهم
ضعفاء احاديث مناكير فاسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعى عن الثقات ضعف
الأوزاعى فلم يلتفت الى قولى وأما
الأعمش والثورى فقال الخطيب فى الكفاية كان الأعمش والثورى وبقية يفعلون مثل هذا
والله أعلم قال شيخنا الحافظ أبو سعيد
العلائى فى كتاب جامع التحصيل وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرها
أنتهى قلت ومما يلزم منه من الغرور
الشديد أن الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويكون المدلس قد صرح بسماعه من
هذا الشيخ الثقة وهو كذلك فتزول تهمة تدليسه فيقف الواقف على هذا السند فلا يرى
فيه موضع علة لأن المدلس صرح باتصاله والثقة الأول ليس مدلسا وقد رواه عن ثقة آخر
فيحكم له بالصحة وفيه ما فيه من الآفة التى ذكرناها وهذا قادح فيمن تعمد فعله
والله أعلم قوله وهو أن يروى عمن لقيه
ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه إلى آخر كلامه هكذا حد
المصنف القسم الأول من قسمى التدليس اللذين ذكرهما وقد حده غير واحد من الحفاظ بما
هو أخص من هذا وهو أن يروى عمن قد سمع منه ما لم يسمعه منه غير أن يذكر أنه سمعه
منه هكذا حده الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار فى جزء له فى
معرفة من يترك حديثه أو يقبل وكذا حده الحافظ أبو الحسن بن محمد بن عبد الملك بن
القطان فى معرفة كتاب بيان الوهم
98 والايهام قال ابن القطان والفرق بينه وبين
الإرسال هو أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه انتهى ويقابل هذا القول فى تضييق حد التدليس
القول الآخر الذى حكاه ابن عبد البر فى التمهيد أن التدليس أن يحدث الرجل بما لم
يسمعه قال ابن عبد البر وعلى هذا فما سلم من التدليس أحد لا مالك ولا غيره وما
ذكره المصنف فى حد التدليس هو المشهور بين أهل الحديث وإنما ذكرت قول البزار وابن
القطان كيلا يغتر بهما من وقف عليهما فيظن موافقة أهل هذا الشان لذلك والله
أعلم قوله أما القسم الأول فمكروه جدا
ثم قال ثم اختلفوا فى قبول رواية من عرف بهذا التدليس فجعله فريق من أهل الحديث
والفقهاء مجروحا بذلك وقالوا لا تقبل روايته بحال بين السماع أو لم يبين والصحيح
التفصيل وان ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم
المرسل وأنواعه ثم قال وأما القسم الثانى فأمره أخف انتهى كلامه وفيه أمور أحدها أن المصنف أجرى الخلاف فى الثقة
المدلس وان صرح بالسماع وقد ادعى أبو الحسن بن القطان نفى الخلاف فيه فذكر فى
كتابه بيان الوهم والإيهام أن يحيى ابن أبى كثير كان يدلس وأنه ينبغى أن يجرى فى
معنعنه الخلاف ثم قال أما إذا صرح بالسماع فلا كلام فيه فإنه ثقة حافظ صدوق فتقبل
منه ذلك بلا خلاف انتهى كلامه والمشهور ما ذكره المصنف من إثبات الخلاف فقد
حكاه الخطيب فى الكفاية عن
99 فريق من الفقهاء وأصحاب الحديث وهكذا حكاه
غيره والمثبت للخلاف مقدم على النافى له والله أعلم الأمر الثانى أن المصنف ذكر أن ما لم يبين
فيه المدلس الاتصال حكمه حكم المرسل فاقتضى كلامه أن من يقبل المرسل يقبل معنعن
المدلس وليس ذلك قول جميع من يحتج بالمرسل بل بعض من يحتج بالمرسل يرد معنعن
المدلس لما فيه من التهمة كما حكاه الخطيب فى الكفاية فقال إن جمهور من يحتج
بالمرسل يقبل خبر المدلس بل زاد النووى على هذا فحكى فى شرح المهذب الاتفاق على أن
المدلس لا يحتج بخبره إذا عنعن وهذا منه إفراط وكان الذى أوقع النووى فى ذلك ما
ذكره البيهقى فى المدخل وابن عبد البر فى التمهيد مما يدل على ذلك أما البيهقى
فإنه حكى عن الشافعى وسائر أهل العلم أنهم لا يقبلون عنعنة المدلس وأما ابن عبد
البر فإنه لما ذكر فى مقدمة التمهيد الحديث المعنعن وأنه يقبل بشروط ثلاثة قال إلا
أن يكون الرجل معروفا بالتدليس فلا يقبل حديثه حتى يقول حدثنا أو سمعت قال فهذا ما
لا أعلم فيه أيضا خلافا انتهى كلامه
وما ذكر من الاتفاق لعله محمول على اتفاق من لا يحتج بالمرسل خصوصا عبارة
البيهقى فإن لفظ سائر قد تطلق ويراد به الباقى لا الجميع والخلاف فى كلام غيرهما
وممن حكاه الحاكم فى كتاب المدخل فإنه قسم الصحيح إلى عشر أقسام خمسة متفق عليها
وخمسة مختلف فيها فذكر من الخمسة المختلف فيها المراسيل وأحاديث المدلسين إذا لم
يذكروا سماعاتهم إلى آخر كلامه وحكى الخلاف أيضا الحافظ أبو بكر الخطيب فى
100 كتاب الكفاية فحكى عن خلق كثير من أهل العلم
أن خبر المدلس مقبول قال وزعموا أن نهاية أمره أن يكون مرسلا والله أعلم الأمر الثالث أن المصنف بين الحكم فيمن عرف
بالقسم الأول من التدليس ولم يبين الحكم فى القسم الثانى وإنما قال إن أمره أخف
فأردت بيان الحكم فيه للفائدة وقد جزم أبو نصر بن الصباغ فى كتاب العدة أن من فعل
ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس وإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره يجب
ألا يقبل خبره وإن كان هو يعتقد فيه الثقة فقد غلط فى ذلك لجواز أن يعرف غيره من
جرحه مالا يعرفه هو وان كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره
حتى يعرف من روى عنه والله أعلم النوع
الثالث عشر معرفة الشاذ
قوله أما ما حكم الشافعى عليه
بالشذوذ فلا اشكال فى أنه غير شاذ مقبول وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد
به العدل الحافظ الضابط كحديث إنما
الأعمال بالنيات فإنه حديث فرد تفرد به
عمر رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثم تفرد به عمر عن علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن ابراهيم ثم عنه
يحيى
101 ابن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل الحديث انتهى
وقد اعترض عليه بأمرين أحدهما أن الخليلى والحاكم إنما ذكرا تفرد
الثقة فلا يرد عليهما تفرد الحافظ لما بينهما من الفرقان والأمر الثانى أن حديث النية لم ينفرد عمر
به بل رواه أبو سعيد الخدرى وغيره عن النبى
صلى الله عليه وسلم فيما ذكره الدارقطنى وغيره انتهى ما اعترض به عليه والجواب عن الأول أن الحاكم ذكر تفرد مطلق
الثقة والخليلى إنما ذكر مطلق الراوى فيرد على إطلاقهما تفرد العدل الحافظ ولكن
الخليلى يجعل تفرد الراوى الثقة شاذا صحيحا وتفرد الراوى غير الثقة شاذا ضعيفا
والحاكم ذكر تفرد مطلق الثقة فيدخل فيه تفرد الثقة الحافظ فلذلك استشكله المصنف
وعن الثانى أنه لم يصح من حديث أبى سعيد ولا غيره سوى عمر وقد أشار المصنف إلى أنه
قد قيل ان له غير طريق عمر بقوله على ما هو الصحيح عند أهل الحديث فلم يبق
للاعتراض عليه وجه ثم ان حديث أبى سعيد الذى ذكره هذا المعترض صرحوا بتغليط ابن
أبى داود الذى رواه عن مالك وممن وهمه
فى ذلك الدارقطنى وغيره وإذ قد اعترض عليه فى حديث عمر هذا فهلا اعترض عليه فى
الحديث الذى بعده فقد ذكر المصنف أنه أوضح فى التفرد من حديث عمر وهو حديث عبد الله
بن دينار عن ابن عمر فى النهى عن بيع الولاء وعن هبته كما سيأتى ومما يستغرب حكايته فى حديث عمر أنى رأيت فى
المستخرج من أحاديث الناس لعبد الرحمن بن منده أن حديث الأعمال بالنيات رواه سبعة
عشر من الصحابة وأنه رواه عن عمر غير علقمة وعن علقمة غير محمد بن إبراهيم وعن
محمد بن إبراهيم غير يحيى
102 ابن سعيد وقد بلغنى أن الحافظ أبا الحجاج
المزى سئل عن كلام ابن منده هذا فأنكره واستبعده وقد تتبعت كلام ابن مندة المذكور
فوجدت أكثر الصحابة الذين ذكر حديثهم فى الباب انما لهم أحاديث أخرى فى مطلق النية
لحديث يبعثون على نياتهم ولحديث لبس له من غزاته الا ما نوى ونحو ذلك وهكذا يفعل
الترمذى فى الجامع حيث يقول وفى الباب عن فلان وفلان فانه لا يريد ذلك الحديث
المعين وانما يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب فى ذلك الباب وان كان حديثا آخر غير
الذى يرويه فى أول الباب وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن من
سمى من الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه الذى رواه فى أول الباب بعينه وليس الأمر
على ما فهموه بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده فى ذلك الباب ثم إنى
تتبعت الأحاديث التى ذكرها ابن منده فلم أجد منها بلفظ حديث ابن عمر أو قريبا من
لفظه بمعناه الا
103 حديثا
لأبى سعيد الخدرى وحديثا لأبى هريرة وحديثا لأنس بن مالك وحديثا لعلى بن أبى طالب
وكلها ضعيفة ولذلك قال الحافظ أبو بكر البزار فى مسنده بعد تخريجه لا يصح عن
النبى صلى الله عليه وسلم الا من حديث عمر ولا عن عمر الا من حديث علقمة
ولا عن علقمة إلا من حديث محمد بن إبراهيم ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من حديث
يحيى بن سعيد والله أعلم وذكره المصنف
بعد هذا فى النوع الحادى والثلاثين ونبسط الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى قوله وأوضح من ذلك فى ذلك حديث عبد الله بن
دينار عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته تفرد به عبد الله بن دينار وحديث مالك عن
الزهرى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه
المغفر تفرد به مالك عن الزهرى فكل هذه
مخرجة فى الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد انتهى وفيه أمران أحدهما أن الحديث
الأول وهو حديث النهى عن بيع الولاء وهبته قد روى من حديث عبد الله بن دينار رواه
الترمذى فى كتاب العلل المفرد قال حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب حدثنا
يحيى بن سليم عن
104 عبيد الله بن عمر عن نافع عن عمر فذكره ثم
قال والصحيح عن عبد الله بن دينار وعبد الله بن دينار قد تفرد بهذا الحديث عن ابن
عمر ويحيى بن سليم أخطأ فى حديثه وقال الترمذى أيضا فى الجامع أن يحيى بن سليم وهم
فى هذا الحديث قلت وقد ورد من غير رواية يحيى بن سليم عن نافع رواه ابن عدي فى
الكامل فقال حدثنا عصمة ابن بجماك البخارى حدثنا إبراهيم بن فهد حدثنا مسلم عن
محمد بن دينار عن يونس
105 يعنى ابن عبيد عن نافع عن ابن عمر فذكره
أورده فى ترجمه إبراهيم بن فهد ابن حكيم وقال لم أسمعه إلا من عصمة عنه ثم قال
وسائر أحاديث إبراهيم بن فهد مناكير وهو مظلم الأمر وحكى أيضا أن ابن صاعد كان إذا
حدثنا عنه يقول حدثنا إبراهيم بن حليم ينسبه إلى جده لضعفه انتهى والجواب عن المصنف أنه لا يصح أيضا إلا من
رواية عبد الله بن دينار كما تقدم فى حديث الأعمال بالنيات والله أعلم والأمر الثانى أن حديث المغفر قد ورد من
عدة طرق غير طريق مالك من رواية ابن أخى الزهرى وأبى أويس عبد الله بن عبد الله بن
أبى عامر ومعمر والأوزاعى كلهم عن الزهرى فأما رواية أخى الزهرى عنه فرواها أبو
بكر البزار فى مسنده وأما رواية أبى أويس فرواها ابن سعد فى الطبقات وابن عدى فى
الكامل فى ترجمة أبى أويس وأما رواية معمر فذكرها ابن عدى فى الكامل وأما رواية
الأوزاعى فذكرها المزى فى الأطراف وقد بينت ذلك فى شرح الترمذى وروى ابن مسدى فى معجم شيوخه أن أبا بكر بن
العربى قال لأبى جعفر بن المرخى حين ذكر أنه لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهرى
قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك فقالوا له أفدنا هذه الفوائد فوعدهم
ولم يخرج لهم شيئا ثم تعقب ابن مسدى هذه الحكاية بأن شيخه فيها وهو أبو العباس
العشاب كان متعصبا على ابن العربى لكونه كان متعصبا على ابن حزم فالله أعلم
النوع الرابع عشر معرفة المنكر
قوله المنكر ينقسم قسمين على ما
ذكرناه في الشاذ فانه بمعناه منال الأول وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات
رواية مالك عن الزهرى عن على بن حسين عن عمر
106 ابن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فخالف مالك غيره من الثقات فى قوله عمر بن
عثمان بضم العين وذكر مسلم فى كتاب
التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهرى قال فيه عمرو ابن عثمان يعنى بفتح العين
إلى آخر كلامه حكم المصنف على حديث مالك هذا بأنه منكر ولم أجد من أطلق عليه اسم
النكارة ولا يلزم من تفرد مالك بقوله فى الإسناد عمر أن يكون المتن منكرا فالمتن
على كل حال صحيح لأن عمر وعمرا كلاهما ثقة وقد ذكر المصنف مثل ما أشرت إليه فى
النوع الثامن عشر أن من أمثلة ما وقفت العلة فى إسناده
107 من غير قدح فى المتن ما رواه الثقة يعلى بن
عبيد عن سفيان الثورى عن عمرو بن دينار عن أبى عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار الحديث قال فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن
العدل وهو معلل غير صحيح قال والمتن
على كل حال صحيح والعلة فى قوله عن عمرو بن دينار إنما هو عن عبد الله بن دينار عن
ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه فوهم يعلى ابن عبيد وعدل عن عبد الله
بن دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة انتهى كلامه فجعل الوهم فى الإسناد بذكر
ثقة آخر لا يخرج ذلك المتن عن صحيحا فهكذا يجب أن يكون الحكم هنا على أنه قد اختلف
على مالك رحمه الله فى قوله وعمر وعمرو فرواه النسائى فى سننه من رواية عبد الله بن
المبارك وزيد بن الحباب ومعاوية بن هشام ثلاثتهم عن مالك فقالوا فى روايتهم عمرو
بن عثمان كروايه بقية أصحاب الزهرى لكن قال النسائى بعده والصواب من حديث مالك عن
عمر بن عثمان قال ولا نعلم أحدا تابع مالكا على قوله عمر بن عثمان انتهى وقال ابن عبد البر فى التمهيد أن يحيى بن
بكير رواه عن مالك على الشك فقال فيه عن عمرو بن عثمان أو عمر بن عثمان قال
والثابت عن مالك عمر بن عثمان كما روى يحيى وتابعه القعنبى وأكثر الرواة انتهى
108 وقد خالف مالكا فى ذلك ابن جريج وسفيان
بن عيينة وهشيم بن كثير ويونس ابن يزيد ومعمر بن راشد وابن الهاد ومحمد بن أبى
حفصة وغيرهم فقالوا عمرو وهو الصواب والله أعلم وقد رواه سفيان الثورى وشعبة عن عبد الله
بن عيسى عن الزهرى فخالفا فيه الفريقين معا فأسقطا منه ذكر عمرو بن عثمان وجعلاه
من رواية على بن حسين عن أسامة والصواب رواية الجمهور والله أعلم وإذا كان هذا الحديث لا يصلح مثالا للمنكر
فلنذكر مثالا يصلح لذلك وهو ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية همام بن يحيى عن
ابن جريج عن الزهرى عن أنس قال كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه قال أبو داود بعد تخريجه هذا حديث منكر قال وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد
عن الزهرى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ خاتما من ورق ثم ألقاه وقال والوهم فيه من همام ولم يروه إلا همام
وقال النسائى أيضا بعد تخريجه هذا حديث غير محفوظ وأما قول الترمذى بعد تخريجه له
هذا حديث حسن صحيح غريب فإنه أحرى حكمه على ظاهر الإسناد وقول أبى داود والنسائى أولى بالصواب إلا
أنه قد ورد من غير رواية همام رواه
الحاكم فى المستدرك والبيهقى فى سننه من رواية يحيى بن المتوكل عن ابن جريج وصححه
الحاكم على شرط الشيخين وضعفه البيهقى فقال هذا شاهد ضعيف وكان البيهقى ظن أن يحيى
بن المتوكل هو أبو عقيل صاحب بهية وهو ضعيف عندهم وليس هو به وإنما هو باهلى يكنى
أبا بكر ذكره ابن حيان فى الثقات ولا يقدح فيه قول ابن معين لا أعرفه فقد عرفه
غيره وروى عنه نحو من عشرين نفسا إلا انه اشتهر تفرد همام به عن ابن جريج والله
أعلم قوله عقد ذكر أبى زكير يحيى بن
محمد بن قيس وهو شيخ صالح أخرج عنه مسلم فى كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل
تفرده انتهى
109 ولم يخرج له مسلم احتجاجا وإنما أخرج له فى
المتابعات وقد أطلق الأئمة عليه القول بالضعيف فقال يحيى بن معين فيما روى عنه
إسحق الكوسج ضعيف وقال أبو حاتم بن حبان لا يحتج به وقال العقيلى لا يتابع على
حديثه وأورد له ابن عدى أربعة أحاديث مناكير وأما قول المصنف إنه شيخ صالح فأخذه
من كلام أبى يعلى الخليلى فانه كذلك فى كتاب الإرشاد والله أعلم
النوع الخامس عشر معرفة الاعتبار
والمتابعات والشواهد
قوله مثال المتابع والشاهد روينا من
حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن ديناد عن عطاء ابن أبى رباح عن ابن عباس أن
النبى صلى الله عليه وسلم قال لو أخذوا فدبغوه فانتفعوا به ورواه ابن جريج عن عمر وعن عطاء ولم يذكر فيه
الدباغ انتهى ورواية ابن جريج ليست
كرواية ابن عيينة فإن ابن جريج جعله من مسند ميمونة من رواية ابن عباس عنها لا من
مسند ابن عباس وقد رواه مسلم على الوجهين معا من طريق ابن عيينة فجعله من مسند ابن
عباس ومن طريق ابن جريج فجعله من مسند ميمونة وكلام المصنف يوهم اتفاقهما فى السند
وأن الاختلاف الذى
110 بينهما فى ذكر الدباغ وإذ لم يتفق ابن عيينة
وابن جريج فى الإسناد فلنذكر مثالا اتفق الراويان له على إسناده وأختلفا فى ذكر
الدباغ وهو ما رواه البيهقى من رواية ابراهيم بن نافع الصايغ عن عمرو بن دينار عن
عطاء عن ابن عباس ولم يذكر الدباغ والله أعلم
111 النوع السادس عشر معرفة زيادات الثقات
قوله مثاله ما رواه مالك عن نافع عن
ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان
على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين
فذكر أبو عيسى الترمذى أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله من
المسلمين وروى عبيد الله ابن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون
هذه الزيادة انتهى
وكلام الترمذى هذا ذكره فى العلل
التى فى آخر الجامع ولم يصرح بتفرد مالك بها مطلقا فقال ورب حديث إنما يستغرب
لزيادة تكون فى الحديث وإنما يصح إذا كانت
112 الزيادة ممن يعتمد على حفظه مثل ما روى مالك
بن أنس فذكر الحديث ثم قال وزاد مالك فى هذا الحديث من المسلمين وروى أيوب وعبيد
الله بن عمر وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر ولم يذكروا فيه من
المسلمين وقد روى بعضهم عن نافع مثل
رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه انتهى كلام الترمذى فلم يذكر التفرد مطلقا عن
مالك وإنما قيده بتفرد الحافظ كمالك ثم صرح بأنه رواه غيره عن نافع ممن لم يعتمد
على حفظه فأسقط المصنف آخر كلامه وعلى كل تقدير فلم ينفرد مالك بهذه الزيادة بل
تابعه عليها جماعة من الثقات ابنه عمر بن نافع والضحاك ابن عثمان وكثير بن فرقد
ويونس بن يزيد والمعلى بن إسمعيل وعبد الله بن عمر العمرى واختلف فى زيادتها على
أخيه عبيد الله بن عمر العمرى وعلى أيوب أيضا
فأما رواية ابنه عمر بن نافع فأخرجها البخارى فى صحيحه من رواية إسمعيل بن
جعفر عن عمر بن نافع عن ابيه فقال فيه من المسلمين وأما رواية الضحاك بن عثمان
113 فأخرجها مسلم فى صحيحه من رواية ابن أبى فديك
أخبرنا الضحاك بن عثمان عن نافع فقال فيه أيضا من المسلمين وأما رواية كثير بن فرقد فأخرجها الدارقطنى
فى سننه والحاكم فى المستدرك من رواية الليث بن سعد عن كثير بن فرقد عن نافع فقال
فيها أيضا من المسلمين وقال الحاكم بعد تخريجه هذا حديث صحيح على شرطهما ولم
يخرجاه انتهى وكثير بن فرقد احتج به البخارى ووثقه ابن معين وأبو حاتم أما رواية يونس بن يزيد فأخرجها أبو جعفر
الطحاوى فى بيان المشكل من رواية يحيى بن أيوب عن يونس بن يزيد أن نافعا أخبره
فذكر فيه أيضا من المسلمين وأما رواية المعلى بن إسمعيل فأخرجها ابن حبان فى صحيحه
والدارقطنى فى سننه من رواية أرطاة بن المنذر عن المعلى بن إسمعيل عن نافع فقال
فيه عن كل مسلم وأرطاة وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما والمعلى بن إسمعيل
قال فيه أبو حاتم الرازى ليس بحديثه بأس صالح الحديث لم يرو عنه غير أرطاة وذكره
ابن حبان فى الثقات وأما رواية عبد
الله بن عمر فأخرجها الدارقطنى فى سننه من رواية روح وعبد الوهاب فرقهما كلاهما عن
عبد الله بن عمر عن نافع فقال فيه على كل مسلم وقد رواه أبو محمد بن الجارود فى
المنتقى فقرن بينه وبين مالك فرواه من طريق ابن وهب قال حدثنى عبد الله بن عمر
ومالك وقال فيه من المسلمين وأما الاختلاف فى زيادتها على عبيد الله بن عمر وأيوب
فقد ذكرته فى شرح الترمذى والله أعلم
114 قوله ومن أمثلة ذلك حديث جعلت لنا الأرض
مسجدا وجعل تربتها لنا طهورا فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك سعد بن طارق الأشجعى
وساير الروايات لفظها وجعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا انتهى وإنما تفرد أبو مالك الأشجعى بذكر تربة
الأرض فى حديث حذيفة كما رواه مسلم فى صحيحه من روايه أبى مالك الأشجعى عن ربعى عن
حذيفة وقد اعترض على المصنف بأنه يحتمل أن يريد بالتربة الأرض من حيث هى أرض لا
التراب فلا يبقى فيه زيادة ولا مخالفة لمن أطلق فى سائر الروايات والجواب أن فى بعض طرقه التصريح بالتراب كما
فى رواية البيهقى وجعل ترابها لنا طهورا ولم يتقدم من المصنف ذكر لحديث حذيفة
وإنما أطلق كون هذه اللفظة تفرد بها أبو مالك فلذلك أحببت أن أذكر أنها وردت من
رواية غيره من حديث على وذلك فيما رواه أحمد فى مسنده من رواية عبد الله بن محمد
بن عقيل عن محمد بن على الأكبر أنه سمع على بن أبى طالب رضى الله عنه يقول قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أعطيت ما لم يعطه أحد من الأنبياء فذكر الحديث وفيه وجعل التراب لى طهورا وهذا إسناد حسن وقد رواه البيهقى أيضا فى
سننه من هذا الوجه
115 النوع الثامن عشر معرفة الحديث المعلل
قوله ويسميه أهل الحديث المعلول وذلك
منهم ومن الفقهاء فى قولهم فى باب القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية
واللغة انتهى
116 وقد تبعه عليه الشيخ محيى الدين النووى
فقال فى مختصره إنه لحن واعترض عليه بأنه قد حكاه جماعة من أهل اللغة منهم قطرب
فيما حكاه اللبلى والجوهرى فى الصحاح والمطرزى فى المغرب انتهى والجواب عن المصنف
أنه لا شك فى أنه ضعيف وان حكاه بعض من صنف فى الأفعال كابن القوطية وقد أنكره غير
واحد من أهل اللغة كابن سيدة والحريرى وغيرهما فقال صاحب المحكم واستعمل أبو إسحق لفظه
المعلول فى المتقارب من العروض ثم قال والمتكلمون يستعملون لفظة المعلول فى مثل
هذا كثيرا قال وبالجملة فلست منها على ثقة ولا ثلج لأن المعروف إنما هو أعله الله
فهو معل اللهم إلا أن يكون على ما ذهب سيبويه من قولهم مجنون ومسلول من أنهما جاءا
على جننته وسللته وإن لم يستعملا فى الكلام استغنى عنهما بأفعلت قالوا وإذ قالوا جن وسل فإنما يقولون جعل
فيه الجنون والسل كما قالوا وفسل انتهى كلامه وأنكره أيضا الحريرى فى درة الغواص
117 قلت والأحسن أن يقال فيه معل بلام واحدة
لا معلل فإن الذى بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى ألهاه بالشئ وشغله به من تعليل
الصبى بالطعام وأما بلام واحدة فهو الاكثر فى كلام أهل اللغة وفى عبارة أهل الحديث
أيضا لأن أكثر عبارات أهل الحديث فى الفعل أن يقولوا أعله فلان بكذا وقياسه معل
وتقدم قول صاحب المحكم أن المعروف إنما هو أعله الله فهو معل وقال الجوهرى لا أعلك
الله أى لا أصابك بعلة انتهى والتعبير
بالمعلول موجود فى كلام كثير من أهل الحديث فى كلام الترمذى فى
118 جامعه وفى كلام الدارقطنى وأبى أحمد بن عدى
وأبى عبد الله الحاكم وأبى يعلى الخليلى ورواه الحاكم فى التاريخ وفى علوم الحديث
أيضا عن البخارى فى قصة مسلم مع البخارى وسؤاله عن حديث ابن جريج عن موسى بن عقبة
عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة مرفوعا من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه
الحديث فقال البخارى هذا حديث مليح ولا أعلم فى الدنيا فى هذا الباب غير هذا
الحديث الواحد إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسمعيل حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن
عون بن عبد الله قوله قال البخارى هذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماعا من
سهيل فقام إليه مسلم وقبيل يده قلت هكذا أعل الحاكم فى علومه هذا الحديث بهذه
الحكاية والغالب على الظن عدم صحتها وأنا أتهم بها أحمد بن حمدون القصار راويها عن
مسلم فقد تكلم فيه وهذا الحديث قد صححه الترمذى وابن حبان والحاكم ويبعد أن
البخارى يقول إنه لا يعلم فى الدنيا فى هذا الباب غير هذا الحديث مع أنه قد ورد من
حديث جماعة من الصحابة غير أبى هريرة وهم أبو برزة الأسلمى ورافع بن خديج وجبير بن
مطعم والزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك
والسائب بن يزيد وعائشة وقد بينت هذه الطرق كلها فى تخريج أحاديث الإحياء للغزالى
والله أعلم قوله ومثال العلة فى المتن
ما انفرد مسلم بإخراجه من حديث أنس من اللفظ
119 المصرح بنفى قراءة بسم الله الرحمن
الرحيم فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه فكانوا
يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير تعرض لذكر البسملة إلى آخر كلامه
وربما يعترض معترض على المصنف بأنك قدمت أن ما أخرجه أحد الشيخين البخارى أو مسلم
مقطوع بصحته فكيف يضعف هذا وهو فيما أودعه مسلم كتابه وأيضا فلم تعين من أعله حتى
ينظر محله من العلم وما حكيته عن قوم لم تسمهم أنهم أعلوه معارض بقول أبى الفرج بن
الجوزى فى التحقيق عقب حديث أنس هذا أن الأيمة أتفقوا على صحته والجواب عن ذلك أن
المصنف لما قدم إنما أخرجه أحد الشيخين مقطوع بصحته قال سوى أحرف يسيرة تكلم عليها
بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطنى وغيره انتهى كلام المصنف فقد استثنى أحرفا
يسيرة وهذا منها وقد اعله جماعة من الحفاظ الشافعى والدارقطنى وابن عبد البر رحمهم
الله ولنذكر كلامهم فى ذلك ليتضح ما أعلوه به فأما كلام الشافعى رحمه الله فقد
ذكره عنه البيهقى فى كتاب معرفة السنن والآثار وأنه قاله فى سنن حرملة جوابا لسؤال
أورده وصورة السؤال فإن قال قائل قد روى مالك عن حميد عن أنس قال صليت وراء أبى
بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قال قال الشافعى قل له
خالفه سفيان بن عيينة والقفزارى والثقفى وعدد لقيتهم سبعة أو ثمانية مؤمنين
مخالفين له قال والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد ثم رجح روايتهم بما رواه عن
سفيان عن أيوب عن قتادة عن أنس قال كان
النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بالحمد لله رب
العالمين قال الشافعى يعنى يبدأون
بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها ولا يعنى أنهم يتركون بسم الله الرحمن
الرحيم وحكى الترمذى فى جامعه عن
الشافعى قال إنما معنى هذا الحديث أن النبى
صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب
العالمين معناه أنهم كانوا يبتدئون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة وليس معناه
أنهم كانوا لا يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم انتهى وما أوله به الشافعى مصرح به فى رواية
الدارقطنى فكانوا يستفتحون بأم القرآن
120 فيما يجهر به قال الدارقطنى هذا صحيح وقال
الدارقطنى أيضا إن المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس أنهم كانوا يستفتحون بالحمد لله
رب العالمين ليس فيه تعرض لنفى البسملة وكذا قال البيهقى إن أكثر أصحاب قتادة رووه
عن قتادة كذلك قال وهكذا رواه اسحق بن عبد الله بن أبى طلحة وثابت البنانى عن أنس
انتهى وأما تضعيف ابن عبد البر له
بالاضطراب فإنه قال فى كتاب الاستذكار اختلف عليهم فى لفظه اختلافا كثيرا مضطربا
متدافعا منهم من يقول صليت خلف رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر ومنهم من يذكر عثمان ومن لا يذكر فكانوا
لا يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم ومنهم من قال فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن
الرحيم وقال كثير منهم كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين وقال بعضهم
فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم وقال بعضهم كانوا يقرأون بسم الله الرحمن
الرحيم قال وهذا اضطراب لا تقوم معه حجة لأحد من الفقهاء الذين يقرأون بسم الله
الرحمن الرحيم والذين لا يقرأونها وقال ابن عبد البر أيضا فى كتاب الإنصاف فى
البسملة بعد أن رواه من رواية أيوب وشعبة وهشام الدستوائى وشيبان بن عبد الرحمن
وسعيد بن أبى عروبة وأبى عوانة فهؤلاء حفاظ أصحاب قتادة ليس فى روايتهم لهذا
الحديث ما يوجب سقوط بسم الله الرحمن الرحيم من أول فاتحة الكتاب أنتهى فهذا كلام أئمة الحديث فى تعليل هذا الحديث
فكيف يقول ابن الجوزى إن الأئمة اتفقوا على صحته أفلا يقدح كلام هؤلاء فى الاتفاق
الذى نقله وقد رأيت أن أبين علل الرواية التى فيها نفى البسملة من حيث صيغة الإسناد
فأقول قد ذكر ترك البسملة فى حديث أنس من ثلاثة طرق وهى رواية حميد عن أنس ورواية
قتادة عن أنس ورواية اسحق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس فأما رواية حميد فقد
تقدم أن مالكا رواها فى الموطأ عنه وأن الشافعى رضى الله عنه تكلم فيها لمخالفة
سبعة أو ثمانية من شيوخه فى ذلك وأيضا فقد ذكر ابن عبد البر فى كتاب الإنصاف ما
يقتضى انقطاعه بين حميد وأنس فقال ويقولون إن أكثر رواية حميد عن أنس أنه سمعها من
قتادة عن أنس
121 وقد ورد التصريح بذكر قتادة بينهما فيما
رواه ابن أبى عدى عن حميد عن قتادة عن أنس فآلت رواية حميد إلى رواية قتادة وأما
رواية مسلم فى صحيحه من رواية الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعى عن قتادة أنه كتب
إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال صليت خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فكانوا
يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فى أول قراءة
ولا فى آخرها فقد بين الأوزاعى فى روايته أنه لم يسمعه من قتادة وإنما كتب إليه به
والخلاف فى صحة الرواية بالكتابة معروف وعلى تقدير صحتها فأصحاب قتادة الذين سمعوه
منهم أيوب وأبو عوانة وغيرهما لم يتعرضوا لنفى البسملة كما تقدم وأيضا ففى طريق
مسلم الوليد ابن مسلم وهو مدلس وإن كان قد صرح بسماعه من الأوزاعى فإنه يدلس تدليس
التسوية أى يسقط شيخ شيخه الضعيف كما تقدم نقله عنه نعم لمسلم من رواية شعبة عن
قتادة عن أنس فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولا يلزم من نفى
السماع عدم الوقوع بخلاف الرواية المتقدمة
وأما رواية إسحق بن عبد الله بن أبى طلحة فهى عند مسلم أيضا ولم يسبق لفظها
وإنما ذكرها بعد رواية الأوزاعى عن قتادة عن انس فقال حدثنا محمد بن مهران حدثنا
الوليد بن مسلم عن الأوزاعى أخبرنى إسحق بن عبد الله بن أبى طلحة أنه سمع أنس بن
مالك يذكر ذلك فاقتضى أيراد مسلم لهذه الرواية أن لفظها مثل الرواية التى قبلها
وليس كذلك فقد رواها ابن عبد البر فى كتاب الانصاف من رواية محمد بن كثير قال
حدثنا الأوزاعى فذكرها بلفظ كانوا يفتتحون القراءة بالحمد رب العالمين ليس فيها
تعرض لنفى البسملة موافقا لرواية الأكثرين وهذا موافق لما قدمنا نقله عن البيهقى
من أن رواية إسحق بن عبد الله عن أنس لهذا الحديث كرواية أكثر أصحاب قتادة أنه ليس
فيها تعرض لنفى البسملة فقد اتفق ابن عبد البر والبيهقى على مخالفة رواية اسحق
للرواية التى فيها نفي البسملة وعلى هذا فما فعله مسلم رحمه الله هنا ليس بجيد
لأنه أحال بحديث على آخر وهو مخالف له بلفظ فذكر ذلك لم يقل نحو ذلك ولا غيره فإن
كانت الرواية التى وقعت لمسلم لفظها كالتى قبلها التى احال عليها فترجح رواية بن
عبد البر عليها لأن رواية مسلم من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعى معنعنا ورواية
122 ابن عبد البر من طريق محمد بن كثير حدثنا
الأوزاعى وصرح بلفظ الرواية فهى أولى بالصحة ممن اتهم اللفظ وفى طريقه مدلس عنعنه
والله أعلم قوله وأنضم إلى ذلك أمور
منها أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
وقد اعترض ابن عبد البر فى الإنصاف على هذا الحديث بأن قال من حفظه عنه حجة
على من سأله فى حال نسيانه واعترض ابن الجوزى فى التحقيق على هذا الحديث بأنه ليس فى
الصحاح فلا يعارض ما فى الصحاح انتهى
والجواب عن الأول ما أجاب به أبو شامة فى تصنيفه فى البسملة بأنهما مسألتان
فسؤال قتادة عن الاستفتاح بأى سورة وفى صحيح مسلم أن قتادة قال نحن سألناه عنه قال
أبو شامة وسؤال أبى مسلمة لأنس وهو هذا السؤال الأخير عن البسملة وتركها
انتهى ولو تمسكنا بما اعترض به ابن عبد
البر من أن من حفظه عنه حجة على من سأله فى حالة نسيانه لقلنا قد حفظ عنه قتادة
وصفه لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم
البسملة كما رواه البخارى فى صحيحه من طريقين عن قتادة عن أنس قال سئل أنس
123 ابن مالك كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم
يمد بسم الله ويمد الرحمن يمد
الرحيم وهذا إسناد لا شك فى صحته وقال الدارقطنى بعد تخريجه هذا حديث صحيح
وكلهم ثقات وقال الحازمى هذا حديث صحيح لا يعرف له علة وفيه دلالة على الجهر مطلقا
وإن لم يقيد بحالة الصلاة فيتناول الصلاة وغير الصلاة قال أبو شامة وتقرير هذا أن
يقال لو كانت قراءة رسول الله صلى الله
عليه وسلم تختلف فى الصلاة وخارج الصلاة
لقال أنس لمن سأله عن أى قراءتيه لسأل عن التى فى الصلاة أم التى خارج الصلاة فلما
أجاب مطلقا علم أن الحال لم يختلف فى ذلك وحيث أجاب بالبسملة دون غيرها من آيات
القرآن دل على أن النبى صلى الله عليه
وسلم كان يجهر بالبسملة فى قراءته ولولا
ذلك كان أنس أجاب الحمد لله رب العالمين أو غيرها من الآيات قال وهذا واضح قال ولنا أن نقول الظاهر أن السؤال لم يكن
إلا عن قراءته فى الصلاة فإن الراوى قتادة وهو راوى حديث أنس ذاك وقال فيه نحن
سألناه عنه انتهى ولم تختلف على قتادة
فى حديث البخارى هذا بخلاف حديث مسلم فاختلف فيه عليه كما بيناه وما لم يختلف فيه
أولى عند الترجيح بحصول الضبط فيه والله أعلم
والجواب عن الثانى وهو قول ابن الجوزى ليس فى الصحاح أنه إن كان المراد أنه
ليس فى واحد من الصحيحين فهو كما ذكر ليس فى واحد منهما ولكن لا يلزم من كونه ليس
فى واحد من الصحيحين أن لا يكون صحيحا لأنهما لم يستوعبا إخراج الصحيح فى كتابيهما
وإن أراد ليس فى كتاب التزم مخرجه الصحة فليس بجيد فقد أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه
من رواية أبى مسلمة سعيد بن يزيد قال سألت أنس بن مالك أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب
العالمين أو بسم الله الرحمن الرحيم فقال إنك لتسألنى عن شيء ما أحفظه وما سألنى
عنه أحد قبلك وقال الدارقطنى بعد
تخريجه هذا إسناد صحيح قال البيهقى فى المعرفة فى هذا دلالة على أن مقصود أنس ما
ذكره الشافعى انتهى وإن أراد ابن
الجوزى بقوله إنه ليس فى الصحاح أى ليس فى أحد الصحيحين
124 فلا يكون فيه قوة المعارضة لما فى أحد
الصحيحين وإن كان أيضا صحيحا فى نفسه لأنه يرجح عند التعارض بالأصح منهما فيقدم ما
فى الصحيحين والجواب عن هذا إن كان
اراده من وجهين أحدهما أن هذا إذا اتضحت المعارضة ولم يمكن الجمع فاما مع إمكان
الجمع فلا يهمل واحد من الحديثين الصحيحين وقد تقدم حمل من حمله من الحفاظ على أن
المراد بحديث الصحيحين الابتداء بالفاتحة لا نفى البسملة وبه يصح الجمع والوجه
الثانى إنه إنما يرجح بما فى أحد الصحيحين على ما فى غيرهما من الصحيح حيث كان ذلك
الصحيح مما لم يضعفه الأئمة فأما ما ضعفوه كهذا الحديث فلا يقدم على غيره لخطإ وقع
من بعض والله أعلم قوله حكاية عن
بعضهم ومن أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول انتهى أبهم المصنف قائل ذلك وهو الحافظ أبو يعلى
الخليلى فقال فى كتاب الإرشاد إن الاحاديث على أقسام كثيرة صحيح متفق عليه وصحيح
معلول وصحيح مختلف فيه إلى آخر كلامه
النوع التاسع عشر معرفة المضطرب
قوله ومن أمثلته ما رويناه عن إسمعيل
بن أمية عن أبى عمر بن محمد بن حريث
125 عن جده حريث عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المصلى إذا لم يجد عصا
ينصبها بين يديه فليخط خطا فرواه بشر بن
المفضل وروح بن القاسم بن إسمعيل هكذا ورواه سفيان الثورى عنه عن أبى عمرو بن حريث
من أبيه عن أبى هريرة ورواه حميد بن الأسود عن إسمعيل عن أبى عمرو بن محمد بن حريث
بن سليم عن أبيه عن أبى هريرة ورواه وهيب وعبد الوارث عن إسمعيل عن أبى عمرو بن
حريث عن جده حريث وقال عبد الرزاق عن
ابن جريج سمع إسمعيل عن حريث بن عمار عن أبى هريرة وفيه من الاضطراب أكثر مما
ذكرناه انتهى وفيه أمور أحدها أنه قد
اعترض عليه بأنه ذكر أولا أنه إنما يسمى مضطربا إذا تساوت الروايتان فأما إذا
ترجحت إحداهما فلا يسمى مضطربا وهذا قد رواه الثورى وهو أحفظ من ذكرهم فينبغى أن
ترجح روايته على غيرها ولا تسميه مضطربا وأيضا فإن الحاكم وغيره صحح الحديث المذكور والجواب أن الوجوه التى يرجح بها متعارضة فى
هذا الحديث فسفيان الثورى وان كان أحفظ من سماه المصنف فإنه انفرد بقوله أبى عمرو
بن حريث عن أبيه وأكثر الرواة يقولون عن جده وهم بشر بن المفضل وروح بن القاسم
ووهيب بن خالد وعبد الوارث
126 ابن سعيد وهؤلاء من ثقات البصريين وأثبتهم
ووافقهم على ذلك من حفاظ الكوفيين سفيان بن عيينة وقولهم أرجح لوجهين أحدهما
الكثرة والثانى أن إسمعيل بن أمية مكى وابن عيينة كان مقيما بمكة ومما يرجح به كون
الراوى عنه من أهل بلده وبكثرة الرواة أيضا وخالف الكل ابن جريج وهو مكى أيضا ومولى
آل خالد بن سعيد الأموى وإسمعيل بن أمية هو ابن عمرو بن سعيد الأموى المذكور
فيقتضى ذلك ترجيح روايته فتعارضت حينئذ الوجوه المقتضية للترجيح وانضم إلى ذلك
جهالة راوى الحديث وهو شيخ إسمعيل بن أمية فإنه لم يرو عنه فيما علمت غير إسمعيل
بن أمية مع هذا الاختلاف فى اسمه واسم أبيه وهل يرويه عن أبيه أو عن جده أو هو
نفسه عن أبى هريرة وقد حكى أبو داود فى سننه تضعيفه عن ابن عيينة فقال قال سفيان
لم نجد شيئا نشد به هذا الحديث ولم يجئ إلا من هذا الوجه وقد ضعفه أيضا الشافعى
والبيهقى وقول من ضعفه أولى بالحق من
تصحيح الحاكم له مع هذا الاضطراب والجهالة براويه والله أعلم وقد ذكره النووى فى الخلاصة فى فصل الضعيف
وقال قال الحفاظ هو ضعيف لاضطرابه
الأمر الثانى أن قول المصنف فى رواية حميد بن الأسود عن أبيه فيه نظر والذى
قاله حميد عن جده كما رواه ابن ماجه فى سننه قال حدثنا بكر بن خلف أبو بشر قال
حدثنا حميد بن الأسود وحدثنا عمار بن خالد حدثنا سفيان بن عيينة عن إسمعيل بن أمية
عن أبى عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث بن سليم عن أبى هريرة فذكره ولكن
المصنف اعتمد على رواية البيهقى فإنه فيها من رواية حميد عن إسمعيل عن أبى عمرو بن
محمد بن حريث عن أبيه عن أبى هريرة فأما أن يكون قد اختلف فيه على حميد بن الأسود
فى قوله عن أبيه أو عن جده أو يكون ابن ماجه قد حمل رواية حميد ابن الأسود على
رواية سفيان بن عيينة ولم يبين الاختلاف الذى بينهما كما يقع فى الأسانيد علي أنه
قد اختلف فيه أيضا على ابن عيينة كما سيأتى فى الأمر الذى يليه
127 الأمر الثالث المصنف أشار إلى غير ذلك من
الاضطراب فرأيت أن اذكر ما رأيت فيه من الاختلاف مما لم يذكره المصنف وقد رواه
أيضا عن إسمعيل بن أمية سفيان بن عيينة وذواد بن علبة فأما سفيان بن عيينة فاختلف
عليه فيه فرواه محمد بن سلام البيكى عن سفيان بن عيينة كرواية بشر وروح المتقدمة
وهكذا رواه على بن المدينى عنه فيما رواه البخارى فى غير الصحيح عن ابن المدينى
واختلف فيه على بن المدينى كما سيأتى ورواه مسدد عن سفيان كرواية سفيان الثورى
المتقدمة ورواه الشافعى والحميدى عن ابن عيينة عن إسمعيل عن أبى محمد بن عمرو بن
حريث عن جده حريث العذرى ورواه عمار
بن خالد عن ابن عيينة فقال عن أبى عمرو محمد بن عمرو بن حريث عن جده حريث بن سليم
رواه ابن ماجه عن عمارة وقد نقدم وأما الاختلاف على ابن المدينى فيه فرواه البخارى
فى غير الصحيح عنه عن ابن عيينة كما تقدم ورواه أبو داود فى سننه عن محمد بن يحيى
بن فارس عن ابن المدينى عن ابن عيينة عن اسمعيل عن أبى محمد ابن عمرو بن حريث عن
جده حريث رجل من بنى عذرة وأما ذواد بن علبة فقال عن إسمعيل بن أمية عن أبى عمرو
بن محمد عن جده حريث بن سليمان وقال أبو زرعة الدمشقى لا نعلم أحدا بينه ونسبه غير
ذواد بن علبة انتهى قلت وقد نسبه ابن
عيينة أيضا فى رواية ابن ماجه إلا أنه قال ابن سليم كما تقدم والله أعلم
النوع العشرون معرفة المدرج
قوله وهو أقسام منها ما ادرج فى حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام بعض
رواته بأن يذكر الصحابى أو من بعده عقيب ما يرويه من الحديث كلاما من عند
128 نفسه إلى آخر كلامه
هكذا اقتصر المصنف فى هذا فى هذا
القسم من المدرج على كونه عقب الحديث وقد ذكر الخطيب فى بعض المدرجات ما ذكر فى
أول الحديث أو فى وسطه فمثال المدرج فى أوله ما رواه الخطيب باسناده من رواية أبى
قطن وشبابه فرقهما عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسبغوا الوضوء ويل للاعقاب من النار قال الخطيب وهم أبو قطن عمرو بن هيثم
وشبابة بن سوار فى روايتهما هذا الحديث عن شعبة على ما سقناه وذلك أن قوله اسبغوا
الوضوء كلام أبى هريرة وقوله ويل للاعقاب من النار من كلام النبى صلى الله عليه وسلم قال وقد رواه أبو داود الطيالسى وذهب ابن
جرير وآدم بن أبى إياس وعاصم بن على وعلى بن الجعد وغندر وهشيم ويزيد بن زريع
والنضر بن شميل ووكيع وعيسى بن يونس ومعاذ بن معاذ كلهم عن شعبة وجعلوا الكلام
الأول من قول أبى هريرة والكلام الثانى مرفوعا قلت وهكذا رواه البخارى فى صحيحه عن
آدم بن أبى أياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبى هريرة قال اسبغوا الوضوء فإن أبا
القاسم صلى الله عليه وسلم
130 قال ويل للاعقاب من النار ومثال المدرج فى
وسطه ما رواه الدارقطنى فى سننه من رواية عبد الحميد بن جعفر عن هشام بن عروة عن
أبيه عن بسرة بنت صفوان قالت سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول من مس
ذكره أو انثييه أو رفعه فليتوضأ قال
الدارقطنى كذا رواه عبد الحميد عن هشام ووهما فى ذكر الأنثيين والرفع وإدراجه ذلك
فى حديث بسرة قال والمحفوظ أن ذلك من قول عروة غير مرفوع قال وكذلك رواه الثقات عن
هشام منهم أيوب السخستيانى وحماد بن زيد وغيرهما ثم رواه من رواية أيوب ففصل قول
عروة من المرفوع وقال الخطيب فى كتابه المذكور تفرد عبد الحميد بذكر الانثيين
والرفعين وليس من كلام رسول الله صلى الله
عليه وسلم وإنما هو من قول أبى عروة
فأدرجه الراوى فى متن الحديث وقد بين ذلك حماد وأيوب قلت ولم ينفرد به عبد الحميد
كما قال الخطيب فقد رواه الطبرانى فى المعجم الكبير من رواية يزيد بن زريع عن أيوب
عن هشام بلفظ إذا أمس أحدكم ذكره أو انثييه أو رفعه فيتوضأ وزاد الدارقطنى فيه
أيضا ذكر الأنثيين من رواية ابن جريج عن هشام عن أبيه عن مروان بن الحكم عن بسرة
وقد ضعف بن دقيق العيد فى الاقتراح الحكم بالادراج على ما وقع فى أثناء لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم معطوفا بواو العطف والله
أعلم
النوع الحادى والعشرون معرفة الموضوع
قوله اعلم أن الحديث الموضوع شر
الأحاديث الضعيفة انتهى
131 وقد تقدم قول المصنف إن ما عدمت فيه صفات
القبول فهو أرذل الأقسام والصواب ما ذكره هنا أن الموضوع شرها وتقدم التنبيه على
ذلك قوله وإنما يعرف كون الحديث
موضوعا بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة اقراره انتهى وقد استشكل الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد
الحكم على الحديث بالوضع بإقرار من ادعى أنه وضعه لأن فيه عملا فقوله بعد اعترافه
على نفسه بالوضع فقال فى الاقتراح هذا كاف فى رده لكن ليس بقاطع فى كونه موضوعا
لجواز أن يكذب فى هذا الاقرار بعينه انتهى
132 وقول الشيخ أو ما يتنزل منزله إقراره هو
كان يحدث بحديث عن شيخ ثم يسأل عن مولده فيذكر تاريخا يعلم وفاة ذلك الشيخ قبله
ولا يوجد ذلك الحديث الا عنده فهذا لم يعترف بوضعه ولكن اعترافه بوقت مولده يتنزل
منزلة إقراره بالوضع لأن ذلك الحديث لا يعرف إلا عند ذلك الشيخ ولا يعرف إلا
برواية هذا الذى حدث به والله أعلم
قوله وربما غلط غالط فوقع فى شبه الوضع كما وقع لثابت بن موسى الزاهد فى
حديث من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار انتهى هذا الحديث أخرجه ابن ماجه فى سننه عن
إسمعيل بن محمد الطلحى عن ثابت ابن موسى الزاهد عن شريك عن الأعمش عن أبى سفيان عن
جابر مرفوعا من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار والغلط الذى أشار المصنف هو ما
ذكره الحاكم قال دخل ثابت بن موسى على شريك بن عبد الله القاضى والمستملى بين يديه
وشريك يقول حدثنا الأعمش عن أبى سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر المتن فلما نظر
إلى ثابت بن موسى قال من كثرت صلاته
بالليل حسن وجهه بالنهار وإنما اراد
ثابتا لزهده وورعه فظن ثابت أنه روى هذا الحديث مرفوعا بهذا الإسناد فكان ثابت
يتحدث به عن شريك وقال أبو حاتم بن حبان فى تاريخ الضعفاء هذا قول شريك قاله عقيب
حديث الأعمش عن أبى سفيان عن جابر يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم
133 فأدرجه ثابت فى الخبر وسرقه منه جماعة ضعفاء
وحدثوا به عن شريك فجعله ابن حبان من نوع المدرج وقد اعترض بعض المتأخرين على
المصنف بأنه وجد الحديث من غير رواية ثابت ابن موسى فذكر من معجم ابن جميع قال
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الرقي حدثنا أبو الحسن محمد بن هشام بن الوليد حدثنا
جبارة بن المغلس عن كثير بن سليم عن أنس بالحديث مرفوعا انتهى وهذا الاعتراض عجيب فإن المصنف لم يقل إنه
لم يرو إلا من طريق ثابت ومع ذلك فهذا الطريق التى اعترض بها هذا المعترض أضعف من
طريق ثابت بن موسى لضعف كل من كثير بن سليم وجبارة بن المغلس وبدء أمر هذا الحديث
قصة ثابت مع شريك وقد سرقه جماعة من الضعفاء فحدث به بعضهم عن شريط وبعضهم جعل له
إسنادا آخر كذا الحديث قال العقيلى فى الضعفاء فى ترجمة ثابت بن موسى حديث باطل لا
أصل له ولا يتابعه عليه ثقة وقال ابن عدى فى الكامل حديث منكر لا يعرف إلا
بثابت وسرقه منه من الضعفاء عبد
الحميد بن بحير وعبد الله بن شبرمه الشريكى وإسحق ابن بسر الكاهلى وموسى بن محمد
أبو الطاهر المقدسى قال وحدثنا بعض
الضعفاء عن رحمويه وكذب فإن رحمويه ثقة انتهى
ولو اعترض هذا المعترض بواحد من هؤلاء الذين تابعوا ثابت بن موسى عليه كان
أقل خطأ من اعتراضه بطريق جبارة والحديث له طرق كثير جمعها أبو الفرج بن الجوزى فى
كتاب العلل المتناهية وبين ضعفها والله أعلم
وقول المصنف فى هذا الحديث أنه شبه الوضع حسن إذ لم يضعه ثابت بن موسى وإن
كان ابن معين قد قال فيه أنه كذاب نعم بقية الطريق التى سرقها من سرقها موضوعة
ولذلك جزم أبو حاتم الرازى بأنه موضوع فيما حكاه ابنه أبو محمد فى العلل والله
أعلم
134 قوله وهكذا حال الحديث الطويل الذى يروى
عن أبى بن كعب عن النبى صلى الله عليه
وسلم فى فضل القرآن سورة سورة بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه
وجماعة وضعوه انتهى ابهم المصنف ذكر هذا الباحث الذى بحث عن هذا الحديث وهو مؤمل
بن إسمعيل فروينا عن مؤمل أنه قال حدثنى شيخ بهذا الحديث فقلت للشيخ من حدثك فقال
حدثنى رجل بالمداين وهو حى فسرت إليه فقلت من حدثك فقال حدثنى شيخ بواسط وهو حى
فصرت إليه فقال حدثنى شيخ بالبصرة فصرت إليه فقال حدثنى شيخ بعبادان فصرت إليه
فأخذ بيدى فأدخلنى بيتا فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ فقال هذا الشيخ حدثنى
فقلت يا شيخ من حدثك فقال لم يحدثنى أحد ولكننا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن
فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن
136 النوع الثالث والعشرون فى معرفة صفة من تقبل
روايته ومن ترد روايته
قوله أجمع جماهير ائمة الحديث والفقه
على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا ضابطا لما يرويه وتفصيله أن يكون
مسلما بالغا عاقلا سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة إلى آخر كلامه وقد اعترض
عليه بأن المروءة لم يشترطها إلا الشافعى وأصحابه وليس على ما ذ كره المعترض بل
الذين لم يشترطوا على الإسلام مزيدا لم يشترطوا ثبوت العدالة ظاهرا بل اكتفوا بعدم
ثبوت ما ينافى العدالة فمن ظهر منه ما ينافى العدالة
137 لم يقبلوا شهادته ولا روايته وأما من اشترط
العدالة وهم أكثر العلماء فاشترطوا فى العدالة المروءة ولم يختلف قول مالك وأصحابه
فى اشتراط المروءة فى العدالة مطلقا وإنما تفترق العدالة فى الشهادة والعدالة فى
الرواية فى اشتراط الحرية فإنها ليست شرطا فى عدالة الرواية بلا خلاف بين أهل
العلم كما حكاه الخطيب فى الكفاية وهى شرط فى عدالة الشهادة عند أكثر أهل العلم
وقد ذكر القاضى أبو بكر الباقلانى أن هذا مما تفترق فيه الشهادة والرواية وتفترقان
أيضا على قول فى البلوغ فإن شهادة الصبى المميز غير مقبولة عند أصحاب الشافعى
والجمهور وأما خبره فاختلف تصحيح المتأخرين فى مواضع فحكى النووى فى شرح المهذب عن
الجمهور قبول أخبار الصبى المميز فيما طريقة المشاهدة بخلاف ما طريقه النقل
كالافتاء ورواية الأخبار ونحوه وقد سبقه إلى ذلك المتولى فتبعه عليه وحكى الرافعى فى استقبال القبلة عن الأكثرين
عدم القبول وجعل الخلاف أيضا فى المميز ولكنه قيد الخلاف فى التيمم بالمراهق وصحح
أيضا عدم القبول وتبعه عليه النووى والله تعالى أعلم
138 قوله وتوسع ابن عبد البر الحافظ فى هذا
فقال كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول فى أمره أبدا على العدالة حتى
يتبين جرحه لقوله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله وفيما قاله اتساع غير مرض انتهى فقوله يحمل حكى فيه الرافع على الخبر
والجزم على إرادة لام الأمر وعلى تقدير كونه مرفوعا فهو خبر أريد به الأمر بدليل
ما رواه أبو محمد بن أبى حاتم فى مقدمة كتاب الجرح والتعديل فى بعض طرق هذا الحديث
ليحمل هذا العلم بلام الأمر على أنه ولو لم يرد ما يخلصه للأمر لما جاز حمله على
الخبر لوجود جماعة من أهل العلم غير ثقات ولا يجوز الحلف فى خبر الصادق فيعين حمله
على الأمر على تقدير صحه وهذا مما يوهن استدلال ابن عبد البر به لأنه إذا كان
الأمر فلا حجة فيه ومع هذا فالحديث
أيضا غير صحيح لأن أشهر طرق الحديث رواية معان بن رفاعة السلامى عن إبراهيم بن عبد
الرحمن عن النبى صلى الله عليه وسلم هكذا
رواه بن أبى حاتم فى مقدمة الجرح والتعديل وابن عدى فى مقدمة الكامل والعقيلى فى
تاريخ الضعفاء فى ترجمه معان بن رفاعة وقال إنه لا يعرف إلا به انتهى
139 وهذا اما مرسل أو معضل وإبراهيم هذا الذى
أرسله لا يعرف شئ من العلم غير هذا قاله أبو الحسن فى ابن القطان فى بيان الوهم
والايهام قال ابن عدى ورواه الثقات عن الوليد بن مسلم عن إبراهيم بن عبد الرحمن
العذرى قال حدثنا الثقة من أصحابنا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ذلك انتهى
ومعان أيضا ضعفه ابن معين وأبو حاتم الرازى والجوزجانى وابن حبان وابن عدى
نعم وثقه على بن المدينى وكذلك حكى عن أحمد توثيقه والحكم بصحة الحديث فيما ذكره
الخلال فى العلل أن أحمد سئل عن هذا الحديث فقيل له كأنه كلام موضوع فقال لا هو
صحيح فقيل له ممن سمعته قال من غير واحد قيل له من هم قال حدثنى به مسكين إلا أنه
يقول عن معان عن القاسم بن عبد الرحمن قال أحمد ومعان لا بأس به قال ابن القطان
وخفى على أحمد من امره ما علمه غيره ثم ذكر أقوال المضعفين له وقد روى هذا الحديث
متصلا من رواية جماعة من الصحابة على بن أبى طالب وابن عمر وأبى هريرة وعبد الله
بن عمرو وجابر بن سمرة وأبى أمامة وكلها ضعيفة لا يثبت منها شيء وليس فيها شئ يقوى
المرسل المذكور والله أعلم وممن تبع
ابن عبد البر على اختيار ذلك من المتأخرين أبو عبد الله أبو بكر بن المواق فقال فى
كتابه بغية النقاد أهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك ومما
يستغرب فى ضبط هذا الحديث أن ابن الصلاح حكى فى فوائد الرحلة له أنه وجد بنيسابور
فى كتاب يشتمل على مناقب بن كرام جمع محمد بن الهيصم قال فيه سمعت الشيخ أبا جعفر
محمد بن أحمد بن جعفر يقول سمعت أبا عمر ومحمد بن أحمد التميمى يروى هذا الحديث
بإسناده فيضم الياء من قوله يحمل على أنه فعل لم يسم فاعله ويرفع الميم من العلم
ويقول من كل خلف عدولة مفتوح العين واللام وبالتاء ومعناه أن الخلف هو العدالة
بمعنى أنه عادل كما يقال شكور بمعنى شاكر ويكون الهاء للمبالغة كما يقال رجل صرورة
والمعنى أن العلم يحمل عن كل خلف كامل فى عدالته وأما أبو بكر المفيد فإنى قد حفظت
عنه يجعل مفتوح الفاء من كل خلف عدوله مضموم العين واللام مرفوعا هكذا نقلته من خط
ابن الصلاح فى رحلته
140 قوله وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسرا مبين
السبب إلى آخر كلامه ثم قال وهذا ظاهر مقرر فى الفقه وأصوله انتهى وقد حكى القاضى أبو بكر عن الجمهور قبول جرح
أهل العلم بهذا الشأن من غير بيان واختاره إمام الحرمين وأبو بكر الخطيب والغزالى
وابن الخطيب كما سيأتى فى الجملة التى تلى هذه والله أعلم
141 قوله ولقائل أن يقول إنما يعتمد الناس فى
جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التى صنفها ائمة الحديث فى الجرح أو التعديل وقل
ما يتعرضون فيها لبيان السبب بل يقتصرون على مجرد قولهم فلان ضعيف وفلان ليس بشئ
ونحو ذلك إلى آخر السؤال والجواب الذى
أجاب به ومما يدفع هذا السؤال رأسا أو يكون جوابا عنه أن الجمهور إنما يوجبون
البيان فى جرح من ليس عالما بأسباب الجرح والتعديل وأما العالم بأسبابهما فيقبلون
جرحه من غير تفسير وبيان ذلك أن الخطيب حكى فى الكفاية عن القاضى أبى بكر
الباقلانى أنه حكى عن جمهور أهل العلم أنه إذا جرح من لا يعرف الجرح يجب الكشف عن
ذلك قال ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن قال القاضى أبو بكر والذى يقوى
عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالما كما لا يجب استفسار المعدل عما به
صار المزكى عدلا إلى آخر كلامه وما حكيناه عن القاضى أبى بكر هو الصواب وقد اختلف كلام الغزالى فى نقله عن القاضى
فحكى عنه فى المنخول أنه يوجب بيان الجرح مطلقا وحكى عنه فى المستصفى ما نقدم نقله
عنه وهو الصواب فقد رواه الخطيب عنه بإسناده الصحيح إليه وحكاه أيضا عنه الإمام فخر
الدين الرازى والسيف الآمدى وقال أبو بكر الخطيب فى الكفاية بعد حكاية الخلاف على
أنا نقول أيضا إن كان الذى يرجع اليه فى الجرح عدلا مرضيا فى اعتقاده وأفعاله
عارفا بصفة العدالة والجرح وأسبابهما عالما باختلاف الفقهاء فى ذلك قبل قوله فيمن
جرحه مجملا ولا يسأل عن سببه وقال أمام
142 الحرمين فى البرهان الحق أنه إن كان المزكى
عالما بأسباب الجرح والتعديل أكتفينا بإطلاقه وإلا فلا وما ذهب إليه الإمام فى هذا
اختاره أيضا أبو حامد الغزالى وفخر الدين الرازى والله أعلم قوله اختلفوا فى أنه هل يثبت الجرح والتعديل
بقول واحد أو لابد من اثنين فمنهم من قالا لا يثبت ذلك إلا باثنين ذلك كما فى
الجرح والتعديل فى الشهادات ومنهم من قال وهو الصحيح الذى اختاره الحافظ أبو بكر
الخطيب وغيره أنه يثبت بواحد إلى آخر كلامه فيه أمران أحدهما أنه حكى عن الأكثرين
خلاف ما صححه المصنف واختلف كلام الناقلين لذلك عنهم فحكى الخطيب فى الكفاية أن
القاضى أبا بكر بن الباقلانى حكى عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم أنه لا
يقبل فى التزكية إلا اثنان سواء كانت التزكية للشهادة أو للرواية
143 وحكى السيف الآمدى وأبو عمرو بن الحاجب
عن الأكثرين التفرقة بين الشهادة والرواية ورجحه أيضا الإمام فخر الدين والآمدى
أيضا واختار القاضى أبو بكر بعد حكايته عن الاكثرين اشتراط اثنين فيهما أنه يكتفى
فيهما بواحد وأن هذا هو الذى يوجبه القياس وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف الأمر الثانى أنه يؤخذ من كلام المصنف من
قوله بواحد أنه يكفى كون المزكى امرأة أو عبدا أو استدل الخطيب فى الكفاية على
قبول تعديل المرأة بسؤال النبى صلى الله
عليه وسلم بريزة عن عائشة رضى الله عنها فى قصة الإفك فقد اختلف الأصوليون فى ذلك
فحزم صاحب المحصول بقول تزكية المرأة العدل والعبد العدل وحكى الخطيب فى الكفاية
عن القاضى أبى بكر أنه حكى عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم أنه
144 لا يقبل فى التعديل النساء لا فى الرواية ولا
فى الشهادة ثم اختار القاضى أنه يقبل تزكية المرأة مطلقا فى الرواية والشهادة إلا
تزكيتها فى الحكم الذى لا تقبل شهادتها فيه
قال القاضى وأما العبد فيجب قبول تزكيته فى الخبر دون الشهادة لأن خبره
مقبول وشهادته مردودة ثم قال القاضى
والذى يوجبه القياس وجوب قبول تزكية كل عدل مرضى ذكر أو أنثى حر أو عبد لشاهد أو
مخبر انتهى قوله وهكذا نقول إن عمل
العالم أوفتياه على وفق حديث ليس حكما منه بصحة ذلك الحديث انتهى وقد تعقبه بعض من اختصر كلامه وهو الحافظ
عماد الدين بن كثير فقال وفى هذا نظر إذا لم يكن فى الباب غير ذلك الحديث إذا تعرض
للاحتجاج به فى فتياه أو حكمه واستشهد به عند العمل بمقتضاه انتهى وفى هذا النظر نظر لأنه لا يلزم من كون ذلك
الباب ليس فيه غير هذا الحديث أن لا يكون ثم دليل آخر من قياس أو اجماع ولا يكرم
المفتى أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته بل ولا بعضها ولعل له دليلا آخر واستأنس
بالحديث الوارد فى الباب وربما كان المفتى أو الحاكم يرى العمل بالحديث الضعيف
وتقديمه على القياس كما تقدم حكاية ذلك عن أبى داود أنه كان يرى الحديث الضعيف إذا
لم يرد فى الباب غيره أولى من رأى
145 الرجال وكما حكى عن الإمام أحمد من أنه يقدم
الحديث الضعيف على القياس وحل بعضهم هذا على أنه أريد بالضعيف هنا الحديث الحسن
والله أعلم قوله الثانى المجهول الذى
جهلت عدالته الباطنة وهو عدل فى الظاهر وهو المستور فقد قال بعض ائمتنا المستور من
يكون عدلا فى الظاهر ولا تعرف عدالة باطنة انتهى وهذا الذى أبهم المصنف بقوله بعض أئمتنا هو
أبو محمد البغوى صاحب التهذيب فهذا لفظه بحروفه فيه ويوافقه كلام الرافعى فى الصوم
فإنه قال فيه إن العدالة الباطنة هى التى يرجع فيها إلى أقوال المزكين وحكى فى
الصوم أيضا فى قبول رواية المستور وجهين من غير ترجيح وصحح النووى فى شرح المهذب
قبول روايته نعم عبارة الشافعى رحمه الله فى اختلاف الحديث تدل على أن التى يحكم
الحاكم بها هى العدالة الظاهرة فإنه قال فى جواب سؤال أورده فلا يجوز أن يترك
الحكم بشهادتهما إذا كانا عدلين فى الظاهر انتهى
146 فعلى هذا تكون العدالة الظاهرة هى التى
يحكم الحاكم بها وهى التى تستند إلى أقوال المزكين خلاف ما ذكره الرافعى فى الصوم
والله أعلم قوله ذكر أبو بكر الخطيب
البغدادى فى أجوبة مسائل سئل عنها أن المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم تعرفه
العلماء ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد مثل عمرو ذى مر وحبار الطائى وسعيد
بن ذى حدان لم يرو عنهم غير أبى إسحق السبيعى ومثل الهزهاز ابن ميزن لا راوى عنه
غير الشعبى ومثل جرى بن كليب لم يرو عنه إلا قتادة انتهى ثم تعقب المصنف كلام
الخطيب فإنه قد روى عن الهزهاز الثورى أيضا انتهى وفيه أمور أحدها أن الخطيب سمى والد هزهاز
ميزن بالياء المثناة وتبعه المصنف والذى ذكره ابن أبى حاتم فى كتاب الجرح والتعديل
أنه مازن بالألف وفى بعض النسخ بالياء ولعل بعضهم أماله فى اللفظ فكتب بالياء
والله أعلم الثانى أنه اعترض على
المصنف فى قوله إن الثورى روى عنه فإن الثورى لم يرو عن الشعبى نفسه فكيف يروى عن
شيوخه وقد يقال لا يلزم من عدم روايته عن الشعبى عدم روايته عن الهزهاز ولعل الهزهاز
تأخر بعد الشعبى ويقوى ذلك أن ابن أبى حاتم ذكر فى الجرح والتعديل أنه روى عن
الهزهاز هذا الجراح بن مليح والجراح اصغر من الثورى وتأخر بعده مدة سنين والله
أعلم
147 الأمر الثالث ان المصنف عزا ما ذكره عن
الخطيب إلى أجوبة سئل عنها والخطيب ذكر ذلك بجملته مع زيادة فيه فى كتاب الكفاية
والمصنف كثير النقل منه فأبعد النجعة فى عزوه ذلك إلى مسائل سئل عنها قال الخطيب فى الكفاية المجهول عند أصحاب
الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم فى نفسه ولا عرفه العلماء به ولم يعرف حديثه
إلا من جهة راو واحد مثل عمرو ذى مر وجبار الطائى وعبد الله بن أعز الهندانى
والهيثم بن حنيش ومالك بن أعز وسعيد ابن ذى حدان وقيس بن كركم وخمر بن مالك قال
وهؤلاء كلهم لم يرو عنهم غير أبى إسحق السبيعى ومثل سمعان بن مشنج والهزهاز بن
ميزن لا يعرف عنهما راو إلا الشعبى ومثل بكر بن قرواش وحلام بن جزل لم يرو عنهما
إلا أبو الطفيل عامر بن واثلة ومثل يزيد بن سحيم لم يرو عنه إلا خلاس بن عمرو ومثل
جرى بن كليب لم يرو عنه إلا قتادة بن دعامة ومثل عمير بن إسحاق لم يرو عنه سوى عبد
الله بن عون وغير من ذكرنا انتهى كلام الخطيب
وقد روى غير واحد من بعض من ذكر منهم خمر بن مالك روى عنه أيضا عبد الله بن
قيس وذكره ابن حبان فى الثقات الا أنه قال خمير مصغرا وقد ذكر الخلاف فيه فى
التصغير والتكبير ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل ومنهم الهيثم بن حنيش روى عنه
أيضا سلمة بن كهيل فيما ذكره أبو حاتم الرازى ومنهم بكر بن قرواش روى عنه أيضا
قتادة كما ذكره البخارى فى التاريخ الكبير وابن حبان فى الثقات وسمى ابن أبى حاتم
أباه قريشا وقد فرق الخطيب بين عبد الله بن أعز ومالك بن أعز كلاهما بالعين
المهملة والزاى وجعلهما ابن ماكولا فى الإكمال واحدا وأنه اختلف فى اسمه على أبى
إسحاق والله أعلم وأما حلام فهو بفتح
الحاء المهملة وتشديد اللام وآخره ميم كذا ذكره الخطيب تبعا لابن أبى حاتم وأما
البخارى فإنه ذكره فى التاريخ الكبير حلاب آخره باء موحدة ونسبه ابن أبى حاتم إلى
الخطأ فى كتاب جمع فيه أوهامه فى التاريخ وقال انما هو حلام أى بالميم وأما مشنج
والد سمعان فهو بضم الميم وفتح الشين المعجمة وفتح النون المشددة وآخره جيم
148 قوله قد خرج البخارى فى صحيحه حديث جماعة
ليس لهم غير راو واحد منهم مرداس الأسلمى لم يرو عنه غير قيس بن أبى حازم وكذلك
خرج مسلم حديث قوم لا راوى عنهم غير واحد منهم ربيعة بن كعب الأسلمى لم يرو عنه
غير أبى سلمة بن عبد الرحمن وذلك منهما مصير إلى أن الراوى قد يخرج عن كونه مجهولا
مردودا برواية واحد عنه إلى آخر كلامه وفيه أمور أحدها أنه قد اعترض عليه النووى
بأن مرداسا وربيعة صحابيان والصحابة كلهم عدول قلت لا شك أن الصحابة الذين ثبتت
صحبتهم كلهم عدول ولكن الشأن فى أنه هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه أم لا تثبت
إلا برواية اثنين عنه هذا محل نظر واختلاف بين أهل العلم والحق أنه إن كان
معروفا قوله اختلفوا فى قبول رواية
المبتدع الذى لا يكفر فى بدعته إلى آخر كلامه وقد
149 قيد المصنف الخلاف بغير من يكفر ببدعته مع أن
الخلاف ثابت فيه أيضا قال صاحب المحصول الحق أنه إن اعتقد حرمة الكذب قبلنا روايته
وإلا فلا وذهب القاضى أبو بكر إلى رد روايته مطلقا وحكاه الآمدى عن الأكثرين وبه
جزم ابن الحاجب قوله وعزا بعضهم هذا إلى الشافعى انتهى أراد المصنف ببعضهم الحافظ أبا بكر الخطيب
فإنه عزاه للشافعى فى كتاب الكفاية
قوله وحكى بعض أصحاب الشافعى رضى الله عنه خلافا بين أصحابه فى قبول رواية
المبتدع إذا لم يدع إلى بدعته وقال أما إذا كان داعية إلى بدعته فلا خلاف بينهم فى
عدم قبول روايته ثم حكى عن ابن حبان أنه لا يعلم خلافا فى أنه لا يجوز الاحتجاج
بالداعية انتهى
150 قلت وابن حبان الذى حكى المصنف كلامه قد
حكى أيضا الاتفاق على الاحتجاج بغير الداعية فعلى هذا لا يكون فى المسألة خلاف بين
أئمة الحديث فقال ابن حبان فى تاريخ الثقات فى ترجمة جعفر بن سليمان الضبعى ليس
بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتيقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو
إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز فإذا دعى إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره وفيما
حكاه ابن حبان من الاتفاق نظر فإنه يروى عن مالك رد روايتهم مطلقا كما قاله الخطيب
فى الكفاية قوله فإن كتبهم طافحة
بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة وفى الصحيحين كثير من أحاديثهم فى الشواهد
والأصول انتهى وقد اعترض عليه بأنهما
احتجا أيضا بالدعاة فاحتج البخارى بعمران بن حطان وهو من دعاة الشراة واحتج
الشيخان بعبد الحميد بن عبد الرحمن الحمانى وكان داعية إلى الإرجاء كما قال أبو داود
انتهى قلت قال أبو داود ليس فى أهل
الأهواء أصح حديثا من الخوارج ثم ذكر عمران ابن حطان وأبا حسان الأعرج ولم يحتج
مسلم بعبد الحميد الحمانى إنما أخرج له فى المقدمة وقد وثقه ابن معين قوله التائب من الكذب فى حديث الناس وغيره
من أسباب الفسق تقبل روايته إلا التائب من الكذب متعمدا فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال وأطلق
151 الإمام أبو بكر الصيرفى الشافعى فيما وجدت له
فى شرحه لرسالة الشافعى فقال كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم
نعد لقبوله بتوبة تظهر إلى آخر كلامه فذكر المصنف أن أبا بكر الصيرفى أطلق الكذب
أى فلم يخصه بالكذب فى الحديث والظاهر أن الصيرفى إنما أراد الكذب فى الحديث بدليل
قوله من أهل النقل وقد قيده بالمحدث فيما رأيته فى كتابه المسمى بالدلائل والاعلام
فقال وليس يطعن على المحدث إلا أن يقول تعمدت الكذب فهو كاذب فى الأول ولا يقبل
خبره بعد ذلك
152 قوله وبنوا عليه ردهم حديث سليمان بن
موسى عن الزهرى عن عروة عن عائشة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا نكحت
المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل
الحديث من أجل أن ابن جريج قال لقيت الزهرى فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه
انتهى وقد اعترض عليه بأن فى رواية
الترمذى فسألته عنه فأنكره والجواب عنه أن الترمذى لم يروه وإنما ذكره بغير إسناد
والمعروف فى الكتب المصنفة فى العلل فلم يعرفه كما ذكره المصنف ومع هذا فلا يصح
هذا عن ابن جريج لا بهذا اللفظ ولا بهذا اللفظ فبطل تعلق من تعلق بذلك فى رد
الحديث أما كون الترمذى لم يوصل إسناده
فإنه رواه متصلا عن ابن أبى عمر عن سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن سليمان بن موسى
ثم قال وقد تكلم بعض أهل الحديث فى حديث الزهرى عن عروة عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ابن جريج ثم لقيت
الزهرى فسألته فأنكره فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا وأما كونه معروفا فى كتب العلل
باللفظ الذى ذكره المصنف فهكذا هو فى سؤالات عباس الدورى عن ابن معين وفى العلل
لأحمد وأما كونه لا يصح عن ابن جريج فروينا فى السنن الكبرى للبيهقى بالسند الصحيح
إلى ابى حاتم الرازى سمعت أحمد بن حنبل يقول وذكر عنده أن ابن علية يذكر حديث ابن
جريج لا نكاح إلا بولى قال ابن جريج
153 فلقيت الزهرى فسألته عنه فلم يعرفه واثنى على
سليمان بن موسى فقال أحمد بن حنبل إن ابن جريج له كتب مدونة وليس هذا فى كتبه يعنى
حكاية ابن علية عن ابن جريج وروينا فى سنن البيهقى ايضا بإسناده الصحيح إلى عباس
الدورى سمعت يحيى بن معين يقول فى حديث لا نكاح إلا بولى الذى يرويه ابن جريج قلت
أن بن علية يقول قال ابن جريج فسألت عنه الزهرى فقال لست أحفظه فقال يحيى بن معين
ليس يقول هذا إلا ابن علية وإنما عرض ابن علية كتب ابن جريج على عبد المجيد بن عبد
العزيز ابن أبى رواد فأصلحها له أوروينا فى السنن للبيهقى أيضا بسنده الصحيح إلى
جعفر الطيالسى سمعت يحيى بن معين يقول رواية بن جريج عن الزهرى أنه أنكر معرفة
حديث سليمان ابن موسى فقال لم يذكره عن ابن جريج غير ابن علية إنما سمع بن علية من
ابن جريج سماعا ليس بذلك إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز وضعف
يحيى ابن معين رواية إسمعيل عن ابن جريج جدا وقد ذكر الترمذى فى جامعه كلام يحيى
هذا الاخير غير موصل الإسناد فقال وذكر عن يحيى بن معين إلى آخره وهو متصل الإسناد
عند البيهقى وهذا يدلك على أن المراد بقوله فأنكره أى أنه قال ما أعرفه كما حكاه
المصنف فإنه قال فى هذه الرواية الأخيرة إنه أنكر معرفة حديث سليمان بن موسى فليس
بين العبارتين إذا إختلاف كما انكره من اعترض بذلك على المصنف والله أعلم قوله والصحيح ما عليه الجمهور لأن المروى
عنه بصدد السهو النسيان انتهى وقد
اعترض عليه بأن الراوى أيضا معرض للسهو والنسيان فينبغى أن يتهاترا وينظر فى ترجيح
أحدهما من خارج
154 والجواب أن الراوى مثبت جازم والمروى عنه
ليس بناف وقوعه بل غير ذاكر فقدم المثبت عليه والله أعلم قوله ولأجل أن الانسان معرض كره للنسيان
كره من كره من العلماء الراوية عن الأحياء منهم الشافعى قال لابن عبد الحكم إياك
والرواية عن الاحياء انتهى وقد اعترض
عليه بأن الشافعى إنما نهى عن الرواية عن الاحياء لاحتمال أن يتغير المروى عنه عن
الثقة والعدالة بطارئ يطرأ عليه يقتضى رد حديثه المتقدم كما تقدم فى ذكر من كذب فى
الحديث أنه يسقط حديثه المتقدم ويكون ذلك الراوى قد روى عنه فى تصنيف له فيتكون
روايته عن غير ثقة وإنما يؤمن ذلك بموته على ثقته وعدالته فلذلك كره الشافعى
الرواية عن الحى
155 والجواب أن هذا حدس وظن غير موافق كما
أراده الشافعى رضى الله عنه وقد بين الشافعى مراده بذلك كما رواه البيهقى فى
المدخل بإسناده إلى الشافعى أنه قال لا يحدث عن حى فإن الحى لا يؤمن عليه النسيان
قاله لابن عبد الحكم حين روى عن الشافعى حكاية فأنكرها ثم ذكرها وما قاله الشافعى
رحمه الله سيقه إليه الشعبى ومعمر فروى الخطيب فى الكفاية باسناده إلى الشعبى أنه
قال لابن عون لا تحدثنى عن الاحياء وبإسناده إلى معمر أنه قال لعبد الرزاق إن قدرت
أن لا تحدث عن رجل حى فأفعل وقد فهم الخطيب من ذلك ما فهم المصنف فقال فى الكفاية
ولأجل أن النسيان غير مأمون على الإنسان فيبادر إلى جحود ما روى عنه وتكذيب الراوى
له كره من كره من العلماء التحديث عن الاحياء ثم ذكر قول الشعبى ومعمر والشافعى
رضى الله عنهم قوله وورد عن ابن
المبارك وأحمد بن حنبل والحميدى وغيرهم أن من غلط فى حديث وبين له غلطة فلم يرجع
عنه وأصر على رواية ذلك الحديث سقطت رواياته ولم يكتب عنه قال الشيخ وفى هذا نظر
وهو غير مستنكر إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو ذلك انتهى
156 وما ذكره المصنف بحثا قد نص عليه أبو حاتم
بن حبان فقال إن من بين له خطأه
157 وعلم فلم يرجع عنه وتمادى فى ذلك كان كذابا
بعلم صحيح فقيد ابن حبان ذلك بكونه علم خطأه وإنما يكون عنادا إذا علم الحق وخالفه
وقيد أيضا بعض المتأخرين ذلك بأن يكون الذى بين له غلطة عالما عند المبين له أما
إذا كان ليس بهذا المثابة عنده فلا حرج إذن
قوله أما ألفاظ التعديل فعلى مراتب الأولى قال ابن أبى حاتم إذا قيل للواحد
إنه ثقة أو متقن فهو ممن يحتج به انتهى
اقتصر المصنف تبعا لابن أبى حاتم على أن هذه الدرجة الأولى وكذا قال الحافظ
أبو بكر الخطيب فى الكفاية أرفع العبارات أن يقال حجة أو ثقة انتهى وقد زاد الحافظ أبو عبد الله الذهبى فى مقدمة
كتابه ميزان الاعتدال درجة قبل هذه هى أرفع منها وهى أن يكرر لفظ التوثيق المذكور
فى الدرجه الأولى إما باللفظ بعينه كقولهم ثقة ثقة أو مع مخالفة اللفظ الأول
كقولهم ثقة ثبت أو ثبت حجة أو نحو ذلك وهو كلام صحيح لأن التأكيد الحاصل بالتكرار
لابد أن يكون له مرية على الكلام الخالى عن التأكيد والله أعلم قوله قلت وكذا إذا قيل ثبت أو حجة
انتهى وقد اعترض عليه بأن قوله ثبت
ذكرها ابن أبى حاتم فلا زيادة عليه إذا انتهى
158 قلت وليس فى بعض النسخ الصحيحة من كتابه
إلا ما نقله المصنف عنه كما تقدم ليس فيه ذكر ثبت وفى بعض النسخ إذا قيل للواحد
أنه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه هكذا فى نسختى منه أو ميقن ثبت لم يقل
فيه أو ثبت والله أعلم قوله الثانية
قال ابن أبى حاتم إذا قيل إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه
وينظر فيه انتهى سوى ابن أبى حاتم بين
قولهم صدوق وبين قولهم محله الصدق فجعلهما فى درجة وتبعه المصنف وجعل صاحب الميزان
قولهم محله الصدق فى الدرجة التى تلى قولهم صدوق والله أعلم قوله حكاية عن عبد الرحمن بن مهدى أنه قال
الثقة شعبة وسفيان انتهى وقد اعترض
عليه بأن الذى فى كتاب الخطيب وغيره الثقة شعبة ومسعر لم يذكر
159 والجواب أن المصنف لم يحك ذلك عن الخطيب وعلى
تقدير كونه فى كتاب الخطيب هكذا فيحتمل أنه من النساخ فليس غلط المصنف بأولى من
تغليطهم على أن المشهور المشهور عن ابن مهدى ما ذكره المصنف هكذا وحكاه عمرو بن
على القلاس وكذا رواه ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وكذلك ذكره الحافظ أبو
الحجاج المزى فى تهذيب الكمال فى ترجمة أبى خلدة ونقل فى ترجمة مسعر من رواية
القلاس أيضا عن ابن مهدى الثقة شعبة ومسعر وعلى هذا فلعله سئل عنه مرتين فإن
المنقول فى هذ الرواية أن أحمد ابن حنبل سأله ولعله قال الثقة شعبة وسفيان ومسعر
فاقتصر الفلاس على التمثيل باثنين فمرة ذكر سفيان ومرة ذكر مسعرا والله أعلم
160 قوله ومما لم يشرحه ابن أبى حاتم وغيره من
الألفاظ المستعملة فى هذا الباب فقولهم فلان قد روى الناس عنه فلان وسط فلان مقارب
الحديث إلى آخر كلامه فيه
161 أمور أحدها أن المصنف ذكر هنا ألفاظا للتوثيق
وألفاظا للتجريح لم يميز بينها وقال إن ابن أبى حاتم وغيره لم يشرحوها واراد
بكونهم لم يشرحوها أنهم لم يبينوا ألفاظ التوثيق من أى رتبة هى من الثانية أو
الثالثة مثلا وكذلك ألفاظ التجريح لم يبينوا من أى منزلة هى وليس المراد أنهم لم
يبينوا هل هى من ألفاظ التوثيق أو التجريح فإن هذا أمر لا يخفى على أهل الحديث
وإذا كان كذلك فقد رأيت أن اذكر كل لفظ منها من أى رتبة هو لتعرف منزلة الراوى به
فأقول الالفاظ التى هى للتوثيق من هذه الالفاظ التى جمع بينها المصنف أربعة ألفاظ
وهى قولهم فلان روى عنه الناس وفلان وسط وفلان متقارب الحديث وفلان ما أعلم به
بأسا وهذه الألفاظ الأربعة من الرتبة الرابعة وهى الأخيرة من ألفاظ التوثيق وأما
بقية الألفاظ التى ذكرها هنا فإنها من ألفاظ الجرح وهى سبعة ألفاظ فمن الرتبة
الاولى وهى الين ألفاظ الجرح قولهم فلان ليس بذاك وفلان ليس بذاك القوى وفلان فيه
ضعف وفلان فى حديثه ضعف ومن الدرجة الثانية وهى أشد فى الجرح من التى قبلها قوله فلان لا يحتج به فلان مضطرب الحديث
ومن الدرجة الثالثة وهى أشد من اللتين قبلها
قوله فلان لا شئ فهذا ما ذكره المصنف هنا مهملا من مراتبه وذكر فيها أيضا
فلا مجهول وقد تقدم ذكر المجهول فى الموضع الذى ذكره المصنف وإنه على ثلاثة أقسام
فأغنى ذلك عن ذكره هنا
162 الامر الثانى أن قوله مقارب الحديث ضبط
فى الأصوله الصحيحة المسموعة على المصنف بكسر الراء كذا ضبطه الشيخ محيى الدين
النووى فى مختصره وقد اعترض بعض المتأخرين بأن ابن السيد حكى فيه الوجهين الكسر
والفتح وأن اللفظين حينئذ لا يستويان لأن كسر الراء من ألفاظ التعديل وفتحها من
الفاظ التجريح انتهى وهذا الاعتراض
والدعوى ليسا صحيحين بل الوجهان فتح الراء وكسرها معروفان وقد حكاهما ابن العربى
فى كتاب الأحوذى وهما على كل حال من ألفاظ التوثيق وقد ضبط أيضا فى النسخ الصحيحة
عن البخارى بالوجهين وممن ذكره من ألفاظ التوثيق الحافظ أبو عبد الله الذهبى فى
مقدمة الميزان وكأن المعترض فهم من فتح الراء أن الشئ المقارب هو الردئ وهذا فهم
عجيب فإن هذا ليس معروفا فى اللغة وإنما هو فى ألفاظ العوام وإنما هو على الوجهين
من قوله سددوا وقاربوا فمن كسر قال إن معناه أن حديثه مقارب لحديث غيره ومن فتح
قال إن معناه أن حديثه يقاربه حديث غيره ومادة فاعل تقتضى المشاركة إلا فى مواضع
قليلة والله أعلم واعلم أن ابن سيدة حكى فى الرجل المقارب الكسر
فقط فقال ورجل بالكسر مقارب ومتاع مقارب بالفتح ليس بنفيس وقال بعضهم دين مقارب
بالكسر ومتاع مقارب بالفتح هذه عبارته فى المحكم فلم يحك الفتح إلا فى المتاع فقط
وأما الجوهرى فجعل الكل بالكسر وقال ولا تقل مقارب أى بالفتح الأمر الثالث أن المصنف أهمل من ألفاظ
التوثيق والجرح اكثر مما زاده على ابن أبى حاتم فرأيت أن اذكر منها ما يحضرنى
لتعرف وتضبط فأما ألفاظ التوثيق فمن المرتبة الثانية على مقتضى عمل المصنف قولهم
فلان مأمون فلان خيار وهاتان من الرتبة الثالثة على مقتضى عمل الذهبى فى جعله أعلى
الدرجات تكرار التوثيق كما تقدم ومن الرتبة الرابعة أو الثالثة قولهم فلان إلى
الصدق ما هو فلان جيد الحديث فلان حسن الحديث وفلان صويلح وفلان صدوق إن شاء الله
وفلان أرجو أنه لا بأس به وأما ألفاظ التجريح فمن الرتبة الأولى وهى ألين ألفاظ التجريح
قولهم فلان فيه مقال وفلان ضعف وفلان تعرف وتنكر فلان ليس بالمتين أو ليس بحجة أو
ليس بعمدة أو ليس بالمرضى وفلان للضعف ما هو وسيئ الحفظ وفيه خلف وطعنوا فيه
وتكلموا فيه ومن
163 الرتبة الثانية وهى أشد من الأولى فلان واه
فلان ضعفوه فلان منكر الحديث ومن الرتبة الثالثة وهى أشد منهما قولهم فلان ضعيف
جدا فلان واه بمرة فلان لا يساوى شيئا فلان مطرح وطرحوا حديثه ورام به ورد حديثه
ومن الرتبة الرابعة فلان متهم بالكذب وهالك وليس بثقة ولا يعتبر به وفيه نظر
وسكتوا عنه وهاتان العبارتان يقولهما البخارى فيمن تركوا حديثه ومن الرتبة الخامسة
ولم يذكرها المصنف فلان وضاع فلان دجال ولهم ألفاظ أخر يستدل بهذه عليها والله
أعلم
165 النوع الرابع والعشرون معرفة كيفية سماع
الحديث
قوله وقد بلغنا عن إبراهيم بن سعيد
الجوهرى قال رأيت صبيا ابن أربع سنين وقد حمل إلى المأمون قد قرأ القرآن ونظر فى
الرأى غير انه إذا جاع يبكى انتهى احسن
المصنف فى التعبير عن هذه الحكاية بقوله بلغنا ولم يجزم بنقلها فقد رأيت بعض
الأئمة من شيوخنا يستبعد صحتها ويقول على تقدير وقوعها لم يكن ابن اربع سنين وإنما
كان ضئيل الخلقة فيظن صغره والذى يغلب على الظن عدم صحتها وقد رواها الخطيب
بإسناده فى الكفاية وفى إسنادها أحمد بن كامل القاضى قال فيه الدارقطنى كان
متساهلا ربما حدث من حفظه بما ليس عنده فى كتابه وأهلكه العجب فإنه كان يختار ولا
يضع لأحد من العلماء أصلا وقال صاحب الميزان كان يعتمد على حفظه فيهم
171 قوله إذا كان أصل الشيخ عند القراءة عليه بيد
غيره إلى أن قال وإن كان الشيخ لا يحفظ ما يقرأ عليه فهذا مما اختلفوا فيه فرأى
بعض أئمة الأصول أن هذا سماع غير صحيح والمختار أن ذلك صحيح انتهى هذا الذى أبهم المصنف ذكره هو إمام الحرمين
فإنه اختار ذلك وحكى القاضى عياض أيضا أن القاضى أبا بكر الباقلانى تردد فيه قال
وأكثر ميله إلى المنع انتهى ووهن
السلفى هذا الاختلاف لاتفاق العلماء على العمل بخلافه فإنه ذكر ما حاصله أن الطالب
إذا أراد أن يقرأ على شيخ شيئا من سماعه هل يجب أن يريه سماعه فى ذلك الجزء أم
يكفى إعلام الطالب الثقة للشيخ أن هذا الجزء سماعه على فلان فقال السلفى هما سيان
على هذا عهدنا علماءنا عن آخرهم قال ولم تزل الحفاظ قديما وحديثا يخرجون للشيوخ من
الأصول فتصير تلك الفروع بعد المقابلة أصولا وهل كانت الأصول أولا إلا فروعا انتهى
172 قوله فإن شك فى شئ عنده أنه من قبيل حدثنا
أو أخبرنا أو من قبيل حدثنى أو أخبرنى لتردده فى أنه كان عند التحمل والسماع وحده
أو مع غيره فيحتمل أن نقول ليقل حدثنى أو أخبرنى لأن عدم غيره هو الأصل انتهى
173 سوى المصنف رحمه الله بين الشك فى أنه هل
سمع من لفظ الشيخ وحده أو كان معه غيره يسمع وبين مسألة ما إذا شك هل قرأ هو بنفسه
على الشيخ أو سمع عليه بقراءة غيره عليه وما قاله ظاهر فى المسألة الأولى وأما المسألة الثانية فإنه يتحقق فيها سماع
نفسه ويشك هل قرأ بنفسه أم لا والأصل أنه لم يقرأ هذا إذا مشينا على ما ذكره
المصنف تبعا للحاكم أن القارئ يقول أخبرنى سواء سمع بقراءته معه غيره أم لا أما
إذا قلنا بما جزم به ابن دقيق العيد فى الاقتراح من أن القارئ إذا كان معه غيره
يقول اخبرنا فيتجه حينئذ أن يقال الأصل عدم الزايد لكن الذى ذكره ابن الصلاح هو
الذى قاله عبد الله بن وهب وأبو عبد الله الحاكم وهو المشهور والله أعلم والأحسن فيما إذا شك هل قرأ بنفسه أو سمع
بقراءة غيره ما حكاه الخطيب فى الكفاية عن البرقانى أنه ربما يشك فى الحديث هل
قرأه هو أو قرئ وهو يسمع فيقول فيه قرأنا على فلان فإنه يسوغ إثباته بهذه الصيغة
فيما قرأه بنفسه وفيما سمعه بقراءة غيره
174 وقد سئل أحمد بن صالح المصرى عن الرجل يسمع
بقراءة غيره فأجاب بأنه لا بأس أن يقول قرأنا وقد قال النفيلى قرأنا على مالك
وإنما سمع بقراءة غيره والله أعلم قوله
ليس لك فيما تجده فى الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن تبدل فى نفس الكتاب ما
قيل فيه أخبرنا بحدثنا ونحو ذلك وإن كان فى إقامة أحدهما مقام الآخر خلاف وتفصيل
سبق لاحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية بينهما ولو وجدت
176 من ذلك إسنادا عرفت من مذهب رجاله التسوية
بينهما فإقامتك أحدهما مقام الآخر من باب تجويز الرواية بالمعنى وذلك وإن كان فيه
خلاف معروف فالذى نراه الامتناع من إجراء مثله فى إبدال ما وضع فى الكتب المصنفة
والمجاميع المجموعة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وما ذكره أبو بكر الخطيب فى كفايته من
اجراء ذلك الخلاف فى هذا فمحول عندنا على ما يسمعه الطالب من لفظ المحدث غير موضوع
فى كتاب مؤلف والله أعلم انتهى وفيه
أمران أحدهما أن ما أختاره المصنف قد ضعفه ابن دقيق العيد فى الاقتراح فقال ومما
وقع فى اصطلاح المتأخرين أنه إذا روى كتاب مصنف بيننا وبينه وسايط تصرفوا فى اسماء
الرواة وقلبوها على أنواع إلى أن يصلوا إلى المصنف فإذا وصلوا إليه تبعوا لفظه من
غير تغيير قال وهنا بحثان فذكر الأول ثم قال البحث الثانى الذى اصطلحوا عليه من
عدم التغيير للالفاظ بعد وصولهم إلى المصنف ينبغى أن ينظر فيه هل هو على سبيل
الوجوب أو هو اصطلاح على سبيل الأولى قال وفى كلام بعضهم ما يشير الى أنه ممتنع
لأنه وإن كان له الرواية بالمعنى فليس له تغيير التصنيف قال وهذا كلام له فيه ضعف
قال وأقل ما فيه إنه يقتضى تجويز هذا فيما ينقل من المصنفات المتقدمة إلى أجزائنا
وتخاريجنا فإنه ليس فيه تغيير التصنيف المتقدم وليس هذا جاريا على الاصطلاح فإن
الاصطلاح على أن لا نغير الألفاظ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنفة سواء رويناها
فيها أو نقلناها منها انتهى وما ذكره
من أنه يقتضى تجويزه فيما ينقل من المصنفات المتقدمة إلى أجزائنا وتخاريجنا ليس
بمسلم بل آخر كلام ابن الصلاح يشعر أنه إذا نقل حديث من كتاب وعزى إليه لا يجوز
فيه الإبدال سواء نقلناه فى تأليف لنا أو لفظا والله أعلم
177 الأمر الثانى إن تعليل المصنف المنع
باحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية بين أخبرنا وحدثنا ليس بجيد من حيث
أن الحكم لا يختلف فى الجائز والممتنع بأن يكون الشيخ يرى الجائز ممتنعا أو الممتنع
جائزا وقد صرح أهل الحديث بذلك فى مواضع منها أن يكون الشيخ ممن يرى جواز إطلاق
حدثنا وأنبأنا فى الإجازة وأذن للطالب أن يقول ذلك إذا روى عنه بالإجازة فإنه لا
يجوز للطالب وإن أذن له الشيخ وقد صرح به المصنف كما سيأتى وكذلك أيضا لم يشترطوا فى جواز الرواية
بالمعنى أن لا يكون فى الإسناد من يمنع ذلك كابن سيرين بل جوزوا الرواية بالمعنى
بشروط ليس منها هذا قوله قلت قد كان
كثير من أكابر المحدثين يعظم الجمع فى مجالسهم جدا حتى ربما بلغ ألوافا مؤلفة
ويبلغهم عنهم المستملون فيكتبون عنهم بوساطة تبليغ المستملين وأجاز غير واحد لهم
رواية ذلك عن المملى ثم قال وأبى آخرون ذلك ثم قال قلت والأول تساهل بعيد انتهى
178 أطلق المصنف حكاية الخلاف من غير تقييد
بكون المملى يسمع لفظ المستملى الذى يملى أم لا والصواب التقييد بما ذكرناه فإن
كان الشيخ صحيح السمع بحيث يسمع لفظ المستملى الذى يملى عليه فالسماع صحيح ويجوز
له أن يرويه عن المملى دون ذكر الواسطة كما لو سمع على الشيخ بقراءة غيره فإن
القارئ والمستملى واحد وإن كان فى سمع الشيخ ثقل بحيث لا يسمع لفظ المستملى فإنه
لا يسوغ لمن لم يسمع لفظ الشيخ أن يرويه عنه إلا بواسطة المستملى أو المبلغ له عن
الشيخ أو المفهم للسامع ما لم يبلغه كما ثبت فى الصحيحين من رواية عبد الملك بن
عمير عن جابر بن سمرة قال سمعت النبى صلى
الله عليه وسلم يقول يكون اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها
فقال أبى إنه قال كلهم من قريش لفظ
البخارى وقال مسلم ثم تكلم بكلمة خفيت على فسألت أبى ماذا قال قال كلهم من قريش
فلم يرو جابر بن سمرة الكلمة التى خفيت عليه إلا بواسطة أبيه ويمكن أن يستدل
القائلون بالجواز بما رواه مسلم فى صحيحه من رواية عامر بن سعد ابن أبى وقاص قال
كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامى نافع أن أخبرنى بشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكتب إلى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة عشية رحم الأسلمى قال لا يزال الدين
قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش فلم يفصل جابر بن سمرة الكلمة التى لم يسمعها
من النبى صلى الله عليه وسلم وقد يجاب عنه
بأمور أحدها أنه يحتمل أن بعض الرواة أدرجه وفصلها الجمور وهم عبد الملك بن عمير
والشعبى وحصين وسماك بن حرب ووصله عامر
والثانى أنه قد اتفق الشيخان على رواية الفصل وانفرد مسلم برواية
الوصل والثالث أن رواية الجمهور سماع
لهم من جابر بن سمرة ورواية عامر بن سعد كتابة ليست متصلة بالسماع والرابع أن الإرسال جائز خصوصا إرسال
الصحابة عن بعضهم فإن الصحابة كلهم عدول ولهذا كانت مراسيلهم حجة خلافا للاستاذ
أبى إسحق الاسفرائينى لأن الصحابة قد يروون عن التابعين والله أعلم
182 النوع الثالث من أنواع الإجازة أن يجيز لغير
معين بوصف العموم قوله فإن كان ذلك
مقيدا بوصف حاصر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب انتهى.
تقدم أن المصنف اختار عدم صحة
إلاجازة العامة وقال فى هذه الصورة منها أنها أقرب إلى الجواز فلم يظهر من كلامه
فى هذه الصورة المنع أو الصحة والصحيح فى هذه الصورة الصحة فقد قال القاضى عياض فى
كتاب الإلماع ما أحسبهم اختلفوا فى جوازه ممن تصح عنده الإجازة ولا رأيت منعه لأحد
لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو أخوة فلان قوله قلت ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى
به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة المستأخرة الذين سوغوها
والاجازة فى أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغى احتماله
والله أعلم انتهى وفيه أمور أحدها أنه
اعترض على المصنف بأن الظاهر من كلام مصححها جواز الرواية بها وهذا مقتضى صحتها
وأى فائدة لها غير الرواية بها انتهى
ولا يحسن هذا الاعتراض على المصنف فإنه إنما أنكر أن يكون رأى أو سمع عن
أحد أنه استعملها فروى بها ولا يلزم من ترك استعمالهم للرواية بها عدم صحتها إما
لاستغنائهم عنها بالسماع أو احتياطا للخروج من خلاف من منع الرواية بها الأمر الثانى أن ما رجحه المصنف من عدم
صحتها خالفه فيه جمهور المتأخرين وصححه النووى فى الروضه من زياداته فقال الأصح
جوازها انتهى.
182 النوع الثالث من أنواع الإجازة أن يجيز لغير
معين بوصف العموم قوله فإن كان ذلك
مقيدا بوصف حاصر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب انتهى تقدم أن المصنف اختار عدم صحة إلاجازة
العامة وقال فى هذه الصورة منها أنها أقرب إلى الجواز فلم يظهر من كلامه فى هذه
الصورة المنع أو الصحة والصحيح فى هذه الصورة الصحة فقد قال القاضى عياض فى كتاب
الإلماع ما أحسبهم اختلفوا فى جوازه ممن تصح عنده الإجازة ولا رأيت منعه لأحد لأنه
محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو أخوة فلان
قوله قلت ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى
بها ولا عن الشرذمة المستأخرة الذين سوغوها والاجازة فى أصلها ضعف وتزداد بهذا
التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغى احتماله والله أعلم انتهى وفيه أمور أحدها أنه اعترض على المصنف بأن
الظاهر من كلام مصححها جواز الرواية بها وهذا مقتضى صحتها وأى فائدة لها غير
الرواية بها انتهى ولا يحسن هذا
الاعتراض على المصنف فإنه إنما أنكر أن يكون رأى أو سمع عن أحد أنه استعملها فروى
بها ولا يلزم من ترك استعمالهم للرواية بها عدم صحتها إما لاستغنائهم عنها بالسماع
أو احتياطا للخروج من خلاف من منع الرواية بها
الأمر الثانى أن ما رجحه المصنف من عدم صحتها خالفه فيه جمهور المتأخرين
وصححه النووى فى الروضه من زياداته فقال الأصح جوازها انتهى.
183 وممن أجازها أبو الفضح أحمد بن الحسين بن
خيرون البغدادى وأبو الوليد ابن رشد من أئمة المالكية وأبو طاهر السلفى وخلائق
كثيرون جمعهم الحافظ أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبى البدر الكاتب البغدادى فى جزء
كبير رتب أسماءهم فيه على حروف المعجم لكثرتهم ورجحه أيضا أبو عمرو بن الحاجب من
أئمة المالكية الأصولين الأمر الثالث
أن المصنف ذكر أنه لم ير ولم يسمع أن أحدا ممن يقتدى به روى بها وقد أحسن من وقف
عندما انتهى إليه ومع هذا فقد روى بها بعض الأئمة المتقدمين على ابن الصلاح
كالحافظ أبى بكر محمد بن خير بن عمر الأموى بفتح الهمزة الأشبيلى خال أبى القاسم
السهيلى فروى فى برنامجه المشهور بالإجازة العامة وحدث بها من الحفاظ المتأخرين
الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطى بإجازته العامة من المؤيد الطوسى وسمع
بها الحفاظ أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزى وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن
عثمان الذهبى وأبو محمد القاسم بن محمد البرزالى على الركن الطاووسى بإجازته
العامة من أبى جعفر الصيدلانى وغيره وقرأ بها شيخنا الحافظ أبو سعيد العلائى على
أبى العباس أحمد ابن نعمة بإجازته العامة من داود بن معمر بن الفاخر وبالجملة ففى
النفس من الرواية بها شئ الاحتياط ترك الرواية بها والله أعلم
185 النوع الرابع من أنواع الإجازة للمجهول أو
بالمجهول قوله فإن أجاز لمن شاء
الرواية عنه فهذا أولى بالجواز من حيث أن مقتضى كل إجازة تفويض الرواية بها إلى
مشيئة المجاز له فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق تصريحا بما يقتضيه الإطلاق وحكاية
للحال لا تعليقا فى الحقيقة ولهذا أجاز بعض أئمة الشافعيين فى البيع بعتك هذا بكذا
إن شئت فيقول انتهى ولم يبين المصنف
أيضا تصحيحا فى هذه الصورة بل جعلها أولى بالجواز والصحيح فيها عدم الصحة وقياس
المصنف لهذه الصورة على تجويز بعض الأئمة قول القائل بعتك هذا بكذا إن شئت ليس
بجيد والفرق بين المسألتين أن المبتاع معين فى مسألة البيع والشخص المجاز مبهم فى
مسألة الإجازة وإنما وزان مسألة البيع أن يقول أجزت لك أن تروى عنى إن شئت الرواية
عنى فإن الأظهر الأقوى فى هذه الصورة الجواز كما ذكره المصنف بعد ذلك وفى مسألة
البيع التى قاس عليها المصنف مسألة الإجازة وجهان حكاهما الرافعى وقال أظهرهما أنه
ينعقد
192 القسم الرابع من أقسام طرق تحمل الحديث
وتلقيه المناولة قوله قال الحاكم
فى هذا العرض أى عرض المناولة أما فقهاء الاسلام الذين أفتوا فى الحلال والحرام
فإنهم لم يروه سماعا وبه قال الأوزاعى والشافعى والبويطى والمزنى وأبو حنيفة
وسفيان الثورى إلى آخر كلامه اعترض على المصنف بذكر أبى حنيفة مع المذكورين فإن من
عدا أبا حنيفة يرى صحة المناولة وانها دون السماع وأما أبو حنيفة فلا يرى صحتها
أصلا كما ذكره صاحب القنية فقال إذا أعطاه المحدث الكتاب وأجاز له ما فيه ولم يسمع
ذلك ولم يعرفه فعند أبى حنيفة ومحمد لا يجوز روايته وعند أبى يوسف يجوز انتهى قلت لم يكتف صاحب القنية فى نقله عن أبى
حنيفة لعدم الصحة بكونه لم ويسمعه فقط بل زاد على ذلك بقوله ولم يعرفه فإن كان
الضمير فى يعرفه عائدا على المجاز وهو الظاهر لتتفق الضمائر فمقتضاه أنه إذا عرف
المجاز ما أجيز له أنه يصح بخلاف ما ذكر المعترض
193 أنه لا يرى صحتها أصلا وإن كان الضمير يعود
على الشيخ المجيز فقد ذكر المصنف بعد هذا أن الشيخ إذا لم ينظر ويتحقق روايته
لجميعه لا يجوز ولا يصح ثم استثنى ما إذا كان الطالب موثوقا بخبره فإنه يجوز
الإعتماد عليه انتهى وهذه الصورة لا
يوافق على صحتها أبو حنيفة بل لابد أن يكون الشيخ حافظا لحديثه أو ممسكا لأصله وهو
الذى صححه إمام الحرمين كما تقدم بل أطلق الآمدى النقل عن أبى حنيفة وأبى يوسف أن
الإجازة غير صحيحة والله تعالى أعلم
ويجوز أن يكون أبو حنيفة وأبو يوسف إنما يمنعان صحة الإجازة الخالية عن
المناولة فقد حكى القاضى عياض فى كتاب الإلماع عن كافة أهل النقل والآراء والتحقيق
من أهل النظر القول بصحة المناولة المقروبة بالإجازة
200 القسم الثامن الوجادة قوله روينا عن المعافى بن عمران أن
المولدين فزعوا قولهم وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا
مناولة من تفريق العرب بين مصادر وجد للتمييز بين المعانى المختلفة يعنى قولهم وجد
ضالته وجدانا ومطلوبه وجودا وفى الغضب موجدة وفى الغنى وجدا وفى الحب وجدا
انتهى ذكر المصنف خمسة مصادر مسموعة
لوجد باختلاف معانيه وبقى عليه ثلاثة مصادر أحدها وجده فى الغضب وفى الغنى أيضا
وفى المطلوب أيضا والثانى إجدان بكسر الهمزة فى الضالة وفى المطلوب أيضا حكاها
صاحب المحكم فى الضالة فقط ووجد بكسر الواو فى الغنى واقتصر المصنف فى كل معنى من
المعانى المذكورة على مصدر واحد وقد تقدم أن للضالة مصدرا آخر وهو إجدان وللمطلوب
خمسة مصادر أخر وهى جدة كما تقدم ووجد بالفتح ووجد بالضم ووجدان وإجدان وللغضب
ثلاثة مصارد أخر وجد بالفتح ووجدة ووجدان كما تقدم وللغنى مصدران آخران وجد بالكسر
أيضا وجدة قوله مثال الوجادة أن يقف
على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم
201 يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذى وجده
بخطه ولا له منه إجازة ولا نحوها إلى آخر كلامه قلت اشتراط المصنف فى الوجادة أن
يكون ذلك الشيخ الذى وجد ذلك الموجود بخطه لا إجازة له منه ليس بجيد ولذلك لم
يذكره القاضى عياض فى حد الوجادة فى كتاب الإلماع وجرت عادة أهل الحديث باستعمال
الوجادة مع الإجازة فيقول أحدهم وجدت بخط فلان وإجازه لى وكأن المصنف إنما أراد
بيان الوجادة الخالية عن الإجازة هل هى مستند صحيح فى الرواية أو لا وحكى الخلاف
فيه والله أعلم
205 النوع الخامس والعشرون فى كتابة الحديث
قوله يستحب فى الألفاظ المشكلة أن
يكرر ضبطها بأن يضبطها فى متن الكتاب ثم يكتبها قبالة ذلك فى الحاشية مفردة مضبوطة
انتهى اقتصر المصنف على ذكر كتابة
اللفظة المشكلة فى الحاشية مفردة مضبوطة ولم يتعرض لتقطيع حروفها وهو متداول بين
أهل الضبط وفائدته ظهور شكل الحرف بكتابته مفردا كالنون والياء إذا وقعت فى أول الكلمة
أو فى وسطها ونقله ابن دقيق العيد فى الاقتراح عن أهل الاتقان فقال ومن عادة
المتقنين أن يبالغوا فى إيضاح المشكل فيفرقوا حروف الكلمة فى الحاشية ويضبطوها
حرفا حرفا
206 قوله وسبيل الناس فى ضبطها أى الحروف
المهملة مختلف فمنهم من يقلب النقط فيجعل النقط الذى فوق المعجمات تحت ما يشاكلها
من المهملات فينقط تحت الراء والصاد والطاء والعين ونحوها من المهملات انتهى أطلق المصنف فى هذه العلامة قلب النقط
العلوية فى المعجمات إلى أسفل المهملات وتبع فى ذلك القاضى عياضا ولابد من استثناء
الحاء المهملة لأنها لو نقطت من أسفل صارت جيما قوله وهناك من العلامات ما هو موجود فى كثير
من الكتب القديمة
207 ولا يفطن له كثيرون كعلامة من يجعل فوق الحرف
المهمل خطا صغيرا انتهى اقتصر المصنف
فى هذه العلامة على جعل خط صغير فوق الحرف المهمل وترك فيه زيادة ذكرها القاضى
عياض فى الإلماع فحكى عن بعض أهل المشرق أنه يعلم فوق الحرف المهمل بخط صغير يشبه
النبرة فحذف المصنف منه ذكر النبرة والمصنف إنما أخذ ضبط الحروف المهملة بهذه
العلامات من الإلماع للقاضى عياض وإذا كان كذلك فحذفه لقوله يشبه النبرة يخرج هذه
العلامة عن صفتها فإن النبرة هى الهمزة كما قال الجوهرى وصاحب المحكم ومقتضى كلام
المصنف أنها كالنصبة لا كالهمزة والله أعلم
قوله يكره له فى مثل عبد الله بن فلان بن فلان أن يكتب عبد فى آخر سطر
والباقى
208 فى أول السطر الآخر إلى آخر كلامه اقتصر
المصنف فى هذا على الكراهة والذى ذكره الخطيب فى كتاب الجامع امتناع ذلك فإنه روى
فيه عن أبى عبد الله بن بطة أنه قال هذا كله غلط قبيح فيجب على الكاتب أن يتوقاه
ويتأمله ويتحفظ منه قال الخطيب وهذا الذى ذكره أبو عبد الله صحيح فيجب اجتنابه
انتهى واقتصر ابن دقيق العيد فى
الاقتراح على جعل ذلك من الآداب لا من الواجبات والله أعلم
209
قوله وروينا عن الشافعى الإمام
وعن يحيى بن كثير قالا من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج انتهى
210 هكذا ذكره المصنف عن الشافعى وإنما هو معروف
عن الأوزاعى وعن يحيى بن أبى كثير وقد رواه عن الأوزاعى أبو عمر بن عبد البر فى
كتاب جامع بيان العلم من رواية بقية عن الأوزاعى ومن طريق ابن عبد البر رواه
القاضى عياض فى كتاب الإلماع بإسناده ومنه يأخذ المصنف كثيرا وكأنه سبق قلمه من
الأوزاعى إلى الشافعى وأما قول يحيى بن أبى كثير فرواه ابن عبد البر أيضا والخطيب
فى كتاب الكفاية وفى كتاب الجامع من رواية أبان بن يزيد عن يحيى بن أبى كثير ولم
أر لهذا ذكرا عن الشافعى فى شئ من الكتب المصنفة فى علوم الحديث ولا فى شئ من
مناقب الشافعى والله أعلم
214 قوله قلت ولأنها لما كانت على كلام فيه
خلل أشبهت الضبة التى تجعل على كسر أو خلل فاستعير لها اسمها ومثل ذلك غير مستنكر فى
باب الإستعارات انتهى قلت وفى هذا نظر
وبعد من حيث أن ضبة القدح وضعت جبرا للكسر والضبة على المكتوب ليست جابرة وإنما
جعلت علامة على المكان المغلق وجهه المستبهم أمره فهى بضبة الباب أشبه كما تقدم
نقل المصنف له عن أبى القاسم بن الاقليلى وقد حكاه أبو القاسم هذا عن شيوخه من أهل
الأدب كما وجدته فى كلامه وحكاه القاضى عياض فى الإلماع فقال من أهل المغرب بدل
قوله من أهل الأدب والمذكور فى كلام أبى القاسم ما ذكرته والله أعلم قوله ويسمى ذلك الشق أيضا انتهى
216 الشق بفتح الشين المعجمة وتشديد القاف
وهذا الاصطلاح لا يعرفه أهل المشرق ولم يذكره الخطيب فى الجامع ولا فى الكفاية وهو
اصطلاح لأهل المغرب وذكره القاضى عياض فى الإلماع ومنه أخذه المصنف وكأنه مأخوذ من
الشق وهو الصدع أو من شق العصا وهو التفريق فكأنه فرق بين الكلمة الزائدة وبين ما
قبلها وبعدها من الصحيح الثابت بالضرب عليها والله أعلم ويوجد فى بعض نسخ علوم الحديث النشق بزيادة
نون مفتوحة فى أوله وسكون الشين فإن لم يكن تصحيفا وتغييرا من النساخ فكأنه مأخوذ
من نشق الظبى فى حبالته إذا علق فيها فكأنه إبطال لحركة الكلمة وإهمالها بجعلها فى
صورة وثاق يمنعها من التصرف والله أعلم
222 النوع السادس والعشرون فى صفة رواية الحديث
وشرط أدائه وما يتعلق بذلك
قوله إذا سمع كتابا ثم أراد روايته
من نسخة ليس فيها سماعه ولا هى مقابلة بنسخة سماعه غير أنه سمع منها على شيخه لم
يجز له ذلك قطع به الإمام أبو نصر الصباغ الفقيه فيما بلغنا عنه إلى آخر كلامه وقد
اعترض عليه بأنه ذكر فى النوع الذى قبله أن الخطيب والاسفرائينى جوزا الرواية من
كتاب لم يقابل أصلا ولم ينكره الشيخ بل أقره انتهى قلت الصورة التى تقدمت هى فيما إذا نقل
كتابه من الأصل فإن الخطيب شرط فى ذلك أن يكون نسخته نقلت من الأصل وأن يبين عند
الرواية أنه لم يعارض وزاد ابن الصلاح على ذلك شرطا آخر وهو أن يكون ناقل النسخة
من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط وأما الصورة التى فى هذا النوع
فإن الراوى منها ليس على ثقة من موافقتها للأصل وقد أشار المصنف هنا إلى التعليل بذلك
فقال إذ لا يؤمن أن يكون فيها زوايد ليست فى نسخة سماعه والله أعلم
235 قوله جرت العادة بحذف قال ونحوه فيما بين
رجال الإسناد خطا ولابد من ذكره حال القراءة لفظا انتهى هكذا قال المصنف هنا إنه لابد من النطق بقال
لفظا ومقتضاه أنه لا يصح السماع بدونها وخالف المصنف ذلك فى الفتاوى فإنه سئل فيها
عن ترك القارى قال فقال هذا خطأ من فاعله والأظهر أنه لا يبطل السماع به لأن حذف
القول جائز اختصارا جاء به القرآن العظيم وكذا قال النووى في التقريب والتيسير
تركها خطأ والظاهر صحة السماع والله أعلم
239 قوله الظاهر أنه لا يجوز تغيير عن النبى
إلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا بالعكس وإن جازت الرواية بالمعنى فإن شرط
ذلك أن لا يختلف المعنى والمعنى فى هذا مختلف انتهى وفيه نظر من حيث أن المعنى لا يختلف فى نسبة
الحديث لقائله بأى وصف وصف من تعريفه بالنبى أو رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك فإن اختلف مدلول
لفظ النبى والرسول فليس المقصود هنا بيان وصفه إنما المراد تعريف القائل بأى وصف
عرف به واشتهر وأما ما استدل به بعض من اختصر كتاب ابن الصلاح على منع ذلك
240 من حديث البراء بن عازب فى الصحيح حين علمه صلى الله عليه وسلم ما يدعو به عند النوم من قوله آمنت بكتابك الذى أنزلت ونبيك الذى
أرسلت فقال البراء يستذكرهن وبرسولك
الذى أرسلت فقال صلى الله عليه وسلم لا قل
ونبيك الذى أرسلت فليس فيه حجة على منع ذلك فى الرواية لأن ألفاظ الأذكار توقيفية
فى تعيين اللفظ وتقدير الثواب وربما كان اللفظ سر ليس فى لفظ آخر يرادفه ولعله
أراد الجمع بين وصفه بالنبوة والرسالة فى موضع واحد لا حرم أن النووى قال الصواب
جوازه لأنه لا يختلف به هنا معنى والله أعلم
241 قوله إذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من
شيخ آخر فخلطه ولم يميزه وعزى الحديث جملة إليهما مبينا أن عن أحدهما بعضه وعن
الآخر بعضه فذلك جايز كما فعل الزهرى فى حديث الإفك فذكره ثم قال وغير جائز لأحد
بعد اختلاط ذلك أن يسقط ذكر أحد
242 الراويين ويروى الحديث عن الآخر وحده إلى آخر
كلامه وقد اعترض عليه بأن البخارى أسقط ذكر أحد شيخيه أو شيوخه فى مثل هذه الصورة
واقتصر على ذكر شيخ واحد فقال فى كتاب الرقاق من صحيحه فى باب كيف كان عيش
النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا حدثنى أبو نعيم بنصف
من هذا الحديث حدثنا عمر بن ذر حدثنا مجاهد أن أبا هريرة كان يقول آلله الذى لا
إله إلا هو إن كنت لاعتمد بكبدى على الأرض من الجوع الحديث انتهى والجواب أن الممتنع إنما هو إسقاط بعض
شيوخه وإيراد جميع الحديث عن بعضهم لأنه حينئذ يكون قد حدث عن المذكور ببعض ما لم
يسمعه منه فأما إذا بين أنه لم يسمع منه إلا بعض الحديث كما فعل البخارى هنا فليس
بممتنع وقد بين البخارى فى موضع آخر من صحيحه القدر الذى سمعه من أبى نعيم من هذا
الحديث أو بعض ما سمعه منه فقال فى كتاب الاستئذان حدثنا أبو نعيم حدثنا عمر بن ذر
ح وحدثنا محمد بن مقاتل أنبأنا عبد الله أنبأنا عمر بن ذر أنبأنا مجاهد عن أبى
هريرة رضى الله عنه قال دخلت مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنا فى قدح
فقال أبا هر ألحق الصفة أهل فادعهم إلى قال فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا
فأذن لهم فدخلوا انتهى فهذا هو بعض حديث أبى نعيم الذى ذكره فى
الرقاق وأما بقية الحديث فيتحمل أن البخارى أخذه من كتاب أبى نعيم وجادة أو إجازة
له سمعه من شيخ آخر غير أبى نعيم أما محمد بن مقاتل الذى روى عنه فى الاستئذان
بعضه أو غيره ولم يبين ذلك بل اقتصر على اتصال بعض الحديث من غير بيان ولكن ما من
قطعة منه إلا وهى محتملة لأنها غير متصلة بالسماع إلا القطعة التى صرح البخارى فى
الاستيذان باتصالها والله أعلم
247 النوع السابع والعشرون معرفه آداب المحدث
قوله وأما من لم يسمع إلا لفظ
المستملى فليس يستفيد بذلك جواز روايته لذلك عن المملى مطلقا من غير بيان الحال
فيه وفى هذا كلام قد تقدم فى النوع الرابع والعشرين انتهى والذى قدمه هناك أنه حكى هناك قولين أحدهما
الجواز والثانى المنع وقال إن الأول بعيد فاقتضى كلامه هناك رجحان الامتناع
والصواب كما قدمته هناك أنه إن كان المملى
248 يسمع لفظ المستملى فحكم حكم القارئ وعلى
الشيخ فيجوز لسامع المستملى أن يرويه عن المملى لكن لا يجوز أن يقول سمعت ولا
أخبرنى فلان املاء إنما يجوز ذلك لمن سمع لفظ المملى ويجوز أن يقول أنبأنا فلان
ويطلق ذلك على الصحيح وهل يجوز أن يقيد ذلك بقوله قراءة عليه تحتمل أن يقال
بالجواز لأن المستملى كالقارئ على الشيخ ويحمل أن لا يجوز ذلك لأن موضوع المستملى
تبليغ ألفاظ الشيخ وليس قصده القراءة على الشيخ الأول أظهر كما تقدم هناك والله
أعلم قوله أو نسبة إلى أم عرف بها
كيعلى بن منية الصحابى وهو ابن أمية ومنية أمه وقيل جدته أم أبيه انتهى
249 رجح المصنف هنا أن منية أم يعلى واقتصر
فى النوع السابع والخمسين على كونها جدته وحكاه عن الزبير بن بكار وأنها جدته أم
أبيه وما قاله الزبير هو الذى حزم به أبو نصر بن ماكولا ولكن قال ابن عبد البر لم
يصب الزبير انتهى والذى ذكره الطبرى
ورجحه أبو الحجاج المزى أنها أم يعلى لا جدته فما رجحه المصنف وهو الراجح والله
أعلم قوله وإذا نجز الإملاء فلا غناء
عن مقابلته واتقانه انتهى
250 هكذا ذكره المصنف هنا أنه لاغناء عن
مقابلة الإملاء وتقدم فى كلامه فى النوع الخامس والعشرين الترخص فى الرواية من
نسخة غير قابلة بشروط ثلاثة فيحتمل أن يكون كلامه هنا محمولا على ما تقدم هناك
ويحتمل أن يفرق بين النسخ من أصل السماع والنسخ من إملاء الشيخ حفظا لأن الحفظ
يخون فربما تذكر الشيخ عند المعارضة ما لعله سبق إلى لفظه والله أعلم قوله نجز هو بكسر الجيم على المشور وبه جزم
الجوهرى فقال نجز الشئ بالكسر ينجز نجزا أى انقضى وفنى انتهى وهذا هو الذى قيد عن المصنف فى حاشية علوم
الحديث حين قرئ عليه والذى صدر به صاحب المحكم كلامه بالفتح فقال نجز الكلام
بالفتح انقطع ونجز الوعد ينجز نجزا حضر قال وقد يقال نجز قال ابن السكيت كأن نجز
فنى وكأن نجز قضى حاجته انتهى
258 النوع التاسع والعشرون معرفة الإسناد العالى
والنازل
قوله الثالث العلو بالنسبة إلى رواية
الصحيحين أو أحدهما أو غيرهما من الكتب المعروفة ثم قال ثم اعلم أن هذا النوع من
العلو علو تابع لنزول إذ لولا نزول ذلك الإمام فى إسناده لم تعل أنت فى إسنادك
انتهى أطلق المصنف أن هذا النوع من
العلو تابع لنزول وليس على إطلاقه وإنما هو الغالب وربما يكون هذا النوع من العلو
غير تابع لنزول بل يكون عاليا من حديث ذلك الإمام أيضا ومثاله حديث ابن مسعود عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال كان على موسى يوم كلمه الله كساء صوف
وجبة صوف الحديث رواه الترمذي عن على بن
حجر عن خلف ابن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود وقد وقع
لنا عاليا بدرجتين أخبرنى به أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومى أنبأنا
أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم الحرانى وأخبرنى أبو عبد الله محمد بن إسماعيل
بن إبراهيم
259 الأنصارى بقراءتى عليه بدمشق فى الرحلة الألى
قال أنبأنا أحمد بن عبد الدايم المقدسى قراءة عليه وأنا أحاضر قالا أنبأنا عبد
المنعم بن عبد الوهاب أنبأنا على بن أحمد بن محمد بن بيان قال أنبأنا محمد بن محمد
بن ابراهيم بن مخلد قال أنبأنا اسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا الحسن عن عرفة
أنبأنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كلم الله موسى عليه
السلام كانت عليه جبة صوف وسراويل صوف وكساء صوف وكمة صوف ونعلاه من جلد حمار غير
ذكى فهذا الحديث بهذا الإسناد لا يقع
لأحد فى هذه الأزمان أعلا منه على وجه الدنيا من حيث العدد وهو علو مطلق ليس تابعا
لنزول فإنه عال للترمذى أيضا فإن خلف بن خليفة من التابعين وأعلى ما يقع للترمذى
روايته عن اتباع التابعين وأما علو طريقنا فأمر واضح فإن شيخنا أبا الفتح آخر من
روى عن النجيب عبد اللطيف بالسماع والنجيب آخر من روى عن عبد المنعم بن كليب
بالسماع وابن كليب آخر من روى عن ابن بيان وابن بيان آخر من روى عن ابن مخلد وابن
مخلد آخر من روى عن الصفار والصفار آخر من روى عن ابن عرفة فيما ذكره الحافظ أبو
سعيد العلائى وابن عرفة آخر من روى عن خلف بن خليفة وخلف بن خليفة آخر من رأى
الصحابة فهو علو مطلق والله أعلم
263 النوع الموفى ثلاثين معرفة المشهور
قوله وكما بلغنا عن أحمد بن حنبل رضى
الله عنه أنه قال أربعة أحاديث تدور عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فى الأسواق ليس لها أصل من بشرنى بخروج آذار بشرته بالجنة ومن آذى
ذميا فأنا خصمه يوم القيامة ويوم نحركم يوم صومكم وللسائل حق وإن جاء على فرس قلت لا يصح هذا الكلام عن الإمام أحمد فإنه
أخرج حديثا منها فى المسند وهو حديث للسائل حق وإن جاء على فرس وقد ورد من حديث
الحسين بن على وابنه على وابن عباس والهرماس بن زياد أما حديث الحسين بن على بن
أبى طالب فأخرجه
264 أبو داود من رواية يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة
بنت الحسين عن حسين بن على قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل حق وإن جاء على فرس ورواه أحمد فى مسنده عن وكيع وعبد الرحمن بن
محمد كلاهما عن سفيان عن مصعب بن محمد عن يعلى بن أبي يحيى وهذا إسناد جيد وقد سكت
عليه أبو داود فهو عنده صالح ويعلى هذا ذكره ابن حبان في الثقات وجهله أبو حاتم
وباقى رجاله ثقات وأما حديث على فأخرجه أبو داود أيضا من رواية زهير عن شيخ قال
رأيت سفيان عنده عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن على عن النبى صلى الله عليه وسلم مثله
وأما حديث ابن عباس فرواه ابن عدى فى الكامل من رواية إبراهيم بن يزيد عن
سليمان الأحول عن طاووس عن ابن عباس أن النبى
صلى الله عليه وسلم مثله أورده فى
ترجمة إبراهيم بن عبد السلام المكى المخزومى راويه عن إبراهيم بن يزيد وقال هذا
معروف بغير إبراهيم هذا عن إبراهيم بن يزيد سرقه ممن هو معروف به قال وإبراهيم بن
عبد السلام فى جملة الضعفاء المجهولين
وأما حديث الهرماس بن زياد فرواه الطبرانى من رواية عثمان بن فايد عن عكرمة
بن عمار عن الهرماس بن زياد قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكره وعثمان
ابن فايد ضعفه ابن معين والبخارى وابن حبان وغيرهم وكذلك حديث من آذى ذميا هو
معروف أيضا بنحوه رواه أبو داود من رواية صفوان بن مسلم عن عدة من أبناء أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم دنية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إلا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه
فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة سكت عليه أبو داود أيضا فهو عنده صالح وهو
كذلك إسناده جيد وهو وإن كان فيه من لم يسم فانهم عدة من أبناء الصحابة يبلغون حد
التواتر الذى لا يشترط فيه العدالة فقد رويناه فى سنن البيهقى الكبرى فقال فى
روايته عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأما الحديثان
الآخران فلا أصل لهما قال ابن الجوزى فى الموضوعات ويذكر عن العوام أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال من بشرنى بخروج آذار بشرته بالجنة قال أحمد
265 ابن حنبل لا أصل لهذا وروى الطبرانى من رواية
أبى شيبة القاضى عن آدم بن على عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هلك قوم إلا فى آذار ولا تقوم الساعة إلا فى
آذار أبو شيبة قاضى واسط اسمه ابراهيم
بن عثمان وهو جد أبى بكر بن أبى شيبة كذبه شعبة وقال ابن معين ليس بثقة وبالجملة
فهو متفق على ضعفه وروى الإمام أبو بكر محمد بن رمضان بن شاكر الزيات فى كتاب له
فيه أخبار عن مالك والشافعى وابن وهب وابن عبد الحكم قال قال محمد بن عبد الله هو
ابن عبد الحكم فى الحديث الذى روى أن النبى
صلى الله عليه وسلم قال يوم
صومكم يوم نحركم قال هذا من حديث
الكذابين والله أعلم قوله ومن المشهور
المتواتر الذى يذكره أهل الفقه وأصوله وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر
بمعناه الخاص وإن كان الحافظ الخطيب قد ذكره ففى كلامه ما تشعر بأنه اتبع فيه غير
أهل الحديث ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ولا يكاد يوجد فى رواياتهم فإنه عبارة
عن الحبر الذى يحصل العلم بصدقه ضرورة انتهى
266 وقد اعترض عليه بأنه قد ذكره أبو عبد الله
الحاكم وأبو محمد بن حزم وأبو عمر ابن عبد البر وغيرهم من أهل الحديث والجواب عن
المصنف أنه إنما نفى عن أهل الحديث ذكره باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص وهؤلاء
المذكورون لم يقع فى كلامهم التعبير عنه بما فسره به الأصوليون وإنما يقع فى
كلامهم أنه تواتر عنه صلى الله عليه
وسلم كذا وكذا أو ان الحديث الفلانى
متواتر وكقول ابن عبد البر فى حديث المسح على الخفين أنه استفاض وتواتر وقد يريدون
بالتواتر الاشتهار لا المعنى الذى فسره به الأصوليون والله أعلم قوله ومن سئل عن ابراز مثال لذلك أعياه
تطلبه وحديث إنما الأعمال بالنيات ليس من ذلك بسبيل وان نقله عدد التواتر وزيادة
لأن ذلك طرأ عليه فى وسط إسناده ولم يوجد فى أوائله على ما سبق ذكره نعم حديث من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار نراه مثالا لذلك إلى أن قال وذكر
بعض الحفاظ أنه رواه عنه صلى الله عليه
وسلم اثنان وستون نفسا من الصحابة وفهيم
العشرة المشهود لهم بالجنة قال وليس فى الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره
ولا يعرف حديث يروى عن اكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد
267 قال المصنف وبلغ به بعض أهل الحديث أكثر
من هذا العدد انتهى وفيه أمور الأول
انه اعترض عليه بأن حديث الأعمال ذكر بن منده أن جماعة من الصحابة رووه فبلغوا
العشرين قلت لم يبلغ بهم ابن منده هذا العدد وإنما بلغ بهم ثمانية عشر فقط فذكر
مجرد أسمائهم من غير رواية لشئ منها ولا عزو لمن رواه وليس هو أبا عبد الله محمد
بن إسحق بن منده وإنما هو ابنه أبو القاسم عبد الرحمن ذكر ذلك فى كتاب له سماه
المستخرج من كتب الناس للتذكرة فقال وممن رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعلى بن أبى
طالب وسعد بن أبى وقاص وأبو سعيد الخدرى وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد
الله بن عباس وأنس بن مالك وأبو هريرة ومعاوية ابن أبى سفيان وعتبة بن عبد السلمى
وهلال بن سويد وعبادة بن الصامت وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر وأبو ذر الغفارى
وعتبة بن النذر وعتبة بن مسلم هكذا عد سبعة عشر غير عمر قلت وفى المذكورين أثنان
ليست لهما صحبة وهما هلال ابن سويد وعتبة بن مسلم وقد ذكرهما ابن حبان فى ثقات
التابعين فبقى خمسة عشر غير عمر وبلغنى
أن الحافظ أبا الحجاج المزى سئل عن كلام ابن منده هذا فأنكره واستبعده وقد تتبعت
أحاديث المذكورين فوجدت أكثرها فى مطلق النية لا بلفظ إنما الأعمال بالنيات وفيها
ما هو بهذا اللفظ وقد رأيت عزوها لمن خرجها ليستفاد فحديث على ابن أبى طالب رواه
ابن الاشعث فى سننه والحافظ أبو بكر محمد بن ياسر الجيانى فى الأربعين العلوية من
طريق أهل البيت بلفظ الأعمال بالنية وفى إسناده من لا يعرف وحديث سعد بن أبى وقاص
كأنه أراد به قوله صلى الله عليه وسلم
لسعد إنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه
الله إلا أجرت فيها الحديث رواه الأئمة
الستة وحديث أبى سعيد الخدرى رواه الدارقطنى فى غرايب مالك والخطابى فى معالم
السنن بلفظ حديث عمر
268 وحديث ابن مسعود رواه الطبرانى فى المعجم
الكبير فى قصة مهاجر أم قيس وهو حديث غريب ورجاله ثقات لأحمد فى مسنده من حديثه أن
أكبر شهداء أمتى لأصحاب الفرش ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته وحديث ابن عباس اتفق عليه الشيخان بلفظ لا
هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وحديث أنس بن مالك رواه البيهقى فى سننه بلفظ لا
عمل لمن لا نية له وفى إسناده من لم يسم وقد رواه ابن عساكر فى جزء من أماليه بلفظ
حديث عمر من رواية يحيى ابن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن انس فقال غريب جدا
والمحفوظ حديث عمر وروينا فى مسند الشهاب للقضاعى من حديث أنس نية المؤمن خير من
عمله وحديث أبى هريرة رويناه فى جزء
من تخريج الرشيد العطار بلفظ حديث عمر ولابن ماجه من حديث أبى هريرة إنما يبعث
الناس على نياتهم وحديث معاوية رواه ابن ماجه بلفظ إنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله
طاب أعلاه وحديث عبادة بن الصامت رواه النسائى بلفظ من غزا فى سبيل الله وهو لا
ينوى إلا عقالا فله ما نوى وحديث جابر
بن عبد الله رواه ابن ماجه بلفظ يحشر الناس على نياتهم وحديث عقبة بن عامر رواه
أصحاب السنن بلفظ إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة فذكره وفيه وصانعه يحتسب
فى صنعته الأجر وحديث أبى ذر رواه
النسائى بلفظ من أتى فراشه وهو ينوى أنه يقوم يصلى من الليل فغلبته عينه حتى يصبح
كتب له ما نوى الحديث قلت وفى الباب
أيضا مما لم يذكره ابن منده عن أبى الدرداء وسهل بن سعد والنواس ابن سمعان وأبى
موسى الأشعرى وصهيب بن سنان وأبى أمام الباهلى وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وصفوان
بن أمية وغزية بن الحارث أو الحارث بن غزية وعائشة
269 وأم سلمة وأم حبيبة وصفية بنت حيى فحديث ابى
الدرداء رواه النسائى وابن ماجه بلفظ حديث أبى ذر المتقدم وحديث سهل بن سعد رواه
الطبرانى فى المعجم الكبير بلفظ نية المؤمن خير عمله وعمل المنافق خير من نيته وكل
يعمل على نيته وحديث النواس بن سمعان رواه الطبرانى أيضا بلفظ نية المؤمن خير من
عمله وحديث أبى موسى رواه أبو منصور الديلمى فى مسند الفردوس بهذا اللفظ وحديث
صهيب رواه الطبرانى فى المعجم الكبير بلفظ أيما رجل تزوج امرأة فنوى أن لا يعطيها
من صداقها شيئا مات يوم يموت وهو زان وأيما رجل اشترى من رجل بيعا فنوى أن لا
يعطيه من ثمنه شيئا مات يوم يموت وهو خائن وحديث أبى أمامة رواه الطبرانى الكبير
بلفظ من ادان دينا وهو ينوى أن يؤديه أداه الله عنه يوم القيامة ومن ادان دينا وهو
ينوى أن لا يؤديه الحديث وحديث زيد بن
ثابت ورافع بن خديج رواه أحمد فى مسنده فى قصة لحديث أبى سعيد بحديث لا هجرة بعد
الفتح ولكن جهاد ونية وقول مروان له كذبت وعنده زيد بن ثابت ورافع بن خديج معه على
السرير وإن أبا سعيد قال لو شاء هذان لحدثاك فقالا صدق وحديث غزية بن الحارث رواه
فى الطبرانى فى الكبير بلفظ لا هجرة بعد الفتح إنما هى ثلاث الجهاد والنية والحشر
وحديث عائشة رواه مسلم فى قصة الجيش الذين يخسف بهم وفيه يبعثهم الله على نياتهم
وحديث أم سلمة رواه مسلم وأبو داود بلفظ يبعثون على نياتهم وحديث أم حبيبة رواه الطبرانى
فى المعجم الأوسط بلفظ ثم يبعث كل امرئ على نيته وحديث صفية رواه ابن ماجه بلفظ يبعثهم الله
على ما فى أنفسهم الأمر الثانى أن ما
حكاه المصنف عن بعض الحفاظ من أنه رواه أثنان وستون من الصحابة وفيهم العشرة فأبهم
المصنف ذكره هو الحافظ أبو الفرج بن الجوزى فإنه ذكر ذلك فى النسخة الأولى من
الموضوعات فذكر أنه رواه أحد وستون نفسا ثم ذكر روى بعد ذلك عن أبى بكر محمد بن
أحمد بن عبد الوهاب النيسابورى أنه ليس فى الدنيا حديث اجتمع عليه العشرة غيره ثم
قال ابن الجوزى أنه ما وقعت له رواية عبد الرحمن
270 ابن عوف إلى الآن قال ولا أعرف حديثا رواه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وستون صحابيا وعلى قول هذا الحافظ اثنان
وستون الا هذا الحديث انتهى هكذا
نقلته من نسخه الموضوعات بخط الحافظ زكى الدين عبد العظيم المنذرى وهذه النسخة هى
النسخة الأولى من الكتاب ثم زاد بن الجوزى فى الكتاب المذكور أشياء وهى النسخة
الأخيرة فقال فيها رواه من الصحابة ثمانية وتسعون نفسا هكذا نقلته من خط على ولد
المصنف من الموضوعات الأمر الثالث ما
ذكره الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب النيسابورى من أنه لا يعرف حديث
اجتمع عليه العشرة غيره وأقره ابن الجوزى على ذلك وكذلك المصنف ناقلا له عن بعض
الحفاظ منهما ليس بجيد من حيث أن حديث أن رفع اليدين فى الصلاة بهذا الوصف وكذلك
حديث المسح على الخفين فأما حديث رفع
اليدين فذكره الحافظ أبو عبد الله الحاكم فيما نقل البيهقى عنه أنه سمعه يقول لا
نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم الخلفاء
الأربعة ثم العشرة الذين شهد لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم فى
البلاد الشاسعة غير هذه السنة قال البيهقي وهو كما قال أستادنا أبو عبد الله رضي
الله عنه فقد روى عن هذه السنة عن العشرة وغيرهم وكذلك ذكر أبو القاسم عبد الرحمن
بن منده فى كتاب المستخرج من كتب الناس للتذكرة وأما حديث المسح على الخفين فذكر أبو
القاسم بن عبد الله بن منده فى كتاب المذكور أنه رواه العشرة أيضا الأمر الرابع قول ابن الجوزى أنه لا يعرف
حديث يروى عن أكثر من ستين من الصحابة إلا حديث من كذب على منقوض بحديث المسح على
الخفين فقد
271 ذكر أبو القاسم بن منده فى كتاب المستخرج عدة
من رواه من الصحابة فزادوا على الستين وذكر الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد فى كتاب
الامام عن ابن المنذر قال روينا عن الحسن أنه قال حدثنى سبعون من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين
الأمر الخامس ما ذكره المصنف عن بعض أهل الحديث أنه بلغ به أكثر من هذا
العدد أى أكثر من اثنين وستين نفسا قد جمع طرقا أبو القاسم الطبرانى ومن المتأخرين
الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل فى جزأين فزاد فيه على هذا العدد وقد رأيت عدد من
روى حديثه من الصحابة هكذا وهم يزيدون على السبعين مرتبين على الحروف وهم أسامة بن
زيد وأنس بن مالك وأوس بن أوس والبراء بن عازب وبريدة بن الخطيب وجابر بن حابس
وجابر بن عبد الله وحذيفة بن أسيد وحذيفة بن اليمان وخالد بن عرفطة ورافع بن خديج
والزبير بن العوام وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت والسايب بن يزيد وسعد بن المدحاش
وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد وسفينة وسلمان بن خالد الخزاعى وسلمان الفارسى
وسلمان بن الأكوع وصهيب بن سنان وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن أبى أوفى وعبد
الله بن الزبير وعبد الله بن زغب وقيل إنه لا صحبة له وعبد الله بن عباس وعبد الله
بن عمر وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن ابن عوف وعتبة بن غزوان وعثمان بن عفان
والعرس بن عميرة وعفان ابن حبيب وعقبة بن عامر وعلى بن أبى طالب وعمار بن ياسر
وعمر بن الخطاب وعمران ابن حصين وعمرو بن حريث وعمرو بن عنبسة وعمرو بن عوف وعمرو
بن مرة الجهنى وقيس بن سعد بن عبادة وكعب بن قطنة ومعاذ بن جبل ومعاوية بن حيدة
ومعاوية ابن أبى سفيان والمغيرة بن شعبة والمنقع التميمى ونبيط بن شريط وواثلة بن
الأسقع ويزيد بن أسد ويعلى بن مرة وأبو أمامة وأبو بكر الصديق وأبو الحمراء وأبو
ذر
272 وأبو رافع وأبو رمثة وأبو سعيد الخدرى وأبو
عبيدة بن الجراح وأبو قتادة وأبو قرصافة وأبو كبشة الأنمارى وأبو موسى الأشعرى
وأبو موسى الغافقى وأبو ميمون الكردى وأبو هريرة وأبو العشراء الدارمى عن أبيه
وأبو مالك الأشجعى عن أبيه وعائشة أم أيمن فهؤلاء خمسة وسبعون نفسا يصح من نحو
حديث نحو عشرين منهم اتفق الشيخان على إخراج أحاديث أربعة منهم وانفرد البخارى
بثلاثة ومسلم بواحد وإنما يصح من حديث خمسة من العشرة والباقى أسانيدها ضعيفة ولا
يمكن التواتر فى شئ من طرق هذا الحديث لأنه يتعذر وجود ذلك فى الطرفين والوسط بل
بعض طرقه الصحيحة إنما هى افراد عن بعض رواتها وقد زاد بعضهم فى عدد هذا الحديث
حتى جاوز الماية ولكنه ليس هذا المتن وإنما هى أحاديث فى مطلق الكذب عليه كحديث من
حدث عنى بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ونحو ذلك فحذفتها لذلك ولم اعدها
فى طرق الحديث وقد أخبرنى بعض الحفاظ أنه رأى فى كلام بعض الحفاظ أنه رواه مائتان
من الصحابة ثم رأيته بعد ذلك فى شرح مسلم للنووى ولعل هذا محمول على الأحاديث
الواردة فى مطلق الكذب لا هذا المتن بعينه والله أعلم الأمر السادس قول المصنف أن من سئل عن
ابراز مثال للمتواتر أعياه تطلبه ثم لم يذكر مثالا إلا حديث من كذب على وقد وصف
غيره من الأئمة عدة أحاديث بأنها متواترة فمن ذلك أحاديث حوض النبى صلى الله عليه وسلم ورد ذلك عن أزيد من ثلاثين
صحابيا واوردها البيهقى فى كتاب البعث والنشور أفردها المقدسى بالجمع قال القاضى
عياض وحديثه متواتر بالنقل رواه خلائق من الصحابة فذكر جماعة من رواته ثم قال وفى
بعض هذا ما يقتضى كون الحديث متواترا ومن ذلك أحاديث الشفاعة فذكر القاضى عياض
أيضا أنه بلغ مجموعها التواتر ومن ذلك أحاديث المسح على الخفين فقال ابن عبد البر
رواه نحو أربعين من الصحابة واستفاض وتواتر وكذا قال ابن حزم فى المحلى أنه نقل
تواتر يوجب العلم ومن ذلك أحاديث النهى عن الصلاة فى معاطن الابل قال ابن حزم فى
المحلى أنه نقل تواتر يوجب العلم ومن ذلك أحاديث النهى عن اتخاذ القبور مساجد قال
ابن حزم إنها متواترة ومن ذاك أحاديث رفع اليدين فى الصلاة للاحرام والركوع والرفع
منه قال ابن حزم إنها متواترة توجب يقين العلم
ومن ذلك الأحاديث الواردة فى قول المصلى ربنا لك الحمد ملء السموات وملء
الأرض وملء ما شئت من شئ بعد قال ابن حزم إنها أحاديث متواترة
273 النوع الحادى والثلاثون معرفة الغريب
والعزيز
قوله وينقسم الغريب أيضا من وجه آخر
فمنه ما هو غريب متنا وإسنادا ومنه ما هو غريب إسنادا لا متنا ثم قال ولا أرى هذا
النوع ينعكس فلا يوجد إذا ما هو غريب متنا وليس غريبا إسنادا إلا إذا اشتهر الحديث
الفرد عمن تفرد به فرواه عنه عدد كثيرون فإنه يصير غريبا مشهورا وغريبا متنا وغير
غريب إسنادا لكن بالنظر إلى أحد طرفى الإسناد فإن إسناده متصف بالغرابة فى طرفه
الأول متصف بالشهرة فى طرفه الآخر كحديث إنما الأعمال بالنيات انتهى استبعد المصنف وجود حديث غريب متنا لا
إسنادا إلا بالنسبة إلى طرفى الإسناد وأثبت أبو الفتح اليعمرى هذا القسم مطلقا من
غير حمل له على ما ذكره المصنف فقال فى شرح الترمذى الغريب على أقسام غريب سندا
ومتنا ومتنا لا سندا وسندا لا متنا وغريب بعض السند فقط وغريب بعض المتن فقط ثم
أشار إلى أنه أخذ ذلك من كلام محمد بن طاهر المقدسى فانه قسم الغرايب والأفراد إلى
خمسة أنواع خامسها أسانيد ومتون ينفرد بها أهل بلد لا توجد إلا من روايتهم وسنن
يتفرد بالعمل بها أهل مصر لا يعمل بها فى غير مصرهم ثم تكلم أبو الفتح على الأقسام
التى ذكرها ابن طاهر إلى أن قال وأما النوع الخامس فيشمل الغريب كله سندا ومتنا أو
أحدهما دون الآخر
274 قال وقد ذكر أبو محمد بن أبى حاتم بسند
له أن رجلا سأل مالكا عن تخليل أصابع الرجلين فى الوضوء فقال له مالك إن شئت خلل
وإن شئت لا تخلل وكان عبد الله بن وهب حاضرا فعجب من جواب مالك وذكر لمالك فى ذلك
حديثا بسند مصرى صحيح وزعم أنه معروف عندهم فاستعاد مالك الحديث واستعاد السائل
فأمره بالتخليل هذا أو معناه انتهى كلامه
والحديث المذكور رواه أبو داود والترمذى من رواية ابن لهيعة عن يزيد بن
عمرو المغافرى عن أبى عبد الرحمن الحيلى عن المستورد بن شداد قال الترمذى حديث حسن
غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة انتهى
ولم ينفرد به ابن لهيعة بل تابعه عليه الليث بن سعد وعمرو بن الحريث كما
رواه ابن أبى حاتم عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه عبد الله بن وهب عن
الثلاثة المذكورين وصححه ابن القطان لتوثيقه لابن أخى ابن وهب فقد زالت الغرابة عن
الإسناد بمتابعة الليث وعمرو بن الحارث لابن لهيعة والمتن غريب والله أعلم ويحتمل أن يريد بكونه غريب المتن لا الإسناد
أن يكون ذلك الإسناد مشهورا جادة لعده من الأحاديث بأن يكونوا مشهورين برواية
بعضهم عن بعض ويكون المتن غريبا لانفرادهم به والله أعلم
276 النوع الثالث والثلاثون معرفة المسلسل
قوله ونوعه الحاكم أبو عبد الله إلى
ثمانية أنواع والذى ذكره فيها إنما هو صور وأمثلة ثمانية ولا انحصار لذلك فى
ثمانية كما ذكرناه انتهى قلت لم يحصر
الحاكم مطلق أنواع التسلسل إلى ثمانية أنواع وإنما ذكر أنواع التسلسل الدالة على
الاتصال لا مطلق المتسلسل ويظهر ذلك بعدها وتعبيره عنها فالأول
277 المسلسل بسمعت والثانى المسلسل بقولهم قم فصب
على حتى أريك وضوء فلان والثالث المسلسل بمطلق ما يدل على الاتصال من سمعت أو أنا
أو ثنا وإن اختلفت ألفاظ الرواة فى ألفاظ الأداء والرابع المسلسل بقولهم فان قيل
لفلان من أمرك بهذا قال يقول أمرنى فلان والخامس المسلسل بالأخذ باللحية وقولهم
آمنت بالقدر خيره وشره والسادس المسلسل بقولهم وعدهن فى يدى والسابع المسلسل
بقولهم شهدت على فلان والثامن المسلسل بالتشبيك باليد ثم قال الحاكم فهذه أنواع
المسلسل من الأسانيد المتصلة التى لا يشوبها تدليس وآثار السماع بين الراويين
ظاهرة انتهى فلم يذكر الحاكم من
المسلسلات إلا ما دل على الاتصال دون استيعاب بقية المسلسلات نعم بقى على الحاكم
عدة من المسلسلات الدالة على الاتصال لم يذكرها كالمسلسل بقوله أطعمنا وسقانا
والمسلسل بقوله أضافنا على الأسودين التمر والماء والمسلسل بقوله أخذ فلان بيدى
والمسلسل بالمصافحة والمسلسل بقص الأظفار يوم الخميس والله أعلم
278 النوع الرابع والثلاثون معرفة ناسخ الحديث
ومنسوخه
قوله وهو عبارة عن رفع الشارع حكما
منه متقدما بحكم منه متأخر فهذا حد وقع لنا سالم من اعتراضات وردت على غيره
انتهى وهذا الذى حده به المصنف تبع
فيه القاضى أبا بكر الباقلانى فإنه حده برفع الحكم واختاره الآمدى وابن الحاجب قال
الحازمى وقد أطبق المتأخرون على ما حده به القاضى أنه الخطاب الدال على ارتفاع
الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه قال الحازمى
وهذا حد صحيح انتهى وقد اعترض عليه بأن
التعبير برفع الحكم ليس بجيد لأن الحكم قديم لا يرتفع والجواب عنه أنه إنما المراد
برفع الحكم قطع تعليقه بالمكلف واعترض صاحب المحصول أيضا على هذا الحد بأوجه أخر
فى كثير منها نظر ليس هذا موضع إيرادها
279 قوله ومنها ما يعرف بقول الصحابى كما
رواه الترمذى وغيره عن أبى بن كعب أنه قال كان الماء من الماء رخصة فى أول الإسلام
ثم نهى عنها وكما أخرجه النسائى عن جابر بن عبد الله قال كان آخر الأمرين من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار فى أشباه لذلك
انتهى أطلق المصنف أن النسخ يعرف بقول
الصحابى لكن هل يكتفى بقوله هذا ناسخ أو هذا منسوخ أو لابد من التصريح بأن هذا
متأخر عن هذا فالذى ذكره الأصوليون كصاحب المحصول والآمدى وابن الحاجب أنه لابد من
إخباره بأن أحدهما متأخر ولا يكتفى بقوله هذا ناسخ لاحتمال أن يقوله عن اجتهاد
ونحن لا نرى ما يراه وحكى صاحب المحصول عن الكرخى أنه يكفى إخباره بالنسخ إذ لولا
ظهور النسخ فيه لم يطلقه وما ذهب إليه الكرخى هو الظاهر وفى عبارة الشافعى ما
يقتضى الاكتفاء بذلك فإنه قال ولا يستدل على الناسخ والمنسوخ إلا بخبر عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أو بوقت يدل على
أن أحدهما بعد الآخر أو بقول من سمع الحديث أو العامة هكذا رواه البيهقى فى المدخل
بإسناده إلى الشافعى فقوله أو بقول من سمع الحديث أراد به قول الصحابى مطلقا لا
قوله هذا متأخر فقط لأن هذه الصورة قد دخلت فى قوله أو بوقت يدل على أن أحدهما بعد
الآخر والله أعلم
280 قوله ومنها ما يعرف بالإجماع كحديث قتل
شارب الخمر فى المرة الرابعة فإنه منسوخ عرف نسخه بانعقاد الاجماع على ترك العمل
به انتهى وفيه أمور أحدها أنه ورد فى
الحديث نسخه فلا حاجة للاستدلال عليه بالإجماع أما المنسوخ فهو ما رواه أصحاب
السنن الاربعة من حديث معاوية قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فى الرابعة
فاقتلوه ورواه أحمد فى مسنده من حديث
عبد الله بن عمرو وشرحبيل بن أوس وصحابى لم يسم ورواه الطبرانى من حديث جرير بن
عبد الله والشريد بن أوس وأما الناسخ
فهو ما رواه البزار فى مسنده من رواية محمد بن اسحق عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد
الله أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فى الرابعة
فاقتلوه قال فأتى بالنعيمان قد شرب الرابعة فجلده ولم يقتله فكان ذلك ناسخا
للقتل قال البزار لا نعلم أحدا حدث به
إلا ابن اسحق وذكره الترمذى تعليقا من حديث ابن إسحق ثم قال وكذلك روى عن الزهرى
عن قبيصة بن ذؤيب عن النبى صلى الله عليه
وسلم نحو هذا قال فرفع القتل وكانت رخصة
انتهى وقبيصة ذكره بن عبد البر فى
الصحابة قال ولد فى أول سنة من الهجرة وقيل ولد عام الفتح قال ويقال إنه أتى به
للنبى صلى الله عليه وسلم ودعا له انتهى
281 والصحيح أنه ولد عام الفتح الثانى أن دعوى
الإجماع فى هذا ليس بجيد وان كان الترمذى قد سبق إلى ذلك فقال فى العلل التى فى
آخر الجامع جميع ما فى هذا الكتاب معمول به وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا
حديثين فذكر منهما حديث إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فى الرابعة فاقتلوه قال النووى فى شرح مسلم وهو كما قاله فهو
حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه وفيما قالوه نظر فقد روى أحمد بن حنبل فى مسنده عن
عبد الله بن عمرو أنه قال ائتوني برجل قد شرب الخمر فى الرابعة فلكم على أن أقتله
وحكى أيضا عن الحسن البصرى وهو قول ابن حزم فلا إجماع إذا وإن قلنا إن خلاف أهل
الظاهر لا يقدح فى الإجماع على أحد القولين فقد قال به بعض الصحابة والتابعين
والله أعلم الثالث إذا ظهر أن الخلاف
فى قتل شارب الخمر فى الرابعة موجود فينبغى أن يمثل بمثال آخر أجمعوا على ترك
العمل به فنقول روى أبو عيسى الترمذى من حديث جابر قال كنا إذا حججنا مع
النبى صلى الله عليه وسلم نلبى عن النساء ونرمى عن الصبيان قال الترمذى
بعد تخريجه هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال وقد أجمع أهل العلم أن المرأة لا يلبى
عنها غيرها هى تلبى عن نفسها فهذا حديث قد أجمعوا على ترك العمل به وهو فى كتاب
الترمذى فكان ينبغى له أن يستثنيه فى العلل حين استثنى الحديثين المتقدمين والجواب عن الترمذى من ثلاثة أوجه أحدها أن
هذا الحديث قد قال ببعضه بعض أهل العلم وهو الرمى عن الصبيان فلم يجمع على ترك
العمل بجميع الحديث والوجه الثانى أن
هذا الحديث قد اختلف فى لفظه على ابن نمير فرواه الترمذى عن محمد بن إسماعيل
الواسطى عنه هكذا ورواه أبو بكر بن أبى شيبة عن ابن نمير بلفظ حججنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء
والصبيان فلبينا عن الصبيان وروينا عنهم هكذا رواه ابن أبى شيبة فى المصنف ومن
طريقه رواه ابن ماجه فى سننه قال أبو الحسن بن القطان وهذا أولى بالصواب وأشبه به
انتهى وإذا ترجح أن لفظ رواية الترمذى
غلط فلك أن تقول نحن لا نحكم على الحديث
282 بالنسخ عند ترك العمل به إجماعا إلا إذا
علمنا صحته وقد أشار إلى ذلك الفقيه أبو بكر الصيرفى فى كتاب الدلائل عند الكلام
على تعارض حديثين فقال فان أجمع على إبطال حكم أحدهما فأحدهما منسوخ أو غلط والآخر
ثابت فيمكن حمل كلام الصيرفى على ما إذا لم يثبت الحديث الذى أجمع عن ترك العمل به
فإن الحكم عليه بالنسخ فرع عن ثبوته ويمكن حمل كلامه على ما إذا كان صحيحا أيضا
وهو خبر آحاد وأجمعوا على ترك العمل به ولا يتعين المصير إلى النسخ لاحتمال وجود
الغلط من راويه فهو كما قال منسوخ أو غلط والله أعلم الوجه الثالث أن الحافظ محب الدين الطبرى فى
كتاب القرى حمل لفظ رواية الترمذى فى هذا الحديث على أن المراد رفع الصوت بالتلبية
لا مطلق التلبية وأن فيه استعمال المجاز بجعله عن النساء للاجتزاء بجهر الرجال
بالتلبية عن استحبابه فى حق النساء فكأن الرجال قاموا بذلك عن النساء وفيه تكلف
وبعد والله أعلم
286 النوع السادس والثلاثون معرفة مختلف الحديث
قوله كالترجيح بكثرة الرواة أو
بصفاتهم فى خمسين وجها من وجوه الترجيحات فأكثر ولتفصيلها موضع غير ذا انتهى اقتصر المصنف على هذا المقدار من وجوه
الترجيح وتبع فى ذاك الحازمى فانه قال فى كتاب الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ ووجوه
الترجيحات كثيرة أنا أذكر معظمها فذكر خمسين وجها ثم قال فهذا القدر كاف فى ذكر
الترجيحات وثم وجوه كثيرة اضربتا عن ذكرها كى لا يطول به هذا المختصر انتهى كلام
الحازمى ووجوه الترجيحات تزيد على
المائة وقد رأيت عدها مختصرا فأبدأ بالخمسين التى عدها الحازمى ثم أسرد بقيتها على
الولاء الأول كثرة الرواة الثانى كون أحد الراويين اتقن واحفظ الثالث كونه متفقا
على عدالته الرابع كونه بالغا حالة التحمل الخامس كون سماعه تحديثا والآخر عرضا
السادس كون أحدهما سماعا أو عرضا والآخر كتابة أو وجادة أو مناولة السابع كونه
مباشرا لما رواه الثامن كونه صاحب القصة التاسع كونه أحسن سياقا واستقصاء العاشر
كونه أقرب مكانا من النبى صلى الله عليه
وسلم حالة تحمله الحادى عشر كونه أكثر ملازمة لشيخه الثانى عشر كونه سمعه من مشايخ
بلده الثالث عشر كون أحد الحديثين له مخارج الرابع عشر كون إسناده حجازيا الخامس
عشر كون رواته من بلد لا يرضون بالتدليس السادس عشر دلالة ألفاظه على الاتصال
كسمعت وحدثنا السابع عشر كونه مشاهدا لشيخه عند الأخذ الثامن عشر كون الحديث لم
يختلف فيه التاسع عشر كون راويه لم يضطرب لفظه العشرون كون الحديث متفقا على رفعه
الحادى والعشرون كونه متفقا على اتصاله الثانى والعشرون كون راويه لا يجيز الرواية
بالمعنى الثالث والعشرون كونه فقيها الرابع والعشرون كونه صاحب كتاب يرجع اليه
الخامس والعشرون كون أحد الحديثين نصا وقولا والآخر ينسب اليه
287 استدلالا واجتهادا والسادس والعشرون كون
القول يقارنه الفعل السابع والعشرون كونه موافقا لظاهر القرآن الثامن والعشرون
كونه موافقا لسنه أخرى التاسع والعشرون كونه موافقا للقياس الثلاثون كونه معه حديث
آخر مرسل أو منقطع الحادى والثلاثون كونه عمل به الخلفاء الراشدون الثانى
والثلاثون كونه معه عمل الأمة الثالث والثلاثون كون ما تضمنه من الحكم منطوقا الرابع
والثلاثون كونه مستقلا لا يحتاج إلى إضمار الخامس والثلاثون كون حكمه مقرونا بصفة
والآخر بالاسم السادس والثلاثون كونه مقرونا بتفسير الراوى السابع والثلاثون كون
أحدهما قولا والآخر فعلا فيرجح الثامن والثلاثون كونه لم يدخله التخصيص التاسع
والثلاثون كونه غير مشعر بنوع قدح فى الصحابة الأربعون كونه مطلقا والآخر ورد على
سبب الحادى والأربعون كون الاشتقاق يدل عليه دون الآخر الثانى والأربعون كون أحد
الخصمين قائلا بالخبرين الثالث والأربعون كون أحد الحديثين فيه زيادة الرابع
والأربعون كونه فيه احتياط للفرض وبراءة الذمة الخامس والأربعون كون أحد الحديثين
له نظير متفق على حكمه السادس والأربعون كونه يدل على التحريم والآخر على الإباحة
السابع والأربعون كونه يثبت حكما موافقا لما قبل الشرع فقيل هو أولى وقيل هما سواء
الثامن والأربعون كون أحد الخبرين مسقطا للحد فقيل هو أولى وقيل لا يرجح التاسع
والأربعون كونه إثباتا يتضمن النقل عن حكم العقل والآخر نفيا يتضمن الإقرار على
حكم العقل الخمسون كون الحديثين فى
الأقضية وراوى أحدهما على أو فى الفرائض وراوي أحدهما زيد أو فى الحلال والحرام
وراوى أحدهما معاذ وهلم جرا فالصحيح الذى عليه الأكثرون الترجيح بذلك الحادى
والخمسون كونه أعلا إسنادا الثانى والخمسون كون راويه عالما بالعربية الثالث
والخمسون كونه عالما باللغة الرابع والخمسون كونه أفضل فى الفقه أو العربية أو
اللغة الخامس والخمسون كونه حسن الاعتقاد السادس والخمسون كونه ورعا السابع والخمسون
كونه جليسا للمحدثين أو غيرهم من العلماء الثامن والخمسون كونه أكثر مجالسة لهم
التاسع والخمسون كونه عرفت عدالته بالاختبار والممارسة وعرفت عدالة الآخر بالتزكية
أو العمل على روايته الستون كون المزكى
زكاه وعمل بخبره وزكى الآخر وروى خبره الحادى والستون
288 كونه ذكر سبب تعديله الثانى والستون كونه ذكرا
الثالث والستون كونه حرا الرابع
والستون شهرة الراوى الخامس والستون شهرة نسبه السادس والستون عدم التباس اسمه
السابع والستون كونه له إسم واحد على من له إسمان فأكثر الثامن والستون كثرة
المزكين التاسع والستون كثرة علم المزكين السبعون كونه دام عقله فلم يختلط هكذا أطلقه جماعة وشرط فى المحصول مع ذلك
أنه لا يعلم هل رواه فى حال سلامته أو اختلاطه الحادى والسبعون تأخر إسلام الراوى
وقيل عكسه وبه جزم الآمدى الثانى
والسبعون كونه من أكابر الصحابة الثالث والسبعون كون الخبر حكى سبب وروده إن كانا
خاصين فإن كانا عامين فبالعكس الرابع والسبعون كونه حكى فيه لفظ الرسول الخامس
والسبعون كونه لم ينكره راوى الأصل أو لم يتردد فيه السادس والسبعون كونه مشعرا بعلو شأن
الرسول وتمكنه السابع والسبعون كونه مدنيا والآخر مكى الثامن والسبعون كونه متضمنا
للتخفيف وقيل بالعكس التاسع والسبعون كونه مطلق التاريخ على المؤرخ بتاريخ مؤخر
الثمانون كونه مؤرخا بتاريخ مؤخر على مطلق التاريخ الحادى والثمانون كون الراوى
تحمله فى الإسلام على ما تحمله راويه فى الكفر أو شك فيه الثانى والثمانون كون الحديث
لفظه فصيحا والآخر ركيكا الثالث والثمانون كونه بلغة قريش الرابع والثمانون كون
لفظه حقيقة الخامس والثمانون كونه أشبه بالحقيقة السادس والثمانون كون أحدهما
حقيقة شرعية والآخر حقيقة عرفية أو لغوية السابع والثمانون كون أحدهما حقيقة عرفية
والآخر حقيقة لغوية الثامن والثمانون كونه يدل على المراد من وجهين التاسع والثمانون كونه يدل على المراد بغير
واسطة التسعون كونه يومى إلى علة الحكم الحادى والتسعون كونه ذكر معه معارضة
الثانى والتسعون كونه مقرونا بالتهديد الثالث والتسعون كونه أشد تهديدا الرابع
والتسعون كون أحد الخبرين يقل فيه اللبس الخامس والتسعون كون اللفظ متفقا على وضعه
لمسماه السادس والتسعون كونه منصوصا على حكمه مع تشبيهه لمحل آخر السابع والتسعون
كونه مؤكدا بالتكرار الثامن والتسعون كون أحد الخبرين دلالته بمفهوم الموافقة
289 والآخر بمفهوم المخالفة وقيل بالعكس
التاسع والتسعون كونه قصد به الحكم المختلف فيه ولم يقصد بالآخر ذلك المائة كون
أحد الخبرين مرويا بالإسناد والآخر معزوا إلى كتاب معروف الحادى بعد المائة كون أحدهما معزوا إلى
كتاب معروف والآخر مشهور الثانى بعد
المائة كون أحدهما اتفق عليه الشيخان الثالث بعد المائة كون العموم فى أحد الخبرين
مستفادا من الشرط والجزاء والآخر من النكرة المنفية الرابع بعد المائة كون الخطاب
فى أحدهما تكليفيا وفى الآخر وضعيا الخامس بعد المائة كون الحكم فى أحد الخبرين
معقول المعنى السادس بعد المائة كون الخطاب فى أحدهما شفاهيا فيقدم على خطاب
الغيبة فى حق من ورد الخطاب عليه السابع بعد المائة كون الخطاب على الغيبة فيقدم
على الشفاهى فى حق الغائبين الثامن بعد المائة كون أحد الخبرين قدم فيه ذكر العلة
وقيل بالعكس التاسع بعد المائة كون العموم فى أحدهما مستفادا من الجمع المعرف فيقدم
على المستفاد من ما ومن العاشر بعد المائة كونه مستفادا من الكل فيقدم على
المستفاد من الجنس المعرف لاحتمال العهد وثم وجوه أخر للترجيح فى بعضها نظر وفى
بعض ما ذكر أيضا نظر وإنما ذكرت هذا أيضا منها لقول المصنف أن وجوه الترجيح خمسون
فأكثر والله أعلم
291
النوع التاسع والثلاثون معرفة
الصحابة
قوله فالمعروف من طريقة أهل الحديث
أن كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فهو من الصحابة قال البخارى فى صحيحه
من صحب النبى صلى الله عليه وسلم أو رآه
من المسلمين فهو صحابى من أصحابه انتهى
292 والحد الذى ذكر المصنف أنه المعروف لا
يدخل فيه من لم يره صلى الله عليه
وسلم لمانع كالعمى كابن أم مكتوم مثلا وهو
داخل فى الحد الذى ذكره البخارى وفى دخول الأعمى الذى جئ به إلى النبى صلى الله عليه وسلم مسلما ولم يصحبه ولم يجالسه فى عبارة البخارى
نظر فالعبارة السالمة من الاعتراض أن يقال الصحابى من لقى النبى صلى الله عليه وسلم مسلما ثم مات على الإسلام ليخرج بذلك من ارتد
ومات كافرا كعبد الله بن خطل وربيعة بن أمية ومقيس بن صبابة ونحوهم ولا شك أن هؤلاء لا يطلق عليهم اسم الصحابة
وهم داخلون فى الحد إلا أن نقول بأحد قولى الأشعرى أن إطلاق اسم الكفر والايمان هو
باعتبار الخاتمة فإن من مات كافرا لم يزك كافرا ومن مات مسلما لم يزل مسلما فعلى
هذا لم يدخل هؤلاء فى الحد أما من
ارتد منهم ثم عاد إلى الاسلام فى حياته
صلى الله عليه وسلم فالصحبة عائدة
إليهم بصحبتهم له ثانيا كعبد الله بن أبى سرح وأما من ارتد منهم فى حياته وبعد
موته ثم عاد إلى الإسلام بعد موته صلى
الله عليه وسلم كالأشعث بن قيس ففى عود
الصحبة له نظر عند من يقول إن الردة محبطة للعمل وإن لم يتصل بها الموت وهو قول
أبى حنيفة وفى عبارة الشافعى فى الأم
ما يدل عليه نعم الذى حكاه الرافعى عن الشافعى أنها إنما تحبط العمل بشرط اتصالها
بالموت ووراء ذلك أمور فى اشتراط أمور أخر من التمييز أو البلوغ فى الرأى واشتراط
كون الرؤية بعد النبوة أو أعم من ذلك واشتراط كونه صلى الله عليه وسلم حيا حتى يخرج ما لو رآه بعد موته قبل الدفن
واشتراط كون الرؤية له فى عالم الشهادة دون عالم الغيب فأما التمييز فظاهر كلامهم
اشتراطه كما هو موجود فى كلام يحيى بن معين وأبى زرعة وأبى حاتم وأبى داود وابن
عبد البر وغيرهم وهم جماعة أتى بهم النبى
صلى الله عليه وسلم وهم أطفال فحنكهم ومسح وجوههم أو تفل فى أفواههم فلم
يكتبوا لهم صحبة كحمد بن حاطب بن الحارث وعبد الرحمن بن عثمان التيمى ومحمود ابن
الربيع وعبيد الله بن معمر وعبد الله بن الحارث بن نوفل وعبد الله بن أبى طلحة
ومحمد بن ثابت بن قيس بن شماس ويحيى بن خلاد بن رافع الزرقى ومحمد بن طلحة ابن
عبيد الله وعبد الله بن ثعلبة بن صعير وعبد الله بن عامر بن كريز وعبد الرحمن ابن
عبد القارى ونحوهم
293 فأما محمد بن حاطب فإنه ولد بأرض الحبشة
قال يحيى بن معين له رواية ولا تذكر له صحبة وأما عبد الرحمن بن عثمان التميى فقال
أبو حاتم الرازى كان صغيرا له رؤية وليست له صحبة وأما محمود بن الربيع فهو الذى
عقل منه صلى الله عليه وسلم مجة مجها فى وجهه وهو ابن خمس سنين كما ثبت فى
صحيح البخارى وقال أبو حاتم له رؤية وليست له صحبة وأما عبيد الله بن معمر فقال ابن عبد البر
ذكر بعضهم أن له صحبة وهو غلط بل له رؤية وهو غلام صغير وأما عبد الله بن الحارث
بن نوفل فإنه الملقب بشبة ذكر ابن عبد البر أنه ولد على عهده صلى الله عليه وسلم وأنه أتى به فحنكه ودعا له قال العلائى فى كتاب جامع التحصيل ولا صحبة
له بل ولا رؤية قطعا وحديثه مرسل قطعا
وأما عبد الله بن أبى طلحة فهو أخو أنس لأمه وأتى به النبى صلى الله عليه وسلم فحنكه كما ثبت فى الصحيح قال العلائى ولا يعرف له رؤية بل هو تابعى
وحديثه مرسل وأما محمد بن ثابت ابن قيس بن شماس فأتى به النبى صلى الله عليه وسلم فحنكه وسماه محمدا قال العلائى وليست له صحبة
فحديثه مرسل وأما ابن حبان فذكره فى الصحابة وأما يحيى ابن
جلاد بن رافع الزرقى فذكر ابن عبد البر أنه اتى به النبى صلى الله عليه وسلم فحنكه وسماه قال العلائى وهو تابعى لا يثبت له
رؤية وأما محمد بن طلحة بن عبيد الله
فهو الملقب بالسجاد أتى به أبوه إلى النبى
صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه
وسماه محمدا وكناه أبا القاسم قال العلائى ولم يذكر أحد فيما وقفت عليه له رؤية بل
هو تابعى وأما عبد الله بن ثعلبة بن
صعير وقيل ابن أبى صعير فروى البخارى فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم مسح وجهه عام الفتح قال أبو حاتم رأى النبى صلى الله عليه وسلم وهو صغير قال العلائى قيل أنه لما توفى
النبى صلى الله عليه وسلم كان ابن أربع سنين وأما عبد الله بن عامر بن كريز فإن
النبى صلى الله عليه وسلم أتى به وهو صغير
فتفل
294 فى فيه من ريقه قال ابن عبد البر وما أظنه
سمع منه ولا حفظ عنه بل حديثه مرسل
وأما عبد الرحمن بن عبد القارى فقال أبو داود أتى به النبى صلى الله عليه وسلم وهو طفل قال ابن عبد البر ليس له سماع ولا
رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم بل هو من التابعين وذكر أبو حاتم أن يوسف بن
عبد الله بن سلام له رؤية ولا صحبة له انتهى
هذا مع كونه حفظ عن النبى صلى الله
عليه وسلم أنه رآه أخذ كسرة من خبز
شعير ووضع عليها تمرة وقال هذه إدام هذه
رواه أبو داود والترمذى فى الشمايل وروى أبو داود أيضا من حديث أنه سمع
النبى صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر ما على أحدكم إن وجد أن يتخذ ثوبين لجمعته
سوى ثوبى مهنته لا جرم أن البخارى عد
يوسف فى الصحابة فأنكر ذلك عليه أبو حاتم وقال له رؤية ولا صحبة له وممن أثبت له
بعضهم الرؤية دون الصحبة طارق بن شهاب فقال أبو زرعة وأبو داود له رؤية وليست له
صحبة انتهى وهذا ليس من باب الرؤية فى
الصغر فإن طارق بن شهاب هذا قد أدرك الجاهلية وغزا مع أبى بكر رضى الله عنه وإنما
يحمل هذا على أحد وجهين إما أن يكون رآه قبل أن يسلم فلم يره فى حالة إسلامه ثم
جاء فقاتل مع أبى بكر وإما أن يكون ذلك محمولا على أنهما لا يكتفيان فى حصول
الصحبة بمجرد الرؤية كما سيأتى نقله عن أهل الأصول وعلى هذا يحمل أيضا قول عاصم الأحول أن عبد
الله بن سرجس رأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم غير أنه لم يكن له صحبة قال ابن عبد
البر لا يختلفون فى ذكره فى الصحابة ويقولون له صحبة على مذهبهم فى اللقاء والرؤية
والسماع وأما عاصم الأحول فأحسبه أراد
الصحبة التى يذهب إليها العلماء وأولئك قليل انتهى وأما تمثيل الشيخ تاج الدين التبريزى فى
اختصاره لكتاب ابن الصلاح لمن رأى النبى
صلى الله عليه وسلم كافرا ثم أسلم
بعد وفاته كعبد الله بن سرجس وشريح فليس بصحيح لما ثبت فى صحيح مسلم من حديث عبد
الله بن سرجس قال رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما وذكر الحديث فى رؤيته لخاتم النبوة واستغفار
النبى صلى الله عليه وسلم له والصحيح أيضا أن شريحا القاضى لم ير
النبى صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ولا
بعدها وهو تابعى أدرك الجاهلية وقد عده مسلم فى المخضرمين وذكره المصنف فيهم والله
أعلم
295 وأما اشتراط البلوغ فى حالة الرؤية فحكاه
الواقدى عن أهل العلم فقال رأيت أهل العلم يقولون كل من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أدرك الحلم فأسلم وعقل أمر الدين ورضيه فهو
عندنا ممن صحب النبى صلى الله عليه
وسلم ولو ساعة من نهار انتهى والصحيح أن البلوغ ليس شرطا فى حد الصحابى
وإلا لخرج بذلك من أجمع العلماء على عدهم فى الصحابة كعبد الله بن الزبير والحسن
والحسين رضى الله عنهم وأما كون المعتبر فى الرؤية وقوعها بعد النبوة فلم أر من
تعرض لذلك إلا ابن منده ذكر فى الصحابة زيد بن عمرو بن نفيل وإنما رأى النبى صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ومات قبلها وقد روى النسائى أن
النبى صلى الله عليه وسلم قال
إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده
وأما كون المعتبر فى الرواية وقوعها وهو حى فالظاهر اشتراطه فإنه قد انقطعت
النبوة بوفاته صلى الله عليه وسلم وأما كون رؤيته صلى الله عليه وسلم فى عالم الشهادة فالظاهر اشتراطه أيضا حتى لا
يطلق اسم الصحبة على من رآه من الملائكة والنبيين فى السماوات ليلة الإسراء أما
الملائكة فلم يذكرهم أحد فى الصحابة وقد استشكل ابن الأثير فى كتاب أسد الغابة ذكر
من ذكر منهم بعض الجن الذين آمنوا بالنبى
صلى الله عليه وسلم وذكرت أسما هم
فإن جبريل وغيره ممن رآه من الملائكة أولى بالذكر من هؤلاء وليس كما زعم لأن الجن
من جملة المكلفين الذين شملتهم الرسالة والبعثة فكان ذكر من عرف اسمه ممن رآه حسنا
بخلاف الملائكة والله أعلم وأما
الأنبياء الذين رآهم فى السماوات ليلة الإسراء الذين ماتوا منهم كإبراهيم ويوسف وموسى
وهرون ويحيى لا شك أنهم لا يطلق عليهم اسم الصحبة لكون رؤيتهم له بعد الموت مع كون
مقاماتهم أجل وأعظم من رتبة أكبر الصحابة وأما من هو حى إلى الآن لم يمت كعيسى صلى
الله عليه وسلم فإنه سينزل إلى الأرض فى آخر الزمان ويراه خلق من المسلمين فهل
يوصف من يراه بأنه من التابعين لكونه رأى من له رؤية من النبى صلى الله عليه وسلم أم المراد بالصحابة من لقيه
من أمته الذين أرسل إليهم حتى لا يدخل فيهم عيسى والخضر وإلياس على قول من يقول
بحياتهما من الأئمة هذا محل نظر ولم أر من تعرض لذلك من أهل الحديث والظاهر أن من
رآه منهم فى الأرض وهو حى له حكم الصحبة فإن كان الخضر أو إلياس حيا أو كان قد رأى
عيسى فى الأرض فالظاهر إطلاق اسم الصحبة عليهم فأما رؤية عيسى له فى السماء فقد
يقال السماء
296 ليست محلا للتكليف ولا لثبوت الأحكام الجارية
على المكلفين فلا يثبت بذلك اسم الصحبة لمن رآه فيها وأما رؤيته لعيسى فى الأرض
فقد ثبت فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيتنى فى الحجر وقريش تسألنى عن مسراى
فتسألنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط فرفعه الله
لى أنظر إليه ما يسألوننى عن شئ إلا أنبأتهم به وقد رأيتنى فى جماعة من الأنبياء
الحديث وفيه وإذا عيسى بن مريم قائم يصلى الحديث وفيه فحانت الصلاة فأممتهم فلما
فرغت من الصلاة قال قائل يا محمد هذا مالك خازن النار فسلم عليه فالتفت إليه
فبدأنى بالسلام وظاهر هذا أنه رآه ببيت المقدس وإذا كان كذلك فلا مانع من اطلاق
الصحبة عليه لأنه حين ينزل يكون مقتديا بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم لا بشريعته المتقدمة وروى أحمد فى مسنده من
حديث جابر مرفوعا لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعنى والله
أعلم قوله وبلغنا عن أبى المظفر
السمعانى المروزى أنه قال أصحاب الحديث يطلقون على كل من روى عنه حديثا أو كلمه
ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة وهذا لشرف منزلة النبى صلى الله عليه وسلم اعطوا كل من رآه حكم الصحبة وذكر أن اسم
الصحابى من حيث اللغة والظاهر يقع على من طالت صحبته للنبى صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له على طريق
التبع والأخذ عنه قال وهذا طريق الأصوليين انتهى وفيما قاله ابن السمعانى نظر من وجهين
أحدهما أن ما حكاه عن أهل اللغة قد نقل القاضى أبو بكر بن الباقلانى إجماع أهل
اللغة على خلافه كما نقله عنه الخطيب فى الكفاية أنه قال لا خلاف بين أهل اللغة أن
الصحابى مشتق من الصحبة وأنه ليس
297 بمشتق من قدر منها مخصوص بل هو جار على كل من
صحب غيره قليلا كان أو كثيرا يقال صحبت فلانا حولا ودهرا وسنة وشهرا ويوما وساعة
قال وذلك يوجب فى حكم اللغة إجراءها على من صحب النبى صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار هذا هو الأصل فى اشتقاق الاسم ومع
ذلك فقد تقرر للأئمة عرف فى أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته
واستمر لقاؤه ولا يجرون ذلك على من لقى المرء ساعة ومشى معه خطا وسمع منه حديثا
فوجب لذلك أن لا يجرى هذا الاسم فى عرف الأستعمال الا على من هذه حاله انتهى الوجه الثانى أن ما حكاه عن الأصوليين هو
قول بعض أئمتهم والذى حكاه الآمدى عن أكثر اصحابنا أن الصحابى من رآه وقال إنه
الأشبه واختاره ابن الحاجب نعم الذى اختاره القاضى أبو بكر ونقله عن الأئمة أنه
يعتبر فى ذلك كثرة الصحبة واستمرار اللقاء وتقدم أن ابن عبد البر حكى عن العلماء
نحو ذلك وبه جزم ابن الصباغ فى كتاب العدة فى أصول الفقه فقال الصحابى هو الذى لقى
النبى صلى الله عليه وسلم وأقام عنده واتبعه فأما من وفد عليه وانصرف عنه
من غير مصاحبة ومتابعة فلا ينصرف إليه هذا الاسم قوله وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه كان
لا يعد الصحابى إلا من أقام مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين وكأن المراد بهذا
إن صح عنه راجع إلى المحكى عن الأصوليين ولكن فى عبارته ضيق يوجب أن لا يعد من
الصحابة جرير بن عبد الله البجلى ومن شاركه فى فقد ظاهر ما اشترطه فيهم ممن لا
يعرف خلافا فى عده من الصحابة انتهى وفيه أمران أحدهما أن المصنف علق القول بصحة
ذلك عن سعيد بن المسيب وهو لا يصح عنه فإن فى الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدى
وهو ضعيف فى الحديث
298 الأمر الثانى أنه اعترض على المصنف بأن
فى الأوسط للطبرانى أن جريرا أسلم فى أول البعثة وكأن المعترض أوقعه فى ذلك ما
رواه الطبرانى من رواية قيس بن أبى حازم عن جرير قال لما بعث النبى صلى الله عليه وسلم أتيته لأبايعه فقال لأى شئ جئت يا جرير قلت جئت
لأسلم على يديك قال فدعانى إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله وتقيم
الصلاة المكتوبة وتؤتى الزكاة المفروضة وتؤمن بالقدر خيره وشره قال فألقى إلى كساء
ثم أقبل على أصحابه فقال إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه وهو فى الكبير أيضا والجواب
عنه أن هذا الحديث غير صحيح فإنه من رواية الحصين بن عمر الأحمسى وهو منكر الحديث
كما قاله البخارى وضعفه أيضا أحمد وابن معين وأبو حاتم وغيرهم ولو كان صحيحا لما
كان فيه تقدم إسلامه لأنه لا تلزم الفورية فى جواب لما والصواب أن جريرا متأخر
الإسلام فقد ثبت فى الصحيحين عن إبراهيم النخعى أن إسلام جرير كان بعد نزول
المائدة وللبخارى عن إبراهيم أن جريرا كان من آخر من أسلم وعند أبى داود أيضا من حديث جرير أنه قال
ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة وإنما يريد بذلك أنه بعد نزول قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة
فاغسلوا وجوهكم الآية وإلا فقد نزل بعض
المائدة بعد إسلام جرير كما سيأتى ولكن لا يلزم من هذا أنه لم يقم معه سنة فإن
نزول الآية كان فى غزوة المريسيع على المشهور وكانت فى سنة ست والمعروف أن إسلامه
بدون سنة من وفاة النبى صلى الله عليه
وسلم فقد ذكر البخارى فى التاريخ الكبير
عن إبراهيم عن جرير وكان أتى النبى صلى
الله عليه وسلم فى العام الذى توفى فيه
وكذا قال الواقدى كان إسلامه فى السنة التى توفى فيها النبى صلى الله عليه وسلم ومن أطلق ذلك لا يريدون بذلك أنه أسلم فى سنة
إحدى عشرة إنما يريدون بذلك سنة ملفقة وصرح بذلك الخطيب فقال أسلم فى السنة التى
توفى فيها رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهى سنة عشر من الهجرة فى شهر رمضان
منها وكذا قال ابن حبان فى الصحابة إن
إسلامه كان فى سنة عشر من الهجرة فى شهر رمضان وأما ما جزم به ابن عبد البر فى
الاستيعاب أن جريرا قال أسلمت قبل وفاة النبى
صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما
فهذا لا يصح عن جرير ويرده ما ثبت فى الصحيحين من حديث جرير أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له فى حجة الوداع استنصت الناس
299 الحديث فكان إسلامه قبل حجة الوداع فى شهر
رمضان على المشهور فما استشكله المصنف على قول سعيد بن المسيب فى أمر جرير واضح لو
صح عنه ولكنه لم يصح عنه والله أعلم
قوله وروينا عن شعبة عن موسى السبلاني وأثنى عليه خيرا إلى آخره وقع فى
النسخ الصحيحة التى قرأت على المصنف السيلانى بفتح السين المهملة وفتح الباء
الموحدة والمعروف إنما هو بسكون الياء المثناة من تحت هكذا ضبطه السمعانى فى
الأنساب قوله ثم إن كون الواحد منهم
صحابيا تارة يعرف بالتواتر وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر وتارة بأن يروى عن
آحاد الصحابة أنه صحابى وتارة بقوله وإخباره عن نفسه بعد ثبوت عدالته بأنه صحابى
انتهى هكذا أطلق المصنف أنه يقبل قول
من ثبتت عدالته أنه صحابى وتبع فى ذلك الخطيب فإنه قال فى الكفاية فى آخر كلام
رواه عن القاضى أبى بكر الباقلانى ما صورته وقد يحكم بأنه صحابى إذا كان ثقة أمينا
مقبول القول إذا قال صحبت النبى صلى الله
عليه وسلم وكثر لقائى له فتحكم بأنه صحابى فى الظاهر لموضع عدالته وقبول خبره وإن
لم يقطع بذلك كما يعمل بروايته انتهى
والظاهر أن هذا الكلام بقية كلام القاضى أبو بكر فإنه يشترط فى الصحابى
كثرة الصحبة واستمرار اللقاء كما تقدم نقله عنه وأما الخطيب فلا يشترط ذلك على رأى
300 المحدثين وعلى كل تقدير فلابد من تقييد ما
أطلقه بأن يكون ادعاؤه لذلك يقتضيه الظاهر أما لو ادعاه بعد مائة سنة من
وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقبل ذلك منه كجماعة ادعوا الصحبة بعد
ذلك كأبى الدنيا الأشج ومكلبة بن ملكان ورتن الهندى فقد أجمع أهل الحديث على
تكذيبهم وذلك لما ثبت فى الصحيحين من حديث ابن عمر قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء فى آخر حياته فلما سلم
قام فقال أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر
الأرض أحد الحديث وكان إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك قبل موته بشهر كما ثبت فى صحيح مسلم من
حديث جابر قال سمعت النبى صلى الله عليه
وسلم يقول قبل أن يموت بشهر تسألوننى عن
الساعة وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة يأتى عليها
مائة سنة وفى رواية له ما من نفس منفوسة اليوم يأتى عليها مائة سنة وهى حية يومئذ
وهذه الرواية المقيدة باليوم يحمل عليها قوله
صلى الله عليه وسلم فى بعض طرق
حديث جابر عند مسلم ما من نفس منفوسة تبلغ مائة سنة فقد رأيت بعض أهل العلم استدل بهذه الرواية
على أن أحدا لا يعيش مائة سنة ونازعته فى ذلك فأصر عليه مع أن فى بقية الحديث عنده
فقال سالم يعنى ابن أبى الجعد وهو الراوى له عن جابر يذاكرنا ذلك عنده إنما هى كل
نفس مخلوقة يومئذ وعند مسلم أيضا من حديث أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتى مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة
اليوم والصواب أن ذلك محمول على
التقييد بالظرف فقد جاوز جماعة من العلماء الماية وحدثوا بعد الماية وهم معروفو
المولد كالقاضى أبى الطيب طاهر بن عبد الله الطبرى أحد أئمة الشافعية والحافظ أبى
طاهر أحمد بن محمد السلفى وغيرهما وقد ورد فى بعض طرق هذا الحديث أن المراد
بالمائة من الهجرة لا من وفاته صلى الله
عليه وسلم رواه أبو يعلى الموصلى فى مسنده
من رواية قيس بن وهب الهمدانى عن أنس قال حدثنا أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال لا يأتى مائة سنة من الهجرة ومنكم عين
تطرف وهذا يرد قول من ادعى أنه تأخر
بعد أبى الطفيل أحد من الصحابة كما سيأتى ذلك فى آخر من مات من الصحابة إن شاء
الله تعالى
301 فعلى هذا لا يقبل قول أحد أدعى الصحبة بعد
مائة سنة من الهجرة وكلام الأصوليين أيضا يقتضى ما ذكرناه فإنهم اشترطوا فى ثبوت
ذلك بادعائه أن يكون قد عرفت معاصرته للنبى
صلى الله عليه وسلم قال الآمدى فى الأحكام
فلو قال من عاصره أنا صحابى مع إسلامه وعدالته فالظاهر صدقه وحكاهما ابن الحاجب
احتمالين من غير ترجيح قال ويحمل أن لا يصدق لكونه متهما بدعوى رتبة يثبتها لنفسه
والله أعلم قوله الثانية للصحابة
بأسرهم خصيصة وهى أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم إلى أن قال وفى نصوص السنة
الشاهدة بذلك كثرة منها حديث أبى سعيد المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا أصحابى فوالذى نفسى بيده لو أن
أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة
ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم
302 فى الإجماع إحسانا للظن بهم ونظرا إلى ما
تمهد لهم من المآثر فكان الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة
الشريعة والله أعلم فيه أمران أحدهما
أنه اعترض على المصنف فى استدلاله بحديث أبى سعيد وذلك لأنه قاله النبى صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد لما تقاول
هو وعبد الرحمن ابن عوف أى أنه أراد بذلك صحبة خاصة والجواب أنه لا يلزم من كونه
ورد على سبب خاص فى شخص معين أنه لا يعم جميع أصحابه ولا شك أن خالدا من أصحابه
وإنه منهى عن سبه وإنما درجات الصحبة متفاوتة فالعبرة إذا بعموم اللفظ فى قوله لا
تسبوا أصحابى وإذا نهى الصحابى عن سب الصحابى فغير الصحابى أولى بالنهى عن سب
الصحابى الأمر الثانى أن ما حكاه
المصنف من إجماع الأمة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم كأنه أخذه من كلام ابن
عبد البر فإنه حكى فى الاستيعاب إجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة
والجماعة على أن الصحابة كلهم عدول انتهى
وفى حكاية الإجماع نظر ولكنه قول الجمهور كما حكاه ابن الحاجب والآمدى وقال
إنه المختار وحكيا معا قولا آخر انهم كغيرهم فى لزوم البحث عن عدالتهم مطلقا وقولا
آخر إنهم عدول إلى وقوع الفتن وأما بعد ذلك فلابد من البحث عمن ليس ظاهر العدالة
وذهب المعتزلة إلى تفسيق من قاتل على بن أبى طالب منهم وقيل يرد الداخلون فى الفتن
كلهم لأن أحد الفريقين فاسق من غير تعيين وقيل نقبل الداخل فى الفتن إذا انفرد لأن
الأصل العدالة وشككنا فى فسقه ولا يقبل مع مخالفه لتحقق فسق أحدهما من غير تعيين
والله أعلم
303 قوله ويلتحق بابن مسعود فى ذلك سائر
العبادلة المسمين بعبد الله من الصحابة وهم نحو مائتين وعشرون نفسا والله أعلم
انتهى وما ذكره من كون المسمين بعبد
الله من الصحابة نحو مائتين وعشرون ليس بجيد بل هم أكثر من ذلك بكثير وكأن المصنف
أخذ ما ذكره من الاستيعاب لابن عبد البر فإنه عد ممن اسمه عبد الله مائتين وثلاثين
ومنهم من لم يصحح له صحبة ومنهم من ذكره للمعاصرة من غير رؤية على قاعدته ومنهم من
كرره للاختلاف فى اسم أبيه ومنهم
304 من اختلف فى اسمه أيضا هل يسمى بعبد الله أو
غيره ومجموعهم أكثر من عشرة فبقى منهم نحو مائتين وعشرين نفسا كما ذكر ولكن قد فات
ابن عبد البر منهم جماعة ذكرهم غيره ممن صنف في الصحابة وذكر منهم الحافظ أبو بكر
بن فتحون فى ذيله على الاستيعاب مائة وأربعة وستين نفسا زيادة على من ذكرهم ابن
عبد البر ومنهم أيضا من عاصر ولم ير أو لم تصح له صحبة أو كرر للاخلاف فى اسم أبيه
كما تقدم ولكن يجتمع من المجموع نحو ثلاثمائة رجل والله أعلم قوله وروينا عن مسروق قال وجدت علم أصحاب
النبى صلى الله عليه وسلم انتهى إلى ستة
عمر وعلى وأبى وزيد وأبى الدرداء وعبد الله بن مسعود ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى
اثنين على وعبد الله وروينا نحوه عن مطرف عن الشعبى عن مسروق لكن ذكر أن أبا موسى
بدل أبى الدرداء انتهى
305 وقد يستشكل قول مسروق أن علم الستة
المذكورين انتهى إلى على وعبد الله من حيث أن عليا وابن مسعود ماتا قبل زيد بن
ثابت وأبى موسى الأشعرى بلا خلاف فكيف ينتهى علم من تأخرت وفاته إلى من مات قبله
وما وجه ذلك وقد يقال فى الجواب عن
ذلك أن المراد بكون علم المذكورين انتهى إلى على وعبد الله أنهما ضما علم المذكورين
إلى علمهما فى حياة المذكورين وإن تأخرت وفاة بعض المذكورين عنهما والله أعلم قوله وروينا عن أبى زرعة أيضا أنه قيل له
أليس يقال حديث النبى صلى الله عليه
وسلم أربعة آلاف حديث قال ومن قال ذا قلقل
الله أنيابه هذا قول الزنادقة ومن يحصى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر الفا من الصحابة ممن رآه وسمع
منه انتهى وفى هذا التحديد بهذا العدد
المذكور نظر كبير وكيف يمكن الاطلاع على تحرير ذلك مع تفرق الصحابة فى البوادى
والقرى والموجود عن أبى زرعة بالأسانيد المتصلة إليه ترك التحديد فى ذلك وانهم
يزيدون على مائة ألف كما رواه أبو موسى المدينى فى ذيله على الصحابة لابن منده
بإسناده إلى أبى جعفر أحمد بن عيسى الهمدانى قال
306 قال أبو زرعة الرازى توفى النبى صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من
رجل وامرأة وكل قدورى عنه سماعا أو رؤية انتهى وهذا قريب لكونه لا تحديد فيه بهذا
القدر الخاص وأما ما ذكره المصنف عن
أبى زرعة فلم أقف له على إسناد ولا هو فى كتب التواريخ المشهورة وقد ذكره أبو موسى
المدينى فى ذيله على الصحابى بغير إسناد فقال ذكر سليمان بن إبراهيم بخطه قال قيل
لأبى زرعة فذكره دون قوله قلقل الله أنيابه وقد جاء عن الشافعى أيضا عدة من توفى
عنه النبى صلى الله عليه وسلم من الصحابة ولكنه دون هذا بكثير ورواه أبو بكر
الساجى فى مناقب الشافعى عن محمد ابن عبد الله بن عبد الحكم قال أنبأنا الشافعى
قال قبض الله رسول الله صلى الله عليه
وسلم والمسلمون ستون ألفا ثلاثون بالمدينة
وثلاثون الفا فى قبايل العرب وغير ذلك وهذا إسناد جيد ومع ذلك فجميع من صنف
الصحابة لم يبلغ مجموع ما فى تصانيفهم عشرة آلاف مع هذا كونهم يذكرون من توفى فى
حياته صلى الله عليه وسلم فى المغازى وغيرها ومن عاصره وهو مسلم وإن لم
يره وجميع من ذكره ابن منده فى الصحابة كما قال أبو موسى قريب من ثلاثة آلاف
وثمانمائة ترجمة مما رآه أو صحبه أو سمع منه أو ولد فى عصره أو أدرك زمانه أو من
ذكر فيهم وإن لم يثبت ومن اختلف له فى ذلك ولا شك أنه لا يمكن حصرهم بعد فشو
الإسلام وقد ثبت فى صحيح البخارى أن كعب بن مالك قال فى قصة تخلفه عن غزوة تبوك
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير
لا يجمعهم كتاب حافظ يعنى الديوان الحديث هذا فى غزوة خاصة وهم مجتمعون فكيف بجميع
من رآه مسلما والله أعلم
307 قوله وفى نص القرآن تفضيل السابقين الأولين
من المهاجرين والأنصار إلى أن قال وعن محمد بن كعب القرظى وعطاء بن يسار أنهما
قالا هم أهل بدر روى ذلك عنهما ابن عبد البر فيما وجدناه عنه انتهى ولم يوصل ابن
عبد البر إسناده بذلك إليهما وإنما ذكره عن سنيد وإسناد سنيد فيه ضعيف جدا فإنه
رواه عن شيخ له لم يسم عن موسى بن عبيدة الربذى هو ضعيف
308 قوله اختلف السلف فى أولهم إسلاما فقيل أبو
بكر الصديق روى عن ابن عباس وحسان بن ثابت إلى آخر كلامه وقد اختلف على ابن عباس
فى ذلك على ثلاثة أقوال أحدها أبو بكر والثانى خديجة والثالث على وحكى المصنف
الأولين ولم يحك الثالث وسيأتى ذكره بعد هذا والله أعلم قوله قال الحاكم أبو عبد الله لا أعلم خلافا
بين أصحاب التواريخ أن على بن أبى طالب أولهم إسلاما واستنكر هذا من الحاكم انتهى
قلت إن كان الحاكم أراد بكلامه هذا من الذكور فهو قريب من الصحة إلا أن دعوى إجماع
أصحاب التواريخ على ذلك ليس بجيد فإن عمر بن شبة منهم وقد ادعى أن خالد بن سعيد بن
العاص أسلم قبل على بن أبى طالب وهذا وإن كان الصحيح خلافه فإنما ذكرته لدعوى
الحاكم نفى الخلاف بين المؤرخين وهو إنما ادعى نفى علمه بالخلاف ولا اعتراض عليه
فى ذلك ومع دعواه ذلك فقد صحح أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال البالغين فقال بعد
ذلك والصحيح عند الجماعة أن أبا بكر الصديق أول من أسلم من الرجال البالغين لحديث
عمرو بن عنبسة يريد بذلك ما رواه مسلم فى صحيحه من حديث عمرو بن عنبسة فى قصة
إسلامه
309 وقوله للنبى
صلى الله عليه وسلم من معك على هذا
قال حر وعبد قال ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به وكان ينبغى للحاكم أن يقول
من الرجال البالغين الأحرار كما قال المصنف فى آخر كلامه فإن المعروف عند أهل
السير أن زيد بن حارثة أسلم قبل أبى بكر
والصحيح أن عليا أول ذكر أسلم وحكى ابن عبد البر الاتفاق عليه كما
سيأتى وقال ابن إسحاق فى السيرة أول
من آمن خديجة ثم على بن أبى طالب وكان أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين ثم زيد بن
حارثة فكان أول ذكر أسلم بعد على ثم أبو بكر فأظهر إسلامه إلى آخر كلامه وما ذكرنا
أنه الصحيح من أن عليا أول ذكر أسلم هو قول أكثر الصحابة أبى ذر وسلمان الفارسى
وخباب بن الأرت وخزيمة بن ثابت وزيد بن أرقم وأبى أيوب الأنصارى والمقداد بن
الأسود ويعلى بن مرة وجابر بن عبد الله وأبى سعيد الخدرى وأنس بن مالك وعفيف
الكندى وأنشد أبو عبيد الله المرزبانى لخزيمة بن ثابت
ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا عن هاشم ثم منها عن أبى الحسن أليس أول من صلى لقبلتهم وأعلم الناس بالقرآن والسنن
وأنشد القضاعى لعلى رضى الله عنه
سبقتكم إلى الإسلام طرا صغيرا ما بلغت أوان حلمى
وأنشد ابن عبد البر لبكر بن حمام
التاهرتى
قل لابن ملجم والأقدار غالبة هدمت ويلك للاسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشى على قدم وأول الناس إسلاما وإيمانا
وأنشد الفرغانى فى الذيل لعبد الله
بن المعتز يذكر عليا وسابقته
وأول من ظل فى موقف يصلى مع الطاهر الطيب
وكان ابن المعتز يرمى بأنه ناصبى
والفضل ما شهدت به الأعداء
وذهب غير واحد من الصحابة والتابعين
إلى أن أول الصحابة إسلاما أبو بكر وهو قول ابن عباس فيما حكاه المصنف عنه كما
تقدم وحسان بن ثابت ورواه الترمذى أيضا عن أبى بكر نفسه من رواية أبى نضرة عن أبى
سعيد قال قال أبو بكر ألست أول من أسلم الحديث
310 ورواه أيضا من رواية أبى نضرة قال قال أبو
بكر قال وهذا أصح وإلى هذا ذهب إبراهيم النخعى والشعبى واستدل على ذلك بشعر حسان
كما رواه الحاكم فى المستدرك من رواية خالد بن سعيد قال سئل الشعبى من أول من أسلم
فقال أما سمعت قول حسان
إذا تذكرت شجوا من أخى ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها بعد النبى وأوفاها بما حملا
والثانى التالى المحمود مشهده وأول الناس منهم صدق الرسلا
هكذا رواه الحاكم فى المستدرك أن
الشعبى هو المسئول عن ذلك وراه الطبرانى فى المعجم الكبير من هذا الوجه فجعل ابن عباس
هو المسئول فقال عن الشعبى قال سألت ابن عباس من أول من أسلم قال أبو بكر أما سمعت
قول حسان فذكره إلا أنه قال إلا النبى مكان بعد النبى وقد روى عن ابن عباس من طرق أن أول من أسلم
على رواه الترمذى من رواية أبى بلج عن عمر بن ميمون عن ابن عباس قال أول من صلى
على وقال هذا حديث غريب وروى الطبرانى بإسناد صحيح من رواية عبد الرزاق عن معمر عن
ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال أول من أسلم على ومن رواية عبد الرزاق أيضا عن
معمر عن عثمان الجزرى عن مقسم عن ابن عباس مثله وروى مرفوعا من حديثه وحديث أبى ذر
وسلمان رواه الطبرانى أيضا من رواية مجاهد عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال السبق ثلاثة السابق إلى موسى يوشع بن نون
والسابق إلى عيسى صاحب ياسين والسابق إلى محمد
صلى الله عليه وسلم على بن أبى
طالب وفى إسناده حسين الأشقر واسم أبيه الحسن كوفى منكر الحديث قاله أبو زرعة وقال
البخارى فيه نظر وروى الطبرانى أيضا
من رواية أبى سخيلة عن أبى ذر وعن سلمان قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد على فقال إن هذا أول من آمن بى الحديث
وفى إسناده إسماعيل بن موسى السدى قال ابن عدى أنكروا منه غلوه فى
التشيع وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائى ليس به بأس
وروى الطبرانى أيضا من رواية
311 عليم الكندى عن سلمان قال أول هذه الأمة
ورودا على نبيها أولها إسلاما على بن أبى طالب رضى الله عنه وروى الطبرانى أيضا من رواية شريك عن أبى
إسحاق أن عليا لما تزوج فاطمة الحديث وفيه فقال النبى صلى الله عليه وسلم لقد زوجتكه وإنه لأول أصحابى سلما وأكثرهم علما
وأعظمهم حلما وهذا منقطع ورواه أحمد فى مسنده من وجه آخر من رواية نافع ابن أبى
نافع عن معقل بن يسار فى أثناء حديث قال عبد الله بن أحمد وجدت فى كتاب أبى بخط
يده فى هذا الحديث قال أما ترضين أن زوجتك أقدم أمتى سلما فذكره نافع ابن أبى نافع
هذا مجهول قاله على بن المدينى وجعله أبو حاتم نفيعا أبا داود أحد الهلكى وأما
المزى فجعله آخر ثقة تبعا لصاحب الكمال والأول هو الصواب وروى أحمد فى مسنده من
رواية حبة العرنى قال رأيت عليا عليه السلام يضحك على المنبر لم أره ضحك ضحكا أكثر
منه الحديث وفيه ثم قال اللهم لا أعترف أن عبدا من هذه الأمة عبدك قبلى غير نبيك
ثلاث مرات لقد صليت قبل أن يصلى الناس سبعا وروى أحمد أيضا من هذا الوجه عن على
قال أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وحبة بن جوين العرنى ضعفه
الجمهور وهو من غلاة الشيعة ووثقه العجلى وقد ورد عن ابن عباس أن خديجة أسلمت قبل
على رواه أحمد والطبرانى من رواية أبى بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس فذكر
فضايل لعلى ثم قال وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة وهذا إسناد جيد وأبو بلج وإن قال البخارى
فيه نظر فقد وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائى وابن سعد والدارقطنى وهذا يبين أنه
أراد بما تقدم نقله عنه من تقدم إسلام على أنه أراد من الذكور وقد نقل ابن عبد
البر الاتفاق عليه وجمع بين القولين الآخرين فى أبى بكر وعلى بما نذكره فقال
اتفقوا على أن خديجة أول من آمن ثم على بعدها ثم ذكر أن الصحيح أن أبا بكر أول من
أظهر إسلامه ثم روى عن محمد بن كعب القرظى أن عليا أخفى إسلامه من أبى طالب وأظهر
أبو بكر إسلامه ولذلك شبه على الناس وهذا وإن كان مرسلا ففى مسند أحمد من رواية
حبة العرنى عن على فى الحديث المتقدم فى ضحكه على المنبر أنه يذكر أبا طالب حين
اطلع عليه يصلى مع النبى صلى الله عليه
وسلم بنخلة الحديث وروى الطبرانى فى الكبير من رواية محمد بن
312 عبيد الله بن أبى رافع عن أبيه عن جده قال
صلى النبي صلى الله عليه وسلم غداة الإثنين وصلت خديجة يوم الإثنين من آخر
النهار وصلى على يوم الثلاثاء فمكث على يصلى مستخفيا سبع سنين وأشهرا قبل أن يصلى
أحد والتقييد بسبع سنين فيه نظر ولا يصح ذلك وفى إسناده يحيى بن الحميد الحمانى
وفى كلام ابن اسحق المتقدم نقله عنه ما يشير إلى هذا الجمع فإنه قال ثم أبو بكر
فأظهر إسلامه ففيه ما يشير إلى أن من أسلم قبله لم يظهر إسلامه وينبغى أن يقال إن
أول من آمن من الرجال ورقة بن نوفل لما ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة فى قصة بدء
الوحى ونزول اقرأ باسم ربك ورجوعه ودخوله على خديجة وفيه فانطلقت به
خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل فقالت له اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخى
ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه
وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس
الذى نزل الله على موسى يا ليتنى فيها جذعا الحديث إلى أن قال وإن يدركنى يومك
انصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحى ففى هذا أن الوحى تتابع فى
حياة ورقة وأنه آمن به وصدقه وقد روى
أبو يعلى الموصلى وأبو بكر البزار فى مسنديهما من رواية مجالد عن الشعبى عن جابر
بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة بن نوفل فقال ابصرته فى بطنان
الجنة عليه سندس لفظ أبى يعلى وقال البزار عليه حلة من سندس وروى البزار أيضا من
حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا تسبوا ورقة فإنى رأيت له جنة أو جنتين وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات
وقد ذكر ورقة فى الصحابة أبو عبد الله بن منده وقال اختلف فى إسلامه انتهى وما
تقدم من الأحاديث يدل على إسلامه والله أعلم
قوله آخرهم على الإطلاق موتا أبو الطفيل عامر بن واثلة مات سنة مائة
انتهى وقد اعترض عليه بأن عكراش بن
ذؤيب عاش بعد الجمل مائة سنة فيما حكاه ابن دريد فى الاشتقاق قلت هذا خطأ صريح ممن
زعم ذلك وابن دريد لا يرجع اليه فى ذلك وابن دريد أخذه من ابن قتيبة فانه حكى فى
المعارف هذه الحكاية التى حكاها ابن دريد
313 وابن قتيبة أيضا كثير الغلط ومع ذلك فالحكاية
بغير إسناد وهى محتملة لأنه إنما أراد أنه أكمل بعد ذلك مائة سنة وهو الظاهر فان
حاصل الحكاية المذكورة أنه حضر مع على وقعة الجمل وأنه مسح رأسه فعاش بعد ذلك مائة
سنة لم يشب فالظاهر أنه أراد أكمل مائة سنة
والصواب ما ذكره المصنف أن آخرهم موتا على الإطلاق أبو الطفيل ولم يختلف فى
ذلك أحد من أهل الحديث إلا قول جرير بن حازم أن آخر الصحابة موتا سهل بن سعد
والظاهر أنه أراد بالمدينة وأخذه من قول سهل حيث سمعه يقول لو مت لم تسمعوا أحدا
يقول قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم وانما كان خطابه هذا لأهل المدينة أو
أنه لم يطلق اسم الصحبة على أبى الطفيل فقد عده بعضهم فى التابعين وما ذكرناه من
أن أبا الطفيل آخرهم موتا جزم به مسلم بن الحجاج ومصعب بن عبد الله وأبو زكريا بن
منده وغيرهم وروينا فى صحيح مسلم بإسناده إلى أبى الطفيل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما على وجه الأرض رجل رآه غيرى وأما كون وفاته سنة مائة فروينا فى صحيح
مسلم من رواية إبراهيم بن محمد بن سفيان قال قال مسلم مات أبو الطفيل سنة مائة
وكان آخر من مات من أصحاب أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكذا قال شباب
العصفرى فيما رواه الحاكم فى المستدرك أنه مات سنة مائة وكذا جزم به ابن عبد البر
وفى وفاته أقوال آخر أحدها أنه بقى إلى سنة عشر ومائة وهو الذى صححه الذهبى فى
الوفيات وروى وهب بن جرير ابن حازم عن أبيه قال كنت بمكة سنة عشر ومائة فرأيت
جنازة فسألت عنها فقالوا هذا أبو الطفيل والقول الثانى أنه توفى سنة سبع ومائة
وجزم به أبو حاتم ابن حبان وابن قانع وأبو زكريا بن منده والقول الثالث أنه توفى سنة اثنين ومائة قال
مصعب بن عبد الله الزبيرى وكيف يظن عاقل أنه يتأخر رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى بلد من البلاد أو حى من
أحياء العرب بعد الصحابة أجمعهم بثلاثين سنة فأكثر لا يقصده أحد من التابعين
والرواة والعلماء ولا يطلع عليه أحد من المحدثين وقد ادعى جماعة بعد ذلك أن لهم
صحبة وهم فى ذلك كاذبون فقصدوا لذلك وأخذ عنهم أفيكون عكراش بن ذؤيب الذى
314 حديثه فى السنن واجتماعه به صلى الله عليه وسلم وأكله معه مشهور ثم لا يطلع عليه أحد ولا ينقل
فى خبر صحيح ولا ضعيف أنه لقيه أحد أو أخذ عنه أو عرفت وفاته هذا مالا يحتمل وقوعه
بوجه من الوجوه والله أعلم قوله فآخر
من مات منهم بالمدينة جابر بن عبد الله رواه أحمد بن حنبل عن قتادة وقيل سهل بن
سعد وقيل السائب بن يزيد انتهى وفيه أمران أحدهما أن كلام المصنف يقتضى ترجيح
القول الأول لأنه صدر كلامه به من غير أن يقدم اسم قائله وهو قول ضعيف لأن السائب
بن يزيد تأخر بعده وقد مات بالمدينة بلا خلاف والذى عليه الجمهور أن آخرهم موتا
بها سهل بن سعد قاله على بن المدينى وإبراهيم بن المنذر الحرامى والواقدى ومحمد بن
سعد وأبو حاتم بن حبان وابن قانع وأبو زكريا بن منده ونقل ابن سعد الاتفاق على ذلك
فقال ليس بيننا اختلاف فى ذلك وفى حكاية الإتفاق نظر لأنه اختلف فى وفاته هل كانت
بالمدينة أم لا فقال قتادة أنه توفى بمصر ولذلك جعل قتادة آخرهم وفاة بالمدينة
جابرا وقال أبو بكر بن أبى داود أنه توفى بالأسكندرية ولذلك جعل آخرهم وفاة
بالمدينة السائب بن يزيد والجمهور على أنه مات بالمدينة الأمر الثانى قد تأخر بعد الثلاثة المذكورين
بالمدينة ومحمود بن الربيع محمود بن لبيد فأما محمود بن الربيع فهو الذى عقل من
النبى صلى الله عليه وسلم مجة مجها فى
وجهه كما رواه البخارى فى صحيحه واستدل بذلك على صحة سماع الصغير وتوفى محمود بن
الربيع سنة تسع وتسعين بتقديم التاء على السين فيهما وأما محمود بن لبيد الأشهلى
فقد ذكر البخارى وابن حبان أن له صحبة وتوفى محمود بن لبيد سنة ست أو خمس وتسعين
فقد تأخر كل منهما عن الثلاثة المذكورين قطعا فإن سهل بن سعد والسائب بن يزيد أكثر
ما قيل ما تأخر وفاتهما إلى سنة إحدى وتسعين وهو قول ابن حبان فيهما وقيل سنة ثمان
وثمانين وقيل قبل ذلك إلا أن مسلم بن الحجاج وجماعة عدوا محمود بن لبيد فى
التابعين فعلى هذا يكون آخر الصحابة موتا بالمدينة محمود بن الربيع والله أعلم
315 قوله وآخر من مات منهم بالبصرة أنس بن
مالك قال أبو عمر بن عبد البر ما أعلم أحدا مات بعده ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا الطفيل انتهى أقر المصنف كلام ابن عبد البر على هذا وفيه
نظر فإن محمود بن الربيع تأخر بعد أنس بلا خلاف فإنه توفى سنة تسع وتسعين كما تقدم
وقد ثبت فى صحيح البخارى أنه رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعقل عنه كما
تقدم وأيضا فقد ذكر أبو زكريا بن منده فى جزء له جمعه فى آخر من مات من الصحابة عن
عكرمة بن عمار قال لقيت الهرماس ابن زياد سنة اثنين ومائة وقد ذكر المصنف بعد هذا عن بعضهم أنه آخر
من مات من الصحابة باليمامة فإن ثبت قول عكرمة بن عمار فقد تأخر أيضا بعد أنس
وأيضا فقد ذكر أبو عبد الله بن منده وأبو زكريا بن منده أن عبد الله بن بسر
المازنى توفى سنة ست وتسعين وهكذا قال عبد الصمد بن سعيد فعلى هذا يكون تأخر بعد
أنس أيضا لكن المشهور فى وفاة عبد الله بن بسر أنها فى سنة ثمانى وثمانين وأيضا فقد روى الخطيب فى كتاب المتفق
والمفترق عن محمد بن الحسن الزعفرانى أن عمرو بن حريث توفى سنة ثمان وتسعين فإن
كان كذلك فقد بقى بعد أنس أيضا وقيل أن عمرو بن حريث توفى سنة خمس وثمانين فعلى
هذا يكون وفاته قبل أنس والله أعلم
قوله وتبسط بعضهم فقال آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر عبد الله بن الحرث بن
جزء الزبيدى إلى آخر كلامه هذا الذى أبهم المصنف
316 ذكره هو أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن
منده فإنه قال ذلك فى جزء جمعه فى آخر من مات من الصحابة وبقى على المصنف مما ذكره
ابن منده آخران من الصحابة بريدة ابن الحصيب والعداء بن خالد بن هودة فقال أبو
زكريا بن منده أن بريدة آخر من مات بخراسان من الصحابة وأن العداء بن هودة آخر من
مات بالرخج منهم والرخج بضم الراء وسكون الخاء المعجمة بعدها جيم من أعمال سجستان
فكان ينبغى للمصنف أن يذكر بقية كلامه
ولكن ما ذكره فى بريدة فيه نظر فإن بريدة توفى بخراسان سنة ثلاث وستين كما
قال محمد بن سعد وكذا قال أبو عبيد أنه مات سنة ثلاث وستين وعلى هذا فقد تأخر بعده
بخراسان أبو برزة الأسلمى قال خليفة بن خياط وافى أبو برزى خراسان ومات بها بعد
سنة أربع وستين وقال الواقدى ومحمد بن سعد غزا خراسان ومات بها وكذا قال الخطيب
وقيل مات بنيسابور وقيل مات فى مفازة بين سجستان وهراة وقيل مات بالبصرة حكى هذه الأقوال الحاكم فى تاريخ نيسابور
ومما لم يذكره ابن منده ولا ابن الصلاح أن النابغة الجعدى آخر من مات من الصحابة
بأصبهان وقد ذكره أبو الشيخ ابن حيان طبقات الأصبهانيين وأبو نعيم فى تاريخ أصبهان
فيمن توفى بأصبهان وأنه عاش مائة وعشرين سنة وذكر عمر بن شبة عن أشياخه أنه عاش
مائة وثمانين سنة وأنشد قوله لعمر ثلاثة أهلين افنيتهم فقال له عمر كم لبثت مع كل أهل
قال ستين سنة وقال ابن قتيبة عمر
مائتين وعشرين سنة ومات بأصبهان قال ابن عبد البر وهذا
317 أيضا لا يدفع لأنه قال فى الشعر الذى أنشده
عمر أنه أفنى ثلاثة قرون كل قرن ستين سنة فهذه مائة وثمانون سنة ثم عمر إلى زمن
ابن الزبير وإلى أن هاجا أوس بن معن ثم ليلى الأخيلية واسم النابغة قيس بن عبد الله بن عدس هذا
هو المشهور وبه جزم أبو نعيم فى تاريخ أصبهان والسمعانى فى الأنساب وقيل اسمه حيان
بن قيس بن عبد الله حكاه ابن عبد البر وآخر من مات بالطائف من الصحابة عبد الله بن
عباس وآخر من مات بسمرقند منهم قثم ابن العباس
النوع الموفى أربعين معرفة التابعين
قوله قال الخطيب الحافظ التابعى من
صحب الصحابى قلت ومطلقه مخصوص بالتابعى بإحسان ويقال للواحد منهم تابع وتابعى
وكلام الحاكم أبى عبد الله وغيره مشعر بأنه يكفى فيه أن يسمع من الصحابى أو يلقاه
وإن لم توجد الصحبة العرفية والإكتفاء
فى هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه فى الصحابى نظرا إلى مقتضى اللفظين فيهما
انتهى وفيه أمور أحدها أن تقديم المصنف كلام الخطيب فى حد التابعى على كلام الحاكم
وغيره وتصديره به كلامه ربما يوهم ترجيحه على القول الذى بعده وليس كذلك بل الراجح
الذى عليه العمل قول الحاكم وغيره فلا في الإكتفاء بمجرد الرؤية دون اشتراط الصحبة
وعليه يدل عمل أئمة الحديث مسلم بن الحجاج وأبى حاتم بن حبان وأبى عبد الله الحاكم
وعبد الغنى بن سعيد وغيرهم وقد ذكر مسلم بن الحجاج فى كتاب
318 كتاب الطبقات سليمان بن مهران الأعمش فى طبقة
التابعين وكذلك ذكره ابن حبان فيهم
وقال إنما أخرجناه فى هذه الطبقة لأن له لقيا وحفظا رأى أنس بن مالك وإن لم
يصح له سماع المسند عن أنس وقال على بن المدينى لم يسمع الأعمش من أنس إنما رآه
رؤية بمكة يصلى خلف المقام فأما طرق
الأعمش عن أنس فإنما يرويها عن يزيد الرقاشى عن أنس وقال يحيى بن معين كل ما روى الأعمش عن أنس
فهو مرسل وقد أنكر على أحمد بن عبد الجبار العطاردى حديثه عن فضيل عن الأعمش قال
رأيت أنسا بال فغسل ذكره غسلا شديدا ثم توضأ ومسح على خفيه فصلى بنا وحدثنا فى
بيته وقال الترمذى لم يسمع من أحد من الصحابة وأما رواية الأعمش عن عبد الله بن
أبى أوفى عن النبى صلى الله عليه
وسلم أنه قال الخوارج كلاب النار فهو مرسل
فقد قال أبو حاتم الرازى أنه لم يسمع من ابن أبى أوفى وهذا الحديث وإن رواه إسحق
الأزرق عنه هكذا كما رواه ابن ماجه فى سننه فقد رواه عبيد الله بن نمير عن الأعمش
عن الحسين بن واقد عن أبى غالب عن أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم وليس للأعمش رواية عن أحد
من الصحابة فى شئ من الكتب الستة الا هذا الحديث الواحد عند ابن ماجه وكذلك عد عبد
الغنى بن سعيد الأزدى الأعمش فى التابعين فى جزء له جمع فيه من روى من التابعين عن
عمرو بن شعيب وكذلك عد فيهم أيضا يحيى بن أبى كثير لكونه لقى أنسا وقد قال أبو
حاتم الرازى أنه لم يدرك أحدا من الصحابة إلا أنس بن مالك فانه رآه رؤية ولم يسمع
منه كذا قال البخارى وأبو زرعة قال أبو زرعة وحديثه عن أنس مرسل قلت فى صحيح مسلم روايته عن أبى أمامة عن
عمرو بن عنبسة لحديث إسلامه ولكن
319 مسلما قرن رواية يحيى بن أبى كثير مع رواية
شداد أبى عمار وكان اعتماد مسلم على رواية شداد فقط فانه قال فيه قال عكرمة ولقى
شداد أبا أمامة فذكره وسكت عن رواية يحيى بن أبى كثير عن أبى أمامة وهى بصيغة
العنعنة والله أعلم وذكر عبد الغنى بن
سعيد أيضا جرير بن حازم فى التابعين لكونه رأى أنسا وقد روى عن جرير أنه قال مات أنس ولى خمس
سنين وذكر عبد الغنى بن سعيد أيضا موسى بن أبى عائشة فى التابعين لكونه لقى عمرو
بن حريث وقال الحاكم أبو عبد الله فى
علوم الحديث فى النوع الرابع عشر هم طبقات خمس عشرة طبقة آخرهم من لقى أنس بن مالك
من أهل البصرة ومن لقى عبد الله من أبى أوفى من أهل الكوفى ومن لقى السائب بن يزيد
من أهل المدينة إلى آخر كلامه ففى
كلام هؤلاء الأئمة الاكتفاء فى التابعى بمجرد رؤية الصحابى ولقيه له دون اشتراط
الصحبة الا ان ابن حبان اشترط فى ذلك أن تكون رؤيته له فى سن من يحفظ عنه فان كان
صغيرا لم يحفظ عنه فلا عبرة برؤيته كخلف بن خليفة فانه عده فى اتباع التابعين وإن
كان رأى عمرو بن حريث لكونه كان صغيرا
وقال روى الترمذى فى الشمائل عن على بن حجر عن خلف بن خليفة قال رأيت عمرو
بن حريث صاحب النبى صلى الله عليه وسلم
وأنا غلام صغير وهذا إسناد صحيح وما اختاره ابن حبان له وجه يقدم مثله فى الرؤية
المقتضية للصحبة هل يشترط فيها التمييز أم لا
الأمر الثانى أن الخطيب وان كان قال فى كتاب الكفاية ما حكاه عنه المصنف من
أن التابعى من صحب الصحابى فانه عد منصور بن المعتمر من التابعين فى جزء له جمع
فيه رواية الستة من التابعين بعضهم عن بعض وذلك فى الحديث الذى رواه الترمذى
والنسائى من رواية منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن ربيع بن خيثم عن عمرو ابن
ميمون عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبى أيوب مرفوعا قل هو
الله أحد ثلث القرآن قال الخطيب منصور بن المعتمر له ابن أبى أوفى قلت وانما له رؤية له فقط دون الصحبة
والسماع
320 وقد ذكره مسلم وابن حبان وغيرهما فى طبقة
اتباع التابعين ولم أر من عده فى طبقة التابعين وقال النووى فى شرح مسلم ليس بتابعى ولكنه
من اتباع التابعين فقد عده الخطيب فى التابعين وان لم يعرف له صحبة لابن أبى أوفى
فيحمل قوله فى الكفاية من صحب الصحابى على أن المراد اللقى جمعا بين كلاميه والله
أعلم الأمر الثالث أن تعقب المصنف
لكلام الخطيب بقوله قلت ومطلقه مخصوص بالتابعى باحسان فيه نظر من حيث أنه إن أراد
بالإحسان أن لا يرتكب أمرا يخرجه عن الإسلام فهو كذلك وأهل الحديث وإن اطلقوا أن
التابعى من لقى أحدا من الصحابة فمرادهم مع الإسلام الا أن الإحسان أمر زائد على الإيمان
والإسلام كما فسره به النبى صلى الله عليه
وسلم فى سؤال جبريل له فى الحديث المتفق عليه وان أراد المصنف بالإحسان الكمال فى
الإسلام أو العدالة فلم أر من اشتراط ذلك فى حد التابعى بل من صنف فى الطبقات دخل
فيهم التقات وغيرهم والله أعلم قوله
عند ذكر سعيد بن المسيب وقد قال بعضهم لا تصح له رواية عن أحد من العشرة إلا سعد
بن أبى وقاص انتهى قلت هكذا أبهم المصنف قائل ذلك والظاهر أنه أخذ ذلك من قول
قتادة الذى رواه مسلم فى مقدمة صحيحه من رواية همام قال دخل أبو داود الأعمى على
قتادة فلما قام قالوا إن هذا يزعم أنه لقى ثمانية عشر بدريا
321 فقال قتادة هذا كان سائلا قبل الجارف لا يعرض
فى شئ من هذا ولا يتكلم فيه فوالله ما حدثنا الحسن عن بدرى مشافهة ولا حدثنا سعيد
بن المسيب عن بدرى مشافهة إلا عن سعد بن مالك انتهى وقد اختلف الأئمة فى سماعه من عمر فأنكر
صحة سماعه منه الجمهور كيحيى بن سعيد الأنصارى ويحيى بن معين وأبى حاتم الرازى
واثبت سماعه منه أحمد بن حنبل فقال قد رآه وسمع منه وقال يحيى بن معين رأى عمر
وكان صغيرا وقال أبو حاتم الرازى رآه على المنبر ينعى النعمان بن مقرن وأما سماعه
من عثمان وعلى فإنه ممكن غير ممتنع ولكن لم أر فى الصحيح التصريح بسماعه من واحد
منهما وذكر الحافظ أبو الحجاج المزى فى تهذيب الكمال أن روايته عنهما لفى الصحيحين
ولم أر له عنهما فى الصحيحين إلا قوله إن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك أى الاستلقاء
فى المسجد وحديثه قال اختلف على وعثمان رضى الله عنهما وهما بعسفان فى المتعة فقال
على ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله النبى
صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث لم
يعزه الحافظ أبو الحجاج المزى فى الأطراف إلى واحد من الشيخين بل عزاه النسائى فقط
وهو متفق عليه كما ذكرته ولم أر لسعيد فى الصحيح عن عمر وعثمان وعلى غير هذا من
غير تصريح بالسماع نعم روينا فى مسند
أحمد من رواية موسى بن وردان قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت عثمان رضى الله
عنه يقول وهو يخطب على المنبر كنت أبتاع التمر من بطن من اليهود يقال لهم بنو
قينقاع فابتعته بربح فبلغ ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال يا عثمان
إذا اشتريت فاكتل إذا بعت فكل ورواه البزار فى مسنده أيضا من هذا الوجه وفيه قال
سمعت عثمان يقول على المنبر كنت ابتاع التمر فأكتال فى أوعيتى ثم أهبط به إلى
السوق فأقول فيه كذا وكذا فآخذ ربحى وأخلى بينهم وبينه فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال إذا ابتعت فأكتل وإذا بعت فكل وموسى بن وردان وإن كان وثقه العجلى وأبو
داود فإن الحديث من رواية ابن لهيعة عنه قال البزار لانعلمه يروى عن عثمان إلا من
هذا الوجه بهذا الإسناد انتهى والحديث
رواه ابن ماجه فى سننه إلا أنه قال فيه عن عثمان لم يصرح بسماع سعيد منه والله
أعلم
322 وله حديث آخر فى المسند صرح بالسماع فيه
من عثمان قال فيه ورأيت عثمان قاعدا فى المقاعد فدعا بطعام مما مسته النار فأكله
ثم قام إلى الصلاة فصلى ثم قال عثمان قعدت مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلت طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصليت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده جيد قال فيه أحمد حدثنا الوليد بن مسلم
حدثنى شعيب أبو شيبة سمعت عطاء الخراسانى يقول سمعت سعيد بن المسيب يقول رأيت
عثمان وهؤلاء كلهم محتج بهم فى الصحيح إلا أبا شيبة وهو شعيب بن زريق المقدسى وقد
وثقه دحيم وابن حبان والدارقطنى وثبت سماعه من عثمان والله أعلم قوله الثانية المخضرمون من التابعين وهم
الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأسلموا ولا صحبة لهم واحدهم مخضرم بفتح الراء كأنه
خضرم أى قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغيرها انتهى هكذا اقتصر المصنف على أن المخضرم مأخوذ من
الخضرمة وهى القطع وأنه بفتح الراء والذى رجحه العسكرى فى اشتقاقه غير ما ذكره
المصنف فقال فى كتاب الأوائل المخضرمة من الإبل التى نتجت من العراب واليمانية
فقيل رجل مخضرم إذا عاش فى الجاهلية والإسلام قال وهذا أعجب القولين إلى
انتهى قلت فكأنه مأخوذ من الشئ
المتردد بين أمرين هل هو من هذا أو من هذا
قال الجوهرى لحم مخضرم بفتح الراء لا يدرى من ذكر هو أم أنثى قال والمخضرم
أيضا الشاعر الذى أدرك الجاهلية والإسلام مثل لبيد ورجل مخضرم النسب أى دعى وقال صاحب المحكم رجل مخضرم إذا كان نصف
عمره فى الجاهلية ونصفه فى الإسلام
ورجل مخضرم أبوه أبيض وهو أسود ورجل مخضرم ناقص الحسب وقيل هو الذى
323 ليس بكريم النسب وقيل هو الدعى وقيل المخضرم
فى نسبه المختلط من أطرافه وقيل هو الذى لا يعرف أبواه وقيل هو الذى ولدته السرارى
ثم قال ولحم مخضرم لا يدرى أمن ذكر هو أم أنثى وطعام مخضرم حكاه ابن الأعرابى ولم
يفسره قال وعندى أنه الذى ليس بحلو
ولا مر وماء مخضرم غير عذب عنه أيضا انتهى
فالمخضرم على هذا متردد بين الصحابة لإدراكه زمن الجاهلية والاسلام وبين
التابعين لعدم رؤية النبى صلى الله عليه
وسلم فهو متردد بين أمرين ويحتمل أنه من
النقص لكونه ناقص الرتبة عن الصحابة لعدم الرؤية مع إمكانها قال صاحب النهاية واصل
الخضرمة أن تجعل الشئ بين بين فإذا قطع بعض الأذن فهى بين الوافرة والناقصة قال
وكان أهل الجاهلية يخضرمون نعمهم فلما جاء الإسلام أمرهم النبى صلى الله عليه وسلم أن يخضرموا من غير الموضع الذى يخضرم منه أهل
الجاهلية قال ومنه قيل لكل من أدرك الجاهلية والإسلام مخضرم لأنه أدرك الخضرمتين
وروى أبو داود من حديث زبيب العنبرى أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم قد كنا أسلمنا وخضرمنا آذان النعم الحديث وقد
ضبط بعضهم المخضرمين بكسر الراء على الفاعلية فكأنهم كانوا إذا أسلموا خضرموا آذان
نعمهم ليعرف بذلك إسلامهم فلا يتعرض لهم
فعلى هذا هل يشترط فى حد المخضرم من حيث الإصطلاح أن يكون إسلامه فى حياة
النبى صلى الله عليه وسلم حتى لا يدخل فيهم من أدرك الجاهلية والإسلام ثم
أسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أولا يشترط وقوع إسلامه فى حياته بل ولو أسلم
بعده سمى مخضرما أطلق المصنف الإسلام ولم يقيده بحياته صلى الله عليه وسلم ويدل على ذلك أن مسلما رحمه
الله تعالى عد فى المخضرمين جبير بن نفير وإنما أسلم فى خلافة أبى بكر قاله أبو
حسان الزنادى ثم ما المراد بإدراك الجاهلية تقدم فى كلام صاحب المحكم أن نصف عمره
فى الجاهلية ونصفه فى الإسلام وهذا ليس بشرط فى المخضرم فى اصطلاح أهل الحديث ولم
يشترط أهل اللغة أيضا كونهم ليست لهم صحبة فالصحابة الذين عاشوا ستين فى الجاهلية
وستين فى الإسلام كحكيم بن حزام وحسان بن ثابت ومن تقدم ذكرهم معهم فى النوع الذى
قبله مخضرمون من حيث إصطلاح أهل الحديث ثم ما المرد بإدراك الجاهلية
324 ذكر النووى فى شرح مسلم عند قول مسلم
وهذا أبو عثمان النهدى وأبو رافع الصايغ وهما ممن أدركا الجاهلية أن معناه كانا
رجلين قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال والجاهلية ما قبل بعثة رسول
الله صلى الله عليه وسلم سموا بذلك لكثرة جهالاتهم انتهى وفيما قاله نظر والظاهر أن المراد بإدراك
الجاهلية إدراك قومه أو غيره على الكفر قبل فتح فإن العرب بادروا إلى الإسلام بعد
فتح مكة وزال أمر الجاهلية وخطب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فى الفتح
بإبطال أمور الجاهلية إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة الكعبة وقد ذكر مسلم فى المخضرمين يسير بن عمرو
وإنما ولد بعد زمن الهجرة وكان له عند موت النبى
صلى الله عليه وسلم دون العشر سنين فأدرك بعض زمن الجاهلية فى قومه والله
أعلم قوله وذكرهم مسلم فبلغ بهم عشرين
نفسا منهم أبو عمرو الشيبانى وسويد بن غفلة الكندى وعمرو بن ميمون الأودى وعبد خير
بن يزيد الخيوانى وأبو عثمان النهدى وعبد الرحمن بن مل وأبو الحلال العتكى ربيعة
بن زرارة وممن لم يذكره مسلم منهم أبو مسلم الخولانى عبد الله بن ثوب والأحنف بن
قيس انتهى اقتصر المصنف على ذكر ستة
ممن ذكرهم مسلم وزاد من عنده اثنين آخرين يشير بذلك إلى أن مسلما أهمل بعضهم فنذكر
أولا بقية العشرين الذين ذكرهم مسلم ثم نذكر زيادة عليه وعلى المصنف فأما بقية
الذين ذكرهم مسلم فهم شريح بن هانئ الحارثى والأسود بن يزيد النخعى والأسود بن
هلال المحاربى والمعرور بن سويد ومسعود ابن حراش أخو ربعى بن حراش ومالك بن عمير
وشبيل بن عوف الأحمسى وأبو رجاء العطاردى واسمه عمران بن ملحان وغنيم بن قيس ويكنى
أبا العنبر وأبو رافع الصائغ واسمه نفيع وخالد بن عبير العدوى وثمامة بن حزن
القشيرى وجبير بن نفير الحصرمى ويسير ويقال أسير بن عمرو وأهل البصرة يقولون ابن
جابر
325 هؤلاء الذين ذكرهم مسلم رحمه الله وممن
لم يذكره مسلم ولا المصنف أسلم مولى عمر وأويس بن عامر القرنى والوسط البجلى وجبير
بن الحويرث وحابس اليمانى وحجر ابن عنبس وشريح بن الحارث القاضى وأبو وائل شقيق بن
سلمة وعبد الله بن عكيم وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحى وعبد الرحمن بن غنم وعبد
الرحمن بن يربوع وعبيدة بن عمرو السلمانى وعلقمة بن قيس وقيس بن أبى حازم وكعب
الأحبار ومرة بن شراحيل الطبيب ومسروق بن الأجدع وأبو عنبة الخولانى وأبو فالج
الأنمارى ولا يعرف اسم واحد منهما قال
أبو أحمد الحاكم وقيل اسم أبى عنبة عبد الله وقيل اسمه عمارة وأبو عنبة وأبو فالج
كلاهما أكل الدم فى الجاهلية وكلاهما مختلف فى صحبته وكذلك اختلف فى صحبة بعض من
تقدمهما والصحيح أنه لا صحبة لمن ذكرناه وفى سنن ابن ماجه التصريح بسماع أبى عنبة
من النبى صلى الله عليه وسلم وأنه ممن صلى
معه القبلتين لكن بإسناد فيه جهالة
فهؤلاء عشرون نفرا من المخضرومين لم يذكرهم مسلم ولا المصنف والله أعلم
326 قوله وأعجبنى ما وجدته عن الشيخ أبى عبد
الله بن خفيف الزاهد الشيرازى فى كتاب له قال اختلف الناس فى أفضل التابعين فأهل
المدينة يقولون سعيد بن المسيب وأهل الكوفة يقولون أويس القرنى وأهلى البصرة
يقولون الحسن البصرى انتهى والصواب ما
ذهب إليه أهل الكوفة لما روى مسلم فى صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول إن خير التابعين رجل يقال له أويس الحديث وقد يحتمل ما ذهب إليه أهل المدينة
وأحمد أيضا من تفضيل سعيد بن المسيب على سائر التابعين أنهم أرادوا فضيلة العلم لا
الخيرية الواردة فى الحديث والله أعلم
327 قوله الخامسة روينا عن الحاكم أبى عبد
الله قال طبقة تعد فى التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة منهم إبراهيم بن
سويد النخعي وليس بإبراهيم بن زيد النخعى الفقيه وبكير بن أبى السميط وبكير بن عبد
الله بن الأشج وذكر غيرهم قال وطبقة عدادهم عند الناس فى اتباع التابعين التابعين
وقد لقوا الصحابة منهم أبو الزناد عبد الله ابن ذكوان لقى عبد الله بن عمر وانسا
إلى آخر كلامه ثم قال وفى بعض ما قاله مقال انتهى لم يبين المصنف الموضع الذى على
الحاكم فيه مقال وذلك فى موضعين أحدهما أن بكير بن عبد الله بن الأشج قد عده فى
التابعين عبد الغنى بن سعيد كما سيأتى فى النوع الآتى بعد هذا وقد روى عن جماعة من
الصحابة منهم ربيعة بن عباد والسائب بن يزيد ورايته عن ربيعة بن عباد فى المعجم
الكبير للطبرانى بإسناد جيد إليه أنه حدث عن ربيعة بن عباد قال رأيت أبا لهب بعكاظ
وهو يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحديث لكن لم أر فى شئ من حديثه التصريح بسماعه من أحد من الصحابة إلا أن النسائى روى فى سننه بإسناد على شرط
مسلم أن بكير بن عبد الله قال سمعت
328 محمود بن لبيد يقول أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات الحديث ومحمود
بن لبيد عده غير واحد فى الصحابة منهم أحمد فى مسنده وقال البخارى إن له صحبة وكذا قال ابن حبان
فى الصحابة وله فى مسند أحمد بإسناد صحيح قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا المغرب فى مسجدنا الحديث وفى المسند
أيضا بإسناد صحيح أنه عقل رسول الله صلى
الله عليه وسلم وعقل مجة مجها النبى صلى الله عليه وسلم من دلو كان فى دارهم والمعروف أن هذه القصة
لمحمود بن الربيع كما هو فى صحيح البخارى وقد عد مسلم محمود بن لبيد فى الطبقات من
التابعين وقال أبو حاتم الرازى لا
يعرف له صحبة وقال المزى فى الأطراف أنه لا يصح له صحبة ولا رؤية وهو معارض بما
ذكرناه من المسند والله أعلم والموضع
الثانى أن أبا الزناد لم يدرك ابن عمر كما قاله أبو حاتم الرازى والحاكم تبع فيما
ذكره خليفة بن خياط فإنه قال طبقة عدادهم عند الناس فى اتباع التابعين وقد لقوا
الصحابة منهم أبو الزناد قد لقى عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبا أمامة ابن سهل
بن حنيف انتهى وقول أبو حاتم لم يدرك بن عمر أى لم يدرك السماع منه فإن أبا الزناد
عاش ستا وستين سنة فقيل توفى فى سنة ثلاثين ومائة وقيل سنة اثنين وثلاثين ومات بن
عمر سنة اربع وسبعين أو سنة ثلاث وسبعين فعلى هذا أدرك من حياة بن عمر سبع سنين أو
ثمانيا أو تسعا على اختلاف الأقوال والله أعلم
النوع الحادى والأربعون معرفة
الأكابر الرواة عن الأصاغر
قوله وقد صح عن عائشة رضى الله عنها
أنها قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن ننزل الناس منازلهم انتهى جزم المصنف بصحة حديث عائشة وفيه نظر فإن مسلما
رحمه الله ذكره فى مقدمة صحيحه بغير إسناد بصيغة التمريض فقال وقد
329 ذكر عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت أمرنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقد رواه أبو داود فى سننه فى افراده من
رواية ميمون بن أبى شبيب عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلوا الناس منازلهم ثم قال أبو داود بعد تخريجه ميمون بن أبى
شبيب لم يدرك عائشة فلم يسكت عليه أبو داود بل أعله بالانقطاع فلا يكون صحيحا عنده
ولكن المصنف تبع فى تصحيحه الحاكم فإنه قال فى علوم الحديث فى فى النوع السادس عشر
منه فقد صحت الرواية عن عائشة رضى الله عنها فذكره وليس فيه حجة للمصنف فإن المصنف
لا يرى ما انفرد الحاكم بتصحيحه صحيحا بل إن لم نجد فيه علة تقتضى رده حكمنا عليه
بأنه حسن ذكر ذلك عند ذكر ما رواه الحاكم بإسناده فى المستدرك وهذا لم يروه الحاكم فيه ولا فى علوم
الحديث وقد قال الحافظ أبو بكر البزار فى مسنده بعد أن خرجه من رواية ميمون بن أبى
شبيب عن عائشة هذا الحديث لا يعلم عن النبى
صلى الله عليه وسلم إلا من هذا
الوجه قال وقد روى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا انتهى قلت بل له وجه آخر
مرفوع يذكره بعد ذلك وكان المصنف لم يوافق أبا داود على الإنقطاع بين ميمون بن أبى
شبيب وبين عائشة فإنه قال فى كتاب التحرير فيما قاله أبو داود نظر فإنه كوفى متقدم
قد أدرك المغيرة بن شعبة ومات المغيرة قبل عائشة قال وعند مسلم التعاصر مع إمكان
التلاقى كاف فى ثبوت الإدراك فلو ورد عن ميمون أنه قال لم ألق عائشة استقام لأبى
داود الجزم بعد إدراكه وهيهات ذلك انتهى كلام المصنف فى التحرير وليس بجيد فإنه
وإن أدرك المغيرة وروى عنه فهو مدلس لا تقبل عنعنته بإجماع من لا يحتج بالمرسل فقد
أرسل عن جماعة من الصحابة وقد قال أبو حاتم الرازى فيما حكاه عنه ابنه فى الجرح
والتعديل روى عن أبى ذر مرسلا وعن على مرسلا وعن معاذ بن جبل مرسلا وقال عمرو بن على الفلاس لم أخبر أن أحدا
يزعم أنه سمع من أصحاب النبى صلى الله
عليه وسلم وقال على بن المدينى خفى علينا أمره وقال يحيى بن معين ضعيف نعم قال فيه
أبو حاتم الرازى صالح الحديث ذكره بن حبان فى الثقات ومع ذلك فلا يقتضى قبول
عنعنته والله أعلم ولم أر أحدا صرح
بسماعه من المغيرة ولكن المؤلف لما رأى مسلما روى فى مقدمة
330 صحيحه حديثه عن المغيرة بن شعبة عن
النبى صلى الله عليه وسلم من حدث عنى
بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين حمله على الاتصال اكتفاء بمذهب مسلم ومسلم
إنما رواه استشهادا بعد أن رواه من حديث ابن أبى ليلى عن سمرة وحكم عليه مسلم بأنه
مشهور والشهرة لا تلازم الصحة بل قد يكون المشهور صحيحا وقد يكون ضعيفا وأما الطريق الآخر الذى وعدنا بذكره فقد
رواه البيهقى فى كتاب الأدب والخطيب فى كتاب المتفق والمفترق من رواية أسامة بن
زيد عن عمرو بن مخراق عن عائشة هكذا رواه الخطيب من طريق الطبرانى فقال فيه عمرو
بن مخراق وإنما هو عمر بضم العين وهكذا رويناه فى الأدب للبيهقى فى الأصل وفى بعض
النسخ عمرو ولا أعلم روى عنه إلا
أسامه بن زيد الليثى وأيضا عمر بن مخراق وبين عائشة فيه رجل لم يسم قال البخارى فى التاريخ الكبير له عمر بن
مخارق عن رجل عن عائشة مرسل روى عنه أسامة بن زيد وكذا قال ابن أبى حاتم فى الجرح
والتعديل عن أبيه دون قوله مرسل وكذا رواه ابن حبان فى اتباع التابعين كذلك وعلى
هذا فلا يصح إسناده والله أعلم ويحتمل
أن الرجل الذى ابهمه عمر بن مخراق هو ميمون بن أبى شبيب فلا يكون له إلا وجه واحد
كما قال البزار وقد ورد من حديث معاذ بن جبل رواه الخرائطى فى كتاب مكارم الأخلاق
بلفظ أنزل الناس منازلهم من الخير والشر
331 قوله وكعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله
بن عمرو بن العاص لم يكن من التابعين وروى عنه أكثر من عشرين نفسا من التابعين
جمعهم عبد الغنى بن سعيد الحافظ فى كتيب له انتهى وفيه أمور أحدها ان جزم المصنف
بكون عمرو بن شعيب ليس من التابعين ليس بجيد فقد سمع من غير واحد من الصحابة سمع
من زينب بنت أبى سلمة ربيبة النبى صلى
الله عليه وسلم والربيع بنت معوذ بن عفراء وهما صحابيتان وكأن المصنف أخذ ذلك من
الذى ذكره بعد هذا أنه قرأه بخط الحافظ أبى محمد الطبسى قال عمرو بن شعيب ليس
بتابعى كذا كناه ابن الصلاح أبا محمد وانما هو أبو الفضل محمد ابن أبى جعفر الطبسى
هكذا كناه وسماه الحافظ أبو سعد السمعانى فى الأنساب ووصفه بالحافظ صاحب التصانيف
الكثيرة كتب عن الحاكم أبى عبد الله وأبى طاهر بن محمش الزيادى إلى أن قال وكانت
وفاته فى حدود سنة ثمانين وأربعمائة بطبس وهى بين نيسابور وأصبهان وكرمان ولم يفتح
من زمان عمر من خراسان سواها وقد سبق الطبسى إلى ذلك أبو بكر محمد بن الحسن بن
محمد النقاش المصرى المفسر وهو ضعيف قال الدارقطنى سمعت أبا بكر النقاش يقول عمرو بن
شعيب ليس من التابعين
232 وقد روى عنه عشرون من التابعين قال
الدارقطنى فتتبعت ذلك فوجدتهم أكثر من عشرين
قال الحافظ أبو الحجاج المزى فى التهذيب بعد حكايته لذلك وكأن الدارقطنى قد
وافقه على أنه ليس من التابعين وليس كذلك ثم ذكر سماعه من الربيع بنت معوذ وزينب
ابنة أبى سلمة الأمر الثانى أن قول
المصنف روى عنه أكثر من عشرين نفسا من التابعين جمعهم عبد الغنى بن سعيد الحافظ فى
كتيب له ليس بجيد فإن عبد الغنى عدهم فى الجزء المذكور أربعين نفسا إلا واحدا وهذه
أسماؤهم مرتبين على الحروف إبراهيم بن ميسرة وأيوب السختيانى وبكير بن الأشج وثابت
البنانى وجرير بن حازم وحبيب بن أبى موسى وجرير بن عثمان الرحبى والحكم بن عتيبة
وحميد الطويل وداود بن قيس وداود بن أبى هند والزبير بن عدى وسعيد بن أبى هلال
وأبو حازم سلمة بن دينار وأبو أسحاق الشيبانى وابنه سليمان بن أبى سليمان وسليمان
بن مهران الأعمش وعاصم الأحول قال عبد
الغنى بن سعيد وفيه نظر وعبد الله بن عون وعبد الله بن أبى مليكة وعبد الرحمن بن
حرملة وعبد العزيز بن رفيع وعبد الله بن عمر العمرى وعطاء بن أبى رباح وعطاء بن السائب
وعطاء الخراسانى وعلى بن الحكم البنانى وعمرو بن دينار وأبو إسحق السبيعى واسمه
عمرو بن عبد الله وقتادة وأبو الزبير محمد بن مسلم ومحمد بن مسلم الزهرى ومطر
الوراق ومكحول وموسى بن أبى عائشة وهشام بن عروة ووهب بن منبه ويحيى بن سعيد ويحيى
بن أبى كثير ويزيد بن أبى حبيب وقال عبد الغنى بن سعيد بعد أن روى حديث يزيد بن
أبى حبيب هو بيزيد بن الهاد أشبه
الأمر الثالث أنه قد روى عنه جماعة كثيرون من التابعين غير هؤلاء لم يذكرهم
عبد الغنى وهم ثابت بن عجلان وحسان بن عطية وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى
الطائفى وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج والعلاء بن الحرث الشامى ومحمد بن إسحاق
ابن يسار ومحمد بن جحادة ومحمد بن عجلان وأبو حنيفة النعمان بن ثابت وهشام بن
الغاد ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ويعقوب بن عطاء بن أبى رباح فهؤلاء
زيادة على الخمسين من التابعين قد رووا عنه
وقد حكى المصنف عقب هذا عن الطبسى أنه روى عنه نيف وسبعون من التابعين
والله أعلم
233 النوع الثانى والأربعون معرفة المدبج وما
عداه من رواية الأقران بعضهم عن بعض
قوله اعلم أن رواية القرين عن القرين
تنقسم فمنها المدبج وهو أن يروى القرينان كل واحد منهما عن الآخر انتهى
وفيه أمران أحدهما أن تقييد المصنف
للمدبج بالقرينين إذا روى كل واحد منهما عن الآخر تبع فيه الحاكم فى علوم الحديث
فإنه قال فى علوم الحديث فى النوع السادس والأربعين منه رواية الأقران وإنما
القرينان إذا تقارب سنهما وإسنادهما وهو على ثلاثة أجناس فالجنس الأول منه الذى
سماه بعض مشايخنا المدبج وهو أن يروى قرين عن قرينه ثم يروى ذلك القرين عنه فهو
المدبج انتهى وما قصره الحاكم وتبعه
ابن الصلاح على أن المدبج رواية القرينين ليس على ما ذكراه وإنما المدبج أن يروى
كل من الراويين عن الآخر سواء كانا قرينين أم كان أحدهما أكبر من الآخر فيكون
رواية أحدهما عن الآخر من رواية الأكابر عن
334 الأصاغر فإن الحاكم نقل هذه التسمية عن بعض
شيوخه من غير أن يسميه والمراد به الدارقطنى فإنه أحد شيوخه وهو أول من سماه بذلك
فيما أعلم وصنف فيه كتابا حافلا سماه المدبج فى مجلد وعندى به نسخة صحيحة ولم
يتقيد فى ذلك بكونهما قرينين فإنه ذكر فيه رواية أبى بكر عن النبى صلى الله عليه وسلم ورواية النبى
صلى الله عليه وسلم عن أبى بكر
ورواية عمر عن النبى صلى الله عليه
وسلم وروايته صلى الله عليه وسلم عن عمر رضى الله عنه ورواية سعد بن عبادة عن
النبى صلى الله عليه وسلم وروايته عن سعد
وذكر فيه أيضا رواية الصحابة عن التابعين الذين رووا عنهم كرواية عمر عن كعب
الأحبار ورواية كعب عن عمر ورواية ابن مسعود عن ذر عنهم كرواية عمر عن كعب الأحبار
ورواية كعب عن عمر ورواية ابن مسعود عن ذر ابن حبيش ورواية زر عن عنه ورواية ابن
عمر عن عطية العوفى وبكر بن عبد الله المزنى ورواية كل منهما عن ابن عمر ورواية
ابن عباس عن عمرو بن دينار وأبى سلمة ابن عبد الرحمن وعكرمة مولاه ورواية كل من
الثلاثة عن ابن عباس ورواية أبى سعيد الخدرى عن أبى نضرة العبدى ورواية أبى نضرة
عنه ورواية أنس بن مالك عن بكر ابن عبد الله المزنى ورواية بكر عنه وذكر فيه أيضا
رواية التابعين عن أتباع التابعين كرواية عبد الله بن عون ويحيى بن سعيد الأنصارى
عن مالك ورواية مالك عن كل منهما ورواية عمرو بن دينار وأبى إسحاق السبيعى وسليمان
بن مهران الأعمش عن سفيان بن عيينة ورواية ابن عيينة عن كل من الثلاثة ورواية أبى
إسحق السبيعى عن ابنه يونس بن أبى إسحق ورواية يونس عن أبيه وذكر فيه أيضا رواية
أتباع أتباع التابعين عن أتباع الأتباع كرواية معمر عن عبد الرزاق ورواية عبد
الرزاق عن معمر وكذلك ذكر فيه رواية عبد الرزاق عن أحمد بن حنبل وعلى بن المدينى
ويحيى بن معين وروايتهم عنه وكذلك ذكر فيه رواية أحمد عن أبي داود السجستاني وعن
ابنه عبد الله بن أحمد ورواية كل منهما عن أحمد وغير ذلك فهذا يدل على المدبج لا
يختص بكون الراويين الذين روى كل منهما عن الآخر قرينين بل الحكم أعم من ذلك والله
أعلم الأمر الثانى ما المناسبة
المقتضية لتسمية هذا النوع بالمدبج ومن أى شئ اشتقاقه ولم أر من تعرض لذلك إلا أن
الظاهر أنه سمى بذلك لحسنه فإن المدبج لغة هو المزين قال صاحب المحكم الدبج النقش والتزيين فارسى
معرب قال وديباجه الوجه حسن بشرته
335 ومنه تسميه ابن مسعود الحواميم ديباج القرآن
وإذا كان هذا منه فان الإسناد الذى يجتمع فيه قرينان أو أحدهما أكبر والآخر من
رواية الأصاغر عن الأكابر إنما يقع ذلك غالبا فيما إذا كانا عالمين أو حافظين أو
فيهما أو فى أحدهما نوع من وجوه الترجيح حتى عدل الراوى عن العلو للمساواة أو
النزول لأجل ذلك فحصل للإسناد بذلك تحسين وتزيين كرواية أحمد بن حنبل عن يحيى بن
معين ورو4اية ابن معين عن أحمد وإنما يقع رواية الأقران غالبا من أهل العلم
المتميزين بالمعرفة ويحتمل أن يقال إن القرينين الواقعين فى المدبج فى طبقة واحدة
بمنزلة واحدة فشبها بالخدين فان الخدين يقال لهما الديباجتان كما قاله صاحبا
المحكم والصحاح وهذا المعنى يتجه على ما قاله الحاكم وابن الصلاح أن المدبج مختص
بالقرينين ويحتمل أنه سمى بذلك لنزول الإسناد فإنهما إن كانا قرينين نزل كل منهما
درجة وان كان من رواية الأكابر عن الأصاغر نزل درجتين وقد روينا عن يحيى بن معين
قال الإسناد النازل قرحة فى الوجه وروينا عن على بن المدينى وأبى عمرو المستملى
قالا النزول شؤم فعلى هذا لا يكون المدبج مدحا له ويكون ذلك من قولهم رجل مدبج
قبيح الوجه والهامه حكاه صاحب المحكم وفيه بعد والظاهر أنه إنما هو مدح لهذا النوع
أو يكون من الاحتمال الثانى والله أعلم
قوله وذكر الحاكم فى هذا رواية أحمد عن عبد الرزاق ورواية عبد الرزاق عن
أحمد وليس هذا بمرض انتهى قلت والحاكم إنما تبع فى ذلك شيخه أبا الحسن الدارقطنى
الذى سمى هذا النوع بهذا الاسم ووضع فيه مصنفا كما تقدم ولم يخص ذلك بالأقران فلا
اعتراض حينئذ على الحاكم قوله ومنها
غير المدبج وهو أن يروى أحد القرينين عن الآخر ولا يروى الآخر عنه فيما نعلم مثاله
رواية سليمان التيمى عن مسعر وهما قرينان ولا يعلم لمسعر رواية عن التيمى ولذلك
أمثال كثيرة انتهى وفيه أمران أحدهما أن هذا المثال الذى ذكره
336 المصنف ليس بصحيح وهو من القسم الأول وهو
المدبج فقد روى مسعر أيضا عن سليمان التيمى كما ذكره الدارقطنى فى كتاب المدبج ثم
روى من رواية الحكم بن مروان حدثنا مسعر عن أبى المعتمر وهو سليمان التيمى عن امرأة
يقال لها أم خداش قالت رأيت على بن أبى طالب يصطبغ بخل خمرة الأمر الثانى أن المصنف أشار إلى بقية
الأسئلة لذلك بقوله ولذلك أمثلة كثيرة فينبغى أن يذكرههنا مثالا صحيحا لهذا القسم الثانى وقد ذكر الحاكم فى علوم
الحديث لذلك أمثلة أربعة أحدها هذا الذى ذكره المصنف والثانى رواية زائدة بن قدامة
عن زهير بن معاوية قال الحاكم زائدة بن قدامة وزهير بن معاوية قرينان إلا أنى لا
أحفظ لزهير عن زائدة رواية والمثال الثالث رواية يزيد بن عبد الله بن أسامة بن
الهاد عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف قال الحاكم يزيد بن عبد
الله بن أسامة بن الهاد وإن كان أسند وأقدم من ابراهيم بن سعد بن ابراهيم فإنهما
فى أكثر الأسانيد قرينان ولا أحفظ لإبراهيم بن سعد عنه رواية انتهى قلت بل قد روى عنه إبراهيم بن سعد وروايته
عنه فى صحيح مسلم وسنن النسائى والله أعلم
والمثال الرابع رواية سليمان بن طرخان التيمى عن رقبة بن مصقلة قال الحاكم
سليمان بن طرخان ورقبة بن مصقلة قرينان ولا أحفظ لرقبة عنه رواية انتهى قلت بل قد
روى رقبة عن سليمان التيمى كما ذكره الدارقطنى فى كتأب المدبج ثم روى له من رواية
أبى عوانة عن رقبة عن سليمان التيمى عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم قال يا حبذا المتخللون من أمتى والحديث رواه الطبرانى فى المعجم الأوسط
فجعله من رواية رقبة عن أنس من غير ذكر سليمان التيمى فلم يصح من هذه الأمثلة
الأربعة التى ذكرها الحاكم إلا المثال الثانى فقط وهو رواية زائدة بن قدامة عن
زهير ابن معاوية والأمثلة الثلاثة الذى اقتصر عليه ابن الصلاح واللذان زادهما
الحاكم حقها أن تذكر فى القسم الأول وهو المدبج كما فعل الدارقطنى والله أعلم
337 النوع الثالث والأربعون معرفة الإخوة
والأخوات
قوله ومن التابعين عمرو بن شرحبيل
أبو ميسرة وأخوة أرقم بن شرحبيل كلاهما من أفاضل أصحاب ابن مسعود هزيل بن شرحبيل
وأرقم بن شرحبيل أخوان آخران من أصحاب ابن مسعود أيضا انتهى
هذا الذى ذكره المصنف من كون أرقم
ابن شرحبيل اثنين أحدهما أخو عمرو بن شرحبيل والآخر أخو هزيل بن شرحبيل ليس بصحيح
وأرقم بن شرحبيل واحد وإنما اختلف كلام التاريخيين والنسابين هل الثلاثة إخوة وهم
عمرو بن شرحبيل وأرقم بن شرحبيل وهزيل بن شرحبيل أو أن أرقم وهزيلا أخوان وليس
عمرو أخا لهما فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى الأول قال هم ثلاثة إخوة والصحيح الذى
عليه الجمهور أن أرقم وهزيلا أخوان فقط وهو الذى اقتصر عليه البخارى فى التاريخ
الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وحكاه عن أبيه أبى حاتم وعن أبى زرعة
وكذلك ابن حبان فى الثقات واقتصر عليه الحاكم أيضا فى علوم الحديث فى النوع السادس
والثلاثين وكذلك اقتصر المزى فى تهذيب الكمال
338 على أن أرقم وهزيلا أخوان ذكر ذلك فى ترجمة
أرقم وترجمة هزيل ولم يتعرض فى ترجمة عمرو لشئ من ذلك وما ذكره ابن عبد البر من
كونهم الثلاثة إخوة ليس بجيد فإن عمرو بن شرحبيل همدانى وهزيل وأخوه أرقم أوديان
ولا تجتمع همدان الكبرى ولا همدان الصغرى مع أود أما همدان الكبرى فينتسبون إلى
همدان فهو أوسلة ابن مالك بن زيد أو سلة بن ربيعة بن الجبار بن ملكان وقيل مالك بن
زيد بن كهلان وأما همدان الصغرى فينتسبون إلى همدان بن زياد بن حسان بن سهل بن زيد
بن عمرو ابن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس وأما الذى ينسب إليه هزيل وأرقم أبنا
شرحبيل الأوديان فهو أود بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج ولا يجتمع مع همدان
فالصواب قول الجمهور والله أعلم وعلى
كل فما ذكره المصنف ليس موافقا لقول الجمهور ولا لقول ابن عبد البر قوله ومن أمثلة الخمسة ما نرويه عن الحاكم
أبى عبد الله قال سمعت أبا على الحسين ابن على الحافظ غير مرة يقول آدم بن عيينة
وعمران بن عيينة ومحمد بن عيينة وسفيان ابن عيينة وإبراهيم بن عيينة حدثوا عن
آخرهم انتهى اقتصر المؤلف على كونهم خمسة وهؤلاء هم المشهورون من أولاد عيينة وإلا
فقد ذكر غير واحد أنهم عشرة منهم عبد الغنى ابن سرور وقد سمى لنا منهم سبعة الخمسة
المذكورون ولم يذكر ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل غيرهم واقتصر البخارى فى
التاريخ الكبير على ذكر أربعة منهم فلم يذكر آدم والسادس أحمد بن عيينة ذكره
الدارقطنى وابن ماكولا والسابع مخلد بن عيينة ذكره أبو بكر بن المقرى عن بعض أولادهم
قال ابن المقرى سمعت أبا العباس أحمد ابن زكريا بن يحيى بن الفضل بن سفيان بن
عيينة بن ميمون الهلالى يقول سفيان ابن عيينة ومحمد بن عيينة وإبراهيم بن عيينة
وعمران بن عيينة ومخلد بن عيينة إخوة
فإن قيل إنما اقتصر المصنف على الخمسة المذكورين لكونهم الذين حدثوا منهم
دون الباقين كما حكاه المزى فى التهذيب عن بعضهم فقال وقيل كان بنو عيينة عشرة
إخوة خزازين حدث منهم خمسة فذكرهم قلنا وقد حدث أحمد بن عيينة أيضا قال الدارقطنى
فى المؤتلف والمختلف عيينة بن أبى عمران الهلالى والد سفيان وإبراهيم وعمران وآدم
ومحمد وأحمد بن عيينة المحدثون وكذا ذكرهم ابن ماكولا فى الإكمال قال وكلهم محدثون
339 قوله ومثاله الستة أولاد سيرين ستة
تابعيون وهم محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة ثم حكى أن الحاكم ذكر فى تاريخه
عن شيخه أبى على الحافظ أنه ذكر فيهم خالد بن سيرين ولم يذكر كريمة وذكر أن أصغرهم
حفصة بنت سيرين انتهى وفيه أمران أحدهما أنه قد اعترض على المصنف بأنهم عشرة أنس
وخالد ومحمد ومعبد ويحيى وحفصة وسودة وعمرة وكريمة وأم سليم فإن ابن سعد ذكر فى
الطبقات عمرة بنت سيرين وسودة بنت سيرين أنهما أم ولد كانت لأنس بن مالك وذكر أيضا
أم سليم فى خمسة من ولد سيرين منهم محمد أمهم صفية والجواب عنه أن المشهور ما ذكره
المصنف من أنهم ستة وأما السابع فهو خالد فإن المصنف قد ذكره فلا يرد عليه مع أنى
لم أجد له رواية ولم أقف له على ترجمة
وقال محمد بن أحمد بن محمد بن أبى بكر المقدمى خالد بن سيرين لم يخرج
حديثه وأما الطبرانى فقال كلهم قد
حدثوا بعد أن عد فيهم خالد بن سيرين وأما عمرة وأم سليم وسودة فلم أر من ذكر لهن
رواية فلا يردن على المصنف الأمر
الثانى أن ما قاله الحافظ أبو على النيسابورى من أن أصغرهم حفصة بنت سيرين وسكت
عليه المصنف ليس بجيد وإنما أصغرهم أنس بن سيرين كما قاله عمرو ابن على الفلاس وهو
الصواب فإن المشهور أنه ولد لست بقيت من خلافة عثمان وبه صدر المزى كلامه وتوفى فى
قول أحمد بن حنبل ومحمد بن أحمد المقدمى سنة عشرين ومائة قال أحمد وهو ابن ست
وثمانين سنة وقال الذهبى فى العبر خمس وثمانون سنة فعلى هذا يكون مولده سنة أربع وثلاثين وأما
حفصة فإنها توفيت سنة إحدى ومائة
340 وعاشت إما سبعين سنة وإما تسعين سنة بتقديم
المثناة وعلى كل تقدير فهى أكبر من أنس بن سيرين والله أعلم وقال ابن سعد فى أواخر الطبقات أخبرنا بكار
بن محمد من ولد محمد بن سيرين قال كانت حفصة بنت سيرين أكبر ولد سيرين من الرجال
والنساء من ولد صفية وكان ولد صفية محمدا ويحيى وحفصة وكريمة وأم سليم قوله وقد روى عن محمد عن يحيى عن أنس بن
مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لبيك حقا حقا تعبدا ورقا قال وهذه غريبة عايا بها بعضهم فقال أى ثلاثة إخوة روى
بعضهم عن بعض انتهى قلت وزاد بعضهم فى
هذا الإسناد معبد بن سيرين فاجتمع فيه أربعة أخوة يروى بعضهم عن بعض ذكره محمد بن
طاهر المقدسى فى تخريجه لأبى منصور عبد المحسن ابن محمد بن على الشيرازى فقال روى
هذا الحديث محمد بن سيرين عن أخيه يحيى عن أخيه معبد عن أخيه أنس بن سيرين ولكن
المشهور ما ذكره المصنف من كونهم ثلاثة وكذلك رواه الدارقطنى فى كتاب العلل من
رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أخيه يحيى عن أخيه أنس عن أنس بن مالك إلا
أنه قال حجا حقا ولا نعرف ليحيى ابن سيرين رواية عن أخيه معبد ولا لمعبد رواية عن
أخيه أنس قال على بن المدينى لم يرو عن معبد إلا أخوه أنس كذا قال وقد روى عنه
أيضا أخوه محمد وروايته عنه فى الصحيحين وقد جعله بعضهم من رواية ابنين من ولد
سيرين رواه أبو بكر البزار فى مسنده من رواية هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أخيه
يحيى عن أنس بن مالك وذكر الدارقطنى
فى العلل الاختلاف فيه وقال إن الصحيح ما رواه حماد بن زيد ويحيى القطان عن يحيى
بن سيرين عن أنس بن مالك قوله وفعله
قوله ومثال السبعة النعمان بن مقرن وإخوته معقل وعقيل وسويد وسنان وعبد
الرحمن وسابع لم يسم لنا بنو مقرن المزينون سبعة إخوة هاجروا وصحبوا رسول الله
341 صلى الله عليه وسلم ولم يشاركهم فيما ذكره ابن عبد البر وجماعة فى
هذه المكرمة سواهم انتهى وفيه أمران أحدهما أنه قد سمى لنا سابع وثامن وتاسع وهم
نعيم بن مقرن وضرار بن مقرن وعبد الله بن مقرن فأما نعيم فذكره ابن عبد البر فى الاستيعاب
فقال نعيم بن مقرن أخو النعمان ابن مقرن خلف أخاه حين قتل بنهاوند وكانت على يديه
فتوح كثيرة وهو واخوته من جلة الصحابة وأما ضرار بن مقرن فذكره الحافظ أبو بكر
محمد بن خلف بن سليمان ابن خلف بن فتحون فى ذيله على الاستيعاب وإن خالد بن الوليد
لما دخل الحيرة فى أيام أبى بكر أمر ضرارا هذا على جماعة من المسلمين وقال ذكره
الطبرى وسيف وأما عبد الله بن مقرن
فذكره بن فتحون أيضا فى ذيله على الاستيعاب وقال إنه كان على ميسرة أبى بكر رضى
الله عنه فى خروجه لقتال أهل الردة إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ذكره الطبرى وسيف وذكره ابن منده وأبو
نعيم أيضا فى معرفة الصحابة وهذا يدل على انهم أكثر من سبعة وقد قال الطبرى انهم
كانوا عشرة إخوة انتهى وإنما اشتهر
كونهم سبعة لما روى مسلم فى صحيحه من حديث سويد بن مقرن قال لقد رأيتنى سابع سبعة
من بنى مقرن ما لنا خادم إلا واحدة فلطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها ويحتمل أن من أطلق كونهم سبعة أراد من هاجر
منهم قال مصعب بن الزبير هاجر النعمان ومعه سبعة اخوة وسمى ابن عبد البر فى
الاستيعاب منهم ستة وهم سنان وسويد وعقيل ومعقل والنعمان ونعيم وسمى ابن فتحون فى
ذيله الباقين وهم ضرار وعبد الله وعبد الرحمن وقال إن عبد الرحمن ذكره فى الصحابة
الطبرى وابن السكن والله أعلم الأمر
الثانى أن ما حكاه المصنف عن ابن عبد البر وجماعة من انقراد بنى مقرن
342 بهذه المكرمة من كونهم السبعة هاجروا وصحبوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن عبد البر فى الاستيعاب فى ترجمة معقل
بن مقرن فقال وليس ذلك لأحد من العرب سواهم قاله الواقدى ومحمد بن عبد الله بن
نمير انتهى وفيما قالوه نظر فإن أولاد
الحارث بن قيس السهمى كلهم هاجر وصحب النبى
صلى الله عليه وسلم وعدهم ابن إسحق
فيمن هاجر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة سبعة لم يعد فيهم تميما ولا حجاجا الآتى
ذكرهما وقد تتبعت أسماءهم فوجدتهم تسعة بتقديم المثناة وهم بشر وتميم والحارث
والحجاج والسائب وسعيد وعبد الله ومعمر وأبو قيس أولاد الحارث بن قيس السهمى وسمى
الكلبى معمر بن الحرث معبدا والمشهور الأول وقد ذكر ابن عبد البر فى الاستيعاب
التسعة المذكورين كل واحد فى موضعه وأنهم هاجروا إلى أرض الحبشة وقال فى ترجمة
سعيد بن الحارث هاجر هو واخوته كلهم إلى أرض الحبشة فهؤلاء تسعة إخوة هاجروا
وصحبوا النبى صلى الله عليه وسلم وهم أشرف نسبا فى الجاهلية والإسلام وزادوا على
بقية الإخوة بأن استشهد منهم سبعة فى سبيل الله فقتل تميم والحرث والحجاج بأجنادين
وقتل سعد يوم اليرموك وقتل السائب يوم فحل وقيل يوم الطايف وقتل عبد الله يوم
الطايف وقيل باليمامة ا وقال الطبرى إنه مات بالحبشة مهاجرا فى زمنه صلى الله عليه وسلم وقتل أبو قيس يوم اليمامة واعترض الحافظ أبو
بكر محمد بن خلف بن فتحون على ابن عبد البر فى هذا الإطلاق فى التبيه على ما أوهمه
ابن عبد البر أو وهم فيه بأن معاوية بن الحكم السلمى واخوته الستة فى مثل عددهم
وفضيلتهم ثم روى من طريق أبى على بن السكن بإسناده إلى معاوية بن الحكم قال وفدت
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وستة إخوة لى فأبرز على بن الحكم فرسه
خندقا فقصرت الفرس فدق جدار الخندق ساقه فأتينا به النبى صلى الله عليه وسلم فمسح ساقه فما نزل عنها حتى
برأ فقال معاوية بن الحكم فى قصيدة
فأنزلها على فهوى تهوى هوى الدلو تنزعه برجل
ففضت رجله فسما عليها سمو الصقر صادف يوم طل
فقال محمد صلى عليه مليك الناس قولا غير فعل
لعا لك فاستمر بها سويا وكانت بعد ذاك أصح رجل
343 قلت والحديث رواه الطبرانى فى المعجم
الكبير مع اختلاف فى إيراد الشعر وفى غيره ولم يقل فيه إنه وفد معه ستة إخوة وأيضا
ففى إسناده جهالة وأيضا فلم يقل فيه إنهم هاجروا حتى يعدوا مهاجرين فعلهم وفدوا
عام قدوم الوفود ولا هجرة بعد الفتح وأيضا فلم تعرف بقية أسمائهم وإنما سمى منهم
معاوية وعلى عمران كان مالك حفظه وإلا فقد قال على بن المدينى والبخارى إن مالكا
وهم فى قوله عمر بن الحكم وإنما هو معاوية بن الحكم والله أعلم قوله ولم نطول بما زاد على السبعة لندرتهم
ولعدم الحاجة إليه فى غرضنا ههنا انتهى
وقد رأيت أن أذكر من المشهورين من الإخوة والأخوات من زاد على السبعة
للفائدة فمثال الثمانية من الصحابة أسماء وحمران وخراش وذؤيب وسلمة وفضالة ومالك
وهند بن حارثة بن سعيد بن عبد الله الأسلميون أسلموا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدوا معه بيعة الرضوان بالحديبية ذكر ذلك أبو
القاسم البغوى وذكره ابن عبد البر فى الاستيعاب فى ترجمة هند قال ولم يشهدها أى
بيعة الرضوان إخوة فى عددهم غيرهم ولزم النبى
صلى الله عليه وسلم منهم اثنان
أسماء وهند وكانا من أهل الصفة ومثالهم فى التابعين أولاد أبى بكرة وهم عبد الله
وعبيد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز ومسلم ورواد ويزيد وعتبة سماهم ابن سعد فى
الطبقات مجتمعين وله ابنة اسمها كيسة وروايتها عن أبيها فى سنن أبى داود فيكون هذا
من أمثلة التسعة وقد قال ابن سعد
وتوفى أبو بكرة عن أربعين ولدا من بين ذكر وأنثى فأعقب منهم سبعة ومثال التسعة أولاد الحرث بن قيس السهمى
وكلهم صحب النبى صلى الله عليه وسلم وهاجر
إلى أرض الحبشة وتقدمت أسماؤهم فى الاعتراض الذى يليه هذا ومثال العشرة بنو العباس بن عبد المطلب وهم
الفضل وعبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وقثم ومعبد وعون والحارث وكثير وتمام وكان
أصغرهم وكان العباس
344 يحمله ويقول
تموا بتمام فصاروا عشرة يا رب فجعلهم كراما برره
واحل لهم ذكرا وانم الثمرة
وكان للعباس ثلاث بنات أم كلثوم وأم
حبيب وأميمة وقيل له رابعة وهى أم قثم
فقد اوردها ابن سعد فى الطبقات وروى لها اثرا عن على بن أبى طالب رضى الله
عنه وقال هكذا جاء فى الحديث ولم نجد العباس إبنة تسمى أم قثم ومثال الإثنى عشر أولاد عبد الله بن أبى
طلحة وهم إبراهيم وإسحق وإسمعيل وزيد وعبد الله وعمارة وعمر وعمير والقاسم ومحمد
ويعقوب ويعمر وكانوا كلهم قرأوا القرآن وقال أبو نعيم كلهم حمل عنه العلم كذا
سماهم ابن الجوزى اثنى عشر وسماهم ابن عبد البر وغير واحد عشرة
345 ومثال الثلاثة عشر أو الأربعة عشر أولاد
العباس بن عبد المطلب الذكور والإناث وقد تقدم تسميتهم عند العشرة وأكثر ما رأيت مسمى من الإخوة والأخوات من
أولاد المشهور سعد بن أبى وقاص سمى له ابن الجوزى خمسة وثلاثين ولدا وقد روى عنه
من اولاده فى الكتب الستة أو بعضها إبراهيم وعامر وعمر ومحمد ومصعب وعائشة وقد كان اولاد أنس بن مالك يزيدون على
المائة وسمى لنا ممن روى عنه من أولاده لصلبه عشرة وثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا له
اللهم أكثر ماله وولده
النوع الرابع والأربعون معرفة رواية
الآباء عن الأبناء
قوله وآخر ما رويناه من هذا النوع
وأقربه عهدا ما حدثنيه أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبى سعيد المروزى رحمه
الله بها من لفظه قال أنبأنى والدى عنى فيما قرأت بخطه قال حدثنى ولدى أبو المظفر
عبد الرحيم من لفظه وأصله فذكر بإسناده عن أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال احضروا موائدكم البقل فإنه مطردة للشيطان مع
التسمية انتهى
وقد أبهم المصنف ذكر إسناده
والسمعانى رواه فى الذيل من رواية العلاء بن مسلمة الرواس عن إسماعيل بن مغر الكرمانى
عن ابن عياش وهو إسمعيل عن برد عن مكحول عن أبى أمامة وهو حديث موضوع فأبهم المصنف
منه موضع العلة وسكت عليه وقد ذكر المصنف فى النوع الحادى والعشرين أنه لا يحمل
رواية الحديث الموضوع لأحد علم حاله فى أى معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه وهذا
الحديث ذكر غير واحد من الحفاظ أنه موضوع وقد رواه أبو حاتم بن حبان فى تاريخ
الضعفاء فى ترجمة العلاء
346 ابن مسلمة الرواس بهذا الإسناد وقال فيه يروى
عن الثقات الموضوعات به بحال وقال أبو الفتح الأزدى كان رجل سوء لا يبالى ما روى
وعلى ما أقدم لا يحل لمن عرفه أن يروى عنه وقال محمد بن طاهر كان يضع الحديث وذكر
ابن الجوزى هذا الحديث فى الموضوعات وقال هذا حديث لا أصل له وقد يجاب عن المصنف
بأنه لا يرى أنه موضوع وإن كان فى إسناده وضاع فكأنه ما أعترف بوضعه وقد تقدم أن
المصنف أنكر على من جمع الموضوعات فى عصره فأدخل فيها ما ليس بموضوع يشير بذاك إلى
ابن الجوزى والله أعلم قوله وأما
الحديث الذى رويناه عن أبى بكر الصديق عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فى الحبة السوداء شفاء من كل داء فهو
غلط ممن رواه إلى آخر كلامه هو كما ذكره المصنف من أن من وصف أبا بكر الراوى لهذا
الحديث عن عائشة بأنه الصديق فقد غلط فإنه أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن
ابن أبى بكر وهكذا رواه البخارى فى صحيحه ولكن ذكر ابن الجوزى فى كتاب التلقيح أن
أبا بكر الصديق روى عن ابنته عائشة رضى الله عنها حديثين والله أعلم قوله هؤلاء هم الذين قال فيهم موسى بن عقبة
لا نعرف أربعة أدركوا النبى صلى الله عليه
وسلم هم وأبناؤهم إلا هؤلاء الأربعة فذكر أبا بكر الصديق وأباه وابنه عبد الرحمن
وأبنه محمدا أبا عتيق والله أعلم وقد
يعترض على هذا الإطلاق بصورة أخرى وهى أبو قحافة وابنه أبو بكر وابنته أسماء
وابنها عبد الله بن الزبير فإنه عبر بقوله هم وأبناؤهم وهذا صادق عليه ولا يرد
347 ذلك عن عبارة أبى عمر بن عبد البر فإنه قال
يقال إنه لم يدرك النبى صلى الله عليه
وسلم أربعة ولا أب وبنوه إلا هؤلاء فذكرهم
وقد ذكر ابن منده فى معرفة الصحابة كلا من موسى بن عقبة بصيغة لا يرد على إطلاقها
هذه الصورة فقال ما نعلم أربعة فى الإسلام ادركوا النبى صلى الله عليه وسلم الآباء مع الأبناء إلا أبو
قحافة فذكرهم فالتعبير بالآباء يخرج الامهات ولكن من عبر بأربعة صحابة بعضهم أولاد
بعض فالأحسن التمثيل بعبد الله بن الزبير وأمه وابيها وجدها لأن لعبد الله بن
الزبير صحبة وأما محمد بن عبد الرحمن
فقال ابن حبان فى الصحابة أن له رؤية وقد مضى فى كلام أهل هذا الشأن عند ذكر
الصحابى أن المعتبر مع التمييز والله أعلم
النوع الخامس والأربعون معرفة رواية
الأبناء عن الآباء
قوله ومن أظرف ذلك رواية أبى الفرج
عبد الوهاب التميمى الفقيه الحنبلى عن أبيه فى تسعة من آبائه نسقا فرواها من تاريخ
بغداد لأثر موقوف على على بن أبى طالب
348 فى تفسير الحنان المنان قلت وقد وقع لنا حديث
مرفوع من هذا الوجه وقع فيه التسلسل باثنى عشر أبا وهو أعجب مما ذكره المصنف
أخبرنا به جماعة من شيوخنا منهم شيخنا العلامة برهان الدين إبراهيم بن لاجين
الرشيدى قال انبأنا أحمد بن محمد بن إسحق الهمذاني قال أنبأنا عبد الله بن أحمد بن
محمد القلانسى قراءة عليه وانا حاضر بشيراز انبأنا عبد العزيز بن منصور الآدمى
حدثنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمى سمعت أبى أبا الفرج عبد الوهاب يقول سمعت
أبى أبا الحسن عبد العزيز يقول سمعت أبى أبا بكر الحرث يقول سمعت أبى أسدا يقول
سمعت أبى الليث يقول سمعت أبى سليمان يقول سمعت أبى الأسود يقول سمعت أبى سفيان
يقول سمعت أبى يزيد يقول سمعت أبى أكينة يقول سمعت أبى الهيثم يقول سمعت أبى عبد
الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول ما اجتمع قوم على ذكر إلا
حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة أخبرنا
الحافظ أبو سعيد بن العلائى فى كتاب الوشى المعلم قال هذا إسناد غريب جدا ورزق
الله كان إمام الحنابلة فى زمانه من الكبار المشهورين متقدما فى عدة علوم مات سنة
ثمانى وثمانين وأربع مائة وأبوه أبو الفرج إمام مشهور أيضا ولكن جده عبد العزيز
متكلم فيه كثيرا على إمامته واشتهر بوضع الحديث وبقية آبائه مجهولون لا ذكر لهم فى
شئ من الكتب أصلا وقد تخبط فيهم عبد العزيز أيضا بالتعبير انتهى وأكثر ما وقع لنا بتسلسل رواية الأبناء عن
الآباء أربعة عشر رجلا من رواية
349 أبى محمد الحسن بن على قال حدثنى والدى على
بن أبى طالب قال حدثنى والدى أبو طالب الحسن بن عبيد الله قال حدثنى والدى عبيد
الله بن محمد قال حدثنى محمد بن عبيد الله قال حدثنى والدى عبيد الله بن على قال
حدثنى والدى على بن الحسن قال حدثنى والدى الحسن بن الحسين قال حدثنى والدى الحسين
بن جعفر أول من دخل بلخ من هذه الطائفة قال حدثنى والدى جعفر بن عبد الله قال
حدثنى والدى عبيد الله قال حدثنى والدى الحسين الأصغر قال حدثنى والدى على زين
العابدين قال حدثنى والدى الحسين حدثنى والدى على بن أبى طالب رضى الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المجالس بالأمانة رواه الحافظ أبو سعيد بن السمعانى فى الذيل
قال أنبأنا أبو شجاع عمر ابن أبى الحسن البسطامى الإمام بقراءتى وأبو بكر محمد بن
على بن ياسر الجيانى من لفظه قالا حدثنا السيد أبو محمد الحسن بن على بن أبى طالب
فذكره أورده فى ترجمة الحسن بن على هذا
وقال كان أحد الكبار المشهورين بالجود والسخاء وفعل الخيرات ومحبة أهل العلم
والصلاح وداره كانت مجمع الفقهاء والفضلاء إلى أن قال توفى فى رجب سنة اثنتين
وخمسمائة قلت وفى آبائه من لا يعرف حاله وهذا الحديث من جملة أربعين حديثا منها
مناكير والله أعلم
350 النوع السادس والأربعون معرفة من اشترك عنه
راويان متقدم ومتأخر
قوله وكذلك مالك بن أنس الإمام حدث
عنه الزهرى وزكريا بن دويد الكندى وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر
ومات الزهرى سنة أربع وعشرين ومائة انتهى
وقد اعترض على المصنف بأن وفاة زكريا بن دويد هذا لا تعرف لكنه حدث عنه سنة
نيف وستين ومائتين وهذا الاعتراض لا يرد عليه لأن المصنف احترز عن ذلك بقوله أو
أكثر وإذا كان قد حدث عن مالك سنة نيف وستين ومائتين فأقل ما بينه وبين وفاة
الزهرى مائة وسبع وثلاثون سنة كما قال فإن كان تأخر بعد ذلك فقد أشار إليه بقوله
351 أو أكثر نعم ما كان ينبغى للمصنف أن يمثل
بزكريا بن دويد فإنه لا يعرف سماعه من مالك لكونه كذابا وضاعا لكنه حدث عن مالك بل
حدث عن بعض شيوخ مالك وهو حميد الطويل بعد سنة ستين ومائتين وحميد توفى إما سنة
أربعين ومائة أو سنة ثلاث وأربعين أو ما بينهما ولذلك لم ير الحفاظ روايته عن مالك
شيئا وصرح غير واحد من الحفاظ بأن آخر من سمع من مالك أحمد بن إسماعيل أبو حذافة
السهمى وبه جزم الحافظان أبو الحجاج المزى فى التهذيب وأبو عبد الله الذهبى فى
العبر وتوفى السهمى سنة تسع وخمسين ومائتين والسهمى وإن كان ضعيفا أيضا ولكنه قد
شهد له أبو مصعب بأنه كان معهم في العرض على أيضا ولكنه قد شهد له أبو مصعب بأنه
كان معهم فى العرض على مالك فقد صح سماعه من مالك بخلاف زكريا ابن دويد وقد ذكره
ابن حبان فى الضعفاء فقال شيخ يضع الحديث على حميد الطويل كان يدور بالشام ويحدثهم
بها ويزعم أن له مائة سنة وخمسة وثلاثين سنة لا يحل ذكره فى الكتب إلا على سبيل
القدح فيه وقال صاحب الميزان كذاب
ادعى السماع من مالك والثورى والكبار وزعم أن له مائة وثلاثين سنة وذلك بعد الستين
ومائتين انتهى ولكن المصنف تبع فى ذلك الخطيب فإنه مثل به فى كتابه السابق واللاحق
وذكره فى كتاب أسماه الرواة عن مالك وروى له حديثا عن مالك وسكت عليه فتبعه المصنف
والله أعلم
النوع السابع والأربعون معرفة من لم
يرو عنه إلا راو واحد
قوله وكذلك عامر بن شهر وعروة بن
مضرس ومحمد بن صفوان الأنصارى
352 ومحمد بن صيفى الأنصارى وليسا بواحد وإن قاله
بعضهم صحابيون لم يرو عنهم غير الشعبى انتهى وفيه أمران أحدهما أن عامر بن شهر وإن
كان ما روى عنه الحديث الذى يعرف به إلا الشعبى فإن ابن عباس قد روى عنه قصة رواها
سيف بن عمر فى الردة قال حدثنا طلحة الأعلم عن عكرمة عن ابن عباس قال أول من اعترض
على الأسود العنسى وكابره عامر بن شهر الهمداني في ناحيته فهذا عن ابن عباس قد روى
هذه القصة عنه وأيضا فهو مشهور فى غير الرواية فإنه كان أحد عمال النبى صلى الله عليه وسلم على اليمن ذكره ابن عبد
البر وغيره الأمر الثانى إن عروة بن
مضرس لم ينفرد بالرواية عنه الشعبى فقد روى عنه أيضا ابن عمه حميد بن منهب بن حارثة
بن خريم بن أوس بن حارثة بن لأم الطائى ذكره الحافظ أبو الحجاج المزى فى التهذيب
وتبع المصنف فى ذلك الحاكم فى علوم الحديث وقد سبقه إلى ذلك على بن المدينى قوله وانفرد قيس بن أبى حازم بالرواية عن
أبيه وعن دكين بن سعيد المزنى والصنابح بن الأعسر ومرداس بن مالك الأسلمى وكلهم
صحابة انتهى وفيه أمران أحدهما أن
الصنابح روى عنه أيضا الحارث بن وهب كما ذكره الطبرانى فى أحاديث الصنابح بن
الأعسر الأحمسى إلا أنه قال فى إسناد حديثه الصنابحى قال أبو نعيم فى معرفة
الصحابة هو عندى المتقدم يعنى الأحمسى
الأمر الثانى أن المصنف ذكر قبل هذا تفرد قيس عن مرداس بن مالك الأسلمى
وتقدم ذكره لذلك فى النوع الثالث والعشرين عند ذكر أقسام المجهول وتقدم أن المزى
قال فى التهذيب أنه روى عنه أيضا زياد بن علاقة وأن الصواب ما قاله ابن الصلاح فإن
الذى روى عنه زياد بن علاقة هو مرداس بن عروة صحابى آخر لا أعلم بين من صنف فى
الصحابة فى ذلك اختلافا والله أعلم
353 قوله ومعاوية بن حيدة لم يرو عنه غير ابنه
حكيم والد بهز انتهى قلت بل قد روى
عنه أيضا عروة بن رويم اللخمى وحميد المزني فأما رواية عروة بن رويم عنه فذكرها
المزى فى التهذيب وأما رواية حميد المزنى عنه فذكرها ابن أبى حاتم فى الجرح
والتعديل والمزى أيضا قوله وأبو ليلى
الأنصارى لم يرو عنه غير ابنه عبد الرحمن ابن أبى ليلى انتهى قلت ذكر المزي فى التهذيب أنه روى عنه أيضا
عدى بن ثابت قال ولم يدركه وإنما أوردته لذكر المزى لعدى بن ثابت فيمن روى عن أبى
ليلى وإلا فروايته عنه مرسلة كما ذكر والله أعلم
قوله وبإخراجه أى البخارى حديث
الحسن البصرى عن عمرو بن تغلب أنى لأعطى الرحل والذى ادع أحب إلى ولم يرو عن عمرو
غير الحسن انتهى
354 وذكر أبو عمر بن عبد البر أنه روى عنه أيضا
الحكم بن الأعرج حكاه المزى فى التهذيب عن ابن عبد البر قلت ولا حاجة لإبعاد
النجعة فى حكايته عن ابن عبد البر فقد حكاه ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وهو من
أشهر ما صنف فى اسماء الرجال ولكن المصنف تبع فى ذلك مسلم بن الحجاج قوله وكذلك أخرج مسلم فى صحيحه حديث رافع
بن عمرو الغفارى ولم يرو عنه غير عبد الله بن الصامت وحديث أبى رفاعة العدوى ولم
يرو عنه غير حميد بن هلال العدوى وحديث الأغر المزنى أنه ليغان على قلبى ولم يرو
عنه غير أبى بردة فى أشياء كثيرة عندهما فى كتابيهما على هذا النحو انتهى قلت وكل واحد من المذكورين قد روى عنه غير
واحد أما رافع بن عمرو فروى عنه أيضا ابنه عمران بن رافع وأبو جبير مولى أخيه
الحكم بن عمرو الغفارى فأما
355 رواية ابنه عمران عنه فذكرها المزى فى
التهذيب وأما رواية أبى جبير عنه فهى فى جامع الترمذى عنه فى حديث أنه كان يرمى
نخل الأنصار وقال الترمذى إنه حديث حسن صحيح وقد رواه أبو داود وابن ماجه من رواية
ابن أبى الحكم الغفارى عن جدته عن عم أبيها رافع بن عمرو فهؤلاء أربعة قد رووا عنه
وأما أبو رفاعة العدوى فقد روى عنه أيضا صلة ابن اشيم العدوى وروايته عنه فى معجم
الطبرانى الكبير أنه كان معه فى غزاة وإن أبا رفاعة اصيب فرأى له صلة مناما وقد
ذكره المزى فى التهذيب فيمن روى عنه
وأما الأغر المزى فروى عنه أيضا عبد الله بن عمر بن الخطاب ومعاوية بن قرة
المزنى وروايتهما عنه فى المعجم الكبير للطبرانى وذكره المزى فى التهذيب أيضا قوله ومثال هذا النوع فى التابعين أبو
العشراء الدارمى لم يرو عنه فيما نعلم غير حماد بن سلمة انتهى قلت ذكر تمام بن محمد الرازى فى جزء له جمع
فيه حديث أبى العشراء رواية غير واحد عنه منهم يزيد بن أبى زياد وعبد الله بن محرر
كلاهما روى عنه حديث الزكاة متابعين لحماد بن سلمة والله أعلم قوله ومثل الحاكم لهذا النوع فى التابعين
بمحمد بن أبى سفيان الثقفى وذكر أنه لم يرو عنه غير الزهرى فيما نعلم انتهى قلت بل قد روى عنه أيضا ضمرة بن حبيب بن
صهيب الزبيدى كما ذكره البخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والمزى
فى التهذيب وروايته عنه فى المعجم الكبير للطبرانى وروى عنه أيضا تميم بن عطية العنسى
وأبو عمر الأنصارى ذكره
356 المزى فى التهذيب قوله نقلا عن الحاكم أنه ذكر فيمن تفرد
عنهم الزهرى سنان بن أبى سنان الدؤلى انتهى
قلت قد ذكر الحافظ أبو الحجاج المزى فى التهذيب أنه روى عنه أيضا زيد ابن
اسلم وكأنه قلد فى ذلك ابن ماكولا فإنه هكذا قال فى الإكمال إنه روى عنه وعن ابيه
أبى سنان والمشهور أن رواية زيد بن اسلم عن أبيه سنان واسمه يزيد بن اميه هكذا
ذكره البخارى فى التاريخ الكبير قال البخارى وقال زيد بن اسلم حدثنا أبو سنان يزيد
بن أميه وكذا ذكر النسائى فى الكنى والحاكم أبو أحمد فى الكنى فى ترجمة أبى سنان
والدارقطنى فى المؤتلف والمختلف أنه روى عنه زيد بن أسلم قوله نقلا عن الحاكم أيضا أنه ذكر فيمن
تفرد عنهم يحيى بن سعيد الأنصارى عبد الله بن أنيس الأنصارى انتهى قلت قال الخطيب فى كتاب المتفق والمفترق عبد
الله بن أنيس ثلاثة فذكرهم فالأولان صحابيان والثالث تابعى فلم يذكر هو ولا غيره
تفرد يحيى بن سعيد عن واحد من الثلاثة بل ولا روايته عن واحد منهم وقد ذكر البخارى
فى التاريخ هذا الذى أشار إليه الحاكم فقال عبد الله بن أنيس عن أمه وهى بنت كعب
بن مالك خرج النبى صلى الله عليه وسلم على
كعب بن مالك وهو ينشد قال ابن وهب أنبأنا عمرو بن الحارث عن يحيى ابن سعيد أن عبد
الله بن أنيس حدثه ولم يذكر ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل عبد الله بن أنيس هذا
فإن كان هذا هو التابعى المذكور فى المتفق والمفترق فلم ينفرد عنه يحيى بن سعيد بل
تابعه على الرواية عنه زهرة بن معبد وإن كان غيره فكان يلزم الخطيب أن يجعلهم
أربعة ولهم أيضا خامس اسمه عبد الله بن أنيس الأنصارى صحابى
357 روى عنه ابنه عيسى وحديثه عند أبى داود
والترمذى وقد فرق بينه وبين عبد الله ابن أنيس الجهنى على بن المدينى وخليفة بن
خياط وغيرهما وذكره أبو موسى المدينى
فى ذيله على الصحابة وقال فى نسبه الزهرى وقد ذكر الطبرانى حديث هذا في حديث عبد
الله بن أنيس الجهنى والله أعلم قوله
ومثل فى اتباع التابعين بالمسور بن رفاعة القرظى وذكر أنه لم يرو عنه غير مالك ثم
قال وأخشى أن يكون الحاكم فى تنزيله بعض من ذكره بالمنزلة التى جعله فيها معتمدا
على الحسبان والتوهم والله أعلم قلت
وما خشيه المصنف هو المتحقق فى بعضهم خصوصا المسور بن رفاعة فقد روى عنه جماعة
آخرون منهم إبراهيم بن سعد ومحمد بن اسحق كما ذكره ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل
وذكر ابن حبان فى الثقات رواية بن اسحق عنه وكذلك روى عنه عبد الله بن محمد الفروى
وروايته عنه فى كتاب الأدب للبخارى ومنهم عبد الرحمن ابن عروة وأبو بكر بن عبد
الله بن أبى سبرة وداود بن سنان المدينى وإبراهيم بن ثمامة
359 النوع التاسع والأربعون معرفة المفردات
قوله ومنها صغدى بن سنان اسمه عمر
وصغدى لقب ومع ذلك فلهم صغدى غيره انتهى
والمشهور الذى ذكره الجمهور أن صغديا
اسمه لا لقبه هكذا سماه ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وابن حبان في تاريخ
الضعفاء وابن عدى فى الكامل والسمعانى فى
360 الأنساب وصرح بأنه اسم له فقال هذه الكلمة
وردت فى الأنساب والأسماء فأما فى الأسماء فأبو يحيى صغدى بن سنان العقيلى بصرى
وهو ضعيف إلى آخر كلامه وأما القول بأنه لقب له وأن اسمه عمر فحكاه العقيلى فى
تاريخ الضعفاء بصيغة التمريض فقال صغدى بن سنان أبو معاوية العقيلى يقال اسمه عمر
ثم قال ومن حديثه ما حدثناه محمد بن على المروزى حدثنا محمد بن مرزوق جار هدبة قال
حدثنا صغدى بن سنان اسمه عمر يلقب صغدى فذكر له حديثا وقال لا يتابع عليه بهذا
الإسناد ولا على شئ من حديثه انتهى
وتبعه الدارقطنى فقال فى الضعفاء اسمه عمر وكذا سماه الشيرازى فى الألقاب
إلا أنه ذكره فى باب السين سعدى وفى الضعفاء لابن الجوزى اسمه عمرو وتبع ابن
الجوزى أيضا العقيلى فى أن كنيته أبو معاوية وهكذا كناه ابن عدى فى الكامل
والشيرازى فى الألقاب والمشهور أن كنيته أبو يحيى كذا كناه ابن أبى حاتم فى الجرح
والتعديل والسمعانى فى الأنساب ولم أر
من ذكره فى الكتب المصنفة فى معرفة الكنى بشئ من الكنى كمسلم والنسائى وأبى أحمد
الحاكم وأبى بشر الدولابى وأبى عمر بن عبد البر والله أعلم وأما كونه ليس فردا وأن لهم بهذا الاسم غيره
فهو كذلك منهم صغدى الكوفى غير منسوب لأبيه قال فيه يحيى بن معين ثقة وذكره ابن
أبى حاتم فى الجرح والتعديل ولهم ثالث وهو صغدى بن عبد الله ذكره العقيلى فى
الضعفاء وروى له من رواية عنبسة بن عبد الرحمن أحد الضعفاء عنه عن قتادة عن أنس
مرفوعا الشاء بركة قال العقيلى حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلا به
361 قوله الدجين بن ثابت بالجيم مصغرا أبو
الغصن قيل إنه جحا المعروف والأصح أنه غيره وفيه أمران أحدهما ما ذكره المصنف من
أنه فرد هو الذى ذكره البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل
وغيرهما وخالف فى ذلك ابن عدى فى الكامل فذكره فى الثانى فقال اسمه دجين بن ثابت
أبو الغصن اليربوعى البصرى ثم قال دجين العرينى ثم روى عن يحيى بن معين قال حدث
ابن المبارك عن شيخ يقال له الدجين العرينى وهو ضعيف قال ابن عدى وهذا الذى قاله
يحيى أن دجين العرينى روى عنه ابن المبارك هو عندى الدجين بن ثابت كما قال البخارى
الدجين بن ثابت روى عنه ابن المبارك وتبعه صاحب الميزان فى إيراد الترجمتين ثم قال
بعد ذكر الثانى أراه الأول الأمر
الثانى أن ما صححه المصنف من أن الدجين بن ثابت غير جحا جزم الشيرازى فى الألقاب
بخلافه فقال جحا الدجين بن ثابت وروى ذلك أيضا عن يحيى بن معبن ولكن الذى صححه
المصنف هو الذى اختاره ابن عدى وابن حبان قال ابن عدى حدثنا ابن قتيبة حدثنى محمد
بن محمد الرومى حدثنا يوسف بن بحر سمعت يحيى بن معين يقول الدجين بن ثابت أبو
الغصن صاحب حديث عمر من كذب على متعمدا هو جحا قال ابن عدى فهذه الحكاية التى حكيت
عن يحيى أن الدجين هذا هو جحا أخطأ عليه من حكاه عنه لأن يحيى أعلم بالرجال من أن
يقول هذا والدجين ابن ثابت إذا روى عنه ابن المبارك ووكيع وعبد الصمد ومسلم بن
إبراهيم وغيرهم هؤلاء أعلم بالله من أن يرووا عن جحا والدجين أعرابى وقال ابن حبان
فى تاريخ الضعفاء فى ترجمة الدجين بن ثابت وهو الذى يتوهم أحداث أصحابنا أنه جحا
وليس كذلك انتهى وذكر الجاحظ أن اسم جحا نوح والله أعلم قوله زر بن حبيش التابعى الكبير وفيه نظر
فإن زر بن حبيش ليس فردا ولهم غير واحد يسمون هكذا منهم زر بن عبد الله بن كليب
الفقيمى قال الطبرانى
362 له صحبة وهو من المهاجرين وهو من أمراء
الجيوش فتح خوزستان ذكره أبو موسى المدينى فى ذيله فى الصحابة على بن منده وكذلك
ذكره ابن فتحون فى ذيله على الاستيعاب وقال وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا ودعا له النبى صلى الله عليه وسلم وأمره عمر رضى الله عنه على قتال جند نيسابور
ذكره سيف والطبرى ومنهم زر بن إربد بن قيس بن لبيد بن ربيعة وزر بن محمد الثعلبى
أحد بنى ثعلبة ابن سعد بن ذبيبان بن بغيض وقد ذكر ابن ماكولا الثلاثة المذكورين فى
الإكمال وقال فى كل منهم أنه شاعر وفى
هذا جواب على المصنف فإنه ترجم هذا النوع بالمفردات الآحاد من أسماء الصحابة ورواة
الحديث والعلماء فخرج بذلك الشعراء الذين لا صحبة لهم فيرد عليه الأول فقط لأنه
صحابى وأجاب بعض المتأخرين أن مثل هذا لا يرد على البرديجى إنما يرد عليه ما ورد
من الأسماء من طبقة ذلك الذى سماه إما من الصحابة أو التابعين كذا قال وفيه نظر
وهو وارد على المصنف قطعا لأنه لم يقيد ذلك بطبقة والله أعلم قوله سعير بن الخمس انفرد فى اسمه واسم
أبيه انتهى وليس سعير فردا وقد ذكر
غير واحد فى الصحابة اثنين بهذا الاسم أحدهما سعير بن عداء البكائى ذكره الباوردى
فى الصحابة وأن النبى صلى الله عليه
وسلم كتب له من محمد رسول الله إلى سعير
بن عداء إنى أحضرتك الرخيج وجعلت لك فضل ابن السبيل أورده ابن فتحون فى ذيله على
الاستيعاب وذكره ابن منده وأبو نعيم أيضا إلا أنهم لم ينسباه البكائى ونسباه
القريعى وقالا يعد فى الحجازيين
والثانى سعير بن سوادة العامرى أتى النبى
صلى الله عليه وسلم ذكره ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة قال أبو نعيم وقيل
هو سفيان بن سوادة والله أعلم قوله
سندر الخصى مولى زنباع الجذامى له صحبة انتهى اعترض عليه بأن فى الصحابة اثنين
بهذا الاسم أحدهما سندر هذا يكنى أبا عبد الله ذكره ابن منده وأبو نعيم وابن عبد
البر والثانى سندر يكنى أبا الأسود ذكره وأبو موسى المدينى فى ذيله فى الصحابة
363 على ابن منده وذكر له حديث أسلم سالمها الله
الحديث وهذا يقتضى أنه عند أبى موسى آخر والجواب عنه أن الصواب أنهما واحد وكنيته
أبو الأسود كما كناه البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل
والنسائى فى الكنى وغيرهم وإنما كناه من كناه بأبى عبد الله كما فعل الطبرانى فى
المعجم الكبير بابنه عبد الله الذى روى عنه أحد الحديثين وهو قد نزل مصر وإنما روى
عنه الحديث الذى ذكره أبو موسى أهل مصر وقد قال الحافظ أبو عبيد الله محمد بن
الربيع الجيزى فى كتاب له جمع فيه حديث من دخل مصر من الصحابة فى ترجمة سندر ولأهل
مصر عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم
حديثان لا أعلم له غيرهما ثم روى له الحديثين معا وقال أبو الحسن بن الأثير الجزرى
يغلب على ظنى أنهما واحد ودليله أنهما من أهل مصر انتهى قوله صنابح بن الأعسر الصحابى ومن قال فيه
صنابحى فقد أخطأ انتهى اعترض عليه بأن
أبا نعيم ذكر له الصحابة آخر اسمه صنابح وكذلك ذكره أبو موسى المدينى فى ذيله على
ابن منده وذكرا له حديثا متنه لا تزال هذه الأمة فى مسكة من دينها ما لم يكلوا
الجنايز إلى أهلها والجواب أن أبا نعيم بعد أن أورده قال هو عندى المتقدم أورده
بعض المتأخرين ترجمة انتهى وقد تقدم أن
الذكر الحديث فى المعجم الكبير فى ترجمة الصنابح بن الأعسر ولكنه قال فى المسند
الصنانجي بالياء آخر الحروف وانصاب حذفها كما ذكره المصنف والله أعلم
364 قوله عزوان بن زيد الرقاشى بعين غير معجمة عبد
صالح تابعى انتهى اعترض عليه بأن لهم
عزوان آخر لم ينسب تابعى أيضا ذكره ابن ماكولا فى الإكمال بعد ذكر الأول وقال إنه
من أصحاب أبى موسى روى عن أنس بن مالك قال ما أصنع بالضحك والجواب أن ابن ماكولا
بعد أن ذكره قال لعله ابن زيد الذى قبله انتهى وكذلك لم يذكره الدارقطنى بل اقتصر على
الأول وكذلك ذكره البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل فى
الإفراد قلت ولا يعرف له رواية وإنما روى عنه شئ من قوله كما أشار إليه البخارى
وابن أبى حاتم وذكر الدارقطنى فى المؤتلف والمختلف عن السرى بن يحيى أن عزوان
الرقاشى كان يختلف إلى مجلس ثابت مجلس القصص
قوله المستمر بن الريان رأى أنسا انتهى وليس المستمر هذا فردا فإن لهم
المستمر التاحى وكلاهما بصرى وهو والد إبراهيم بن المستمر العروقى روى له ابن ماجه
حديثا رواه عن أبيه إبراهيم بن المستمر العروقى عن أبيه المستمر عن عيسى بن ميمون
عن عون بن أبى شداد عن أبى عثمان النهدى عن سلمان الفارسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من غدا إلى صلاة الصبح غدا براية الإيمان
الحديث قال صاحب الميزان انفرد عنه ابنه إبراهيم قوله نبيشة الخير صحابى انتهى وليس نبيشة
فردا فإن لهم نبيشة آخر صحابى أورده ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة وتوفى فى حياة
النبى صلى الله عليه وسلم وهو الذى
365 روى أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم رجلا يلبى عنه والحديث رواه الدارقطنى والبيهقى
من حديث ابن عباس قال سمع النبى صلى الله
عليه وسلم رجلا يلبى عن نبيشة فقال أيها الملبى عن نبيشة هذه عن نبيشة فاحجج عن
نفسك ولهم شيخ آخر اسمه نبيشة ابن أبى السلمى روى عنه رشيد أبو موهب ذكره ابن أبى
حاتم فى الجرح والتعديل وقال سمعت أبى يقول إنه مجهول انتهى ويجاب عن المصنف بأنه تبع فى ذلك البخارى
فإنه ذكر نبيشة الخير فى التاريخ الكبير فى الإفراد وأما نبيشة المذكور فى الحج
فإنه لا يصح حديثه انفرد به الحسن بن عمارة وهو متروك الحديث والمعروف من حديث ابن
عباس لبيك عن شبرمة وقد رواه الحسن بن عمارة أيضا هكذا مثل رواية غيره رواه
الدارقطنى والبيهقى أيضا قال الدارقطنى هذا هو الصحيح عن ابن عباس والذى قبله وهم
يقال أن الحسن بن عمارة كان يرويه ثم رجع عنه إلى الصواب فحدث به على الصواب
موافقا لرواية غيره عن ابن عباس وهو متروك الحديث على كل حال انتهى فأما نبيشة
الثالث فهو مجهول كما تقدم قوله نوف
البكلى تابعى انتهى وليس نوفى فردا فأما نوف هذا فهو نوف بن فضالة كذا نسبه
البخارى وابن أبى حاتم وابن حبان وغيرهم وهو ابن امرأة كعب الأحبار وله ذكر فى
الصحيحين فى حديث ابن عباس عن أبى فى قصة الخضر مع موسى عليهما السلام وأما نوف
الآخر فهو نوف بن عبد الله روى عن على بن أبى طالب قصة طويلة
366 ذكر ابن أبى حاتم منها قال بت مع على بن أبى
طالب فقال يا نوف أنائم أنت أم رامق روى عنه سالم بن أبى حفصة وفرقد السبخى وقد
ذكر ابن حبان الترجمتين معا فى ثقات التابعين
وقد قيل إن لهم ثالثا اسمه نوف بن عبد الله أيضا قال ابن أبى حاتم فى الجرح
والتعديل كأن البخارى جعل نوف بن عبد الله اسمين فسمعت أبى يقول هما واحد وكتب
بخطه ذلك انتهى قلت ولم يذكر البخارى فى التاريخ الكبير غير نوف بن فضالة البكالى
فى الافراد فلا أدرى أين ذكر البخارى نوف بن عبد الله اثنين والله أعلم قوله أبو المدلة بكسر الدال المهملة وتشديد
اللام وروى عنه الأعمش وابن عيينة وجماعة ولا نعلم أحدا تابع أبا نعيم الحافظ فى
قوله أن اسمه عبيد الله بن عبد الله المدنى انتهى وفيه أمران أحدهما أن قوله روى عنه الأعمش
وابن عيينة وجماعة وهم عجيب ولم يرو عن أبى المدلة واحد من المذكورين أصلا وقد
انفرد بالرواية عنه أبو مجاهد الطائى واسمه سعد هذا مالا أعلم فيه خلافا بين أهل
الحديث ولم يذكر له ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وابن حبان فى الثقات وأبو أحمد
الحاكم فى الكنى وغيرهم ممن صنف فى أسماء الرجال فيما وقفت عليه راويا غير سعد أبى
مجاهد الطائى وصرح بذلك على بن المدينى فقال أبو مدلة مولى عائشة لا يعرف اسمه
مجهول لم يرو عنه غير أبى مجاهد وسبب هذا الوهم الذى وقع للمصنف أنه اشتبه عليه
ذلك بأبي مجاهد الذى روى عن أبى مدلة فإنه روى عنه الأعمش وسفيان بن عيينة وآخرون
وليس أبو مجاهد من أفراد الكنى فإن لهم جماعة يكنون بأبى مجاهد والله أعلم
367 الأمر الثانى أن أبا نعيم لم ينفرد
بتسميته عبيد الله بن عبد الله بل كذلك سماه ابن حبان فى الثقات وجزم أبو أحمد
الحاكم فى الكنى بأنه أخو سعيد بن يسار
وروى بإسناده عن البخارى أنه قال أبو مدلة صاحب عائشة قال خلاد بن يحيى عن
سعدان الجهنى عن سعد الطائى عن أبى مدلة أخى سعيد بن يسار قال وقال الليث بن سعد
أبو مزيد ولا يصح قلت والمعروف أن أخا
سعيد بن يسار إنما هو مزرد لا أبو مدلة وهو أيضا من الأفراد فى الكنى واسم أبى مزرد عبد الرحمن بن يسار كما ذكره
أحمد بن صالح وأبو أحمد الحاكم فى الكنى وبه جزم المزى فى التهذيب وهو والد معاوية
بن أبى مزرد أحد من احتج به الشيخان والله أعلم قوله مندل بن على هو بكسر الميم عن الخطيب
وغيره ويقولونه كثيرا بفتحها انتهى قلت
قال الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر الصواب فيه فتح الميم كذا نقلته من خط الحافظ
أبى الحجاج يوسف بن خليل أنه نقله من خط ابن ناصر
368 النوع الموفى خمسين معرفة الأسماء والكنى
قوله وهذا كأبى بكر بن عبد الرحمن بن
الحارث بن هشام المخزومى أحد فقهاء المدينة السبعة وكان يقال له راهب قريش اسمه
أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن انتهى
369 وهذا الذى جزم به المصنف من أن اسمه أبو بكر
وكنيته أبو عبد الرحمن قول ضعيف رواه البخارى فى التاريخ عن سمى مولى أبى بكر بن
عبد الرحمن وفيه قولان آخران أحدهما أن اسمه محمد وكنيته أبو بكر وهو الذى ذكره
البخارى فى التاريخ فى المحمدين وذكر
من رواية شعيب ويونس ومعمر وصالح عن الزهرى أنه سماه كذلك ثم ذكر فى آخر الترجمة قول سمى المتقدم
والقول الثالث وهو الصحيح أن اسمه كنيته وبهذا جزم ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل
وابن حبان فى الثقات وقال المزى فى التهذيب إنه الصحيح قوله ومن غير الصحابة أبو الأبيض الراوى عن
أنس بن مالك انتهى وما ذكره المصنف من
أن أبا الأبيض لا يعرف اسمه مخالف لما ذكره ابن أبى حاتم فى الكنى فإنه قال فى
كتاب له مفرد فى الكنى أن اسمه عيسى وقال فى الجرح والتعديل
370 فى باب تسمية من اسمه عيسى ممن لا ينسب عيسى
بن الأبيض العنسى يروى عن أنس ابن مالك روى عنه ربعى بن حراش وإبراهيم بن أبى عبلة
هكذا ذكر فى الأسماء منه ثم قال فى
أواخر الكتاب فى ذكر من روى عنه العلم ممن عرف بالكنى ولا يسمى فى باب الافراد من
الكنى من باب الألف أبو الأبيض روى عن أنس بن مالك روى منصور بن المعتمر عن ربعى
بن حراش عنه سمعت أبى يقول ذلك سئل أبو زرعة عن أبى الأبيض الذى يروى عن أنس فقال
لا يعرف اسمه انتهى وهذا مخالف لما قاله فى الأسماء ومخالف لما ذكره فى كتاب الكنى
المفردة ولم أر أحدا ممن صنف فى الكنى أن اسمه عيسى ولا ذكروا له اسما آخر وقد
أجاب أبو القاسم بن عساكر فى تاريخ دمشق عن هذا الاضطراب الذى وقع فيه ابن أبى
حاتم بل قال لعل ابن أبى حاتم وجد فى بعض رواياته أبو الأبيض عنسى فتصحف عليه
بعيسى والله أعلم قوله أبو النجيب
مولى عبد الله بن عمرو بن العاص بالنون المفتوحة فى أوله وقيل بالتاء المضمومة
باثنتين من فوق انتهى وفيه أمران أن
أحدهما أبا النجيب المذكور ليس هو مولى عبد الله بن عمرو ابن العاص وإنما هو مولى
عبد الله بن سعد بن أبى سرح كما ذكره ابن يونس فى تاريخ مصر وابن حبان فى الثقات
وابن ماكولا فى الإكمال وعبد الكريم الحلبى فى تاريخ مصر وبه جزم المزى فى التهذيب
ولا أعلم بينهم فى ذلك اختلافا الأمر
الثانى أن ذكر المصنف لأبا النجيب هذا فيمن لا يعرف اسمه ليس بجيد فقد روى أبو عمر
الكندى فى موالى أهل مصر بإسناده إلى عمرو بن سواد أن اسم أبا النجيب ظليم وبه جزم
بن ماكولا فى الإكمال فى موضعين من كتابه فى باب الباء الموحدة وفى باب الظاء
المعجمة بأنه ظليم بفتح الظاء المعجمة وكسر اللام وبه جزم عبد الكريم فى تاريخ مصر
وحكاه قبل ذلك يونس فى تاريخ مصر فقال يقال أن اسمه ظليم ولم يصح انتهى فكان ينبغى
للمصنف أن يمثل بمن لم يذكر له اسم أصلا وفى قول لبعض العلماء والله أعلم
372 قوله سليمان بن بلال المدنى أبو بلال
وقيل أبو محمد انتهى وفيما صدر به
المصنف كلامه عن تكنيته بأبى بلال نظر فإنى لم أجد أحدا ممن صنف فى أسماء الرجال
كناه بذلك والمعروف إنما هو أبو أيوب وبه جزم البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى
حاتم فى الجرح والتعديل والنسائى فى الكنى وبه صدر ابن حبان فى الثقات كلامه
والذين حكوا الخلاف فى كنيته اقتصروا على قولين إما أيوب وإما أبو محمد كذا فى
ثقات ابن حبان والتهذيب للمزى والأول أشهر كنى بابنه أيوب ابن سليمان بن بلال
والله أعلم
374 النوع الحادى والخمسون معرفة كنى المعروفين
بالأسماء والكنى
قوله فممن يكنى بأبى محمد من هذا
القبيل من الصحابة فذكر جماعة منهم ثابت ابن قيس بن شماس انتهى
وحق هذا أن يذكر فى النوع الذى قبله
فى الضرب الخامس منه وهو ممن اختلف فى كنيته واسمه معروف فإن ثابت بن قيس قد اختلف
فى كنيته ومع ذلك فقد رجح المزى في التهذيب أن كنيته أبو عبد الرحمن فقال ثابت بن
قيس بن شماس أبو عبد الرحمن ويقال أبو
محمد وكأنه تبع فى ذلك ابن حبان فإنه قال فى الصحابة كنيته أبو عبد الرحمن وقد قيل أبو محمد ولم يكنه البخارى فى
التاريخ الكبير ولا ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل ولا النسائى فى الكنى وكأن
المصنف تبع فى ذلك ابن منده وابن عبد البر فإن ابن منده جزم بأن كنيته أبو محمد
ورجحه ابن عبد البر أيضا فقال يكنى أبا محمد بابنه محمد وقيل يكنى أبا عبد الرحمن
وكذا فعل أبو أحمد الحاكم فى الكنى ومع ذلك فكان المكان اللائق به الضرب الخامس من
النوع الذى قبله والله أعلم
375 قوله فيمن يكنى أبا محمد من الصحابة عبد
الله بن جعفر بن أبى طالب فيه نظر من حيث أن المعروف أن كنيته أبو جعفر هكذا كناه
البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والنسائى فى الكنى
وابن حبان والطبرانى وابن منده وابن عبد البر فى كتبهم فى الصحابة وكأن المصنف
اغتر بما وقع فى الكنى النسائى فى حرف الميم أبو محمد عبد الله بن جعفر ثم روى
بإسناده أن الوليد بن عبد الملك قال لعبد الله بن جعفر يا أبا محمد انتهى ثم قال
بعد ذلك فى حرف الجيم أبو جعفر عبد الله بن جعفر بن أبى طالب المدنى فلم ينسب عبد
الله ابن جعفر المكنى بأبى محمد إلى جده واستدل على كنيته بقول الوليد بن عبد
الملك ونسبه عند ذكر تكنيته بأبى جعفر وقد روى البخارى فى التاريخ الكبير بإسناده
إلى ابن الزبير أنه قال لعبد الله بن جعفر يا أبا جعفر وذكر البخارى أيضا أن ابن
إسحق كناه أبا جعفر وابن الزبير عرف بعبد الله بن جعفر من الوليد ابن عبد الملك إن
كان النسائى أراد بعبد الله بن جعفر المذكور ابن أبى طالب وهو الظاهر وإن كان أراد
به غيره فلا مخالفة والله أعلم قوله
فيمن يكنى أبا عبد الله عمارة بن حزم ينظر فيه فإنى لم أر من كناه بذلك ولم يذكروا
له كنية فيما وقفت عليه كالبخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح
والتعديل والنسائى وأبى أحمد الحاكم وابن حبان وابن منده وابن عبد البر
376 قوله فيمن يكنى بأبى عبد الله وعثمان بن
حنيف فيه نظر من حيث أن المشهور أن كنيته أبو عمرو ولم يذكر المزى فى التهذيب له
كنية وبه صدر ابن عبد البر فى الاستيعاب كلامه وكثير من الأئمة لم يذكروا له كنية
كالبخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وابن منده فى الصحابة نعم
جزم بن حبان بما ذكره المصنف وذكره أبو أحمد الحاكم فى البابين معا فى باب أبى عبد
الله وفى باب أبى عمرو والله أعلم
قوله فيمن يكنى بأبى عبد الله والمغيرة بن شعبة فيه نظر فإن المشهور أن
كنيته أبو عيسى هكذا جزم به النسائى فى الكنى وبه صدر أبو أحمد الحاكم فى الكنى
كلامه وهكذا صدر به المزى كلامه نعم صدر البخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم وابن
حبان كلامهم بما ذكره المصنف قوله
فيمن يكنى بأبى عبد الله معقل بن يسار وعمرو بن عامر المزنيان فيه نظر فيهما
معا أما معقل بن يسار فإن كنيته أبو
على على المشهور وهو قول الجمهور على بن المدينى وخليفة بن خياط وعمرو بن على
الفلاس وأحمد بن عبد الله بن صالح العجلى وبه جزم ابن منده فى معرفة الصحابة وبه
صدر البخارى فى كلامه فى التاريخ الكبير وكذلك ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل
وابن حبان فى طبقة الصحابة والنسائى فى الكنى
377 وأما ما جزم به المصنف من أنه أبو عبد
الله فهو قول إبراهيم بن المنذر الحزامى حكاه أبو أحمد الحاكم فى الكنى عنه
والمشهور ما قدمناه قال العجلى لا نعلم أحدا من الصحابة يكنى بأبى على غير معقل بن
يسار قلت بلى قيس بن عاصم وطلق بن على
من الصحابة كلاهما يكنى بأبى على كما ذكره النسائى فى الكنى وغيره والله أعلم وأما
عمرو بن عامر المزنى فإنى لا أعرف فى الصحابة من تسمى عمرو بن عامر إلا اثنين
أحدهما ما ذكره أبو عبد الله بن منده فى معرفة الصحابة فقال عمرو بن عامر بن مالك
بن خنساء بن مبذول بن مازن بن النجار أبو داود المازنى شهد بدرا قاله محمد بن يحيى
الذهلى انتهى فهذا كما تراه ليس مزنيا ولا كنيته أبو عبد الله وإنما هو مازنى
وكنيته أبو داود وقد تخبط فيه ابن منده فذكره أيضا بعد ذلك فقال عمرو بن مازن من
بنى خنساء بن مبذول شهد بدرا قاله محمد بن إسحق لا تعرف له رواية انتهى وعلى كل حال فقد وهم على بن إسحاق من سماه
عمرا وإنما هو عمير بن عامر هذا هو الصواب وهكذا سماه محمد بن إسحق وذكره على
الصواب ابن عبد البر وابن منده أيضا فى باب عمير وهو مشهور بكنيته قاله ابن عبد
البر ثم ذكره فى الكنى وحكى الخلاف فى
اسمه هل هو عمرو أو عمير وعلى كل تقدير فليس مزنيا وليست كنيته أبا عبد الله وأما
عمرو بن عامر الثانى فذكره ابن فلحون فى ذيله على الاستيعاب فقال عمرو بن عامر بن
ربيعة بن عودة بن ربيعة بن عمر بن عامر بن البكاء أحد بنى عامر بن صعصعة فهذا كما
تراه ليس مزنيا ولا يكنى أيضا بأبى عبد الله والظاهر أن ما ذكره المصنف سبق قلم
وإنما هو عمرو بن عوف المدنى فإن كنيته أبو عبد الله كما جزم به ابن منده وابن عبد
البر والله أعلم وقد ذكر المصنف فى هذا
النوع جماعة اختلف فى كناهم وهم كعب بن عجرة ومعقل ابن سنان وعبد الله بن عمرو بن
العاص وعبد الرحمن بن أبى بكر الصديق وجبير بن مطعم وحويطب بن عبد العزى ومحمود بن
الربيع والفضل بن العباس ورافع بن خديج وكعب بن مالك وجابر بن عبد الله وثوبان
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو
بن العاص وشرحبيل بن حسنة ومعاذ بن جبل وزيد بن الخطاب
378 ومحمد بن مسلمة وزيد بن خالد وبلال بن رباح
فكل هؤلاء مختلف فى كناهم وقد أشار
المصنف إلى ذلك بقوله فى آخر النوع وفى بعض من ذكرناه من قبل فى كنيته غير ما
ذكرناه والله أعلم وعلى هذا فاللائق
بهؤلاء أن يذكروا فى الضرب الخامس من النوع الذى قبله وإنما اعترضت عليه بمن رجح
فى كنيته غير ما حزم به المصنف على أن المزى قد رجح خلاف ما جزم به المصنف فى كنية
محمود بن الربيع والفضل في العباس ومحمد فى مسلمة وبلال فى فى رباح فصدر كلامه بأن
كنية محمود فى الربيع أبو نعيم وان كنية كل من الفضل ومحمد ابن سلمة وبلال بن رباح
أبو عبد الله والله أعلم
381 النوع الثالث والخمسون معرفة المؤتلف
والمختلف
قوله فمن القسم الأول سلام وسلام
جميع ما يرد عليك من ذلك فهو بتشديد اللام إلا خمسة فذكرهم قلت بقى عليه أربعة
آخرون أو ثلاثة بالتخفيف أحدهم سلمة فى سلام أخو عبد الله فى سلام ذكره ابن منده
فى الصحابة وذكر ابن فتحون فى ذيله على الاستيعاب أنه ابن أخى عبد الله فى سلام
ولم يسم أباه وقد يقال ذكر المصنف لعبد الله ان سلام كاف عن ذكر هذا لأنه عرف أن
أخاه وابن أخيه منسوبان إلى سلام والد عبد الله
382 والثانى سلام ابن اخت عبد الله بن سلام ذكره
ابن فتحون فى الصحابة فى ذيله على الاستيعاب فى إفراد حرف السين والثالث سلام أحد
أجداد أبى نصر النسفى واسم أبى نصر محمد بن يعقوب بن إسحق بن محمد بن موسى بن سلام
النسفى السلامي مخفف النسب أيضا نسب إلى جده توفى بعد الثلاثين وأربعمائة ذكره
الذهبى فى مشتبه النسبة والرابع سلام
بن جد سعد بن جعفر بن سلام السيدى مات سنة أربع عشرة وستمائة ذكره ابن نقطة فى
التكملة قوله ليس لنا عمارة بكسر
العين إلا أبى بن عمارة من الصحابة ومنهم من ضمه ومن عداة عهمارة بالضم والله أعلم
انتهى قلت يرد على إطلاقه عمارة بفتح
العين وتشديد الميم ومن ذلك عبد الله بن زياد ابن عمرو بن زمزمة بن عمرو بن عمارة
البلوى شهد بدرا وهو المعروف بالمجذر ويزيد وبحاث وعبد الله بنو ثعلبة بن خزمة بن
اصرم بن عمرو بن عمارة معدودون فى
383 الصحابة شهد يزيد العقبتين وشهد بحاث وعبد
الله بدرا وبنوا عمارة البلوى بطن منهم
ومدرك بن عبد الله بن القمقام بن عمارة ولاه عمر بن عبد العزيز الجزيرة
ذكرهم الدارقطنى وابن ماكولا وجعفر بن أحمد بن على بن عبد الله بن عمارة الحربى
روى عن سعيد بن البنا وولداه قاسم وأحمد ابنا جعفر بن أحمد بن عمارة وأبو عمر محمد
ابن عمر بن على بن عمارة الحربى ذكرهم ابن نقطة فى التكملة وأبو القاسم محمد ابن
عمارة النجار الحربى ذكرهم الذهبى وفى
النسوة جماعة بهذا الإسم منهن عمارة بنت عبد الوهاب بن أبى سلمة الحمصية وعمارة بنت نافع بن عمر الجمحى وعمارة جدة
أبى يوسف محمد بن أحمد الصندانى الرقى يروى عن أبى ظلال القسملى روى عنها أبو يوسف
ذكرهن ابن ماكولا فى الإكمال وأما كون
والد أبى بن عمارة فردا فهو مشهور وهو الذى اقتصر عليه ابن ماكولا وغير واحد إلا
أن الدارقطنى قال أن قريشا يقال لها عمارة بكسر العين وهذا لا يختص بقريش وإنما
قاله الدارقطنى مثالا لما دون القبائل وفوق البطون من العرب فإنه قال وما كان من
فوق بطون العرب دون قبائلهم فهى عمارة بكسر العين قال الزبير كن بكار العرب على ست
طبقات شعب وقبيلة وعمارة وبطن وفخذ وفصيلة وما بينها من الآباء فإنما يعرفها أهلها
فمضر شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصى بطن وهاشم فخذ وبنو العباس فصيلة انتهى
وقد نظمتها فى بيت
للعرب العربا طباق عده فصلها الزبير وهى سته
أعم ذاك الشعب فالقبيله عمارة بطن فخذ فصيله
384 قوله حزام بالزاى فى قريش وحرام بالراء
المهملة فى الأنصار والله أعلم انتهى
والمراد مع كسر الحاء المهملة فى الأول وفتحها فى الثانى وقد يتوهم من
عبارة الشيخ أنه لا يقع الأول إلا فى قريش ولا الثانى إلا فى الأنصار وليس ذلك
مراد المصنف وإنما أراد أن ما وقع من هذا فى قريش يكون بالمزاى وما وقع من ذلك فى
الأنصار يكون بالراء وقد ورد الأمران فى عدة قبائل غير قريش والأنصار وأكثر ما وقع
فى بقية القبائل بالراء المهملة ووقع الأمران معا فى خزاعة فمن الأول فى خزاعة أبو
صخر خنيس بن خالد الأشعر بن ربيعة بن اصرم وقيل الأسعر بن خليف بن منقذ بن اصرم بن
خنيس بن حرام بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة الخزاعى وقال ابن عبد البر
حبشية بن كعب بن عمرو وهو أبو خزاعة انتهى
وقتل حبيش يوم فتح مكة مع خالد بن الوليد وابن ابنه حزام بن هشام بن حبيش
روى عن أبيه عن أم معبد قصتها المشهورة فى الهجرة روى عنه أبو النضر هاشم بن
القاسم وابن ادريس والقعنبى وأم معبد واسمها عاتكة بنت خليف وقيل عاتكة بنت خالد
بن خليف بن منقذ بن ربيعة بن اصرم بن حبيش بن حزام بن حبشية الخزاعية وهى عمة حبيش
المذكور على الأول وهى أخته على القول الثانى وبه جزم ابن عبد البر ذكرهم ابن
ماكولا فى الإكمال ومن الثانى فى خزاعة أيضا ما حكاه الدارقطنى وابن ماكولا عن ابن
حبيب أن فى خزاعة حزام بن حبشية بن كعب بن سلول بن كعب قلت هكذا ذكر ابن ماكولا
حرام بن حبشية وحرام بن حبشية فيهما جميعا والظاهر
385 أنه واحد اختلف فى ضبطه وبيان نسبه فجعله ابن
حبيب بالراء المهملة وجعله غيره بالزاى ويحتمل أن حرام بن حبشية وحزام بن حبشية
أخوان وهو لقبه ووقع حزام بالزاى فى بنى عامر بن صعصعة وبنى عامر ابن كلاب فمن بنى
عامر بن صعصعة حزام بن ربيعة ابن مالك العامرى من بنى عامر بن صعصعة أخو لبيد بن
ربيعة الشاعر وابنه عبد الله ابن حزام بن ربيعة قتله المختار بن أبى عبيد ومن بنى
عامر بن كلاب أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر بن كعب بن عامر بن كلاب
تزوجها على بن أبى طالب وحزام بن إسمعيل العامرى لا أدرى من أى بنى عامر هو فقد
ذكره ابن أبى حاتم وابن ماكولا منسوبا غير مبين والله أعلم ووقع حرام بالراء فى بلى وخثعم وجذام وتميم
بن مر وخزاعة وعذرة وفزارة وهذيل وغفار والنخع وكنانة وبنى يعمر ففى بلى حرام بن
عوف البلوى وفى خثعم حرام ابن عبد عمرو الخثعمى وقال ابن حبيب فى بلى حرام بن جعل
بن عمرو بن جشم بن ودم قال وفى جذام حرام بن جذام قال وفى تميم بن مر حرام بن كعب
بن سعد بن زيد مناة بن تميم قال وفى عذرة حرام بن ضنة وقال الزبير بن بكار حن
ورزاح ابنا ربيعة ابن حرام بن ضنة أخوا قصى بن كلاب لأمه ومن ولده جميل بن معمر
الشاعر وفى فزارة حرام بن وابصة الفزارى أحد بنى قيس بن عمرو بن تومة بن مخاشن بن
لأى بن سمخ ابن فزارة شاعر فارس ذكره الآمدى
وفى هذيل الداخل بن حرام شاعر منهم وقال الأصمعى الداخل اسمه زهير بن حرام
أحد بنى سهل بن معاوية بن هذيل وفى غفار حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة ابن بكر بن
عبد مناة من ولده أبو ذر الغفارى وأبو سريحة الغفارى وفى النخع حرام بن إبراهيم
النخعى وفى كنانة حرام بن ملكان بن كنانة بن خزيمة بن مدركة وفى بنى يعمر شبيب بن حرام بن نبهان بن وهب
بن لقيط بن يعمر ويعمر هو الشداخ شهد شبيب الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ابن الكلبى
والطبرى والله أعلم
386 قوله السفر بإسكان الفاء والسفر بفتحها
وجدت الكنى من ذلك بالفتح والباقى بإسكان الفاء انتهى قد يرد على قوله والباقى
بإسكان الفاء أن لهم فى الأسماء وفى الكنى ما هو بإسكان القاف ولهم ما هو بالشين
المعجمة والقاف كما ستراه فأما سقر فى الأسماء بسكون القاف فجماعة منهم سقر بن عبد
الرحيم وهو ابن أخى شعبة وسقر بن حبيب الغنوى حدث عن عمر بن عبد العزيز وسقر بن
حبيب آخر روى عن أبى رجاء العطاردى وسقر بن عبد الله روى عن عروة وسقر بن عبد
الرحمن بن مالك بن مغول شيخ لأبى يعلى الموصلى وسقر بن حسين الحذاء شيخ لأحمد بن
على الأبار وسقر ابن عباس المالكى شيخ لمطين
وأما فى الكنى فأبو السقر يحيى بن يزداد شيخ لأحمد بن العباس البغوى وأما الشقر بفتح الشين المعجمة وكسر القاف
فهو معاوية الشقر شاعر لقب بذلك ببيت قاله وهو معاوية بن الحرث بن تميم بن مر
والبيت المذكور قوله وقد أحمل الكعب
الأصم كعوبه به من دماء القوم
كالشقرات هكذا ذكر السمعانى فى موضع
من الأنساب أن معاوية بن الحرث يقال له الشقر وأن هذا البيت له وكذا قال ابن
ماكولا فى الإكمال فى باب السين المهملة وخالف ذلك فى باب الشين المعجمة فقال إن
معاوية بن الحرث هذا شقرة بزيادة هاء التأنيث فى آخره وهذا هو المشهور وبه جزم
الدارقطنى وحكاه عن ابن حبيب وكذا جزم به الرشاطى فى الأنساب وحكاه عن ابن الكلبى وكذا حكاه السمعانى فى
أول ترجمة الشقرى عن ابن الكلبى وعن ابن حبيب أيضا إلا أن الرشاطى حكى عن ابن حبيب
أن البيت المذكور قاله شقرة بن بكرة بن كثير فسمى به وظاهر كلام الدارقطنى أن
البيت قاله شقرة بن ربيعة ابن كعب والمشهور الأول أنه قاله معاوية بن الحرث وهو
قول الكلبى وأبى عبيد القاسم بن سلام وهو الذى نقله ابن السمعانى عن ابن حبيب أيضا
والله أعلم
387 قال ابن حبيب والشقرات الشقائق قال وإنما
سمى شقائق النعمان لأن النعمان بنى مجلسا وسماه ضاحكا وزرع هذه الشقرات فسميت
شقائق النعمان والظاهر أن المصنف إنما أراد ضبط ما هو بالفاء فقط فلا يرد عليه ما
هو بالقاف وإنما ذكرته لبيان الفائدة
قوله عند ذكر عسل بن ذكوان أنه بفتح العين والسين المهملتين ووجدته بخط
الإمام أبى منصور الأزهرى فى كتابه تهذيب اللغة بالكسر والإسكان أيضا ولا أراه
ضبطه والله أعلم انتهى وقد اعترض عليه بعض المتأخرين بأنه لم ير هذا فى التهذيب
للأزهرى فإن أراد أنه ليس فى التهذيب فى باب العين والسين مع اللام فهو كما ذكر فقد
نظرته فلم أجده فيه ولكن لا يلزم من كونه ليس فى هذا الباب أن لا ينقل الأزهرى عنه
شيئا فى بقية كتابه فإنه إخبارى ينقل كلامه وهذا هو الظاهر فإن المصنف رآه فى
التهذيب بخطه فلا يرد عليه بقول من لم يره فى هذا الباب والله أعلم قوله غنام بالغين المعجمة والنون المشددة
وعثام بالعين المهملة والثاء المثلثة المشدودة لا يعرف من القبيل الثانى غير عثام
بن على العامرى والد على بن عثام الزاهد والباقون من الأول انتهى
388 قلت بل لهم من القبيل الثانى أيضا حفيد
المذكور وهو عثام بن على بن عثام بن على العامرى والله أعلم قوله مسور ومسور أما مسور بضم الميم وتشديد
الواو وفتحها فهو مسور ابن يزيد المالكى الكاهلى له صحبة ومسور بن عبد الملك
اليربوعى روى عنه معن بن عيسى ذكره البخارى ومن سواهما فيما نعلم بكسر الميم
وإسكان السين والله أعلم انتهى لم
يذكر الدارقطنى وابن ماكولا بالتشديد إلا مسور بن يزيد المالكى فقط وقالا ان مسورا
بالتخفيف جماعة ولم يستدرك ابن نقطة عليهما غيرهما ولا من ذيل على ابن نقطة نعم
تبع ابن الصلاح الذهبى فى المشتبه وأما ما حكاه المصنف عن البخارى من جعله مسور بن
عبد الملك بالتشديد فقد اختلف نسخ التاريخ الكبير فى هذا مع اتفاق ما وقفت عليه من
النسخ الصحيحة على ذكره فى باب مسور بالتخفيف فذكره فى باب مسور بن مخرمة والذى
وقفت عليه منه ثلاث نسخ صحيحة ولم يذكره فى أقدم النسخ الثلاثة فى غير هذا الباب
وذكره فى النسختين الأخيرتين فى باب الواحد أيضا فذكر مسور بن يزيد الكاهلى ثم ذكر بعده مسور بن عبد الملك وذكر فى كل
من البابين أنه روى عنه معن بن عيسى زاد فى باب مسور المخفف أنه روى عنه ابن وهب
أيضا وعلى هذا فيسأل كيف ذكره فى باب الواحد وذكر فيه اسمين وقد يجاب بأن عادته يقدم
ذكر الصحابة فى أول كل باب فلعله أراد أن مسور بن يزيد فرد فى الصحابة ومسور بن
عبد الملك فرد فيمن بعد الصحابة ولم يذكر مسور بن عبد الملك فى أقدم نسخ التاريخ
التى وقفت عليها فى باب الواحد بل اقتصر على ذكره فى باب مسور بن مخرمة وهذا يدل
على أنه عنده مخفف وأما ايراده فى النسختين الأخيرتين فى البابين فيحتمل أنه
للاختلاف فى ضبطه أو أنه لم يتحرر عنده من أى البابين هو فأورده فيهما ورأيته فى
النسخة القديمة من التاريخ أيضا التى لم يذكر فيها فى باب الواحد مسور بن عبد
الملك ذكر مسور
389 ابن يزيد الصحابى ثم ذكر بعده محيصة بن مسعود
الصحابى ثم ذكر بعده مسور بن مرزوق من
التابعين وهذا يدل على أن ابن مرزوق أيضا بالتشديد وفصله بينهما بمحيصة دال على ما
ذكرناه من الجواب المتقدم أن ذكر الصحابة أولا فى باب الواحد ثم انتقل إلى الإفراد
فى التابعين ومن بعدهم وهو يرجح كون المسور بن مرزوق بالتشديد وأما ابن أبى حاتم
فإنه ذكر الثلاثة المذكورين فى باب مسور المخفف الذى ذكر فيه المسور بن مخرمة ولم
يذكر أحدا فى الإفراد مشددا والله أعلم
قوله الحمال والجمال لا نعرف فى رواة الحديث أو فيمن ذكر منهم فى كتب
الحديث المتداولة الحمال بالحاء المهملة صفة لا إسما إلا هارون بن عبد الله الحمال
والد موسى بن هارون الحمال الحافظ حكى عبد الغنى الحافظ أنه كان بزازا فلما تزهد
حمل إلى أن قال ومن عداه الجمال بالجيم انتهى
390 وفيه أمور أحداها أن ما حكاه المصنف أن
عبد الغنى بن سعيد من أن هارون الحمال كان بزازا قبل أن يحمل خالفه فيه ولده موسى
بن هارون الحافظ وهو أعرف بأبيه فقال
إن أباه كان حمالا ثم تحول إلى البز حكاه أبو محمد بن الجارود فى كتاب الكنى والذى
نقله المصنف عن عبد الغنى حكاه عنه القاضى أبو الطاهر الذهلى الأمر الثانى أن المصنف احترز بقوله صفة لا
إسما عمن اسمه حمال منهم حمال بن مالك الأسدى شهد القادسية وأبيض بن حمال المازنى
صحابى له فى السنن أحاديث والأغر ابن عبيد الله بن الحارث بن حمال شاعر فارس من
بكر بن وائل الأمر الثالث إنه قد روى
الحديث جماعة موصوفون بالحمال منهم بنان بن محمد الحمال الزاهد أحد أولياء مصر سمع
الحديث من يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان المرادى والحسن بن عرفة والحسن بن
محمد الزعفرانى وبحر بن نصر ويزيد بن سنان فى آخرين روى عنه أبو بكر بن المقرى فى
معجم شيوخه والحسن بن رشيق وبكار بن قتيبة وآخرون وقد وقع لنا حديثه أخبرنا الحافظ
العلامة أبو الحسن على بن عبد الكافى اذنا قال أنبأنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ
قال أنبأنا يوسف بن خليل الحافظ قال أنبأنا أبو المكارم أحمد بن محمد اللبان
أنبأنا الحسن بن أحمد الحداد أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ حدثنا محمد
بن على بن حبيش حدثنا إسحق بن سلمة حدثنا بنان بمصر حدثنا محمد بن الحكم من ولد
سعيد بن العاصى حدثنى محمد بن خفتان حدثنى يحيى بن أبى زائدة عن بنان عن قيس عن
أبى بكر قال سمعت النبى صلى الله عليه
وسلم يقول فى سعد اللهم سدد رميته وأجب
دعوته وذكر ابن يونس فى تاريخ الغرباء
بنان الحمال وقال كان زاهد متعبدا وكان ثقة وقال الدارقطنى كان فاضلا وقال الخطيب
فى تاريخه كان عابدا يضرب به المثل ومنهم حفيد المذكور أبو القاسم مكى بن على بن
محمد بن بنان بن محمد الجمال حدث عن أبى الحسن على بن الحسين الأدنى حدث عنه
391 سعد بن على الزنجانى نزيل مكة ذكره ابن نقطة
فى التكملة ومنهم أبو العباس أحمد ابن محمد بن الدبس الحمال أحد شيوخ أبى النرسى
ذكره فى معجم شيوخه حدث عن أحمد بن أبى دارة الضبى ذكره ابن نقطة أيضا فى التكملة
ومنهم الفقيه أبو الحسن رافع بن نصر البغدادى الحمال الفقيه نزيل مكة كان يفتى بها
روى عن أبى عمر بن مهدى وغيره ذكره أبو القاسم بن عساكر فى تاريخ دمشق وقال حكى
عنه عبد العزيز ابن أحمد وأبو عبد الله محمد بن موسى بن عمار الكلاعى المايرقى
وزكاه وذكر أبو الفضل بن خيرون أنه توفى بمكة سنة سبع وأربعين وأربعمائة وذكره ابن
نقطة أيضا قوله جميع ما فى الصحيحين
والموطأ مما هو على صورة بشر فهو بالشين المنقوطة وكسر الباء إلا أربعة فإنهم
بالسين المهملة وضم الباء وهم عبد الله بن بسر المازنى من الصحابة إلى آخر كلامه
وقد كنت اعترضت على المصنف فى شرح الألفية حيث لم يذكر أباه بسر بن أبى بسر
المازنى فإن حديثه فى صحيح مسلم وكنت فقدت فى ذلك الحافظ أبا الحجاج المزى فإنه
قال فى تهذيب الكمال إنه روى له مسلم ورقم له علامة مسلم فى روايته عن النبى صلى الله عليه وسلم ورواية ولده عبد الله بن
بسر عنه ثم تبين لى أن
392 ذلك وهم وأنه لم يخرج له مسلم وإنما أخرج
لابنه عبد الله بن بسر قال نزل النبى صلى
الله عليه وسلم على أبى فقدمنا له طعاما
وليس لأبيه بسر فيه رواية ولا ذكر باسمه إلا فى نسب ابنه عبد الله بن بسر وانما
وقع فى رواية فى اليوم والليلة للنسائى ان هذا الحديث من روايته عن أبيه ولم أر
ذلك فى شئ من طرق مسلم وسبب وقوع المزى فى ذلك تقليده لصاحب الكمال فإنه سبقه لذلك
نعم يرد على إطلاق المصنف فى أن من عد هؤلاء الأربعة بالمعجمة أن مسلما روى فى
صحيحه من رواية أبى اليسر حديث من أنظر معسرا أو وضع له الحديث وأبو اليسر هذا بالياء المثناة من تحت
والسين المهملة المفتوحتين وقد يجاب عن المصنف بأن هذه الكنية ملازمة لأداة
التعريف فلا يشتبه واسم أبى اليسر كعب بن عمرو الأنصارى السلمى والله أعلم قوله وكل ما فيها على صورة يزيد فهو بالزاى
والياء المثناة من تحت إلا ثلاثة أحدها بريد بن عبد الله بن أبى بردة فإنه بضم
الياء الموحدة وبالراء المهملة إلى آخر كلامه
وقد يرد على ما ذكره من الحصر ما وقع فى صحيح البخارى من حديث مالك بن
الحويرث فى صفة صلاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال فى آخره كصلاة شيخنا أبى بريد عمرو بن سلمة فذكر أبو ذر الهروى عن
أبى محمد الحموى عن الفربرى عن البخارى أنه بريد بضم الموحدة وفتح الراء ووقع عند
بقية رواة البخارى يزيد كالجادة
393 ومما يرجح رواية أبى ذر عن الحموى أن مسلما
كذلك ذكره فى الكنى فى الباء الموحدة وكذا ذكره النسائى فى الكنى وبه جزم
الدارقطنى فى المؤتلف والمختلف وابن ماكولا ثم قال وقيل أبو يزيد وقال عبد الغنى
بن سعيد ولم أسمعه من أحد بالزاى قال ومسلم ابن الحجاج أعلم انتهى وبه جزم الذهبى
فى مشتبه النسبة فيما قرأته بخطه قوله
ليس فى الصحيحين والموطأ جارية بالجيم إلا جارية بن قدامة ويزيد بن جارية ومن
عداهما فهو حارثة بالحاء والثاء والله أعلم انتهى وليس هذا الحصر بجيد فإن فى الصحيح اسمين
آخرين بالجيم والمثناة من تحت أحدهما الأسود بن العلاء بن جارية الثقفى روى له
مسلم فى كتاب الحدود عن أبى هريرة حديث البئر جبار والآخر عمرو بن أبى سفيان بن
أسيد بن جارية الثقفى روى له البخارى عن أبى هريرة قصة قتل خبيب بن عدى وروى له
مسلم عن أبى هريرة حديث لكل
394 بني دعوة يدعو بها الحديث وأما اللذان ذكرهما
المصنف فليست لهما رواية فى الصحيحين ولا فى الموطأ وانما الجارية بن قدامة ذكر فى
صحيح البخارى فى كتاب الفتن قال فيه فلما كان يوم حرق ابن الحضرمى حرقه جارية بن
قدامة وليزيد بن جارية ذكر فى الموطأ وانما لولديه عبد الرحمن ومجمع رواية فى
الموطأ والبخارى وهو مذكور فى نسبهما فقد أخرج مالك والبخارى قصة خنساء بنت خذام
من رواية عبد الرحمن ومجمع ابنى يزيد بن جارية عنها وأخرج النسائى فقط ليزيد بن
جارية حديثا عن معاوية والله أعلم قوله
كل ما فيها من رباح فهو بالباء الموحدة إلا زياد بن رياح وهو أبو قيس
395 الراوى عن أبى هريرة فى أشراط الساعة ومفارقة
الجماعة فإنه بالياء المثناة من تحت عند الأكثرين وقد حكى البخارى فيه الوجهين
بالباء والياء انتهى وفيه أمران أحدهما أن ما ذكره المصنف من أن كنيته أبو قيس قد
خالفه المزى فى التهذيب فرجح أبو رياح بالمثناة كاسم أبيه فقال زياد بن رياح ويقال
ابن رباح القيسى أبو رياح ويقال أبو قيس وقد كنت قلدت المزى فى ترجيحه لذلك فصدرت
به كلامى فى شرح الألفية ثم تبين لى أنه وهم أو خلاف مرجوح وأن الصواب ما ذكره المصنف
فقد وقع كذلك مكنى فى صحيح مسلم فى كتاب المغازى من رواية غيلان بن جرير عن أبى
قيس بن رياح عن أبى هريرة عن النبى صلى
الله عليه وسلم أنه قال من خرج من
الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية
الحديث ولم يقع مكنى بأبى قيس فى موضع من الصحيح إلا هنا عند مسلم وله عند
مسلم حديث آخر فى الفتن وقع فيه مسمى غير مكنى وهكذا كناه البخارى فى التاريخ
الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل ومسلم فى الكنى والنسائى فى الكنى وأبو
أحمد الحاكم في الكنى وابن حبان في الثقات والدارقطني في المؤتلف والمختلف والخطيب
فى كتاب المتفق والمفترق وابن ماكولا فى الإكمال وصاحب المشارق وغيرهم وفى المؤتلف والمختلف للدارقطنى أن جرير بن
حازم كناه كذلك وبه جزم المزى فى الأطراف ولم أر أحدا من المتقدمين كناه أبا رياح
ولكن المزي تبع صاحب الكمال
396 فى ذلك وكأن سبب وقوع الوهم من ذلك أن لهم
شيخا آخر يسمى زياد بن رياح أيضا وهو بصرى كالأول ولكنه متأخر الطبقة عن ذاك رأى
أنسا وروى عن الحسن البصرى وكنية هذا أبو رياح كما كناه البخارى فى التاريخ الكبير
وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والنسائى فى الكنى وابن حبان فى الثقات وأبو أحمد
الحاكم فى الكنى والدارقطنى وابن
ماكولا فى المؤتلف والمختلف والخطيب فى المتفق والمفترق وإنما نبهت على ذلك وإن
كان الصواب ما قاله المصنف لئلا يغتر بكلام المزى فى التهذيب وبتقليدى له فى شرح
الألفية الأمر الثانى أن قول المصنف
أن البخارى حكى فيه الوجهين فيه نظر فإن البخارى لم يخرج له فى صحيحه شيئا وإنما
ذكره فى التاريخ الكبير وحكى الاختلاف فيه من وروده بالاسم أو الكنية والاختلاف فى
اسم أبيه ولم يتعرض للخلاف فى كونه بالموحدة أو المثناة من تحت وهذه عبارته فى
التاريخ الكبير زياد بن رياح أبو قيس روى عنه الحسن قال أيوب ومهدى بن ميمون عن
عيلان بن جرير عن زياد بن رياح وقال ابن المبارك أنا جرير بن حازم عن عيلان عن أبى
قيس بن رياح القيسى وقال محمد بن يوسف عن سفيان عن يونس بن عبيد عن عيلان عن زياد
بن مطر عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه
وسلم فى العصبية انتهى هكذا هو فى نسخ
التاريخ ابن رياح بالمثناة فى الموضعين وإنما اراد بالإختلاف ما ذكرته لاضبط
الحروف ولكن المصنف تبع فى ذلك صاحب المشارق فإنه حكى عن البخارى فيه الوجهين وحكى
عن ابن الجارود أنه ضبطه بالموحدة والله أعلم
قوله وفيها سلم بن زرير وسلم بن قتيبة وسلم بن أبى الذيال وسلم بن عبد
الرحمن هؤلاء الأربعة بإسكان اللام ومن عداهم سالم بالألف والله أعلم انتهى
397 وفيه أمران أحدهما أن أصحاب المؤتلف والمختلف
كالدارقطنى وابن ماكولا وغيرهما لم يذكروا هذه الترجمة فى كتبهم لأنها لا تأتلف
خطا لزيادة الألف فى سالم وإنما ذكرها صاحب المشارق فتبعه المصنف الأمر الثانى أنه فات المصنف وصاحب المشارق
قوله قبله أن يستثنى حكام بن مسلم الرازى فقد روى له مسلم فى الصحيح فى فضائل
النبى صلى الله عليه وسلم حديث أنس قبض النبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين وذكره البخارى فى البيوع
غير منسوب عند حديث النهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فقال ورواه على بن بحر عن
حكام عن عنبسة عن زكريا بن خالد عن أبى الزناد قوله وفيها سلمان الفارسى وسلمان بن عامر
وسلمان الأغر وعبد الرحمن ابن سلمان ومن عدا هؤلاء الأربعة سليمان بالياء
انتهى وفيه امران أحدهما أن أصحاب
المؤتلف والمختلف لم يوردوا هذه الترجمة فى كتبهم كالدارقطنى وابن ماكولا لعدم
اشتباههما لزيادة الياء فى المصغر وإنما ذكر ذلك صاحب المشارق فتبعه المصنف الأمر الثانى أنه فات المصنف وصاحب المشارق
قبله أن يستثنى سلمان بن ربيعة الباهلى فقد روى له مسلم فى صحيحه فى كتاب الزكاة
من رواية أبى وائل عن سلمان ابن ربيعة قال قال عمر قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما فقلت والله لغير هؤلاء أحق منهم قال إنهم
خيرونى بين أن يسألونى بالفحش أو يبخلونى ولست بباخل وكذلك روى مسلم فى صحيحه فى
كتاب الإيمان حديثا من رواية صفوان بن سليم عن عبد الله ابن سلمان عن أبيه عن أبى
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم إن الله
398 ريحا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدا
فى قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته
ووقع فى الأطراف لخلف فى هذا الحديث عبيد الله بن سلمان بتصغير عبيد الله
وهو وهم وإنما هو عبد الله مكبر وكذا
ذكره أبو مسعود الدمشقى فى الأطراف على الصواب وعبد الله بن سلمان هذا أبوه هو
سلمان الأغر ولكن كان ينبغى للمصنف أن يذكره أيضا لأن أباه لم ينسب فى هذا الحديث
فربما ظن أنه آخر وقد روى مالك فى الموطأ والبخارى من طريقه لأخيه عبيد الله بن
سلمان لكنه لم يسم أباه بل كناه رواه مالك عن زيد ابن رباح وعبيد الله بن ابى عبد
الله الأغر كلاهما عن أبى عبد الله الأغر عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما
سواه من المساجد إلا المسجد الحرام
فأبو عبد الله الأغر هو سلمان وقد روى مسلم فى الفتن حديثين من رواية محمد
بن فضيل عن أبى إسماعيل عن أبى حازم عن أبى هريرة مرفوعا والذى نفسى بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر
الرجل على القبر الحديث وحديث
والذى نفسى بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتى على الناس يوم لا يدرى القاتل فيم
قتل الحديث وأبو إسماعيل هذا اسمه بشر
بن سلمان ولكن لا يلزم المصنف ذكر هذا وذكر عبيد الله بن سلمان بكون سلمان غير
مذكور فى الصحيح وإنما ذكرهما لكون المصنف ذكر أبا حازم وأبا رجاء لكون كل منهما
اسمه سلمان وإنما ذكرا فى الصحيح بالكنية وقد قيل أن أبا إسماعيل المذكور فى
الحديث الأخير هو يزيد بن كيسان وخطأ المزى فى الأطراف قائل ذلك قال والصحيح أنه
بشير أبو إسماعيل كما فى الحديث الذى قبله لوجوه منها أن ابن فضيل مشهور بالرواية
عنه دون يزيد ابن كيسان ومنها أنه مشهور باسمه دون كنيته وقد اختلف فى كنيته فقيل
أبو إسماعيل وقيل أبو منير ومنها أنه أسلمى ويزيد بن كيسان يشكرى والله أعلم
انتهى قلت لم يقع فى مسلم نسبة أبى
إسماعيل هذا أنه أسلمى فى واحد من الحديثين المذكورين نعم وقع عند ابن ماجه فى الحديث
الأول أنه أسلمى والله أعلم قوله وفيها
سنان بن أبى سنان الدؤلى وسنان بن سلمة وسنان بن ربيعة أبو ربيعة وأحمد بن سنان
وأم سنان وأبو سنان ضرار بن مرة الشيبانى ومن عدا هؤلاء الستة شيبان بالشين
المنقوطة والياء والله أعلم انتهى
399 وفيه أمور أحدها أن سنان لا يلتبس بشيبان
لزيادة الثانى بحرف ولذلك لم يورد الترجمتين مجتميعتين من صنف فى المؤتلف والمختلف
إنما أورد الدارقطنى وابن ماكولا سنان ويسار وشبان زاد ابن ماكولا وشبان ولم يوردا
شيبان فى هذه الترجمة ولكن المصنف تبع فى ذلك صاحب المشارق فإنه اورده كذلك موافقا
لما ذكره المصنف الأمر الثانى أن فى
الصحيح اسما آخر بالسين المهمله والنون غير الستة الذين ذكرهم منهم الهيثم بن أبى
سنان روى له البخارى فى صلاة الليل أنه سمع أبا هريرة وهو يقص فى قصصه وهو يذكر
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أخا لكم لا يقول الرفث يعنى بذلك عبد الله
بن رواحة الحديث ومنهم محمد بن سنان العوقى بفتح الواو وبالقاف حديثه فى صحيح
البخارى روى فى كتاب الجائز عنه عن سليم بن حيان عن سعيد بن ميناء عن جابر أن
النبى صلى الله عليه وسلم على أصحمة وروى عنه بهذا الإسناد فى صفة
النبى صلى الله عليه وسلم حديث
مثلى ومثل الأنبياء قبلى
الحديث ومنهم أبو سنان
الشيبانى وهو غير ضرار بن مرة روى مسلم فى كتاب الصلاة من رواية وكيع عن أبى سنان
الشيبانى عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه سمع النبى صلى الله عليه وسلم رجلا فى المسجد قال من دعا إلى الجمل الأحمر
الحديث وأبو سنان الشيبانى هذا اسمه
سعيد بن سنان هكذا سماه أحمد فى مسنده عن وكيع فى هذا الحديث وقد ذكره أبو القاسم
اللالكائى فى رجال مسلم وخالفه أبو بكر بن منجويه فلم يذكر فيهم إلا أبا سنان ضرار
بن مرة وهو أبو سنان الشيبانى الأكبر وأما أبو سنان الشيبانى الأصغر فهو سعيد بن
سنان قال المزى والأول أولى بالصواب أى ما فعله اللالكائى ولهم راو آخر يقال له
سعيد بن سنان روى له ابن ماجه حديثا عن أبى الزاهرية الأمر الثالث أن أم شيبان التى ذكرها المصنف
ليست لها رواية فى الصحيحين ولا فى الموطأ وإنما لها ذكر فى الصحيحين فى حديث ابن
عباس قال لما رجع النبى صلى الله عليه
وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج الحديث وفيه فإن عمرة فى
رمضان تقضى حجة وذكر المصنف لها فى جملة سنان صواب ولكنه ترك ذكر الحرامى بالمهملة
وأجاب عن تركه بأنه مذكور عند مسلم من غير رواية وسيأتى التنبيه عليه هناك
400 قوله ذكر القاضى عياض أنه ليس فى هذه
الكتب الأبلى بالباء الموحدة وجميع ما فيها على هذه الصورة فإنما هو الأيلى بالياء
المنقوطة باثنتين من تحت قلت روى مسلم الكثير عن شيبان بن فروخ وهو أبلى بالباء الموحدة
لكن إذا لم يكن فى شئ من ذلك منسوبا لم يلحق عياضا فيه تخطئة والله أعلم
انتهى وقد تتبعت كتاب مسلم فلم أجد فيه
شيبان بن فروخ منسوبا فلا تخطئة على القاضى عياض حينئذ فيما قاله والله أعلم
401 قوله لا نعلم فى الصحيحين البزار بالراء
المهملة فى آخره إلا خلف بن هشام البزار والحسن بن الصباح البزار انتهى وقد اعترض عليه بأن أبا على الجيانى ذكر فى
تقييد المهمل أن يحيى بن محمد بن السكن البزار من شيوخ البخارى فى صحيحه وأن بشر
بن ثابت البزار استشهد به البخارى قلت الترجمتان كما ذكر فى صحيح البخارى لكن غير
منسوبتين فلا يردان على المصنف والله أعلم
قوله سعيد الجريرى وعباس الحريرى والجريرى غير مسمى عن أبى نضرة هذا ما
فيها بالجيم المضمومة وفيها الحريرى بالحاء المهملة يحيى بن بشر شيخ البخارى ومسلم
والله أعلم انتهى وفيه أمور أحدها أن
تقييد المصنف ما فيها من الجريرى غير مسمى بكونه عن
402 أبى نضرة قلد فيه القاضى عياضا فإنه هكذا قال
فى المشارق ويرد عليهما عدة مواضع فى الصحيح ذكر فيها الجريرى غير مسمى عن غير أبى
نضرة والمراد به فى المواضع كلها سعيد الجريرى من ذلك فى الصحيحين فى كتاب الصلاة
رواية الجريرى غير مسمى عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل مرفوعا بين كل
أذانين صلاة الحديث ومن ذلك عند مسلم فى الأطعمة رواية الجريرى غير مسمى عن أبى
عثمان النهدى عن عبد الرحمن بن أبى بكر قال نزل علينا أضياف لنا الحديث والحديث
رواه البخارى فى الأدب مصرحا بتسمية الجريرى أنه سعيد ومن ذلك عند البخارى فى الأحكام رواية
الجريرى غير مسمى عن طريف أبى تميمة عن جندب مرفوعا من سمع سمع الله به الحديث ومن
ذلك عند مسلم فى الكسوف رواية الجريرى غير مسمى عن حيان بن عمير عن عبد الرحمن بن
سمرة قال بينما أنا أترامى بأسهمى فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كسفت الشمس الحديث ومن ذلك عند مسلم فى الصلاة رواية الجريرى
غير مسمى عن أبى العلاء يزيد ابن عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم قال فتنخع فدلكها بنعله اليسرى ومن ذلك عند مسلم فى الحج رواية الجريرى
غير مسمى عن أبى الطفيل قال قلت لابن عباس أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف
الحديث ومن ذلك عند مسلم أيضا فى
المناقب رواية الجريرى غير مسمى عن أبى الطفيل قال قلت له أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم كان أبيض مليح
الوجه الأمر الثانى أن أبا على الجيانى
زاد على هذين الاسمين حيان بن عمير الجريرى له عند مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة
الحديث المتقدم فى الكسوف وزاد أيضا أبان
403 ابن ثعلب الجريرى مولاهم روى له مسلم أيضا فى
صحيحه قلت وهذان لا يردان على المصنف لأنهما فى كتاب مسلم باسميهما غير منسوبين الأمر الثالث أن قول المصنف أن يحيى بن بشر
الحريرى شيخ البخارى ومسلم وهم قلد فيه صاحب المشارق وتبع صاحب المشارق فى ذلك أبا
على الجيانى فإنه كذا قال فى تقييد المهمل وسبقهما إلى ذلك أبو أحمد بن عدى فذكر
فى كتاب له جمع فيه من اتفق الشيخان على إخراج حديثه أن الشيخين أخرجا له وكذلك
ذكر أبو نصر الكلابازى يحيى بن بشر الجريرى فى رجال البخارى ولم يصنعوا كلهم شيئا
وإنما روى مسلم وحده حديثا واحدا عن معاوية بن سلام وهو يحيى بن بشر بن كثير
الأسدى الجريرى الكوفى وأما الذي روى
عنه البخارى فهو يحيى بن بشر البلخى الفلاس فى موضعين من صحيحه غير منسوب الأول فى
باب الحج فى باب قول الله تعالى وتزودوا
فإن خير الزاد التقوى والثانى فى
باب هجرة النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث عمر إذ قال لأبى موسى هل يسرك إسلامنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث
وقد وهم الجيانى والكلاباذى فى جمعهما بين الترجمتين وقد فرق بينهما ابن أبى حاتم
فى الجرح والتعديل وابن حبان فى الثقات وأبو بكر الخطيب فى كتاب المتفق والمفترق
وبه جزم الحافظ أبو الحجاج المزى فى التهذيب وهو الصواب وهما رجلان معروفان مختلفا
البلدة والوفاة فأما الجريرى فهو كوفى
وتوفى سنه تسع وعشرين ومائتين قاله محمد بن سعد وأبو القاسم البغوى زاد محمد بن
سعد فى جمادى الأولى فى خلافة الواثق وقال مطين توفى فى جمادى الأولى سنة سبع
وعشرين ومائتين وأما الذى روى عنه
البخارى فهو بلخى توفى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين قاله البخارى فى التاريخ وأبو
حاتم الرازى وأبو حاتم بن حبان زاد البخارى أنه مات لخمس مضين من المحرم ولم يذكر
البخارى فى تاريخه من هذين الرجلين إلا يحيى ابن بشر البلخى ولم يذكر الجريرى فى
التاريخ وذكر أبو أحمد بن عدى فى شيوخ البخارى يحيى بن بشر المروزى وقال أنه روى
عن عبد الله بن المبارك ووهم ابن عدى
404 فى ذلك لم يرو البخارى عنه ولم يرو هو عن ابن
المبارك وهو متقدم الطبقة روى عنه ابن المبارك وروى هو عن عكرمة وكنيته أبو وهب
هكذا ذكره البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وابن حبان
فى الثقات والخطيب فى المتفق والمفترق وذكره الأزدى فى الضعفاء وليس بجيد فقد قال
فيه عبد الله بن المبارك إذا حدثك يحيى بن بشر عن أحد فلا تبال أن لا تسمعه منه
وسئل عنه ابن معين فقال ثقة وذكره ابن حبان فى الثقات وذكر الخطيب فى المتفق
والمفترق أن يحيى بن بشر أربعة هؤلاء الثلاثة والرابع يحيى بن بشر بن عبد الله
يكنى أبا صعصعة روى عن أبيه عن أبى سعيد البخارى روى عنه سعيد بن كبير بن عفير
المصرى هكذا أورده الخطيب فى يحيى بن بشر ووهم فى ذلك وإنما هو يحيى بن قيس بن عبد
الله هكذا ذكره ابن يونس فى تاريخ الغرباء الذين قدموا مصر وأبو أحمد الحاكم فى
كتاب الكنى وأورد له هذا
405 الحديث الذى أورده الخطيب له وقال إنه حديث
منكر وهكذا ذكره صاحب الميزان وهو الصواب فتحرر أن يحيى بن بشر ثلاثة لا أربعة
والله أعلم الأمر الرابع أن المصنف
اقتصر فى هذه الترجمة على الجريرى بضم الجيم والحريرى بفتح الحاء المهملة وزاد
فيها أبو على الجيانى فى تقييد المهمل والقاضى عياض فى المشارق الجريرى بفتح الجيم
قال القاضى عياض وفى البخارى يحيى بن أيوب الجريرى بفتح الجيم فى أول كتاب الأدب
وسبقه إلى ذلك الجيانى فقال ذكره البخارى مستشهدا به فى أول كتاب الأدب قلت لا يرد
هذا على ابن الصلاح فأنه ليس مذكورا فى البخارى بهذه النسبة إنما قال وقال ابن
شبرمة ويحيى بن أيوب حدثنا أبو زرعة مثله
قوله الحزامى حيث وقع فيها فهو بالزاى غير المهملة والله أعلم انتهى قلت وقع فى صحيح مسلم فى أواخر الكتاب فى
حديث أبى اليسر قال كان لى على فلان بن فلان الحرامى مال فأتيت أهله الحديث وقد اختلفوا فى ضبط هذه النسبة فقال القاضى
عياض إن الأكثرين رووه بحاء مهملة مفتوحة وراء قال وعند الطبرى الحزامى بكسرها
وبالزاى قال وعند ابن ماهان الجذامى بضم الجيم وذال معجمة وقد اعتذر المصنف عن هذا
الاعتراض حين قرئ عليه علوم الحديث فى حاشية أملاها على كتابة بأن قال لا يرد على
هذا فإن المراد بكلامنا المذكور ما وقع من ذلك فى أنساب الرواية وهكذا قال النووى
فى كتاب الإرشاد وهذا لا يحسن جوابا لأن المصنف وتبعه النووى فى مختصر به قد ذكرا
فى هذا القسم غير واحد ليس لهم فى الصحيحين ولا فى الموطأ رواية بل مجرد ذكر منهم
بنو عقيل القبيلة وبنو سلمة القبيلة وخبيب بن عدى له ذكر فى البخارى دون رواية
وكذلك حبان بن العرقة له ذكر فى الصحيحين من غير رواية وكذلك أم سنان المذكورة فى
حديث عمرة فى رمضان كما تقدم ذكره كذلك والله أعلم
406 النوع الرابع والخمسون معرفة المتفق
والمفترق
قوله الخليل بن أحمد ستة فذكر الأول
والثانى ثم قال والثالث اصبهانى روى عن روح ابن عبادة وغيره انتهى
وهذا وهم من المصنف وكأنه قلد فيه
غيره فقد سبقه إلى ذلك ابن الجوزى فى كتاب التلقيح وسبقهما إلى ذلك أبو الفضل
الهروى فى كتاب مشتبه أسماء المحدثين فعد هذا فيمن اسمه الخليل بن أحمد وإنما هو
الخليل بن محمد العجلى يكنى ابا العباس وقيل أبا محمد هكذا سماه أبو الشيخ بن حيان
فى كتاب الطبقات
407 الأصبهانيين وكذلك أبو نعيم الأصبهانى فى
تاريخ أصبهان وروى له أحاديث فى ترجمته عن روح بن عبادة وغيره فقال حدثنا عبد
الرحمن بن محمد بن جعفر حدثنا أبو الأسود عبد الرحمن بن محمد بن الفيض حدثنا
الخليل بن محمد حدثنا روح بن عبادة حدثنا موسى ابن عبيد أخبرنى عبد الله ابن دينار
قال قال عبد الله بن عمر قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا مشت امتى
المطيطاء الحديث وروى له حديثين آخرين
من روايته عن عبد العزيز بن أبان وحدثنا من روايته عن أبى بكر الواسطى وهكذا ذكر
الحافظ أبو الحجاج المزى فى الوفاة عن روح بن عبادة الخليل بن محمد العجلى
الأصبهانى ولم أر أحدا من الأصبهانيين تسمى الخليل بن أحمد بل لم يذكر أبو نعيم فى
تاريخ أصبهان أحدا اسمه الخليل غير الخليل بن محمد العجلى هذا والوهم فى ذلك من
أبى الفضل الهروى وتبعه ابن الجوزى والمصنف ويشبه هذا ما وقع فى أصل سماعنا من
صحيح ابن حبان فى النوع التاسع والمائة من القسم الثانى أخبرنا الخليل بن أحمد
بواسط حدثنا جابر بن الكردى فذكر حديثا والظاهر أن هذا تغيير من بعض الرواة وإنما
هو الخليل بن محمد فقد سمع منه ابن حبان بواسط عدة أحاديث متفرقة فى أنواع الكتاب
وهو الخليل بن محمد ابن الخليل الواسطى البزاز أحد الحفاظ وهو ابن بنت تميم المنتصر
وإنما ذكرت هذا هنا لئلا يستدرك هذا بأنه من جملة من اسمه الخليل بن أحمد قوله والخامس أبو سعيد البستى القاضى
المهلبى ثم قال والسادس أبو سعيد البستى أيضا الشافعى إلى آخر كلامه قلت وأخشى أن
يكون هذان واحدا فيحرر من فرق بينهما غير المؤلف فإن كان واحدا فقد سقط من الستة
الذين ذكرهم المصنف اثنان فرأيت أن اذكر من سمى بالخليل بن أحمد من غير من ذكره
المصنف ليعوض منهم
408 عمن سقط وهم الخليل بن أحمد بصرى أيضا يروى
عن عكرمة ذكره أبو الفضل الهروى فى كتاب مشتبه أسماء المحدثين فيما حكاه ابن
الجوزى فى التلقيح عن خط شيخه عبد الوهاب الأنماطى عنه والخليل بن أحمد بن إسماعيل
القاضى أبو سعيد السجزي الحنفى روى عنه أبو عبد الله الفارسى وهذا غير الخليل بن أحمد السجزى الحنفى
القاضى فإن هذا ذكره الحاكم فى تاريخ نيسابور واسم جده الخليل وأما الذى ذكرناه
فاسم جده إسمعيل ذكره عبد الغافر فى السياق وهو ذيله على تاريخ الحاكم والخليل بن
أحمد أبو سليمان بن أبى جعفر الخالدى الفقيه سمع من أبى بكر أحمد بن منصور بن خلف
والقضاة الصاعدية توفى فى صفر سنة ثلاث وخمسمائة ذكره عبد الغافر أيضا فى السياق
والخليل بن أحمد أبو القاسم المصرى ذكره
أبو القاسم بن الطحان فى ذيله على تاريخ مصر وقال توفى سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة
والخليل بن أحمد البغدادى روى عن سيار بن حاتم ذكره ابن النجار فى ذيله على تاريخ
الخطيب والخليل بن أحمد بن على أبو طاهر الجوسقى الصرصرى سمع من ابن البطى وشهدة
وروى عنه الحافظ بن النجار وابن الدبيثى وذكره كل منهما فى الذيل وقال ابن النجار
توفى سنة أربع وثلاثين
409 قوله ومثاله صالح بن أبى صالح أربعة
فذكرهم قلت فإنه خامس وهو صالح بن أبى صالح الأسدى روى عن الشعبى روى عنه زكريا بن
أبى زائدة روى له النسائى حديثا لكن فى كتاب ابن أبى حاتم أنه صالح بن صالح وذكر
البخارى الاختلاف فيه فى التاريخ الكبير قال وصالح بن أبى صالح أصح قوله مثاله محمد بن عبد الله الأنصارى اثنان
متقاربان فى الطبقة فذكرهما قلت هكذا اقتصر المصنف على كونهما اثنين تبعا للخطيب
فى كتاب المتفق والمفترق وزادا الحافظ أبو الحجاج المزى ثالثا فقال محمد بن عبد
الله الأنصارى ثلاثة فزاد فيهم محمد بن عبد الله
410 ابن حفص بن هشام بن زيد بن أنس بن مالك
الأنصارى روى عنه ابن ماجه وآخرون
وذكره ابن حبان فى الثقات قلت ولهم رابع وهو محمد بن عبد الله بن زيد بن
عبد ربه الأنصارى ذكره ابن حبان فى ثقات التابعين ويجاب عن المصنف بأنه اقتصر
عليهما لتقاربهما فى الطبقة كما أشار إليه المصنف والخطيب قبله وزاد كونهما
بصريين والثالث وإن كان بصريا أيضا
فهو متأخر عنهما فإنه روى عن محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصارى أحد المذكورين
وأما الرابع فهو متقدم الطبقة عليهما انتهى
قوله وإذا قال التبوذكى حدثنا حماد فهو حماد بن سلمة انتهى
411 وقد اعترض على المصنف بما ذكره ابن
الجوزى فى كتاب التلقيح أن موسى بن إسماعيل التبوذكى ليس يروى إلا عن حماد بن سلمة
خاصة وإذا كان كذلك فلا حاجة لتقييد ذلك بما إذا أطلقه لأنه إنما يشكل الحال فى
حالة إطلاق حماد بالنسبة لمن روى عنهما جميعا والجواب أن ما ذكره ابن الجوزى غير
مسلم له فقد ذكر المزى فى تهذيب الكمال أنه روى عن حماد بن زيد أيضا إلا أنه قال
يقال روى عنه حديثا واحدا وخالف ذلك فى فصل ذكره فى ترجمة حماد بن سلمة فقال وممن
انفرد بالرواية عن حماد بن سلمة أو اشتهر بالرواية عنه بهز بن أسد وموسى بن
إسماعيل وعامة من ذكرناه فى ترجمته دون ترجمة حماد بن زيد وقد يجمع بين كلاميه
بأنه قال هنا أو اشتهر بالرواية عنه فيكون أراد أن موسى بن إسماعيل اشتهر بالرواية
عنه دون الانفراد عنه والله أعلم وقد
اقتصر المصنف على ثلاثة رواه ممن يحمل إطلاقهم حدثنا حماد على حماد بن سلمة وهم
التبوذكى وحجاج بن منهال وعفان على قول محمد بن يحيى الذهلى وزاد المزى فى التهذيب
معهم هدبة بن خالد فإذا أطلق حمادا فهو ابن سلمة وبقى وراء ذلك أمر آخر وهو أن
جماعة من الرواة يطلقون الرواية عن حماد من غير تمييز ويكون بعضهم إنما يروى عن
حماد بن زيد دون ابن سلمة وبعضهم عن حماد بن سلمة دون ابن زيد فربما ظن غير أهل
الحديث أو غير المتبحر منهم أنهم يروون عنهما ولا يتميز مرادهم لكونه غير منسوب
فأردت بيان من يروى عن واحد منهما دون الآخر ليعرف بذلك مراده فى حالة الإطلاق
فممن يروى عن حماد بن زيد دون ابن سلمة أحمد بن إبراهيم الموصلى وأحمد بن عبد
الملك الحرانى وأحمد بن عبدة الضبى وأحمد بن المقدام العجلى وأزهر بن مروان
الرقاشى وإسحاق بن أبى إسرائيل وإسحاق بن عيسى بن الطباع والأشعث بن إسحاق والد
أبى داود وبشر بن معاذ وجبارة بن المغلس وحامد بن عمر البكراوى والحسن بن الربيع
والحسن بن الوليد وحفص بن عمر الحوضى وحماد بن أسامة وحميد بن مسعدة وحوثرة بن
محمد المنقرى وخالد بن خداش وخلف بن هشام البزار وداود بن عمرو وداود بن معاذ
وزكريا بن عدى وسعيد بن عمرو الأشعثى وسعيد بن منصور وسعيد بن يعقوب الطالقانى
وسفيان بن عيينة وسليمان بن داود الزهرانى وصالح بن عبد الله الترمذى والصلت بن
محمد الخاركى والضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل وعبد الله بن الجراح القهستانى وعبد
الله بن داود التمار الواسطى وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبى وعبد الله بن
412 وهب وعبد الرحمن بن المبارك العيشى وعبد
العزيز بن المغيرة وعبيد الله بن سعيد السرخسى وعبيد الله بن عمر القواريرى وعلى
بن المدينى وعمر بن زيد السيارى وعمرو ابن عون الواسطى وعمران بن موسى القزاز وغسان
بن الفضل السجستانى وفضيل بن عبد الوهاب القناد وفطر بن حماد وقتيبة بن سعيد وليث
بن حماد الصفار وليث بن خالد البلخى ومحمد بن إسماعيل السكرى ومحمد بن أبى بكر
المقدمى ومحمد بن زنبور المكى ومحمد بن زياد الزيادى ومحمد سليمان لوين ومحمد بن
عبد الله الرقاشى ومحمد بن عبيد بن حساب ومحمد بن عيسى بن الطباع ومحمد بن موسى
الخرشى ومحمد بن النضر بن مساور المروزى ومحمد ابن أبى نعيم الواسطى ومخلد بن
الحسن البصرى ومخلد بن خداش البصرى ومسدد بن مسرهد ويعلى بن منصور الرازى ومهدى بن
حفص وهلال بن بشر والهيثم بن سهل التسترى وهو آخر من روى عنه ووهب بن جرير بن حازم
ويحيى ابن بحر الكرمانى ويحيى بن حبيب بن عربى الحارثى ويحيى بن درست البصرى ويحيى
ابن عبد الله بن بكير المصرى ويحيى بن يحيى النيسابورى ويوسف بن حماد المعنى وممن
يروى عن حماد بن سلمة دون ابن زيد إبراهيم بن الحجاج الشامى وابراهيم بن أبى سويد
الدراع وأحمد بن إسحاق الحضرمى وآدم بن أبى إياس وإسحق بن عمر بن سليط وإسحق بن
منصور السلولى وأسد بن موسى وبشر بن السرى وبشر بن عمر الزهرانى وبهز بن أسد وحبان
بن هلال والحسن بن بلال والحسن بن موسى الأشيب والحسين بن عروة وخليفة بن خياط وداود
بن شبيب وزيد بن الحباب وزيد بن أبى الورقاء وشريح بن النعمان وسعيد بن عبد الجبار
المصرى وسعيد بن يحيى اللخمى وأبو داود سليمان ابن داود الطيالسى وشعبة وشهاب بن
معمر البلخى وطالوت بن عباد والعباس بن بكار الضبى وعبد الله بن صالح العجلى وعبد
الرحمن بن سلام الجمحى وعبد الصمد بن حسان وعبد الصمد بن عبد الوارث وعبد الغفار
بن داود الحرانى وعبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج وهو من شيوخه وعبد الملك بن
عبد العزيز أبو نصر التمار وعبد الواحد بن غياث وعبيد الله بن محمد العيشى وعمرو
بن خالد الحرانى وعمرو بن عاصم الكلابى والعلاء بن عبد الجبار وغسان بن الربيع
وأبو نعيم الفضل بن دكين والفضل بن عنبسة الواسطى وقبيصة بن عقبة وقريش بن أنس
وكامل بن طلحة الجحدرى ومالك بن أنس وهو من أقرانه ومحمد بن إسحق بن يسار وهو من
شيوخه ومحمد بن بكر البرسانى
413 ومحمد بن عبد الله الخزاعى ومحمد بن كثير
المصيصي ومسلم بن أبى عاصم النبيل وأبو كامل مظفر بن مدرك ومعاذ بن خالد بن شقيق
ومعاذ بن معاذ ومهنا بن عبد الحميد وموسى ابن داود الضبى والنضر بن شميل والنضر بن
محمد الجرشى والنعمان بن عبد السلام وهشام بن عبد الملك الطيالسى والهيثم بن جميل
ويحيى بن إسحق السيلحينى ويحيى بن حماد الشهبانى ويحيى بن الضريس الرازى ويعقوب بن
إسحق الحضرمى وأبو سعيد مولى أبى هاشم وأبو عامر العقدى قال المزى فى التهذيب وعامة من ذكرناه فى
ترجمة حماد بن زيد دون ترجمة حماد ابن سلمة فانه لم يرو أحد منهم عن حماد بن سلمة
ثم قال وممن انفرد بالرواية عن حماد ابن سلمة أو اشتهر بالرواية عنه بهز بن أسد
وموسى بن إسمعيل وعامة من ذكرناه فى ترجمته دون ترجمة حماد بن زيد فاذا جاءك عن
أحد من هؤلاء عن حماد غير منسوب فهو ابن سلمة والله أعلم انتهى وما أدرى لم فرق المزى بين من ذكرهم فى
ترجمة حماد بن زيد دون ابن سلمة وبين من ذكرهم فى ترجمة حماد بن سلمة دون ابن زيد
فقال فى الأولين إنهما انفردوا بالرواية عن حماد بن زيد وقال فى الآخرين إنهم
انفردوا أو اشتهروا بالرواية عن حماد بن سلمة فزاد فى الآخرين أو اشتهروا بذلك
فيفهم منه أن بعضهم رووا عن حماد بن زيد ولكن لم يشتهروا بالرواية عنه فما أدرى
وقع ذلك منه قصدا للتفرقة بين الترجمتين أو اتفاقا والله أعلم قوله وقال الحافظ أبو يعلى الخليلى القزوينى
إذا قال المصرى عن عبد الله ولا ينسبه فهو ابن عمرو يعنى بن العاص انتهى قلت وما
حكاه الخليلى عن المصريين حكاه الخطيب فى الكفاية عن بعض المصريين بعد أن صدر
كلامه بأن الشاميين يفعلون ذلك فروى بإسناده عن النضر بن شميل قال إذا قال الشامى
عبد الله فهو ابن عمرو يعنى بن العاص وإذا قال المدنى عبد الله فهو ابن عمر قال
الخطيب وهذا القول الصحيح ثم قال وكذلك بفعل بعض المصريين فى عبد الله بن عمرو بن
العاص انتهى وكلام الخطيب يدل على أن هذا فى الشاميين أكثر منه فى المصريين والله
أعلم
414 قوله وذكر بعض الحفاظ أن شعبة يروى عن
سبعة كلهم أبو حمزة عن ابن عباس وكلهم أبو حمزة بالحاء والزاى إلا واحدا فإنه
بالجيم وهو أبو جمرة نصر بن عمران الضبعى ويدرك فيه الفرق بينهم بأن شعبة إذا قال
عن أبى حمزة عن ابن عباس وأطلق فهو نصر ابن عمران وإذا روى عن غيره فهو يذكر اسمه
أو نسبه والله أعلم انتهى وفيه نظر من
حيث أن شعبة قد يروى عن غير نصر بن عمران ويطلقه فلا يذكر اسمه ولا نسبه مثاله ما
رواه أحمد فى مسنده حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبى حمزة سمعت ابن عباس يقول
مر بى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا
ألعب مع الغلمان فاختبأت منه خلف باب الحديث فهذا شعبة قد أطلق الرواية عن أبى
حمزة وليس هو نصر بن عمران وإنما هو أبو حمزة بالحاء المهملة والزاى القصاب واسمه
عمران بن أبى عطاء وقد نسبه مسلم فى روايته فى هذا الحديث فرواه من رواية أمية بن
خالد ثنا شعبة عن أبى حمزة القصاب عن ابن عباس فذكره ولم يسمه مسلم فى روايته
وسماه النسائى فى روايته لهذا الحديث فى كتاب الكنى فقال أنا عمرو بن على حدثنى سهل
بن يوسف قال ثنا شعبة عن أبى حمزة عمران بن أبى عطاء عن ابن عباس فذكره وكان ينبغى
لمسلم أن يسميه فى روايته وإن لم يكن سماه شيخه بقوله هو عمران ابن أبى عطاء أو
يعنى عمران بن أبى عطاء لأن أبا حمزة القصاب اثنان أحدهما هذا والآخر اسمه ميمون
القصاب الأعور وقد يجاب عن فعل مسلم بأن ميمونا القصاب لا يروى عن ابن عباس ولا
يروى عنه شعبة وإنما يروى عنه سفيان الثورى وشريك بن عبد الله النخعى وآخرون وروى
هو عن إبراهيم النخعى والحسن البصرى فى آخرين من التابعين وهو ضعيف عندهم والأول
ثقة من التابعين وميمون من أتابع التابعين فلا يلتبس والله أعلم
415 وقد يروى شعبة أيضا عن أبى حمزة عن ابن
عباس وهو نصر بن عمران وينسبه مثاله
ما رواه مسلم فى الحج من رواية محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة قال سمعت أبا حمزة
الضبعى يقول تمتعت فنهانى ناس عن ذلك فأتيت ابن عباس الحديث فهذا شعبة لم يطلق
الرواية عن أبى جمرة بل نسبه بأنه الضبعى وهذا لا يرد على عبارة المصنف ولكن أردت
بإيراده أنه ربما نسب أبا جمرة الذى بالجيم وربما لم ينسب أبا حمزة الذى بالحاء
كما تقدم من مسند أحمد والله أعلم
قوله والثانى إلى آمل جيحون شهر بالنسبة إليها عبد الله بن حماد الآملى روى
عنه البخارى فى صحيحه انتهى وفيه نظر من حيث أن البخارى لم يصرح فى صحيحه بروايته
عن عبد الله بن حماد الآملى وإنما روى فى صحيحه عن عبد الله غير منسوب حديثين
أحدهما عنه عن يحيى بن معين والآخر عنه عن سليمان بن عبد الرحمن وموسى ابن هارون
البرقى فظن بعضهم أنه عبد الله بن حماد الآملى فذكره الكلاباذى فى رجال البخارى
قال المزى ويحتمل أن يكون عبد الله بن أبى القاضى الخوارزمى انتهى ويؤيد هذا الاحتمال أن البخارى روى عنه فى
كتاب الضعفاء الكبير عدة أحاديث عن سليمان بن عبد الرحمن وغيره سماعا وتعليقا والله
أعلم
416 قوله حدث القاسم المطرز يوما بحديث عن
أبى همام أو غيره عن الوليد بن مسلم عن سفيان فقال له أبو طالب بن نصر الحافظ من
سفيان هذا فقال له المطرز هو الثورى فقال له أبو طالب بل هو ابن عيينة فقال له
المطرز من أين قلت فقال لأن الوليد قد روى عن الثورى أحاديث معدودة محفوظة وهو ملئ
بابن عيينة والله أعلم انتهى قلت أقر
المصنف تصويب كلام الحافظ أبى طالب أحمد بن نصر وتعليل ذلك بكون الوليد بن مسلم
مليئا بابن عيينة وفيه نظر من حيث أنه لا يلزم من كونه مليا بابن عيينة على تقدير
تسليمه أن يكون هذا من حديثه عنه إذا أطلقه بل يجوز أن يكون هذا من تلك الأحاديث
المعدودة التى رواها الوليد عن سفيان الثورى وإذا عرف ذلك فإنى لم أر فى شئ من كتب
التواريخ وأسماء الرجال رواية الوليد بن مسلم عن سفيان ابن عيينة البتة وإنما رأيت
فيها ذكر روايته عن سفيان الثورى وممن ذكر ذلك البخارى فى التاريخ الكبير وابن
عساكر فى تاريخ دمشق والمزى فى التهذيب وكذلك لم أر فى شئ من كتب الحديث رواية
الوليد عن ابن عيينة لا فى الكتب الستة ولا غيرها
417 وروايته عن الثورى فى السنن الكبرى
للنسائى فروى فى اليوم والليلة حديثا عن الجارود بن معاذ الترمذى عن الوليد بن
مسلم عن سفيان الثورى والله أعلم
ويرجح ذلك وفاة الوليد بن مسلم قبل سفيان بن عيينة بزمن فإن الوليد حج سنة
أربع وتسعين ومائة ومات بعد انصرافه من الحج قبل أن يصل إلى دمشق فى المحرم سنة
خمس وتسعين وقيل مات فى بقية سنة أربع وتأخر سفيان بن عيينة إلى سنة ثمان وتسعين
وتوفى الثورى سنة إحدى وستين ومائة فالظاهر أن ما قاله القاسم بن زكريا المطرز من
أنه الثورى هو الصواب والله أعلم
النوع الخامس والخمسون
نوع يتركب من النوعين اللذين قبله
قوله موسى بن على بفتح العين وموسى
بن على بضم العين فمن الأول جماعة منهم أبو عيسى الختلى الذى روى عنه أبو بكر بن
مقسم المقرئ وأبو على الصواف وغيرهما انتهى
418 فقوله وأبو على الصواف هو معطوف على أبى
بكر بن مقسم لا على أبى عيسى الختلى وقد توهم بعضهم أنه معطوف على أبى عيسى وهو
شيخنا العلامة علاء الدين التركمانى فى اختصاره لكتاب ابن الصلاح فقال فالأول
كموسى بن على بفتح العين أبو عيسى الختلى وأبو على بن الصواف انتهى وهذا لا يصح لأن اسم أبى على الصواف محمد بن
أحمد بن الحسن لا موسى بن على فعلى هذا لم يذكر المصنف ممن اسمه موسى بن على
بالفتح إلا واحدا فقط وزاد النووى فى مختصره المسمى بالإرشاد فقال أنهم كثيرون
وفيه نظر وليس فى المتقدمين أحد يسمى هكذا لا فى رجال الكتب الستة ولا فى تاريخ
البخارى ولا كتاب ابن أبى حاتم ولا ثقات ابن حبان ولا فى كثير من التواريخ أمهات
تواريخ الإسلام كتاريخ أبى بكر ابن خيثمة والطبقات لمحمد بن سعد وتاريخ مصر لابن
يونس والتكامل لابن عدى وتاريخ نيسابور للحاكم وتاريخ أصبهان لأبى نعيم وفى كتاب
تاريخ بغداد للخطيب رجلان وفى تاريخ دمشق رجل واحد وهذه الكتب العشرة المذكورة بعد
تاريخ البخارى هى أمهات الكتب المصنفة فى هذا الفن كما قال المزى فى التهذيب وقد
رأيت ذكر من وقع ذكره فى التواريخ من القسم الأول فالأول موسى بن على بن موسى أبو
عيسى الختلى وهو أقدمهم روى عنه أبو بكر بن الأنبارى النحوى وابن مقسم والصواف
ذكره الخطيب فى التاريخ وكان ثقة والثانى موسى بن على بن موسى أبو بكر الأحول
البزاز روى عن جعفر بن محمد الفريابى روى عنه محمد بن عمر بن بكر المقرى ذكره
الخطيب أيضا والثالث موسى بن على بن محمد أبو عمران النحوى الصقلى سكن دمشق مدة
روى عن أبى ذر الهروى روى عنه عبد العزيز الكتانى وغيره وتوفى سنة سبعين وأربعمائة
ذكره ابن عساكر فى تاريخ دمشق والرابع موسى بن على بن قداح أبو الفضل المؤذن
الخياط سمع منه الحافظان أبو المظفر بن السمعانى وأبو القاسم بن عساكر توفى سنة
سبع وثلاثين وخمسماية والخامس موسى بن على القرشى أحد المجهولين ذكره الخطيب فى
تلخيص المتشابه فى ترجمة قنبر بن أحمد وروى له الحديث الآتى ذكره وذكره ابن ماكولا
فى الإكمال فى باب القاف وقال أنه روى عن قنبر بن أحمد بن قنبر وذكره الذهبى فى
الميزان وقال لا يدرى من ذا والخبر كذب عن قنبر بن أحمد بن
419 قنبر عن أبيه عن جده عن كعب بن نوفل عن بلال
مرفوعا كان نثار عرس فاطمة وعلى صكاك بأسماء محبيهما يعتقهم من النار قال إسناده
ظلمات والسادس موسى بن على بن غالب أبو عمران الأموى من أهل غرب الأندلس روى عن
أحمد بن طارق بن سنان وغيره ذكره ابن حوط الله وقال توفى ثالث رمضان سنة ثمان
وتسعين وخمسماية ذكره ابن الأبار فى التكملة والسابع موسى بن على بن عامر أبو
عمران الجزيرى أصله من الجزيرة الخضراء وهو من أهل أشبيلية له مصنفات منها شرح
الإيضاح وشرح البصرة للصيمرى ذكره ابن الأبار فى التكملة أيضا فهؤلاء المذكورون فى تواريخ الإسلام من
الشرق والغرب إلى زمن ابن الصلاح لم يبلغوا حد الكثرة فوصف الشيخ محيى الدين رحمه
الله لهم بأنهم كثيرون فيه تجوز والله أعلم
قوله وأما الثانى فهو موسى بن على بن رباح اللخمى المصرى ثم قال ويقال إن
أهل مصر كانوا يقولونه بالفتح كذلك وأهل العراق كانوا يقولونه بالضم انتهى أبهم المصنف قائل ذلك وأتى به بصيغة
التمريض والذى قال ذلك محمد بن سعد قاله فى الطبقات بلفظ أهل مصر يفتحون وأهل
العراق يضمون قوله وكان بعض الحفاظ
يجعله بالفتح اسما له وبالضم لقبا انتهى أبهم المصنف تسمية الحافظ القائل ذلك وهو
الدارقطنى
420 قوله ومما يتقارب ويشتبه مع الاختلاف فى
الصورة ثور بن يزيد الكلاعى الشامى وثور بن زيد بلا ياء فى أوله الديلى المدنى
وهذا الذى روى عنه مالك وحديثه فى الصحيحين معا والأول حديثه عند مسلم خاصة والله
أعلم انتهى وفيه أمران أحدهما أن قوله عند ذكر ثور بن زيد وهذا الذى روى عنه مالك
يقتضى أن مالكا لم يرو عن ثور بن يزيد وقد ذكر صاحب الكمال أن مالكا روى عن ثور بن
يزيد أيضا وتبعه المزى فى تهذيب الكمال على ذلك ولكنى لم أر رواية مالك عنه لا فى
الموطأ ولا فى شئ من الكتب الستة ولا فى غرائب مالك للداقطنى ولا غير ذلك الأمر الثانى أن قوله أن ثور بن يزيد حديثه
عند مسلم خاصة وهم منه لم يخرج له مسلم فى الصحيح شيئا وإنما أخرج له البخارى خاصة
فروى له فى كتاب الأطعمة عن خالد بن معدان عن أبى أمامة قال كان النبى
صلى الله عليه وسلم إذا رفع مائدته
قال الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه
وعن خالد عن المقدام بن معدى كرب مرفوعا كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه وحديث
ما أكل أحد طعاما خيرا من عمل يديه
بهذا الإسناد وروى له فى الجهاد عن عمير بن الأسود عن أم حرام أنها سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أول جيش من أمتى يغزون البحر قد أوجبوا
421 المعجمة والثانى بالسين المهملة واسم
الأول سعد بن إياس ويشاركه فى ذلك أبو عمرو الشيبانى اللغوى إسحق بن مرار انتهى
اقتصر المصنف على ذكر اثنين بالشين المعجمة وترك ثالثا أولى بالذكر من أبى عمرو
الشيبانى اللغوى لكونه أقدم منه ولكون حديثه فى السنن وليس لأبى عمرو الشيبانى
النحوى حديث فى شئ من الكتب الستة إنما له عند مسلم أن أحمد بن حنبل سأله عن اخنع
اسم فقال اوضع واسم الذى لم يذكره المصنف هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيبانى
والمعروف أن كنيته أبو عمرو هكذا كناه
يحيى بن سعيد القطان وعلى بن المدينى والبخارى فى التاريخ ومسلم والنسائى وأبو
أحمد الحاكم فى كتبهم فى الكنى والخطيب فى كتاب تلخيص المتشابه وأما ما جزم به
المزى فى تهذيب الكمال من تكنيته بأبى عبد الرحمن فهو وهم قوله عمرو بن زرارة بفتح العين وعمر بن
زرارة بضم العين فالأول جماعة منهم أبو محمد النيسابورى الذى روى عنه مسلم والثانى
يعرف بالحدثى وهو الذى يروى عنه البغوى المنيعى انتهى واقتصار المصنف على رواية
مسلم عنه ليس بجيد فقد روى عنه البخارى فى صحيحه أيضا أحاديث كثيرة من روايته عن
إسماعيل بن علية وهشيم
422 وعبد العزيز بن أبى حازم وأبى عبيدة الحداد
والقاسم بن مالك المزنى وزياد بن عبد الله البكائى وانما روى له مسلم من رواية ابن
علية وهشيم وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف فقط وكأن المصنف تبع الخطيب فى اقتصاره على
مسلم فانه قال فى كتابه المسمى بتالى التلخيص روى عنه مسلم بن الحجاج ومحمد بن
إسحق السراج وأما تعريف المصنف للثانى بأنه هو الذى يروى عنه البغوى المنيعى فهو
تعريف صحيح ولا يعترض عليه بقول الحافظ أبى بكر البرقانى أن ابن منيع يحدث عنهما
فقد بين الخطب فى كتابه تالى التلخيص أن البرقانى وهم فى هذا القول وليس يروى ابن
منيع عن عمرو بن زرارة شيئا وانما روايته عن عمرو بن زرارة فحسب والله أعلم
424 النوع السابع والخمسون معرفة المنسوبين إلى
غير آباءهم
قوله الثانى من نسب إلى جدته منهم
يعلى بن منية الصحابى هى فى قول الزبير بن بكار جدته أم أبيه وأبوه أمية انتهى
اقتصر المصنف على قول الزبير بن بكار
وكذلة جزم به ابن ماكولا وقد ضعفه ابن عبد البر وغيره قال ابن عبد البر لم يصب
الزبير وكذلك انتهى
425 والذى عليه الجمهور أنها أمه وهو قول على بن
المدينى وعبد الله بن مسلمة القعنبى ويعقوب بن شيبة وبه جزم البخارى فى التاريخ
الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل ومحمد بن جرير الطبرى وابن قانع والطبرانى
وابن حبان فى الثقات وابن منده فى معرفة الصحابة وآخرون وحكاه الدارقطنى عن أصحاب
الحديث ورجحه ابن عبد البر والمزى فقال فى التهذيب والأطراف أيضا وهى أمه ويقال
جدته وكذا ذكره المصنف فى النوع السابع والعشرين على الصواب
427 النوع التاسع والخمسون معرفة المبهمات
قوله حديث أبى سعيد الخدرى فى ناس من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا
بحى فلم يضيفوهم فلدغ سيدهم فرقاه رجل منهم بفاتحة الكتاب على ثلاثين شاة الحديث
الراقى هو الراوى أبو سعيد الخدرى انتهى هكذا جزم به المصنف تبعا للخطيب
428 فإنه قال ذلك فى كتاب المبهمات له وتبعه
النووى فى مختصره وفى شرح مسلم أيضا وفيه نظر من حيث أن فى بعض طرق حديث أبى سعيد
فى الصحيحين من رواية معبد بن سيرين عن أبى سعيد فقام معها رجل منا ما كنا نأبنه
برقية فبرأ فأمر له بثلاثين شاة وسقانا لبنا فلما رجع قلنا له أكنت تحسن رقية أو
كنت ترقى قال ما رقيت إلا بأم الكتاب وفى رواية لمسلم فقام معها رجل ما كنا نظنه
يحسن رقية الحديث وظاهر هذا أنه غير أبى سعيد ولكن الخطيب ومن تبعه استدل على كونه
أبا سعيد بما رواه الترمذى والنسائى وابن ماجه من رواية جعفر بن اياس عن أبى نضرة
عن أبى سعيد وفيه فقالوا هل فيكم من يرقى من العقرب قلت نعم أنا ولكن لا أرقيه حتى
تعطونا غنما قالوا فأنا نعطيكم ثلاثين شاة فقبلنا فقرأت عليه الحمد سبع مرات فبرأ
الحديث لفظ الترمذى وقال حديث حسن صحيح انتهى
وقد تكلم غير واحد من الأئمة فى هذه الرواية وقد رواه الترمذى بعد هذا من
رواية جعفر عن أبى المتوكل عن أبى سعيد وقال فيه فجعل رجل منا يقرأ عليه بفاتحة
الكتاب وقال هذا أصح من حديث الأعمش عن جعفر بن اياس أى الرواية المتقدمة وضعف ابن
ماجه أيضا رواية أبى نضرة بكونها خطأ فقال والصواب هو أبو المتوكل انتهى وقد يقال لعل ذلك وقع مرتين مرة لأبى سعيد
ومرة لغيره وقد وقع نظير ذلك مع
429 شخص آخر من الصحابة يقال أن اسمه علاقة بن
صحار وهو عم خارجة بن الصلت رواه أبو داود والنسائى إلا أن ذاك الذى رواه عم خارجة
كان معتوها مع أنه ورد فى حديث أبى سعيد الخدرى لمتقدم عند النسائى فعرض لإنسان
منهم فى عقله أو لدغ هكذا على الشك ولا مانع من أن يقع ذلك لجماعة والله أعلم قوله ابن مربع الأنصارى الذى أرسله رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل عرفة
وقال كونوا على مشاعركم اسمه زيد وقال الواقدى وكاتبه محمد بن سعيد اسمه عبد الله
انتهى هكذا اقتصر المصنف على قولين فى
ابن مربع وفيه قول ثالث أن اسمه يزيد بزيادة ياء مثناه من تحت فى أوله وبه جزم
المحب الطبرى فى كتاب للقرى وهو الذى رجحه الحافظ أبو القاسم بن عساكر فى الأطراف
فذكر الحديث فى باب الياء فقال ومن مسند يزيد ويقال زيد ويقال عبد الله بن مربع بن
قيظى وساق نسبه وتبعه الحافظ أبو الحجاج المزى فى الأطراف فى ترجيح كونه اسمه يزيد
فذكره فى فصل من اشتهر بالنسبة إلى ابيه أوجده فقال ابن مربع واسمه يزيد ويقال زيد
ويقال عبد الله بن مربع بن قيظى وكذلك رجحه فى التهذيب فى هذا الفصل فقال ابن مربع
اسمه يزيد وقيل زيد وقيل عبد الله وخالف المزى ذلك فى الأسماء فرجح أن اسمه زيد
كما ذكره المصنف فقال زيد بن مربع بن قيظى وذكر نسبه ثم قال هكذا سماه ونسبه أحمد
بن البرقى وهكذا أسماه أبو بكر بن أبى خيثمة عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وقيل
اسمه يزيد وقيل عبد الله قال وأكثر ما يجئ فى الحديث غير مسمى انتهى قلت لم أجده مسمى فى شئ من طرق الحديث وإنما
يعرف له هذا الحديث الواحد كما قال الترمذى وحديثه فى السنن الأربعة ومسند أحمد
ومعجم الطبرانى وإنما سماه الترمذى عقب الحديث ففى أصل سماعنا اسمه زيد وفى كثير
من النسخ يزيد وهكذا نقله ابن عساكر فى الأطراف وتبعه المزى أيضا فى الأطراف وقد
اختلف فيه كلام ابن عساكر كما اختلف كلام المزى فرجح فى الأطراف أن اسمه يزيد ورجح
فى جزء له رتب فيه اسماء الصحابة الذين فى مسند أحمد على حروف المعجم أن اسمه زيد
430 وسماه الطبرانى فى المعجم الكبير عبد
الله كما فعل الواقدى وابن سعد وليس ابن مربع شخصا واحدا اختلف فى اسمه ولكن زيد
وعبد الله اخوان اختلف فى تعيين من كان المرسل منهما بعرفة بقوله كونوا على
مشاعركم وقد ذكر الدارقطنى فى المؤتلف
والمختلف وابن عبد البر فى الاستيعاب وابن ماكولا فى الإكمال أنهم أربعة أخوة عبد
الله وعبد الرحمن وزيد ومرارة بنو مربع بن قيظى وكان أبوهم مربع من قيظى من
المنافقين ذكره الدارقطنى وابن ماكولا وذكر ابن حبان فى الصحابة زيد بن مربع ويزيد
بن مربع كل واحد فى بابه قوله ابن أم
مكتوم الأعمى المؤذن اسمه عبد الله بن زائدة وقيل عمرو بن قيس وقيل غير ذلك
انتهى وما رجحه المصنف من أن اسمه عبد
الله بن زائدة مخالف لقول جمهور أهل الحديث فإن أكثر أهل الحديث على أن اسمه عمرو
وحكاه عنهم ابن عبد البر فى الاستيعاب فى موضعين فى باب عبد الله وفى باب عمرو
وكذا قال المزى فى التهذيب إن كون اسمه عمرا أكثر وأشهر انتهى وهو قول الزهرى
وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق فيما رواه ابن هشام عن زياد البكائى عنه والزبير بن
بكار وأحمد بن حنبل سماه فى المسند كذلك فى الترجمة وهو مسمى أيضا فى نفس الحديث
عنده من رواية أبى رزين عن عمرو ابن أم مكتوم قال جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله كنت
ضريرا شاسع الدار وليس لى قائد الحديث وكذلك رواه الطبرانى فى المعجم الكبير من
رواية زر من حبيش عن عمرو بن أم مكتوم والحديث عند أبى داود بن ماجه من الطريق
الأول ولكن لم يسم فيه عندهما والجمهور أيضا أنه عمرو بن قيس كما قال الزهرى وموسى
بن عقبة والزبير بن بكار ورجحه ابن عساكر فى الأطراف وكذلك المزى أيضا فى الأطراف
فقال واسمه عمرو بن قيس بن زائدة قال ويقال عمرو بن زائدة ويقال عبد الله بن زائدة
وكذا قال فى أواخر التهذيب فى فصل من يعرف بابن كذا فقال اسمه عمرو بن قيس ويقال
عبد الله وقال قبل ذلك فى باب عمرو بن قيس بن زائدة ويقال عمرو بن زائدة تقدم وقال
قبل ذلك عمرو بن زائدة ويقال عمرو بن قيس بن زائدة إلى آخر
431 كلامه وما ذكره المصنف من أنه عبد الله بن
زائدة هو قول قتادة قال ابن أبى حاتم يشبه أن يكون قتادة نسبه إلى جده وقال ابن
عبد البر أيضا أظنه نسبه إلى جده وقال ابن حبان من قال هو عبد الله بن زائدة فقد
نسبه إلى جده زائدة انتهى وقد رجح
البخارى فى التاريخ ما رجحه المصنف فقال هو عبد الله بن زائدة قال ويقال عمرو بن
قيس بن شريح بن مالك قال وقال ابن إسحاق عبد الله بن شريح بن قيس بن زائدة انتهى وما حكاه البخارى عن ابن إسحاق من أنه عبد
الله بن شريح هو الذى اختاره ابن أبى حاتم وحكاه عن على بن المدينى وعن الحسين بن
واقد وقال أنه رواه سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق وهو مخالف لما رويناه عن ابن
إسحاق فى السيرة كما تقدم وقال محمد بن سعد أما أهل المدينة فيقولون اسمه عبد الله
وأهل العراق يقولون اسمه عمرو قال وأجمعوا على نسبه فقالوا هو ابن قيس بن زائدة بن
الأصم قال ابن أبى حاتم كيف أجمعوا وقد حكينا عن ثلاثة نفر محمد بن إسحاق وعلى بن
المدينى والحسين بن واتد يريد قولهم أنه عبد الله بن شريح وقال ابن حبان هو عبد
الله بن عمرو بن شريح بن قيس ابن زائدة فذكر نسبه ثم قال وكان اسمه الحصين فسماه
النبى صلى الله عليه وسلم عبد الله انتهى وقد ورد أيضا فى بعض أحاديثه تسميته بعبد
الله كما رواه الطبرانى فى المعجم الكبير من حديث جابر طاف النبى صلى الله عليه وسلم فى حجته بالبيت على ناقته
الجدعاء وعبد الله ابن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز فان قلت فاذا كان قد ورد مسمى
بعبد الله هكذا واتفق على بن المدينى
والبخارى والحسين بن واقد وابن أبى حاتم وابن حبان وابن إسحاق فى رواتة سلمة بن
الفضل عنه على تسميته بعبد الله اقتضى ذلك ترجيح ما رجحه المصنف قلنا حديث جابر
هذا لا يصح فان فى إسناده عمر بن قيس وهو الملقب سندل أو سندول وهو أحد المتروكين
والأكثرون قالوا أنه عمرو والله أعلم
433 النوع الموفى ستين معرفة تواريخ الرواة
قوله وقبض صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ضحى لاثنتى عشرة
ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة انتهى وفيه أمران أحدهما أنه
لا يصح أن يكون يوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول سنة احدى عشرة يوم الاثنين بوجه
من الوجوه وذلك لاتفاقهم على أن حجة الوداع كان يوم عرفة فيها يوم الجمعة لحديث
عمر المتفق عليه وإذا كان كذلك فإن كانت الأشهر الثلاثة وهى ذى الحجة والمحرم وصفر
كوامل فيكون ثانى عشر شهر ربيع الأول يوم الأحد وإن كانت أو بعضها ناقصة فيكون
الثاني عشر من شهر ربيع الأول إما الخميس أو الجمعة أو السبت وهذا الإستشكال ذكره
السهيلى فى كتاب الروض الأنف وقال لم أر أحدا تفطن له انتهى وهو استشكل
434 لا محيص عنه وقد رأيت لبعض العلماء جوابا عنه
فأخبرنى قاضى القضاة عز الدين بن جماعة رحمه الله أن والده كان يحمل قول الجمهور
لاثنتى عشرة ليلة خلت منه أى بأيامها كاملة فتكون وفاته بعد استكمال ذلك والدخول
فى اليوم الثالث عشر وتفرض على هذا الشهور الثلاثة كوامل وفى هذا الجواب نظر من
حيث أن كلام أهل السير يدل على وقوع الأشهر الثلاثة نواقص أو على نقص اثنين منها
فأما ما يدل على نقص الثلاثة فروى البيهقى فى دلائل النبوة بإسناد صحيح إلى سليمان
التيمى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر وكان أول مرضه
فيه يوم السبت وكانت وفاته يوم العاشر يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع
الأول وقوله كانت وفاته اليوم العاشر
أى من مرضه ويدل على ذلك أيضا ما روى الواقدى عن أبى معشر عن محمد بن قيس قال
اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر إلى أن
قال اشتكى ثلاثة عشر يوما وتوفى يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول ويجمع بين
قولى سليمان التيمى ومحمد بن قيس فى مدة المرض أن المراد بالأول اشتداده وبالثانى
ابتداؤه وكذلك ما رواه الخطيب فى كتاب أسماء الرواة عن مالك من رواية سعيد بن سلمة
بن قتيبة عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ثمانية أيام فتوفى
لليلتين خلتا من ربيع الأول الحديث فجعل مدة مرضه ثمانية أيام فلو ثبت حملناه على
قوة المرض إلا أنه لا يصح ففى إسناده أبو بشر المصعبى واسمه أحمد بن مصعب بن بشر
المروزى وقد اتهمه الدارقطنى وابن حبان بوضع الحديث والعمدة على قول سليمان التيمى
أنه كانت وفاته فى ثانى الشهر وحكاه الطبرى عن ابن الكلبى وأبى مخنف وهو راجح من
حيث التاريخ وكذلك القائلون بأنه يوم الاثنين مستهل شهر ربيع الأول وهو قول موسى
بن عقبة والليث ابن سعد وبه جزم ابن زبر وفى الوفيات وحكاه السهيلى عن الخورازمى
قال السهيلى وهذا أقرب فى القياس مما ذكره الطبرى عن الكلبى وابن مخنف قلت لكن
سليمان التيمى ثقة والإسناد إليه صحيح فقوله أولى ولا يمتنع نقص ثلاثة أشهر متوالية
ومن المشكل أيضا قول ابن حبان وبن عبد البر أنه بدأ به مرضه الذى مات منه يوم
الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر فهذا مما لا يمكن وسببه أنهما قالا توفى يوم
الاثنين ثانى عشرة وجعلا
435 مدة مرضه ثلاثة عشر يوما فانتج لهما هذا
التاريخ الفاسد وهما فى ذلك موافقان للجمهور فهو قول ابن إسحق ومحمد بن سعد وسعيد
بن عفير وصححه ابن الجوزى وتبعهم المصنف والنووى فى شرح مسلم والمزى فى التهذيب
والذهبى فى العبر وفيه ما تقدم الأمر
الثانى أن قول المصنف أنه مات ضحى يشكل عليه ما فى صحيح مسلم من حديث أنس قال آخر
نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم الحديث وفيه فألقى السجف وتوفى من
آخر ذلك اليوم فهذا الحديث دال على أنه تأخر بعد الضحى وقد يجمع بين الحديث وبين
من قال توفى ضحى أن المراد أول النصف الثانى من النهار فهو آخر وقت الضحى وهو من
آخر النهار باعتبار أنه من النصف الثانى ويدل عليه ما رواه ابن عبد البر بإسناده
إلى عائشة رضى الله عنها قالت مات رسول الله
صلى الله عليه وسلم وإنا لله وإنا إليه راجعون ارتفاع الضحى وانتصاف النهار
يوم الاثنين وذكر موسى بن عقبة فى مغازية عن ابن شهاب توفى يوم الاثنين حين زاغت
الشمس فهذا جمع حسن بين ما اختلف من ذلك فى الظاهر والله أعلم قوله وتوفى أبو بكر رضى الله عنه فى جمادى
الأولى سنة ثلاث عشر انتهى وتقييده
بجمادى الاولى مخالف لقول الأكثرين فإنهم قالوا فى جمادى آخر وبه جزم ابن إسحق
وابن زبر وابن قانع وابن حبان وابن عبد البر وابن الجوزى والذهبى في العبر وحكى
ابن عبد البر عن أكثر أهل السير أنه توفى فى جمادى الآخرة لثمان بقين منه وما جزم
به المصنف هو قول الواقدى وعمرو بن الفلاس وبه جزم عبد الغنى فى الكمال وتبعه
المزى فى التهذيب والذهبى فى مختصراته منه والله أعلم قوله وطلحة والزبير جميعا فى جمادى الأولى
سنة ست وثلاثين انتهى
436 وتقييده بجمادى الأولى مخالف أيضا لقول
الجمهور فإنهما قتلا فى وقعة الجمل وكانت وقعة الجمل لعشر خلون من جمادى الآخرة
هكذا جزم به الواقدى وكاتبه محمد بن سعد وخليفة ابن خياط وابن زبر وابن عبد البر
وابن الجوزى وبه جزم المزى فى التهذيب فى ترجمة طلحة وخالف ذلك فى ترجمة الزبير
فقال كان قتله يوم الجمل فى جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وسبب وقوعه فى ذلك تقليد
ابن عبد البر فإنه اختلف كلامه فى الترجمتين فقال فى كل منهما أنه قتل يوم الجمل
فقال فى طلحة فى جمادى الآخرة وقال فى الزبير فى جمادى الأولى وهو وهم لا يمشى إلا
على قول من جعل وقعة الجمل فى جمادى الأولى وهو قول الليث بن سعد وأبى حاتم بن
حبان وعبد الغنى فى الكمال قوله وسعد
بن أبى وقاص سنة خمس وخمسين على الأصح وهو ابن ثلاث وسبعين سنة انتهى وما قاله ابن
الصلاح صدر به عبد الغنى فى الكمال كلامه والمشهور الذى عليه الجمهور أنه كان ابن
اربع وسبعين سنة وهو الذى جزم به عمرو بن على الفلاس وابن زبر وابن قانع وابن حبان
والله أعلم قوله الثانى شخصان من
الصحابة عاشا فى الجاهلية ستين سنة وفى الإسلام ستين سنة وماتا بالمدينة سنة أربع
وخمسين أحدهما حكيم بن حزام وكان مولده فى جوف الكعبة قبل عام الفيل بثلاث عشرة
سنة والثانى حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصارى انتهى
437 قلت اقتصر المصنف على من عاش من الصحابة
مائة وعشرين ستين فى الجاهلية وستين فى الإسلام على هذين وفى الصحابة اربعة آخرون
اشتركوا معهما فى هذا الوصف أحدهم حويطب بن عبد العزى القرشى العامرى من مسلمة
الفتح قال ابن حبان سنه سن حكيم بن حزام عاش فى الإسلام ستين سنة وفى الجاهلية
ستين سنة وقال ابن عبد البر أدركه الإسلام وهو ابن ستين سنة أو نحوها قال ومات
بالمدينة فى آخر إمارة معاوية وقيل بل مات سنة اربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين
سنة قلت وهذا قول الجمهور خليفة بن خياط والهيثم بن عدى وأبى القاسم بن سلام ويحيى
بن بكير وأبى موسى الزمن وابن قانع وابن حبان وغيرهم أنه مات سنة اربع وخمسين
والثانى سعيد بن يربوع القرشى من مسلمة الفتح أيضا مات بالمدينة سنة اربع وخمسين
وهو ابن مائة وعشرين سنة قاله خليفة بن خياط وابن حبان وكذا قال أبو عبيد وابن عبد
البر أنه مات سنة أربع وخمسين والثالث مخرمة بن نوفل القرشى الزهرى والد المسور
ابن مخرمة من مسلمة الفتح أيضا عاش أيضا مائه وعشرين سنة فيما حكاه الواقدى وبه
جزم أبو زكريا بن منده وقيل عاش مائة وخمس عشرة سنة وبه جزم ابن حبان وابن زبر
وابن عبد البر وتوفى سنة اربع وخمسين قاله الهيثم بن عدى وابن نمير والمدائنى وابن
قانع وابن حبان والرابع حمنن بن عوف القرشى الزهرى أخو عبد الرحمن بن عوف وهو بفتح
الحاء المهملة وسكون الميم وفتح النون الأولى عاش أيضا فى الجاهلية ستين سنة وفى
الإسلام ستين سنة قاله الدارقطنى فى كتاب الإخوة والأخوات وابن عبد البر فى
الاستيعاب وفى الصحابة جماعة آخرون
عاشوا مائة وعشرين سنة ذكرهم أبو زكريا بن منده فى جزء له جمعه فى ذلك لكن لم يطلع
على كون نصفها فى الجاهلية ونصفها فى الإسلام فاقتصرنا على هؤلاء الأربعة
لمشاركتهم لحكيم وحسان فى ذلك والله أعلم
438 قوله ومسلم بن حجاج النيسابورى مات بها
لخمس بقين من رجب سنة احدى وستين ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة انتهى وما ذكره المصنف من أن مسلما عاش خمسا
وخمسين سنة تبع فيه الحاكم فإنه كذلك قال فى كتاب المزكين لرواة الأخبار بعد نقل
كلام ابن الاخرم فى تاريخ وفاته وكأنه بقية كلام ابن الأخرم ولم يذكر فى تاريخ
نيسابور مقدار عمره وإنما اقتصر على نقل تاريخ وفاته عن ابن الاخرم واقتصر المزى
فى التهذيب على أن مولده سنة أربع ومائتين فعلى هذا يكون عمره سبعا وخمسين سنة
وجزم الذهبى فى العبر بأنه عاش ستين سنة والله أعلم
442 النوع الثانى والستون
معرفة من خلط من آخر عمره من الثقات
ذكر المصنف رحمه الله فى هذا النوع
ستة عشر ترجمة ممن ذكر اختلاطهم وذكر فى بعضهم بعض من سمع منه فى صحته وفى بعضهم
بعض من سمع منه فى اختلاطه وذكر فى آخر النوع أن ما كان من هذا النوع محتجا
بروايته فى الصحيحين أو أحدهما فإنا نعرف على الجملة أن ذلك مما تميز وكان مأخوذا
عنه قبل الاختلاط فرأيت أن أذكر ما عرف فى تلك التراجم ممن سمع منهم قبل الاختلاط
أو بعده وأذكر من روايته عن المذكورين فى الصحيح حتى يعرف أن ذلك مأخوذ عنه قبل
الاختلاط كما ذكره المصنف وذلك من تحسين الظن بهما لتلقى الأمة لهما بالقبول كما
قبل فيما وقع فى كتابيهما أو أحدهما من حديث المدلسين بالعنعنة والله أعلم قوله فمنهم عطاء بن السائب اختلط فى آخر
عمره فاحتج أهل العلم برواية الأكابر عنه مثل سفيان وشعبة إلى آخر كلامه وقد يفهم
من كلامه فى تمثيله بسفيان وشعبة من
443 الأكابر أن غيرهما من الأكابر سمع منه فى
الصحة وقد قال يحيى بن معين جميع من روى عن عطاء روى عنه فى الاختلاط إلا شعبة
وسفيان وقال أحمد بن حنبل سمع منه قديما شعبة وسفيان وقال أبو حاتم الرازى قديم السماع من عطاء
سفيان وشعبة وقد استثنى غير واحد من الأئمة مع شعبة وسفيان حماد بن زيد قال يحيى
بن سعيد القطان سمع حماد بن زيد من عطاء بن السائب قبل أن يتغير وقال النسائى
رواية حماد بن زيد وشعبة وسفيان عنه جيدة انتهى وقال فى موضع آخر حديثه عنه صحيح وصحح أيضا
حديثه عنه أبو داود والطحاوى كما سيأتى ونقل الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبى بكر
بن خلف بن المواق فى كتاب بغية النقاد الاتفاق على أن حماد بن زيد إنما سمع منه
قديما واستثنى الجمهور أيضا رواية
حماد بن سلمة عنه أيضا فممن قاله يحيى بن معين وأبو داود والطحاوى وحمزة الكتانى
فروى ابن عدى فى الكامل عن عبد الله ابن الدورقى عن يحيى بن معين قال حديث سفيان
وشعبة وحماد بن سلمة عن عطاء ابن السائب مستقيم وهكذا روى عباس الدورى عن يحيى بن
معين وكذلك ذكر أبو بكر بن أبى خيثمة عن ابن معين فصحح رواية حماد بن سلمة عن عطاء
وسيأتى نقل كلام أبى داود فى ذلك وقال
الطحاوى وإنما حديث عطاء الذى كان منه قبل تغيره يؤخذ من أربعة لا من سواهم وهم
شعبة وسفيان الثورى وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وقال حمزة بن محمد الكتانى فى
اماليه حماد بن سلمة قديم السماع من عطاء بن السائب نعم قال عبد الحق فى الاحكام
أن حماد بن سلمة من سمع منه بعد الاختلاط حسبما قاله العقيلى فى قوله إنما ينبغى
أن يقبل من حديثه ما روى عنه مثل شعبة وسفيان فأما جرير وخالد بن عبد الله وابن
علية وعلى بن عاصم وحماد بن سلمة وبالجملة أهل البصرة فأحاديثهم عنه مما سمع منه
بعد الاختلاط لانه إنما قدم عليهم فى آخر عمره انتهى وقد تعقب الحافظ
444 أبو عبد الله محمد بن أبى بكر بن المواق كلام
عبد الحق هذا بأن قال لا يعلم من قاله غير العقيلى والمعروف عن غيره خلاف ذلك قال وقوله لأنه إنما قدم عليهم فى آخر عمره
غلط بل قدم عليهم مرتين فمن سمع منه فى القدمة الاولى صح حديثه عنه قال وقد نص على
ذلك أبو داود فذكر كلامه الآتى نقله أنفا
واستثنى أبو داود أيضا هشاما الدستوائى فقال وقال أحمد قدم عطاء البصرة
قدمتين فالقدمة الأولى سماعهم صحيح سمع منه فى المقدمة الأولى حماد بن سلمة وحماد
بن زيد وهشام الدستوائى والقدمة الثانية كان تغير فيها سمع منه وهيب وإسماعيل يعنى
بن علية وعبد الوارث سماعهم منه فيه ضعف قلت وينبغى استثناء سفيان بن عيينة أيضا
فقد روى الحميدى عنه قال كنت سمعت من عطاء بن السائب قديما ثم قدم علينا قدمته
فسمعته يحدث ببعض ما كنت سمعت فخلط فيه فاتقيته واعتزلته انتهى فأخبر ابن عيينة أنه اتقاه بعد اختلاطه
واعتزله فينبغى أن تكون روايته عنه صحيحة والله أعلم وأما من سمع منه فى الحالين فقال يحيى بن
معين فيما رواه عباس الدورى عنه سمع أبو عوانة من عطاء فى الصحة وفى الاختلاط
جميعا ولا يحتج بحديثه وأما من صرحوا بأن سماعه منه بعد الاختلاط فجرير بن عبد
الحميد وإسماعيل بن علية وخالد بن عبد الله الواسطى وعلى بن عاصم قاله أحمد بن
حنبل والعقيلى كما تقدم وكذلك وهيب بن خالد كما تقدم نقله عن أبى داود وكذلك ما
روى عنه محمد بن فضيل بن غزوان قال أبو حاتم فيه غلط واضطراب وقال العجلى ممن سمع
منه بآخرة هشيم وخالد بن عبد الله الواسطى قلت وقد روى البخارى حديثا من رواية
هشيم عن عطاء بن السائب وليس له عند البخارى غيره إلا أنه قرنه فيه بأبى بشر جعفر
بن إياس رواه عن عمرو الناقد عن هشيم عن أبى بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذى أعطاه الله إياه وممن ذكر أنه سمع منه بآخرة البصريون كجعفر
بن سليمان الضبعى وروح بن القاسم وعبد العزيز بن عبد الصمد العمى وعبد الوارث بن
سعيد قال أبو حاتم الرازى وفى
445 حديث البصريين الذين يحدثون عنه تخاليط كثيرة
لانه قدم عليهم فى آخر عمره وهذا يوافق ما قاله العقيلى إلا أن أبا حاتم لم يقل أن
أحاديث أهل البصرة عنه مما سمع بعد الاختلاط كما قال العقيلى بل ذكر أن فى حديثهم
عنه تخليطا وهو كذلك وقد صرح أبو داود بأنه قدمها مرتين والتخليط إنما كان فى
الثانية والله أعلم قوله إبو إسحاق
السبيعى اختلط أيضا ويقال أن سماع سفيان بن عيينة منه بعد ما اختلط ذكر ذلك أبو
يعلى الخليلى انتهى وفيه أمور أحدها
أن صاحب الميزان أنكر اختلاطه فقال شاخ ونسى ولم يختلط قال وقد سمع منه سفيان بن
عيينة وقد تغير قليلا الأمر الثانى أن
المصنف ذكر كون سماع بن عيينة منه بعد ما اختلط بصيغة التمريض وهو حسن فإن بعض أهل
العلم أخذ ذلك من كلام لابن عيينة ليس صريحا فى ذلك قال يعقوب الفسوى قال ابن
عيينة ثنا أبو إسحاق فى المسجد ليس معنا ثالث قال الفسوى فقال بعض أهل العلم كان
قد اختلط وإنما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه انتهى الأمر الثالث أن المصنف لم يذكر أحدا قيل
عنه أن سماعه منه بعد الاختلاط إلا ابن عيينة وقد ذكر ذلك عن إسرائيل بن يونس
وزكريا بن أبى زائدة وزهير بن معاوية وكذلك تكلم فى رواية زائدة بن قدامة عنه أما
إسرائيل فقال صالح بن أحمد ابن حنبل عن أبيه إسرائيل عن أبى إسحاق فيه لين سمع منه
بآخرة وقال محمد بن موسى بن مشيش سئل أحمد بن حنبل أيما أحب إليك شريك أو إسرائيل
فقال إسرائيل هو أصح حديثا من شريك إلا فى أبى إسحاق فإن شريكا اضبط عن أبى إسحق
قال وما روى يحيى عن إسرائيل شيئا فقيل لم فقال لا أدري أخبرك إلا أنهم يقولون من
قبل أبى إسحق لأنه خلط وروى عياش الدورى عن يحيى بن معين قال زكريا وزهير وإسرائيل
حديثهم فى أبى إسحق قريب من السواء إنما أصحاب أبى إسحق سفيان وشعبة قلت قد
خالفهما فى ذلك عبد الرحمن بن مهدى وأبو حاتم فقال ابن مهدى إسرائيل فى أبى إسحق
أثبت من شعبة والثورى وروى عبد الرحمن بن مهدى عن عيسى بن
446 يونس قال قال لى إسرائيل كنت أحفظ حديث أبى
إسحاق كما أحفظ السورة من القرآن وقال أبو حاتم الرازى إسرائيل من أتقن أصحاب أبى
إسحق وروايته عن جده فى الصحيحين وأما زكريا بن أبى زائدة فقال صالح بن أحمد بن
حنبل عن أبيه إذا اختلف زكريا وإسرائيل فإن زكريا أحب إلى فى أبى إسحق من
إسرائيل ثم قال ما أقربهما وحديثهما
عن أبى إسحق لين سمعا منه بآخرة وقال أحمد بن عبد الله العجلى كان ثقة إلا أن
سماعه عن أبى إسحق بآخرة بعد ما كبر أبو إسحق قال وروايته ورواية زهير بن معاوية
وإسرائيل بن يونس قريب من السواء
وتقدم قول يحيى بن معين أيضا أن حديث الثلاثة عن أبى إسحق قريب من السواء
وروايته عنه فى الصحيحين وأما زهير بن معاوية فقال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه
فى حديثه عن أبى إسحق لين سمع منه بآخرة وقال أبو زرعة ثقة إلا أنه سمع من أبى
إسحق بعد الاختلاط وقال أبو حاتم زهير أحب إلينا من إسرائيل فى كل شئ إلا فى حديث
أبى إسحق وقال أيضا زهير ثقة متقن صاحب سنة تأخر سماعه من أبى إسحق وتقدم أيضا قول
يحيى بن معين زكريا وزهير وإسرائيل حديثهم فى أبى إسحق قريب من السواء وقال
الترمذى زهير فى إسحق ليس بذاك لأن سماعه منه بآخرة وروايته عنه فى الصحيحين وأما
زائدة بن قدامة فروى أحمد بن حنبل بن الحسن الترمذى عن أحمد بن حنبل قال إذا سمعت
الحديث عن زائدة وزهير فلا تبال أن لا تسمعه من غيرهما إلا حديث أبى إسحق وروايته
عنه فى سنن أبى داود فقط الأمر الرابع
أنه قد أخرج الشيخان فى الصحيحين لجماعة من روايتهم عن إبى إسحق وهم إسرائيل بن
يونس بن أبى إسحاق وزكريا ابن أبي زائدة وزهير بن معاوية وسفيان الثورى وأبو
الأحوص سلام بن سليم وشعبة وعمر بن أبى زائدة ويوسف بن إبى إسحاق وأخرج البخارى من
رواية جرير بن حازم عنه وأخرج مسلم من رواية إسماعيل بن أبى خالد ورقبة بن مصقلة
وسليمان بن مهران الأعمش وسليمان بن معاذ وعمار ابن رزيق ومالك بن مغول ومسعر بن
كدام عنه وقد تقدم أن إسرائيل وزكريا وزهير سمعوا منه بآخرة والله أعلم
447 قوله سعيد بن إياس الجريرى اختلط وتغير
حفظه قبل موته قال أبو الوليد الباجى المالكى قال النسائى أنكر أيام الطاعون وهو
أثبت عندنا من خالد الحذاء ما سمع منه قبل أيام الطاعون انتهى وفيه أمور أحدها أن نقل المصنف لكلام
النسائى بواسطة أبى الوليد الباجى لأن الظاهر أنه إنما رآه فى كلام الباجى عنه وهو
تحرز حسن ولكن هذا موجود فى كلام النسائى ذكره فى كتاب التعديل والجرح رواية أبى
بكر محمد بن معاوية بن الأحمر عنه قال فيه ثقة أنكر أيام الطاعون وكذا ذكره غير
النسائى قال يحيى بن سعيد عن كهمس أنكرنا الجريرى أيام الطاعون وقال أبو حاتم
الرازى تغير حفظه قبل موته فمن كتب عنه قديما فهو صالح وقال ابن حبان كان قد اختلط
قبل أن يموت بثلاث سنين مات سنة أربع وأربعين ومائة الأمر الثانى أن الذين عرف أنهم سمعوا منه
قبل الاختلاط إسماعيل بن علية هو أرواهم عنه والحمادان والسفيانان وشعبة وعبد
الوارث بن سعيد وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى ومعمر ووهيب بن خالد ويزيد بن
زريع وذلك لأن هؤلاء الأحد عشر سمعوا من أيوب السختيانى وقد قال أبو داود فيما
رواه عنه أبو عبيد الآجرى كل من أدرك أيوب فسماعه من الجريرى جيد الأمر الثالث فى بيان من ذكر أن سماعه منه
بعد التغير وهم إسحق الأزرق وعيسى بن يونس ومحمد بن عدى ويحيى بن سعيد القطان
ويزيد بن هارون أما إسحق الأزرق فقال يزيد بن هارون سمع منه إسحق الأزرق بعدنا
وسيأتى أن يزيد إذا سمع منه فى سنة اثنتين وأربعين ومائة وليست روايته عنه فى شئ
من الكتب الستة وأما عيسى بن يونس فقال
يحيى بن معين قال يحيى بن سعيد لعيسى بن يونس أسمعت من الجريرى قال نعم قال لا ترو
عنه قال المزى فى التهذيب قال غيره لعله سمع منه بعد اختلاطه وروايته عنه فى سنن
أبى داود وفى اليوم والليلة والنسائى وأما محمد بن عدى
448 فقال يحيى بن معين عن محمد بن عدى لا نكذب
الله سمعنا من الجريرى وهو مختلط وليست روايته عنه فى شئ من الكتب الستة وأما يحيى
بن سعيد فقال ابن حبان قد رآه يحيى القطان وهو مختلط ولم يكن اختلاطه فاحشا وقال
عباس الدورى عن ابن معين قال سمع يحيى بن سعيد بن الجريرى وكان لا يروى عنه قال
صاحب الميزان لأنه أدركه فى آخر عمره وأما يزيد بن هارون فقال محمد بن سعيد عن
يزيد بن هارون سمعت من الجريرى سنة اثنين وأربعين ومائة وهى أول سنة دخلت البصرة
ولم ينكر منه شيئا وكان قيل لنا أنه قد اختلط وقال أحمد بن حنبل عن يزيد بن هارون
ربما ابتذ الجريرى وكان قد أنكر وروايته عنه عند مسلم وقد يجاب عنه بأن يزيد بن
هارون أنكر اختلاطه حين سمع منه الأمر
الرابع فى بيان من أخرج له الشيخان أو أحدهما من روايته عن الجريرى فروى الشيخان
من رواية بشر بن المفضل وخالد بن عبد الله الطحان وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وعبد
الوارث بن سعيد عنه وروى مسلم له من رواية إسماعيل بن علية وجعفر بن سليمان الضبعى
وحماد بن أسامة وحماد بن سلمة وسالم بن نوح وسفيان الثورى وسليمان بن المغيرة
وشعبة وعبد الله بن المبارك وعبد الواحد بن زياد وعبد الوهاب الثقفى ووهيب بن خالد
ويزيد بن زربع ويزيد بن هارون قوله
سعيد بن أبى عروبة قال يحيى بن معين خلط سعيد بن أبى عروبة بعد هزيمة إبراهيم بن
عبد الله بن حسن بن حسن سنة اثنتين وأربعين يعنى ومائة ومن سمع منه بعد ذلك فليس
بشئ إلى آخلا كلامه وفيه أمور أحدها أن
ما اقتصر عليه المصنف حكاية عن يحيى بن معين من أن هزيمة إبراهيم سنة اثنتين
وأربعين ليس بجيد فإن المعروف فى التواريخ إن خروجه وهزيمته معا كانا فى سنة خمس
وأربعين ومائة وأنه احتز رأسه فى يوم الاثنين لخمس ليال بقين من ذى القعدة منها
وكذا ذكر دحيم اختلاط ابن أبى عروبة
449 وخروج إبراهيم على الصواب فقال اختلط ابن أبى
عروبة مخرج إبراهيم سنة خمس وأربعين ومائة
وكذا قال ابن حبان اختلط سنة خمس وأربعين ومائة وبقى خمس سنين فى اختلاطه
مات سنة خمسين وماية هكذا قال ابن حبان أنه توفى سنة خمسين وماية والمشهور أن
وفاته سنة ست وخمسين هكذا قال عمرو بن الفلاس وأبو موسى الزمن وعليه اقتصر البخارى
فى التاريخ حكاية عن عبد الصمد قال المزى وقال غيره سنة سبع وخمسين فعلى المشهور
تكون مدة اختلاطه عشر سنين وبه جزم الذهبى فى العبر وخالف ذلك فى الميزان فقال عاش
بعد ثلاث عشرة سنة مع جزمه فى العبر وفى الميزان أيضا أن وفاته سنة ست وخمسين فلعل
ما قاله فى الميزان من مدة اختلاطه بناء على قول يحيى بن معين أن هزيمة إبراهيم فى
سنة اثنين وأربعين وهو مخالف لقول الجمهور والله أعلم الأمر الثانى اقتصر المصنف على ذكر اثنين
ممن سماعه منه صحيح يزيد بن هارون وعبدة بن سليمان وهو كما ذكر قاله يحيى بن معين
إلا أن عبدة بن سليمان أخبر عن نفسه أنه سمع منه فى الاختلاط اللهم إلا أن يريد
بذلك بيان اختلاطه وأنه لم يحدث عنه بما سمعه منه فى الاختلاط والله أعلم وقد ذكر أئمة الحديث جماعة آخرين سماعهم منه
صحيح وهم أسباط بن محمد وخالد بن الحارث وسرار بن مجشر وسفيان بن حبيب وشعيب بن
إسحق على اختلاف
450 فيه كما سنذكره وعبد الله بن بكر السهمى وعبد
الله بن المبارك وعبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامى وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف
ومحمد بن بشر ويحيى بن سعيد القطان ويزيد بن زريع فذكر ابن حبان فى الثقات أنه سمع
منه قبل اختلاطه عبد الله بن المبارك ويزيد بن زريع وقال ابن عدى أرواهم عنه عبد
الأعلى الشامى ثم شعيب بن إسحق وعبدة بن سليمان وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف
وأثبتهم فيه يزيد بن زريع وخالد ابن الحرث ويحيى بن سعيد القطان وقال أحمد بن حنبل
كان عبد الوهاب بن عطاء من أعلم الناس بحديث سعيد بن أبى عروبة وقال أبو عبيد
الآجرى سئل أبو داود عن السهمى والخفاف فى حديث ابن أبى عروبة فقال عبد الوهاب
أقدم فقيل له عبد الوهاب سمع فى الاختلاط فقال من قال هذا سمعت أحمد بن حنبل سئل
عن عبد الوهاب فى سعيد ابن أبى عروبة فقال عبد الوهاب أقدم وقال ابن حبان كان سماع
شعيب بن إسحق منه سنة أربع وأربعين قبل أن يختلط بسنة وقيل إنما سمع منه فى
الاختلاط كما سيأتى وقال عبد الله بن
أحمد بن حنبل سألت أبى أسباط بن محمد أحب إليك فى سعيد أو الخفاف فقال أسباط أحب
إلى لأنه سمع بالكوفة وقال أبو عبيد الآجرى سألت أبا داود عن أثبتهم فى سعيد فقال
كان عبد الرحمن يقدم سرارا وكان يحيى يقدم يزيد ابن زريع وقال فى موضع آخر سمعت
أبا داود يقول سرار بن مجشر ثقة كان عبد الرحمن يقدمه على يزيد بن زريع وهو من
قدماء أصحاب سعيد بن أبى عروبة ومات قديما
وقال أبو حاتم الرازى كان سفيان بن حبيب أعلم الناس بحديث سعيد بن أبى
عروبة وقال أحمد بن حنبل قال عبد الله بن بكر السهمى سمعت من سعيد سنة إحدى أو سنة
اثنين وأربعين يعنى وماية وقال أبو عبيد الآجرى سألت أبا داود عن سماع محمد بن بشر
من سعيد بن أبى عروبة فقال هو أحفظ من كان بالكوفة الأمر الثالث أن المصنف ذكر ممن عرف أنه سمع
منه بعد اختلاطه اثنين وهما وكيع والمعافى بن عمران وقد سمع منه فى الاختلاط أبو
نعيم الفضل بن دكين وكذلك غندر محمد بن جعفر وعبدة بن سليمان وشعيب بن إسحق على
خلاف فى هؤلاء الثلاثة
451 أما أبو نعيم فإنه قال كتبت عنه بعدما
اختلط حديثين وقد يقال لعله ما حدث بهما عنه ولذلك لم يعده المزى فى التهذيب فى
الرواة عنه وأما محمد بن جعفر غندر فقال عبد الرحمن بن مهدى سمع منه غندر فى
الاختلاط وروايته عنه عند مسلم كما سيأتى وأما عبدة بن سليمان فقد تقدم إخباره عن
نفسه أنه سمع منه فى الاختلاط وقد ذكر
المصنف أن سماعه منه صحيح وروايته عنه عند مسلم وأما شعيب بن إسحق فروى أبو عبيد
الآجرى عن أبى داود عن أحمد بن حنبل قال سمع شعيب بن إسحق من سعيد بن أبى عروبة
بآخر رمق وقال هشام بن عمار عن شعيب بن إسحق سمعت من سعيد بن أبى عروبة سنة أربع
وأربعين وماية وتقدم قول ابن حبان إنه سمع منه قبل أن يختلط بسنة وهذا الخلاف فيه
مخرج على الخلاف فى مدة اختلاطه فإن ابن معن قال إنه اختلط بعد سنة اثنتين وأربعين
وقال دحيم وغيره سنة خمس وأربعين ويمكن أن يجمع بين قول أحمد إنه سمع منه بآخر رمق
وبين قول من قال سمع منه قبل أن يختلط أنه كان ابتداء سماعه منه سنة أربع وأربعين
كما أخبر هو عن نفسه ثم أنه سمع منه بعد ذلك بآخر رمق فإنه بقى إلى سنة ست وخمسين
على قول الجمهور وعلى هذا فحديثه كله مردد لأنه سمع منه فى الحالين على هذا
التقدير ويحتمل أن يراد بآخر رمق آخر زمن الصحة فعلى هذا يكون حديثه عنه كله
مقبولا إلا على قول ابن معين والله أعلم
الأمر الرابع فى بيان من أخرج لهم الشيخان أو أحدهما من روايتهم عن سعيد بن
أبى عروبة فاتفق الشيخان على الإخراج لخالد بن الحرث وروح بن عبادة وعبد الأعلى بن
عبد الأعلى وعبد الرحمن بن عثمان البكراوى ومحمد بن سواء السدوسى ومحمد بن أبى عدى
ويحيى بن سعيد القطان ويزيد بن زريع من روايتهم عنه وأخرج البخارى فقط من رواية بشر بن المفضل
وسهل بن يوسف وعبد الله بن المبارك وعبد الوارث بن سعيد وكهمس بن المنهال ومحمد بن
عبد الله الأنصارى عنه أخرج مسلم فقط من رواية إسماعيل بن علية وأبى أسامة حماد بن
أسامة وسالم بن نوح وسعيد ابن عامر الضبعى وأبى خالد الأحمر واسمه سليمان بن حبان وعبد
الوهاب بن عطاء الخفاف وعبدة بن سليمان وعلى بن مسهر وعيسى بن يونس ومحمد بن بشر
العبدى ومحمد بن بكر البرسانى ومحمد بن جعفر غندر عنه
452 قوله المسعودى ممن اختلط وهو عبد الرحمن
بن عبد الله بن عقبة بن عبد الله بن مسعود الهزلى وهو أخو أبى العميس عتبة
المسعودى ذكر الحاكم أبو عبد الله فى كتاب المزكين للرواة عن يحيى بن معين أنه قال
من سمع من المسعودى في زمان أبى جعفر فهو صحيح السماع ومن سمع منه فى أيام المهدى
فليس سماعه بشئ وذكر حنبل بن إسحق عن أحمد بن حنبل أنه قال سماع عاصم وهو ابن على
وأبى النضر وهؤلاء من المسعودى بعد ما اختلط انتهى وفيه أمور أحدها أن المصنف اقتصر على ذكر
اثنين ممن سمع منه بعد الاختلاط وهما عاصم بن على وأبو النضر هاشم بن القاسم وممن
سمع منه أيضا بعد الاختلاط عبد الرحمن ابن مهدى ويزيد بن هارون وحجاج بن محمد
الأعور وأبو داود الطيالسى وعلى بن الجعد قال محمد بن عبد الله بن نمير كان
المسعودى ثقة فلما كان بآخرة اختلط سمع منه عبد الرحمن بن مهدى ويزيد بن هارون
أحاديث مختلطة وما روى عنه الشيوخ فهو مستقيم
وقال عمرو بن على الفلاس سمعت يحيى بن سعيد يقول رأيت المسعودى سنة رآه عبد
الرحمن بن مهدى فلم أكلمه وسأل محمد بن يحيى الذهلى أبا الوليد الطيالسى عن سماع
عبد الرحمن بن مهدى من المسعودى فقال سمع منه بمكة شيئا يسيرا وذكر ابن عساكر فى
تاريخ دمشق عن أحمد بن حنبل قال كل من سمع من المسعودى بالكوفة مثل وكيع وأبى نعيم
وأما يزيد بن هرون وحجاج ومن سمع منه ببغداد فى الاختلاط إلا من سمع بالكوفة انتهى
وأما أبو داود الطيالسى فقال الخطيب فى تاريخه أنه سمع من المسعودى ببغداد وقد
تقدم قول أحمد وقال ابن عمار من سمع منه ببغداد فسماعه ضعيف
453 وقال عمرو بن على الفلاس سمعت أبا قتيبة
هو مسلم بن قتيبة يقول رأيت المسعودى سنة ثلاث وخمسين وكتبت عنه وهو صحيح ثم رأيته
سنة سبع وخمسين أى وماية والذر يدخل فى أذنه وأبو داود يكتب عنه فقلت له أتطمع أن
تحدث عنه وأنا حى وقال عثمان بن عمر بن فارس كتبنا عن المسعودى وأبو داود جرو يلعب
بالتراب وأما على ابن الجعد فإن سماعه منه أيضا ببغداد فإن على بن الجعد إنما قدم
البصرة سنة ست وخمسين وماية والمسعودى يومئذ ببغداد الأمر الثانى فى بيان ابتداء اختلاطه وقد
اقتصر المصنف على حكاية كلام ابن معين أن من سمع منه فى زمان أبى جعفر فهو صحيح
السماع وعلى هذا فكانت مدة اختلاطه سنة أو سنتين فإن أبا جعفر المنصور مات بظاهر
مكة في سادس ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وماية وكانت وفاة المسعودى على المشهور فى
سنة ستين وماية قاله سليمان بن حرب وأبو عبيد القاسم بن سلام وأحمد بن حنبل وبه
حزم البخارى فى تاريخه نقلا عن أحمد وابن حبان فى الضعفاء وابن زبر وابن قانع وابن
عساكر فى التاريخ والمزى فى التهذيب والذهبى فى العبر والميزان وما اقتضاه كلام
يحيى بن معين من قدر مدة اختلاطه صرح به أبو حاتم الرازى فقال تغير بآخره قبل موته
بسنة أو سنتين وفى كلام غير واحد أنه
اختلط قبل ذلك وتقدم قول أبى قتيبة سلم بن قتيبة أنه رآه سنة سبع وخمسين والذر
يدخل فى أذنيه وقال عمرو بن على الفلاس
سمعت معاذ بن معاذ يقول رأيت المسعودى سنة أربع وخمسين يطالع الكتاب يعنى أنه قد
تغير حفظه وهذا موافق لما حكاه عبد الله بن أحمد ابن حنبل عن أبيه أنه قال انما
اختلط المسعودى ببغداد ومن سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيد وكان قدوم المسعودى
بغداد سنة أربع وخمسين ولكن لم يختلط فى أول قدومه بغداد فقد سمع منه شعبة ببغداد
كما ذكره ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وعلى هذا فقد طالت مدة اختلاطه لا سيما
على قول من قال أنه مات سنة خمس وستين وهو قول يعقوب بن شيبة رواه الخطيب فى
التاريخ عنه وان كان المشهور أنه توفى سنة ستين وماية كما تقدم لكن قد روينا
بالإسناد الصحيح إلى على بن المدينى سمعت معاذ بن معاذ يقول قدم علينا المسعودى
البصرة قدمتين يملى علينا إملاء ثم لقيت المسعودى ببغداد سنة أربع
454 وخمسين وما أنكر منه قليلا ولا كثيرا فجعل
يملى على ثم أذن لى فى بينه ومعى عبد الله ابن عثمان ما أنكر منه قليلا ولا كثيرا
قال ثم قدمت عليه مرة أخرى مع عبد الله بن حسن قال فقلت لمعاذ سنة كم قال سنة إحدى
وستين فقالوا دخل عليه فذهب ببعض سماعه فأنكروه لذلك قال معاذ فتلقانا يوما فسألته
عن حديث القاسم فأنكره وقال ليس من حديثى قال ثم رأيت رجلا جاءه بكتاب عمرو بن مرة
عن إبراهيم فقال كيف هو فى كتابك قال عن علقمة وجعل يلاحظ كتابه فقال معاذ فقلت له
انك انما حدثتناه عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن عبد الله قال هو عن علقمة ففى هذا
أنه تأخر إلى سنة إحدى وستين وقد رواه هكذا ابن عساكر فى التاريخ وغيره وذكره
المزى فى التهذيب وضبب على قوله إحدى وذلك أنه اقتصر فى التهذيب على أنه توفى سنة
ستين فرأى هذا مخالفا لما ذكر من وفاته فضبب عليه والله أعلم الأمر الثالث فى بيان من سمع منه قبل اختلاطه
قال أحمد بن حنبل سماع وكيع من المسعودى بالكوفة قديم وأبو نعيم أيضا قال وانما
اختلط المسعودى ببغداد قال ومن سمع منه بالبصرة والكوفة فسماعه جيد انتهى وعلى هذا
فتقبل رواية كل من سمع منه بالكوفة والبصرة قبل أن يقدم بغداد وهم أمية بن خالد
وبشر بن المفضل وجعفر بن عون وخالد بن الحرث وسفيان بن حبيب وسفيان الثورى وأبو
قتيبة سلم بن قتيبة وطلق بن غنام وعبد الله بن رجاء الغدانى وعثمان بن عمر بن فارس
وعمرو بن مرزوق وعمرو بن الهيثم والقاسم بن معن بن عبد الرحمن ومعاذ بن معاذ
العنبرى والنضر ابن شميل ويزيد بن زريع
الأمر الرابع أنه قد شدد بعضهم فى أمر المسعودى ورد حديثه كله لأنه لا
يتميز حديثه القديم من حديثه الأخير قال ابن حبان فى تاريخ الضعفاء كان المسعودى
صدوقا الا أنه اختلط فى آخر عمره اختلاطا شديدا حتى ذهب عقله وكان يحدث بما يحب
فحمل عنه فاختلط حديثه القديم بحديثه الأخير ولم يتميز فاستحق الترك وقال أبو
الحسن القطان فى كتاب بيان الوهم والايهام كان لا يتميز فى الأغلب ما رواه قبل
اختلاطه مما رواه بعد انتهى والصحيح ما قدمناه من أن من سمع منه بالكوفة والبصرة
قبل أن يقدم بغداد فسماعه صحيح كما قال أحمد وابن عمار وقد ميز بعض ذلك والله أعلم
455 قوله ربيعة الرأى بن أبى عبد الرحمن
أستاذ مالك قيل أنه تغير فى آخر عمره وترك الأعتماد عليه لذلك انتهى وما حكاه
المصنف من تغير ربيعة فى آخر عمره لم أره لغيره وقد احتج به الشيخان ووثقه أحمد بن
حنبل وأبو حاتم الرازى ويحيى بن سعيد والنسائى وابن حبان وابن عبد البر وغيرهم ولا
أعلم أحدا تكلم فيه باختلاط ولا ضعف إلا أن النباتى أورده فى ذيل الكامل وقال ان
البستى وهو ابن حبان ذكره فى الزيادات مقتصرا على قول ربيعة لابن شهاب أن حالى
ليست تشبه حالك أنا أقول برأى من شاء أخذه وذكر البخارى قول ربيعة هذا فى التاريخ
الكبير وقال ابن سعد فى الطبقات بعد توثيقه كانوا يتقونه لموضع الرأى قال ابن عبد
البر فى التمهيد وقد ذمه جماعة من أهل الحديث لاعترافه فى الرأى ورووا فى ذلك
أخبارا قد ذكرتها فى غير هذا الموضع قال وكان سفيان بن عيينة والشافعى وأحمد بن حنبل
لا يرضون عن رأيه لأن كثيرا منه يوجد له بخلاف المسند الصحيح لأنه لم يتسع فيه
وروى ابن عبد البر فى كتاب جامع بيان العلم بإسناده إلى مالك قال قال لى ابن هرمز
لا تمسك على شئ مما سمعت منى من هذا الرأى فإنما افتجرته أنا وربيعة فلا تتمسك به
وروى ابن عبد البر أيضا فيه عن موسى بن هارون قال الذين ابتدعوا الرأى ثلاثة وكلهم
من أبناء سبايا الأمم وهم ربيعة بالمدينة وعثمان البتى بالبصرة وفلان بالكوفة قال
ابن عبد البر وذكر العقيلى في التاريخ الكبير بإسناده إلى الليث قال رأيت ربيعة فى
المنام فقلت له ما حالك فقال صرت إلى خير إلا أنى لم أحمد على كثير مما خرج منى من
الرأى انتهى فهذا كما تراه إنما تكلم
فيه من قبل الرأى لا من اختلاطه فإنى لم أر أحدا ذكره غير ابن الصلاح على أن غير
واحد قد برأوه من الرأى فروينا عن عبد العزيز ابن أبى سلمة أنه قال يا أهل العراق
تقولون ربيعة الرأى والله ما رأيت أحدا أحفظ لسنة منه وذكر ابن عبد البر فى التمهيد قال كان عبد
العزيز بن أبى سلمة يجلس إلى ربيعة فلما حضرت ربيعة الوفاة قال له عبد العزيز يا
أبا عثمان إنا قد تعلمنا منك وربما جاءنا من يستفتينا فى الشئ لم نسمع فيه شيئا
فترى أن رأينا له خبر من رأيه لنفسه فنفتيه فقال
456 ربيعة اجلسونى فجلس ثم قال ويحك يا عبد
العزيز لأن تموت جاهلا خير لك من أن تقول فى شئ بغير عليم لا لا لا ثلاث مرات قوله صالح بن نبهان مولى التوأمة بنت أمية
بن خلف روى عنه ابن أبى ذئب والناس قال أبو حاتم بن حبان تغير فى سنة خمس وعشرين
ومائة واختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ولم يتميز فاستحق الترك انتهى وقد اقتصر المصنف من أقوال من تكلم فى صالح
بالاختلاط على حكاية كلام ابن حبان فاقتضى ذلك ترك جميع حديثه وليس كذلك فقد ميز
غير واحد من الأئمة بعض من سمع منه فى صحته ممن سمع منه بعد اختلاطه فممن سمع منه قديما محمد بن عبد الرحمن بن
أبى ذئب قاله على بن المدينى ويحيى ابن معين والجوزجانى وأبو أحمد بن عدى وممن سمع
منه أيضا قديما عبد الملك بن جريج وزياد بن سعد قاله ابن عدى قلت وكذلك سمع منه
قديما أسيد بن أبى سيد وسعيد بن أبى أيوب وعبد الله بن على الأفريقى وعمارة بن
غزية وموسى بن عقبة وممن سمع منه بعد الاختلاط مالك بن أنس وسفيان الثورى وسفيان
بن عيينة والله أعلم قوله حصين بن عبد
الرحمن الكوفى ممن اختلط وتغير ذكره النسائى وغيره والله أعلم انتهى وفيه أمران أحدهما أن حصين بن عبد الرحمن
الكوفي أربعة ذكرهم الخطيب فى المتفق والمفترق والمزى فى التهذيب والذهبى فى
الميزان فكان ينبغى للمصنف أن يميز هذا المذكور منهم بالاختلاط فى آخر عمره بذكر
نسبه أو كنيته ونسبه سلمى وكنيته
457 أبو الهذيل وهذا هو المعروف المشهور ممن يسمى
هكذا وروايته فى الكتب الستة وليس لغيره من بقية الأربعة المذكورين رواية فى شئ من
الكتب الستة وإنما ذكرهم المزى فى التهذيب للتمييز وحصين بن عبد الرحمن الكوفى هذا
ثقة حافظ وثقة أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو زرعة العجلى والنسائى فى الكنى
وابن حبان وغيرهم وقال أبو حاتم
الرازى ثقة ساء حفظه فى الآخر وقال النسائى تغير وقال يزيد بن هارون طلبت الحديث
وحصين حى كان يقرأ عليه وكان قد نسى وعن يزيد بن هارون أيضا أنه قال اختلط وذكره البخارى فى الضعفاء وكذلك العقيلى
وابن عدى ولم يذكروا فيه تضعيفا غير أنه كبر ونسى وقد أنكر على بن عاصم اختلاطه
فقال لم يختلط والثانى حصين ابن عبد الرحمن الحارثى الكوفى حدث عن الشعبي وروى عنه
إسماعيل بن أبى خالد والحجاج بن أرطاه ذكره البخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم فى
الجرح والتعديل وحكى عن أحمد أنه قال
فيه ليس يعرف ما روى عنه غير الحجاج وإسماعيل بن أبى خالد وذكره ابن حبان فى الثقات وقال ليس هذا
بالأول مات سنة تسع وثلاثين وماية والثالث حصين بن عبد الرحمن النخعى الكوفى أخو
مسلم بن عبد الرحمن النخعى روى عن الشعبى أيضا قوله روى عنه حفص بن غياث ذكره
البخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل والخطيب وروى عن أحمد بن حنبل
قال هذا رجل آخر لا يعرف وقال الخطيب لم يرو عنه غير حفص بن غياث وذكره ابن حبان
فى الثقات قال وليس هذا بالأولين قال هؤلاء الثلاثة من أهل الكوفة وقد رووا
ثلاثتهم عن الشعبى روى عنهم أهل الكوفة قال وربما يتوهم المتوهم أنهم واحد وليس
كذلك أحدهم سلمى والآخر حارثى والثالث نخعى والرابع حصين بن عبد الرحمن الجعفى أخو
إسماعيل بن عبد الرحمن كوفى أيضا روى عن عبد الله بن على بن الحسين بن على بن أبى
طالب روى عنه طعمة بن عيلان الكوفى ذكره الخطيب فى المتفق والمفترق وتبعه المزى فى
التهذيب والذهبى فى الميزان وقال مجهول
الأمر الثانى لم يذكر المصنف فى ترجمة حصين هذا من عرف أنه سمع منه فى
الصحة أو من عرف أنه سمع منه فى الاختلاط كما فعل فى أكثر من ذكره ممن اختلط
458 وقد سمع منه قديما قبل أن يتغير سليمان
التيمى وسليمان الأعمش وشعبة وسفيان والله تعالى أعلم وقد اختلف كلامهم فى سنة وفاته فالمشهور
أنه توفى سنة ست وثلاثين وماية قاله محمد بن عبد الله الحضرمى الملقب بمطين وعليه
اقتصر الخطيب فى المتفق والمفترق والمزى فى التهذيب واختلف فيه كلام ابن حبان فى
الثقات فإنه ذكره فى طبقة التابعين وفى طبقة أتباع التابعين أيضا وقال فى طبقة
التابعين أنه مات سنة ثلاث وستين ومائة وقال فى طبقة أتباع التابعين أنه مات سنة
ست وستين وماية وهكذا نقلته من خط الصدر البكرى فى الموضعين فإن لم يكن من خطأ
النساخ فهو وهم من ابن حبان والمعروف سنة ست وثلاثين وبه جزم الذهبى أيضا فى العبر
والله أعلم قوله عبد الوهاب الثقفى
ذكر ابن أبى حاتم الرازى عن يحيى بن معين أنه قال اختلط بآخرة انتهى لم يبين المصنف مقدار مدة اختلاطه ولا من
ذكر أنه سمع منه فى الصحة أو فى الاختلاط فأما مقدار مدة اختلاطه فقال عقبة بن مكرم
العمى اختلط قبل موته بثلاث سنين أو أربع سنين انتهى وكانت وفاته سنة أربع وتسعين
وماية بتقديم التاء على السين وهو قول عمرو بن على الفلاس وأبو موسى الزمن وبه جزم
ابن زبر وابن قانع والذهبى فى العبر والمزى فى التهذيب وقيل سنة أربع وثمانين وبه
صدر ابن حبان كلامه وأما الذين سمعوا
منه فى الصحة فجميع من سمع منه إنما سمع منه فى الصحة قبل اختلاطه قال الذهبى فى
الميزان ما ضرر تغيره حديثه فإنه ما حدث بحديث فى زمن التغير ثم استدل على ذلك
بقول أبى داود تغير جرير بن حازم وعبد الوهاب الثقفى فحجب الناس عنهما قوله سفيان بن عيينة وجدت عن محمد بن عبد
الله بن عمار الموصلى أنه سمع يحيى
459 ابن سعيد القطان يقول أشهد أن سفيان بن عيينة
اختلط سنة سبع وتسعين فمن سمع منه فى هذه السنة وبعدها فسماعه لا شئ قلت توفى بعد
ذلك بنحو سنتين سنة تسع وتسعين ومائة انتهى وفيه أمور أحدها أن المصنف لم يبين من
سمع منه فى سنة سبع وتسعين وما بعدها وقد سمع منه فى هذه السنة محمد بن عاصم صاحب
ذاك الجزء العالى كما هو مؤرخ فى الجزء المذكور وهكذا ذكره أيضا صاحب الميزان قال
فأما سنة ثمان وتسعين ففيها مات ولم يلقه فيها أحد فإنه توفى قبل قدوم الحاج بأربعة
أشهر قال ويغلب على ظنى أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع الأمر الثانى أن هذا الذى ذكره المصنف عن
محمد بن عبد الله بن عمار عن القطان قد استبعده صاحب الميزان فقال وأنا أستبعده
وأعده غلطا من ابن عمار فإن القطان مات فى صفر من سنة ثمان وتسعين وقت قدوم الحاج
ووقت تحدثهم عن أخبار الحجاج فمتى تمكن يحيى بن سعيد من أن يسمع اختلاط سفيان ثم
يشهد عليه بذلك والموت قد نزل به ثم قال فلعله بلغه ذلك فى أثناء سنة سبع الأمر الثالث أن ما ذكره المصنف من عند نفسه
كونه بقى بعد الاختلاط نحو سنتين وهم منه وسبب ذلك وهمه فى وفاته فإن المعروف أنه
توفى بمكه يوم السبت أول شهر رجب سنة ثمان وتسعين قاله محمد بن سعد وابن زبر وابن
قانع وقال ابن حبان يوم السبت آخر يوم من جمادى الآخره قوله عبد الرزاق بن همام ذكر أحمد بن حنبل
أنه عمى فى آخر عمره فكان يلقن فيتلقن فسماع من سمع منه بعد ما عمى لا شئ إلى آخر
كلامه لم يذكر المصنف أحدا ممن سمع من
عبد الرزاق بعد تغيره إلا إسحق بن إبراهيم
460 الدبرى فقط وممن سمع منه بعد ما عمى أحمد بن
محمد بن شبوية قاله أحمد بن حنبل وسمع منه أيضا بعد التغير محمد بن حماد الطهرانى
والظاهر أن الذين سمع منهم الطبرانى فى رحلته إلى صنعاء من أصحاب عبد الرزاق كلهم
سمع منه بعد التغير وهم أربعة أحدهم الدبرى الذى ذكره المصنف وكان سماعه من عبد
الرزاق سنة عشر ومائتين وكانت وفاة الدبرى سنة أربع وثمانين ومائتين والثانى من
شيوخ الطبرانى إبراهيم بن محمد بن برة الصنعانى والثالث إبراهيم بن محمد بن عبد
الله بن سويد الشنابى والرابع الحسن بن عبد الأعلى البوسى الصنعانى فهؤلاء الأربعة
سمع منهم الطبرانى فى رحلته إلى اليمن سنة اثنين وثمانين وسماعهم من عبد الرزاق
بآخرة وممن سمع من عبد الرزاق قبل
الاختلاط أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه وعلى ابن المدينى ويحيى بن معين ووكيع بن
الجراح فى آخرين أخرج لهم الشيخان من رواياتهم عن عبد الرزاق فممن اتفق الشيخان
على الإخراج له عن عبد الرزاق مع إسحق بن راهويه إسحق بن منصور الكوسج ومحمود بن
غيلان وممن أخرج له البخارى فقط عن
عبد الرزاق مع على بن المدينى إسحق بن إبراهيم السعدى وعبد الله بن محمد المسندى
ومحمد بن يحيى الذهلى ومحمد بن يحيى بن أبى عمر العدنى ويحيى بن جعفر البيكندى
ويحيى بن موسى البلخى الملقب خب وممن
أخرج له مسلم عن عبد الرزاق مع أحمد بن حنبل أحمد بن يوسف السلمى وحجاج بن يوسف
الشاعر والحسين بن على الخلال وسلمة بن شبيب وعبد الرحمن بن
461 بثمر بن الحكم وعبد بن حميد وعمرو بن محمد
الناقد ومحمد بن رافع ومحمد بن مهران الحمال والله أعلم قوله عارم محمد بن الفضل أبو النعمان اختلط
بآخرة فيما رواه عنه البخارى ومحمد بن يحيى الذهلى وغيرهما من الحفاظ ينبغى أن
يكون مأخوذا عنه قبل اختلاطه انتهى
ولم يبين المصنف ابتداء اختلاطه ولا كم قام فى الاختلاط ولا من سمع منه قبل
الاختلاط وبعده إلا ما ذكر عن البخارى ومحمد بن يحيى الذهلى وغيرهما من الحفاظ
وأتى به بصيغة ينبغى ولم ينقله عن أحد يرجع إليه مع أن بعض الحفاظ سماعه منه بعد
الاختلاط وهو أبو زرعة الرازى كما سيأتى وأنا أبين ذلك إن شاء الله تعالى فأما ابتداء اختلاطه فقد اختلفوا فى ذلك
فقال أبو حاتم كتبت عنه قبل الاختلاط سنة أربع عشرة يعنى ومائتين قال ولم أسمع منه
بعدما اختلط فمن سمع منه قبل سنة وعشرين ومائتين فسماعه جيد قال وأبو زرعة لقيه
سنة اثنتين وعشرين وقال أبو داود
بلغنا أن عارما أنكر سنة ثلاث عشرة ومائتين ثم راجعه عقله واستحكم به الاختلاف سنة
ست عشرة ومات عارم سنة أربع وعشرين ومائتين فإذا كان اختلاطه ثمانى سنين على قول
ابى داود وأربع سنين على قول أبى حاتم
وقال الدارقطنى ما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر وأما ابن حبان فإنه قال فى
تاريخ الضعفاء اختلط فى آخر عمره وتغير حتى كان لا يدرى ما يحدث به فوقع المناكير
الكثيرة فى روايته فما روى عنه القدماء إذا علم أن سماعهم منه كان قبل تغيره إن
احتج به محتج بعد العلم بما ذكرت أرجو أن لا نخرج فى فعل ذلك وأما رواية المتأخرين
عنه فلا يجب إلا التنكب عنها على الأحوال وإذا لم يعلم التمييز بين سماع المتأخرين
والمتقدمين منه يترك الكل فلا يحتج بشئ منه وقد أنكر صاحب الميزان قول ابن حبان
هذا ونسبه إلى التخسيف والتهوير وقال لم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثا منكرا
فأين ما زعم انتهى
462 وأما من سمع منه قبل الاختلاط فأحمد بن
حنبل وعبد الله بن محمد المسندى وأبو حاتم الرازى وأبو على محمد بن أحمد بن خالد
الزريقى وكذلك ينبغى أن يكون من حدث عنه من شيوخ البخارى أو مسلم وروى عنه فى
الصحيح شيئا من حديثه ومع كون البخارى روى عنه فى الصحيح فقد روى فى الصحيح أيضا
عن عبد الله ابن محمد المسندى عنه
وروى مسلم فى الصحيح عن جماعة عنه وهم أحمد بن سعيد الدارمى وحجاج بن
الشاعر وأبو داود سليمان بن سعيد السنجى وعبد بن حميد وهارون بن عبد الله
الحمال وأما من سمع منه بعد الاختلاط
فأبو زرعة الرازى كما قال أبو حاتم وعلى ابن عبد العزيز البغوى على قول أبى داود
أنه استحكم به الاختلاط سنة ست عشرة وذلك أن سماع على بن عبد العزيز كان فى سنة
سبع عشرة كما قاله العقيلى فأما على قول أبى حاتم المتقدم فسماع على بن عبد العزيز
البغوى منه كان قبل اختلاطه والله أعلم
وجاء إليه أبو داود فلم يسمع منه لما رأى من اختلاطه وكذلك إبراهيم
الحربى قوله أبو قلابة عبد الملك بن
محمد بن عبد الله الرقاشى روينا عن الإمام ابن خزيمة أنه قال حدثنا أبو قلابة
بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد انتهى وظاهر كلام ابن خزيمة أن من سمع منه
بالبصرة قبل أن يخرج إلى بغداد فسماعه صحيح وإن من سمع منه ببغداد فهو بعد
الاختلاط أو مشكوك فيه فمن سمع منه بالبصرة أبو داود السجستانى وابن ماجه وأبو
مسلم الكجى وأبو بكر بن أبى داود ومحمد بن إسحاق الصاغانى وأحمد بن يحيى بن جابر
البلاذرى وأبو عروبة الحسين بن محمد الحرانى
وممن سمع منه ببغداد أحمد بن سلمان النجاد وأحمد بن كامل بن سحرة القاضى
وأحمد بن عثمان بن يحيى الآدمى وأبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان
وإسماعيل بن محمد الصفار وحبشون بن موسى الخلال وعبد الله بن إسحق بن إبراهيم ابن
الخراسانى البغوى وأبو عمرو عثمان بن أحمد السماك وأبو بكر محمد بن أحمد ابن يعقوب
بن شيبة السدوسى وأبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعى وأبو عيسى
463 محمد بن على بن الحسين التحاري بالتاء
المثناة من فوق المضمومة وأبو جعفر محمد بن عمرو ابن البحترى ومحمد بن مخلد الدورى
وأبو العباس محمد بن يعقوب الأصم وما أخذناه من عبارة ابن خزيمة من أن من سمع منه
بالبصرة فهو قبل الاختلاط ومن سمع منه ببغداد فهو بعد الاختلاط وليس صريحا فى
عبارته بل هو ظاهر منها وبعض من ذكرنا أنه سمع منه ببغداد فهو بعد الاختلاط كأبى
بكر الشافعى وكذلك محمد بن يعقوب الأصم فقد ذكر الحاكم فى تاريخ نيسابور أن الأصم
لم يسمع بالبصرة حديثا واحدا وأن أباه رحل به سنة خمس وستين على طريق أصبهان وذكر
بقية رحلته للبلدان ثم دخل بغداد سنة تسع وستين إلى آخر كلامه قوله وممن بلغنا عنه ذلك من المتأخرين أبو
أحمد الغطريفى الجرجانى وأبو طاهر حفيد الإمام ابن خزيمة ذكر الحافظ أبو على
البردعى ثم السمرقندى فى معجمه أنه بلغه أنهما اختلطا فى آخر عمرهما انتهى وأما النطريفى
فلم أر من ذكره فيمن اختلط غير ما حكاه المصنف عن الحافظ أبى على البردعى وقد
ترجمه الحافظ حمزة السهمى فى تاريخ جرجان فلم يذكر عنه شيئا من ذلك وهو أعرف به
فإنه أحد شيوخ حمزة وقد حدث عنه الحافظ أبو بكر الاسماعيلى فى صحيحه إلا أنه دلس
اسمه فقال مرة حدثنا محمد بن أبى حامد النيسابورى وقال مرة حدثنا محمد بن أحمد
العبقسى وقال مرة حدثنا محمد بن أحمد الوردى وقال مرة حدثنا محمد بن أحمد البغوى
وقال مرة حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين ولم ينسبه ونسبته الغطريفى إلى أحد أجداده
فإنه محمد بن أحمد بن الحسين القاسم بن السرى ابن الغطريف الغطريفى الجرجانى
الرباطى ولم يدلسه الاسماعيلى لضعفه ولكن لكونه ليس فى مرتبة شيوخه وإنما هو من
أقرانه وكان نازلا فى منزل الإسماعيلى وتوفى الاسماعيلى قبله فى سنة إحدى وسبعين
وثلاث مايه فى غرة شهر رجب وتأخر الغطريفى ست سنين فتوفى فى سنة سبع وسبعين فى شهر
رجب أيضا فلذلك أبهم نسبه فإن كان قد حصل للغطريفى تغير فهو بعد موت
الاسماعيلى وآخر من بقى من أصحاب
الغطريفى القاضى أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبرى
464 وهو أيضا سمع منه قبل التغير إن كان حصل له
تغير فإن القاضى أبا الطيب رحل إلى جرجان سنة إحدى وسبعين فى حياة الاسماعيلى
فقدمها يوم خميس فاشتغل بدخول الحمام ثم أصبح فاراد الاجتماع بالاسماعيلى والسماع
عليه فقال له ابنه أبو سعد إنه شرب دواء لمرض حصل له فتعال غدا للسماع عليه فجاء
من الغد يوم السبت فوجده قد مات فلم يحصل للقاضى أبى الطيب لقى الاسماعيلى وسمع فى
تلك السنة من الغطريفى فإنه كان نازلا فى منزل الاسماعيلى ولم يذكر الذهبى فى
الميزان الغطريفى فيمن تغير ولكن ذكر السمعانى فى الأنساب أنهم أنكروا على
الغطريفى حديثا رواه من طريق مالك عن الزهرى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم أهدى جملا لأبى جهل قال
السمعانى وكان يذكر أن ابن صاعد وابن مظفر أفاداه عن الصوفى هذا الحديث قال ولا
يبعد أن يكون قد سمع إلا أنه لم يخرج أصله قال وقد حدث غير واحد من المتقدمين
والمتأخرين بهذا الحديث عن الصوفى قال السمعانى وأنكروا عليه أيضا أنه حدث بمسند
إسحق بن إبراهيم الحنظلى عن ابن شيرويه من غير الأصل الذى سمع فيه وقال حمزة
السهمى سمعت أبا عمرو الرزجاهى يقول رأيت سماع الغطريفى فى جميع كتاب ابن شيرويه
والله أعلم قلت وثم آخر يوافق الغطريفى
فى الاسم واسم أبيه وبلده وتقاربا أيضا فى اسم الجد وهما متعاسران وقد اختلط فى
آخر عمره فيحتمل أن يكون اشتبه الغطريفى به واسم الغطريفى محمد بن أحمد بن الحسين
الجرجانى كما تقدم واسم الآخر محمد بن أحمد ابن الحسن وقد بين الحاكم فى تاريخ
نيسابور اختلاط هذا فقال ولقد سافر معى وسبرته فى الحضر والسفر نيفا وأربعين سنة
فما اتهمته فى الحديث قط ثم تغير بآخرة وخلط والله تعالى يغفر لنا وله وينتقم ممن
أفسد علمه وتوفى عشية يوم الاثنين الرابع من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وثلاث
ماية وأما محمد بن الفضل بن محمد بن إسحق ابن خزيمة فقد بين الحاكم فى تاريخ
نيسابور مدة اختلاطه فقال إنه مرض وتغير بزوال العقل فى ذى الحجة من سنة أربع
وثمانين وثلاث ماية فإنى قصدته بعد ذلك غير مرة فوجدته لا يعقل وكل من أخذ عنه بعد
ذلك فلقلة مبالاته بالدين وتوفى ليلة الجمعة الثامن عشر من جمادى الأولى من سنة
سبع وسبعين وثلاث ماية انتهى فعلى هذا تكون مدة اختلاطه سنتين وخمسة أشهر أو مع
زيادة بعض شهر آخر
465 وأما نقل صاحب الميزان عن الحاكم أنه عاش
بعد تغيره ثلاث سنين فنقل غير محرر
وهكذا قال فى العبر اختلط قبل موته بثلاثة أعوام فتجنبوه قال فى الميزان ما
عرفت أحدا سمع منه أيام عدم عقله والله أعلم
قوله وأبو بكر بن مالك القطيعى راوى مسند أحمد وغيره اختل فى آخر عمره وخرف
حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه انتهى
وفى ثبوت هذا عن القطيعى نظر وهذا القول تبع فيه المصنف مقالة حكيت عن أبى
الحسن بن الفرات لم يثبت إسنادها إليه ذكرها الخطيب فى التاريخ فقال حدثت عن أبى
الحسن بن الفرات قال كان ابن مالك القطيعى مستورا صاحب سنة كثير السماع من عبد
الله بن أحمد وغيره إلا أنه خلط فى آخر عمره وكف بصره وخرق حتى كان لا يعرف شيئا
مما يقرأ عليه انتهى وقد أنكر صاحب الميزان هذا على ابن الفرات وقال غلو وإسراف
وقال أبو عبد الرحمن السلمى أنه سأل الدارقطنى عنه فقال ثقة زاهد سمعت أنه مجاب
الدعوة وقال الحاكم ثقة مأمون وسئل عنه البرقانى فقال كان شيخا صالحا غرقت قطعة من
كتبه فنسخها من كتاب ذكروا أنه لم تكن سماعه فغمزوه لأجل ذلك وإلا فهو ثقة قال
البرقانى وكنت شديد التنقير عن حاله حتى ثبت عندى أنه صدوق لا شك فى سماعه وإنما
كان فيه بله فلما غرقت القطيعة بالماء الأسود غرق شئ من كتبه فنسخ بدل ما غرق من
كتاب لم يكن فيه سماعه قال ولما اجتمعت مع الحاكم أبى عبد الله بن البيع بنيسابور
ذكرت بن مالك ولينته فأنكر على وقال الخطيب لم أر أحدا امتنع من الرواية عنه ولا
ترك الاحتجاج به وقال أبو بكر بن نقطة كان ثقة وتوفى القطيعى لسبع بقين من ذى
الحجة سنة ثمان وستين وثلاث ماية وعلى تقدير ثبوت ما ذكره أبو الحسن بن الفرات من
التغير وتبعه المصنف فممن سمع منه فى الصحة أبو الحسن الدارقطنى وأبو حفص بن شاهين
وأبو عبد الله الحاكم وأبو بكر البرقانى وأبو نعيم الأصبهانى وأبو على بن المذهب
راوى المسند عنه فإنه سمعه عليه فى سنة ست وستين والله أعلم
467 النوع الرابع والستون معرفة الموالى من
الرواة والعلماء
قوله وهذه أمثلة للمنسوبين إلى
القبائل من مواليهم فذكر جماعة ذكر فيهم عبد الله بن وهب المصرى القرشى مولاهم ثم
قال وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها كأبى الحباب سعيد بن يسار الهاشمى إلى آخر
كلامه فذكر المصنف لعبد الله بن وهب فيمن ينسب إلى القبائل من مواليهم ليس بجيد
فإن ظاهره يقتضى أنه مولى قريش وإنما
468 هو مولى مولاها فكان ينبغى أن يذكر مع سعيد
بن يسار لما ذكر أنه مولى بنى هاشم وذلك أن عبد الله بن وهب القرشى الفهرى مولى
يزيد بن رمانة ويزيد بن رمانة مولى أبى عبد الرحمن يزيد بن أنيس الفهرى ذكر ذلك
جماعة منهم ابن يونس فى تاريخ مصر وبه جزم المزى فى تهذيب الكمال وقال ابن أبى
حاتم فى الجرح والتعديل والسمعانى
469 فى الأنساب مولى رمانة وقال البخارى فى
التاريخ الكبير مولى بنى رمانة وهذا موافق لما تقدم عن ابن يونس وهو الصواب وإلى
فهر تنسب قريش ومحارب والحارث بن فهر قال الشاعر به جمع الله القبائل من فهر
470 والحمد لله أولا وآخرا و صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
أجمعين قال مؤلفه أعزه الله وهذا آخر
ما تيسر جمعه على كتاب علوم الحديث والله تعالى ينفع به جامعه وقارءه ومن نظر فيه
ويبلغنا من رحمته ما نؤمله ونرتجيه إنه على كل شئ قدير وبالإجابة جدير
471 قال مؤلفه أمد الله تعالى مدته وكان
الفراغ من تبييض هذه النسخة فى يوم الأحد الحادى والعشرين من ذى القعدة الحرام سنة
اثنتين وثمانين وسبعماية وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين
472 كتبه بيده لنفسه ولمن شاء الله تعالى من
بعده أقل عبيد الله تعالى وأفقرهم وأحقرهم وأصغرهم وأحوجهم إلى مغفرة ربه ورحمته
يعقوب بن أحمد بن عبد المنعم الأزهرى للأطفيحى غفر الله ولجميع المسلمين اللهم ارحمهم رحمة واسعة واغفر لهم مغفرة
جامعة لمحمد وآله يا رب العالمين وكان
الفراغ من كتابته يوم الاثنين المبارك لثمان وعشرين ليلة خلت من شهر شعبان المكرم
عام 793 أحسن الله عاقبتها فى خير وعافية بلا محنة بمنه وكرمه والحمد لله رب العالمين
473 الحمد لله حدثنا شيخنا الإمام العلامة
حافظ العصر فريد الدهر أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسن بن عبد الرحمن
العراقى إملاء من حفظه ولفظه فى يوم الثلاثاء ثانى ذى الحجة سنة ست وتسعين
وسبعمائة أخبرنا الشيخ أبو عبد الله
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن سالم الدمشقى رحمه الله قال أنبأنا المقداد بن هبة
الله القيسى قال أنبأنا ثابت بن مسرف قال أنبأنا أبو بكر محمد بن عبيد الله
الزاغونى قال أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن أبى الصقر قال أنبأنا أبو النعمان
تراب بن عمر الكاتب قال أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن المفسر
الفقيه الشافعى قال حدثنا القاضى أبو بكر أحمد بن على بن سعيد المروزى قال حدثنا
بن شاهين قال حدثنا خالد عن يزيد عن مجاهد عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل
فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتسبيح
والتكبير هذا حديث رجاله مخرج لهم فى
الصحيح فابن شاهين واسمه إسحق احتج به البخارى وخالد هو عبد الله الواسطى اتفقا
عليه ويزيد وهو ابن أبى زياد روى له مسلم فى المتابعات وعلق له البخارى والحديث
أوله مشهور من حديث ابن عباس وآخره غريب من حديثه وإنما يعرف آخره من حديث ابن عمر
كما سيأتى وقد أخرج البخارى وأبو داود والترمذى وابن ماجه أوله من رواية مسلم
البطين زاد أبو داود ومجاهد وأبو صالح كلهم عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس دون قوله
فأكثروا إلخ زادوا فيه قالوا ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه
وماله فلم يرجع بشئ فقال الترمذى هذا حديث حسن صحيح غريب تم الكتاب بحمد الله تعالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق