ج 1.حاشية ابن القيم على سنن أبي داود لمحمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية
قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله بعد قول الحافظ زكي الدين
وقال الترمذي حديث غريب وقال الترمذي سألت محمدا عن هذا الحديث فقال حديث
صحيح
وقد أعل ابن حزم حديث حابر بأنه عن أبان بن صالح وهو مجهول ولا يحتج برواية مجهول
قال ابن مفوز أبان بن صالح مشهور ثقة صاحب حديث
وهو أبان بن صالح بن عمير أبو محمد القرشي مولى لهم المكي
روى عنه ابن جريج وابن عجلان وابن إسحاق وعبيد الله بن أبي جعفر
استشهد بروايته البخاري في صحيحه عن مجاهد والحسن بن مسلم وعطاء وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان
والنسائي وهو والد محمد بن أبان بن صالح بن عمير الكوفي الذي روى عنه أبو
الوليد وأبو داود الطيالسي وحسين الجعفي وغيرهم وجد أبي عبدالرحمن مشكدانه
شيخ مسلم وكان حافظا
وأما الحديث فإنه انفرد به محمد بن إسحاق وليس هو ممن يحتج به في الأحكام
فكيف أن يعارض بحديثه الأحاديث الصحاح أو ينسخ به السنن الثابتة مع أن التأويل في حديثه ممكن والمخرج منه معرض
تم كلامه
وهو لو صح حكاية فعل لا عموم لها ولا يعلم هل كان في فضاء أو بنيان وهل كان لعذر من ضيق مكان ونحوه أو اختيارا فكيف يقدم على النصوص الصحيحة الصريحة بالمنع فإن قيل فهب أن هذا الحديث معلول فما يقولون في حديث عراك عن عائشة ذكر عند
رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ناسا يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أو قد فعلوها استقبلوا بمقعدتي القبلة
فالجواب أن هذا الحديث لا يصح وإنما هو مرقوف على عائشة
حكاه الترمذي في كتاب العلل عن البخاري
وقال بعض الحفاظ هذا حديث لا يصح وله علة لا يدركها إلا المعتنون بالصناعة المعانون عليها
وذلك أن خالد بن أبي الصلت لم يحفظ متنه ولا أقام إسناده
خالفه فيه الثقة الثبت صاحب عراك بن مالك المختص به الضابط لحديثه جعفر بن
ربيعة الفقيه فرواه عن عراك عن عروة عن عائشة أنها كانت تنكر ذلك
فبين أن الحديث لعراك عن عروة ولم يرفعه ولا يجاوز به عائشة
وجعفر بن ربيعة هو الحجة في عراك بن مالك مع صحة الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم وشهرتها بخلاف ذلك
وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم في
كتاب المراسيل
عن الأثرم قال سمعت أبا عبد الله وذكر حديث خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم هذا الحديث فقال مرسلفقلت له
عراك بن مالك قال سمعت عائشة فأنكره وقال عراك بن مالك من أين سمع عائشة ما له ولعائشة إنما يرويه عن عروة هذا خطأ
قال لي من روى هذا قلت حماد بن سلمة عن خالد الحذاء
قال رواه غير واحد عن خالد الحذاء وليس فيه سمعت
وقال غير واحد أيضا عن حماد بن سلمة ليس فيه سمعت
فإن قيل قد روى مسلم في صحيحه حديثا عن عراك عن عائشة
قيل الجواب أن أحمد وغيره خالفه في ذلك وبينوا أنه لم يسمع منها
وقال في آخره باب التكشف عند الحاجة
بعد قول الحافظ زكي الدين والذي قاله الترمذي هو المشهوروقال حنبل ذكرت لأبي عبد الله يعني أحمد حديث الأعمش عن أنس فقال لم يسمع الأعمش من أنس ولكن رآه زعموا أن غياثا حدث الأعمش بهذا عن أنس
ذكره الخلال في العلل
وقال الخلال أيضا حدثنا مهنا قال سألت أحمد لم كرهت مراسيل الأعمش قال كان لا يبالي عمن حدث
قلت كان له رجل ضعيف سوى يزيد الرقاشي وإسماعيل بن مسلم قال نعم كان يحدث عن غياث بن إبراهيم عن
أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد الحاجة أبعد سألته عن غياث بن إبراهيم فقال كان كذوبا
وقال في آخر باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء بعد قول الحافظ
زكي الدين وإنما يكون غريبا كما قال الترمذي والله عز و جل أعلم قلت هذا
الحديث رواه همام وهو ثقة عن ابن جريج عن الزهري عن أنس
قال الدارقطني في
كتاب العلل
رواه سعيد بن عامر وهدبة بن خالد عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم وخالفهم عمرو ابن عاصم فرواه عن همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس أنه كان إذا دخل الخلاء موقوفا ولم يتابع عليهورواه يحيى بن المتوكل ويحيى بن الضريس عن ابن جريج عن الزهري عن أنس نحو قول سعيد بن عامر ومن تابعه عن همام
ورواه عبد الله بن الحرث المخزومي وأبو عاصم وهشام بن سليمان وموسى بن طارق عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه و سلم خاتما من ذهب فاضطرب الناس الخواتيم فرمى به النبي صلى الله عليه و سلم وقال لا ألبسه أبدا وهذا هو المحفوظ والصحيح عن ابن جريج
انتهى كلام الدارقطني
وحديث يحيى بن المتوكل الذي أشار إليه رواه البيهقي من حديث يحيى بن المتوكل عن ابن جريج به ثم قال هذا شاهد ضعيف
وإنما ضعفه لأن يحيى هذا قال فيه الإمام أحمد واهي الحديث وقال ابن معين ليس بشيء وضعفه الجماعة كلهم
وأما حديث يحيى بن الضريس فيحيى هذا ثقة فينظر الإسناد إليه
وهمام وإن
كان ثقة صدوقا احتج به الشيخان في الصحيح فإن يحيى بن سعيد كان لا يحدث عنه ولا يرضى حفظه
قال أحمد ما رأيت يحيى أسوأ رأيا منه في حجاج يعني ابن أرطاة وابن إسحاق وهمام لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم
وقال يزيد ين زريع وسئل عن همام كتابه صالح وحفظه لا يساوي شيئا
وقال عفان كان همام لا يكاد يرجع إلى كتابه ولا ينظر فيه وكان يخالف فلا يرجع إلى كتاب وكان يكره ذلك
قال ثم رجع بعد فنظر في كتبه فقال يا عفان كنا نخطىء كثيرا فنستغفر الله عز و جل
ولا ريب أنه ثقة صدوق ولكنه قد خولف في هذا الحديث فلعله مما حدث به من حفظه فغلط فيه كما قال أبو داود والنسائي والدارقطني
وكذلك ذكر البيهقي أن المشهور عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن
أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم أتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه
وعلى هذا فالحديث شاذ أو منكر كما قال أبو داود وغريب كما قال الترمذي
فإن قيل فغاية ما ذكر في تعليله تفرد همام به وجواب هذا من وجهين أحدهما أن هماما لم ينفرد به كما تقدم
الثاني أن هماما ثقة وتفرد الثقة لا يوجب نكارة الحديث
فقد تفرد عبد الله بن دينار بحديث النهي عن بيع الولاء وهبته وتفرد مالك
بحديث دخول النبي صلى الله عليه و سلم مكة وعلى رأسه المغفر
فهذا غايته أن يكون غريبا كما قال الترمذي وأما أن يكون منكرا أو شاذا فلا
قيل التفرد نوعان تفرد لم يخالف فيه من تفرد به كتفرد مالك وعبد الله بن دينار بهذين الحديثين وأشباه ذلك
وتفرد خولف فيه المتفرد كتفرد همام بهذا المتن على هذا الإسناد فإن الناس
خالفوه فيه وقالوا إن النبي صلى الله عليه و سلم اتخذ خاتما من ورق الحديث
فهذا هو المعروف عن ابن جريج عن الزهري فلو لم يرو هذا عن ابن جريج وتفرد
همام بحديثه لكان نظير حديث عبد الله بن دينار ونحوه
فينبغي مراعاة هذا الفرق وعدم إهماله
وأما متابعة يحيى بن المتوكل فضعيفة وحديث ابن الضريس ينظر في حاله ومن أخرجه
فإن قيل هذا الحديث كان عند الزهري على وجوه كثيرة كلها قد رويت عنه في
قصة الخاتم فروى شعيب بن أبي حمزة وعبدالرحمن بن خلاد بن مسافر عن الزهري
كرواية زياد بن سعد هذه أن النبي صلى الله عليه و سلم اتخذ خاتما من ورق
ورواه يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس كان خاتم النبي صلى الله عليه و سلم
من ورق فصه حبشي ورواه سليمان بن بلال وطلحة بن يحيى ويحيى بن نصر بن حاجب
عن يونس عن
الزهري وقالوا إن النبي صلى الله عليه و سلم لبس خاتما
من فضة في يمينه فيه حبشي جعله في باطن كفه ورواه إبراهيم بن سعد عن الزهري
بلفظ آخر قريب من هذا ورواه همام عن ابن جريج عن الزهري كما ذكره الترمذي
وصححه
وإذا كانت هذه الروايات كلها عند الزهري فالظاهر أنه حدث بها في أوقات فما الموجب لتغليط همام وحده
قيل هذه الروايات كلها تدل على غلط همام فإنها مجمعة على أن الحديث إنما
هو في اتخاذ الخاتم ولبسه وليس في شيء منها نزعه إذا دخل الخلاء
فهذا هو الذي حكم لأجله هؤلاء الحفاظ بنكارة الحديث وشذوذه
والمصحح له لما لم يمكنه دفع هذه العلة حكم بغرابته لأجلها فلو لم يكن
مخالفا لرواية من ذكر فما وجه غرابته ولعل الترمذي موافق للجماعة فإنه صححه
من جهة السند لثقة الرواة واستغربه لهذه العلة وهي التي منعت أبا داود من
تصحيح متنه فلا يكون بينهما اختلاف بل هو صحيح السند لكنه معلول
والله أعلم
قال الشيخ شمس الدين بن القيم في باب فرض الوضوء قوله مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم
اشتمل هذا الحديث على ثلاثة أحكام
الحكم الأول أن مفتاح الصلاة الطهور والمفتاح ما يفتح به الشيىء المغلق
فيكون فاتحا له ومنه مفتاح الجنة لا إله إلا الله وقوله مفتاح الصلاة
الطهور يفيد الحصر وأنه لا مفتاح لها سواه من طريقين أحدهما حصر المبتدأ في
الخبر إذا كانا معرفتين
فإن الخبر لا بد وأن يكون مساويا للمبتدأ أو أعم منه ولا يجوز أن يكون أخص منه
فإذا كان المبتدأ معرفا بما يقتضي عمومه كاللام وكل ونحوهما ثم أخبر عنه
بخبر اقتضى صحة الإخبار أن يكون إخبارا عن جميع أفراد المبتدأ فإنه لا فرد
من أفراده إلا والخبر حاصل له
وإذا عرف هذا لزم الحصر وأنه لا فرد من أفراد ما يفتتح به الصلاة إلا وهو الطهور
فهذا أحد الطريقين
والثاني أن المبتدأ مضاف إلى الصلاة والإضافة تعم
فكأنه قيل جميع مفتاح الصلاة هو الطهور
وإذا كان الطهور هو جميع ما يفتح به لم يكن لها مفتاح غيره
ولهذا فهم جمهور الصحابة والأمة أن قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن
يضعن حملهن أنه على الحصر أي مجموع أجلهن الذي لا أجل لهن سواه
وضع الحمل
وجاءت السنة مفسرة لهذا الفهم مقررة له بخلاف قوله والمطلقات يتربصن فإنه فعل لا عموم له بل
هو مطلق وإذا عرف هذا ثبت أن الصلاة لا يمكن الدخول فيها إلا بالطهور
وهذا أدل على الاشتراط من قوله لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى
يتوضأ من وجهين أحدهما أن نفي القبول قد يكون لفوات الشرط وعدمه
وقد يكون لمقارنة محرم يمنع من القبول كالإباق وتصديق العراف وشرب الخمر وتطيب المرأة إذا خرجت للصلاة ونحوه
الثاني أن عدم الافتتاح بالمفتاح يقتضي أنه لم يحصل له الدخول فيها وأنه مصدود عنها كالبيت المقفل على من أراد دخوله بغير مفتاح
وأما عدم القبول فمعناه عدم الاعتداد بها وأنه لم يرتب عليها أثرها المطلوب منها بل هي مردودة عليه
وهذا قد يحصل لعدم ثوابه عليها ورضا الرب عنه بها وإن كان لا يعاقبه عليها
عقوبة تاركها جملة بل عقوبة ترك ثوابه وفوات الرضا لها بعد دخوله فيها
بخلاف من لم يفتحها أصلا بمفتاحها فإن عقوبته عليها عقوبة تاركها
وهذا واضح
فإن قيل فهل في الحديث حجة لمن قال إن عادم الطهورين لا يصلي حتى يقدر على
أحدهما لأن صلاته غير مفتتحة بمفتاحها فلا تقبل منه قيل قد استدل به من
يرى ذلك ولا حجة فيه
ولا بد من تمهيد قاعدة يتبين بها مقصود الحديث
وهي أن ما أوجبه الله تعالى ورسوله أو جعله شرطا للعبادة أو ركنا فيها أو
وقف صحتها عليه هو مقيد بحال القدرة لأنها الحال التي يؤمر فيها به
وأما في حال العجز فغير مقدور ولا مأمور فلا تتوقف صحة العبادة عليه
وهذا كوجوب القيام والقراءة والركوع والسجود عند القدرة وسقوط ذلك بالعجز
وكإشتراط ستر العورة واستقبال القبلة عند القدرة ويسقط بالعجز
وقد قال لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ولو تعذر عليها صلت بدونه وصحت صلاتها
وكذلك قوله لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ فإنه لو تعذر عليه الوضوء صلى بدونه وكانت صلاته مقبولة
وكذلك قوله لا تجزىء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود فإنه
لو كسر صلبه وتعذر عليه إقامته أجزأته صلاته ونظائره كثيرة فيكون الطهور
مفتاح الصلاة هو من هذا
لكن هنا نظر آخر وهو أنه إذا لم يمكن
اعتبار الطهور عند تعذره فإنه يسقط وجوبه فمن أين لكم أن الصلاة تشرع بدونه
في هذه الحال وهذا حرف المسألة وهلا قلتم إن الصلاة بدونه كالصلاة مع
الحيض غير مشروعة لما كان الطهور غير مقدور للمرأة فلما صار مقدورا لها
شرعت لها الصلاة وترتبت في ذمتها فما الفرق بين العاجز عن الطهور شرعا
والعاجز عنه حسا فإن كلا منهما غير متمكن من الطهور
قيل هذا سؤال يحتاج إلى جواب
وجوابه أن يقال زمن الحيض جعله الشارع منافيا لشرعية العبادات من الصلاة والصوم والاعتكاف
فليس وقتا لعبادة الحائض فلا يترتب عليها فيه شيء
وأما العاجز فالوقت في حقه قابل لترتب العبادة المقدورة في ذمته فالوقت في
حقه غير مناف لشرعية العبادة بحسب قدرته بخلاف الحائض فالعاجز ملحق
بالمريض المعذور الذي يؤمر بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه والحائض
ملحقة بمن هو من غير أهل التكليف فافترقا
ونكتة الفرق أن زمن الحيض
ليس بزمن تكليف بالنسبة إلى الصلاة بخلاف العاجز فإنه مكلف بحسب الاستطاعة
وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي بعث أناسا لطلب قلادة أضاعتها عائشة فحضرت
الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا النبي فذكروا ذلك له فنزلت آية التيمم
فلم ينكر النبي عليهم ولم يأمرهم بالإعادة وحالة عدم التراب كحالة عدم
مشروعيته ولا فرق فإنهم صلوا بغير تيمم لعدم مشروعية التيمم حينئذ
فهكذا من صلى بغير تيمم لعدم ما يتيمم به فأي فرق بين عدمه في نفسه وعدم مشروعيته
فمقتضى القياس والسنة أن العادم يصلي على حسب حاله فإن الله لا يكلف نفسا
إلا وسعها ويعيد لأنه فعل ما أمر به فلم يجب عليه الإعادة كمن ترك القيام
والاستقبال والسترة والقراءة لعجزه عن ذلك فهذا موجب النص والقياس
فإن قيل القيام له بدل وهو القعود فقام بدله مقامه كالتراب عند عدم الماء والعادم هنا صلى بغير أصل ولا بدل
قيل هذا هو مأخذ المانعين من الصلاة والموجبين للاعادة ولكنه منتقض بالعاجز عن السترة
فإنه يصلي من غير اعتبار بدل وكذلك العاجز عن الاستقبال وكذلك العاجز عن القراءة والذكر
وأيضا فالعجز عن البدل في الشرع كالعجز عن المبدل منه سواء
هذه قاعدة الشريعة
وإذا كان عجزه عن المبدل لا يمنعه من الصلاة فكذلك عجزه عن البدل وستأتي المسألة مستوفاة في باب التيمم إن شاء الله
وفي الحديث دليل على اعتبار النية في الطهارة بوجه بديع
وذلك لأنه جعل الطهور مفتاح الصلاة التي لا تفتتح ويدخل فيها إلا به وما كان مفتاحا للشىء كان قد وضع لأجله وأعد له
فدل على أن كونه مفتاحا للصلاة هو جهة كونه طهورا فإنه إنما شرع للصلاة
وجعل مفتاحا لها ومن المعلوم أن ما شرع للشيء ووضع لأجله لا بد أن يكون
الآتي به قاصدا ما جعل مفتاحا له ومدخلا إليه هذا هو المعروف حسا كما هو
ثابت شرعا ومن المعلوم أن من سقط في ماء وهو لا يريد التطهر لم يأت بما هو
مفتاح الصلاة فلا تفتح له الصلاة وصار هذا كمن حكى عن غيره أنه قال لا إله
إلا الله وهو غير قاصد لقولها فإنها لا تكون مفتاحا للجنة منه لأنه لم
يقصدها
وهكذا هذا لما لم يقصد الطهور لم يحصل له مفتاح الصلاة ونظير
ذلك الإحرام هو مفتاح عبادة الحج ولا يحصل له إلا بالنية فلو اتفق تجرده
لحر أو غيره ولم يخطر بباله الإحرام لم يكن محرما بالاتفاق
فهكذا هذا يجب أن لا يكون متطهرا
وهذا بحمد الله بين
فصل الحكم الثاني قوله وتحريمها التكبير وفي هذا من حصر التحريم في
التكبير نظير ما تقدم في حصر مفتاح الصلاة في الطهور من الوجهين وهو دليل
بين أنه لا تحريم لها إلا التكبير
وهذا قول الجمهور وعامة أهل العلم قديما وحديثا وقال أبو حنيفة
ينعقد بكل لفظ يدل على التعظيم
فاحتج الجمهور عليه بهذا الحديث ثم اختلفوا فقال أحمد ومالك وأكثر السلف
يتعين لفظ الله أكبر وحدها وقال الشافعي يتعين أحد اللفظين الله أكبر والله
الأكبر وقال أبو يوسف يتعين التكبير وما تصرف منه نحو الله الكبير ونحوه
وحجته أنه يسمى تكبيرا حقيقة فيدخل في قوله تحريمها التكبير وحجة الشافعي
أن المعرف في معنى المنكر فاللام لم تخرجه عن موضوعه بل هي زيادة في اللفظ
غير مخلة بالمعنى بخلاف الله الكبير وكبرت الله ونحوه فإنه ليس فيه من
التعظيم والتفضيل والاختصاص ما في لفظه الله أكبر
والصحيح قول
الأكثرين وأنه يتعين الله أكبر لخمس حجج إحداها قوله تحريمها التكبير
واللام هنا للعهد فهي كاللام في قوله مفتاح الصلاة الطهور وليس المراد به
كل طهور بل الطهور الذي واظب عليه رسول الله وشرعه لأمته وكان فعله له
تعليما وبيانا لمراد الله من كلامه
وهكذا التكبير هنا هو التكبير
المعهود الذي نقلته الأمة نقلا ضروريا خلفا عن سلف عن نبيها أنه كان يقوله
في كل صلاة لا يقول غيره ولا مرة واحدة
فهذا هو المراد بلا شك في قوله
تحريمها التكبير وهذا حجة على من جوز الله أكبر والله أكبر فإنه وإن سمي
تكبيرا لكنه ليس التكبير المعهود المراد بالحديث
الحجة الثانية أن النبي قال للمسيء في صلاته إذا قمت إلى الصلاة فكبر ولا يكون ممتثلا للأمر إلا بالتكبير
وهذا أمر مطلق يتقيد بفعله الذي لم يخل به هو ولا أحد من خلفائه ولا أصحابه
الحجة الثالثة ما روى أبو داود من حديث رفاعة أن النبي قال لا يقبل الله
صلاة امرىء حتى يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر
الحجة الرابعة أنه لو كانت الصلاة تنعقد بغير هذا اللفظ لتركه النبي ولو في عمره مرة واحدة لبيان الجواز
فحيث لم ينقل أحد عنه قط أنه عدل عنه حتى فارق الدنيا دل على أن الصلاة لا تنعقد بغيره
الحجة الخامسة أنه لو قام غيره مقامه لجاز أن يقوم غير كلمات الأذان
مقامها وأن يقول المؤذن كبرت الله أو الله الكبير أو الله أعظم ونحوه
بل تعين لفظة الله أكبر في الصلاة أعظم من تعينها في الأذان لأن كل مسلم لا
بد له منها وأما الأذان فقد يكون في المصر مؤذن واحد أو اثنان والأمر
بالتكبير في الصلاة آكد من الأمر بالتكبير في الأذان
وأما حجة أصحاب الشافعي على ترادف الله أكبر والله الأكبر فجوابها
أنهما ليسا بمترادفين فإن الألف واللام اشتملت على زيادة في اللفظ ونقص في المعنى
وبيانه أن أفعل التفضيل إذا نكر وأطلق تضمن من عموم الفضل وإطلاقه عليه ما لم يتضمنه المعرف فإذا قيل
الله الأكبر كان معناه
من كل شيء
وأما إذا قيل الله أكبر فإنه يتقيد معناه ويتخصص ولا يستعمل هذا إلا في
مفضل عليه معين كما إذا قيل من أفضل أزيد أم عمرو فيقول زيد الأفضل
هذا هو المعروف في اللغة والاستعمال
فإن أداة التعريف لا يمكن أن يؤتى بها إلا مع من وأما بدون من فلا يؤتى
بالأداة فإذا حذف المفضل عليه مع الأداة أفاد التعمم وهذا لا يتأتى مع
اللام وهذا المعنى مطلوب من القائل الله أكبر بدليل ما روى الترمذي من حديث
عدي بن حاتم الطويل أن النبي قال له ما يضرك أيضرك أن يقال الله أكبر فهل
تعلم شيئا أكبر من الله وهذا مطابق لقوله تعالى قل أي شيء أكبر شهادة وهذا
يقتضي جوابا لا شيء أكبر شهادة من الله فالله أكبر شهادة من كل شيء
كما أن قوله لعدي هل تعلم شيئا أكبر من الله يقتضي جوابا لا شيء أكبر من الله فالله أكبر من كل شيء
وفي افتتاح الصلاة بهذا اللفظ المقصود منه استحضار هذا المعنى وتصوره سر عظيم يعرفه أهل الحضور المصلون بقلوبهم وأبدانهم
فإن العبد إذا وقف بين يدي الله عز و جل وقد علم أن لا شيء
أكبر منه وتحقق قلبه ذلك وأشربه سره استحي من الله ومنعه وقاره وكبرياؤه
أن يشغل قلبه بغيره وما لم يستحضر هذا المعنى فهو واقف بين يديه بجسمه
وقلبه يهيم في أودية الوساوس والخطرات وبالله المستعان
فلو كان الله
أكبر من كل شيء في قلب هذا لما اشتغل عنه وصرف كلية قلبه إلى غيره كما أن
الواقف بين يدي الملك المخلوق لما لم يكن في قلبه أعظم منه لم يشغل قلبه
بغيره ولم يصرفه عنه صارف
فصل الحكم الثالث قوله تحليلها التسليم والكلام في إفادته الحصر كالكلام في الجملتين قبله
والكلام في التسليم على قسمين أحدهما أنه لا ينصرف من الصلاة إلا بالتسليم
وهذا قول جمهور العلماء
وقال أبو حنيفة لا يتعين التسليم بل يخرج منها بالمنافي لها من حدث أو عمل مبطل ونحوه
واستدل له بحديث ابن مسعود الذي رواه أحمد وأبو داود في تعليمه التشهد
وبأن النبي لم يعلمه المسيء في صلاته ولو كان فرضا لعلمه إياه وبأنه ليس من
الصلاة فإنه ينافيها ويخرج به منها ولهذا لو أتى به في أثنائها لأبطلها
وإذا لم يكن منها علم أنه شرع منافيا لها والمنافي لا يتعين
هذا غاية ما يحتج له به
والجمهور أجابوا عن هذه الحجج
أما حديث ابن مسعود فقال الدارقطني والخطيب والبيهقي وأكثر الحفاظ الصحيح
أن قوله إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك من كلام ابن مسعود فصله شبابة عن زهير
وجعله من كلام ابن مسعود وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه وقد اتفق من روى
تشهد ابن مسعود رضي الله عنه على حذفه
وأما كون النبي لم يعلمه المسيء
في صلاته فما أكثر ما يحتج بهذه الحجة على عدم واجبات في الصلاة ولا تدل
لأن المسيء لم يسيء في كل جزء من الصلاة فلعله لم يسيء في السلام بل هذا هو
الظاهر فإنهم لم يكونوا يعرفون الخروج منها إلا بالسلام
وأيضا فلو
قدر أنه أساء فيه لكان غاية ما يدل عليه ترك التعليم استصحاب براءة الذمة
من الوجوب فكف يقدم على الأدلة الناقلة لحكم الاستصحاب
وأيضا فأنتم لم
توجبوا في الصلاة كل ما أمر به المسيء فكيف تحتجون بترك أمره على عدم
الوجوب ودلالة الأمر على الوجوب أقوى من دلالة تركه على نفي الوجوب فإنه
قال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ولم توجبوا التكبير وقال ثم اركع حتى تطمئن
راكعا وقلتم لو ترك الطمأنينة لم تبطل صلاته وإن كان مسيئا
وأما
قولكم إنه ليس من الصلاة فإنه ينافيها ويخرج منها به فجوابه أن السلام من
تمامها وهو نهايتها ونهاية الشيء منه ليس خارجا عن حقيقته ولهذا أضيف إليها
إضافة الجزء بخلاف مفتاحها فإن إضافته إضافة مغاير بخلاف تحليلها فإنه
يقتضي أنه لا يتحلل منها إلا به
وأما بطلان الصلاة إذا فعله في
أثنائها فلأنه قطع لها قبل إتمامها وإتيان بنهايتها قبل فراغها فلذلك
أبطلها فالتسليم آخرها وخاتمها كما في حديث أبي حميد يختم صلاته بالتسليم
فنسبة التسليم إلى آخرها كنسبة تكبيرة الإحرام إلى أولها فقول الله أكبر
أول أجزائها وقول السلام عليكم آخر أجزائها
ثم لو سلم أنه ليس جزءا منها فإنه تحليل لها لا يخرج منها إلا به وذلك لا ينفي وجوبه كتحللات الحج فكونه تحليلا لا يمنع الإيجاب
فإن قيل ولا يقتضي قيل إذا ثبت انحصار التحليل في السلام تعين الإتيان به وقد تقدم بيان الحصر من وجهين
فصل وقد دل هذا الحديث على أن كل ما تحريمه التكبير وتحليله التسليم فمفتاحه الطهور فيدخل في هذا الوتر بركعة خلافا لبعضهم
واحتج بقوله صلاة الليل والنهار مثنى مثنى
وجوابه أن كثيرا من الحفاظ طعن في هذه الزيادة ورأوها غير محفوظة
وأيضا فإن الوتر تحريمه التكبير وتحليله التسليم فيجب أن يكون مفتاحه الطهور
وأيضا فالمغرب وتر لا مثنى والطهارة شرط فيها
وأيضا فالنبي سمي الوتر صلاة بقوله فإذا خفت الصبح فصل ركعة توتر لك ما قد صليت
وأيضا فإجماع الأمة من الصحابة ومن بعدهم على أطلاق اسم الصلاة على الوتر
فهذا القول في غاية الفساد
ويدخل في الحديث أيضا صلاة الجنازة لأن تحريمها التكبير وتحليلها التسليم
وهذا قول أصحاب رسول الله لا يعرف عنهم فيه خلاف وهو قول الأئمة الأربعة
وجمهور الأمة خلافا لبعض التابعين
وقد ثبت عن النبي تسميتها صلاة وكذلك عن الصحابة وحملة الشرع كلهم يسمونها صلاة
وقول النبي مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم هو فصل
الخطاب في هذه المسائل وغيرها طردا وعكسا فكل ما كان تحريمه التكبير
وتحليله التسليم فلا بد من افتتاحه بالطهارة
فإن قيل فما تقولون في الطواف بالبيت فإنه يفتتح بالطهارة ولا تحريم فيه ولا تحليل
قيل شرط النقض أن يكون ثابتا بنص أو إجماع
وقد اختلف السلف والخلف في اشتراط الطهارة للطواف على قولين أحدهما أنها شرط كقول الشافعي ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد
والثاني ليست بشرط نص عليه في رواية ابنه عبد الله وغيره بل نصه في رواية
عبد الله تدل على أنها ليست بواجبة فإنه قال أحب إلي أن يتوضأ وهذا مذهب
أبي حنيفة
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية وهذا قول أكثر السلف قال وهو
الصحيح فإنه لم ينقل أحد عن النبي أنه أمر المسلمين بالطهارة لا في عمره
ولا في حجته مع كثرة من حج معه واعتمر ويمتنع أن يكون ذلك واجبا ولا يبنيه
للأمة وتأخير البيان عن وقته ممتنع
فإن قيل فقد طاف النبي متوضئا وقال خذوا عني مناسككم
قيل الفعل لا يدل على الوجوب
والأخذ عنه هو أن يفعل كما فعل على الوجه الذي فعل فإذا كان قد فعل فعلا
على وجه الاستحباب فأوجبناه لم نكن قد أخذنا عنه ولا تأسينا به مع أنه فعل
في حجته أشياء كثيرة جدا لم يوجبها أحد من الفقهاء
فإن قيل فما تقولون في حديث ابن عباس الطواف بالبيت صلاة
قيل هذا قد اختلف في رفعه ووقفه فقال النسائي والدارقطني وغيرهما الصواب
أنه موقوف وعلى تقدير رفعه فالمراد شبيه بالصلاة كما شبه انتظار الصلاة
بالصلاة وكما قال أبو الدرداء ما دمت تذكر الله فأنت في صلاة وإن كنت في
السوق ومنه قوله إن أحدكم في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة فالطواف وإن سمي
صلاة فهو صلاة بالاسم العام ليس بصلاة خاصة والوضوء إنما يشترط للصلاة
الخاصة ذات التحريم والتحليل
فإن قيل فما تقولون في سجود التلاوة والشكر
قيل فيه قولان مشهوران أحدهما يشترط له الطهارة
وهذا هو المشهور عند الفقهاء ولا يعرف
كثير منهم فيه خلافا وربما ظنه بعضهم إجماعا
والثاني لا يشترط له الطهارة وهذا قول كثير من السلف حكاه عنهم ابن بطال
في شرح البخاري وهو قول عبد الله بن عمر ذكره البخاري عنه في صحيحه فقال
وكان ابن عمر يسجد للتلاوة على غير وضوء وترجمه البخاري واستدلاله يدل على
اختياره إياه فإنه قال باب من قال يسجد على غير وضوء هذا لفظه
واحتج الموجبون للوضوء له بأنها صلاة قالوا فإنه له تحريم وتحليل كما قاله بعض أصحاب أحمد والشافعي
وفيه وجه أنه يتشهد له وهذا حقيقة الصلاة
والمشهور من مذهب أحمد عند المتأخرين أنه يسلم له
وقال عطاء وابن سيرين إذا رفع رأسه يسلم وبه قال إسحاق بن راهويه
واحتج لهم بقوله تحريمها التكبير وتحليلها التسليم قالوا ولأنه يفعل تبعا
للامام ويعتبر أن يكون القارىء يصلح إماما للمستمع وهذا حقيقة الصلاة
قال الآخرون ليس معكم باشتراط الطهارة له كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح
وأما استدلالكم بقوله تحريمها التكبير وتحليلها التسليم فهو من أقوى ما يحتج به عليكم
فإن أئمة الحديث والفقه ليس فيهم أحد قط نقل عن النبي ولا عن أحد من
أصحابه أنه سلم منه وقد أنكر أحمد السلام منه قال الخطابي وكان أحمد لا
يعرف التسليم في هذا
ويذكر نحوه عن إبراهيم النخعي وكذلك المنصوص عن الشافعي أنه لا يسلم فيه
والذي يدل على ذلك أن الذين قالوا يسلم منه إنما احتجوا بقول النبي
وتحليلها التسليم وبذلك احتج لهم إسحاق وهذا استدلال ضعيف فإن النبي
وأصحابه فعلوها ولم ينقل عنهم سلام منها ولهذا أنكره أحمد وغيره وتجويز
كونه سلم منه ولم ينقل كتجويز كونه سلم من الطواف
قالوا والسجود هو من
جنس ذكر الله وقراءة القرآن والدعاء ولهذا شرع في الصلاة وخارجها فكما لا
يشترط الوضوء لهذه الأمور وإن كانت من أجزاء الصلاة فكذا لا يشترط للسجود
وكونه جزءا من أجزائها لا يوجب أن لا يفعل إلا بوضوء
واحتج البخاري بحديث ابن عباس أن النبي سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس
ومعلوم أن الكافر لا وضوء له
قالوا وأيضا فالمسلمون الذين سجدوا معه لم ينقل أن النبي أمرهم بالطهارة ولا سألهم
هل كنتم متطهرين أم لا ولو كانت الطهارة شرطا فيه للزم أحد الأمرين إما أن
يتقدم أمره لهم بالطهارة وإما أن يسألهم بعد السجود ليبين لهم الاشتراط
ولم ينقل مسلم واحدا منهما
فإن قيل فلعل الوضوء تأخرت مشروعيته عن ذلك وهذا جواب بعض الموجبين
قيل الطهارة شرعت للصلاة من حين المبعث ولم يصل قط إلا بطهارة أناه جبريل فعلمه الطهارة والصلاة
وفي حديث إسلام عمر أنه لم يمكن من مس القرآن إلا بعد تطهره فكيف نظن أنهم كانوا يصلون بلا وضوء
قالوا وأيضا فيبعد جدا أن يكون المسلمون كلهم إذ ذاك على وضوء
قالوا وأيضا ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال كان رسول الله يقرأ
القرآن فيقرأ السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعا
لمكان جبهته
قالوا وقد كان يقرأ القرآن عليهم في المجامع كلها ومن
البعيد جدا أن يكون كلهم إذ ذاك على وضوء وكانوا يسجدون حتى لا يجد بعضهم
مكانا لجبهته ومعلوم أن مجامع الناس تجمع المتوضىء وغيره
قالوا وأيضا
فقد أخبر الله تعالى في غير موضع من القرآن أن السحرة سجدوا لله سجدة
فقبلها الله منهم ومدحهم عليها ولم يكونوا متطهرين قطعا ومنازعونا يقولون
مثل هذا السجود حرام فكيف يمدحهم ويثني عليهم بما لا يجوز فإن قيل شرع من
قبلنا ليس بشرع لنا
قيل قد احتج الأئمة الأربعة بشرع من قبلنا وذلك منصوص عنهم أنفسهم في غير موضع
قالوا سلمنا لكن ما لم يرد شرعنا بخلافه
قال المجوزون فأين ورد في شرعنا خلافه قالوا وأيضا فأفضل أجزاء الصلاة وأقوالها هو القراءة ويفعل بلا وضوء فالسجود أولى
قالوا وأيضا فالله سبحانه وتعالى أثنى على كل من سجد عند التلاوة فقال
تعالى إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا
وهذا يدل على أنهم سجدوا عقب تلاوته بلا فضل سواء كانوا بوضوء أو بغيره
لأنه أثنى عليهم بمجرد السجود عقب التلاوة ولم يشترط وضوءا
وكذلك قوله تعالى إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا
قالوا وكذلك سجود الشكر مستحب عند تجدد النعم المنتظرة
وقد تظاهرت السنة عن النبي بفعله في مواضع متعددة وكذلك أصحابه مع ورود
الخبر السار عليهم بغتة وكانوا يسجدون عقبه ولم يؤمروا بوضوء ولم يخبروا
أنه لا يفعل إلا بوضوء
ومعلوم أن هذه الأمور تدهم العبد وهو على غير طهارة فلو تركها لفاتت مصلحتها
قالوا ومن الممتنع أن يكون الله تعالى قد أذن في هذا السجود وأثنى على
فاعله وأطلق ذلك وتكون الطهارة شرطا فيه ولا يسنها ولا يأمر بها رسول الله
أصحابه ولا روي عنه في ذلك حرف واحد
وقياسه على الصلاة ممتنع لوجهين
أحدهما أن الفارق بينه وبين الصلاة أظهر وأكثر من الجامع إذ لا قراءة فيه
ولا ركوع لا فرضا ولا سنة ثابتة بالتسليم
ويجوز أن يكون القارىء خلف الإمام فيه ولا مصافة فيه
وليس إلحاق محل النزاع بصور الاتفاق أولى من إلحاقه بصور الافتراق
الثاني أن هذا القياس إنما يمتنع لو كان صحيحا إذا لم يكن الشيء المقيس قد
فعل على عهد النبي ثم تقع الحادثة فيحتاج المجتهد أن يلحقها بما وقع على
عهده من الحوادث أو شملها نصه وأما مع سجوده وسجود أصحابه وإطلاق الإذن في
ذلك من غير تقييد بوضوء فيمتنع التقييد به
فإن قيل فقد روى البيهقي من
حديث الليث عن نافع عن ابن عمر أنه قال لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر وهذا
يخالف ما رويتموه عن ابن عمر مع أن في بعض الروايات وكان ابن عمر يسجد على
وضوء وهذا هو اللائق به لأجل رواية الليث
قيل أما أثر الليث فضعيف
وأما رواية من روى كان يسجد على وضوء فغلط لأن تبويب البخاري واستدلاله
قوله والمشرك ليس له وضوء يدل على أن الرواية بلفظ غير وعليها أكثر الرواة
ولعل الناسخ استشكل ذلك فظن أن لفظه غير غلط فأسقطها ولاسيما إن كان قد
اغتر بالأثر الضعيف المروي عن الليث وهذا هو الظاهر فإن إسقاط الكلمة
للاستشكال كثير جدا وأما زيادة غير في مثل هذا الموضع فلا يظن زيادتها غلطا
ثم تتفق عليها النسخ المختلفة أو أكثرها
قال الشيخ شمس الدين بن القيم في باب ما ينجس الماء ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط البخاري ومسلم وصححه الطحاوي
رواه الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه
هكذا رواه إسحاق بن راهويه وجماعة عن أبي أسامة عن الوليد ورواه الحميدي
عن أبي أسامة حدثنا الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد
الله عن أبيه
فهذان وجهان
قال الدارقطني في هاتين الروايتين فلما
اختلف على أبي أسامة اخترنا أن نعلم من أتى بالصواب فنظرنا في ذلك فإذا
شعيب بن أيوب قد روى عن أبي أسامة وصح أن الوليد بن كثير رواه عنهما جميعا
وكان أبو أسامة مرة يحدث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير
ومرة يحدث به عن الوليد عن محمد بن عباد بن جعفر
ورواه محمد بن إسحاق
عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه رواه
جماعة عن ابن إسحاق وكذلك رواه حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر عن عبيد
الله بن عبد الله عن أبيه
وفيه تقوية لحديث ابن إسحاق
فهذه أربعة أوجه
ووجه خامس محمد بن كثير المصيصي عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي
ووجه سادس معاوية بن عمرو عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قوله
قال البيهقي وهو الصواب يعني حديث مجاهد
ووجه سابع بالشك في قلتين أو ثلاث ذكرها يزيد بن هارون وكامل بن طلحة
وإبراهيم بن الحجاج وهدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر بن
الزبير قال دخلت مع عبيد الله بن عبد الله بن عمر بستانا فيه مقراة ماء 1
فيه جلد بعير ميت فتوضأ منه فقلت أتتوضأ منه وفيه جلد بعير ميت فحدثني عن
أبيه عن النبي قال إذا بلغ الماء قدر قلتين أو ثلاث لم ينجسه شيء ورواه أبو
بكر النيسابوري حدثني أبو حميد المصيصي حدثنا حجاج قال ابن جريج أخبرني
لوط عن ابن إسحاق عن مجاهد أن ابن عباس قال إذا كان الماء قلتين فصاعدا لم
ينجسه شيء
ورواه أبو بكر بن عياش عن أبان بن أبي يحيى عن ابن عباس كذلك موقوفا
وروى أبو أحمد بن عدي من حديث القاسم العمري عن محمد بن المنكدر عن جابر
قال قال رسول الله إذا بلغ الماء أربعين قلة لا يحمل الخبث تفرد به القاسم
العمري هكذا وهو ضعيف وقد نسب إلى الغلط فيه وقد ضعف القاسم أحمد والبخاري
ويحيى بن معين وغيرهم
قال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال
سمعت أبا علي الحافظ يقول حديث محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي إذا بلغ
الماء أربعين قلة خطأ والصحيح عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمرو قوله
قلت كذلك رواه عبدالرزاق أخبرنا الثوري ومعمر عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله
وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سليمان عن عبدالرحمن بن أبي هريرة
عن أبيه قال إذا كان الماء أربعين قلة لم يحمل خبثا وخالفه غير واحد فرووه
عن أبي هريرة فقالوا أربعين غربا ومنهم من قال دلوا قاله الدارقطني
والاحتجاج بحديث القلتين مبني على ثبوت عدة مقامات الأول صحة سنده
الثاني ثبوت وصله وأن إرساله غير قادح فيه
الثالث ثبوت رفعه وأن وقف من وقفه ليس بعلة
الرابع أن الاضطراب الذي وقع في سنده لا يوهنه
الخامس أن القلتين مقدرتان بقلال هجر
السادس أن قلال هجر متساوية المقدار ليس فيها كبار وصغار
السابع أن القلة مقدرة بقريتين حجازيتين وأن قرب الحجاز لا تتفاوت
الثامن أن المفهوم حجة
التاسع أنه مقدم على العموم
العاشر أنه مقدم على القياس الجلي
الحادي عشر أن المفهوم عام في سائر صور السكوت عنه
الثاني عشر أن ذكر العدد خرج مخرج التحديد والتقييد الثالث عشر الجواب عن المعارض ومن جعلهما خمسمائة رطل احتاج إلى مقام
رابع عشر وهو أنه يجعل الشيء نصفا احتياطا
ومقام خامس عشر أن ما وجب به الاحتياط صار فرضا
قال المحددون الجواب عما ذكرتم أما صحة سنده فقد وجدت لأن رواته ثقات ليس فيهم مجروح ولامتهم
وقد سمع بعضهم من بعض
ولهذا صححه ابن خزيمة والحاكم والطحاوي وغيرهم
وأما وصله فالذين وصلوه ثقاة وهم أكثر من الذين أرسلوه فهي زيادة من ثقة ومعها الترجيح
وأما رفعه فكذلك
وإنما وقفه مجاهد على ابن عمر
فإذا كان مجاهد قد سمعه منه موقوفا لم يمنع ذلك سماع عبيد الله وعبد الله له من ابن عمر مرفوعا
فإن قلنا الرفع زيادة وقد أتى بها ثقة فلا كلام
وإن قلنا هي اختلاف وتعارض فعبد الله أولى في أبيه من مجاهد لملازمته له وعلمه بحديثه ومتابعة أخيه عبد الله له
وأما قولكم إنه مضطرب فمثل هذا الاضطراب لا يقدح فيه إذ لا مانع من سماع
الوليد بن كثير له من محمد بن عباد ومحمد بن جعفر كما قال الدارقطني قد صح
أن الوليد بن كثير رواه عنهما جميعا فحدث به أبو أسامة عن الوليد على
الوجهين وكذلك لا مانع من رواية عبيد الله وعبد الله له جميعا عن أبيهما
فرواه المحمدان عن هذا تارة وعن هذا تارة
وأما تقدير القلتين بقلال
هجر فقد قال الشافعي حدثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره
أن رسول الله قال إذا كان الماء قلتين لم يحمل حبثا وقال في الحديث بقلال
هجر وقال ابن جريج أخبرني محمد أن يحيى بن عقيل أخبره أن يحيى بن يعمر
أخبره أن رسول الله قال إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا ولا بأسا قال
فقلت ليحيى بن عقيل قلال هجر قال قلال هجر قال فأظن أن كل قلة تأخذ قربتين
قال ابن عدي محمد هذا هو محمد بن يحيى يحدث عن يحيى بن أبي كثير ويحيى بن عقيل
قالوا وإن رسول الله ذكرها لهم في حديث المعراج وقال في سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر فدل على أنها معلومة عندهم
وقد قال يحيى بن آدم ووكيع وابن إسحاق القلة الجرة
وكذلك قال مجاهد القلتان الجرتان
وأما كونها متساوية المقدار فقد قال الخطابي في معالمه قلال هجر مشهورة
الصنعة معلومة المقدار لا تختلف كما لا تختلف المكاييل والصيعان
وهو حجة في اللغة
وأما تقديرها بقرب الحجاز فقد قال ابن جريج رأيت القلة تسع قربتين
وابن جريج حجازي إنما أخبر عن قرب الحجاز لا العراق ولا الشام ولا غيرهما
وأما كونها لا تتفاوت فقال الخطابي القرب المنسوبة إلى البلدان المحذوة على مثال واحد يريد أن قرب كل بلد على قدر واحد لا تختلف
قال والحد لا يقع بالمجهول
وأما كون المفهوم حجة فله طريقان أحدهما التخصيص
والثاني التعليل
أما التخصيص فهو أن يقال تخصيص الحكم بهذا الوصف والعدد لا بد له من فائدة وهي نفي الحكم عما عدا المنطوق
وأما التعليل فيختص التعليل بمفهوم الصفة وهو أن تعليق الحكم بهذا الوصف
المناسب يدل على أنه علة له فينتفي الحكم بانتفائها
فإن كان المفهوم مفهوم شرط فهو قوى لأن المشروط عدم عند عدم شرطه وإلا لم يكن شرطا له
وأما تقديمه على العموم فلأن دلالته خاصة فلو قدم العموم عليه بطلت دلالته
جملة وإذا خص به العموم عمل بالعموم فيما عدا المفهوم والعمل بالدليلين
أولى من إلغاء أحدهما كيف وقد تأيد المفهوم بحديث الأمر بغسل الإناء من
ولوغ الكلب وإراقته وبحديث النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها عند
القيام من نوم الليل
وأما تقديمه على القياس الجلي فواضح لأن القياس
عموم معنوي فإذا ثبت تقديمه على العموم اللفظي فتقديمه على المعنوي بطريق
الأولى ويكون خروج صور المفهوم من مقتضى القياس كخروجها من مقتضى لفظ
العموم
وأما كون المفهوم عاما فلأنه إنما دل على نفي الحكم عما عدا
المنطوق بطريق سكوته عنه ومعلوم أن نسبة المسكوت إلى جميع الصور واحدة فلا
يجوز نفي الحكم عن بعضها دون بعض للتحكم
ولا إثبات حكم المنطوق لها لأبطال فائدة التخصيص فتعين بقيد عن جميعها
وأما قولكم إن العدد خرج مخرج التحديد فلأنه عدد صدر من الشارع فكان
تحديدا وتقييدا كالخمسة الأوسق والأربعين من الغنم والخمس من الإبل
والثلاثين من البقر وغير ذلك إذ لا بد للعدد من فائدة ولا فائدة له إلا
التحديد
وأما الجواب عن بعض المعارض فليس معكم إلا عموم لفظي أو عموم معنوي وهو القياس وقد بينا تقديم المفهوم عليهما
وأما جعل الشيء نصفا فلأنه قد شك فيه فجعلناه نصفا احتياطيا والظاهر أنه
لا يكون أكثر منه ويحتمل النصف فما دون فتقديره بالنصف أولى
وأما كون ما أوجب به الاحتياط يصير فرضا فلأن هذا حقيقة الاحتياط كإمساك جزء من الليل مع النهار وغسل جزء من الرأس مع الوجه
فهذا تمام تقرير هذا الحديث سندا ومتنا ووجه الاحتجاج به
قال المانعون من التحديد بالقلتين أما قولكم إنه قد صح سنده فلا يفيد
الحكم بصحته لأن صحه السند شرط أو جزء سبب للعلم بالصحة لا موجب تام فلا
يلزم من مجرد صحة السند صحة الحديث ما لم ينتف عنه الشذوذ والعلة ولم
ينتفيا عن هذا الحديث
أما الشذوذ فإن هذا حديث فاصل بين الحلال
والحرام والطاهر والنجس وهو في المياه كالأوسق في الزكاة والنصب في الزكاة
فكيف لا يكون مشهورا شائعا بين
الصحابة ينقله خلف عن سلف لشدة حاجة
الأمة إليه أعظم من حاجتهم إلى نصب الزكاة فإن أكثر الناس لا تجب عليهم
زكاة والوضوء بالماء الطاهر فرض على كل مسلم فيكون الواجب نقل هذا الحديث
كنقل نجاسة البول ووجوب غسله ونقل عدد الراكعات ونظائر ذلك
ومن
المعلوم أن هذا لم يروه غير ابن عمر ولا عن ابن عمر غير عبيد الله وعبد
الله فأين نافع وسالم وأيوب وسعيد بن جبير وأين أهل المدينة وعلماؤهم عن
هذه السنة التي مخرجها من عندهم وهم إليها أحوج الخلق لعزة الماء عندهم ومن
البعيد جدا أن تكون هذه السنة عند ابن عمر وتخفى على علماء أصحابه وأهل
بلدته ولا يذهب إليها أحد منهم ولا يروونها ويديرونها بينهم
ومن أنصف
لم يخف عليه امتناع هذا فلو كانت هذه للسنة العظيمة المقدار عند ابن عمر
لكان أصحابه وأهل المدينة أقول الناس بها وأرواهم لها
فأي شذوذ أبلغ من هذا وحيث لم يقل بهذا التحديد أحد من أصحاب ابن عمر علم أنه لم يكن فيه عنده سنة من النبي فهذا وجه شذوذه
وأما عليه فمن ثلاثة أوجه أحدها وقف مجاهد له على ابن عمر واختلف فيه عليه واختلف فيه على عبيد الله أيضا رفعا ووقفا
ورجح شيخا الإسلام أبو الحجاج المزي وأبو العباس بن تيمية وقفه ورجح
البيهقي في سننه وقفه من طريق مجاهد وجعله هو الصواب قال شيخنا أبو العباس
وهذا كله يدل على أن ابن عمر لم يكن يحدث به عن النبي ولكن سئل عن ذلك
فأجاب بحضرة ابنه فنقل ابنه ذلك عنه
قلت ويدل على وقفه أيضا أن مجاهدا وهو العلم المشهور الثبت إنما رواه عنه موقوفا
واختلف فيه على عبيد الله وقفا ورفعا
العلة الثانية اضطراب سنده كما تقدم
العلة الثالثة اضطراب منه فإن في بعض ألفاظه إذا كان الماء قلتين وفي
بعضها إذا بلغ الماء قدر قلتين أو ثلاث والذين زادوا هذه اللفظة ليسوا بدون
من سكت عنها كما تقدم
قالوا وأما تصحيح من صححه من الحفاظ فمعارض بتضعيف من ضعفه وممن ضعفه حافظ المغرب أبو عمر بن عبدالبر وغيره
ولهذا أعرض عنه أصحاب الصحيح جملة
قالوا وأما تقدير القلتين بقلال هجر فلم يصح عن رسول الله فيه شيء أصلا
وأما ما ذكره الشافعي فمنقطع وليس قوله بقلال هجر فيه من كلام النبي ولا
أضافة الراوي إليه وقد صرح في الحديث أن التفسير بها من كلام يحيى بن عقيل
فكيف يكون بيان هذا الحكم العظيم والحد الفاصل بين الحلال والحرام الذي
تحتاج إليه جميع الأمة لا يوجد إلا بلفظ شاذ بإسناد منقطع وذلك اللفظ ليس
من كلام رسول الله
قالوا وأما ذكرها في حديث المعراج فمن العجب أن
يحال هذا الحد الفاصل على تمثيل النبي نبق السدرة بها وما الرابط بين
الحكمين وأي ملازمة بينهما لكونها معلومة عندهم معروفة لهم مثل لهم بها
وهذا من عجيب حمل المطلق على المقيد
والتقييد بها في حديث المعراج لبيان الواقع فكيف يحمل حمل المطلق على المقيد
والتقييد بها في حديث المعراج لبيان الواقع فكيف يحمل إطلاق حديث القلتين
عليه وكونها معلومة لهم لا يوجب أن ينصرف الإطلاق إليها حيث أطلقت العلة
فإنهم كانوا يعرفونها ويعرفون غيرها
والظاهر أن الإطلاق في حديث
القلتين إنما ينصرف إلى قلال البلد التي هي أعرف عندهم وهم لها أعظم ملابسة
من غيرها فالإطلاق إنما ينصرف إليها كما ينصرف إطلاق النقد إلى نقد بلد
دون غيره هذا هو الظاهر وإنما مثل النبي بقلال هجر لأنه هو الواقع في نفس
الأمر كما مثل بعض أشجار الجنة بشجرة بالشام تدعي الجوزة دون النخل وغيره
من أشجارهم لأنه هو الواقع لا لكون الجوز أعرف الأشجار عندهم
وهكذا التمثيل بقلال هجر لأنه هو الواقع لا لكونها أعرف القلال عندهم
هذا بحمد الله واضح
وأما قولكم إنها متساوية المقدار فهذا إنما قاله الخطابي بناه على أن ذكرهما تحديد والتحديد إنما يقع بالمقادير المتساوية
وهذا دور باطل وهو لم ينقله عن أهل اللغة وهو الثقة في نقله ولا أخبر به عيان
ثم إن الواقع بخلافه فإن القلال فيها الكبار والصغار في العرف العام أو الغالب ولا تعمل بقالب واحد
ولهذا قال أكثر السلف القلة الجرة
وقال عاصم بن المنذر أحد رواة الحديث القلال الخوابي العظام
وأما تقديرها بقرب الحجاز فلا ننازعكم فيه ولكن الواقع أنه قدر قلة من
القلال بقربتين من القرب فرآها تسعهما فهل يلزم من هذا أن كل قلة من قلال
هجر تأخذ قربتين من قرب الحجاز وأن قرب الحجاز كلها على قدر واحد ليس فيها
صغار وكبار ومن جعلها متساوية فإنما مستنده أن قال التحديد لا يقع بالمجهول
فيا سبحان الله إنما يتم هذا أن لو كان التحديد مستندا إلى صاحب الشرع
فأما والتقدير بقلال هجر وقرب الحجاز تحديد يحيى بن عقيل وابن جريج فكان
ماذا وأما تقرير كون المفهوم حجة فلا تنفعكم مساعدتنا عليه إذ المساعدة على
مقدمة من مقدمات الدليل لا تستلزم المساعدة على الدليل
وأما تقديمكم له على العموم فممنوع وهي مسألة نزاع بين الأصوليين والفقهاء وفيها قولان معروفان
ومنشأ النزاع تعارض خصوص المفهوم وعموم المنطوق فالخصوص يقتضي التقديم
والمنطوق يقتضي الترجيح فإن رجحتم المفهوم بخصوصه رجح منازعوكم العموم
بمنطوقه
ثم الترجيح معهم ههنا للعموم من وجوه أحدها أن حديثه أصح
الثاني أنه موافق للقياس الصحيح
الثالث أنه موافق لعمل أهل المدينة قديما وحديثا فإنه لا يعرف عن أحد منهم
أنه حدد الماء بقلتين وعملهم بترك التحديد في المياه عمل نقلي خلفا عن سلف
فجرى مجرى نقلهم الصاع والمد والأجناس وترك أخذ الزكاة من الخضروات وهذا
هو الصحيح المحتج به من إجماعهم دون ما طريقه الاجتهاد والاستدلال
فإنهم وغيرهم فيه سواء وربما يرجح غيرهم عليهم ويرجحوا هم على غيرهم
فتأمل هذا الموضع
فإن قيل ما ذكرتم من الترجيح فمعنا من الترجيح ما يقابله وهو أن المفهوم
هنا قد تأيد بحديث النهي عن البول في الماء الراكد والأمر بإراقة ما ولغ
فيه الكلب والأمر بغسل اليد من نوم الليل فإن هذه الأحاديث تدل على أن
الماء يتأثر بهذه الأشياء وإن لم يتغير ولا سبيل إلى تأثر كل ماء بها بل لا
بد من تقديره فتقديره بالقلتين أولى من تقديره بغيرهما لأن التقدير
بالحركة والأذرع المعينة وما يمكن نزحه وما لا يمكن تقديرات باطلة لا أصل
لها وهي غير منضبطة في نفسها فرب حركة تحرك غديرا عظيما من الماء وأخرى
تحرك مقدارا يسيرا منه بحسب المحرك والمتحرك
وهذا التقدير بالأذرع
تحكم محض لا بسنة ولا قياس وكذا التقدير بالنزح الممكن مع عدم انضباطه فإن
عشرة آلاف مثلا يمكنهم نزح ما لا ينزحه غيرهم فلا ضابط له
وإذا بطلت هذه التقديرات ولا بد من تقدير فالتقدير بالقلتين أولى لثبوته إما عن النبي وإما عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم
قيل هذا السؤال مبني على مقامات
أحدهما أن النهي في هذه الأحاديث مستلزم لنحاسة الماء المنهي عنه
والثاني أن هذا التنجيس لا يعم كل ماء بل يختص ببعض المياه دون بعض
والثالث أنه إذا تعين التقدير كان تقديره بالقلتين هو المتعين
فأما المقام الأول فنقول ليس في شيء من هذه الأحاديث أن الماء ينجس بمجرد ملاقاة البول والولوغ وغمس اليد فيه
أما النهي عن البول فيه فليس فيه دلالة على أن الماء كله ينجس بمجرد
ملاقاة البول لبعضه بل قد يكون ذلك لأن البول سبب لتنجيسه فإن الأبوال متى
كثرت في المياه الدائمة أفسدتها ولو كانت قلالا عظيمة
فلا يجوز أن يخص
نهيه بما دون القلتين فيجوز للناس أن يبولوا في القلتين فصاعدا وحاشى
للرسول الله أن يكون نهيه خرج على ما دون القلتين ويكون قد جوز للناس البول
في كل ماء بلغ القلتين أو زاد عليهما وهل هذا إلا إلغاز في الخطاب أن يقول
لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ومراده من هذا اللفظ العام
أربعمائة رطل بالعراقي أو خمسمائة مع ما يتضمنه التجويز من الفساد العام
وإفساد موارد الناس ومياههم عليهم وكذلك حمله على ما لا يمكن نزحه أو ما لا
يتحرك أحد طرفيه بحركة طرفه الآخر وكل هذا خلاف
مدلول الحديث وخلاف ما عليه الناس وأهل العلم قاطبة
فإنهم ينهون عن البول في هذه المياه وإن كان مجرد البول لا ينجسها سدا للذريعة
فإنه إذا مكن الناس من البول في هذه المياه وإن كانت كبيرة عظيمة لم تلبث
أن تتغير وتفسد على الناس كما رأينا من تغير الأنهار الجارية بكثرة الأبوال
وهذا كما نهى عن إفساد ظلالهم عليهم بالتخلي فيها وإفساد طرقاتهم بذلك
فالتعليم بهذا أقرب إلى ظاهر لفظه ومقصوده وحكمته بنهيه ومراعاته مصالح
العباد وحمايتهم مما يفسد عليهم ما يحتاجون إليه من مواردهم وطرقاتهم
وظلالهم كما نهى عن إفساد ما يحتاج إليه الجن من طعامهم وعلف دوابهم
فهذه علة معقولة تشهد لها العقول والفطر ويدل عليها تصرف الشرع في موارده ومصادره ويقبلها كل عقل سليم ويشهد لها بالصحة
وأما تعليل ذلك بمائة وثمانية أرطال بالدمشقي أو بما يتحرك أو لا يتحرك أو
بعشرين ذراعا مكسرة أو بما لا يمكن نزحه فأقوال كل منها بكل معارض وكل بكل
مناقض لا يشم منها رائحة الحكمة ولا يشام منها بوارق المصلحة ولا تعطل بها
المفسدة المخوفة
فإن الرجل إذا علم أن النهي إنما تناول هذا المقدار
من الماء لم يبق عنده وازع ولا زاجر عن البول فيما هو أكثر منه وهذا يرجع
على مقصود صاحب الشرع بالإبطال
وكل شرط أو علة أو ضابط يرجع على مقصود الشارع بالإبطال كان هو الباطل المحال
ومما يدل على هذا أن النبي ذكر في النهي وصفا يدل على أنه هو المعتبر في
النهي وهو كون الماء دائما لا يجري ولم يقتصر على قوله الدائم حتى نبه على
العلة بقوله لا يجري فتقف النجاسة فيه فلا يذهب بها
ومعلوم أن هذه العلة موجودة في القلتين وفيما زاد عليهما
والعجب من مناقضة المحددين بالقلتين لهذا المعنى حيث اعتبروا القلتين حتى
في الجاري وقالوا إن كانت الجرية قلتين فصاعدا لم يتأثر بالنجاسة وإن كانت
دون القلتين تأثرت وألغوا كون الماء جاريا أو واقفا وهو الوصف الذي اعتبره
الشارع
واعتبروا في الجاري والواقف القلتين
والشارع لم يعتبره بل اعتبر الوقوف والجريان
فإن قيل فإذا لم تخصصوا الحديث ولم تقيدوه بماء دون ماء لزمكم المحال وهو أن ينهى عن البول في البحر لأنه دائم لا يجري
قيل ذكره الماء الدائم الذي لا يجري تنبيه على أن حكمة النهي إنما هي ما
يخشى من إفساد مياه الناس عليهم وأن النهي إنما تعلق بالمياه الدائمة التي
من شأنها أن تفسدها الأبوال
فأما الأنهار العظام والبحار فلم يدل نهي
النبي عليها بوجه بل لما دل كلامه بمفهومه على جواز البول في الأنهار
العظام كالنيل والفرات فجواز البول في البحار أولى وأحرى ولو قدر أن هذا
تخصيص لعموم كلامه فلا يستريب عاقل أنه أولى من تخصيصه بالقلتين
أو ما لا يمكن نزحه أو ما لا يمكن تبلغ الحركة طرفيه
لأن المفسدة المنهي عن البول لأجلها لا تزول في هذه المياه بخلاف ماء البحر فإنه لا مفسدة في البول فيه
وصار هذا بمنزلة نهيه عن التخلي في الظل
وبوله في ظل الشجرتين واستتاره بجذم الحائط فإنه نهى عن التخلي في الظل
النافع وتخلى مستترا بالشجرتين والحائط حيث لم ينتفع أحد بظلهما فلم يفسد
ذلك الظل على أحد
وبهذا الطريق يعلم أنه إذا كان قد نهى عن البول في
الماء الدائم مع أنه قد يحتاج إليه فلأن ينهي عن البول في إناء ثم يصبه فيه
بطريق الأولى
ولا يستريب في هذا من علم حكمة الشريعة وما اشتملت عليه من مصالح العباد ونصائحهم
ودع الظاهرية البحتة فإنهما تقسي القلوب وتحجبها عن رؤية محاسن الشريعة وبهجتها وما أودعته من الحكم والمصالح والعدل والرحمة
وهذه الطريق التي جاءتك عفوا تنظر إليها نظر متكىء على أريكته قد تقطعت في
مفاوزها أعناق المطي لا يسلكها في العالم إلا الفرد بعد الفرد ولا يعرف
مقدارها من أفرحت قلبه الأقوال المختلفة والاحتمالات المتعددة والتقديرات
المستبعدة
فإن علت همته جعل مذهبه عرضة للأحاديث النبوية وخدمه بها
وجعله أصلا محكما يرد إليه متشابهها فما وافقه منها قبله وما خالفه تكلف له
وجوها بالرد غير الجميل فما أتعبه من شقي وما أقل فائدته ومما يفسد قول
المحددين بقلتين أن النبي نهي عن البول في الماء الدائم ثم يغتسل البائل
فيه بعد البول
هكذا لفظ الصحيحين لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي
لا يجري ثم يغتسل فيه وأنتم تجوزون أن يغتسل في ماء دائم قدر القلتين بعد
ما بال فيه
وهذا خلاف صريح للحديث فإن منعتم الغسل فيه نقضتم أصلكم وإن جوزتموه خالفتم الحديث
فإن جوزتم البول والغسل خالفتم الحديث من الوجهين جميعا
ولا يقال فهذا بعينه وارد عليكم لأنه إذا بال في الماء اليسير ولم يتغير
جوزتم له الغسل فيه لأنا لم نعلل النهي بالتنجيس وإنما عللناه بإفضائه إلى
التنجيس كما تقدم فلا يرد علينا هذا
وأما إذا كان الماء كثيرا فبال في
ناحية ثم اغتسل في ناحية أخرى لم يصل إليها البول فلا يدخل في الحديث لأنه
لم يغتسل في الماء الذي بال فيه وإلا لزم إذا بال في ناحية من البحر أن لا
يغتسل فيه أبدا وهو فاسد
وأيضا فالنبي نهى عن الغسل فيه بعد البول لما يفضي إليه من إصابة البول له
قلت ونظير هذا نهيه أن يبول الرجل في مستحمه
وذلك لما يفضي إليه من تطاير رشاش الماء الذي يصيب البول فيقع في الوسواس
كما في الحديث فإن عامة الوسواس منه حتى لو كان المكان مبلطا لا يستقر فيه
البول بل يذهب مع الماء لم يكره ذلك عند جمهور الفقهاء
ونظير هذا منع البائل أن يستجمر أو يستنجي موضع بوله لما يفضي إليه من التلوث بالبول
ولم يرد النبي بنهيه الإخبار عن نجاسة الماء الدائم بالبول فلا يجوز تعليل كلامه بعلة عامة
تتناول ما لم ينه عنه
والذي يدل على ذلك أنه قيل له في بئر بضاعة أنتوضأ منها وهي بئر يطرح فيها
الحيض 1 ولحوم الكلاب وعذر الناس فقال الماء طهور لا ينجسه شيء
فهذا
نص صحيح صريح على أن الماء لا ينجس بملاقاة النجاسة مع كونه واقفا فإن بئر
بضاعة كانت واقفة ولم يكن على عهده بالمدينة ماء جاز أصلا
فلا يجوز
تحريم ما أباحه وفعله قياسا على ما نهى عنه ويعارض أحدهما بالآخر بل يستعمل
هذا وهذا هذا في موضعه وهذا في موضعه ولا تضرب سنة رسول الله بعضها ببعض
فوضوؤه من بئر بضاعة وحالها ما ذكروه له دليل على أن الماء لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير
ونهيه عن الغسل في الماء الدائم بعد البول فيه لما ذكرنا من إفضائه إلى
تلوثه بالبول كما ذكرنا عنه التعليل بنظيره فاستعملنا السنن على وجوهها
وهذا أولى من حمل حديث بئر بضاعة على أنه كان أكثر من قلتين لأن النبي لم يعلل بذلك ولا أشار إليه ولا دل كلامه عليه بوجه
وإنما علل بطهورية الماء وهذه علة مطردة في كل ماء
قل أو كثر ولا يرد المتغير لأن طهور النجاسة فيه يدل على تنجسه بها فلا يدخل في الحديث على أنه محل وفاق فلا يناقض به
وأيضا فلو أراد النهي عن استعمال الماء الدائم اليسير إذا وقعت فيه أي نجاسة كانت لأتي بلفظ يدل عليه
ونهيه عن الغسل فيه بعد البول لا يدل على مقدار ولا تنجيس فلا يحمل ما لا يحتمله
ثم إن كل من قدر الماء المتنجس بقدر خالف ظاهر الحديث
فأصحاب الحركة خالفوه بأن قدروه بما لا يتحرك طرفاه وأصحاب النزح خصوه بما لا يمكن نزحه وأصحاب القلتين خصوه بمقدار القلتين
وأسعد الناس بالحديث من حمله على ظاهره ولم يخصه ولم يقيده بل إن كان
تواتر الأبوال فيه يفضي إلى إفساده منع من جوازها وإلا منع من اغتساله في
موضع بوله كالبحر ولم يمنع من بوله في مكان واغتساله في غيره
وكل من
استدل بظاهر هذا الحديث على نجاسة الماء الدائم لوقوع النجاسة فيه فقد ترك
من ظاهر الحديث ما هو أبين دلالة مما قال به وقال بشيء لا يدل عليه لفظ
الحديث
لأنه إن عمم النهي في كل ماء بطل استدلاله بالحديث وإن خصه
بقدر خالف ظاهرة وقال ما لا دليل عليه ولزمه أن يجوز البول فيما عدا ذلك
القدر وهذا لا يقوله أحد
فظهر بطلان الاستدلال بهذا الحديث على التنجيس بمجرد الملاقاة على كل تقدير
وأما من قدره بالحركة فيدل على بطلان قوله أن الحركة مختلفة اختلافا لا
ينضبط والبول قد يكون قليلا وقد يكون كثيرا ووصول النجاسة إلى الماء أمر
حسي وليس تقديره بحركة الطهارة الصغرى أو الكبرى أولى من سائر أنواع
الحركات فيا لله العجب حركة الطهارة ميزان ومعيار على وصول
النجاسة
وسريانها مع شدة اختلافها ونحن نعلم بالضرورة أن حركة المغتسل تصل إلى
موضع لا تصل إليه القطرة من البول ونعلم أن البولة الكبيرة تصل إلى مكان لا
تصل إليه الحركة الضعيفة وما كان هكذا لم يجز أن يجعل حدا فاصلا بين
الحلال والحرام
والذين قدروه بالنزح أيضا قولهم باطل فإن العسكر العظيم يمكنهم نزح ما لا يمكن الجماعة القليلة نزحه
وأما حديث ولوغ الكلب فقالوا لا يمكنكم أن تحتجوا به علينا فإنه ما منكم
إلا من خالفه أو قيده أو خصصه فخالف ظاهره فإن احتج به علينا من لا يوجب
التسبيع ولا التراب كان احتجاجه باطلا
فإن الحديث إن كان حجة له في التنجيس بالملاقاة فهو حجة عليه في العدد والتراب
فأما أن يكون حجة له فيما وافق مذهبه ولا يكون حجة عليه فيما خالفه فكلا
ثم هم يخصونه بالماء الذي لا تبلغ الحركة طرفيه وأين في الحديث ما يدل على
هذا التخصيص ثم يظهر تناقضهم من وجه آخر وهو أنه إذا كان الماء رقيقا جدا
وهو منبسط انبساطا لا تبلغه الحركة أن يكون طاهرا ولا يؤثر الولوغ فيه وإذا
كان عميقا جدا وهو متضايق بحيث تبلغ الحركة طرفيه أن يكون نجسا ولو كان
أضعاف أضعاف الأول
وهذا تناقض بين لا محيد عنه
قالوا وإن احتج به
من يقول بالقلتين فإنه يخصصه بما دون القلتين ويحمل الأمر بغسله وإراقته
على هذا المقدار ومعلوم أنه ليس في اللفظ ما يشعر بهذا بوجه ولا يدل عليه
بواحدة من الدلالات الثلاث
وإذا كان لا بد لهم من تقييد الحديث
وتخصيصه ومخالفة ظاهره كان أسعد الناس به من حمله على الولوغ المعتاد في
الآنية المعتادة التي يمكن إراقتها وهو ولوغ متتابع في آنية صغار
يتحلل من الكلب في كل مرة ريق ولعاب نجس يخالط الماء ولا يخالف لونه لونه
فيظهر فيه التغير فتكون أعيان النجاسة قائمة بالماء وإن لم تر فأمر بإراقته
وغسل الإناء
فهذا المعنى أقرب إلى الحديث وألصق به وليس في حمله عليه ما يخالف ظاهره
بل الظاهر أنه إنما أراد الآنية المعتادة التي تتخذ للاستعمال فيلغ فيها
الكلاب فإن كان حمله على هذا موافقة للظاهر فهو المقصود وإن كان مخالفة
للظاهر فلا ريب أنه أقل مخالفة من حمله على الأقوال المتقدمة
فيكون أولى على التقديرين
قالوا وأما حديث النهي عن غمس اليد في الإناء عند القيام من نومه
فالاستدلال به أضعف من هذا كله فإنه ليس في الحديث ما يدل على نجاسة الماء
وجمهور الأمة على طهارته والقول بنجاسته من أشذ الشاذ وكذا القول بصيرورته
مستعملا ضعيف أيضا وإن كان إحدى الروايتين عن أحمد واختيار القاضي وأتباعه
واختيار أبي بكر وأصحاب أحمد فإنه ليس في الحديث دليل على فساد الماء
وقد بينا أن النهي عن البول فيه لا يدل على فساده بمجرد البول فكيف يغمس
اليد فيه بعد القيام من النوم وقد اختلف في النهي عنه فقيل تعبدي ويرد هذا
القول أنه معلل في الحديث بقوله فإنه لا يدري أين باتت يده
وقيل معلل باحتمال النجاسة كثرة في يديه أو مباشرة اليد لمحل الاستجمار
وهو ضعيف أيضا
لأن النهي عام للمستنجي والمستجمر والصحيح وصاحب البثرات
فيلزمكم أن تخصوا النهي بالمستجمر وصاحب البثور وهذا لم يقله أحد
وقيل وهو الصحيح إنه معلل بخشية مبيت الشيطان على يده أو مبيتها عليه
وهذه العلة نظير تعليل صاحب الشرع الاستنشاق بمبيت الشيطان على الخيشوم
فإنه قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنشق بمنخريه من الماء فإن الشيطان
يبيت على خيشومه متفق عليه
وقال هنا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده
فعلل بعدم الدراية لمحل المبيت
وهذا السبب ثابت في مبيت الشيطان على الخيشوم فإن اليد إذا باتت ملابسة
للشيطان لم يدر صاحبها أين باتت وفي مبيت الشيطان على الخيشوم وملابسته
لليد سر يعرفه من عرف أحكام الأرواح واقتران الشياطين بالمحال التي تلابسها
فإن الشيطان خبيث يناسبه الخبائث فإذا نام العبد لم ير في ظاهر جسده أوسخ
من خيشومه فيستوطنه في المبيت وأما ملابسته ليده فلأنها أعم الجوارح كسبا
وتصرفا ومباشرة لما يأمر به الشيطان من المعصية فصاحبها كثير التصرف والعمل
بها ولهذا سميت جارحة لأنه يجترح بها أي يكسب
وهذه العلة لا يعرفها أكثر الفقهاء وهي كما ترى وضوحا وبيانا
وحسبك شهادة النص لها بالاعتبار
والمقصود أنه لا دليل لكم في الحديث بوجه ما والله أعلم
وقد تبين بهذا جواب المقامين الثاني والثالث
فلنرجع إلى الجواب عن تمام الوجوه الخمسة عشر فنقول وأما تقديمكم للمفهوم
من حديث القلتين على القياس الجلي فمما يخالفكم فيه كثير من الفقهاء
والأصوليين ويقولون القياس الجلي مقدم عليه وإذا كانوا يقدمون القياس على
العموم الذي هو حجة الاتفاق فلأن يقدم على المفهوم المختلف في الاحتجاج به
أولى
ثم لو سلمنا تقديم المفهوم على القياس في صورة ما فتقديم القياس
ههنا متعين لقوته ولتأيده بالعمومات ولسلامته من التناقض الملازم لمن قدم
المفهوم كما سنذكره ولموافقته لأدلة الشرع الدالة على عدم التحديد بالقلتين
فالمصير إليه أولى ولو كان وحده فكيف بما معه من الأدلة وهل يعارض
مفهوم واحد لهذه الأدلة من الكتاب والسنة والقياس الجلي واستصحاب الحال
وعمل أكثر الأمة مع اضطراب أصل منطوقه وعدم براءته من العلة والشذوذ قالوا
وأما دعواكم أن المفهوم عام في جميع الصور المسكوت عنها فدعوى لا دليل
عليها
فإن الاحتجاج بالمفهوم يرجع إلى حرفين التخصيص والتعليل كما نقدم
ومعلوم أنه إذا ظهر للتخصيص فائدة بدون العموم بقيت دعوى العموم باطلة لأنها دعوى مجردة ولا لفظ معنا يدل عليها
وإذا علم ذلك فلا يلزم من انتفاء حكم المنطوق انتفاؤه عن كل فرد فرد من
أفراد المسكوت لجواز أن يكون فيه تفصيل فينتفي عن بعضها ويثبت لبعضها ويجوز
أن يكون
ثابتا لجميعها بشرط ليس في المنطوق فتكون فائدة التخصيص به لدلالته على ثبوت الحكم له مطلقا وثبوته للمفهوم بشرط
فيكون المنفي عنه الثبوت المطلق لا مطلق المثبوت
فمن أين جاء العموم للمفهوم وهو من عوارض الألفاظ وعلى هذا عامة المفهومات
فقوله تعالى لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره لا يدل المفهوم على أن بمجرد نكاحها الزوج الثاني تحل له
وكذا قوله فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا لا يدل على عدم الكتابة عند عدم هذا الشرط مطلقا
وكذا قوله والذين يبتغون الكتاب
ونظائره أكثر من أن تحصى
وكذلك إن سلكت طريقة التعليل لم يلزم العموم أيضا فإنه يلزم من انتفاء
العلة انتفاء معلولها ولا يلزم انتفاء الحكم مطلقا لجواز ثبوته بوصف آخر
وإذا ثبت هذا فمنطوق حديث القلتين لا ننازعكم فيه ومفهومه لا عموم له
فبطل الاحتجاج به منطوقا ومفهوما
وأما قولكم إن العدد خرج مخرج التحديد والتقييد كنصب الزكوات فهذا باطل من
وجوه أحدها أنه لو كان هذا مقدارا فاصلا بين الحلال والحرام والطاهر
والنجس لوجب على النبي بيانه بيانا عاما متتابعا تعرفه الأمة كما بين نصب
الزكوات وعدد الجلد في الحدود ومقدار ما يستحقه الوارث فإن هذا أمر يعم
الإبتلاء به كل الأمة فكيف لا يبنيه حتى يتفق سؤال سائل له عن قضية جزئية
فيجيبه بهذا ويكون ذلك حدا عاما للأمة كلها لا يسع أحدا جهله ولا تتناقله
الأمة ولا يكون شائعا بينهم بل يحالون فيه على مفهوم ضعيف شأنه ما ذكرناه
قد خالفته العمومات والأدلة الكثيرة ولا يعرفه أهل بلدته ولا أحد منهم يذهب
إليه الثاني أن الله سبحانه وتعالى قال وما كان الله ليضل قوما بعد إذ
هداهم حتى يبين لهم ما يتقون وقال وقد فصل لكم ما حرم عليكم فلو كان الماء
الذي لم يتغير بالنجاسة منه ما هو حلال ومنه ما هو حرام لم يكن في هذا
الحديث بيان للأمة ما يتقون ولا كان قد فصل لهم ما حرم عليهم
فإن
المنطوق من حديث القلتين لا دليل فيه والمسكوت عنه كثير من أهل العلم
يقولون لا يدل على شيء فلم يحصل لهم بيان ولا فصل الحلال من الحرام
والآخرون يقولون لا بد من مخالفة المسكوت للمنطوق ومعلوم أن مطلق المخالفة
لا يستلزم المخالفة المطلقة الثابتة لكل فرد فرد من المسكوت عنه فكيف يكون
هذا حدا فاصلا فتبين أنه ليس في المنطوق ولا في السكوت عنه فصل ولا حد
الثالث أن القائلين بالمفهوم إنما قالوا به إذا لم يكن هناك سبب اقتضى
التخصيص بالمنطوق فلو ظهر سبب يقتضي التخصيص به لم يكن المفهوم معتبرا
كقوله ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق وذكر هذا القيد لحاجة المخاطبين إليه
إذ هو الحامل لهم على قتلهم لا لاختصاص الحكم به
ونظيره لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ونظائره كثيرة
وعلى هذا فيحتمل أن يكون ذكر العلتين وقع في الجواب لحاجة السائل إلى ذلك ولا يمكن الجزم
بدفع هذا الاحتمال
نعم لو أن النبي قال هذا اللفظ ابتداء من غير سؤال لاندفع هذا الاحتمال
الرابع أن حاجة الأمة حضرها وبدوها على اختلاف أصنافها إلى معرفة الفرق
بين الطاهر والنجس ضرورية فكيف يحالون في ذلك على مالا سبيل لأكثرهم إلى
معرفته فإن الناس لا يكتالون الماء ولا يكادون يعرفون مقدار القلتين لا
طولهما ولا عرضهما ولا عمقهما فإذا وقعت في الماء نجاسة فما يدريه أنه
قلتان وهل تكليف ذلك إلا من باب علم الغيب وتكليف ما لا يطاق فإن قيل
يستظهر حتى يغلب على ظنه أنه قلتان قيل ليس هذا شأن الحدود الشرعية فإنها
مضبوطة لا يزاد عليها ولا ينقص منها كعدد الجلدات ونصب الزكوات وعدد
الركعات وسائر الحدود الشرعية
الخامس أن خواص العلماء إلى اليوم لم
يستقر لهم قدم على قول واحد في القلتين فمن قائل ألف رطل بالعراقي ومن قائل
ستمائة رطل ومن قائل خمسمائة ومن قائل أربعمائة
وأعجب من هذا جعل هذا
المقدار تحديدا فإذا كان العلماء قد أشكل عليهم قدر القلتين واضطربت
أقوالهم في ذلك فما الظن بسائر الأمة ومعلوم أن الحدود الشرعية لا يكون هذا
شأنها
السادس أن المحددين يلزمهم لوازم باطلة شنيعة جدا
منها أن
يكون ماء واحد إذا ولغ فيه الكلب تنجس وإذا بال فيه لم ينجسه ومنها أن
الشعرة من الميتة إذا كانت نجسة فوقعت في قلتين إلا رطلا مثلا أن ينجس
الماء ولو وقع رطل بول في قلتين لم ينجسه ومعلوم أن تأثر الماء بهذه
النجاسة أضعاف تأثره بالشعرة فمحال أن يجيء شرع بتنجس الأول وطهارة الثاني
وكذلك ميتة كاملة تقع في قلتين لا تنجسها وشعرة منها تقع في قلتين إلا نصف
رطل أو رطلا فتنجسها إلى غير ذلك من اللوازم التي يدل بطلانها على بطلان
ملزوماتها وأما جعلكم الشيء نصفا ففي غاية الضعف فإنه شك من ابن جريج
فياسبحان الله يكون شكله حدا لازما للأمه فاصلا بين الحلال والحرام والنبي
قد بين لأمته الدين وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها فيمتنع أن
يقدر لأمته حدا لا سبيل لهم إلى معرفة إلا شك حادث بعد عصر الصحابة يجعل
نصفا احتياطيا وهذا بين لمن أنصف
والشك الجاري الواقع من الأمة في
طهورهم وصلاتهم قد بين لهم حكمه ليندفع عنهم باليقين فكيف يجعل شكهم حدا
فاصلا فارقا بين الحلال والحرام ثم جعلكم هذا احتياطا باطل لأن الاحتياط
يكون في الأعمال التي يترك التكلف منها عملا لآخر احتياطا وأما الأحكام
الشرعية والإخبار عن الله ورسوله فطريق الاحتياط فيها أن لا يخبر عنه إلا
بما أخبر به ولا يثبت إلا ما أثبته
ثم إن الاحتياط هو في ترك هذا الاحتياط فإن الرجل تحضره الصلاة وعنده قلة
ماء قد وقعت فيها شعرة ميتة فتركه الوضوء منه مناف للاحتياط
فهلا أخذتم بهذا الأصل هنا وقلتم ما ثبت تنجيسه بالدليل الشرعي نجسناه وما
شككنا فيه رددناه إلى أصل الطهارة لأن هذا لما كان طاهرا قطعا وقد شككنا
هل حكم رسول الله بتنجيسه أم لا فالأصل الطهارة
وأيضا فأنتم لا تبيحون لمن شك في نجاسة الماء أن يعدل إلى التيمم بل توجبون عليه الوضوء
فكيف تحرمون عليه الوضوء هنا بالشك وأيضا فإنكم إذا نجستموه بالشك نجستم
ما يصيبه من الثياب والأبدان والآنية وحرمتم شربه والطبخ به وأرقتم الأطعمة
المتخذة منه
وفي هذا تحريم لأنواع عظيمة من الحلال بمجرد الشك وهذا مناف لأصول الشريعة
والله أعلم
قال الشيخ شمس الدين بن القيم وقال الترمذي في
كتاب العلل
سألت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث يعني حديث أبي
حاجب عن الحكم بن عمرو فقال ليس بصحيح قال وحديث عبد الله بن سرجس في هذا
الباب الصحيح هو موقوف ومن رفعه فهو خطأ
تم كلامه
وقال أبو عبيد في
كتاب الطهور
حدثنا علي بن معبد عن عبيد الله بن عمرو عن معمر عن عاصم بن سليمان عن عبد الله بن سرجس أنه قال أترون هذا الشيخ يعني نفسه فإنه قد رأى نبيكم صلى الله عليه و سلم وأكل معه قال عاصم فسمعته يقول لا بأس بأن يغتسل الرجل والمرأة من الجنابة من الإناء الواحد فإن خلت به فلا تقربهفهذا هو الذي رجحه البخاري ولعل بعض الرواة ظن أن قوله فسمعته يقول من كلام عبد الله بن سرجس فوهم فيه وإنما هو من قول عاصم بن سليمان يحكيه عن عبد الله
وقد اختلف الصحابة في ذلك
فقال أبو عبيد حدثنا حجاج عن المسعودي عن مهاجر أبي الحسن
قال حدثني كلثوم بن عامر بن الحرث قال توضأت جويرية بنت الحارث وهي عمته
قال فأردت أن أتوضأ بفضل وضوئها فجذبت الإناء ونهتني وأمرتني أن أهريقه قال
فأهرقته
وقال حدثنا الهيثم بن جميل عن شريك عن مهاجر الصائغ عن ابن لعبدالرحمن بن عوف أنه دخل على أم سلمة ففعلت به مثل ذلك
فهؤلاء ثلاثة عبد الله بن سرجس وجويرية وأم سلمة
وخالفهم في ذلك ابن عباس وابن عمر قال أبو عبيد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم
عن أيوب عن أبي زيد المديني عن ابن عباس أنه سئل عن سؤر المرأة فقال هي
ألطف بنانا وأطيب ريحا حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسا بسؤر المرأة إلا أن تكون حائضا أو جنبا
واختلف الفقهاء أيضا في ذلك على قولين
أحدهما المنع من الوضوء بالماء الذي تخلو به قال أحمد وقد كرهه غير واحد
من الصحابة وهذا هو المشهور من الروايتين عن أحمد وهو قول الحسن
والقول الثاني يجوز الوضوء به
وهو قول أكثر أهل العلم واحتجوا بما رواه مسلم صحيحه عن ابن عباس أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم كان يغتسل بفضل ميمونة وفي السنن الأربع عن ابن
عباس أيضا أن امرأة من نساء النبي صلى الله عليه و سلم استحمت من جنابة
فجاء النبي صلى الله عليه و سلم يتوضأ من فضلها
فقالت إني اغتسلت منه
فقال إن الماء لا ينجسه شيء وفي رواية لا يجنب
قال الشيخ شمس الدين بن القيم وفي الباب حديث أبي بن كعب عن النبي صلى
الله عليه و سلم قال إن الوضوء شيطانا يقال له الولهان فاتقوا وسواس الماء
رواه الترمذي وقال غريب ليس إسناده بالقوي عند أهل الحديث لا نعلم أحدا
أسنده غير خارجة يعني ابن مصعب قال وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن الحسن
قوله ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه و سلم شيء وخارجة ضعيف
ليس بالقوي عند أصحابنا وضعفه ابن المبارك قال وفي الباب عن عبد الله بن
عمرو وعبد الله بن مغفل
هذا آخر كلامه
والذي صح عن النبي صلى
الله عليه و سلم تسمية شيطان الصلاة الذي يوسوس للمصلي فيها خنرب رواه مسلم
في صحيحه من حديث عمارة ابن أبي العاص الثقفي
قال الشيخ شمس الدين بن القيم حديث زر عن علي هذا فيه المنهال بن عمرو كان ابن حزم يقول لا يقبل في باقة بقل
ومن روايته حديث البراء الطويل في عذاب القبر
والمنهال قد وثقه يحيى بن معين وغيره
والذي غر ابن حزم شيئان أحدهما قول عبد الله بن أحمد عن أبيه
تركه شعبة على عمد
والثاني أنه سمع من داره صوت
طنبور
وقد صرح شعبة بهذه العلة فقال العقيلي عن وهيب قال سمعت شعبة يقول أتيت
المنهال بن عمرو فسمعت عنده صوت طنبور فرجعت ولم أسأله قيل فهلا سألته فعسى
كان لا يعلم به وليس في شيء من هذا ما يقدح فيه
وقال ابن القطان ولا أعلم لهذا الحديث علة
قال الشيخ شمس الدين بن القيم هذا من الأحاديث المشكلة جدا وقد اختلف
مسالك الناس في دفع إشكاله فطائفة ضعفته منهم البخاري والشافعي قال والذي
خالفه أكثر وأثبت منه
وأما الحديث الآخر يعني هذا فليس مما يبت أهل العلم بالحديث لو انفرد
وفي هذا المسلك نظر فإن البخاري روى في صحيحه حديث ابن
عباس رضي الله عنهما كما سيأتي وقال في آخره ثم أخذ غرفة من ماء فرش بها
على رجله اليمنى حتى غسلها ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها يعني رجله اليسرى ثم
قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ
المسلك الثاني أن هذا كان في أول الإسلام ثم نسخ بأحاديث الغسل
وكان ابن عباس أولا يذهب إليه بدليل ما روى الدارقطني حدثنا إبراهيم بن
حماد حدثنا العباس بن يزيد حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا عبد الله بن محمد بن
عقيل أن علي بن الحسين أرسله إلى الربيع بنت معوذ يسألها عن وضوء النبي
صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث وقالت ثم غسل رجليه قالت وقد أتاني ابن عم
لك تعني ابن
عباس فأخبرته فقال ما أجد في الكتاب إلا غسلين ومسحين
ثم رجع ابن عباس عن هذا لما بلغه غسل النبي صلى الله عليه و سلم رجليه
وأوجب الغسل فلعل حديث علي وحديث ابن عباس كانا في أول الأمر ثم نسخ
والذي يدل عليه أن فيه أنه مسح عليهما بدون حائل كما روى هشام بن سعد حدثنا
زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال قال لنا ابن عباس أتحبون أن أحدثكم كيف
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ
فذكر الحديث قال ثم اغترف غرفة أخرى فرش على رجله وفيها النعل واليسرى مثل ذلك ومسح بأسفل الكعبين وقال عبدالعزيز الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس توضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكره قال ثم خذ حفنة من ماء فرش قدميه وهو منتعل المسلك الثالث أن الرواية عن علي وابن عباس مختلفة فروى عنهما هذا وروى عنهما الغسل كما رواه البخاري في الصحيح عن عطاء بن يسار عن ابن عباس فذكر الحديث وقال في آخره أخذ
غرفة من ماء فرش بها على رجله اليمنى حتى غسلها ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله يعني اليسرى فهذا صريح في الغسل
وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن عجلان عن
زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس به وقال ثم غرف غرفة ثم غسل رجله
اليمنى ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى
وقال ورقاء عن زيد عن عطاء عنه ألا أريكم وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكره وقال فيه وغسل رجليه مرة مرة
وقال محمد بن جعفر عن زيد وأخذ حفنة فغسل بها رجله اليمنى وأخذ حفنة فغسل
رجله اليسرى قالوا والذي روى أنه رش عليهما في النعل هو هشام بن سعد وليس
بالحافظ فرواية الجماعة أولى من روايته
على أن سفيان الثوري وهشاما
أيضا رويا ما يوافق الجماعة فرويا عن زيد عن عطاء بن يسار قال قال لي ابن
عباس ألا أريك وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم فتوضأ مرة مرة ثم غسل
رجليه وعليه نعله
وأما حديث علي رضي الله عنه فقال البيهقي روينا من أوجه كثيرة عن علي أنه غسل رجليه في الوضوء
ثم ساق منها حديث عبد خير عنه أنه دعا بوضوء فذكر الحديث وفيه ثم صب بيده
اليمنى ثلاث مرات على قدمه اليمنى ثم غسلها بيده اليسرى ثم قال هذا طهور
نبي صلى الله عليه و سلم
ومنها حديث زر بن حبيش عنه أنه سئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث وفيه وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا
ومنها حديث أبي حية عنه رأيت عليا توضأ الحديث وفيه وغسل قدميه إلى
الكعبين ثم قال أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه و سلم
قالوا وإذا اختلفت الروايات عن علي وابن عباس وكان مع أحدهما رواية الجماعة فهي أولى
المسلك الرابع أن أحاديث الرش والمسح إنما هي وضوء تجديد للطاهر لا طهارة
رفع حدث بدليل ما رواه شعبة حدثنا عبدالملك بن ميسرة قال سمعت النزال بن
سبرة يحدث عن علي أنه صلى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى
حضرت صلاة العصر ثم أتى بكوز من ماء فأخذ منه حفنة واحدة فمسح بها وجهه
ويديه ورأسه ورجليه ثم قام فشرب فضله وهو قائم ثم قال إن أناسا يكرهون
الشرب قائما وإن رسول الله صلى الله عليه و سلم صنع كما صنعت
وقال هذا وضوء من لم يحدث
رواه البخاري بمعناه قال البيهقي في هذا الحديث الثابت دلالة على أن الحديث الذي روى عن
النبي صلى الله عليه و سلم في المسح على الرجلين إن صح فإنما عنى به وهو
طاهر غير محدث إلا أن بعض الرواة كأنه اختصر الحديث فلم ينقل قوله هذا وضوء
من لم يحدث وقال أحمد حدثنا ابن الأشجعي عن أبيه عن سفيان عن السدى عن عبد
خير عن علي إنه دعا بكوز من ماء ثم قال ثم توضأ وضوءا خفيفا ومسح على
نعليه ثم قال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لم يحدث وفي رواية
للطاهر ما لم يحدث
قال وفي هذا دلالة على أن ما روي عن علي في المسح
على النعلين إنما هو في وضوء متطوع به لا في وضوء واجب عليه من حدث يوجب
الوضوء أو أراد غسل الرجلين في النعلين أو أراد أنه مسح على جوربيه ونعليه
كما رواه عنه بعض الرواة مقيدا بالجوربين وأراد به جوربين منعلين
قلت هذا هو المسلك الخامس أن مسحه رجليه ورشه عليهما لأنهما كانتا مستورتين بالجوربين في النعلين
والدليل عليه ما رواه سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم توضأ مرة مرة ومسح على نعليه
لكن تفرد به رواد بن الجراح عن الثوري والثقات رووه عن الثوري بدون هذه الزيادة
وقد رواه الطبراني من حديث زيد بن الحباب عن سفيان فذكره بإسناده ومتنه أن
النبي صلى الله عليه و سلم مسح على النعلين وروى أبو داود من حديث هشيم عن
يعلى بن عطاء عن أبيه أخبرني أويس بن أبي أويس الثقفي قال رأيت رسول الله
صلى الله عليه و سلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه فقوله مسح على نطيه كقوله
مسح على خفيه
والنعل لا تكون ساترة لمحل المسح إلا إذا كان عليها جورب فلعله مسح على نعل الجورب فقال مسح على نعليه
المسلك السادس أن الرجل لها ثلاثة أحوال حال تكون في الخف فيجزي مسح
ساترها وحال تكون حافية فيجب غسلها فهاتان مرتبتان وهما كشفها وسترها ففي
حال كشفها لها أعلى مراتب الطهارة وهي الغسل التام وفي حال استتارها لها
أدناها وهي المسح على الحائل ولها حالة ثالثة وهي حالما تكون في النعل وهي
حالة متوسطة بين كتفها وبين سترها بالخف فأعطيت حالة متوسطة من الطهارة وهي
الرش فإنه بين الغسل والمسح
وحيث أطلق لفظ المسح عليها في هذه الحال فالمراد به الرش لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى
وهذا مذهب كما ترى لو كان يعلم قائل معين
ولكن يحكى عن طائفة لا أعلم منهم معينا وبالجملة فهو خير من مسلك الشيعة
في هذا الحديث وهو المسلك السابع أنه دليل على أن فرض الرجلين المسح وحكي
عن داود الجواري وابن عباس وحكي عن ابن جرير أنه مخير بين الأمرين فأما
حكايته عن ابن عباس فقد تقدمت وأما حكايته عن ابن جرير فغلط بين وهذه كتبه
وتفسيره كله يكذب هذا النقل عليه وإنما دخلت الشبهة لأن ابن جرير القائل
بهذه المقالة رجل آخر من الشيعة يوافقه في إسمه واسم أبيه وقد رأيت له
مؤلفات في أصول مذهب الشيعة وفروعهم
فهذه سبعة مسالك للناس في هذا الحديث
وبالجملة فالذين رووا وضوء النبي صلى الله عليه و سلم مثل عثمان بن عفان
وأبي هريرة وعبد الله بن زيد بن عاصم وجابر بن عبد الله والمغيرة بن شعبة
والربيع بنت معوذ والمقدام بن معد يكرب ومعاوية بن أبي سفيان وجد طلحة بن
مصرف وأنس بن مالك وأبي أمامة الباهلي وغيرهم رضي الله عنهم لم يذكر أحد
منهم ما ذكر في حديث علي وابن عباس مع الاختلاف المذكور عليهما
والله أعلم
قال الشيخ شمس الدين بن القيم وقال عثمان ين سعيد الدارمي سمعت علي بن
المديني يقول قلت لسفيان إن ليثا روى عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه
رأى النبي صلى الله عليه و سلم توضأ فأنكر سفيان ذلك وعجب أن يكون جد طلحة
لقي النبي صلى الله عليه و سلم
قال علي سألت عبدالرحمن بن مهدي عن اسم جد طلحة فقال عمرو بن
كعب أو كعب بن عمرو وكانت له صحبة
وقال عباس الدوري قلت ليحي بن معين طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده رأى جده
النبي صلى الله عليه و سلم فقال يحيى المحدثون يقولون قد رآه
وأهل بيت طلحة يقولون ليست له صحبة
قال الشيخ شمس الدين بن القيم قال أبو محمد بن حزم لا يصح حديث أنس هذا
لأنه من طريق الوليد بن زوران 1 وهو مجهول وكذلك أعله ابن القطان بأن
الوليد هذا مجهول الحال وفي هذا التعليل نظر فإن الوليد هذا روى عنه جعفر
بن برقان 2 وحجاج بن منهال وأبو المليح الحسن بن عمر الرقي وغيرهم ولم يعلم
فيه جرح
وقد روى هذا الحديث محمد بن يحيى الذهلي في كتاب علل حديث
الزهري فقال حدثنا محمد بن عبد الله بن خالد الصفار من أصله وكان صدوقا
حدثنا محمد بن حرب حدثنا الزبيدي عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم توضأ فأدخل أصابعه تحت لحيته فخللها بأصابعه ثم قال
هكذا أمرني ربي عزوجل
وهذا إسناد صحيح
وفي الباب حديث عثمان أن
رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يخلل لحيته رواه الترمذي وابن ماجه وقال
الترمذي حسن صحيح وصححه ابن خزيمة وأبو عبد الله الحاكم وقال أحمد هو أحسن
شيء في الباب وقال الترمذي قال محمد بن إسماعيل البخاري أصح شيء في هذا
الباب حديث
عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان يريد هذا الحديث وقد
أعله ابن حزم فقال هو من طريق إسرائيل وليس بالقوي عن عامر بن شقيق وليس
مشهورا بقوة النقل
وقال في موضع آخر عامر بن شقيق ضعيف
وهذا تعليل باطل فإن إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق احتج به الشيخان وبقية الستة ووثقه الأئمة الكبار
وقال فيه أبو حاتم ثقة متقن من أتقن أصحاب أبي إسحاق ووثقه ابن معين وأحمد وكان يتعجب من حفظه
والذي غر أبا محمد بن حزم قول أحمد في رواية ابنه صالح إسرائيل عن أبي إسحاق فيه لين سمع منه بآخرة
وهذا الحديث ليس من روايته عن أبي إسحاق فلا يحتاج إلى جواب وأما عامر بن
شقيق فقال النسائي ليس به بأس وروي عن ابن أبي معين تضعيفه روى له أهل
السنن الأربعة
وفي الباب حديث عائشة رواه أبو عبيد يعني في كتاب
الطهور عن حجاج عن شعبة عن عمرو بن أبي وهب الخزاعي عن موسى بن مروان
البجلي عن طلحة بن عبد الله بن كريز عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه
و سلم إذا توضأ خلل لحيته
وفي الباب حديث عمار بن ياسر رواه الطبراني
عن الدبري عن عبدالرزاق عن ابن عيينة عن عبدالكريم عن حسان بن بلال أن
عمار بن ياسر توضأ فخلل لحيته فقيل له ما هذا قال رأيت النبي صلى الله عليه
و سلم يخلل لحيته
وقد أعله ابن حزم بعلتين إحداهما أنه قال حسان بن بلال مجهول
والثانية قال لا نعرف له لقاء لعمار بن ياسر
فأما العلة الأولى فإن حسانا روى عنه أبو قلابة
وجعفر بن أبي وحشية وقتادة ويحيى بن أبي كثير ومطر الوراق وابن أبي المخارق وغيرهم وروى له الترمذي والنسائي وابن ماجه
قال علي بن المديني كان ثقة
ولم يحفظ فيه تضعيف لأحد
وأما العلة الثانية فباطلة أيضا
فإن الترمذي رواه من طريقين إلى حسان أحدهما عن ابن أبي عمر عن سفيان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان عن عمار
والثاني عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن عبدالكريم بن أبي المخارق عن
حسان قال رأيت عمارا توضأ فخلل لحيته وفيه ولقد رأيت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يخلل لحيته وعلة هذا الحديث المؤثرة هي ما قاله الإمام أحمد في
رواية ابن منصور عنه قال قال ابن عيينة لم يسمع عبدالكريم من حسان بن بلال
حديث التخليل
قال الترمذي سمعت إسحاق بن منصور يقول سمعت أحمد بن حنبل فذكره
وذكر الحافظ ابن عساكر عن البخاري مثل ذلك وقال الإمام أحمد لا يثبت في تخليل اللحية توضأ حديث
وفي الباب حديث ابن أبي أوفى رواه أبو عبيد عن مروان بن معاوية عن أبي
الورقاء عنه أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخلل لحيته
وفيه حديث أبي أيوب رواه أبو عبيد عن محمد بن ربيعة عن واصل بن السائب
الرقاشي عن أبي سورة عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم توضأ فخلل
لحيته
قلت وتصحيح ابن القطان لحديث أنس من طريق الذهلي فيه نظر فإن
الذهلي أعله فقال في الزهريات وحدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا محمد بن حرب عن
الزبيدي أنه بلغه عن أنس بن مالك فذكره قال الذهلي هذا هو المحفوظ قال ابن
القطان وهذا لا يضره فإنه ليس من لم يحفظ حجة على من حفظ
والصفار قد
عين شيخ الزبيدي فيه وبين أنه الزهري حتى لو قلنا إن محمد بن حرب حدث به
تارة فقال فيه عن الزبيدي بلغني عن أنس لم يضره ذلك فقد يراجع كتابه فيعرف
منه أن الذي حدث به الزهري فيحدث به عنه فأخذه عن الصفار هكذا
وهذه
التجويزات لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله ويعلمون أن الحديث معلول
بإرسال الزبيدي له ولهم ذوق لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات
والإحتمالات
ولهذا الحديث طريق أخرى رواه الطبراني في المعجم الكبير
من حديث أبي حفص العبدي عن ثابت عن أنس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و
سلم توضأ فذكره كما تقدم
وأبو حفص وثقه أحمد وقال لا أعلم إلا خيرا ووثقه ابن معين وقال عبدالصمد بن عبدالوارث ثقة وفوق الثقة
فهذه ثلاث طرق حسنة
وذكر الحاكم المستدرك حديث عثمان في ذلك ثم قال وله شاهد صحيح من حديث أنس
ورواه ابن ماجه في سننه من حديث يحيى بن كثير أبي النضر صاحب البصري عن
يزيد الرقاشي عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا توضأ خلل لحيته
وفرج أصابعه مرتين
قال الدارقطني أبو النضر هذا متروك
وقال النسائي يزيد الرقاشي متروك
ورواه ابن عدي من حديث هاشم بن سعد عن محمد ابن زياد عن أنس مرفوعا ثم قال ابن عدي وهاشم هذا مقدار ما يرويه لا يتابع عليه
ورواه البيهقي في السنن من حديث إبراهيم الصائغ عن أبي خالد عن أنس مرفوعا وأبو خالد هذا مجهول
فهذه ثلاث طرق ضيقة والثلاثة الأولى أقوى منها
وأما حديث عمار فقد تقدم تعليل أحمد والبخاري له من طريق عبدالكريم وأما
طريق ابن عيينة عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن حسان فقال ابن أبي حاتم في
كتاب العلل سألت أبي عن حديث رواه
ابن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة
فذكره فقال أبي لم يحدث بهذا أحد سوى ابن عيينة عن ابن أبي عروبة قلت هو
صحيح قال لو كان صحيحا لكان في مصنفات ابن أبي عروبة ولم يصرح فيه ابن
عيينة بالتحديث وهذا مما يوهنه
يريد بذلك أنه لعله دلسه
قلت وقد سئل الإمام أحمد عن هذا الحديث فقال إما أن يكون الحميدي اختلط وإما أن يكون من حدث عنه خلط
ولكن متابعة ابن أبي عمر له ترفع هذه العدة
والله أعلم
وقد رويت أحاديث التخليل من حديث عثمان وعلي وأنس وابن عباس وابن عمر
وعائشة وأم سلمة وعمار بن ياسر وأبي أيوب وابن أبي أوفى وأبي أمامة وجابر
بن عبد الله وجرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنهم ولكن قال عبد الله بن
أحمد قال أبي ليس يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم في التحليل شيء
وقال الخلال في كتاب العلل أخبرنا أبو داود قال قلت لأحمد
تخليل اللحية قال قد روى فيه أحاديث ليس يثبت منها حديث وأحسن شيء فيها حديث شقيق عن عثمان
وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم في كتاب العلل سمعت أبي يقول لا يثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم في تخليل اللحية حديث
قلت وحديث ابن عباس من رواية نافع مولى يوسف السلمي قال العقيلي
لا يتابع عليه منكر الحديث
وقال أبو حاتم متروك الحديث وحديث ابن عمر رواه الدراقطني
وقال الصواب أنه موقوف على ابن عمر
وكذلك قال عبدالحق الصحيح أنه من فعل ابن عمر غير مرفوع
وله علة أخرى ذكرها ابن أبي حاتم عن أبيه وهي أن الوليد بن مسلم حدث به الأوزاعي مرسلا وعبدالحميد رفعه عنه
والصواب رواية ابن المغيرة عنه موقوفا
وذكرها الخلال في كتاب العلل عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفا
ثم حكى عن جعفر بن محمد أنه قال قال أحمد ليس في التخليل أصح من هذا يعني الموقوف
وأما حديث أبي أيوب فذكره الترمذي في كتاب العلل وقال سألت محمدا عنه فقال لا شيء
فقلت أبو سورة ما اسمه فقال ما أدرى ما يصنع به عنده مناكير ولا يعرف له سماع من أبي أيوب
ورواه ابن ماجه في سننه من حديث ابن أبي أوفى من رواية فائد أبي الورقاء وهو متروك باتفاقهم
وحديث أبي أمامة رواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث أبي غالب عن أبي أمامة
وأبو غالب ضعفه النسائي ووثقة الدارقطني
وقال ابن معين صالح الحديث
وصحح له الترمذي
وحديث جابر ضعيف جدا
وحديث جرير ذكره ابن عدي من حديث ياسين بن معاذ الزيات عن ربعي بن حراش عن جرير مرفوعا وياسين متروك عند النسائي والجماعة
وحديث عائشة رواه أحمد في مسنده
وحديث أم سلمة ذكره الترمذي في كتابه معلقا فقال وفي الباب عن أم سلمة وذكر جماعة من الصحابة
قال الشيخ شمس الدين ابن القيم قال ابن المدر ويمسح على العمامة لثبوت ذلك
عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
وقال
الجوزجاني روى المسح على العمامة عن النبي صلى الله عليه و سلم سلمان
الفارسي وثوبان وأبو أمامة وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبه وأبو موسى وفعله
الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه
وقال عمر بن
الخطاب من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله
قال والمسح على العمامة سنة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ماضية مشهورة عند ذوي القناعة من أهل العلم في الأمصار
وحكاه عن ابن أبي شيبة وأبي خيثمة زهير بن حرب وسليمان بن داود الهاشمي مذهبا لهم
ورواه أيضا عمرو بن أمية الضمري وبلال
فأما حديث سلمان رأيها رسول الله صلى الله عليه و سلم توضأ ومسح على الخفين والخمار
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله وقد أعل أبو محمد بن حزم حديث خزيمة هذا
بأن قال رواه عنه أبو عبد الله الجدلي صاحب راية الكافر المختار لا يعتمد
على روايته
وهذا تعليل في غاية الفساد فإن أبا عبد الله الجدلي قد
وثقه الأئمة أحمد ويحيى وصحح الترمذي حديثه ولا يعلم أحد من أئمة الحديث
طعن فيه
وأما كونه صاحب راية المختار فإن المختار ابن أبي عبيد الثقفي
إنما أظهر الخروج لأخذه بثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما والانتصار له
من قتلته وقد طعن أبو محمد بن حزم في أبي الطفيل ورد روايته بكونه كان صاحب
راية المختار أيضا مع أن أبا الطفيل كان من الصحابة ولكن لم يكونوا يعلمون
ما في نفس المختار وما يسره فرد رواية الصاحب والتابع الثقة بذلك باطل
وأيضا فقد روى ابن ماجه هذا الحديث عن علي بن
محمد عن وكيع عن سفيان عن أبيه عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن خزيمة
فهذا عمرو بن ميمون قد تابع أبا عبد الله الجدلي وكلاهما ثقة صدوق
وقد قيل إن عمرو بن ميمون رواه أيضا عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة
فإن صح ذلك لم يضره شيئا فلعله سمعه من أبي عبد الله فرواه عنه ثم سمعه من خزيمة فرواه عنه
قال الشيخ الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد اختلف فيه على يحيى بن
أيوب اختلافا كثيرا وعبدالرحمن ومحمد بن يزيد وأيوب بن قطن مجهولون كلهم
وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق يحيى بن عثمان بن صالح ويحيى بن
معين كلاهما عن عمرو بن الربيع بن طارق أخبرنا محمد بن أيوب عن عبدالرحمن
بن رزين عن محمد بن
يزيد بن أبي زياد قال يحيى شيخ من أهل مصر عن عبادة بن نسى الحديث
قال الحاكم هذا إسناد مصري لم ينسب واحد منهم إلى جرح
وهذا مذهب مالك ولم يخرجاه
والعجب من الحاكم كيف يكون هذا مستدركا على الصحيحين ورواته لا يعرفون بجرح ولا بتعديل والله أعلم
قال الشيخ الحافظ شمس الدين بن القيم وقال النسائي ما نعلم أن أحدا تابع
هزيلا على هذه الرواية والصحيح عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه و سلم
مسح على الخفين
وقال البيهقي قال أبو محمد يعني يحيى بن منصور رأيت
مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر وقال أبو قيس الأدوي وهزيل بن شرحبيل لا
يحتملان هذا مع مخالفتهما
جملة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة فقالوا مسح على الخفين وقال لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل
قال فذكرت هذه الحكاية عن مسلم لأبي العباس الدغولي فسمعته يقول سمعت علي
بن مخلد بن سنان يقول سمعت أبا قدامة السرخسي يقول قال عبدالرحمن بن مهدي
قلت لسفيان الثوري لو رجل حدثني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منه فقال
سفيان الحديث ضعيف أو واه أو كلمة نحوها
وقال عبد الله بن أحمد حدثت
أبي بهذا الحديث فقال أبي ليس يروي هذا إلا من حديث أبي قيس قال أبي أبي
عبدالرحمن بن مهدي أن يحدث به يقول هو منكر
وقال ابن البراء قال علي
بن المديني حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة
وأهل الكوفة وأهل البصرة ورواه هزيل بن شرحبيل عن المغيرة إلا أنه قال ومسح
على الجوربين وخالف الناس
وقال الفضل بن عتبان سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس
قال ابن المنذر روى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي صلى الله
عليه و سلم علي وعمار وأبي مسعود الأنصاري وأنس وابن عمر والبراء وبلال
وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن سعد وزاد أبو داود وأبو أمامه وعمرو بن حريث
وعمر وابن عباس
فهؤلاء ثلاثة عشر صحابيا
والعمدة في الجواز على هؤلاء رضي الله عنهم لا على حديث أبي قيس
مع أن المنازعين في المسح متناقضون فإنهم لو كان هذا الحديث من جانبهم
لقالوا هذه زيادة والزيادة من الثقة مقبولة ولا يلتفتون إلى ما ذكروه ههنا
من تفرد أبي قيس
فإذا كان الحديث مخالفا لهم أعلوه بتفرد راويه ولم يقولوا زيادة الثقة مقبولة كما هو
موجود في تصرفاتهم والإنصاف أن تكتال لمنازعك بالصاع الذي تكتال به لنفسك
فإن في كل شيء وفاء وتطفيفا ونحن لا نرضي هذه الطريقة ولا نعتمد على حديث
أبي قيس
وقد نص أحمد على جواز المسح على الجوربين وعلل رواية أبي قيس
وهذا من إنصافه وعدله رحمه الله وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس
فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه
والمسح عليهما قول أكثر أهل العلم
منهم من سمينا من الصحابة وأحمد وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن المبارك
وسفيان الثوري وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وسعيد بن المسيب وأبو يوسف
ولا نعرف في الصحابة مخالفا لمن سمينا
وأما حديث أبي موسى الذي أشار إليه أبو داود فرواه البيهقي من حديث عيسى
بن يونس عن أبي سنان عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبدالرحمن عن أبي موسى قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يمسح على الجوربين والنعلين
وهذا الحديث له علتان ذكرهما البيهقي
إحداهما أن الضحاك بن عبدالرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى
والثانية أن عيسى بن سنان ضعيف
قال البيهقي وتأول الأستاذ أبو الوليد حديث المسح على الجوربين والنعلين
على أنه مسح على جوربين منعلين لا أنه جورب على الانفراد ونعل على الإنفراد
قلت هذا مبني على أنه يستحب مسح أعلى الخف وأسفله والبيان في ذلك 1 والظاهر أنه مسح على الجوربين الملبوس عليهما نعلان منفصلان
هذا المفهوم منه فإنه فصل بينهما وجعلهما سنتين
ولو كانا جوربين منعلين لقال مسح على الجوربين المنعلين
وأيضا فإن الجلد الذي في أسفل الجورب لا يسمى
نعلا في لغة العرب ولا أطلق عليه أحد هذا الإسم
وأيضا فالمنقول عن عمر بن الخطاب في ذلك أنه مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم مع الجورب فأما أسفله وعقبه فلا
وفيه وجه آخر أنه يمسح على الجورب وأسفل النعل وعقبة
والوجهان ولأصحاب أحمد
وأيضا فإن تجليد أسافل الجوربين لا يخرجهما عن كونهما جوربين ولا يؤثر
اشتراط ذلك في المسح وأي فرق بين أن يكونا مجلدين أو غير مجلدين وقول مسلم
رحمه الله لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل جوابه من وجهين أحدهما
أن ظاهر القرآن لا ينفي المسح على الجوربين إلا كما ينفي المسح على الخفين
وما كان الجواب عن مورد الإجماع فهو الجواب في مسألة النزاع
الثاني أن
الذين سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه و سلم وعرفوا تأويله مسحوا على
الجوربين وهم أعلم الأمة بظاهر القرآن ومراد الله منه
والله أعلم
قال الشيخ شمس الدين بن القيم قال إبراهيم حديث المغيرة هذا قد ذكر له
أربع علل إحداهما أن ثور بن يزيد لم يسمعه من رجاء بن حيوة بل قال حدثت عن
رجاء
قال عبد الله بن أحمد في كتاب العلل حدثنا أبي قال وقال
عبدالرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن ثور بن يزيد قال حدثت عن رجاء
بن حيوية عن كاتب المغيرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مسح أعلى
الخفين وأسفلهما
العلة الثانية أنه مرسل قال الترمذي سألت أبا زرعة
ومحمدا عن هذا الحديث فقالا ليس بصحيح لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن
رجاء قال حدثت عن النبي صلى الله عليه و سلم
العلة الثالثة أن الوليد
بن مسلم لم يصرح فيه بالسماع من ثور بن يزيد بل قال فيه عن ثور والوليد
مدلس فلا يحتج بعنعنته ما لم يصرح بالسماع
العلة الرابعة أن كاتب المغيرة لم يسم فيه فهو مجهول
ذكر أبو محمد بن حزم هذه العلة
وفي هذه العلل نظر
أما العلتان الأولى والثانية وهما أن ثورا لم يسمعه من رجاء وأنه مرسل فقد
قال الدارقطني في سننه حدثنا عبد الله بن محمد بن عبدالعزيز حدثنا داود بن
رشيد حدثنا الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد قال حدثنا رجاء بن حيوة عن كاتب
المغيرة بن شعبة عن المغيرة فذكره
فقد صرح في هذه الرواية بالتحديث وبالاتصال فانتفى الإرسال عنه
وأما العلة الثالثة وهي تدليس الوليد وأنه لم يصرح بسماعه فقد رواه أبو
داود عن محمود بن خالد الدمشقي حدثنا الوليد حدثنا ثور بن يزيد
فقد أمن تدليس الوليد في هذا
وأما العلة الرابعة وهي جهالة كاتب المغيرة فقد رواه ابن ماجه في سننه وقال عن رجاء بن حيوة عن
وراد كاتب المغيرة عن المغيرة
وقال شيخنا أبو الحجاج المزي رواه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن عبدالملك بن عمير عن وراد عن المغيرة
تم كلامه
وأيضا فالمعروف بكتابة بكاتب المغيرة هو مولاه وراد
وقد خرج له في الصحيحين وإنما ترك ذكر إسمه في هذه الرواية لشهرته وعدم
التباسه بغيره ومن له خبره بالحديث ورواته لا يتمارى في أنه وراد كاتبه
وبعد فهذا حديث قد ضعفه الأئمة الكبار البخاري وأبو زرعة والترمذي وأبو داود والشافعي ومن المتأخرين أبو محمد بن حزم
وهو الصواب لأن الأحاديث الصحيحة كلها تخالفه
وهذه العلل وإن كان بعضها غير مؤثر فمنها ما هو مؤثر مانع من صحة الحديث
وقد تفرد الوليد بن مسلم بإسناده ووصله وخالفه من هو أحفظ منه وأجل وهو
الإمام الثبت عبد الله بن المبارك فرواه عن ثور عن رجاء قال حدثت عن كاتب
المغيرة عن النبي صلى الله عليه و سلم وإذا اختلف عبد الله بن المبارك
والوليد بن مسلم فالقول ما قال عبد الله
وقد قال بعض الحفاظ أخطأ الوليد بن مسلم في هذا الحديث في موضعين أحدهما أن رجاء لم يسمعه من كاتب المغيرة وإنما قال حدثت عنه
والثاني أن ثورا لم يسمعه من رجاء
وخطأ ثالث أن الصواب إرساله
فميز الحفاظ ذلك كله في الحديث وبينوه ورواه الوليد معنعنا من غير تبيين والله أعلم
قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله هكذا علل أبو محمد المنذري وابن حزم هذا الحديث برواية بقية له
وزاد ابن حزم تعليلا آخر وهو أن راويه مجهول لا يدرى من هو
والجواب عن هاتين العلتين أما الأولى فإن بقية ثقة في نفسه صدوق حافظ
وإنما نقم عليه التدليس مع كثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين وأما إذا صرح
بالسماع فهو حجة
وقد صرح في هذا الحديث بسماعه له
قال أحمد في
مسنده حدثنا إبراهيم بن أبي العباس حدثنا بقية حدثني يحيى بن سعيد عن خالد
بن معدان عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فذكر الحديث
وقال فأمره أن يعيد الوضوء
قال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل هذا إسناد جيد قال جيد
وأما العلة الثانية فباطلة أيضا على أصل ابن حزم وأصل سائر أهل الحديث فإن عندهم جهالة الصحابي لا تقدح في الحديث لثبوت عدالتهم جميعا وأما أصل ابن حزم فإنه قال في كتابه في أثناء مسألة كل نساء النبي صلى الله عليه و سلم ثقات فواضل عند الله عز و جل مقدسات بيقين
قال الشيخ شمس الدين بن
القيم نقض الوضوء من مس الذكر فيه حديث بسرة قال الدارقطني قد صح سماع عروة
من بسرة هذا الحديث وبسرة هذه من الصحابيات الفضليات
قال مالك أتدرون من بسرة بنت صفوان هي جدة عبدالملك بن مروان أم أمه فاعرفوها
وقال مصعب الزبيري هي بنت صفوان بن نوفل من المبايعات وورقة بن نوفل عمها
وقد ظلم من تكلم في بسرة وتعدى
وفي الموطأ في حديثها من رواية ابن بكير إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة
وفيه حديث أبي هريرة يرفعه إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينه
شيء فليتوضأ رواه الشافعي عن سلمان بن عمرو ومحمد بن عبد الله عن يزيد بن
عبد الله الهاشمي عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال ابن السكن هذا
الحديث من أجود ما روى في هذا الباب
قال ابن عبدالبر كان حديث أبي هريرة لا يعرف إلا بيزيد بن عبدالملك النوفلي عن سعيد عن أبي هريرة
ويزيد ضعيف حتى رواه أصبغ بن الفرج عن ابن القاسم عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبدالملك جميعا عن سعيد عن أبي
هريرة قال فصح الحديث بنقل العدل عن العدل على ما قال ابن السكن إلا أن
أحمد بن حنبل كان لا يرضي نافع بن أبي نعيم وخالفه ابن معين فقال هو ثقة
قال الحازمي وقد روى عن نافع بن عمر الجمحي عن سعيد كما رواه يزيد وإذا اجتمعت هذه الطرق دلتنا على أن له أصلا من رواية أبي هريرة
وفي الباب حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ
قال الحازمي هذا إسناد صحيح لأن إسحاق بن راهويه رواه في مسنده حدثنا بقية بن الوليد حدثني الزبيدي حدثني عمرو فذكره
وبقية ثقة في نفسه وإذا روى عن المعروفين فمحتج به وقد احتج به مسلم ومن بعده من أصحاب الصحيح
والزبيدي محمد بن الوليد إمام محتج به
وعمرو بن شعيب ثقة باتفاق أئمة الحديث قال وإذا روى عن غير أبيه لم يختلف
أحد في الاحتجاج به وأما رواياته عن أبيه عن جده فالأكثرون على أنها متصلة
ليس فيها إرسال ولا انقطاع
وذكر الترمذي في كتاب العلل له عن البخاري أنه قال حديث عبد الله بن عمرو في هذا الباب في باب مس الذكر هو عندي صحيح
قال الحازمي وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن عمرو بن شعيب فلا يظن أنه من مفاريد بقية
وأما حديث طلق فقد رجح حديث بسرة وغيره عليه من وجوه أحدها ضعفه
والثاني أن طلقا قد اختلف عنه فروى عنه هل هو إلا بضعة منك وروى أيوب بن
عتبة عن قيس بن طلق عن أبيه مرفوعا من مس فرجه فليتوضأ رواه الطبراني وقال
لم يروه عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد
وهما عندي صحيحان يشبه أن
يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه و سلم قبل هذا ثم سمع هذا
بعده فوافق حديث بسرة وأم حبيبة وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني وغيرهم
فسمع الناسخ والمنسوخ
الثالث أن حديث طلق لو صح لكان حديث أبي هريرة
ومن معه مقدما عليه لأن طلقا قدم المدينة وهم يبنون المسجد فذكر الحديث
وفيه قصة مس الذكر وأبو هريرة أسلم عام خيبر بعد ذلك بست سنين وإنما يؤخذ
بالأحدث فالأحدث من أمره صلى الله عليه و سلم
الرابع أن حديث طلق مبقي على الأصل وحديث بسرة ناقل والناقل مقدم لأن أحكام الشارع ناقله عما كانوا عليه
الخامس أن رواة النقض أكثر وأحاديثه أشهر فإنه من رواية بسرة وأم حبيبة وأبي هريرة وأبي أيوب وزيد بن خالد
السادس أنه قد ثبت الفرق بين الذكر وسائر الجسد في النظر والحس فثبت عن
رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه فدل أن
الذكر لا يشبه سائر الجسد ولهذا صان اليمين عن مسه فدل على أنه ليس بمنزلة
الأنف والفخذ والرجل فلو كان كما قال المانعون إنه بمنزلة الإبهام واليد
والرجل لم ينه عن مسه باليمين
والله أعلم
السابع أنه لو قدر
تعارض الحديثان من كل وجه لكان الترجيح لحديث النقض لقول أكثر الصحابة منهم
عمر بن الخطاب وابنه وأبو أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبو هريرة وعبد
الله بن عمرو وجابر وعائشة وأم حبيبة وبسرة بنت صفوان رضي الله عنهم وعن
سعد بن أبي وقاص روايتان وعن ابن عباس رضي الله عنهما روايتان
قال الحافظ بن القيم رحمه الله وقد أعل ابن المديني حديث جابر بن سمرة في الوضوء من لحوم الإبل
قال محمد بن أحمد بن البراء قال علي جعفر مجهول يريد جعفر بن أبي ثور راويه عن جابر
وهذا تعليل ضعيف
قال البخاري في التاريخ جعفر بن أبي ثور جده جابر بن سمرة
قال سفيان وزكريا وزائدة عن سماك عن جعفر بن أبي ثور عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم في اللحوم
قال البخاري وقال أهل النسب ولد جابر بن سمرة خالد وطلحة ومسلمة وهو أبو ثور
قال وقال شعبة عن سماك عن أبي ثور بن عكرمة بن جابر بن سمرة عن جابر
قال الترمذي في العلل حديث سفيان الثوري أصح من حديث شعبة وشعبة
أخطأ فيه فقال عن أبي ثور وإنما هو جعفر بن أبي ثور
قال البيهقي وجعفر بن أبي ثور رجل مشهور وهو من ولد جابر بن سمرة روى عن
سماك بن حرب وعثمان بن عبد الله بن موهب وأشعث بن أبي الشعثاء
قال ابن خزيمة وهؤلاء الثلاثة من أجلة رواة الحديث قال البهيقي ومن روى عنه مثل هؤلاء خرج عن مجهولا ولهذا أودعه مسلم كتابه الصحيح
قال البيهقي وأخبرنا أبو بكر
أحمد بن علي الحافظ حدثنا إبراهيم بن عبد الله الأصفهاني قال قال محمد بن
إسحاق بن خزيمة لم نر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة
النقل لعدالة ناقليه قال البيهقي وروينا عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي
الله عنهم الوضوء مما خرج وليس مما دخل وإنما قالا ذلك في ترك الوضوء مما
مست النار
ثم ذكر عن ابن مسعود أنه أتى بقصعة من الكبد والسنام من لحم الجزور فأكل ولم يتوضأ قال وهذا منقطع وموقوف
وروى عن أبي عبيدة قال كان عبد الله بن مسعود يأكل من ألوان الطعام ولا يتوضأ منه
قال البيهقي وبمثل هذا لا يترك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
هذا كلامه في السنن الكبير
وهو كما ترى صريح في اختياره القول بأحاديث النقض
واختاره ابن خزيمة
ومن العجب معارضة هذه الأحاديث بحديث جابر كان آخر الأمرين من رسول الله
صلى الله عليه و سلم ترك الوضوء مما مست النار ولا تعارض بينهما أصلا فإن
حديث جابر هذا إنما يدل على أن كونه ممسوسا بالنار ليس جهة من جهات نقض
الوضوء ومن نازعكم في هذا نعم هذا يصلح أن يحتجوا به على من يوجب الوضوء
مما مست النار على صعوبة تقرير دلالته وأما من يجعل كون اللحم لحم إبل هو
الموجب للوضوء سواء مسته النار أم لم تمسه فيوجب الوضوء من نيئه ومطبوخه
وقديده فكيف يحتج عليه بهذا الحديث وحتى لو كان لحم الإبل فردا من أفراده
فإنما دلالته بطريق العموم فكيف يقدم على الخاص هذا مع أن العموم لم يستفد
ضمنا من كلام صاحب الشرع وإنما هو من قول الراوي
وأيضا فأبين من هذا
كله أنه لم يحك لفظا لا خاصا ولا عاما وإنما حكى أمرين هما فعلان أحدهما
متقدم وهو فعل الوضوء والآخر متأخر وهو تركه من ممسوس النار فهاتان واقعتان
توضأ في إحداهما وترك في الأخرى من شيء معين مسته النار لم يحك لفظا عاما
ولا خاصا ينسخ به اللفظ الصريح الصحيح
وأيضا فإن الحديث قد جاء مثبتا من رواية جابر نفسه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعى إلى طعام فأكل
ثم حضرت الظهر فقام وتوضأ وصلى ثم أكل فحضرت العصر فقام فصلى ولم يتوضأ
فكان آخر الأمرين من رسول الله النبي صلى الله عليه و سلم ترك الوضوء مما
مست النار
فالحديث له قصة فبعض الرواة اقتصر على موضع الحجة فحذف القصة وبعضهم ذكرها وجابر روى الحديث بقصته
والله أعلم
قال الشيخ شمس الدين بن القيم وقد رواه أبو عوانة الاسفرائيني في صحيحه من
حديث سليمان بن حسان عن ابن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن
علي
وفيه يغسل أنثييه وذكره
قال الشيخ شمس الدين بن القيم قال
أبو محمد بن حزم نظرنا في حديث حزام بن حكيم عن عمه فوجدناه لا يصح يعني
حديث عبد الله بن سعد حكيم ضعيف وهو الذي روى غسل الأنثيين من المذي
تم كلامه
وهذا الحديث قد رواه أبو داود عن إبراهيم بن موسى عن عبد الله بن وهب وهما من المتفق على حديثهما عن
معاوية بن صالح
وهو ممن روى له مسلم عن العلاء بن الحارث روى له مسلم أيضا وحزام بن حكيم وثقه غير واحد 1
وعمه هو عبد الله بن سعد الأنصاري صاحب الحديث صحابي
وقوله وهو الذي روى حديث غسل الأنثيين من المذي فالحديث حديث واحد فرقه بعض الرواة وجمعه غيره
وقد روى الأمر بغسل الأنثيين من المذي أبو عوانة في صحيحه من حديث محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن
علي الحديث وفيه فقال النبي صلى الله عليه و سلم يغسل أنثييه وذكره ويتوضأ
وأما حديث معاذ فأعله ابن حزم ببقية بن الوليد وبسعيد الأغطش قال وهو
مجهول وقد ضعفه أبو داود كما تقدم
ورواه الطبراني من طريق إسماعيل بن عياش حدثني سعيد بن عبد الله الخزاعي عن عبدالرحمن بن عائذ الأزدي عن معاذ
وهو منقطع
قال الحافظ شمس الدين بن القيم قال أبو محمد بن حزم نظرنا في حديث أبي إسحاق فوجدناه ثابتا صحيحا تقوم به الحجة
ثم قال وقد قال قوم إن زهير بن معاوية روى عن أبي إسحاق هذا الخبر فقال فيه وإن نام جنبا توضأ وضوء
الرجل للصلاة قال فدل ذلك على أن سفيان اختصره أو وهم فيه
ومدعي هذا الخطأ والاختصار في هذا الحديث هو المخطىء بل نقول إن رواية زهير عن أبي إسحاق صحيحة
ورواية الثوري ومن تابعه عن أبي إسحاق صحيحة
ولم تكن ليلة واحدة فتحمل روايتهم على التضاد بل كان يفعل مرة هذا ومرة هذا
قال ابن معوذ وهذا كله تصحيح للخطأ الفاسد بالخطأ البين
أما حديث أبي إسحاق من رواية الثوري وغيره فأجمع من تقدم من المحدثين ومن
تأخر منهم أنه خطأ منذ زمان أبي إسحاق إلى اليوم وعلى ذلك تلقوه منه وحملوه
عنه وهو أول حديث أو ثان مما ذكره مسلم في كتاب التمييز له مما حمل من
الحديث على الخطأ
وذلك أن عبدالرحمن بن يزيد وإبراهيم النخعي وأين يقع
أبو إسحاق من أحدهما فكيف باجتماعهما على مخالفته رويا الحديث بعينه عن
الأسود بن يزيد عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان جنبا
فأراد أن ينام توضأ وضوءه للصلاة فحكم الأئمة برواية هذين الفقيهين
الجليلين عن الأسود على رواية أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة إنه كان ينام
ولا يمس ماء ثم عضدوا ذلك برواية عروة وأبي سلمة بن عبدالرحمن وعبد الله بن
أبي قيس عن عائشة وبفتوى رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر بذلك حين
استفتاه
وبعض المتأخرين من الفقهاء الذين لا يعتبرون الأسانيد ولا ينظرون الطرق يجمعون بينهما بالتأويل فيقولون لا يمس ماء للغسل
ولا يصح هذا
وفقهاء المحدثين وحفاظهم على ما أعلمتك
وأما الحديث الذي نسبه إلى رواية زهير عن أبي إسحاق فقال فيه وإن نام جنبا
توضأ وحكى أن قوما ادعوا فيه الخطأ والاختصار ثم صححه هو فإنما عنى بذلك
أحمد بن محمد الأزدي فهو الذي رواه بهذا اللفظ وهو الذي ادعى فيه الاختصار
وروايته خطأ ودعواه سهو وغفلة
ورواية زهير عن أبي إسحاق كرواية الثوري وغيره عن أبي إسحاق في هذا المعنى وحديث زهير أتم سياقه
وقد روى مسلم الحديث بكماله في
كتاب الصلاة وقال فيه وإن لم يكن جنبا توضأ للصلاة وأسقط منه وهم أبي إسحاق
وهو قوله ثم ينام قبل أن يمس ماء فأخطأ فيه بعض النقلة فقال وإن نام جنبا
توضأ للصلاة فعمد ابن حزم إلى هذا الخطأ الحادث على زهير فصححه وقد كان صحح
خطأ أبي إسحاق القديم فصحح خطأين متضادين وجمع بين غلطين متنافرين تم
كلامه
قال البيهقي والحفاظ طعنوا في هذه اللفظة وتوهموها مأخوذة عن
غير الأسود وأن أبا إسحاق ربما دلس فرواها من تدليساته بدليل رواية إبراهيم
عن الأسود وعبدالرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و
سلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة ثم ينام رواه مسلم
قال وحديث أبي إسحاق صحيح من جهة الرواية فإن أبا إسحاق بين فيه سماعه من
الأسود والمدلس إذا بين سماعه وكان ثقة فلا وجه لرده
تم كلامه
والصواب ما قاله أئمة الحديث الكبار مثل يزيد بن هارون ومسلم والترمذي وغيرهم من أن هذه اللفظة وهم وغلط
والله أعلم
قال الشيخ بن القيم رحمه الله وقال الدارقطني أفلت بن خليفة صالح
وقد روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي الخطاب الهجري عن محدوج الذهلي عن
جسرة بنت دجاجة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نادى بأعلى
صوته
ألا إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض
قال أبو محمد بن حزم محدوج ساقط وأبو الخطاب مجهول
ثم رواه من طريق عبدالوهاب بن عطاء الخفاف عن ابن أبي عتبة عن إسماعيل عن
جسرة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه و سلم هذا المسجد حرام على كل جنب
من الرجال وحائض من النساء إلا محمدا وأزواجه وعليا وفاطمة قال ابن حزم
عبدالوهاب بن عطاء منكر الحديث وإسماعيل مجهول وليس الأمر كما قال أبو محمد
فقد قال ابن معين في رواية الدوري إنه ثقة وقال في رواية الدارمي وابن أبي
خيثمة ليس به بأس
وقال في رواية الغلابي يكتب حديثه
وقال أحمد كان يحيى بن سعيد حسن الرأي فيه وكان يعرفه معرفة قديمة
وقال صالح بن محمد أنكروا على الخفاف حديثا رواه لثور بن يزيد على
مكحول عن كريب عن ابن عباس في فضل العباس وما أنكروا عليه غيره فكان يحيى
يقول هذا موضوع وعبدالوهاب لم يقل فيه حدثنا ثور ولعله دلس فيه وهو ثقة
وأما إسماعيل فإن كان إسماعيل بن رجاء بن ربيعة الزبيدي فإنه ذكر في ترجمة
ابن أبي عتبة أنه روى عن إسماعيل هذا ولم يذكر في شيوخه إسماعيل غيره فهو
ثقة وروى له مسلم في الصحيح
وبعد فهذا الاستثاء باطل موضوع من زيادة بعض غلاة الشيعة ولم يخرجه ابن ماجه في الحديث
وقال الشيخ شمس الدين بن القيم حديث أم سلمة هذا يدل على أنه ليس على
المرأة أن تنقض شعرها لغسل الجنابة وهذا اتفاق من أهل العلم إلا ما يحكى عن
عبد الله بن عمرو وإبراهيم النخعي أنهما قالا تنقضه ولا يعلم لهما موافق
وقد أنكرت عائشة على عبد الله قوله وقالت يا عجبا لابن عمرو هذا يأمر
النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن ولا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن لقد كنت
أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من إناء واحد
ما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات رواه مسلم
وأما نقضه في غسل الحيض فالمنصوص عن أحمد أنها تنقضه فيه
قال مهنا سألت أحمد عن المرأة تنقض شعرها من الحيض قال نعم
قلت له كيف تنقضه من الحيض ولا تنقضه من الجنابة فقال حدثت أسماء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال تنقضه
فاختلف أصحابه في نصه هذا
فحملته طائفة منهم على الاستحباب وهو قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأجرته طائفة على ظاهره وهو قول الحسن وطاوس
وهو الصحيح لما احتج به أحمد من حديث عائشة أن أسماء سألت النبي صلى الله
عليه و سلم عن غسل المحيض فقال تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فنحسن
الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها الحديث
رواه مسلم
وهذا دليل على أنه لا يكتفي فيه بمجرد إفاضة الماء كغسل
الجنابة ولاسيما فإن في الحديث نفسه وسألته عن غسل الجنابة فقال تأخذ ماء
فتطهر به فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ
شؤون رأسها
ثم تفيض عليها الماء ففرق بين غسل الحيض وغسل الجنابة في هذا الحديث
وجعل غسل الحيض آكد
ولهذا أمر فيه بالسدر المتضمن لنقضه
وفي وجوب السدر قولان هما وجهان لأصحاب أحمد
وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها إذا كانت
حائضا خذي ماءك وسدرك وامتشطي وللبخاري انقضى رأسك وامتشطي وقد روى ابن
ماجه بإسناد صحيح عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها
وكانت حائضا انقضى شعرك واغتسلي والأصل نقض الشعر لتيقن وصول الماء إلى ما
تحته إلا أنه عفى عنه في غسل الجنابة لتكرره ووقوع المشقة الشديدة في نقضه
بخلاف غسل الحيض فإنه في الشهر أو الأشهر مرة ولهذا أمر فيه بثلاثة أشياء
لم يأمر بها في غسل الجنابة أخذ السدر والفرصة الممسكة ونقض الشعر
ولا
يلزم من كون السدر والمسك مستحبا أن يكون النقض كذلك فإن الأمر به لا
معارض له فبأي شيء يدفع وجوبه فإن قيل يدفع وجوبه بما رواه مسلم في صحيحه
من حديث أم سلمة قالت قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه
للحيضة والجنابة قال لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين
عليك الماء فتطهرين وفي الصحيح عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى
الله عليه و سلم من إناء واحد وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات
وفي حديث أبي داود أن امرأة جاءت إلى أم سلمة فسألت لها النبي صلى الله
عليه و سلم عن الغسل وقال فيه واغمزي قرونك عند كل حفنة وحديث عائشة
وإنكارها على عبد الله بن عمرو أمر النساء بنقضهن رؤوسهن دليل على أنه ليس
بواجب
قيل لا حجة في شيء من
هذا
أما حديث سلمة فالصحيح
فيه الاقتصار على ذكر الجنابة دون الحيض وليست لفظة الحيضة فيه محفوظة فإن
هذا الحديث رواه أبو بكر بن أبي شيبة
وإسحاق بن راهويه وعمرو الناقد
وابن أبي عمر كلهم عن ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن
عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت قلت يا رسول الله صلى الله عليه و سلم
إني امرأة أشد ضفر رأسي
فأنقضه لغسل الجنابة فقال لا ذكره مسلم عنهم
وكذلك رواه عمرو الناقد عن يزيد بن هارون عن الثوري عن أيوب بن موسى وراه
عبد بن حميد عن عبدالرزاق عن الثوري عن أيوب وقال أفأنقضه للحيضة والجنابة
قال مسلم وحدثنيه أحمد الدارمي أخبرنا زكريا بن عدي أخبرنا يزيد يعني ابن
زريع عن روح بن القاسم قال حدثنا أيوب بهذا الإسناد وقال أفأحله وأغسله من
الجنابة ولم يذكر الحيضة
فقد اتفق ابن عيينة وروح بن القاسم عن أيوب فاقتصر على الجنابة
واختلف فيه عن الثوري فقال يزيد بن هارون عنه كما قال ابن عيينة وروح وقال
عبدالرزاق عنه أفأنقضه للحيضة والجنابة ورواية الجماعة أولى بالصواب فلو
أن الثوري لم يختلف عليه لترجحت رواية ابن عيينة وروح فكيف وقد روى عنه
يزيد بن هارون مثل رواية الجماعة ومن أعطى النظر حقه علم أن هذه اللفظة
ليست محفوظة في الحديث
وأما حديث عائشة أنها كانت تفرغ على رأسها ثلاث
إفراغات فإنما ذلك في غسل الجنابة كما يدل عليه سياق حديثها فإنها وصفت
غسلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنما كانت تغتسل معه من الجنابة
التي يشتركان فيها لا من الحيض فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن
يغتسل معها من الحيض
وهذا بين
وأما حديث أم سلمة الذي ذكره أبو داود وفيه واغمزي قرونك فإنما هو في غسل الجنابة
وعنه وقع السؤال كما هو مصرح به في الحديث
فإن
قيل فحديث عائشة الذي استدللتم به ليس فيه أمرها بالغسل إنما أمرها
بالامتشاط ولو سلمنا أنه أمرها بالغسل فذاك غسل الإحرام لا غسل الحيض
والمقصود منه التنظيف وإزالة الوسخ ولهذا تؤمر به الحائض حال حدثها
ولو سلمنا أنه أمر الحائض بالنقض وجب حمله على الاستحباب جمعا بين الحديثين
وهو أولى من إلغاء أحدهما والمصير إلى الترجيح فالجواب ما قولكم ليس فيه
أمر بالغسل ففاسد فإنه قال خذي ماءك وسدرك وهذا صريح في الغسل وقوله انقضي
رأسك وامتشطي أمر لها في غسلها بنقض رأسها لا أمر بمجرد النقض والامتشاط
وأما قولكم إنه كان في غسل الاحرام فصحيح وقد بينا أن غسل الحيض آكد
الأغسال وأمر فيه النبي صلى الله عليه و سلم بما لم يأمر به في سواه من
زيادة التطهر والمبالغة فيه فأمرها بنقضه وهو غير رافع لحدث الحيض تنبيه
على وجوب نقضه إذا كان رافعا لحدثه بطريق الأولى
وأما قولكم إنه يحمل
على الاستحباب جمعا بين الحديثين فهذا إنما يكون عند ثبوت تلك الزيادة التي
تنفي النقض للحيض وقد تبين أنها غير ثابتة وأنها ليست محفوظة
قال
الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وهذا الحديث رواه أبو داود من حديث
إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن جبير بن نفير عن ثوبان
وهذا إسناد شامي وأكثر أيمة الحديث يقول حديث إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيح ونص عليه أحمد بن حنبل رضي الله عنه
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قول أبي داود هكذا الرواية
الصحيحة يدل على تصحيحه للحديث وقد حكم أبو عبد الله الحاكم بصحته وأخرجه
في مستدركه وصححه ابن القطان أيضا فإن عبدالحميد بن زيد بن الخطاب أخرجا له
في الصحيحين ووثقه النسائي وأما مقسم فاحتج به البخاري في صحيحه وقال فيه
أبو حاتم صالح الحديث لا بأس به
وأما أبو محمد بن حزم فإنه أعل الحديث بمقسم وضعفه وهو تعليل فاسد وإنما علته المؤثرة وقفه
وقد رواه الطبراني من طريق الثوري عن عبدالكريم وعلي بن بذيمة وخصيف عن مقسم عن ابن عباس فهؤلاء أربعة عن مقسم
وعبدالكريم قال شيخنا أبو الحجاج المزي هو ابن مالك الجزري
وقد رواه شريك عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم في الذي يأتي أهله حائضا يتصدق بنصف دينار رواه النسائي
وأعله أبو محمد بن حزم بشريك وخصيف
قال كلاهما ضعيف فسقط الاحتجاج به
وشريك هذا هو القاضي قال زيد بن الهيثم سمعت يحيى بن معين يقول شريك ثقة
وقال أيضا قلت ليحيى بن معين روى يحيى بن سعيد القطان عن شريك قال لم يكن
شريك عند يحيى بشيء وهو ثقة
وقال العجلي ثقة حسن الحديث واحتج به أهل السنن الأربعة واستشهد به البخاري وروى له مسلم في المتابعات
وأما خصيف فقال ابن معين وابن سعد
ثقة
وقال النسائي صالح روى له أهل السنن الأربعة وفي رواية عن ابن معين ليس به
بأس وعن أحمد قال ليس بالقوي في الحديث وعن علي بن المديني سمعت يحيى يقول
كنا نجتنب خصيفا وروى عبدالملك بن حبيب أخبرنا أصبغ بن الفرج عن السبيعي
عن زيد بن عبدالحميد عن أبيه أن عمر بن الخطاب وطىء جارية فإذا بها حائض
فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال له رسول الله صلى الله
عليه و سلم تصدق بنصف دينار وأعل ابن حزم هذا الحديث بعبدالملك بن جبيب
وبالسبيعي وذكر أنه لا يدري من هو وهذا تعليل باطل فإن عبدالملك أحد الأئمة
الأعلام ولم يلتفت الناس إلى قول ابن حزم فيه وأما السبيعي فهو عيسى بن
يونس بن أي إسحاق السبيعي
وقد روى إسحاق بن راهويه هذا الحديث في مسنده عن يونس بن أبي إسحاق عن زيد بن عبدالحميد
وعيسى هذا احتج به الأئمة الستة ولم يذكر بضعف وروى ابن حزم من طريق موسى
بن أيوب عن الوليد بن مسلم عن ابن جابر عن علي بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر رجلا أصاب حائضا بعتق نسمة
وأعله بموسى بن أيوب وقال هو ضعيف
وموسى بن أيوب هذا النصيبي الأنطاكي روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وأحمد بن صالح العجلي وقال ثقة
وقال أبو حاتم الرازي صدوق روى له أبو داود والنسائي
قال الشيخ شمس الدين بن القيم حديث ميمونة هذا يرويه الليث بن سعد عن الزهري عن حبيب مولى عروة عن ندبة مولاة ميمونة عن ميمونة
قال أبو محمد بن حزم ندبة مجهولة لا تعرف أبو داود يروي هذا الحديث من
طريق الليث فقال ندبة بفتح النون والدال ومعمر يرويه يقول ندبة بضم النون
وإسكان الدال ويونس يقول تدبة بالتاء المضمومة والدال المفتوحة والباء
المشددة كلهم يرويه عن الزهري كذلك فسقط خبر ميمونة
تم كلامه
ولهذا الحديث طريق آخر رواه ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن كريب مولى
ابن عباس قال سمعت ميمونة أم المؤمنين قالت كان رسول الله صلى الله عليه و
سلم يضطجع معي وأنا حائض وبيني وبينه ثوب رواه مسلم في الصحيح عن ابن
السرح وهارون الأيلي ومحمد بن عيسى ثلاثتهم عن ابن وهب به
وأعل أبو
محمد بن حزم هذا أيضا بعلتين إحداهما أن مخرمة لم يسمع من أبيه والثانية أن
يحيى بن معين قال فيه مخرمة ضعيف ليس حديثه بشيء
فأما تعليله حديث
ندبة بكونها مجهولة فإنها مدنية روت عن مولاتها ميمونة وروى عنها حبيب ولم
يعلم أحد جرحها والراوي إذا كانت هذه حاله إنما يخشى من تفرده بما لا يتابع
عليه فأما إذا روى ما رواه الناس وكانت لروايته شواهد ومتابعات فإن أئمة
الحديث يقبلون حديث مثل هذا ولا يردونه ولا يعللونه بالجهالة فإذا صاروا
إلى معارضة ما رواه بما هو أثبت منه وأشهر عللوه بمثل هذه الجهالة وبالتفرد
ومن تأمل كلام الأئمة رأى فيه ذلك فيظن أن ذلك تناقض منهم وهو بمحض
العلم والذوق والوزن المستقيم فيجب التنبيه لهذه النكتة فكثيرا ما تمر بك
في الأحاديث ويقع الغلط بسببها
وأما مخرمة بن بكير فقد قال أحمد وابن
معين إنه لم يسمع من أبيه شيئا إنما يروى عن كتاب أبيه ولكن قال أحمد هو
ثقة وقال أبو حاتم الرازي سألت إسماعيل بن أبي أويس هذا الذي يقول مالك
حدثني الثقة من هو قال مخرمة بن بكير بن الأشج
وقال إسماعيل بن أبي
أويس في ظهر كتاب مالك سألت مخرمة بن بكير ما يحدث به عن أبيه سمعه من أبيه
فحلف لي وقال ورب هذا البيت يعني المسجد سمعت من أبي وقال مالك كان رجلا
صالحا وقال النسائي ليس به بأس وقال أحمد بن صالح كان من ثقات المسلمين
قال الشيخ الحافظ شمس الدين بن القيم قال أبو محمد بن حزم أما هذا الخبر
فإنه من طريق أبي اليمان كثير بن اليمان الرحال وليس بالمشهور عن أم ذرة
وهي مجهولة فسقط
وما ذكره ضعيف فإن أبا اليمان هذا ذكره البخاري في تاريخه فقال سمع ام ذرة روى عنه أبو هاشم عمار بن هاشم وعبدالعزيز الدراوردي
وذكره ابن حبان في الثقات وقال يروي عن أم ذرة وعن شداد بن أبي عمرو
وكذا أم ذرة فهي مدنية روت عن مولاتها عائشة وعن أم سلمة وروى عنها محمد
بن المنكدر وعائشة بنت سعد ابن أبي وقاص وأبو اليمان كثير بن اليمان
فالحديث غير ساقط
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله حديث عروة عن فاطمة هذا قال ابن القطان
منقطع لأنه انفرد به محمد ابن عمرو عن الزهري عن عروة ورواه عن محمد بن
عمرو محمد بن أبي عدي مرتين إحداهما من كتابه هكذا والثانية زاد فيه عائشة
بين عروة وفاطمة وهذا متصل ولكن لما حدث به من كتابه منقطعا ومن حفظه متصلا
فزاد عائشة أورث ذلك نظرا فيه
وقد جاء في سنن أبي داود مصرحا به أنه أخذه من عائشة لا من فاطمة
وروى أبو داود من حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله عن
المنذر بن المغيرة عن عروة أن فاطمة حدثته أنها سألت رسول الله صلى الله
عليه و سلم لكن المغيرة مجهول قاله أبو حاتم الرازي والحديث عند غير أبي
داود معنعن لم يقل فيه إن فاطمة حدثته
قال وكذلك حديث سهيل بن أبي
صالح عن الزهري عن عروة حدثتني فاطمة أنها أمرت أسماء أو أسماء حدثتني أنها
أمرتها فاطمة أن تسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو مشكوك فيه في
سماعه من فاطمة
قال وفي متن الحديث ما أنكر على سهيل وعد مما ساء حفظه فيه وظهر أثر تغيره عليه
وذلك لأنه أحال فيه على الأيام قال فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت
تقعدقال والمعروف في قصة فاطمة الإحالة على الدم وعلى القروء تم كلامه
وهذا كله عنت ومناكدة من ابن القطان
أما قوله إنه منقطع فليس كذلك فإن محمد بن أبي عدي مكانه من الحفظ والإتقان معروف لا يجهل
وقد حفظه وحدث به مرة عن عروة عن فاطمة ومرة عن عائشة عن فاطمة وقد أدرك
كلتيهما وسمع منهما بلا ريب ففاطمة بنت عمه وعائشة خالته فالانقطاع الذي
رمي به الحديث مقطوع دابره وقد صرح بأن فاطمة حدثته به
وقوله إن المغيرة جهله أبو حاتم لا يضره ذلك فإن أبا حاتم الرازي يجهل رجالا وهم ثقات معروفون وهو متشدد في الرجال
وقد وثق المغيرة جماعة وأثنوا عليه وعرفوه
وقوله الحديث عند غير أبي داود معنعن فإن ذلك لا يضره ولاسيما على أصله في
زيادة الثقة فقد صرح سهيل عن الزهري عن عروة قال حدثتني فاطمة وحمله على
سهيل
وأن هذا مما ساء
حفظه فيه دعوى باطلة وقد صحح مسلم وغيره حديث سهيل
وقوله إنه أحال فيه على الأيام والمعروف الإحالة على القروء والدم كلام في
غاية الفساد فإن المعروف الذي في الصحيح إحالتها على الأيام التي كانت
يحتسبها حيضها وفي القروء بعينها فأحدهما يصدق الآخر
وأما إحالتها على
الدم فهو الذي ينظر فيه ولم يروه أصحاب الصحيح وإنما رواه أبو داود
والنسائي وسأل عنه ابن أبي حاتم أباه فضعفه وقال هذا منكر وصححه الحاكم
قال ابن القيم رحمه الله هذا الحديث مداره على ابن عقيل وهو عبد الله بن محمد بن عقيل ثقة صدوق لم يتكلم فيه بجرح أصلا
وكان الإمام أحمد وعبد الله بن الزبير الحميدي وإسحاق ابن راهويه يحتجون
بحديثه والترمذي يصحح له وإنما يخشى من حفظه إذا انفرد عن الثقات أو خالفهم
أما إذا لم يخالف الثقات ولم ينفرد بما ينكر عليه فهو حجة وقال البخاري في
هذا الحديث هو حديث حسن وقال الإمام أحمد هو حديث صحيح
وأما ابن
خزيمة فإنه أعله بأن قال لا يصح لأن ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل ثم ذكر
عن الإمام أحمد أنه قال قال ابن جريج حدثت عن ابن عقيل ولم يسمعه قال أحمد
وقد رواه ابن
جريج عن النعمان بن راشد قال أحمد
والنعمان يعرف فيه الضعف
وقال ابن منده
لا يصح هذا الحديث من وجه من الوجوه لأنه من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل
وقد أجمعوا على ترك حديثه
والجواب عن هذه العلل
أما قوله أن ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل وأن بينهما النعمان بن راشد فجوابه أن النعمان بن راشد ثقة
أخرج له مسلم في صحيحه وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه واستشهد به البخاري وقال في حديثه وهم كثير وهو صدوق
وقال ابن أبي حاتم أدخله البخاري في الضعفاء فسمعت أبي يقول يحول اسمه منه
فقد عادت علة هذا الحديث إلى النعمان بن راشد ومحمد بن ابن عقيل وابن عقيل
قد تقدم عن الترمذي أن الحميدي وإسحاق والإمام أحمد كانوا يحتجون بحديثه
ودعوى ابن منده الإجماع على ترك حديثه غلط ظاهر منه
ونحن نستوفي
الكلام على هذا الحديث بعون الله فنقول قال الدارقطني في العلل اختلف عن
عبد الله بن محمد بن عقيل في هذا الحديث فرواه أبو أيوب الأفريقي عن عبد
الله بن عمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال ووهم فيه وخالفه عبيد
الله بن عمر وابن جريج وعمرو بن
ثابت وزهير بن محمد وإبراهيم ابن أبي يحيى فرووه عن ابن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش
ورواه ابن ماجه في سننه عن محمد بن يحيى عن عبدالرزاق عن ابن جريج عن ابن
عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمر ابن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش
ورواه ابن ماجه في سننه عن محمد بن يحيى عن عبدالرزاق عن ابن جريج عن ابن
عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمر بن طلحة عن أم حبيبة
وكذلك
رواه الترمذي في جامعه وقال إن ابن جريج قال عمر بن طلحة قال ورواه عبيد
الله بن عمر الرقي وشريك وذكر أنهما قالا عمران بن طلحة
ورواه الترمذي
من طريق زهير بن محمد عن ابن عقيل فقال عمران بن طلحة وقد تقدم في كلام
الدارقطني أن ابن جريج قال فيه عمران بن طلحة وهو الصواب فوقع الغلط من
عمران بن طلحة إلى عمر بن طلحة وتعلق أبو محمد بن حزم في رده بأن قال رواته
شريك وزهير بن محمد وكلاهما ضعيف عن عمرو بن ثابت وهو ضعيف قال وعمر بن طلحة غير مخلوق لا يعرف لطلحة ابن اسمه عمر
قال والحارث بن أبي أسامة قد ترك حديثه فسقط الخبر جملة
وهذا تعلق باطل أما
شريك فقد تقدم ذكره وتوثيق الأئمة له
وأما زهير بن محمد فاحتج به الشيخان وباقي الستة وعن الإمام أحمد فيه أربع روايات إحداها أنه ثقة
والثانية مستقيم الحديث
والثالثة مقارب الحديث
والرابعة ليس به بأس
وعن يحيى بن معين فيه ثلاث روايات
إحداها صالح لابأس به
والثانية ثقة
والثالثة ضعيف
وقال عثمان الدارمي ثقة صدوق وقال أبو حاتم محله الصدق وقال يعقوب بن شيبة
صدوق صالح الحديث وقال البخاري مارواه عنه أهل الشام فإنه منكر وما رواه
عنه أهل البصرة فإنه صحيح وهذا الحديث قد رواه أبو داود والترمذي من حديث
أبي عامر العقدي عبدالملك بن عمرو عنه وهو بصري فيكون على قول البخاري
صحيحا
وأما عمرو بن ثابت فلم ينفرد به عن ابن عقيل فقد تقدم من رواه عن ابن عقيل وأنهم جماعة فلا يضر متابعة عمرو بن ثابت لهم
وأما قوله عمر بن طلحة غير مخلوق فقد ذكرنا أن هذا وهم ممن سماه عمر وإنما هو عمران بن طلحة
وقوله الحارث ابن أبي أسامة قد ترك حديثه فإنما اعتمد في ذلك على كلام أبي
الفتح الأزدي فيه ولم يلتفت إلى ذلك وقد قال إبراهيم الحربي هو ثقة وقال
البرقاني أمرني الدارقطني أن أخرج عنه في الصحيح وصحح له الحاكم وهو أحد
الأئمة الحفاظ
قال الشيخ شمس الدين بن القيم وقد رد جماعة من
الحفاظ هذا وقالوا زينب بنت جحش زوجة النبي صلى الله عليه و سلم لم تكن
مستحاضة وإنما المعروف أن أختيها أم حبيبة وحمنة هما اللتان استحيضتا
وقال أبو القاسم السهيلي قال شيخنا عبد الله محمد بن نجاح أم حبيبة كان
اسمها زينب فهما زينبان غلبت على إحداهما الكنية وعلى الأخرى الاسم
ووقع في الموطإ أن زينب بنت جحش التي كانت تحت عبدالرحمن بن عوف واستشكل
ذلك بأنها لم تكن تحت عبدالرحمن وإنما كانت عنده أختها أم حبيبة وعلى ما
قال السهيلي عن ابن نجاح يرتفع الإشكال
قال الحافظ شمس الدين ابن
القيم وقد أعل ابن القطان هذا الحديث بأنه مرسل قال لأن زينب ربيبة النبي
صلى الله عليه و سلم معدودة في التابعيات وإن كانت ولدت بأرض الحبشة فهي
تروي عن عائشة وأمها أم سلمة وحديث لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر
أن تحد إلا على زوج ترويه عن أمها وعن أم حبيبة وعن زينب أزواج النبي صلى
الله عليه و سلم وكل ما جاء عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم مما لم تذكر
بينها وبينه أحدا لم تذكر سماعا منه مثل حديثها هذا أو حديثها أن النبي
صلى الله عليه و سلم نهى عن الدباء والحنتم وحديثها في تغيير اسمها
وهذا تعليل فاسد فإنها معروفة الرواية عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن أمها وأم حبيبة وزينب
وقد أخرج النسائي وابن ماجة هذا الحديث من روايتها عن أم سلمة والله أعلم
وقد حفظت عن النبي صلى الله عليه و سلم ودخلت عليه وهو يغتسل فنضح في وجهها
فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت
قال الشيخ شمس الدين بن القيم وقد روى عنها أي عن مسة أبو سهل كثير بن زياد والحكم بن عنيبة ومحمد بن عبد الله العرزمي وزيد بن علي بن الحسين
قال الشيخ ابن القيم رحمه الله وصححه الدارقطني
وفي مسند البزار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق
الله وليمسه بشرته فإن ذلك خير وذكره ابن القطان في باب أحاديث ذكر أن
أسانيدها صحاح
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله قال أبو
علي بن السكن لم يسند الزبير بن خريق غير حديثين أحدهما هذا والآخر عن أبي
أمامة الباهلي وقال لي أبو بكر بن أبي داود حديث الزبير بن خريق أصح من
حديث الأوزاعي وهذا أمثل ما روى في المسح على الجبيرة
وحديث الأوزاعي
الذي أشار إليه أبو بكر بن أبي داود حديث ابن أبي العشرين عنه عن عطاء بن
أبي رباح قال سمعت ابن عباس يخبر أن رجلا أصابه جرح في رأسه على عهد رسول
الله صلى الله عليه و سلم ثم أصابه الإحتلام فأمر بالاغتسال فاغتسل فكز
فمات فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال
قتلوه قتلهم الله
أولم يكن شفاء العي السؤال قال عطاء وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم قال لو غسل جسده وترك رأسه حيث أصابه الجرح رواه ابن ماجه عن هشام بن
عمار عنه
قال البيهقي وأصح ما في هذا حديث عطاء بن أبي رباح يعني حديث الأوزاعي هذا
وأما حديث علي انكسرت إحدى زنديه
فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يسمح على الجبائر فهو من رواية عمر بن خالد
وهو متروك
رماه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين بالكذب وذكر ابن عدي عن وكيع قال كان
عمرو بن خالد في جوارنا يضع الحديث فلا فطن له تحول إلى واسط وقد سرقه عمر
بن موسى بن وجيه فرواه عن زينب بنت علي مثله وعمر هذا متروك منسوب إلى
الوضع
وروى بإسناد آخر لا يثبت
قال البيهقي وصح عن ابن عمر المسح على العصابة موقوفا عليه وهو قول جماعة من التابعين
2
قال ابن القيم رحمه الله قال أبو داود في رواية ابن داسة شداد مولى عياض لم يدرك بلالا
وهذا من روايته عنه
قال ابن القيم رحمه الله وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه ولفظه لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار ورجال إسناده محتج بهم في الصحيحين إلا صفية بنت الحارث وقد ذكرها ابن حبان في الثقات
قال الحافظ شمس الدين بن
القيم رحمه الله وقد روى الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث علي بن
شيبان وكان أحد الوفد الذين وفدوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من
بني حنيفة قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قضى رسول الله
صلى الله عليه و سلم صلاته نظر إلى رجل خلف الصف وحده فقال النبي صلى الله
عليه و سلم هكذا صليت قال نعم قال فأعد صلاتك فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف
وحده
هذا لفظ ابن حبان
ولفظ أحمد عنه أن رسول الله صلى الله عليه
و سلم رأى رجلا يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له استقبل صلاتك
فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف
وحديث وابصة أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والإمام أحمد
وفي لفظ لأحمد فيه سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن رجل صلى خلف الصف وحده فقال يعيد الصلاة
وقد أعل الشافعي حديث وابصة فقال قد سمعت من أهل العلم بالحديث من يذكر أن بعض المحدثين يدخل بين هلال بن يساف ووابصة رجلا
ومنهم من يرويه عن هلال عن وابصة سمعه منه
وسمعت بعض أهل العلم منهم كان يوهنه بما وصفت
وأعله غيره بأن هلال بن يساف تفرد به عن وابصة
والعلتان جميعا ضعيفتان فأما الأولى فإن هلال بن يساف رواه عن عمرو بن راشد عن وابصة وعن زياد بن أبي الجعد عن وابصة
ذكر ذلك ابن حبان في صحيحه
وقال سمع هذا الخبر هلال بن يساف من عمرو بن راشد
وسمعه من زياد بن أبي الجعد كلاهما عن وابصة
قال هما طريقان جميعا محفوظان فإدخال زياد وعمرو بن راشد بين هلال ووابصة لا يوهن الحديث شيئا
وأما العلة الثانية فباطلة
وقد أشار ابن حبان إلى بطلانها فقال ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هلال
بن يساف تفرد بهذا الخبر ثم ساق من حديث عبيد بن أبي الجعد عن أبيه زياد بن
أبي الجعد عن وابصة فذكره
فالحديث محفوظ
قال الشافعي ولو ثبت حديث وابصة فحديثنا أولى أن يؤخذ به ولأن معه القياس وقول العامة
يريد حديث أبي بكرة لما ركع وحده دون الصف ومشى حتى دخل في الصف قال فإن
قال قائل وما القياس وقول العامة قيل أرأيت صلاة الرجل منفردا
أتجزىء عنه فإن قال نعم قلت وصلاة الإمام أمام الصف وهو في صلاة جماعة فإن
قال نعم قيل فهل يعدو المنفرد خلف الصف أن يكون كالإمام المنفرد أمامه أو
يكون كرجل منفرد يصلي لنفسه منفردا فإن قيل فهكذا سنة موقف الإمام والمنفرد
قيل فسنة موقفهما تدل على أنه ليس في الانفراد شيء يفسد الصلاة
فإن قال بالحديث فيه قيل فالحديث ما ذكرنا
فإن قيل فاذكر الحديث
قيل أخبرنا مالك ثم ذكر حديث أنس في صلاة المرأة وحدها خلف الصف
وليس في شيء من هذا ما يعارض حديث وابصة وعلي بن شيبان
أما حديث أبي بكرة فإنما فيه أنه ركع دون الصف ثم مشى حتى دخل في الصف
والاعتبار إنما هو بإدراك الركوع مع الإمام في الصف وليس في حديثه أنه لم
يجامعه في الركوع في الصف
فلا حجة فيه مرجوحة
وأما موقف الإمام والمرأة فالسنة تقدم هذا وتأخر المرأة والسنة للمأموم الوقوف في الصف إما استحبابا وإما وجوبا
فكيف يقاس أحدهما على الآخر ولو خالفت المرأة موقفها بطلت صلاتها في أحد القولين وكره لها ذلك من غير بطلان في القول الآخر
ولو وقف الرجال فذا كما تقف المرأة بطلت صلاته في قول وكرهت في آخر
فأين أحدهما من الآخر
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله حديث ضباعة قال ابن القطان فيه
ثلاثة مجاهيل الوليد بن كامل عن المهلب بن حجر عن ضباعة بنت المقداد عن
أبيها
قال عبدالحق ليس إسناده قوي
ورواه النسائي من حديث بقية عن
الوليد بن كامل حدثنا المهلب بن حجر البهراني عن ضبيعة بنت المقدام بن معد
يكرب عن أبيها قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى أحدكم إلى
عمود أو سارية أو شيء فلا يجعله نصب عينيه وليجعله على حاجبه الأيسر فهذا
أمر وحديث أبي داود فعل
فقد اختلف على الوليد بن كامل كما ترى فعلى بن
عياش رواه فعلا وبقية رواه قولا
وابن أبي حاتم ذكر المهلب بن حجر أنه يروي عن ضباعة بنت المقدام بن معد يكرب
وهذا غير ما في الإسنادين فإن فيهما ضباعة بنت المقداد أو ضبعة بنت المقدام
والله أعلم
قال ابن القيم رحمه الله قلت رجال إسناده رجال مسلم والاختلاف الذي أشار إليه أبو داود هو أنه يروي مرفوعا وموقوفا ومسندا ومتصلا
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال ابن حبان وغيره التحريم المذكور في الحديث إنما هو إذا صلى الرجل إلى سترة
فأما إذا لم يصل إلى سترة فلا يحرم المرور بين يديه
واحتج أبو حاتم يعني ابن حبان على ذلك بما رواه في صحيحه عن المطلب بن أبي
وداعة قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم حين فرغ من طوافه أتى حاشية
المطاف فصلى ركعتين وليس بينه وبين الطوافين أحد قال أبو حاتم بن حبان في
هذا الخبر دليل على إباحة مرور المرء بين يدي المصلي إذا صلى إلى غير سترة
وفيه دليل واضح على أن
التغليظ الذي روى في المار بين يدي المصلي إنما أريد بذلك إذا كان المصلي يصلي إلى سترة دون الذي يصلي إلى غير سترة يستتر بها
قال أبو حاتم بن حبان ذكر البيان بأن هذه الصلاة لم تكن بين الطوافين وبين
النبي صلى الله عليه و سلم سترة ثم ساق من حديث المطلب قال رأيت النبي صلى
الله عليه و سلم يصلي حذو الركن الأسود والرجال والنساء يمرون بين يديه ما
بينهم وبينه سترة
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقال
ابن القطان علته شك الراوي في رفعه فإنه قال عن ابن عباس قال أحسبه عن رسول
الله صلى الله عليه و سلم فهذا رأي لا خبر ولم يجزم ابن عباس برفعه في
الأصل وأثبته ابن أبي سمينة أحد الثقات
وقد جاء هذا الخبر موقوفا على ابن عباس بإسناد جيد بذكر أربعة فقط
قال البزار حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سعيد عن قتادة
قال قلت لجابر بن زيد ما يقطع الصلاة قال قال ابن عباس الكلب الأسود
والمرأة والحائض
قلت قد كان يذكر الرابع قال ما هو قلت الحمار قال رويدك الحمار قلت كان يذكر رابعا قال ما هو قال العلج الكافر
قال إن استطعت أن لا يمر بين يديك كافر ولا مسلم فافعل تم كلامه
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله حديث ابن غزوان هذا قال عبد الحق إسناده ضعيف قال ابن القطان سعيد مجهول
فأما أبوه غزوان فإنه لا يعرف مذكورا وأما ابنه فقد ذكر وترجم في مظان ذكره بما يذكر به المجهولون
وظن عبد الحق أن غزوان هذا صحابي وليس كذلك فإنه نقص في إسناده
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله فيه وضع اليمنى على اليسرى في القيام
وفي الباب حديث سهل بن سعد الساعدي قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل
اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم لا أعلمه إلا ينمي
ذلك
رواه مالك في موطئه عن أبي حازم بن دينار عنه وبوب عليه فقال وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة
وقال في الباب عن عبدالكريم بن أبي المخارق أنه قال من كلام النبوة إذا لم
تستح فافعل ما شئت ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة تضع اليمنى
على اليسرى وتعجيل الفطر والاستيناء يعني المتأني بالسحور قال أبو عمر تضع
اليمنى على اليسرى من كلام مالك
وهذه الترجمة والدليل والتفسير صريح في أن مذهبه
وضع اليمنى على اليسرى
وقد روى أبو حاتم ابن حبان في صحيحه من حديث ابن وهب أخبرنا عمرو بن
الحارث أنه سمع عطاء بن أبي رباح يحدث عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله
عليه و سلم قال إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نؤخر سحورنا ونعجل فطرنا وأن
نمسك بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله حديث أبي حميد هذا حديث صحيح متلقى بالقبول لا علة له
وقد أعله قوم بما برأه الله وأئمة الحديث منه
ونحن نذكر ما عللوه به ثم نبين فساد تعليلهم وبطلانه بعون الله
قال ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام هذا الحديث من رواية عبدالحميد بن
جعفر عن محمد بن عمرو وهو صدوق وثقه يحيى بن سعيد وأحمد بن حنبل ويحيى بن
معين
وأخرج له مسلم
وضعفه يحيى بن سعيد في رواية عنه
وكان الثوري يجد عليه من أجل القدر
فيجب التثبت فيما روى من قوله فيهم أبو قتادة فإن أبا قتادة توفي في زمن علي وصلى عليه علي
وهو ممن قاتل معه وسن محمد ابن عمرو مقصرة عن إدراك ذلك
قال وقيل في وفاة أبي قتادة غير ذلك أنه توفي سنة أربع وخمسين وليس بصحيح بل الصحيح ما ذكرناه
وقيل في سنة أربعين ذكر هذا التعليل أبو جعفر الطحاوي
قال الطحاوي والذي زاده محمد بن عمرو غير معروف ولا متصل لأن في حديثه أنه
حضر أبا حميد وأبا قتادة ووفاة أبي قتادة قبل ذلك بدهر طويل لأنه قتل مع
علي وصلى عليه علي
فأين سن محمد بن عمرو من هذا قال الطحاوي وعبد الحميد بن جعفر ضعيف
قال ابن القطان ويزيد هذا المعنى تأكيدا أن
عطاف بن خالد روى هذا الحديث فقال حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء حدثنا رجل
أنه وجد عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم جلوسا فذكر نحو حديث أبي
عاصم وعطاف بن خالد مدني ليس بدون عبدالحميد بن جعفر وإن كان البخاري حكى
أن مالكا لم يحمده قال وذلك لا يضره لأن ذلك غير مفسر من مالك بأمر يجب
لأجله ترك روايته
قال وقد اعترض الطبراني على مالك في ذلك بما ذكرناه
من عدم تفسير الجرح بأمر آخر لا يراه صوابا وهو أن قال وحتى لو كان مالك قد
فسر لم يجب أن يترك بتجريحه رواية عطاف حتى يكون معه مجرح آخر قال ابن
القطان وإثما لم يره صوابا لوجهين
أحدهما أن هذا المذهب ليس بصحيح بل إذا جرح واحد بما هو جرحه قبل
فإنه نقل منه لحال سيئة تسقط بها العدالة ولا يحتاج في النقل إلى تعدد الرواة
والوجه الثاني أن ابن مهدي أيضا لم يرض عطافا لكن لم يفسر بماذا لم يرضه فلو قبلنا قوله فيه قلدناه في رأي لا في رواية
وغير مالك وابن مهدي يوثقه
قال أبو طالب عن أحمد
هو من أهل المدينة ثقة صحيح الحديث
روى نحو مائة حديث
وقال ابن معين صالح الحديث ليس به بأس
وقد قال ابن معين صالح الحديث ليس به بأس
وقد قال ابن معين من قلت ليس به بأس فهو عندي ثقة
وقال أبو زرعة ليس به بأس
وقال أبو حاتم ليس بذاك
قال ابن القطان ولعله أحسن حالا من عبدالحميد بن جعفر وهو قد بين أن بين محمد بن عمرو وبين أولئك الصحابة رجلا
قال ولو كان هذا عندنا محتاجا إليه في هذا الحديث للقضاء بانقطاعه لكتبته
في المدرك الذي قد فرغت منه ولكنه غير محتاج إليه للمقرر من تاريخ وفاة أبي
قتادة وتقاصر سن محمد بن عمرو عن إدراك حياته رجلا
فإنما جاءت رواية عطاف عاضدة لما قد صح
وفرغ منه
قال وقد رواه عيسى بن عبدالله بن مالك عن محمد بن عمر فقال فيه عن عياش أبو عباس بن سهل الساعدي
أنه كان في مجلس فيه أبو قتادة وأبو هريرة وأبو أسيد وأبو حميد ولم يذكر فيه من الفرق بين الجلوسين ما ذكره عبدالحميد بن جعفر
ذكره أبو داود
وقد رواه البخاري في صحيحه
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث سمع يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد سمعا
محمد بن عمرو بن حلحلة سمع محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا في نفر من
أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فذكر في صلاة النبي صلى الله عليه و سلم
فقال أبو حميد الساعدي أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم
رأيته إذا كبر فذكر الحديث
وهذا لا ذكر فيه لأبي قتادة ولكن ليس فيه ذكر لسماعه من أبي حميد وإن كان ذلك ظاهره
هذا آخر كلامه
وهو مع طوله مداره على ثلاثة فصول
أحدها تضعيف عبدالحميد بن جعفر و الثاني تضعيف محمد بن عمرو بن عطاء و
الثالث انقطاع الحديث بين محمد بن عمرو وبين الصحابة الذين رواه عنهم
والجواب عن هذه الفصول
أما الأول فعبدالحميد بن جعفر قد وثقه يحيى بن معين في جميع الروايات عنه
ووثقه الإمام أحمد أيضا واحتج به مسلم في صحيحه ولم يحفظ عن أحد من أئمة الجرح والتعديل تضعيفه بما يوجب سقوط روايته
فتضعيفه بذلك مردود على قائلة وحتى لو ثبت عن أحد منهم إطلاق الضعف عليه
لم يقدح ذلك في روايته ما لم يبين سبب ضعفه وحينئذ ينظر فيه هل هو قادح أم
لا وهذا إنما يحتاج إليه عند الاختلاف في توثيق الرجل وتضعيفه وأما إذا
اتفق أئمة الحديث على تضعيف رجل لم يحتج إلى ذكر سبب ضعفه هذا أولى ما يقال
في مسألة التضعيف المطلق وأما الفصل الثاني وهو تضعيف محمد بن عمرو بن
عطاء ففي غاية الفساد فإنه من كبار التابعين المشهورين بالصدق والأمانة
والثقة وقد وثقه أئمة الحديث كأحمد ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين وغيرهم
واتفق صاحبا الصحيح على الاحتجاج به وتضعيف يحيى بن سعيد له إن
صح عنه فهو رواية المشهور عنه خلافها وحتى لو ثبت على تضعيفه فأقام عليه ولم يبين سببه لم يلتفت إليه من مع توثيق غيره من الأئمة له ولو كان رجل ضعفه رجل سقط لذهب عامة الأحاديث الصحيحة من أيدينا فقل رجل من الثقات إلا وقد تكلم فيه آخر وأما قوله كان سفيان يحمل عليه فإنما كان ذلك من جهة رأيه لا من جهة روايته وقد رمى جماعة من الأئمة المحتج بروايتهم بالقدر كابن أبي عروبة وابن أبي ذئب وغيرهما وبالأرجاء كطلق ابن حبيب وغيره وهذا أشهر من أن يذكر نظائره وأئمة الحديث لا يردون حديث الثقة بمثل ذلك وأما الفصل الثالث وهو انقطاع الحديث فغير صحيح وهو مبني على ثلاث مقدمات إحداها أن وفاة أبي قتادة كانت في خلافة علي والثانية أن محمد بن عمر لم يدرك خلافة علي والثالثة أنه لم يثبت سماعه من أبي حميد بن بينهما رجل فأما المقام الأول وهو وفاة أبي قتادة فقال البيهقي أن مع أهل التواريخ على أن أبا قتادة الحارث بن ربعي بقي إلى سنة أربع وخمسين وقيل بعدها ثم روي من طريق يعقوب بن سفيان قال قال ابن بكير قال الليث مات أبو قتادة الحارث بن ربعي بن النعمان الأنصاري سنة أربع و خمسين قال وكذلك قاله الترمذي فيما أنبأنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي حامد المقري عنه وكذلك ذكره أبو عبدالله بن منده الحافظ في كتابه معرفة الصحابة وكذلك ذكره الواقدي عن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة أن أبا قتادة مات بالمدينة سنة خمس وخمسين وهو ابن سبعين سنة قال والذي يدل على هذا أن أبا سلمة بن عبد الرحمن وعبد الله بن أبي قتادة وعمرو بن سليم الزرقي وعبد الله بن رباح الأنصاري رووا عن أبي قتادة وإنما حملوا العلم بعد أيام علي فلم يثبت لهم عن أحد ممن توفي في أيام علي سماعة وروينا عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن معاوية بن أبي سفيان لما قدم المدينة تلقته الأنصار وتخلف أبو قتادة ثم دخل عليه بعد وجرى بينهما ما جرى ومعلوم أن معاوية إنما قدمها حاجا قدمته الأولى في خلافته سنة أربع وأربعين وفي تاريخ البخاري بإسناده عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن مروان بن الحكم أرسل إلى أبي قتادة وهو على المدينة أن اغد معي حتى تريني مواقف النبي صىل الله عليه وسلم وأصحابه فانطلق مع مروان حتى قضى حاجته ومروان إنما ولي المدينة في أيام معاوية ثم نزع عنها سنة ثمان وأربعين واستعمل عليها سعيد بن العاص ثم نزع سعيد بن العاص سنة أربع وخمسين وأمر عليها مروان قال النسائي في سننه حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال سمعت نافعا يزعم أن ابن عمر صلى على سبع جنائز جميعا فجعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة فصفهن صفا واحدا ووضعت جنازة أم كلثوم ابنة علي امرأة عمرة بن الخطاب وابن لها يقال له زيد وضعا جميعا والإمام يومئذ سعيد بن العاص وفي الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة فوضع الغلام مما يلي الإمام فقال رجل
فأنكرت ذلك
فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة فقلت ما هذا قالوا هي
السنة فتأمل سند هذا الحديث وصحته وشهادة نافع بشهود أبي قتادة هذه الجنازة
والأمير يومئذ سعيد بن العاص
وإنما كانت إمرته في خلافة معاوية سنة إثنان وأربعين إلى سنة أربع وخمسين كما قدمناه
وهذا مما لا يشك فيه عوام أهل النقل وخاصتهم
فإن قيل فما تصنعون بما رواه موسى بن عبدالله بن يزيد أن عليا صلى على أبي
قتادة فكبر عليه سبعا وكان بدريا وبما رواه الشعبي قال صلى على أبي قتادة
وكبر عليه ستا قلنا لا تجوز معارضة الأحاديث الصحيحة المعلومة الصحة
بروايات التاريخ المنقطعة المغلوطة وقد خطأ الأئمة رواية موسى هذه ومن
تابعة وقالوا هي غلط
قاله البيهقي وغيره
ويدل على أنها غلط وجوه أحدها ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة المصرحة بتأخير وفاته وبقاء مدته بعد موت علي
الثاني أنه قال كان بدريا وأبو قتادة لا يعرف أنه شهد بدرا
وقد ذكر عروة بن الزبير والزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وغيرهم
أسامي من شهد بدرا من الصحابة وليس في شيء منها ذكر أبي قتادة فكيف يجوز رد
الروايات الصحيحة التي لا مطعن فيها بمثل هذه الرواية الشاذة التي قد علم
خطؤها يقينا إما في قوله وصلى عليه علي وإما في قوله وكان بدريا
وأما
رواية الشعبي فمنقطعة أيضا غير ثابتة ولعل بعض الرواة غلط من تسمية قتادة
بن النعمان أو غيره إلى أبي قتادة فإن قتادة بن النعمان بدري وهو قديم
الموت
وأما المقام الثاني وهو أن محمد بن عمرو لم يدرك خلافة علي فقد تبين أن أبا قتادة تأخر عن خلافة علي
وأما المقام الثالث وهو أن محمد بن عمرو لم يثبت سماعه من أبي حميد بل بينهما رجل فباطل أيضا
قال الترمذي في جامعه حدثنا محمد بن بشار والحسن بن علي الخلال وسلمة بن
شبيب وغير واحد قالوا حدثنا أبو عاصم حدثنا عبدالحميد بن جعفر حدثنا محمد
بن عمرو بن عطاء قال سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى
الله عليه و سلم منهم أبو قتادة بن ريعى فذكره وقال سعيد بن منصور في سننه
حدثنا هشيم حدثنا عبدالحميد بن جعفر عن محمد بن عمرو بن عطاء القرشي قال
رأيت أبا حميد الساعدي مع عشرة وهط من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم
فقال ألا أحدثكم فذكره وقال البخاري في التاريخ الكبير محمد بن عمرو بن
عطاء بن عياش بن علقمة العامري القرشي المدني سمع أبا حميد الساعدي وأبا
قتادة وابن عباس روى عنه عبدالحميد بن جعفر وموسى بن عقبة ومحمد بن عمرو بن
حلحلة والزهري وأبو حميد توفي قبل الستين في خلافة معاوية وأبو قتادة توفي
بعد الخمسين كما ذكرنا فكيف نكر لقاء محمد لهما وسماعه منهما
ثم
ولو سلمنا أن أبا قتادة توفي في خلافة علي فمن أين يمتنع أن يكون محمد بن
عمرو في ذلك الوقت رجلا ولو امتنع أن يكون رجلا لتقاصر سنة عن ذلك لم يمتنع
أن يكون صبيا مميزا وقد شاهد هذه القصة في صغره ثم أداها بعد بلوغه وذلك
لا يقدح في روايته وتحمله اتفاقا وهو أسوة أمثالة في ذلك
فرد الأحاديث الصحيحة بمثل هذه الخيالات الفاسدة مما يرغب عن مثله أئمة العلم والله الموفق
وأما إدخال من أدخل بين محمد بن عمرو بن عطاء وبين أبي حميد الساعدي رجلا
فإن ذلك لا يضر الحديث شيئا فإن الذي فعل ذلك رجلان عطاف بن خالد وعيسى بن
عبدالله فأما عطاف فلم يرضى أصحاب الصحيح إخراج حديثه ولا هو ممن يعارض به
الثقات الأثبات قال مالك ليس هو من جمال المحامل وقد تابع عبدالحميد بن
جعفر على روايته محمد بن عمرو بن حلحلة كلاهما قال عن محمد بن عمرو بن عطاء
عن حميد ولا يقاوم عطاف بن خالد بهذين حتى تقدم روايته على روايتهما
وقوله لم يصرح محمد بن عمرو بن حلحلة في حديثه بسماع ابن عطاء من أبي حميد
فكلام بارد فإنه قد قال سمع محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا في نفر من
أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فذكروا صلاة النبي صلى الله عليه و سلم
فقال أبو حميد وقد قال رأيت أبا حميد ومرة سمعت أبا حميد فما هذا التكلف
البارد والتعنت الباطل في انقطاع ما وصله الله وأما حديث عيسى بن عبدالله
فقال البيهقي اختلف في اسمه فقيل عيسى بن عبدالله وقيل عيسى بن عبدالرحمن
وقيل عبدالله بن عيسى ثم اختلف عليه في ذلك فروى عن الحسن بن الحر عن عيسى
بن عبدالله عن محمد بن عمرو عن عياش أو عباس بن سهل عن أبي حميد وروى عن
عتبة بن أبي الحكيم عن عبدالله بن عيسى عن العباس بن سهل عن أبي حميد ليس
فيه محمد بن عطاء
وروينا حديث أبي حميد عن فليح بن سليمان عن عباس بن
سهل عن أبي حميد وبين فيه عبدالله بن المبارك عن فليح سماع عيسى من عباس مع
سماع فليح من عباس فذكر محمد بن عمرو بينهما وهم
آخر كلامه
وهذا والله أعلم من تخليط عيسى أو من دونه فإن حديث عباس هذا لا ذكر فيه لمحمد بن عمرو ولا رواه محمد بن عمرو عنه
ونحن نذكر حديثه
قال الترمذي حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا فليح بن
سليمان حدثنا عباس بن سهل قال اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد
بن مسلمة فذكروا صلاة النبي صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله
عليه و سلم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فنحاهما
عن جنبيه وقال حسن صحيح وقال أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبدالملك
بن عمرو أخبرنا فليح حدثنا عباس بن سهل قال اجتمع أبو حميد وأبو أسيد فذكره
أطول من حديث الترمذي
قال أبو داود ورواه عتبة بن أبي حكيم عن عبدالله بن عيسى عن العباس بن سهل قال ورواه
ابن المبارك أخبرنا فليح قال سمعت عباس بن سهل يحدث فلم أحفظه فحدثنيه عيسى بن عبدالله أنه سمعه من عباس بن سهل قال حضرت أبا حميد
فهذا هوالمحفوظ من رواية عباس لا ذكر فيه لمحمد بن عمرو بوجه
ورواه أبو داود من حديث أبي خيثمة حدثنا الحسن بن الحر حدثنا عيسى بن
عبدالله بن مالك عن محمد بن عمرو بن عطاء أحد بني مالك عن عباس أو عياش بن
سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه وفي المجلس أبو هريرة وأبو حميد وأبو
أسيد بهذا الخبر يزيد وينقص
فهذا الذي غر من قال إن محمد بن عمرو لم
يسمعه من أبي حميد وهذا والله أعلم من تخليط عيسى أو من دونه لأن محمدا قد
صرح بأن أبا حميد حدثه به وسمعه منه ورواه حين حدثه به فكيف يدخل بينه
وبينه عباس بن سهل وإنما وقع هذا لما رواه محمد بن عمرو عن أبي حميد ورواه
العباس بن سهل عن أبي حميد خلط بعض الرواة وقال عن محمد بن عمرو عن العباس
وكان ينبغي أن يقول وعن العباس بالواو
ويدل على هذا أن عيسى بن عبدالله قد سمعه من عباس كما في رواية ابن المبارك
فكيف يشافهه به عباس بن سهل ثم يرويه عن محمد بن عمرو عنه فهذا كله بين أن محمد بن عمرو وعباس بن سهل اشتركا في روايته عن أبي حميد
فصح الحديث بحمد الله وظهر أن هذه العلة التي رمى بها مما تدل على قوته وحفظه
وأن رواية عباس بن سهل شاهدة ومصدقة لرواية محمد بن عمرو وهكذا الحق يصدق
بعضه بعضا وقد رواه الشافعي من حديث إسحاق بن عبدالله عن عباس بن سهل عن
أبي حميد ومن معه من الصحابة
ورواه فليح بن سليمان عن عباس عن أبي
حميد وهذا لا ذكر فيه لمحمد بن عمرو وهو إسناد متصل تقوم به الحجة فلا
ينبغي الإعراض عن هذا والاشتغال بحديث عبدالحميد بن جعفر والتعلق عليه
بالباطل
ثم لو نزلنا عن هذا كله وضربنا عنه صفحا إلى التسليم أن محمد
بن عمرو لم يدرك أبا قتادة فغايته أن يكون الوهم قد وقع في تسمية أبي قتادة
وحده دون غيره ممن معه وهذا لا يجوز بمجرده تركه حديثه والقدح فيه عند أحد
من الأئمة ولو كان كل من غلط ونسي واشتبه عليه اسم رجل بآخر يسقط حديثه
لذهبت الأحاديث ورواتها من أيدي الناس
فهبه غلط في تسميته أبا قتادة
أفيلزم من ذلك أن يكون ذكر باقي الصحابة غلطا ويقدح في قوله سمعت أبا حميد
ورأيت أبا حميد أو أن أبا حميد قال وأيضا فإن هذه اللفظة لم يتفق عليها
الرواة وهي قوله فيهم أبو قتادة فإن محمد بن عمرو بن حلحلة رواه عن محمد بن
عمرو بن عطاء ولم يذكر فيهم أبا قتادة ومن طريقه رواه البخاري ولم يذكرها
وأما عبدالحميد بن جعفر فرواه عنه هشام ولم يذكرها ورواه عنه أبو عاصم
الضحاك بن مخلد ويحيى بن سعيد فذكراها عنه وأظن عبدالحميد بن جعفر تفرد بها
ومما يبين أنها ليست بوهم أن محمد بن مسلمة قد كان في أولئك الرهط
ووفاته سنة ثلاث وأربعين فإذا لم تتقاصر سن محمد بن عمرو عن لقائه فكيف
تتقاصر عن لقاء أبي قتادة ووفاته إما بعد الخمسين عند الأكثرين أو قبيل
الأربعين عند بعضهم والله الموفق للصواب
وقال ابن القيم رحمه الله وهذا الحديث على شرط مسلم رواه جماعة عن الزهري عن أبي بكر
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقال سفيان بن عبدالملك سمعت ابن
المبارك يقول لم يثبت حديث بن مسعود أنه رفع يديه في أول تكبيرة وقال ابن
أبي حاتم في كتاب العلل سألت أبي عن هذا الحديث فقال هذا خطأ يقال وهم فيه
الثوري وروى هذا الحديث جماعة عن عاصم فقالوا كلهم إن النبي صلى الله عليه و
سلم افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبق ولم يقل أحد ما روى الثوري
وقال
الحاكم خبر ابن مسعود مختصر وعاصم بن كليب لم يخرج حديثه في الصحيح وليس
كما قال فقد احتج به مسلم إلا أنه ليس في الحفظ كابن شهاب وأمثاله وأما
إنكار سماع عبدالرحمن من علقمة فليس بشيء فقد سمع منه وهو ثقة وأدخل على
عائشة وهو صبي
ولكن معارضة سالم عن أبيه بعاصم بن كليب عن عبدالرحمن بن الأسود لا تقبل
وقال الأثرم قال أبو عبدالله كان وكيع يقول في الحديث يعني وربما طرح يعني
ذكر نفس الحديث ثم قال أحمد عن عاصم بن كليب سمعته منه يعني من وكيع غير
مرة فيه ثم لم يعد فقال لي أبو عبدالرحمن الوكيعي كان وكيع يقول فيه يعني
ثم لم يعد وتبسم أحمد وقال أبو حاتم البستي في كتاب الصلاة له هذا الحديث
له علة توهنه لأن وكيعا اختصره من حديث طويل ولفظة ثم لم يعد إنما كان وكيع
يقولها في آخر الخبر من قبله وقبلها يعني فربما أسقطت يعني وحكى البخاري
تضعيفه عن يحيى بن آدم وأحمد بن حنبل وتابعهما عليه وضعفه الدارمي
والدارقطني والبيهقي
وهذا الحديث روى بأربعة ألفاظ
أحدها قوله
فرفع يديه في أول مرة ثم لم يعد والثانية فلم يرفع يديه إلا مرة والثالثة
فرفع يديه في أول مرة لم يذكر سواها والرابعة فرفع يديه مرة واحدة والإدراج
ممكن في قوله ثم لم يعد وأما باقيها فإما أن يكون قد روي بالمعنى وإما أن
يكون صحيحا
قال ابن القيم رحمه الله وقال عثمان الدارمي سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال لا يصح هذا الحديث
وقال يحيى بن محمد الذهلي سمعت أحمد بن حنبل يقول هذا حديث واه
قال ابن القيم رحمه الله ورواه الشافعي عن ابن عيينة عن يزيد ولفظه رأيت
رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه قال ابن عيينة ثم
قدمت الكوفة فلقيت يزيد فسمته يحدث بهذا
وزاد فيه ثم لا يعود فظنت أنهم قد لقنوه
قال الشافعي ذهب سفيان إلى تغليط يزيد وقال الإمام أحمد هذا حديث واه
وقال ابن عبدالبر تفرد به يزيد بن أبي زياد ورواه شعبة والثوري وابن عيينة وهشيم وخالد بن عبدالله لم يذكر أحد منهم ثم لا يعود
وقال يحيى بن معين يزيد بن أبي زياد ضعيف الحديث وقال ابن عدي ليس بذاك
وقال الحميدي الكبير قلنا للمحتج بهذا إنما رواه يزيد ويزيد يزيد
وقال أحمد في رواية عنه لا يصح عنه هذا الحديث
وقال الدارمي ومما يحقق قول سفيان أنهم لقنوة هذه الكلمة أن الثوري وزهير
بن معاوية وهشيما وغيرهم من أهل المعلم لم يجيئوا بها إنما جاء بها من سمع
منه بأخرة
قال البيهقي وقد رواه إبراهيم بن بشار عن سفيان حدثنا يزيد
بن أبي زياد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال رأيت النبي
صلى الله عليه و سلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه وإذا أراد أن يركع
وإذا رفع رأسه من الركوع قال سفيان فلما قدمت الكوفة سمعته يقول يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود وظننت أنهم لقنوه
فهذه ثلاثة أوجه عن يزيد فلو قدر أنه من الحفاظ الأثبات وقد اختلف حديثه
لوجب تركه والرجوع إلى الأحاديث الثابتة التي لم تختلف مثل حديث الزهري عن
سالم عن أبيه ونحوها
فمعارضتها بمثل هذا الحديث الواهي المضطرب المختلف في غاية البطلان
قال الحاكم وإبراهيم بن بشار ثقة مأمون
وقال ابن معين ليس بشيء
وقال أحمد يأتي عن سفيان بالطامات حتى كأنه ليس سفيان
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله واختلف في وقت هذا الدعاء الذي
في آخر الصلاة ففي سنن أبي داود كما ذكره هنا قال وإذا سلم قال وفي صحيح
مسلم روايتان إحداهما ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم
اغفر لي إلى آخره والرواية الثانية قال وإذا سلم قال اللهم اغفر لي كما
ذكره أبو داود
وفي هذا الحديث شيء آخر وهو أن مسلما أدخله في باب صلاة
النبي صلى الله عليه و سلم بالليل وظاهر هذا أن هذا الافتتاح كان في قيام
الليل وقال الترمذي وابن حبان في صحيحه في هذا الحديث كان رسول الله صلى
الله عليه و سلم إذ قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ثم قال الحديث وروى
النسائي من حديث محمد بن المنكدر عن جابر قال كان النبي صلى الله عليه و
سلم إذا استفتح الصلاة كبر ثم قال إن صلاتي ونسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين وذكر دعاء بعده
قال النسائي هذا حديث حمصي رجع إلى المدينة ثم إلى مكة
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله قال ابن القطان حميد بن قيس أحد
الثقات وإنما علته أنه من رواية قطن بن نسير عن جعفر بن سليمان عن حميد
وقطن وإن كان روى عنه مسلم فكان أبو زرعة يحمل عليه ويقول روى عن جعفر بن
سليمان عن ثابت عن أنس أحاديث مما أنكر عليه وجعفر أيضا مختلف فيه فليس
ينبغي أن يحمل على حميد وهو ثقة بلا خلاف في شيء جاء به عنه من يختلف فيه
3
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم وأعل هذا الحديث بأن ابن إسحاق رواه عن مكحول وهو مدلس لم يصرح بسماعه من مكحول
وإنما عنعنه والمدلس إذا عنعن لم يحتج بحديثه وكذلك رواه أبو داود
قال البيهقي وقد رواه إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق
فذكر سماعه فيه من مكحول فصار الحديث بذلك موصولا صحيحا
وقد رواه البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام وقال هو صحيح ووثق إبن إسحاق
وأثنى عليه واحتج بحديثه فيه ثم رواه من غير حديث ابن إسحاق أيضا وقال هو
صحيح
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد أعل البيهقي هذا
الحديث بابن أكيمة وقال تفرد به وهو مجهول ولم يكن عند الزهري من معرفته
أكثر من أن رآه يحدث سعيد بن المسيب
واختلفوا في اسمه
فقيل عمارة وقيل عمار قاله البخاري
وقوله فانتهى الناس عن القراءة من قول الزهري قاله محمد بن يحيى الذهلي صاحب الزهريات والبخاري وأبو داود
واستدلوا على ذلك برواية الأوزاعي حين ميزه من الحديث وجعله من قول الزهري
قال وكيف يكون ذلك من قول أبي هريرة وهو يأمر بالقراءة خلف الإمام
فيما جهر فيه وفيما خافت وقال غيره هذا التعليل ضعيف فإن ابن أكيمة من التابعين وقد حدث بهذا
الحديث ولم ينكره عليه أعلم الناس بأبي هريرة وهو سعيد بن المسيب ولا يعلم
أحد قدح فيه ولا جرحه بما يوجب ترك حديثه ومثل هذا أقل درجات حديثه أن
يكون حسنا
كما قال الترمذي
وقوله فانتهى الناس وإن كان الزهري قاله
فقد رواه معمر عن الزهري قول أبي هريرة وأي نتاف بين الأمرين بل كلاهما
صواب قاله أبو هريرة كما قال معمر وقاله الزهري كما قاله هؤلاء وقاله معمر
أيضا كما قال أبو داود
فلو كان قول الزهري له علة في قول أبي هريرة لكان قول معمر له علة في قول الزهري وأن نجعل ذلك كلام معمر
وقوله كيف يصح ذلك عن أبي هريرة وهو يأمر بالقراءة خلف الإمام فالمحفوظ عن
أبي هريرة أنه قال اقرأ بها في نفسك وهذا مطلق ليس فيه بيان فيه أن يقرأ
بها حال الجهر
ولعله قال له يقرأ بها في السر والسكتات ولو كان عاما
فهذا رأى له خالفه فيه غيره من الصحابة والأخذ بروايته أولى وقد روى
الدارقطني والبيهقي من حديث زيد بن وافد عن حرام بن حكيم ومكحول عن نافع بن
محمود أنه سمع عبادة بن الصامت يقرأ بأم القرآن وأبو نعيم يجهر بالقراءة
فقلت رأيتك صنعت في صلاتك شيئا قال وما ذاك قلت سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو
نعيم يجهر بالقراءة قال نعم صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بعض
الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة فلما انصرف قال هل منكم من أحد يقرأ شيئا
من القرآن إذا جهرت بالقراءة قلنا نعم يارسول الله فقال رسول الله صلى الله
عليه و سلم وأنا أقول مالي أنازع القرآن لا يقرأن أحد منكم شيئا من القرآن
إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن قال الدراقطني إسناده حسن ورجاله ثقات
قال البيهقي وزيد بن وافد ثقة ومكحول سمع هذا الحديث من محمود بن الربيع
ومن ابنه نافع بن محمود ونافع بن محمود وأبوه محمود بن الربيع سمعا من
عبادة بن الصامت
وروى البيهقي من طريق سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن محمد بن أبي
عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم لعلكم تقرأون والإمام يقرأ قالوا إنا لنفعل قال فلا تفعلوا
إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب رواه جماعة عن سفيان
قال وهذا إسناد
صحيح وأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كلهم ثقة فترك ذكر أسمائهم في
الإسناد لا يضر إذا لم يعارضه ما هو أصح منه ولكن لهذا الحديثة علة وهي أن
أيوب خالف فيه خالدا ورواه عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه و سلم
مرسلا وهو كذلك في تاريخ البخاري عن مؤمل عن إسماعيل بن علية عن أيوب عن
أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه و سلم
وأما حديث جابر يرفعه من كان
له إمام قراءة الإمام له فقراءة فله علتان إحداهما أن شعبة والثوري وابن
عيينة وأبا عوانة وجماعة من الحفاظ رووه عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله
بن شداد مرسلا والعلة الثانية أنه لا يصح رفعه وإنما المعروف وقفه قال
الحاكم سمعت سلمة بن محمد يقول سألت أبا موسى الرازي الحافظ عن الحديث
المروي عن النبي صلى الله عليه و سلم من كان له إمام فقراءة الإمام له
قراءة فقال لم يصح فيه عن النبي صلى الله عليه و سلم شيء إنما اعتمد
مشايخنا فيه على الروايات عن علي وابن مسعود والصحابة قال الحاكم أعجبني
هذا لما سمعته فإن أبا موسى أحفظ من رأينا من أصحاب الرأي تحت أديم السماء
وقد رفعه جابر الجعفي وليث بن أبي سلم عن أبي الزبير عن جابر وتابعهما من
هو أضعف منهما أو مثلهما
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وصحح الدارقطني هذا الحديث
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد صححه ابن خزيمة وأبو حاتم وابن حبان والحاكم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قاله الجماعة ومسلم أخرج له من روايته عن أخيه عقمة عن أبيه وائل
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال الترمذي وقد روى من حديث عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
قال الحافظ شمس الدين بن القيم كان يضع يديه قبل ركبتيه
قال الحافظ شمس الدين بن القيم قال ابن المنذر وقد زعم بعض أصحابنا أن وضع
اليدين قبل الركبتين منسوخ وقال هذا القائل وحدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن
يحيى بن سلمة بن كهيل حدثنا أبي عن أبيه عن سلمة عن مصعب بن
سعد عن سعد قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين تم كلامه
وهذا الحديث هو في الصحيحين عن مصعب بن سعد قال صليت إلى جنب أبي فجعلت
يدي بين ركبتي فنهاني عن ذلك فعدت فقال لا تصنع هذا فإنا كنا نفعله فنهينا
عن ذلك وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب فهذا هو المعروف عن سعد أن المنسوخ
هو قصة التطبيق ووضع الأيدي على الركب ولعل بعض الرواة غلط فيه من موضع
اليدين على الركبتين إلى وضع اليدين قبل الركبتين
قال ابن المنذر وقد
اختلف أهل العلم في هذا الباب فمن رأى أن يضع ركبتيه قبل يديه عمر بن
الخطاب وبه قال النخعي ومسلم بن يسار والثور والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو
حنيفة وأصحابه وأهل الكوفة
وقالت طائفة يضع يديه قبل ركبتيه قاله مالك
وقال الأوزاعي أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم وروى عن ابن عمر فيه حديث
أما حديث سعد ففي إسناده مقال
ولو كان محفوظا لدل على النسخ غير أن المحفوظ عن مصعب عن أبيه حديث بنسخ التطبيق
وقد روى الدارقطني من حديث حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس قال رأيت
رسول الله صلى الله عليه و سلم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه وروى
البيهقي من حديث إبراهيم بن موسى عن محمد بن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن
جده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا سجد أحدكم فليبدأ
بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الجمل قال البيهقي وكذلك رواه أبو بكر بن
أبي شيبة عن محمد بن فضيل إلا أن عبد الله بن سعيد المقبري ضعيف قلت قال
أحمد والبخاري متروك
وهذا الحديث الذي أشار إليه الترمذي هو خلاف حديث الأعرج عنه
وقد روى ابن خزيمة في صحيحه من حديث يحيى بن سلمة بن كهل عن أبيه عن مصعب
بن سعد عن أبيه قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل
اليدين وهذا الحديث مداره على يحيى بن سلمة بن كهيل وقد قال النسائي ليس
بثقة وقال البخاري في أحاديثه مناكير قال البيهقي المحفوظ عن مصعب بن سعد
عن أبيه نسخ التطبيق وإسناد هذه الرواية ضعيف وكذلك قال الحازمي وغيره
والراجح البداءة بالركبتين لوجوه أحدها أن حديث وائل بن حجر لم يختلف عليه وحديث أبي هريرة قد اختلف فيه كما ذكرنا
الثاني أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن التشبه بالجمل في بروكه والجمل إذا برك إنما يبدأ بيديه قبل ركبتيه
وهذا موافق لنهيه صلى الله عليه و سلم عن التشبه بالحيوانات في الصلاة فنهى عن التشبه بالغراب في النقر والتفات كالتفات ثعلب
وافتراش كافتراش السبع
وإقعاء كإقعاء الكلب ورفع الأيدي في السلام كأذناب الخيل وبروك كبروك البعير
الثالث حديث أنس من رواية حفص بن غياث عن عاصم الأحول عنه ولم يختلف
الرابع أنه ثابت عن عمر بن الخطاب وأما حديث عبد الله ابنه فالمرفوع منه ضعيف وأما الموقوف فقال البيهقي المشهور عنه إذا سجد أحدكم فليضع يديه فإذا رفع فليرفعهما فإن اليدان تسجدان كما يسجد الوجه فهذا هو الصحيح عنه
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله
فصل في سياق صلاة رسول الله
صلى الله عليه و سلم وبيان اتفاق الأحاديث فيها وغلط من ظن أن التخفيف الوارد فيها هو التخفيف الذي اعتادة سراق الصلاة والنقارون لها ففي الصحيحين عن البراء بن عازب قال رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه و سلم فوجدت قيامه فركعته فاعتدالة بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبا من السواء لفظ مسلموفي صحيح مسلم أيضا عن شعبة عن الحكم قال غلب على الكوفة رجل قد سماه زمن ابن الأشعث فأمر أبا عبيدة بن عبد الله أن يصلي بالناس فكان يصلي فإذا رفع رأسه من الركوع قلم قدر ما أقول اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد قال الحكم فذكرت ذلك لعبدالرحمن بن أبي ليلى فقال سمعت البراء بن عازب يقول كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريبا من السواء
وروى البخاري هذا الحديث وقال فيه ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء
ولا شك أن قيام القراءة وقعود التشهد يزيدان في الطول على بقية الأركان
ولما كان صلى الله عليه و سلم يوجز القيام ويستوفي بقية الأركان
صارت صلاته قريبا من السواء
فكل واحدة من الروايتين تصدق الأخرى
والبراء تارة قرب ولم يحدد فلم يذكر القيام والقعود وتارة استثنى وحدد
فاحتاج إلى ذكر القيام والقعود وقد غلط بعضهم حيث فهم من استثناء القيام
والقعود أنه استثنى القيام من الركوع والقعود بين السجدتين فإنه كان
يخفضهما فلم يكونا قريبا من بقية الأركان
فإنهما ركنان قصيران
وهذا من سوء الفهم فإن سياق الحديث يبطله فإنه قد ذكر هذين الركنين بأعيانهما فكيف يذكرهما مع بقية الأركان
ويخبر عنهما بأنهما مساويان لها ثم يستثنيهما منها وهل هذا إلا بمنزلة قول
القائل قام زيد وعمرو وبكر وخالد إلا زيدا وعمرا وقد ثبت تطويل هذين
الركنين عن النبي صلى الله عليه و سلم في عدة أحاديث صحيحة صريحة أحدها هذا
وقد استدل البراء بن عازب على إصابة أبي عبيدة في تطويله ركن الاعتدال من
الركوع بقوله كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وركوعه وإذا رفع
رأسه وسجوده وما بين السجدتين قريبا من السواء
ولو كان النبي صلى الله
عليه و سلم يخفف هذين الركنين لأنكر البراء صلاة أبي عبيدة ولم يرو عن
رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يتضمن تصويبه
ومنها ما رواه مسلم في
صحيحه من حديث حماد بن سلمة أخبرنا ثابت عن أنس قال ما صليت خلف أحد أوجز
صلاة من رسول الله صلى الله عليه و سلم في تمام كانت صلاة رسول الله صلى
الله عليه و سلم متقاربة وكانت صلاة أبي بكر متقاربة فلما كان عمر مد في
صلاة الفجر
وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم
رواه مسلم بهذا اللفظ
ورواه أبو داود من حديث حماد بن سلمة أخبرنا ثابت وحميد عن أنس قال ما
صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه و سلم في تمام وكان
رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد
أوهم ثم يكبر ثم يسجد وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم فجمع أنس
رضي الله عنه في هذا الحديث الصحيح بين الإخبار عن إيجاز رسول الله صلى
الله عليه و سلم وإتمامها وأن من إتمامها إطالة الاعتدالين جدا كما أخبر به
وقد أخبر أنه ما رأى أوجز صلاة منها ولا أتم فيشبه والله أعلم أن
يكون الإيجاز عاد إلى القيام والإتمام إلى الركوع والسجود وركني الأعتدال
فهذا تصير الصلاة تامة موجزة فيصدق قوله ما رأيت أوجز منها ولا أتم ويطابق
هذا حديث البراء المتقدم وأحاديث أنس كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه و
سلم كان يطيل الركوع والسجود والاعتدالين زيادة على ما يفعله أكثر الأئمة
ويعنادونه
وروايات الصحيحين تدل على ذلك
ففي الصحيحين عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي بنا
قال ثابت فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من الركوع
انتصب قائما حتى يقول القائل قد نسي وإذا رفع رأسه في السجدة مكث حتى يقول
القائل قد نسي
وفي لفظ وإذا رفع رأسه بين السجدتين
وفي رواية
للبخاري من حديث شعبة عن ثابت كان أنس ينعت لنا صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان يصلي
وإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول قد نسي وهذا يبين أن إطالة ركني الاعتدالين مما ضيع من عهد ثابت
ولهذا قال فكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تفعلونه وهذا والله أعلم مما أنكره
أنس مما أحدث الناس في الصلاة حيث قال ما أعلم شيئا مما كان على عهد رسول
الله صلى الله عليه و سلم
قيل ولا الصلاة قال أو ليس قد أحدثتم فيها
ما أحدثتم فقول ثابت أنهم لم يكونوا يفعلون كفعل أنس وقول أنس إنكم قد
أحدثتم فيها يبين ذلك أن تقصير هذين الركنين هو مما أحدث فيها ومما يدل على
أن السنة إطالتهما أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصلي بالليل فقرأ
البقرة والنساء وآل عمران وركع نحوا من قيامه ورفع نحوا من ركوعه وسجد نحوا
من قيامه وجلس نحوا من سجوده متفق عليه
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك
الحمد ملء السموات وملء الأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل
الثناء والمجد
لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت
ولا ينفع ذا الجد منك الجد
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد قال كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا رفع
رأسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء ما شئت من شيء
بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت
ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وفي صحيح مسلم نحوه من حديث
عبد الله بن أبي أوفي
وزاد بعد قوله وملء ما شئت من شيء بعد اللهم
طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما
ينقى الثوب الابيض من الوسخ فهذه الاذكار والدعوات ونحوها والله أعلم من
التي كان يقولها في حديث أنس أنه كان يمكث بعد الركوع حتى يقولوا قد أوهم
لأنه ليس محل سكوت فجاء الذكر مفسرا في هذه الاحاديث وروى النسائي وأبو
داود عن سعيد بن جبير قال سمعت أنس بن مالك يقول ما صليت وراء أحد بعد رسول
الله صلى الله عليه و سلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم من
هذا الفتى يعني عمر بن عبدالعزيز قال فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي
سجوده عشر تسبيحات وإسناده ثقات
وفي صحيح مسلم عن أبي قزعة قال أتيت
أبا سعيد الخدري وهو مكثور عليه فلما تفرق الناس عنه قلت إني لا أسألك عما
يسألك هؤلاء عنه أسألك عن صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال مالك في
ذلك من خير فأعادها عليه فقال كانت صلاة الظهر تقام فينطلق أحدنا إلى
البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله صلى
الله عليه و سلم في الركعة الأولى وفي رواية مما يطولها وفي هذا ما يدل
على أن أبا سعيد رأي أن صلاة الناس في زمانه أنقص مما كان رسول الله صلى
الله عليه و سلم يفعلها
ولهذا قال للسائل مالك في ذلك من خير
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الفجر بالستين إلى المائة ومن المتيقن أنه صلى الله عليه و سلم لم تكن
قراءته في الصلاة هذا
بل ترتيلا بتدبير وتأن
وروى النسائي بإسناد صحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في
المغرب بسورة الأعراف فرقها في ركعتين وأصله في الصحيح أن النبي صلى الله
عليه و سلم قرأ في المغرب بطولي الطوليين يريد الأعراف كما جاء مفسرا في
رواية النسائي
وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في المغرب بالطور
وفي الصحيحين عن ابن عباس عن أم الفضل بنت الحارث أنها سمعته وهو يقرأ
والمرسلات عرفا فقالت يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ بها في المغرب
وهذا يدل على أن هذا الفعل غير منسوخ لأنه كان في آخر حياته صلى الله عليه و سلم
وقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال شكا أصحاب النبي صلى الله عليه و
سلم مشقة السجود عليهم فقال استعينوا بالركب قال ابن عجلان هو أن يضع
مرفقيه على ركبتيه إذا طاله السجود وأعيا
وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يطيل السجود بحيث يحتاج الصحابة إلى الاعتماد على ركبهم وهذا لا يكون مع قصر السجود
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه و سلم قال إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد
أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز فيها مخافة أن أشق على أمه وأما ما
رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان
يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد وكانت صلاته بعد تخفيفا فالمراد به
والله أعلم أن صلاته كانت بعد الفجر تخفيفا يعني أنه كان يطيل قراءة الفجر
ويخفف قراءة بقية الصلوات لوجهين أحدهما أن مسلما روى في صحيحه عن سماك بن
حرب قال سألت جابر بن سمرة عن صلاة النبي صلى الله عليه و سلم فقال كان
يخفف الصلاة ولا يصلي صلاة هؤلاء قال وأنبأني أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم كان يقرأ في الفجر بقاف والقرآن المجيد ونحوها فجمع بين وصف صلاة رسول
الله صلى الله عليه و سلم بالتخفيف وأنه كان يقرأ في الفجر بقاف
الثاني أن سائر الصحابة اتفقوا على أن هذه كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم التي ما زال يصليها
ولم يذكر أحد أنه نقص في آخر أمره من الصلاة وقد أخبرت أم الفضل عن قراءته
في المغرب بالمرسلات في آخر الآمر وأجمع الفقهاء أن السنة في صلاة الفجر
أن يقرأ بطوال المفصل
وأما قوله ولا يصلي صلاة هؤلاء فيحتمل أمرين أحدهما أنه لم يكن يحذف كحذفهم بل يتم الصلاة والثاني أنه لم يكن يطيل القراءة إطالتهم
وفي مسند أحمد وسنن النسائي عن عبد الله بن عمر قال إن كان رسول الله صلى
الله عليه و سلم ليأمرنا بالتخفيف وإن كان ليؤمنا بالصافات وهذا يدل على أن
الذي أمر به هو الذي فعله فإنه صلى الله عليه و سلم أمر أصحابه أن يصلوا
مثل صلاته ولهذا صلى على المنبر وقال إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا
صلاتي وقال مالك بن الحويرث وصاحبه صلوا كما
رأيتموني أصلي وذلك
أنه ما من فعل في الغالب إلا ويسمي خفيفا بالنسبة إلى ما هو أطول منه
وطويلا بالنسبة إلى ما هو أخف منه فلا يمكن تحديد التخفيف المأمور به في
الصلاة باللغة ولا بالعرف لأنه ليس له عادة في العرف كالقبض والحزر
والاحياء والاصطياد حتى يرجع فيه إليه بل هو من العبادات التي يرجع في
صفاتها ومقاديرها إلى الشارع كما يرجع إليه في أصلها ولو جاز الرجوع فيه
إلى العرف لاختلفت الصلاة الشرعية اختلافا متباينا لا ينضبط ولكان لكل أهل
عصر ومصر بل لأهل الدرب والسكة ولكك محل لكل طائفة غرض وعرف وإرادة في
مقدار الصلاة يخالف عرف غيرهم وهذا يفضي إلى تغيير الشريعة وجعل السنة
تابعة لأهواء الناس فلا يرجع في التخفيف المأمور به إلا إلى فعله صلى الله
عليه و سلم فإنه كان يصلي وراء الضعيف والكبير وذو الحاجة وقد أمرنا
بالتخفيف لأجلهم فالذي كان يفعله هو التخفيف إذ من المحال أن يأمر بأمر
ويعلله بعلة ثم يفعل خلافه مع وجود تلك العلة إلا أن يكون منسوخا
وفي
صحيح مسلم عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن طول
صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من
البيان سحرا
فجعل طول الصلاة علامة على فقه الرجل وأمر بإطالتها وهذا
الأمر إما أن يكون عاما في جميع الصلوات وإما أن يكون المراد به صلاة
الجمعة فإن كان عاما فظاهر وإن كان خاصا بالجمعة مع كون الجمع فيها يكون
عظيما وفيه الضعيف والكبير وذو الحاجة وتفعل في شدة الحر ويتقدمها خطبتان
ومع هذا فقد أمر بإطالتها فما الظن بالفجر ونحوها التي تفعل وقت البرد
والراحة مع قلة الجمع وقد روى النسائي في سننه أن النبي صلى الله عليه و
سلم قرأ في الفجر بالروم وفي سنن أبي داود عن جابر بن سمرة أن النبي صلى
الله عليه و سلم كان إذا دحضت الشمس صلى الظهر وقرأ بنحو من والليل إذا
يغشى والعصر كذلك والصلوات كلها كذلك إلا الصبح فإنه كان يطيلها وقد روى
الإمام أحمد والنسائي بإسناد على شرط مسلم عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة
قال ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه و سلم من فلان
قال سليمان كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف الأخريين ويخفف
العصر ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ويقرأ في العشاء بوسط المفصل ويقرأ في
الصبح بطوال المفصل وفي الصحيحين عن أبي برزة قال كان رسول الله صلى الله
عليه و سلم يصلي الصبح فينصرف الرجل فيعرف جليسه وكان يقرأ في الركعتين أو
إحداهما ما بين الستين إلى المائة لفظ البخاري وهذا يدل على أمرين شدة
التغليس بها وإطالتها
فإن قيل ما ذكرتموه من الأحاديث معارض بما يدل
على نقضه وإن السنة هي التخفيف فروى أبو داود في سننه من حديث ابن وهب
أخبرني سعيد بن عبدالرحمن بن أبي العمياء أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل
هو وأبوه علي أنس بن مالك بالمدينة في زمن عمر بن عبدالعزيز وهو أمير
المدينة فإذا هو يصلي صلاة خفيفة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها فلما سلم
قال يرحمك الله أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أم شيء تنفله قال إنها للمكتوبة
وإنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول لا تشددوا على أنفسكم
فيشدد عليكم فإن قوما شددوا على أنفسكم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في
الصوامع والديار
رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم وسهل بن أبي أمامة وثقه يحيى بن معين وغيره
وروى له مسلم وفي الصحيحين عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم
يوجز الصلاة ويكلمها وفي الصحيحين أيضا عنه قال ما صليت وراء إمام قط أخف
صلاة ولا أتم من صلاة النبي صلى الله عليه و سلم زاد البخاري وإن كان ليسمع
بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه وفي سنن أبي داود عن رجل من جهينة أنه
سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في الصبح إذا زلزت في الركعتين
كلتيهما فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه و سلم أم عمدا فعل ذلك وفي
صحيح مسلم عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرأ في الظهر
بالليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك
وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في المغرب قل ياأيها الكافرون و قل هو الله أحد
وفي سنن ابن ماجه عن عمرو بن حريث قال كأني أسمع صوت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقرأ في صلاة الغداة فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس
وفي سنن
أبي داود عن جابر بن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في
الظهر والعصر بالسماء ذات البروج والسماء والطارق وشبههما
وفي صحيح مسلم عنه أيضا قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك وفي الصبح أطول من ذلك
وفي الصحيحين عن البراء أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في العشاء
بالتين والزيتون في السفر وفي بعض السنن عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه
قرأ في الصبح بالمعوذتين وفي الصحيحين عن جابر أن النبي صلى الله عليه و
سلم قال لمعاذ أفتان أنت يامعاذ هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس
وضحاها والليل إذا يغشى
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله
عليه و سلم قال إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعفيف والسقيم
والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء ورواه ابن ماجه من حديث عثمان
بن أبي العاص
وفي صحيح مسلم عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و
سلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة فيقرأ بالسورة الخفيفة أو
بالسورة القصيرة
فالجواب أنه لا تعارض بحمد الله بين هذه الأحاديث بل هي أحاديث يصدق بعضها بعضا
وأن ما وصفه أنس من تخفيف النبي صلى الله عليه و سلم صلاته هو مقرون بوصفه
إياها بالتمام كما تقدم وهو الذي وصف تطويله ركني الاعتدال حتى كانوا
يقولون قد أوهم ووصف صلاة عمر بن عبدالعزيز بأنها تشبه صلاة النبي صلى الله
عليه و سلم مع أنهم قدروها بعشر تسبيحات والتخفيف الذي أشار إليه أنس هو
تخفيف القيام مع تطويل الركوع والسجود كما جاء مصرحا به فيما رواه النسائي
عن قتيبة عن العطاف بن خالد عن زيد بن أسلم قال دخلنا على أنس بن مالك فقال
صليتم قلنا نعم قال ياجارية هلمي لنا وضوءا
ما صليت وراء إمام أشبه
بصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم من إمامكم هذا قال زيد وكان عمر بن
عبدالعزيز يتم الركوع والسجود ويخفف القيام والقعود وهذا حديث صحيح فإن
العطاف بن خالد المخزومي وثقه ابن معين وقال أحمد ثقة صحيح الحديث
وقد
جاء هذا صريحا في حديث عمران بن حصين لما صلى خلف علي بالبصرة قال لقد
ذكرني هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت صلاة رسول الله صلى
الله عليه و سلم معتدلة كان يخفف القيام والقعود ويطيل الركوع والسجود وقد
تقدم قول أنس كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم متقاربة وحديث
البراء بن عازب أن قيامه صلى الله عليه و سلم وركوه وسجوده كان قريبا من
السواء
فهذه الأحاديث كلها تدل على معنى واحد وهو أنه كان يطيل الركوع والسجود ويخفف القيام
وهذا بخلاف ما كان يفعله بعض الأمراء الذين أنكر الصحابة صلاتهم من إطالة
القيام على ما كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعله غالبا وتخفيف الركوع
والسجود والاعتدالين
ولهذا انكر ثابت عليهم تخفيف الاعتدالين وقال كان
أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه وحديث ابن أبي العمياء إنما فيه أن صلاة
أنس كانت خفيفة وأنس فقد وصف خفة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم وأنها
أشبه شيء بصلاة عمر بن عبدالعزيز مع تطويل الركوع والسجود والاعتدالين
وأحاديثه لاتتناقض والتخفيف أمر نسبي إضافي فعشر تسبيحات وعشرون آية أخف من
مائة تسبيحة ومائتي آية فأي معارضة في هذا لما تقدم من الأحاديث الصحيحة
الصريحة
وأما تخفيف النبي صلى الله عليه و سلم عند بكاء الصبي فلا
يعارض ما ثبت عنه من صفة صلاته بل قد قال في الحديث نفسه إني أدخل في
الصلاة وأنا أريد أن أطليها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز
فهذا تخفيف لعارض
وهو من السنة كما يخفف صلاة السفر وصلاة الخوف وكل ما ثبت عنه من التخفيف
فهو لعارض كما ثبت عنه أنه قرأ في السفر في العشاء بالتين والزيتون وكذلك
قراءته في الصبح بالمعوذتين فإنه كان في السفر ولذلك رفع الله تعالى الجناح
عن الأمة في قصر الصلاة في السفر والخوف والقصر قصران قصر الأركان وقصر
العدد فإن اجتمع السفر والخوف اجتمع القصران وإن انفرد السفر وحده شرع قصر
العدد وإن انفرد الخوف وحده شرع قصر الأركان
وبهذا يعلم سر تقييد القصر المطلق في القرآن بالخوف والسفر فإن القصر المطلق الذي يتناول القصرين إنما يشرع عند الخوف والسفر
فإن انفرد أحدهما بقي مطلق القصر إما في العدد وإما
في القدر ولو قدر أنه صلى الله عليه و سلم خفف الصلاة لا لعذر كان في ذلك
بيان الجواز وإن الاقتصار على ذلك للعذر ونحوه يكفي في أداء الواجب
فأما أن يكون هو السنة وغيره مكروه مع أنه فعل النبي صلى الله عليه و سلم
في أغلب أوقاته فحاشى وكلا ولهذا رواته عنه أكثر من رواة التخفيف والذين
رووا التخفيف رووه أيضا فلا تضرب سنن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعضها
ببعض بل يستعمل كل منها في موضعه
وتخفيفه إما لبيان الجواز وتطويله
لبيان الأفضل وقد يكون تخفيفه لبيان الأفضل إذا عرض ما يقتضي التخفيف فيكون
التخفيف في موضعه أفضل والتطويل في موضعه أفضل ففي الحالتين ما خرج عن
الأفضل وهذا اللائق بحاله صلى الله عليه و سلم وجزاه عنا أفضل ما جزى نبيا
عن أمته وهو اللائق بمن اقتدى به وأئتم به صلى الله عليه و سلم
وأما
حديث معاذ فهو الذي فتن النقارين وسراق الصلاة لعدم علمهم بالقصة وسياقها
فإن معاذا صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم عشاء الآخرة ثم ذهب إلى بني
عمرو بن عوف بقباء فقرأ بهم سورة البقرة
هكذا جاء في الصحيحين من حديث
جابر أنه استفتح بهم بسورة البقرة فانفرد بعض القوم وصلى وحده فقيل نافق
فلان فقال والله ما نافقت ولآتين رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتاه
فأخبره فقال النبي صلى الله عليه و سلم حينئذ أفتان أنت يامعاذ هلا صليت
بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى
وهكذا نقول إنه يستحب إن يصلي العشاء بهذه السور وأمثالها
فأي متعلق في هذا للنقارين وسراق الصلاة ومن المعلوم أن النبي صلى الله
عليه و سلم كان يؤخر العشاء الآخرة وبعد ما بين بني عمرو بن عوف وبين
السمجد ثم طول سورة البقرة فهذا الذي أنكره النبي صلى الله عليه و سلم وهو
موضع الإنكار وعليه يحمل الحديث الآخر ياأيها الناس
إن منكم منفرين
ومعلوم أن الناس لم يكونوا ينفرون من صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم
ولا ممن يصلي بقدر صلاته وإنما ينفرون ممن يزيد في الطول على صلاته فهذا
الذي ينفر
وأما إن قدر نفور كثير ممن لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى
وكثير من الباطولية الذين يعتادون النقر كصلاة المنافقين وليس لهم في
الصلاة ذوق ولا لهم فيها راحة بل يصليها أحدهم استراحة منها لا بها فهؤلاء
لا عبرة بنفورهم فإن أحدهم يقف بين يدي المخلوق معظم اليوم ويسعى في خدمته
أعظم السعي فلا يشكو طول ذلك ولا يتبرم به فإذا وقف بين يدي ربه في خدمته
جزءا يسيرا من الزمان وهو أقل القليل بالنسبة إلى وقوفه في خدمة المخلوق
استثقل ذلك الوقوف واستطال وشكا منه وكأنه واقف على الجمر يتلوى ويتقلى ومن
كانت هذه كراهته لخدمة ربه والوقوف بين يديه فالله تعالى أكره لهذه الخدمة
منه والله المستعان
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله قال ابن القطان السعدي وأبوه وعمه مامنهم من يعرف وقد ذكره ابن السكن في كتاب الصحابة في الباب الذي ذكر فيه رجالا لا يعرفون
قال الحافظ شمس
الدين ابن القيم رحمه الله حديث وائل بن حجر رواه شعبة وسفيان فأما سفيان
فقال ورفع بها صوته وأما شعبة فقال خفض بها صوته ذكره الترمذي
قال البخاري حديث سفيان أصح وأخطأ شعبة في قوله خفض بها صوته
وفي هذا الحديث أمور أربعة أحدها اختلاف شعبة وسفيان في رفع وخفض
الثاني اختلافهما في حجر فشعبة يقول حجر أبو العنبس والثوري يقول حجر بن عنبس وصوب البخاري وأبو زرعة قول الثوري
الثالث أنه لا يعرف حال حجر
الرابع أن الثوري وشعبة اختلفا
فجعله الثوري من رواية حجر عن وائل بن حجر وشعبة جعله من رواية حجر عن
علقمة بن وائل عن وائل والدارقطني ذكر رواية الثوري وصححها ولم يره منقطعا
بزيادة شعبة علقمة بن وائل في الوسط وفيه نظر ولهذه العلة لم يصححه الترمذي
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وروى
الحاكم حديث أبي هريرة في المستدرك بلفظ آخر من حديث الزهري عن أبي سلمة
وسعيد عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا فرغ من أم
القرآن رفع صوته وقال آمين
قال الحاكم هذا حديث حسن صحيح
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله حديث الجمعة على من سمع النداء قال عبد الحق الصحيح أنه موقوف وفيه أبو سلمة بن نبيه قال ابن القطان لا يعرف بغير هذا وهو مجهول وفيه أيضا الطائي مجهول عند ابن أبي حاتم ووثقة الدارقطني وفيه أيضا عبد الله بن هارون قال ابن القطان مجهول الحال وفية أيضا قبيصة قال النسائي كثير الخطأ وأطلق وقيل كثير الخطأ على الثوري وقيل هو إلا في الثوري 4
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله أبو واقد الليثي اسمه الحارث بن عوف على المهشور
والحديث غير متصل في ظاهره لأن عبيد الله لا سماع له من عمر
وقد ذكره مسلم بغير هذا فبين فيه الاتصال فإنه أخرجه من رواية فليح بن
سلمان عن ضمرة بن سعيد عن عبيد الله عن أبي واقد الليثي قال سألني عمر
وسؤال عمر عن هذا ومثله لا يخفى عليه لعله ليخبره هل حفظه أم لا أو يكون
دخل عليه الشك أو نازعه غيره فأحب الاستشهاد أو نسيه
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وحديث أبي بكرة هذا رواه
الدارقطني عنه فقال فيه إن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بالقوم صلاة
المغرب ثلاث ركعات ثم انصرف وجاء الآخرون فصلى بهم ثلاث ركعات وكان له ست
ركعات وللقوم ثلاث ركعات قال ابن القطان وعندي أن الحديثين غير متصلين فإن
أبا بكرة لم يصل معه صلاة الخوف لأنه بلا ريب أسلم في حصار الطائف فتدلى
ببكرة من الحصن فسمي أبا بكرة وهذا كان بعد فراغه صلى الله عليه و سلم من
هوازن ثم لم يلق صلى الله عليه و سلم كيدا إلى أن قبضه الله
وهذا الذي
قاله لا ريب فيه لكن مثل هذا ليس بعلة ولا انقطاع عند جميع أئمة الحديث
والفقه فإن أبا بكرة وإن لم يشهد القصة فإنه سمعها من صحابي غيره وقد اتفقت
الأمة على قبول رواية ابن عباس ونظرائه من الصحابة مع أن عامتها مرسلة عن
النبي صلى الله عليه و سلم ولم ينازع في ذلك اثنان من السلف وأهل الحديث
والفقهاء
فالتعليل على هذا باطل والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقيس هذا هو قيس بن عمرو ويقال قيس بن فهد وجعلهما ابن السكن اثنين ابن فهد وابن عمرو
وسعد بن سعيد راوية عن محمد بن إبراهيم فيه اختلاف
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى أبو حاتم في صحيحه من
حديث جعفر بن غياث عن حميد الطويل عن عبد الله بن شقيق عن عائشة أن النبي
صلى الله عليه و سلم صلى متربعا
وهذا يدل على أن أفضل هيئات المصلى جالسا التربيع والله أعلم
قال ابن القيم رحمه الله وقال الإمام أحمد أبو قدامة مضطرب الحديث
وقال يحيى بن معين ضعيف وقال النسائي
صدوق عنده مناكير
وقال البستي كان شيخا صالحا ممن كثر وهمه
وعلله ابن القطان بمطر الوراق وقال كان يشبه في سوء الحفظ محمد بن
عبدالرحمن بن أبي ليلى وقد عيب على مسلم إخراج حديثه وضعف عبدالحق هذا
الحديث
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وحديث أبي الدرداء الذي أخرجه أبو داود هو من رواية أبي إدريس السكوني عن جبير بن نفير
قال البزار هو حديث حسن الإسناد وقال غيره أبو إدريس ليس بالخولاني فحاله مجهول ولعل البزاز حسنه قبولا منه لرواية المسانيد
قال شمس الدين ابن القيم رحمه الله وقال البخاري في التاريخ الكبير ولم يرو عن ابن أبي الحر إلا هذا الحديث الواحد وحديث آخر ولم يتابع وقد روى أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم بعضهم عن بعض فلم يحلف بعضهم بعضا
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد غلط في هذا الحديث فريقان
فريق في لفظه وفريق في تضعيفه فأما الفريق الأول فقالوا اللفظ به أرمت بفتح
الراء وتشديد الميم وفتحها وفتح التاء قالوا وأصله أرممت أي صرت رميما
فنقلوا حركة الميم إلى الراء قبلها ثم أدغموا إحدى الميمين في الأخرى
وأبقوا تاء الخطاب على حالها فصار أرمت وهذا غلط إنما يجوز إدغام مثل هذا
إذا لم يكن آخر الفعل ملتزم السكون لاتصال ضمير المتكلم والمخاطب ونون
النسوة به كقولك أرم وأرما وأرموا وأما إذا اتصل به ضمير يوجب سكونه لم يجز
الإدغام لإفضائه إلى التقاء الساكنين على غير أحدهما أو إلى تحريك آخره
وقد اتصل به ما يوجب سكونه
ولهذا لا نقول أمدت وأمدت وأمدن في أمددت
وأمددت وأمددن لما ذكر وهؤلاء لما رأوا الفعل يدغم إذا لم يكن آخره ساكنا
نحو أرم ظنوا أنه كذلك في أرممت وغفلوا عن الفرق
والصواب فيه أرمت
بوزن ضربت فحذفوا إحدى الميمين تخفيفا وهي لغة فصيحة مشهورة جاء بها القرآن
في قوله تعالى ظلت عليه عاكفا وقوله فظلتم تفكهون وأصله ظللت عليه وظللتم
تفكهون ونظائره كثيرة
وأما الفريق الثاني الذين ضعفوه فقالوا هذا
الحديث معروف بحسين بن علي الحعفي حدث به عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن
أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس قالوا ومن نظر ظاهر هذا الإسناد لم يرتب
في صحته لثقة رواته وشهرتهم وقبول الأئمة أحاديثهم واحتجاجهم بها وحدث
بهذا الحديث عن حسين الجعفي جماعة من النبلاء قالوا وعلته أن حسين بن علي
الجعفي لم يسمع من عبدالرحمن بن يزيد بن جابر وإنما سمع من عبدالرحمن بن
يزيد بن تميم وعبدالرحمن بن يزيد بن تميم لا يحتج به فلما حدث به حسين
الجعفي غلط في اسم الجد فقال ابن جابر وقد بين ذلك الحفاظ ونبهوا عليه
قال البخاري في التاريخ الكبير عبدالرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الشامي
عن مكحول سمع منه الوليد بن مسلم عنده مناكير ويقال هو الذي روى عنه أهل
الكوفة أبو أسامة وحسين فقالوا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر وابن تميم أصح
وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم سألت أبي عبدالرحمن بن يزيد بن تميم فقال عنده
مناكير يقال هو الذي روى عنه أبو أسامة وحسين الجعفي وقالا هو ابن يزيد بن
جابر وغلطا في نسبه ويزيد بن تميم أصح وهو ضعيف الحديث
وقال أبو بكر
الخطيب روى الكوفيون أحاديث عبدالرحمن بن يزيد بن تميم عن عبدالرحمن بن
يزيد بن جابر ووهموا في ذلك والحمل عليهم في تلك الأحاديث
وقال موسى
بن هارون الحافظ روى أبو أسامة عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر وكان ذلك وهما
منه هو لم يلق عبدالرحمن بن يزيد بن جابر وإنما لقي عبدالرحمن بن يزيد بن
تميم فظن أنه ابن جابر وابن جابر ثقة وابن تميم ضعيف قالوا وقد أشار غير
واحد من الحفاظ إلى ما ذكره هؤلاء الأئمة
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وأخرجه الدارقطني ثم ذكر عبارة المنذري بنصها إلى قول الشافعي وبه نأخذ
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال ابن حزم حديث علي هذا رواه
ابن وهب عن جرير بن حازم عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة والحرث الأعور قرن
فيه أبو إسحاق بين عاصم والحرث والحرث كذاب وكثير من الشيوخ يجوز عليه مثل
هذا وهو أن الحارث أسنده وعاصم لم يسنده فجمعهما جرير وأدخل حديث أحدهما في
الآخر وقد رواه شعبة وسفيان ومعمر عن أبي إسحاق عن عاصم من علي موقوفا
عليه
وكذلك كل ثقة رواه عن عاصم إنما وقفه على علي فلو أن جريرا أسنده عن عاصم وبين ذلك أخذنا به
هذه حكاية عبدالحق الاشبيلي عن ابن حزم وقد رجع عن هذا في كتابه المحلي
فقال في آخر المسألة ثم استدركنا فرأينا أن حديث جرير بن حازم مسند صحيح لا
يجوز خلافه وأن الاعتلال فيه بأن أبا إسحاق أو جريرا خلط إسناد الحديث
بإرسال عاصم هو الظن الباطل الذي لا يجوز وما علينا في مشاركة الحرث لعاصم
ولا لإرسال من أرسله ولا لشك زهير فيه وجرير ثقة
فالأخذ بما أسند لازم تم كلامه
وقال غيره هذا التعليل لا يقدح في الحديث فإن جريرا ثقة وقد أسنده عنهما
وقد أسنده أيضا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي ولم يذكر
الحول ذكر حديثه الترمذي وأبو عوانة ثقة وقد روى حديث ليس في مال زكاة حتى
يحول عليه الحول من حديث عائشة بإسناد صحيح
قال محمد بن عبيد الله بن
المنادي حدثنا أبو زيد شجاع بن الوليد حدثنا حارثة بن محمد عن عمرة عن
عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا زكاة في مال حتى
يحول عليه الحول رواه أبو الحسين بن بشران عن عثمان بن السماك عن ابن
المنادي
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله إنما أسقط الصدقة من الخيل والرقيق إذا كانت للركوب والخدمة فأما ما كان منها للتجارة ففيه الزكاة في قيمتها
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قوله
فإنا آخذوها وشطر ماله أكثر العلماء على أن الغلول في الصدقة والغنيمة لا
يوجب غرامة في المال وقالوا كان هذا في أول الإسلام ثم نسخ
واستدل
الشافعي على نسخه بحديث البراء بن عازب فيما أفسدت ناقته فلم ينقل عن النبي
صلى الله عليه و سلم أنه أضعف الغرم بل نقل فيها حكمه بالضمان فقط
وقال بعهضم يشبه أن يكون هذا على سبيل التوعد لينتهي فاعل ذلك
وقال بعضهم إن الحق يستوفي منه غير متروك عليه وإن تلف شطر ماله كرجل كان
له ألف شاة فتلفت حتى لم يبق له إلا عشرون فإنه يؤخذ منه عشر شياه لصدقة
الألف وهو شطر ماله الباقي أو نصفه وهو بعيد لأنه لم يقل إنا آخذوا شطر
ماله
وقال إبراهيم الحربي إنما هو وشطر ماله أي جعل ماله شطرين ويتخير عليه المصدق فيأخذ الصدقة من خير النصفين عقوبة لمنعه الزكاة
فأما مالا يلزمه فلا
قال الخطابي ولا أعرف هذا الوجه
هذا آخر كلامه
وقال بظاهر الحديث الأوزاعي والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه على ما فضل
عنهم وقال الشافعي في القديم من منع زكاة ماله أخذت منه وأخذ شطر ماله
عقوبة على منعه واستدل بهذا الحديث وقال في الجديد لا يؤخذ منه إلا الزكاة
لا غير
وجعل هذا الحديث منسوخا وقال كان ذلك حين كانت العقوبات في المال ثم نسخت
هذا آخر كلامه
ومن قال إن بهز بن حكيم ثقة احتاج إلى الاعتذار عن هذا الحديث بما تقدم
فأما من قال لا يحتج بحديثه فلا يحتاج إلى شيء من ذلك
وقد قال الشافعي في بهز ليس بحجة فيحتمل أن يكون ظهر له ذلك منه بعد اعتذاره عن الحديث أو أجاب عنه على تقدير الصحة
وقال أبو حاتم الرازي في بهز بن حكيم هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به
وقال البستي كان يخطىء كثيرا فأما الإمام أحمد وإسحاق فهما يحتجان به
ويرويان عنه وتركه جماعة من أئمتنا ولولا حديثه إنا آخذوها وشطر إبله عزمة
من عزمات ربنا لأدخلناه في الثقات وهو ممن استخير الله فيه
فجعل روايته لهذا الحديث مانعة
من إدخاله في الثقات تم كلامه
وقد قال علي بن المديني حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح
وقال الإمام أحمد بهز بن حكيم عن أبيه عن جده صحيح وليس لمن رد هذا الحدث
حجة ودعوى نسخه دعوى باطلة إذ هي دعوى ما لا دليل عليه وفي ثبوت شرعية
العقوبات المالية عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم لم يثبت نسخها
بحجة وعمل بها الخلفاء بعده وأما معارضته بحديث البراء في قصة ناقته ففي
غاية الضعف فإن العقوبة إنما تسوغ إذا كان المعاقب متعديا بمنع واجب أو
ارتكاب محظور وأما ما تولد من غير جنايته وقصده فلا يسوغ أحد عقوبته عليه
وقول من حمل ذلك على سبيل الوعيد دون الحقيقة في غاية الفساد ينزه عن مثله
كلام النبي صلى الله عليه و سلم وقول من حمله على أخذ الشطر الباقي بعد
التلف باطل لشدة منافرته وبعده عن مفهوم الكلام ولقوله فأنا آخذوها وشطر
ماله
وقول الحربي إنه وشطر بوزن شغل في غاية الفساد ولا يعرفه أحد من
أهل الحديث بل هو من التصحيف وقول ابن حبان لولا حديثه هذا لأدخلناه في
الثقات كلام ساقط جدا فإنه إذا لم يكن لضعفه سبب إلا روايته هذا الحديث
وهذا الحديث إنما رد لضعفه كان هذا دورا باطلا وليس في روايته لهذا ما يوجب
ضعفه فإنه لم يخالف فيه الثقات
وهذا نظير رد من رد حديث عبدالملك بن أبي سليمان بحديث جابر في شفعه الجوار وضعفه بكونه روى هذا الحديث
وهذا غير موجب للضعف بحال
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفي الرواة خمسة كل منهم اسمه ثابت بن قيس لانعرف فيهم من تكلم فيه غيره
5
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال الترمذي سألت أبا عبد الله البخاري عن حديث الحسن وخطبنا ابن عباس فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم فرض صدقة الفطر فقال روى غير يزيد بن هارون عن حميد عن الحسن خطب
ابن عباس فكأنه رأى هذا أصح قال الترمذي وإنما قال البخاري هذا لأن ابن
عباس كان بالبصرة في أيام علي والحسن البصري في أيام عثمان وعلي رضي الله
عنهما كان بالمدينة
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله لفظ مسلم
وأبي داود فهي علي ومثلها معها وفيه قولان أحدهما أنه كان تسلف منه صدقة
عامين والثاني أنه تحملها عنه يؤديها عنه
ولفظ البخاري والنسائي فهي
عليه صدقة ومثلها معها وفيه قولان أحدهما أنه جعله مصرفا لها وهذا قبل
تحريمها على بني هاشم والثاني أنه أسقطها عنه عامين لمصلحة كما فعل عمر عام
الرمادة
ولفظ ابن إسحاق هي عليه ومثلها ومعها حكاه البخاري وفيه
قولان أحدهما أنه أنظره بها ذلك العام إلى القابل فيأخذها ومثلها والثاني
أن هذا مدح للعباس وأنه سمح بما طلب منه لا يمتنع من إخراج ما عليه بل
يخرجه ومثله معه
وقال موسى بن عقبة فهي له ومثلها معها ذكره ابن حبان
وفيه قولان أحدهما أن له بمعنى عليه كقوله تعالى وإن أسأتم فلها والثاني
إطلاقها له وإخراج النبي صلى الله عليه و سلم عنه من عنده برا به ولهذا قال
أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه
قال الحافظ شمس الدين بن القيم
رحمه الله واختلف العلماء فيما أمر به النبي صلى الله عليه و سلم من ذلك
بعد إجماعهم على أنه أمر ندب وإرشاد فقيل هو ندب من النبي صلى الله عليه و
سلم لكل من أعطى عطية كانت من سلطان أو عامي صالحا كان أو فاسقا بعد أن
يكون ممن تجوز عطيته حكى ذلك غير واحد وقيل ذلك من النبي صلى الله عليه و
سلم ندب إلى قبول عطية من غير السلطان فأما السلطان فبعضهم منعها وبعضهم
كرهها وقال آخرون ذلك ندب لقبول هدية السلطان دون غيره ورجح بعضهم الأول
فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يخص وجها من الوجوه إلى هنا تم كلامه
وسياق الحديث إنما يدل على عطية العامل على الصدقة فإنه يجوز له أخذ عمالته وتمولها
وإن كان غنيا والحديث لذلك وعليه خرج جواب النبي صلى الله عليه و سلم وليس المراد به العموم في كل عطية من كل معط والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وتفسير من فسر اليد العليا بالآخذة باطل قطعا من وجوه
أحدها أن تفسير النبي صلى الله عليه و سلم بالمنفقة يدل على بطلانه
الثاني أنه صلى الله عليه و سلم أخبر أنها خير من اليد السفلى ومعلوم
بالضرورة أن العطاء خير وأفضل من الأخذ فكيف تكون يد الآخذ أفضل من يد
المعطي
الثالث أن يد المعطي أعلى من يد السائل حسا ومعنى وهذا معلوم بالضرورة
الرابع أن العطاء صفة كمال دال على الغنى والكرم والإحسان والمجد والأخذ
صفة نقص مصدره عن الفقر والحاجة فكيف تفضل يد المعطى هذا عكس الفطرة والحس
والشريعة والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله والسنة الصحيحة مصرحة بأن مدة التعريف سنة
ووقع في حديث أبي بن كعب المتقدم أنها تعرف ثلاثة أعوام ووقع الشك في
رواية حديث أبي بن كعب أيضا هل ذلك في سنة أو في ثلاث سنين وفي الأخرى
عامين أو ثلاثة فلم يجزم والجازم مقدم
وقد رجع أبي بن كعب آخرا إلى عام واحد وترك ما شك فيه
وحكى مسلم في صحيحه عن شعبة أنه قال سمعته يعني سلمة بن كهيل بعد عشر سنين يقول عرفها عاما واحدا
وقيل هي قضيتان فأولى لأعرابي أفتاه بما يجوز له
بعد عام
والثانية لأبي بن كعب أفتاه بالكف عنها والتربص بحكم الورع ثلاثة أعوام وهو من فقهاء الصحابة وفضلائهم
وقد يكون ذلك لحاجة الأول إليها وضرورته واستغناء أبي فإن كان من مياسير الصحابة
ولم يقل أحد من أئمة الفتوى بظاهره وأن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام إلا رواية جاءت عن عمر بن الخطاب
ويحتمل أن يكون الذي قال له عمر ذلك موسرا وقد روى عن عمر أن اللقطة تعرف سنة مثل قول الجماعة
وحكى في الحاوي عن شواذ من الفقهاء أنه يلزمها أن يعرفها ثلاثة أحوال
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقال بعضهم الفرق بين لقطة مكة
وغيرها أن الناس يتفرقون من مكة فلا يمكن تعريف اللقطة في العام فلا يحل
لأحد أن يلتقط لقطتها إلا مبادرا إلى تعريفها قبل تفرق الناس بخلاف غيرها
من البلاد
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه
الله وقال ابن القطان علته الشك في اتصاله فإن محمد بن علي بن عبد الله بن
عباس يرويه عن ابن عباس ومحمد بن علي إنما هو معروف في الرواية عن أبيه عن
جده ابن عباس
وفي صحيح مسلم حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي بن
عبد الله بن عباس عن أبيه عن عبد الله بن عباس أنه رقد عند رسول الله صلى
الله عليه و سلم الحديث وحديثه عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم أكل كتفا أو لحما ثم
صلى ولم يمس ماء ذكره البزار وقال ولا
أعلم روى عن جده إلا هذا الحديث يعني وقت لأهل السرق الخ وأخاف أن يكون
منقطعا ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم أنه روى عن جده وقال مسلم في
كتاب التمييز
لم يعلم له سماع من جده ولا أنه لقيه
قال الحافظ
شمس الدين بن القيم رحمه الله هذا الحديث حديث أم سلمة قال غير واحد من
الحفاظ إسناده ليس بالقوي وقد سئل عبد الله بن عبدالرحمن بن يحنس هل قال
ووجبت له الجنة أو قال أو وجبت بالشك بدل قوله غفر له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر هذا هو الصواب بأو
وفي كثير من النسخ ووجبت بالواو وهو غلط والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى النسائي من حديث إسرائيل عن عمار عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت ذبح عنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حججنا بقرة بقرة وعن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت ما ذبح عن آل محمد في الوداع إلا بقرة وبه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نحر عن آل محمد في حجة
الوداع بقرة واحدة وسيأتي قول عائشة ذبح رسول الله صلى الله عليه و سلم البقر يوم النحر
ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حج بنسائه كلهن وهن يومئذ تسع
وكلهن كن متمتعات حتى عائشة فإنها قرنت فإن كان الهدي متعددا فلا إشكال وإن
كان بقرة واحدة بينهن وهن تسع فهذا حجة لإسحاق ومن قال بقوله إن البدنة
تجزىء عن عشرة وهو إحدى الروايتين عن أحمد
وقد ذهب ابن حزم إلى أن هذا الاشتراك في البقرة إنما كان بين ثمان نسوة قال لأن عائشة لما قرنت لم يكن عليها هدي
واحتج بما في صحيح مسلم عنها من قولها فلما كانت ليلة الحصبة وقد قضى الله
حجنا أرسل معي عبدالرحمن بن أبي بكر فأردفني وخرج بي إلى التنعيم فأهللت
بعمرة فقضى الله حجنا وعمرتنا ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم وجعل
هذا أصلا في إسقاط الدم عن القارن ولكن هذه الزيادة وهي ولم يكن في ذلك هدي
مدرجة في الحديث من كلام هشام بن عروة بينه مسلم في الصحيح
قال
أنبأنا أبو كريب أنبأنا وكيع حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فذكر
الحديث وفي آخره قال عروة في ذلك أنه قضى الله حجها وعمرتها قال هشام ولم
يكن في ذلك هدي ولا صيام ولا صدقة فجعل وكيع هذا اللفظ من قول هشام وابن
نمير وعبدة لم يقولا قالت عائشة بل أدرجاه إدراجا وفصله وكيع وغيره
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هو الجهم بن الجارود
وقد ذكر هذا الحديث البخاري في تاريخه الكبير وعلله بهذه العلة وأعله ابن
القطان بأن جهم بن الجارود لا يعرف حاله ولا يعرف له راو إلا أبو عبدالرحيم
خالد بن أبي يزيد
قال وبذلك ذكره البخاري وأبو حاتم
قال
الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفيه أي في الحديث دليل على أن يوم
النحر أفضل الأيام وذهبت جماعة من العلماء إلى أن يوم الجمعة أفضل الأيام
واحتجوا بقوله صلى الله عليه و سلم خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجعمة وهو
حديث صحيح رواه ابن حبان وغيره
وفصل النزاع أن يوم الجمعة أفضل أيام
الأسبوع ويوم النحر أفضل أيام العام فيوم النحر مفضل على الأيام كلها التي
فيها الجمعة وغيرها ويم الجمعة مفضل على أيام الأسبوع
فإن اجتمعا في يوم تظاهرت الفضيلتان وإن تباينا فيوم النحر أفضل وأعظم لهذا الحديث
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله والأحاديث الصحيحة صريحة بأنها
أهلت أولا بعمرة ثم أمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حاضت أن تهل
بالحج فصارت قارنة
ولهذا قال لها النبي صلى الله عليه و سلم يكفيك
طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك متفق عليه وهو صريح في رد قول
من قال إنها رفضت إحرام العمرة رأسا وانتقلت إلى الإفراد وإنما أمرت برفض
أعمال العمرة من الطواف والسعي حتى تطهر لا برفض إحرمها
وأما قوله ولم
يكن في شيء من ذلك هدي فهو مدرج من كلام هشام كما بينه وكيع وغيره عنه حيث
فصل كلام عائشة من كلام هشام وأما ابن نمير وعبدة فأدرجاه في حديثهما ولم
يميزاه والذي ميزه معه زيادة علم ولم يعارض غيره فابن نمير وعبدة لم يقولا
قالت عائشة ولم يكن في شيء من ذلك هدى بل أدرجاه وميزه غيرهما
وأما
قول من قال إنها أحرمت بحج ثم نوت فسخه بعمرة ثم رجعت إلى حج مفرد فهو خلاف
ما أخبرت به عن نفسها وخلاف ما دل عليه قول النبي صلى الله عليه و سلم لها
يسعك طوافك لحجك وعمرتك والنبي صلى الله عليه و سلم إنما أمرها أن تهل
بالحج لما حاضت
كما أخبرت بذلك عن نفسها وأمرها أن تدع العمرة وتهل بالحج
وهذا كان بسرف قبل أن يأمر أصحابه بفسخ حجهم إلى العمرة فإنه إنما أمرهم بذلك على المروة
وقوله إنها أشارت بقولها فكنت فيمن أهل بعمرة إلى الوقت الذي نوت فيه
الفسخ في غاية الفساد فإن صريح الحديث يشهد ببطلانه فإنها قالت فكنت فيمن
أهل بعمرة فلما كان في بعض الطريق حضت فهذا صريح في أنها حاضت بعد إهلالها
بعمرة
ومن تأمل أحاديثها علم أنها أحرمت أولا بعمرة ثم أدخلت عليها الحج فصارت قارنة ثم اعتمرت من التنعيم عمرة مستقلة تطييبا لقلبها
وقد غلط في قصة عائشة من قال إنها كانت مفردة فإن عمرتها من التنعيم هي عمرة الإسلام الواجبة
وغلط من قال إنها كانت متمتعة ثم فسخت المتعة إلى أفراد وكانت عمرة التنعيم قضاء لتلك العمرة
وغلط من قال إنها كانت قارنة ولم يكن عليها صدقة ولا صوم وأن ذلك إنما يجب على المتمتع
ومن تأمل أحاديثها علم ذلك وتبين له أن الصواب ما ذكرناه
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد احتج به ابن حزم على أن المحرم لا يحرم عليه الامتشاط ولم يأت بتحريمه نص وحمله الأكثرون على امتشاط رفيق لا يقطع الشعر ومن قال كان بعد جمرة العقبة فسياق الحديث يبطل
قوله ومن قال هو التمشط بالأصابع فقد أبعد في التأويل ومن قال إنها أمرت
بترك العمرة رأسا فقوله باطل لما تقدم فإنها لو تركتها رأسا لكان قضاؤها
واجبا والنبي صلى الله عليه و سلم قد أخبرها أنه لا عمرة عليها وأن طوافها
يكفي عنهما وقوله أهلي بالحج صريح في أن إحرامها الأول كان بعمرة كما أخبرت
به عن نفسها وهو يبطل قول من قال كانت مفردة فأمرت باستدامة الإفراد
وفي الحديث دليل على تعدد السعي على المتمتع فإن قولها ثم طافوا طوافا آخر
بعد أن رجعوا من منى لحجهم تريد به الطواف بين الصفا والمروة ولهذا نفته عن
القارنين ولو كان المراد به الطواف بالبيت لكان الجميع فيه سواء فإن طواف
الإفاضة لا يفترق فيه القارن والمتمتع
وقد خالفها جابر في ذلك ففي
صحيح مسلم عنه أنه قال لم يطف النبي صلى الله عليه و سلم ولا أصحابه بين
الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول وأخذ الإمام أحمد بحديث جابر
هذا في رواية ابنه عبد الله والمشهور عنه أنه لابد من طوافين على حديث
عائشة ولكن هذه اللفظة وهي فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت إلى آخره قد
قيل إنها مدرجة في الحديث من كلام عروة
قال الحافظ شمس الدين بن
القيم رحمه الله والصواب أن ما أحرم به صلى الله عليه و سلم كان أفضل وهو
القرآن ولكن أخبر أنه لو استقبل من أمره ما استدبر لأحرم بعمرة وكان حينئذ
موافقا لهم في المفضول تأليفا لهم وتطييبا لقلوبهم كما ترك بناء الكعبة على
قواعد إبراهيم وإدخال الحجر فيها وإلصاق بابها بالأرض تأليفا لقلوب
الصحابة الحديثي العهد بالإسلام خشية أن تنفر قلوبهم
وعلى هذا فيكون
الله تعالى قد جمع له الأمرين النسك الأفضل الذي أحرم به وموافقته لأصحابه
بقوله لو استقبلت فهذا بفعله وهذا بنيته وقوله وهذا الأليق بحاله صلوات
الله وسلامه عليه
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وعند
النسائي عن سراقة تمتع رسول الله وتمتعنا معه فقلنا ألنا خاصة أم للأبد قال
بل للأبد وهو صريح في أن العمرة التي فسخوا حجهم إليها لم تكن مختصة بهم
وأنها مشروعة للأمة إلى يوم القيامة
وقول من قال إن المراد به السؤال
عن المتعة في أشهر الحج لا عن عمرة الفسخ باطل من وجوه أحدها أنه لم يقع
السؤال عن ذلك ولا في اللفظ ما يدل عليه وإنما سأله عن تلك العمرة المعينة
التي أمروا بالفسخ إليها ولهذا أشار إليها بعينها فقال متعتنا هذه ولم يقل
العمرة في أشهر الحج
الثاني أنه لو قدر أن السائل أراد ذلك فالنبي
أطلق الجواب بأن تلك العمرة مشروعة إلى الأبد ومعلوم أنها مشتملة على وصفين
كونها عمرة فسخ الحج إليها وكونها في أشهر الحج
فلو كان المراد أحد الأمرين وهو كونها في أشهر الحج لبينه للسائل لا سيما إذا كان الفسخ حراما باطلا
فكيف يطلق الجواب عما يجوز ويشرع
وما لا يحل ولا يصح إطلاقا واحدا هذا مما ينزه عنه آحاد أمته فضلا عنه
ومعلوم أن من سئل عن أمر يشتمل على جائز ومحرم وجب عليه أن يبين للسائل
جائزه من حرامه ولا يطلق الجواز والمشروعية عليه إطلاقا واحدا
الثالث
أن النبي قد اعتمر قبل ذلك ثلاث عمر كلهن في أشهر الحج وقد علم ذلك الخاص
والعام أفما كان في ذلك ما يدل على جواز العمرة في أشهر الحج الرابع أن
النبي قال لهم عند إحرامهم من شاء أن يهل بعمرة فليهل وفي هذا أعظم البيان
لجواز العمرة في أشهر الحج
الخامس أنه خص بذلك الفسخ من لم يكن معه
هدي وأما من كان معه هدي فأمره بالبقاء على إحرامه وأن لا يفسخ فلو كان
المراد ما ذكروه لعم الجميع بالفسخ ولم يكن للهدي أثر أصلا فإن سبب الفسخ
عندهم الإعلام المجرد بالجواز وهذا الإعلام لا تأثير للهدي في المنع منه
السادس أن طرق الإعلام بجواز الاعتمار في أشهر الحج أظهر وأبين قولا وفعلا
من الفسخ فكيف يعدل عن الإعلام بأقرب الطرق وأبينها وأسهلها وأدلها إلى
الفسخ الذي ليس بظاهر فيما ذكره من الإعلام والخروج من نسك إلى نسك
وتعويضهم بسعة ذلك عليهم لمجرد الإعلام الممكن الحصول بأقرب الطرق وقد بين
ذلك غاية البيان بقوله وفعله فلم يحلهم بالإعلام على الفسخ
السابع أنه لو فرض أن الفسخ للإعلام المذكور لكان ذلك دليلا على داوم مشروعيته إلى يوم
القيامة فإن ما شرع في المناسك لمخالفة المشركين مشروع أبدا كالوقوف بعرفة لقريش وغيرهم والدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس
الثامن أن هذا الفسخ وقع في آخر حياة النبي ولم يجىء عنه كلمة قط تدل على
نسخه وإبطاله ولم تجمع الأمة بعده على ذلك بل منهم من يوجبه كقول حبر الأمة
وعالمها عبد الله بن عباس ومن وافقه وقول إسحاق وهو قول الظاهرية وغيرهم
ومنهم من يستحبه ويراه سنة رسول الله كقول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل وقد
قال له سلمة بن شبيب ياأبا عبد الله كل شيء منك حسن إلا خصلة واحدة تقول
بفسخ الحج إلى العمرة فقال ياسلمة
كان يبلغني عنك أنك أحمق وكنت أدافع
عنك والآن علمت أنك أحمق عندي في ذلك بضعة عشر حديثا صحيحه عن رسول الله
أدعها لقولك وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وعبيد الله بن الحسن وكثير من أهل
الحديث أو أكثرهم
التاسع أن هذا موافق لحج خير الأمة وأفضلها مع خير
الخلق وأفضلهم فإنه أمرهم بالفسخ إلى المتعة وهو لا يختار لهم إلا الأفضل
فكيف يكون ما اختاره لهم هو المفضول المنقوص بل الباطل الذي لا يسوغ لأحد
أن يقتدي بهم فيه العاشر أن الصحابة رضي الله عنهم إذا لم يكتفوا بعمل
العمرة معه ثلاثة أعوام في أشهر الحج وبقوله لهم عند الإحرام من شاء أن يهل
بعمرة فليهل على جواز العمرة في أشهر الحج فهم أحرى أن يكتفوا بالأمر
بالفسخ في العلم بجواز العمرة في أشهر الحج فإنه إذا لم يحصل لهم العلم
بالجواز بقوله وفعله فكيف يحصل بأمره لهم بالنسخ
الحادي عشر أن ابن
عباس الذي روى أنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور وأن
النبي أمرهم لما قدموا بالفسخ هو كان يرى وجوب الفسخ ولا بد بل كان يقول كل
من طاف بالبيت فقد حل من إحرامه ما لم يكن معه هدي وابن عباس أعلم بذلك
فلو كان النبي إنما أمرهم بالفسخ للإعلام بجواز العمرة لم يخف ذلك على ابن
عباس ولم يقل إن كل من طاف بالبيت من قارن أو حاج لا هدي معه فقد حل
الثاني عشر أنه لا يظن بالصحابة الذين هم أصح الناس أذهانا وأفهاما وأطوعهم
لله ولرسوله أنهم لم يفهموا جواز العمرة في أشهر الحج وقد عملوها مع رسول
الله ثلاثة أعوام وأذن لهم فيها ثم فهموا ذلك من الأمر بالفسخ
الثالث
عشر أن النبي إما أن يكون أمرهم بالفسخ لأن التمتع أفضل فأمرهم بالفسخ إلى
أفضل الأنساك أو يكون أمرهم به ليكون نسكهم مخالفا للمشركين في التمتع في
أشهر الحج وعلى التقديرين فهو مشروع غير منسوخ إلى الأبد
أما الأول
الظاهر وأما الثاني فلأن الشريعة قد استقرت ولا سيما في المناسك على قصد
مخالفة المشركين فالنسك المشتمل على مخالفتهم أفضل بلا ريب وهذا واضح
الرابع عشر أن السائل للنبي عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد لم يرد به أنها هل
تجزىء عن تلك السنة فقط أو عن العمر كله فإنه لو كان مراده ذلك لسأل عن
الحج الذي هو فرض الإسلام ومن المعلوم أن العمرة إن كانت واجبة لم تجب في
العمر إلا مرة واحدة ولأنه لو أراد ذلك لم يقل له النبي بل لأبد الأبد فإن
أبد الأبد إنما يكون في حق الأمة قوما يعرفون إلى يوم القيامة وإن الأبد لا
يكون في حق طائفة معينة بل هو لجميع الأمة ولأنه قال في رواية النسائي
ألنا خاصة أم للأبد فدل على أنهم إنما سألوا
هل يسوغ فعلها بعدك على
هذا الوجه فأجابهم بأن فعلها كذلك سائغ أبد الأبد وفي رواية للبخاري أن
سراقة بن مالك لقي النبي فقال ألكم هذه خاصة يارسول الله قال بل للأبد
الخامس عشر أن النبي أخبرهم في تلك الحجة أن كل من طاف بالبيت فقد حل إلا
من كان معه الهدي ففي السنن من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه قال خرجنا مع
رسول الله حتى إذا كان بعسفان قال له سراقة بن مالك المدلجي يارسول الله
اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم فقال
إن الله عزوجل قد أدخل عليكم
في حجكم هذا عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل
إلا من كان معه هدي وسيأتي الحديث
فهذا نص انفساخه شاء أم أبى كما قال
ابن عباس وإسحاق ومن وافقهما وقوله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم
يريد قضاء لازما لا يتغير ولا يتبدل بل نتمسك به من يومنا هذا إلى آخر
العمر
السادس عشر أن النبي لما سئل عن تلك العمرة التي فسخوا إليها
الحج وتمتعوا بها ابتداء فقال دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة كان هذا
تصريحا منه بأن هذا الحكم ثابت أبدا لا ينسخ إلى يوم القيامة ومن جعله
منسوخا فهذا النص يرد قوله
وحمله على العمرة المبتدأة التي لم يفسخ
الحج إليها باطل فإن عمدة الفسخ سبب الحديث فهي مرادة منه نصا وما عداها
ظاهرا وإخراج محل السبب وتخصيصه من اللفظ العام لا يجوز فالتخصيص وإن تطرق
إلى العموم فلا يتطرق إلى محل السبب
وهذا باطل
السابع عشر أن
متعة الفسخ لو كانت منسوخة لكان ذلك من المعلوم عند الصحابة ضرورة كما كان
من المعلوم عندهم نسخ الكلام في الصلاة ونسخ القبلة ونسخ تحريم الطعام
والشراب على الصائم بعد ما ينام بل كان بمنزلة الوقوف بعرفة والدفع من
مزدلفة قبل طلوع الشمس فإن هذا من أمور المناسك الظاهرة المشترك فيها أهل
الإسلام فكان نسخه لا يخفى على أحد
وقد كان ابن عباس إذا سألوه عن فتياه بها يقول سنة نبيكم وإن رغمتم فلا يراجعونه فكيف تكون منسوخة عندهم
وابن عباس يخبر أنها سنة نبيهم ويفتي بها الخاص والعام وهم يقرونه على ذلك هذا من أبطل الباطل
الثامن عشر أن الفسخ قد رواه عن النبي أربعة عشر من الصحابة وهم عائشة
وحفصة وعلي وفاطمة وأسماء بنت أبي بكر وجابر وأبو سعيد وأنس وأبو موسى
والبراء وابن عباس وسراقة وسبرة ورواه عن عائشة الأسود بن يزيد والقاسم
وعروة وعمرة وذكوان مولاها
ورواه عن جابر عطاء ومجاهد ومحمد بن علي وأبو الزبير
ورواه عن أسماء صفية ومجاهد
ورواه عن أبي سعيد أبو نضرة
ورواه عن البراء أبو إسحاق
ورواه عن ابن عمر سالم ابنه وبكر بن عبد الله
ورواه عن أنس أبو قلابة ورواه عن أبي موسى طارق بن شهاب ورواه عن ابن عباس
طاووس وعطاء وابن سيرين وجابر بن زيد ومجاهد وكريب وأبو العالية ومسلم
القرشي وأبو حسان الأعرج ورواه عن سبرة ابنه
فصار نقل كافة عن كافة يوجب العلم ومثل هذا لا يجوز دعوى نسخه إلا بما يترجح عليه أو يقاومه
فكيف يسوغ دعوى نسخه بأحاديث لا تقاومه ولا تدانيه ولا تقاربه وإنما هي بين مجهول رواتها أو ضعفاء لا تقوم بهم حجة
وما صح فيها فهو رأي صاحب قاله بظنه واجتهاده وهو أصح ما فيها وهو قول أبي
ذر كانت المتعة لنا خاصة وما عداه فليس بشيء وقد كفانا رواته مؤنته
فلو كان ما قاله أبو ذر رواية صحيحة ثابتة مرفوعة لكان نسخ هذه الأحاديث
المتواترة به ممتنعا فكيف وإنما هو قوله ومع هذا فقد خالفه فيه عشرة من
الصحابة كابن عباس وأبي موسى الأشعري وغيرهما
التاسع عشر أن الفسخ موافق للنصوص والقياس
أما موافقته للنصوص فلا ريب فيه كما تقدم
وأما موافقته للقياس فإن المحرم إذا التزم أكثر مما كان التزمه جاز
بالاتفاق فلو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج جاز اتفاقا وعكسه لا يجوز
عند الأكثرين وأبو حنيفة يجوزه على أصله فإن القارن يطوف طوافين ويسعى
سعيين فإذا أدخل العمرة على الحج جاز عنده لالتزامه طوافا ثانيا وسعيا وإذا
كان كذلك فالمحرم بالحج لم يلتزم إلا الحج إذا صار متمتعا صار ملتزما
لعمرة وحج فكان ما التزمه بالفسخ أكثر مما كان عليه فجاز ذلك بل استحب له
لأنه أفضل وأكثر مما التزمه أولا
وإنما يتوهم الإشكال من يتوهم أنه
فنسخ حج إلى عمرة وليس كذلك فإنه لو أراد أن يفسخ الحج إلى عمرة مفردة لم
يجز عند أحد وإنما يجوز الفسخ لمن نيته أن يحج بعد متعته من عامه والمتمتع
من حين يحرم بالعمرة دخل في الحج كما قال النبي دخلت العمرة في الحج فهذه
المتعة التي فسخ إليها هي جزء من الحج ليست عمرة مفردة وهي من الحج بمنزلة
الوضوء من غسل الجنابة فهي عبادة واحدة قد تخللها الرخصة بالإحلال وهذا لا
يمنع أن تكون واحدة كطواف الافاضة فإنه من
تمام الحج ولا يفعل إلا بعد التحلل الأول وكذلك رمي الجمار أيام منى من تمام الحج وهو يفعل بعد التحلل التام
وقول النبي من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق يتناول من حج حجة تمتع فيها
بالعمرة وإن تحلل من إحرامه ولم تكن حجته مكية اذلا ينقلهم الرؤوف الرحيم
بهم من الفاضل الراجح إلى المفضول الناقص بل إنما نقلهم من المفضول إلى
الفاضل الكامل لا يجوز غير هذا البتة
العشرون أن القياس أنه إذا
اجتمعت عبادتان كبرى وصغرى فالسنة تقديم الصغرى على الكبرى منهما ولهذا كان
النبي يبدأ في غسل الجنابة الوضوء أولا ثم يتبعه الغسل وقال في غسل ابنته
ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها فنسخ الحج إلى العمرة يتضمن موافقة هذه
السنة
فقد تبين أنه موافق للنصوص والقياس ولحج خيار الأمة مع نبيها
ولو لم يمكن فيه نص لكان القياس يدل على جوازه من الوجوه التي ذكرنا وغيرها
ولو تتبعنا أدلة جوازه لطالت
وفي هذا كفاية والحمد لله
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفيه اكتفاء المتمتع بسعي واحد كما تقدم
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقوله دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة لا ريب في أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم
يقل أحد أنه من قول ابن عباس وكذلك قوله هذه عمرة تمتعنا بها وهذا لا يشك فيه من له أدنى خبرة بالحديث
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله والتعليل الذي تقدم لأبي داود في
قوله هذا حديث منكر إنما هو لحديث عطاء هذا عن ابن عباس يرفعه إذا أهل
الرجل بالحج فإن هذا قول ابن عباس الثابت عنه بلا ريب رواه عنه أبو الشعثاء
وعطاء وأنس بن سليم وغيرهم من كلامه فانقلب على الناسخ فنقله إلى حديث
مجاهد عن ابن عباس وهو إلى جانبه وهو حديث صحيح لا مطعن فيه ولا علة ولا
يعلل أبو داود مثله ولا
من هو دون أبي داود وقد اتفق الأئمة الأثبات على رفعه والمنذري رحمه الله رأى ذلك في السنن فنقله كما وجده والأمر كما ذكرنا
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وهذا الحديث باطل ولا يحتاج
تعليله إلى عدم سماع ابن المسيب من عمر فإن ابن المسيب إذا قال قال رسول
الله صلى الله عليه و سلم فهو حجة
قال الإمام أحمد إذا لم يقبل سعيد
بن المسيب عن عمر فمن يقبل وقال أبو محمد بن حزم هذا حديث في غاية الوهي
والسقوط لأنه مرسل عمن لم يسم وفيه أيضا ثلاثة مجهولون أبو عيسى الخراساني
وعبد الله بن القاسم وأبوه ففيه خمسة عيوب وهو ساقط لا يحتج به من له أدنى
علم وقال عبدالحق هذا منقطع ضعيف الإسناد
قال الحافظ شمس الدين بن
القيم رحمه الله وقال عبدالحق لم يسمع أبو شيخ من معاوية هذا الحديث وإنما
سمع منه النهي عن ركوب جلود النمور فأما النهي عن القران فسمعه من أبي حسان
عن معاوية بن مرة يقول عن أخيه حمان ومرة يقول جمان وهم مجهولون وقال ابن
القطان يرويه عن أبي شيخ رجلان قتادة ومطرف لا يجعلان بين أبي شيخ وبين
معاوية أحدا ورواه عنه بيهس بن فهدان فذكر سماعه من معاوية لفظ النهي عن
ركوب جلود النمور خاصة
قال النسائي ورواه عن أبي شيخ يحيى بن أبي كثير فأدخل بينه وبين معاوية رجلا اختلفوا في ضبطه
فقيل أبو حماز وقيل حمان وهو أخو أبي شيخ
وقال الدارقطني القول قول من لم يدخل بين أبي شيخ ومعاوية فيه أحدا يعنى قتادة ومطرفا وبيهس بن فهدان
وقال غيره أبو شيخ هذا لم نعلم عدالته وحفظه ولو كان حافظا لكان حديثه هذا
معلوم البطلان إذ هو خلاف المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من
فعله وقوله فإنه أحرم قارنا رواه عنه ستة عشر نفسا من أصحابه وخير أصحابه
بين القران والإفراد والتمتع وأجمعت الأمة على جوازه
ولو فرض صحة هذا
عن معاوية فقد أنكر الصحابة عليه أن يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم
نهى عنه فلعله وهم أو اشتبه عليه نهيه عن متعة النساء بمتعة الحج كما اشتبه
على غيره
والقران داخل عندهم في اسم المتعة وكما اشتبه عليه تقصيره
عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض عمره بأن ذلك في حجته وكما اشتبه
على ابن عباس نكاح رسول الله صلى الله عليه و سلم لميمونة فظن أنه نكحها
محرما وكان قد أرسل أبا رافع إليها ونكحها وهو حلال فاشتبه الأمر على ابن
عباس
وهذا كثير
ووقع في بعض نسخ سنن أبي داود نهى أن يفرق بين الحج والعمرة بالفاء والقاف
قال ابن حزم هكذا روايتي عن عبد الله بن ربيع وهكذا في كتابه وهو والله أعلم وهم والمحفوظ يقرن في هذا الحديث
تم كلامه
وقد رواه النسائي في سننه قال حدثنا أبو داود أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا
شريك بن أبي فروة عن الحسن قال خطب معاوية الناس فقال إني محدثكم بحديث
سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم فصدقوني سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يقول لا تلبسوا الذهب إلا مقطعا قالوا سمعنا قال وسمعته يقول من
ركب جلود النمور لم تصحبه الملائكة قالوا سمعنا قال وسمعته ينهي عن المتعة
قالوا لم نسمع
فقال بلى وإلا فصمتا فهذا أصح من حديث أبي شيخ
وإنما فيه النهي عن المتعة وهي والله أعلم متعة النساء فظن من ظن أنها متعة الحج والقران متعة فرواه بالمعنى فأخطأ خطأ فاحشا
وعلى كل حال فليس أبو شيخ ممن يعارض به كبار الصحابة الذين رووا القران عن
رسول الله صلى الله عليه و سلم وإخباره أن العمرة دخلت في الحج إلى يوم
القيامة وأجمعت الأمة عليه
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين
بن القيم رحمه الله ومن تأمل الأحاديث الواردة في هذا الباب حق التأمل جزم
جزما لا ريب فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم أحرم في حجته قارنا ولا
تحتمل الأحاديث غير ذلك بوجه من الوجوه أصلا
قال الإمام أحمد لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان قارنا
تم كلامه
وقد روى عنه ذلك خمسة عشر من أصحابه وهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب
وعائشة أم المؤمنين وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس
وعمران بن حصين والبراء بن عازب وحفصة أم المؤمنين وأنس بن مالك
وأبو قتادة وابن أبي أوفى فهؤلاء صحت عنهم الرواية بغاية البيان والتصريح
ورواه الهرماس بن زياد وسراقة بن مالك وأبو طلحة وأم سلمة لكن روت أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أهله بالقران
وهؤلاء منهم من أخبر عن لفظه في إهلاله بنسكه أنه قال لبيك حجا وعمرة كأنس
وهو متفق على صحته وكعلي بن أبي طالب فإنه قال سمعت رسول الله صلى الله
عليه و سلم يلبي بهما جميعا وهو في الصحيحين والنسائي وسنن أبي داود ولفظ
أصحاب الصحيح أن عليا أهل بحج وعمرة وقال ما كنت لأدع سنة رسول الله صلى
الله عليه و سلم لقول أحد
فقد أخبر علي أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم لبى بهما جميعا وأهل هو بهما جميعا وأخبر أنها سنة النبي صلى الله عليه
و سلم ووافقه عثمان على ذلك
ومنهم من أخبر عن خبره صلى الله عليه و
سلم عن نفسه بأنه كان قارنا وهم البراء بن عازب فإنه روى عن رسول الله صلى
الله عليه و سلم لفظه أنه قال لعلي إني سقت الهدي وقرنت وهو حديث صحيح رواه
أهل السنن
ومنهم من أخبر عنه صلى الله عليه و سلم باللفظ الذي أمره به ربه وهو أن يقول عمرة في حجة كعمر بن الخطاب
وحمل ذلك على أنه أمر بتعليمه كلام في غاية البطلان
ومن تأمل سياق الحديث ولفظه ومقصوده علم بطلان هذا التأويل الفاسد
وقولهم إن الرواية الصحيحة قل عمرة وحجة وأنه فصل بينهما بالواو
فهو صريح في نفس القران فإنه جمع بينهما في إحرامه وامتثل صلى الله عليه و
سلم أمر ربه وهو أحق من امتثله فقال لبيك عمرة وحجا بالواو
وقولهم
يحتمل أن يريد به أنه يحرم بعمرة إذا فرغ من حجته قبل أن يرجع إلى منزله
فعياذا بالله من تقليد يوقع في مثل هذه الخيالات الباطلة فمن المعلوم
بالضرورة أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يعتمر بعد حجته قط هذا ما لا يشك
فيه من له أدنى إلمام بالعلم وهو صلى الله عليه و سلم أحق الخلق بامتثال
أمر ربه فلو كان أمر أن يعتمر بعد الحج كان أولى الخلق بالمبادرة إلى ذلك
ولا ريب أنه صلى الله عليه و سلم اعتمر مع حجته فكانت عمرته مع الحج لا
بعده قطعا
ونصرة الأقوام إذا أفضت بالرجل إلى هذا الحد ظهر قبحها وفسادها
وقولهم محمول على تحصيلمها معا
قلنا أجل وقد حصلهما صلى الله عليه و سلم جميعا بالقران على الوجه الذي
أخبر به عن نفسه وتبعه أصحابه من إهلاله ومنهم من أخبر عن فعله وهو عمران
بن حصين في الصحيحين عنه قال جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين حجة
وعمرة وتأويل هذا بأنه أمر أو إذن في غاية الفساد ولهذا قال تمتع وتمتعنا
معه فأخبر عن فعله وفعلهم
وسمي القران تمتعا وهو لغة الصحابة كما سيأتي
ومنهم من أخبر عن إهلاله بهما أحدهما بعد الآخر وهم عبد الله بن عمر
وعائشة ففي الصحيحين عنهما وبدأ رسول الله صلى الله عليه و سلم فأهل
بالعمرة ثم أهل بالحج وعن عائشة مثله
وفي الصحيحين عن عائشة أن النبي
صلى الله عليه و سلم اعتمر أربع عمر الرابعة مع حجته ومن المعلوم ضرورة أنه
لم يعتمر بعد الحج فكانت عمرته مع حجته قطعا
وفي الصحيحين مثله عن أنس
واتفق ستة عشرة
نفسا من الثقات عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم أهل بهما جميعا وهم
الحسن البصري وأبو قلابة وحميد بن هلال وحميد بن عبدالرحمن الطويل وقتادة
ويحيى بن سعيد الأنصاري وثابت البناني وبكر بن عبد الله المزني وعبدالعزيز
بن صهيب وسليمان التيمي ويحيى بن أبي إسحاق وزيد بن أسلم ومصعب ابن سليم
وأبو أسماء وأبو قدامة وأبو قزعة الباهلي
وروى البزار من حديث ابن أبي أوفى قال إنما جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الحج والعمرة لأنه علم أنه لا يحج بعد عامه ذلك
وروى أبو القاسم البغوي من حديث سفيان بن عيينة عن ابن أبي خالد أنه سمع
عبد الله بن أبي قتادة يقول إنما جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بن
الحج والعمرة لأنه علم أنه لا يحج بعدها
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث الهرماس بن زياد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل بالحج والعمرة
وروى ابن أبي شيبة حدثنا شبابة حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن
أبي عمران قال دخلت على أم سلمة أم المؤمنين فقالت سمعت رسول الله صلى
الله عليه و سلم يقول أهلوا ياآل محمد بعمرة وحج
ولم يكن صلى الله عليه و سلم يختار لآله إلا أفضل الأنساك وهو الذي اختاره لعلي وأخبر عن نفسه أنه فعله
فهذه الأحاديث صحيحة صريحة لا تحتمل مطعنا في مسندها ولا تأويلا يخالف مدلولها وكلها دالة على أنه صلى الله عليه و سلم كان قارنا
والذين عليهم مدار الإفراد أربعة عائشة وابن عمر وجابر وابن عباس وكلهم قد روى القران
أما ابن عمر وعائشة ففي الصحيحين عن ابن عمر أنه قال بدأ رسول الله صلى
الله عليه و سلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وفي الصحيحين عن عروة أن عائشة
أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في تمتعه بالحج إلى العمرة وتمتع
الناس معه بمثل هذا وروى عبدالرزاق حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع أن ابن
عمر قرن بين الحج والعمرة فطاف بالبيت لهما وبين الصفا والمروة طوافا واحدا
وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم ورواه مسلم عن قتيبة عن
الليث عن نافع عن ابن عمر
وقالت عائشة اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثا سوى التي قرن بحجة الوداع
ذكره أبو داود وسيأتي
وروى الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و
سلم حج ثلاث حجج قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معها عمرة الحديث
وفي
صحيح مسلم عن ابن عباس أهل النبي صلى الله عليه و سلم بعمرة وأهل أصحابه
بحج فلم يحل النبي صلى الله عليه و سلم ولا من ساق الهدي من أصحابه وحل
بقيتهم وسيأتي في كتاب السنن عن عكرمة عنه قال اعتمر رسول الله صلى الله
عليه و سلم أربع عمر عمرة الحديبية والثانية حين تواطؤوا على عمرة قابل
والثالثة من الجعرانة والرابعة التي قرن مع حجته وهذا العمرة التي قرنها مع
حجته هي التي قال فيها أهل النبي صلى الله عليه و سلم بعمرة ردا على من
قال أهل بحج مفرد
ولم يقل أحد من هؤلاء ولا من غيرهم
قط عن
النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إني أفردت الحج كما قال قرنت ولا قال
سمعته يقول لبيك حجا كما قال لبيك حجا وعمرة ولا هو أخبر عن نفسه بذلك ولا
أحد من الصحابة أخبر عن لفظ إهلاله به
فأما إخباره عن نفسه بالقران وإخبار أصحابه عنه بلفظه فصريح لا معارض له
والذين رووا الإفراد قد تبين أنهم رووا القران والتمتع وهم لا يتناقضون في
رواياتهم بل رواياتهم يصدق بعضها بعضا وإنما وقع الإشكال حيث لم تقع
الإحاطة بمعرفة مراد الصحابة ولغتهم فإنهم كانوا يسمون القران تمتعا كما في
الصحيحين من حديث ابن عمر وقد تقدم وحديث علي أن عثمان لما نهى عن المتعة
قال علي لبيك بهما وقال لم أكن لأدع سنة رسول الله لقول أحد
ومن قال أفرد الحج لم يقل أفرد إهلال الحج وإنما من مراده أنه اقتصر على أعمال الحج ودخلت عمرته في حجه
فلم يفرد كل واحد من النسكين بعمل ولهذا أخبر أيضا أنه قرن فعلم أن مراده بالإفراد ما ذكرنا
ومن قال تمتع أراد به التمتع العام الذي يدخل فيه القران بنص القرآن في
قوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي والقارن داخل في
هذا النص فتمتع صلى الله عليه و سلم بترفهه بسقوط أحد السفرين وقرن بجمعه
في إهلاله بين النسكين وأفرد فلم يطف طوافين ولم يسع سعيين
ومن تأمل الأحاديث الصحيحة في هذا الباب حزم بهذا وهذا فصل النزاع والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله بعد قول المنذري وقد قالت حفصة
ما بال الناس حلوا الخ واحتج بهذا من قال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم
تمتع في حجة الوداع تمتعا حل فيه كالقاضي أبي يعلى وغيره
وهذا غلط
منهم فإن المعلوم من شأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه لم يحل بعمرة
في حجته وقد تواتر عنه صلى الله عليه و سلم ذلك وقال لولا أن معي الهدي
لأحللت وهذا لا يستريب فيه من له علم بالحديث فهذا لم يقع في حجته بلا ريب
وإنما وقع في بعض عمره ويتعين أن يكون في عمرة الجعرانة والله أعلم لأن
معاوية إنما أسلم يوم الفتح مع أبيه فلم يقصر عنه في عمرة الحديبية ولا
عمرة القضية والنبي صلى الله عليه و سلم لم يكن محرما في الفتح ولم يحل من
إحرامه في حجة الوداع بعمرة فتعين أن يكون ذلك في عمرة الجعرانة هذا إن كان
المحفوظ أنه هو الذي قصر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإن كان
المحفوظ هو الرواية الأخرى وهو قوله رأيته يقصر عنه على المروة فيجوز أن
يكون في عمرة القضية أو الجعرانة حسب ولا يجوز في غيرهما لما تقدم
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله بعد قول المنذري وفي لفظ مسلم
لبى بالحج وحده الخ الذين قالوا قرن النبي صلى الله عليه و سلم في حجته
اختلفت طرقهم في كيفية قرانه فطائفة قالت أحرم بالعمرة أولا ثم أدخل عليها
الحج وهذا ظاهر حديث ابن عمر وعائشة كما تقدم وهي طريقة أبي حاتم بن حبان
في صحيحه
قال هذه الأخبار التي ذكرنا في إفراد النبي صلى الله عليه و
سلم مما تنازع الأئمة فيها من زمان إلى زماننا هذا وشنع بها المعطلة وأهل
البدع على أئمتنا وقالوا رويتم ثلاثة أحاديث متضادة في فعل واحد ورجل واحد
وحاله واحدة وزعمتم أنها ثلاثتها صحاح من جهة النقل والعقل يدفع ما قلتم إذ
محال أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع كان مفردا قارنا
متمتعا إلى أن قال ولو توجه قائل هذا في الخلوة إلى الباري وسأله التوفيق
لإصابة الحق والهداية لطلب الرشد في الجمع بين الأخبار ونفي التضاد عن
الآثار لعلم بتوفيق الواحد القهار أن أخبار المصطفى لا تتضاد ولا تهاتر ولا
يكذب بعضها بعضا إذا صحت من جهة النقل
قال والفصل بين الجمع في
هذه الأخبار أن النبي صلى الله عليه و سلم أهل بالعمرة حيث أحرم كذلك قاله
مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة فخرج وهو مهل بالعمرة وحدها حتى إذا بلغ
سرف أمر أصحابه بما ذكرنا في خبر أفلح بن حميد يعني بالفسخ إلى العمرة
فمنهم من أفرد ومنهم من أقام على عمرته وأما من ساق الهدي منهم فأدخل الحج
على عمرته ولم يحل فأهل صلى الله عليه و سلم بهما معا حينئذ إلى أن دخل مكة
وكذلك أصحابه الذين ساقوا الهدي
فكل خبر روي في قران النبي صلى
الله عليه و سلم إنما كان ذلك حيث رأوه يهل بهما بعد إدخاله الحج على
العمرة إلى أن دخل مكة فطاف وسعى وأمر ثانيا من لم يكن ساق الهدي وكان قد
أهل بعمرة أن يتمتع ويحل وكان يتلهف على ما فاته من الإهلال حيث كان ساق
الهدي حتى إن بعض الصحابة ممن لم يكن ساق الهدي لم يحلوا حيث رأوه صلى الله
عليه و سلم لم يحل حتى كان من أمره ما وصفنا من دخوله صلى الله عليه و سلم
على عائشة وهو مغضب فلما كان يوم التروية وأحرم المتمتعون خرج رسول الله
صلى الله عليه و سلم إلى منى وهو يهل بالحج مفردا إذ العمرة التي قد أهل
بها في أول الأمر قد انقضت عند دخوله مكة بطوافه بالبيت
وسعيه بين الصفا والمروة
فحكى ابن عمر وعائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم أفرد الحج أرادا خروجه
إلى منى من مكة من غير أن يكون بين هذه الأخبار تضاد أو تهاتر وفقنا الله
لما يحبه من الخضوع عند ورود السنن إذا صحت والانقياد لقبولها واتهام
الأنفس وإلزاق الخطأ بها إذا لم يوفق لإدراك حقيقة الصواب دون القدح في
السنن والتعريج على الآراء المنكوسة والمقاييس المعكوسة إنه خير مسؤول تم
كلامه
وطائفة قالت كان مفردا أولا ثم أدخل العمرة على الحج فصار قارنا فظنوا أن ذلك من خصائصه وأنهم يجمعون بذلك بين الأحاديث
وهذا مع أن الأكثر لا يجوزونه فلم تأت لفظة واحدة تدل عليه بخلاف الأول فإنه قد قاله طائفة وفيه أحاديث صحاح
وطائفة قلت قرن ابتداء من حين أحرم وهو أصح الأقوال لحديث عمر وأنس وغيرهما وقد تقدما
والذين قالوا أفرد طائفتان طائفة ظنت أنه أفرد إفرادا اعتمر عقبه من التنعيم
وهذا غلط بلا ريب لم ينقل قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا قاله أحد من الصحابة وهو خلاف المتواتر المعلوم من فعله صلى الله عليه و سلم
وطائفة قالت أفرد إفرادا اقتصر فيه على الحج ولم يعتمر
والأحاديث الثابتة التي اتفق أئمة الحديث على صحتها صريحة في أنه اعتمر
عقبه فهو باطل قطعا وإن كان إفرادا مجردا عن العمرة فالأحاديث الصحيحة تدل
على خلافه
والذين قالوا تمتع
طائفتان طائفة قالت تمتع تمتعا حل منه
وهذا باطل قطعا كما تقدم
وطائفة قالت تمتع تمتعا لم يحل منه لأجل الهدي
وهذا وإن كان أقل خطأ من الذي قبله فالأحاديث الصحيحة تدل على أنه قرن إلا أن يريدوا بالتمتع القران فهذا حق
وطائفة قالت أحرم إحراما مطلقا ثم عينة بالإفراد وهذا أيضا يكفي في رده الأحاديث الثابتة الصريحة
وطائفة قالت قرن وطاف طوافين وسعى سعيين
والأحاديث الثابتة التي لا مطعن فيها تبطل ذلك والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد تأتي من بمعنى الباء كقوله يحفظونه من أمر الله أي بأمره تريد ولم تحل أنت بعمرة
وقالت طائفة معناه لم تحل من العمرة التي أمرت الناس بها
وقالت طائفة هذه اللفظة غير محفوظة فإن عبيد الله بن عمر لم يذكرها في حديثه حكاهما ابن حزم
وقالت طائفة هي مروية بالمعنى والحديث ولم تحل أنت من حجك فأبدل لفظ الحج بالعمرة
وقالت طائفة الحديث إنما فيه إقراره لها على أنه في عمرة وليس فيه أنها عمرة مفردة لا حجة معها
وقد أخبر عن نفسه بأنه قرن فهو إذن في حج وعمرة ومن كان في حج وعمرة فهو في عمرة قطعا
وهذه الوجوه بعضها واه وبعضها مقارب
فقول من قال المراد به من حجتك بعيد جدا إذ لا يعبر بالعمرة عن الحج وليس
هذا عرف الشرع ولا يطلق ذلك إلا إطلاقا مقيدا فيقال هي الحج الأصغر
وقول من قال إنها ظنت أنه صلى الله عليه و سلم كان فسخ العمرة كما أمر
أصحابه ولم يحل كما أحلوا فبعيد جدا فإن هذا الظن إنما كان يظهر بإحلاله
فبه يكون معتمرا فكيف تظن أنه قد فسخ بعمرة وهي تراه لم يحل وأما قول من
قال معناه لم تحل بعمرة ومن بمعنى الباء فتعسف ظاهر وإضافة العمرة إليه تدل
على أنها عمرة مختصة به هو فيها
وأما قول من قال معناه لم تحلل من
العمرة التي أمرت الناس بها ففاسد فإنه كيف يحل من عمرة غيره وحفصة أجل من
أن تسأل هذا السؤال وأما قول من قال إن هذه اللفظة ولم يذكرها عبيد الله
فخطأ من وجهين أحدهما أن مالكا قد ذكرها ومالك مالك
والثاني أن عبيد الله نفسه قد ذكرها أيضا ذكره مسلم في الصحيح عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله فذكر الحديث وفيه ولم تحل من عمرتك
وقول من قال مروية بالمعنى بعيد أيضا
فالوجه الأخير أقربها إلى الصواب وهو أنه ليس فيه إلا الإخبار عن كونه في عمرة وهذا لا ينفي أن يكون في حجة
وأجود منه أن يقال المراد بالعمرة المتعة وقد تقدم أن التمتع يراد به
القران والعمرة تطلق على التمتع فيكون المراد لم تحل من قرانك وسمته عمرة
كما يسمى تمتعا وهذه لغة الصحابة كما تقدم والله أعلم
قال الحافظ شمس
الدين بن القيم رحمه الله وهذا الحديث قد تضمن أمرين أحدهما فعل الصحابة
لها وهو بلا ريب بأمر النبي صلى الله عليه و سلم وهذه الرواية
والثاني اختصاصهم بها دون غيرهم وهذا رأي فروايته حجة ورأيه غير حجة وقد خالفه
فيه عبد الله بن عباس وأبو موسى الأشعري
وقد حمله طائفة على أن الذي اختص به هو وجوب الفسخ عليهم حتما وأما غيرهم
فيستحب له ذلك هذا إن كان مراده متعة الفسخ وإن كان المراد مطلق المتعة فهو
خلاف الإجماع والسنة المتواترة
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين
بن القيم رحمه الله وقد قال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن حديث بلال بن
الحرث المزني في فسخ الحج فقال لا أقول به وليس إسناده بالمعروف ولم يروه
إلا الدراوردي وحده
وقال عبدالحق الصحيح في هذا قول أبي ذر غير المرفوع إلى النبي صلى الله عليه و سلم
وقال ابن القطان فيه الحرث بن بلال عن أبيه بلال بن الحرث والحرث بن بلال لا يعرف حاله
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قول الإمام أحمد قال البيهقي قال
مسلم سمعت أحمد بن حنبل يقول فذكره وفي سنن ابن ماجه بإسناد على شرط
الصحيحين عن عائشة قالت يارسول الله هل على النساء جهاد قال جهاد لا قتال
فيه الحج والعمرة
واحتج من نفى الوجوب بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن العمرة أواجبة هي قال لا وأن
تعتمر خير لك رواه الترمذي من حديث الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر وقال
حسن صحيح
قال البيهقي كذا رواه الحجاج مرفوعا والمحفوظ إنما هو عن جابر موقوف عليه غير مرفوع
وقد نوقش الترمذي في تصحيحه فإن من رواية الحجاج بن أرطاة وقد ضعف ولو كان
ثقة فهو مدلس كبير وقد قال عن محمد بن المنكدر لم يذكر سماعا ولا ريب أن
هذا قادح في صحة الحديث
وقد قال الشافعي ليس في العمرة شيء ثابت بأنها
تطوع وقد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم بإسناد ضعيف لا تقوم بمثله حجة
تم كلامه قال البيهقي وروى ابن لهيعة عن عطاء عن جابر مرفوعا الحج والعمرة
فريضتان واجبتان قال البيهقي وهذا أيضا ضعيف لا يصح
فقد سقط الاحتجاج برواية جابر من الطريقين
وفي سنن ابن ماجه من حديث عمر بن قيس
أخبرني طلحة بن يحيى عن محمد بن إسحق عن طلحة بن عبيد الله
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الحج جهاد والعمرة تطوع رواه عن هشام عمار بن عن الحسن بن يحيى الخشني
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله في معنى التلبية ثمانية أقوال أحدهما إجابة لك بعد إجابة ولهذا المعنى كررت التلبية إيذانا بتكرير الإجابة
الثاني أنه انقياد من قولهم لببت الرجل إذا قبضت على
تلابيبه ومنه لببته بردائه والمعنى انقدت لك وسعت نفسي لك خاضعة ذليلة كما
يفعل بمن لبب بردائه وقبض على تلابيبه الثالث أنه من لب بالمكان إذا قام به
ولزمه
والمعنى أنا مقيم على طاعتك ملازم لها
اختاره صاحب الصحاح
الرابع أنه من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها وتقابلها أي مواجهتك بما تحب متوجه إليك
حكاه في الصحاح عن الخليل
الخامس معناه حبا لك بعد حب من قولهم
امرأة لبة إذا كانت محبة لولدها
السادس أنه مأخوذ من لب الشيء وهو خالصه ومنه لب الطعام ولب الرجل عقله وقلبه
ومعناه أخلصت لي وقلبي لك وجعلت لك لبي وخالصتي
السابع أنه من قولهم فلان رخي اللبب وفي لب رخي أي في حال واسعة منشرح الصدر
ومعناه أن منشرح الصدر متسع القلب لقبول دعوتك وإجابتها متوجه إليك بلبب رخي يوجد المحب إلى محبوبه لا بكره ولا تكلف
الثامن أنه من الإلباب وهو الاقتراب أي اقترابا إليك بعد اقتراب كما يتقرب المحب من محبوبه
و سعديك من المساعدة وهي المطاوعة
ومعناه مساعدة في طاعتك وما تحب بعد مساعدة
قال الحربي ولم يسمع سعديك مفردا
و الرغباء إليك يقال بفتح الراء مع المد وبضمها مع القصر
ومعناها الطلب والمسألة والرغبة
واختلف النحاة في الياء في لبيك
فقال سيبويه هي ياء التثنية
وهو من الملتزم نصبه على المصدر كقولهم حمدا وشكرا وكرامة ومسرة
والتزموا تثنيته إيذانا بتكرير معناه واستدامته
والتزموا إضافته إلى ضمير المخاطب لما خصوه بإجابة الداعي
وقد جاء إضافته إلى ضمير للغائب نادرا كقول الشاعر دعوت لما نابني مسورا
فلبي فلبي يدي مصور والتثنية فيه كالتثنية في قوله تعالى ثم ارجع البصر
كرتين وليس المراد مما يشفع الواحد فقط
وكذلك سعديك ودواليك
وقال يونس هو مفرد والباء فيه مثل عليك وإليك ولديك
ومن حجة سيبويه على يونس أن على و إلى يختلفان بحسب الإضافة فإن جرا مضمرا كانا بالياء وإن جرا ظاهرا كانا بالألف
فلو كان لبيك كذلك لما كان بالياء في جميع أحواله سواء أضيف إلى ظاهر أو مضمر كما قال فلبي يدي مسور
وقالت طائفة من النحاة أصل الكلمة لبا لبا أي إجابة بعد إجابة فثقل عليهم
تكرار الكلمة فجمعوا بين اللفظين ليكون أخف عليهم فجاءت التثنية وحذف
التنوين لأجل الإضافة
وقد اشتملت كلمات التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة
إحداها أن قولك لبيك يتضمن إجابة داع دعاك ومناد ناداك ولا يصح في لغة ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو من أجابه
الثانية أنها تتضمن المحبة كما تقدم ولا يقال لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه
ولهذا قيل في معناها أنا مواجه لك بما تحب وأنها من قولهم امرأة لبة أي
محبة لولدها
الثالثة أنها تتضمن التزام دوام العبودية ولهذا قيل هي من الإقامة أي أنا مقيم على طاعتك
الرابعة أنها تتضمن الخضوع والذل أي خضوعا بعد خضوع من قولهم
أنا ملب بين يديك أي خاضع ذليل
الخامسة أنها تتضمن الإخلاص ولهذا قيل
إنها من اللب وهو الخالص
السادسة أنها تتضمن الإقرار بسمع الرب تعالى إذ يستحيل أن يقول الرجل لبيك لمن لا يسمع دعاءه
السابعة أنها تتضمن التقرب من الله ولهذا قيل
إنها من الإلباب وهو التقرب
الثامنة أنها جعلت في الإحرام شعارا لانتقال من حال إلى حال ومن منسك إلى
منسك كما جعل التكبير في الصلاة سبعا للانتقال من ركن إلى ركن ولهذا كانت
السنة أن يلبي حتى يشرع في الطواف فيقطع التلبية ثم إذا سار لبى حتى يقف
بعرفة فيقطعها ثم يلبي حتى يقف بمزدلفة فيقطعها ثم يلبي حتى يرمي جمرة
العقبة
فيقطعها فالتلبية شعار الحج والتنقل في أعمال المناسك فالحاج
كلما انتقل من ركن إلى ركن قال لبيك اللهم لبيك كما أن المصلي يقول في
انتقاله من ركن إلى ركن الله أكبر فإذا حل من نسكه قطعها كما يكون سلام
المصلي قاطعا لتكبيره
التاسعة أنها شعار لتوحيد ملة إبراهيم الذي هو روح الحج ومقصده بل روح العبادات كلها والمقصود منها
ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العبادة التي يدخل فيها بها
العاشرة أنها متضمنة لمفتاح الجنة وباب الإسلام الذي يدخل منه إليه وهو كلمة الإخلاص والشهادة لله بأنه لا شريك له
الحادية عشرة أنها مشتملة على الحمد لله الذي هو من أحب ما يتقرب به العبد
إلى الله واول من يدعي إلى الجنة أهله وهو فاتحة الصلاة وخاتمتها
الثانية عشرة أنها مشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلها ولهذا عرفها
باللام المفيدة للاستغراق أي النعم كلها لك وانت موليها والمنعم بها
الثالثة عشرة أنها مشتملة على الاعتراف بأن الملك كله لله وحده فلا ملك على الحقيقة لغيره
الرابعة عشرة أن هذا المعنى مؤكد الثبوت بإن المقتضية تحقيق الخبر وتثبيته وأنه مما لا يدخله ريب ولا شك
الخامسة عشرة في إن وجهان فتحها وكسرها فمن فتحها تضمنت معنى التعليل أي
لبيك الحمد والنعمة لك ومن كسرها كانت جملة مستقلة مستأنفة تتضمن ابتداء
الثناء على الله والثناء إذا كثرت جمله وتعددت كان أحسن من قلتها وأما إذا
فتحت فإنها تقدر بلام التعليل المحذوفة معها قياسا والمعنى لبيك لأن الحمد
لك والفرق بين أن تكون جمل الثناء علة لغيرها وبين أن تكون مستقلة مرادة
لنفسها ولهذا قال ثعلب من قال إن بالكسر فقد عم ومن قال أن بالفتح فقد خص
ونظير هذين الوجهين والتعليلين والترجيح سواء قوله تعالى حكاية عن المؤمنين إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم كسر إن وفتحها
فمن فتح كان المعنى ندعوه لأنه هو البر الرحيم ومن كسر كان الكلام جملتين
إحدهما قوله ندعوه ثم استأنف فقال إنه هو البر الرحيم قال أبو عبيد والكسر
أحسن ورجحه بما ذكرناه
السادسة عشرة أنها متضمنة للإخبار عن اجتماع
الملك والنعمة والحمد لله عزوجل وهذا نوع آخر من الثناء عليه غير الثناء
بمفردات تلك الأوصاف العلية فله سبحانه من أوصافه العلي نوعا ثناء نوع
متعلق بكل صفة على انفرادها ونوع متعلق باجتماعها وهو كمال مع كمال وهو
عامة الكمال والله سبحانه
يفرق في صفاته بين الملك والحمد وسوغ هذا
المعنى أن اقتران أحدهما بالآخر من أعظم الكمال والملك وحده كمال والحمد
كمال واقتران أحدهما بالآخر كمال فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة مع
النعمة المتضمنة لغاية النفع والإحسان والرحمة مع الحمد المتضمن لعامة
الجلال والإكرام الداعي إلى محبته كان في ذلك من العظمة والكمال والجلال ما
هو أولى به وهو أهله وكان في ذكر الحمد له ومعرفته به من انجذاب قلبه إلى
الله وإقباله عليه والتوجه بدواعي المحبة كلها إليه ما هو مقصود العبودية
ولبها وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
ونظير هذا اقتران الغنى بالكرم كقوله فإن ربي غني كريم فله كمال من غناه وكرمه ومن اقتران أحدهما بالآخر
ونظيره اقتران العزة بالرحمة وإن ربك لهو العزيز الرحيم
ونظيره اقتران العفو بالقدرة وكان الله عفوا قديرا
ونظيره اقتران العلم بالحلم والله عليم حليم
ونظيره اقتران الرحمة بالقدرة والله قدير والله غفور رحيم
وهذا يطلع ذا اللب على رياض من العلم أنيقات ويفتح له باب محبة الله ومعرفته والله المستعان وعليه التكلان
السابعة عشرة أن النبي قال أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا
الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقد اشتملت
بالتلبية على هذه الكلمات بعينها وتضمنت معانيها وقوله وهو على كل شيء قدير
لك أن تدخلها تحت قولك في التلبية لا شريك لك
ولك أن تدخلها تحت قولك
إن الحمد والنعمة لك ولك أن تدخلها تحت إثبات الملك له تعالى إذ لو كان
بعض الموجودات خارجا عن قدرته وملكه واقعا بخلق غيره لم يكن نفي الشريك
عاما ولم يكن إثبات الملك والحمد له عاما وهذا من أعظم المحال والملك كله
له والحمد كله له وليس له شريك بوجه من الوجوه
الثامنة عشر أن كلمات
التلبية متضمنة للرد على كل مبطل في صفات الله وتوحيده فإنها مبطلة لقول
المشركين على اختلاف طوائفهم ومقالاتهم
ولقول الفلاسفة وإخوانهم من الجهمية المعطلين لصفات الكمال التي هي متعلق الحمد فهو سبحانه محمود لذاته ولصفاته ولأفعاله فمن
جحد صفاته وأفعاله فقد جحد حمده ومبطلة لقول مجوس الأمة لقدرية الذين
أخرجوا من ملك الرب وقدرته أفعال عبادة من الملائكة والجن والإنس فلم
يثبتوا له عليها قدرة ولا جعلوه خالقا لها
فعلى قولهم لا تكون داخلة
تحت ملكه إذ من لا قدرة له على الشيء كيف يكون هذا الشيء داخلا تحت ملكه
فلم يجعلوا الملك كله لله ولم يجعلوه على كل شيء قدير وأما الفلاسفة فعندهم
لا قدرة له على شيء البتة فمن علم معنى هذه الكلمات وشهدها وأيقن بها باين
جميع الطوائف المعطلة
التاسعة عشرة في عطف الملك على الحمد والنعمة
بعد كمال الخبر وهو قوله إن الحمد والنعمة والملك ولم يقل إن الحمد والنعمة
لك والملك لطيفة بديعة وهي أن الكلام يصير بذلك جملتين مستقلتين فإنه لو
قال إن الحمد والنعمة والملك لك كان عطف الملك على ما قبله عطف مفرد فلما
تمت الجملة الأولى بقوله لك ثم عطف الملك كان تقديره والملك لك
فيكون مساويا لقوله له الملك وله الحمد ولم يقل الملك والحمد وفائدته تكرار الحمد في الثناء
العشرون لما عطف النعمة على الحمد ولم يفصل بينهما بالخير كان فيه إشعار
باقترانهما وتلازمهما وعدم مفارقة أحدهما للآخر فالإنعام والحمد قرينان
الحادية والعشرون في إعادة الشهادة له بأنه لا شريك له لطيفة وهي أنه أخبر
لا شريك له عقب إجابته بقوله لبيك ثم أعادها عقب قوله إن الحمد والنعمة لك
والملك لا شريك لك
وذلك يتضمن أنه لا شريك له في الحمد والنعمة الملك
والأول يتضمن أنه لا شريك لك في إجابة هذه الدعوة وهذا نظير قوله تعالى
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله
إلا هو العزيز الحكيم
فأخبر بأنه لا إله إلا هو في أول الآية وذلك داخل تحت شهادته وشهادة ملائكته وأولي العلم وهذا هو المشهود به ثم أخبر عن قيامه بالقسط وهو العدل فأعاد الشهادة بأنه لا إله إلا هو مع قيامه بالقسط
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله حديث ابن عمر هذا فيه
أحكام عديدة الحكم الأول أنه صلى الله عليه و سلم سئل عما يلبس المحرم وهو
غير محصور فأجاب بما لا يلبس لحصره
فعلم أن غيره على الإباحة ونبه بالقميص على ما فصل للبدن كله من جبة أو دلق أو دراعة أو عرقشين ونحوه
ونبه بالعمامة على كل ساتر للرأس معتاد كالقبع والطاقية والقلنسوة والكلتة
ونحوها ونبه بالبرنس على المحيط بالرأس والبدن جميعا كالغفارة ونحوها
ونبه بالسراويل على المفصل على الأسافل كالتبان ونحوه
ونبه بالخفين على ما في معناهما من الجرموق والجورب والزربول ذي الساق ونحوه
الحكم الثاني أنه منعه من الثوب المصبوغ بالورس أو الزعفران وليس هذا
لكونه طيبا فإن الطيب في غير الورس والزعفران أشد ولأنه خصه بالثوب دون
البدن
وإنما هذا من أوصاف الثوب الذي يحرم فيه أن لا يكون مصبوغا بورس ولا زعفران
وقد نهى أن يتزعفر الرجل وهذا منهي عنه خارج الإحرام وفي الإحرام أشد
والنبي صلى الله عليه و سلم لم يتعرض هنا إلا لأوصاف الملبوس لا لبيان جميع محظورات الإحرام
الحكم الثالث أنه صلى الله عليه و سلم رخص في لبس الخفين عند عدم النعلين
ولم يذكر فدية ورخص في حديث كعب بن عجرة في حلق رأسه مع الفدية وكلاهما
محظور بدون العذر
والفرق بينهما أن أذى الرأس ضرورة خاصة لا تعم فهي رفاهية للحاجة
وأما لبس الخفين عند عدم النعلين فبدل يقوم مقام المبدل والمبدل وهو النعل
لا فدية فيه فلا فدية في بدله وأما حلق الرأس فليس ببدل وإنما هو ترفه
للحاجة فجبر بالدم
الحكم الرابع أنه أمر لابس الخفين بقطعهما أسفل من كعبيه في حديث ابن عمر لأنه إذا قطعهما أسفل من الكعبين صارا شبيهين بالنعل
فاختلف الفقهاء في هذا القطع هل هو واجب أم لا على قولين أحدهما أنه واجب
وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك والثوري وإسحاق وابن المنذر وإحدى
الروايتين عن أحمد لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقطعهما وتعجب
الخطابي من أحمد فقال العجب
من أحمد في هذا فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه وقلت سنة لم تبلغه
وعلى هذه الرواية إذا لم يقطعهما تلزمه الفدية
والثاني أن القطع ليس بواجب وهو أصح الروايتين عن أحمد ويروى عن علي بن أبي طالب وهو قول أصحاب ابن عباس وعطاء وعكرمة
وهذه الرواية أصح لما في الصحيحين عن ابن عباس قال سمعت النبي صلى الله
عليه و سلم يخطب بعرفات من لم يجد إزارا فليلبس سراويل ومن لم يجد نعلين
فليلبس خفين
فأطلق الإذن في لبس الخفين ولم يشترط القطع وهذا كان
بعرفات والحاضرون معه إذ ذاك أكثرهم لم يشهدوا خطبته بالمدينة فإنه كان معه
من أهل مكة واليمن والبوادي من لا يحصيهم إلا الله تعالى وتأخير البيان عن
وقت الحاجة ممتنع
وفي صحيح مسلم عن جابر قال قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل
فهذا كلام مبتدأ من النبي صلى الله عليه و سلم بين فيه في عرفات في أعظم
جمع كان له أن من لم يجد الإزار فليلبس السروايل ومن لم يجد النعلين فليلبس
الخفين ولم يأمر بقطع ولا فتق وأكثر الحاضرين بعرفات لم يسمعوا خطبته
بالمدينة ولا سمعوه يأمر بقطع الخفين وتأخير البيان عن وقته ممتنع
فدل هذا على أن هذا الجواز لم يكن شرع بالمدينة وأن الذي شرع بالمدينة هو لبس الخف المقطوع ثم شرع بعرفات لبس الخف من غير قطع
فإن قيل فحديث بن عمر مقيد وحديث ابن عباس مطلق والحكم والسبب واحد وفي
مثل هذا يتعين حمل المطلق على المقيد وقد أمر في حديث ابن عمر بالقطع
فالجواب من وجهين أحدهما أن قوله في حديث ابن عمر وليقطعهما قد قيل إنه مدرج من كلام نافع
قال صاحب المغني كذلك روي في أمالي أبي القاسم بن بشران بإسناد صحيح أن
نافعا قال بعد روايته للحديث وليقطع الخفين أسفل من الكعبين والإدراج فيه
محتمل لأن الجملة الثانية يستقل الكلام الأول بدونها فالإدراج فيه ممكن
فإذا جاء مصرحا به أن نافعا قاله زال الإشكال
ويدل على صحة هذا أن ابن
عمر كان يفتي بقطعهما للنساء فأخبرته صفية بنت أبي عبيد عن عائشة أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم رخص للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما قالت صفية
فلما أخبرته بهذا رجع
الجواب الثاني أن الأمر بالقطع كان بالمدينة
ورسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب على المنبر فناداه رجل فقال ما يلبس
المحرم من الثياب فأجابه بذلك وفيه الأمر بالقطع وحديث ابن عباس وجابر بعده
وعمرو بن دينار روى الحديثين معا ثم قال انظروا أيهما كان قبل وهذا يدل على أنهم علموا نسخ الأمر بحديث ابن عباس
وقال الدارقطني قال أبو بكر النيسابوري حديث ابن عمر قبل لأنه قال نادى
رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في المسجد فذكره وابن عباس يقول
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب بعرفات
فإن قيل حديث ابن
عباس رواه أيوب والثوري وابن عيينة وابن زيد وابن جريج وهشيم كلهم عن عمرو
بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس ولم يقل أحد منهم بعرفات غير شعبة
ورواية الجماعة أولى من رواية الواحد
قيل هذا عبث فإن هذه اللفظة متفق
عليها في الصحيحين وناهيك برواية شعبة لها وشعبة حفظها وغيره لم ينفها بل
هي في حكم جملة أخرى في الحديث مستقلة وليست تتضمن مخالفة للآخرين ومثل هذا
يقبل ولا يرد ولهذا رواه الشيخان
وقد قال علي رضي الله عنه قطع
الخفين فساد يلبسهما كما هما وهذا مقتضى القياس فإن النبي صلى الله عليه و
سلم سوى بين السراويل وبين الخف في لبس كل منهما عند عدم الإزار والنعل ولم
يأمر بفتق السراويل لا في حديث ابن عمر ولا في حديث ابن عباس ولا غيرهما
ولهذا كان مذهب الأكثرين أنه يلبس السراويل بلا فتق عند عدم الإزار فكذلك
الخف يلبس ولا يقطع ولا فرق بينهما وأبو حنيفة طرد القياس وقال يفتق
السراويل حتى يصير كالإزار والجمهور قالوا هذا خلاف النص لأن النبي صلى
الله عليه و سلم قال السراويل لمن لم يجد الإزار وإذا فتق لم يبق سراويل
ومن اشترط قطع الخف خالف القياس مع مخالفته النص المطلق بالجواز
ولا يسلم من مخالفة النص والقياس إلا من جوز لبسهما بلا قطع أما القياس فظاهر وأما النص فما تقدم تقديره
والعجب أن من يوجب القطع يوجب مالا فائدة فيه فإنهم لا يجوزون لبس المقطوع كالمداس والجمجم ونحوهما
بل عندهم المقطوع كالصحيح في عدم جواز لبسه
فأي معنى للقطع والمقطوع عندكم كالصحيح وأما أبو حنيفة فيجوز لبس المقطوع وليس عنده كالصحيح وكذلك المداس والجمجم ونحوهما
قال شيخنا وأفتى به جدي أبو البركات في آخر عمره لما حج قال شيخنا وهو الصحيح لأن المقطوع لبسه أصل لا بدل
قال شيخنا فأبو حنيفة فهم من حديث ابن عمر أن المقطوع لبسه أصل لا بدل
فجوز لبسه مطلقا وهذا فهم صحيح وقوله في هذا أصح من قول الثلاثة والثلاثة
فهموا منه الرخصة في لبس السراويل عنه عدم الإزار والخف عند عدم النعل وهذا
فهم صحيح وقولهم في
هذا أصح من قوله وأحمد فهم من النص المتأخر
لبس الخف صحيحا بلا قطع عند عدم النعل وأن ذلك ناسخ للأمر بالقطع وهذا فهم
صحيح وقوله في ذلك أصح الأقوال
فإن قيل فلو كان المقطوع أصلا لم يكن عدم النعل شرطا فيه والنبي صلى الله عليه و سلم إنما جعله عند عدم النعل
قيل بل الحديث دليل على أنه ليس كالخف إذ لو كان كالخف لما أمر بقطعه فدل على أن بقطعه يخرج من شبه الخف ويلتحق بالنعل
وأما جعله عدم النعل شرطا فلأجل أن القطع إفساد لصورته وماليته وهذا لا
يصار إليه إلا عند عدم النعل وأما مع وجود النعل فلا يفسد الخف ويعدم
ماليته فإذا تبين هذا تبين أن المقطوع ملحق بالنعل لا بالخف كما قال أبو
حنيفة وأن على قول الموجبين للقطع لا فائدة فيه فإنهم لا يجوزون لبس
المقطوع وهو عندهم كالخف
فإن قيل فغاية ما يدل عليه الحديث جواز
الانتقال إلى الخف والسراويل عند عدم النعل والإزار وهذا يفيد الجواز وأما
سقوط الفدية فلا فهلا قلتم كما قال أبو حنيفة يجوز له ذلك مع الفدية
فاستفاد الجواز من هذ الحديث واستفاد الفدية من حديث كعب بن عجرة حيث جوز
له فعل المحظور مع الفدية فكان أسعد بالنصوص وبموافقتها منكم مع موافقته
لابن عمر في ذلك
قيل بل إيجاب الفدية ضعيف في النص والقياس فإن النبي
صلى الله عليه و سلم ذكر البدل في حديث ابن عمر وابن عباس وجابر وعائشة ولم
يأمر في شيء منها بالفدية مع الحاجة إلى بيانها وتأخير البيان عن وقته
ممتنع فسكوته عن إيجابها مع شدة الحاجة إلى بيانه لو كان واجبا دليل على
عدم الوجوب كما أنه جوز لبس السراويل بلا فتق ولو كان الفتق واجبا لبينه
وأما القياس فضعيف جدا
فإن قيل هذا من باب الأبدال التي تجوز عند عدم مبدلاتها كالتراب عند عدم
الماء وكالصيام عند العجز عن الإعتاق والإطعام وكالعدة بالأشهر عند تعذر
الأقراء ونظائره وليس هذا من باب المحظور المستباح بالفدية والفرق بينهما
أن الناس مشتركون في الحاجة إلى لبس ما يسترون به عوراتهم ويقون به أرجلهم
الأرض والحر والشوك ونحوه فالحاجة إلى ذلك عامة ولما احتاج إليه العموم لم
يحظر عليهم ولم يكن عليهم فيه فائدة بخلاف ما يحتاج إليه لمرض أو برد فإن
ذلك حاجة لعارض ولهذا رخص النبي صلى الله عليه و سلم للنساء في اللباس
مطلقا بلا فدية ونهى عن النقاب والقفازين فإن المرأة لما كانت كلها عورة
وهي محتاجة إلى ستر بدنها لم يكن عليها في ستر بدنها فدية وكذلك حاجة
الرجال إلى السراويلات والخفاف هي عامة إذا لم يجدوا الإزار والنعال وابن
عمر لما لم يبلغه حديث الرخصة مطلقا أخذ بحديث القطع وكان يأمر النساء بقطع
الخفاف حتى أخبرته بعد هذا صفية زوجته عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و
سلم أرخص للنساء في ذلك فرجع عن قوله
ومما يبين أن النبي صلى الله
عليه و سلم أرخص في الخفين بلا قطع بعد أن منع منهما أن في حديث ابن عمر
المنع من لبس السراويل مطلقا ولم يبين فيه حالة من حالة وفي حديث ابن عباس
وجابر المتأخرين ترخيصه في لبس السراويل عند عدم الازار فدل على أن رخصة
البدل لم تكن شرعت في لبس السراويل وأنها إنما شرعت وقت خطبته بها وهي
متأخرة فكان الأخذ بالمتأخر أولى لأنه إنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول
الله صلى الله عليه و سلم
فمدار المسألة على ثلاث نكت إحداها أن رخصة البدلية إنما شرعت بعرفات ولم تشرع قبل
والثانية أن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع
والثالثة أن الخف المقطوع كالنعل أصل لا أنه بدل
والله أعلم
وأما نهيه صلى الله عليه و سلم في حديث ابن عمر المرأة أن تنتقب
وأن تلبس القفازين فهو دليل على أن وجه المرأة كبدن الرجل لا كرأسه فيحرم
عليها فيه ما وضع وفصل على قدر الوجه كالنقاب والبرقع ولا يحرم عليها سترة
بالمقنعة والجلباب ونحوهما وهذا أصح القولين
فإن النبي صلى الله عليه و
سلم سوى بين وجهها ويديها ومنعها من القفازين والنقاب ومعلوم أنه لا يحرم
عليها ستر يديها وأنهما كبدن المحرم يحرم سترهما بالمفصل على قدرهما وهما
القفازان فهكذا الوجه إنما يحرم ستره بالنقاب ونحوه وليس عن النبي صلى الله
عليه و سلم حرف واحد في وجوب كشف المرأة وجهها عند الإحرام إلا النهي عن
النقاب وهو كالنهي عن القفازين فنسبة النقاب إلى الوجه كنسبة القفازين إلى
اليد سواء
وهذا واضح بحمد الله
وقد ثبت عن أسماء أنها كانت تغطي
وجهها وهي محرمة وقالت عائشة كانت الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول
الله صلى الله عليه و سلم فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها
فإذا جاوزونا كشفنا ذكره أبو داود
واشتراط المجافاة عن الوجه كما ذكره القاضي وغيره ضعيف لا أصل له دليل ولا مذهبا
قال صاحب المغني ولم أر هذا الشرط يعني المجافاة عن أحمد ولا هو في الخبر
مع أن الظاهر خلافه فإن الثوب المسدل لا يكاد يسلم من إصابة البشرة فلو كان
هذا شرطا لبين وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما مما يعد لستر
الوجه قال أحمد لها أن تسدل على وجهها من فوق وليس لها أن ترفع الثوب من
أسفل كأنه يقول إن النقاب من أسفل على وجهها
تم كلامه
فإن قيل
فما تصنعون بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إحرام
الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها فجعل وجه المرأة كرأس الرجل وهذا يدل
على وجوب كشفه
قيل هذا الحديث لا أصل له ولم يروه أحد من أصحاب
الكتب المعتمد عليها ولا يعرف له إسناد ولا تقوم به حجة ولا يترك له الحديث
الصحيح الدال على أن وجهها كبدنها وأنه يحرم عليها فيه ما أعد للعضو
كالنقاب والبرقع ونحوه لا مطلق الستر كاليدين
والله أعلم
قال
الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله تحريم لبس القفازين قول عبد الله بن
عمر وعطاء وطاووس ومجاهد وإبراهيم النخعي ومالك والإمام أحمد والشافعي في
أحد قوليه وإسحق بن راهويه وتذكر الرخصة عن علي وعائشة وسعد بن أبي وقاص
وبه قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي في القول الآخر
ونهى المرأة عن
لبسهما ثابت في الصحيح كنهي الرجل عن لبس القميص والعمائم وكلاهما في حديث
واحد عن راو واحد وكنهيه المرأة عن النقاب وهو في الحديث نفسه
وسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم أولى بالاتباع وهي حجه على من خالفها وليس قول من خالفها حجة عليها
فأما تعليل حديث ابن عمر في القفازين بأنه من قوله فإنه تعليل باطل وقد
رواه أصحاب الصحيح والسنن والمسانيد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و
سلم في حديث نهيه عن لبس القمص والعمائم والسراويلات وانتقاب المرأة ولبسها
القفازين ولا ريب عند أحد من أئمة الحديث أن هذا كله حديث واحد من أصح
الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مرفوعا إليه ليس من كلام ابن
عمر
وموضع الشبهة في تعليله أن نافعا اختلف عليه فيه فرواه الليث بن
سعد عنه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم فذكر فيه ولا تلبس
القفازين قال أبو داود ورواه حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب عن موسى بن
عقبة عن نافع على ما قال الليث ورواه موسى بن طارق عن موسى بن عقبة موقوفا
على ابن عمر وكذلك رواه عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب موقوفا وكذلك هو في
الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا تنتقب المرأة ولا تلبس
القفازين ولكن قد رفعه الليث بن سعد وموسى بن عقبة في الأكثر عنه وإبراهيم
بن سعد أيضا رفعه عن نافع ذكره أبو داود ورواه محمد بن إسحاق عن نافع
مرفوعا كما تقدم
فأما حديث الليث بن سعد فأخرجه البخاري في صحيحه والترمذي
وقال حديث صحيح
ورواه النسائي في سننه
ولم يروا وقف من وقفه علة
وأما حديث موسى بن عقبة فرواه النسائي في سننه عن سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن عقبة فذكر الحديث
وقال في آخره ولا تنتقب المرأة الحرام
ولا تلبس القفازين مرفوعا
قال البخاري تابعه موسى بن عقبة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وجويرية وابن
إسحاق في النقاب والقفازين وقال عبيد الله وكان يقول لا تنتقب المحرمة ولا
تلبس القفازين وقال مالك عن
نافع عن ابن عمر لا تنتقب المرأة وتابعه ليث بن أبي سليم
فالبخاري رحمه الله ذكر تعليله
ولم يرها علة مؤثرة فأخرجه في صحيحه عن عبد الله بن يزيد حدثنا الليث حدثنا نافع عن ابن عمر فذكره
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وعن سعيد بن المسيب قال وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم وقد روى مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث ورسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة قبل أن يخرج وهذا وإن كان ظاهره الإرسال فهو متصل لأن سليمان بن يسار رواه عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوج ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت الرسول بينهما وسليمان بن يسار مولى ميمونة وهذا صريح في تزوجها بالوكالة قبل الإحرام
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وروى مسلم في صحيحه من حديث عبدالرحمن بن عثمان التيمي قال كنا مع طلحة بن عبيد الله في طريق مكة ونحن محرمون فأهدوا لنا لحم صيد وطلحة راقد فمنا من أكل ومنا من تورع فلم
يأكل فلما استيقظ قال للذين أكلوا أصبتم وقال الذين لم يأكلوا أخطأتم فإنا قد أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن حرم
وروى مالك عن يحيى بن سعيد أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن عيسى بن طلحة
عن عمرو بن سلمة الضمري عن البهزي يزيد بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه
و سلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كانوا بالروحاء إذا حمار وحشي عقير
فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال دعوه فإنه يوشك أن يأتي
صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال
يارسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر
فقسمه بين الرفاق ثم مضى حتى إذا كان بالأثاية بين الرويثة والعرج إذا ظبي
حاقف في ظل وفيه سهم فزعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر رجلا يقف
عنده لا يريبه أحد من الناس حتى جاوزوه وفي الصحيحين عن الصعب بن جثامة أنه
أهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان
فرده عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال إنا لم نرده عليك إلا أنا
حرم
ورواه مسلم عن سفيان وقال لحم حمار وحش
قال الحميدي كان
سفيان يقول في الحديث أهديت لرسول الله صلى الله عليه و سلم لحم حمار وحش
وربما قال سفيان يقطر دما وكان فيما خلا ربما قال حمار وحش ثم صار إلى لحم
حتى مات
وفي رواية لمسلم شق حمار وحش فرده وفي رواية له عجز حمار فرده
وفي رواية له رجل حمار قال الشافعي فإن كان الصعب أهدى للنبي صلى الله
عليه و سلم الحمار حيا فليس لمحرم ذبح حمار وحش وإن كان أهدى له لحما فقد
يحتمل أن يكون علم أنه صيد له فرده عليه وإيضاحه في حديث جابر قال وحديث
مالك أنه أهدي إلى النبي صلى الله عليه و سلم حمارا أثبت من حديث أنه أهدي
له من لحم حمار تم كلامه
قال البيهقي وروى يحيى بن سعيد عن جعفر بن
عمرو بن أمية الضمري عن أبيه أن الصعب بن جثامة أهدى للنبي صلى الله عليه و
سلم عجز حمار وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم قال وهذا إسناد صحيح فإن
كان محفوظا فكأنه رد الحي وقبل اللحم تم كلامه
وقد اختلف الناس قديما
وحديثا في هذه المسألة وأشكلت عليهم الأحاديث فيها فكان عطاء ومجاهد وسعيد
بن جبير يرون للمحرم أكل ما صاده الحلال من الصيد وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وأبي
هريرة ذكر ذلك ابن عبدالبر عنهم
وحجتهم حديث أبي قتادة المتقدم وحديث طلحة بن عبيد الله وحديث البهزي
وقالت طائفة لحم الصيد حرام على المحرم بكل حال وهذا قول علي وابن عباس وابن عمر
قال ابن عباس وحرم عليكم صيد البر هي مبهمة
وروى عن طاووس وجابر بن زيد وسفيان الثوري المنع منه
وحجة هذا المذهب حديث ابن عباس عن الصعب بن جثامة وحديث علي في أول الباب
واحتجوا بظاهر الآية وقالوا تحريم الصيد يعم اصطياده وأكله
وقالت
طائفة ما صاده الحلال للمحرم ومن أجله فلا يجوز له أكله فأما ما لم يصده من
أجله بل صاده لنفسه أو لحلال لم يحرم على المحرم أكله وهذا قول مالك
والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وقول إسحاق وأبي ثور قال ابن عبدالبر وهو
الصحيح عن عثمان في هذا الباب
قال وحجة من ذهب هذا المذهب أنه عليه
تصح الأحاديث في هذا الباب وإذا حملت على ذلك لم تتضاد ولم تختلف ولم
تتدافع وعلى هذا يجب أن تحمل السنن ولا يعارض بعضها ببعض ما وجد إلى
استعمالها سبيل
تم كلامه
وآثار الصحابة كلها في هذا الباب إنما تدل على هذا التفصيل
فروى البيهقي من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة قال رأيت عثمان بن عفان
بالعرج في يوم صائف وهو محرم وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ثم أتي بلحم صيد
فقال لأصحابه كلوا قالوا ألا تأكل أنت قال إني لست كهيئتكم إنما صيد من
أجلي
وحديث أبي قتادة والبهزي وطلحة بن عبيد الله قضايا أعيان لا عموم
لها وهي تدل على جواز أكل المحرم من صيد الحلال وحديث الصعب بن جثامة يدل
على منعه منه وحديث جابر صريح في التفريق
فحيت أكل علم أنه لم يصد
لأجله وحيث امتنع علم أنه صيد لأجله فهذا فعله وقوله في حديث جابر يدل على
الأمرين فلا تعارض بين أحاديثه صلى الله عليه و سلم بحال
وكذلك امتناع
علي من أكله لعله ظن أنه صيد لأجله وإباحة النبي صلى الله عليه و سلم
لأصحابه حمار البهزي ومنعهم من التعرض للظبي الحاقف لأن الحمار كان عقيرا
في حد الموت وأما الظبي فكان سالما ولم يسقط إلى الأرض فلم يتعرض له لأنه
حيوان حي
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله
وإن صح حديث الحجاج بن عمرو فقد حمله بعض أهل العلم أنه يحل بعد فواته بما
يحل به من يفوته الحج بغير مرض فقد روينا عن ابن عباس ثابتا عنه أنه قال
لا حصر إلا حصر عدو
تم كلامه
وقال غيره معنى حديث الحجاج بن عمرو أن تحلله بالكسر والعرج إذا كان قد اشترط ذلك في عقد الإحرام على معنى حديث ضباعة
قالوا ولو كان الكسر مبيحا للحل لم يكن للاشتراط معنى
قالوا وأيضا فلا يقول أحد بظاهر هذا الحديث فإنه لا يحل بمجرد الكسر والعرج فلا بد من تأويله فيحمله على ما ذكرناه
قالوا وأيضا فإنه لا يستفيد بالحل زوال عقده ولا الانتقال من حاله بخلاف المحصر بالعدو
وقوله وعليه الحج من قابل هذا إذا لم يكن حج الفرض فأما إن كان متطوعا فلا شيء عليه غير هدي الإحصار
قال البيهقي وحديث الحجاج بن عمرو قد اختلف في إسناده والثابت عن ابن عباس خلافه وأنه لا حصر إلا حصر العدو تم كلامه
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله اختلف العلماء من الصحابة فمن
بعدهم فيمن منع من الوصول إلى البيت بمرض أو كسر أو عرج هل حكمه حكم المحصر
في جواز التحلل فروي عن ابن عباس وابن عمر ومروان بن الحكم أنه لا يحلله
إلا الطواف بالبيت وهو قوله مالك والشافعي وإسحاق وأحمد في المشهور من
مذهبه
وروى عن ابن مسعود أنه كالمحصر بالعدو
وهو قول عطاء والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وإبراهيم النخعي وأبي ثور وأحمد في الرواية الأخرى عنه
ومن حجة هؤلاء حديث الحجاج وأبي هريرة وابن عباس
قالوا وهو حديث حسن يحتج بمثله
قالوا وأيضا ظاهر القرآن بل صريحه يدل على أن الحصر يكره بالمرض فإن لفظ
الإحصار إنما هو للمرض يقال أحصره المرض وحصر العدو فيكون لفظ الآية صريحا
في المريض وحصر العدو ملحق به فكيف يثبت الحكم في الفرع دون الأصل قال
الخليل وغيره حصرت الرجل حصرا منعته وحبسته وأحصر هو عن بلوغ المناسك بمرض
أو نحوه
قالوا وعلى هذا خرج قول ابن عباس لا حصر إلا حصر العدو ولم
يقل لا إحصار إلا إحصار العدو فليس بين رأيه وروايته تعارض ولو قدر
تعارضهما فالأخذ بروايته دون رأيه لأن روايته حجة ورأيه ليس بحجة
قالوا وقولكم لو كان يحل بالحصر لم يكن للاشتراط معنى جوابه من وجهين أحدهما أنكم لا تقولون بالاشتراط ولا يفيد الشرط عندكم شيئا
فلا يحل عندكم بشرط ولا بدونه فالحديثان معا حجة عليكم وأما نحن فعندنا أنه يستفيد بالشرط فائدتين
إحداهما جواز الإحلال والثانية سقوط الدم فإذا لم يكن شرط استفاد بالعذر
الإحلال وحده وثبت وجوب الدم عليه فتأثير الاشتراط في سقوط الدم
وأما
قولكم إن معناه أنه يحل بعد فواته بما يحل به من يفوته الحج لغير مرض ففي
غاية الضعف فإنه لا تأثير للكسر ولا للعرج في ذلك فإن المفوت يحل صحيحا كان
أو مريضا
وأيضا فإن هذا يتضمن تعليق الحكم بوصف لم يعتبره النص وإلغاء الوصف الذي اعتبره وهذا غير جائز
وأما قولكم إنه يحمل على الحل بالشرط فالشرط إما أن يكون له تأثير في الحل
عندكم أو لا تأثير له فإن كان مؤثرا في الحل لم يكن الكسر والعرج هو السبب
الذي علق الحكم به وهو خلاف النص وإن لم يكن له تأثير في الحل بطل حمل
الحديث عليه
قالوا وأما قولكم إنه لا يقول أحد بظاهره فإن ظاهره إنه بمجرد الكسر والعرج يحل
فجوابه أن المعنى فقد صار ممن يجوز له الحل بعد أن كان ممنوعا منه وهذا
كقوله صلى الله عليه و سلم إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا
فقد أفطر الصائم وليس المراد به أنه أفطر حكما وإن لم يباشر المفطرات بدليل
إذنه لأصحابه في الوصال إلى السحر ولو أفطروا حكما لاستحال منهم الوصال
ولقوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإذا نكحت زوجا آخر حلت
لا بمجرد نكاح الثاني بل لا بد من مفارقته وانقضاء العدة وعقد الأول عليها
قالوا وأما قولكم إنه لا يستفيد بالإحلال الانتقال من حاله التي هو
عليها ولا التخلص من أذاه بخلاف من حصره العدو فكلام لا معنى تحته فإنه قد
يستفيد بحله أكثر مما يستفيد المحصر بالعدو
فإنه إذا بقي ممنوعا من اللباس وتغطية الرأس والطيب مع مرضه تضرر بذلك أعظم الضرر في الحر والبرد ومعلوم أنه قد يستفيد بحله من الترفه ما يكون سبب زوال أذاه كما يستفيد المحصر بالعدو بحله فلا فرق بينهما فلو لم يأت نص بحل المحصر بمرض لكان القياس على المحصر بالعدو يقتضيه فكيف وظاهر القرآن والسنة والقياس يدل عليه والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى
ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال مسح الحجر
والركن اليماني يحط الخطايا حطا
وروى النسائي من حديث حنظلة بن أبي
سفيان قال رأيت طاووسا يمر بالركن فإن وجد عليه زحاما مر ولم يزاحم وإن رآه
خاليا قبله ثلاثا ثم قال رأيت ابن عباس فعل مثل ذلك ثم قال ابن عباس رأيت
عمر بن الخطاب فعل مثل ذلك ثم قال عمر إنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني
رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قبلك ما قبلتك ثم قال عمر رضي الله عنه
رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فعل مثل ذلك وترجم عليه النسائي كم
يقبل الحجر وفي النسائي عن عمر أنه قبل الحجر الأسود والتزمه وقال رأيت أبا
القاسم صلى الله عليه و سلم بك حفيا
وفي النسائي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الحجر الأسود من الجنة
وفي صحيح أبي حاتم عن نافع بن شيبة الحجبي قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وهو مسند ظهره إلى الكعبة الركن
والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة ولولا أن الله طمس نورهما لأضاءا ما بين
المشرق والمغرب
وفي صحيحه أيضا عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق
وفي صحيحه أيضا عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ليبعثن الله هذا
الركن يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بالحق
وأخرج النسائي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يطوف بالبيت
على راحلته فإذا انتهى إلى الركن أشار إليه وفي الصحيح عن ابن عمر أنه سئل
عن استلام الحجر فقال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يستلمه ويقبله
رواه البخاري وهذا يحتمل الجمع بينهما ويحتمل أنه رآه يفعل هذا تارة
وهذا تارة
وقد ثبت تقبيل اليد بعد استلامه ففي الصحيحين أيضا عن نافع قال رأيت ابن
عمر استلم الحجر بيده ثم قبد يده وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى
الله عليه و سلم يفعله
فهذه ثلاثة أنواع صحت عن النبي صلى الله عليه و
سلم تقبيله وهو أعلاها واستلامه وتقبيل يده والإشارة إليه بالمحجن وتقبيله
لما رواه مسلم عن أبي الطفيل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف
بالبيت ويستلم الحجر بمحجن معه ويقبل المحجن
وقد روى الإمام أحمد في
مسنده عن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له ياعمر إنك رجل قوي لا
تزاحم على الحجر إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر
وأما
الركن اليماني فقد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه استلمه من رواية
ابن عمر وابن عباس وحديث ابن عمر في الصحيحين لم يكن رسول الله صلى الله
عليه و سلم يمس من الأركان إلا اليمانيين وحديث ابن عباس في الترمذي وقد
روى البخاري في تاريخه عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم
إذا استلم الركن اليماني قبله وفي صحيح الحاكم عنه كان النبي صلى الله عليه
و سلم يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه وهذا المراد به الأسود فإنه يسمى
يمانيا مع الركن الآخر يقال لهما اليمانيين بدليل حديث عمر في تقبيله الحجر
الأسود خاصة وقوله لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبلك ما
قبلتك فلو قبل الآخر لقبله عمر
وفي النفس من حديث ابن عباس هذا شيء وهل هو محفوظ أم لا
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى ابن حبان في صحيحه عن
ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من طاف بالبيت أسبوعا
لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة وكتب له بها حسنة
ورفع له بها درجة
وأخرج النسائي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من طاف بالبيت أسبوعا فهو كعدل رقبة
وهذه الأحاديث عامة في كل الأوقات لم يأت ما يخصها ويخرجها عن عمومها وقد
روى الترمذي في الجامع من حديث عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن
عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من طاف بالبيت خمسين مرة خرج
من ذنوبه كيوم ولدته أمه
قال وفي الباب عن أنس وابن عمر وحديث ابن عباس غريب
وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال إنما يروى هذا عن ابن عباس قوله قال أيوب
السختياني وكانوا يقولون عبد الله بن سعيد بن جبير أفضل من أبيه
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله اختلف العلماء في طواف القارن
والمتمتع على ثلاثة مذاهب أحدها أن على كل منهما طوافين وسعيين روي ذلك عن
علي وابن مسعود وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأهل الكوفة والأوزاعي
وإحدى الروايات عن الإمام أحمد
الثاني أن عليهما كليهما طوافا واحدا وسعيا واحدا نص عليه الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله وهو ظاهر حديث جابر هذا
الثالث أن على المتمتع طوافين وسعيين وعلى القارن سعي واحد وهذا هو المعروف عن عطاء وطاووس والحسن
وهو مذهب مالك والشافعي وظاهر مذهب أحمد
وحجتهم حديث عائشة وقد تقدم وذكرنا ما قيل فيه
وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه طاف طوافين وسعى سعيين من رواية
علي وابن مسعود وعبد الله بن عمر وعمران بن حصين ولا يثبت شيء منها والذين
قالوا لا بد للمتمتع من سعيين تأولوا حديث جابر بتأويلات مستكرهة جدا
فقال بعضهم طوافا واحدا أي طوافين على صفة واحدة فالواحدة راجعة إلى صفة
الطواف لا إلى نفسه وهذا في غاية البعد وسيأتي الكلام يشهد ببطلانه
وقال البيهقي أراد به أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم الذين كانوا قارنين خاصة
فإنه صلى الله عليه و سلم كان مفردا وأمر أصحابه أن يحلوا من إحرامهم إلا
من ساق الهدي فاكتفى هو وأصحابه القارنون بطواف واحد وهذا بعيد جدا فإن
الذين قرنوا من أصحابه كلهم حلوا بعمرة إلا من ساق الهدي من سائرهم وهم
آحاد يسيرة لم يبلغوا العشرة ولا الخمسة بل الحديث ظاهر جدا في اكتفائهم
كلهم بطواف واحد بين الصفا والمروة ولم يأت لهذا الحديث معارض إلا حديث
عائشة وقد ذكر بعض الحفاظ أن تلك الزيادة من قول عروة لا من قولها
وقد ثبت عن ابن عباس اكتفاء المتمتع بسعي واحد
روى الإمام أحمد في مناسك ابنه عبد الله عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن
عطاء عن ابن عباس أنه كان يقول القارن والمفرد والمتمتع يجزيه طواف البيت
وسعي بين الصفا والمروة ولكن في صحيح البخاري عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل
عن متعة الحج فقال أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه و
سلم في حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي طفنا بالبيت وبالصفا
والمروة وأتينا النساء ولبسنا الثياب وقال من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى
يبلغ الهدي محله ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج فإذا فرغنا من
المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا وعلينا الهدي كما
قال الله تعالى فما استيسر من الهدى
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في
الحج وسبعة أيام إذا رجعتم إلى أمصاركم الشاة تجزىء فجمعوا نسكين في عام
بين الحج والعمرة فإن الله أنزله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم
وأباحه للناس غير أهل مكة وذكر باقي الحديث
فهذا صريح في أن المتمتع
يسعى سعيين وهذا مثل حديث عائشة سواء بل هو أصرح منه في تعدد السعي على
المتمتع فإن صح عن ابن عباس ما رواه الوليد عن الأوزاعي عن عطاء فلعل عنه
في المسألة روايتين كما عن الإمام أحمد فيها روايتان
وفي مسائل عبد
الله قال قلت لأبي المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة قال إن طاف طوافين
فهو أجود وإن طاف طوافا واحدا فلا بأس قال وإن طاف طوافا واحدا فهو أعجب
إلي واحتج بحديث جابر وأحمد فهم من حديث عائشة قولها فطاف الذين أهلوا
بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا
من منى بحجهم أن هذا طواف القدوم واستحب في رواية المروذي وغيره للقادم من
عرفة إذا كان متمتعا أن يطوف طواف القدوم
ورد عليه بعض أصحابه ذلك
وفهم من حديث عائشة أن المراد به طواف الفرض وهذا سهو منه فإن طواف الفرض
مشترك بين الجميع وعائشة أثبتت للمتمتع ما نفته عن القارن وليس المراد
بحديث عائشة إلا الطواف بين الصفا والمروة والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفي الصحيحين عن جابر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعائشة لما طفت بالكعبة وبالصفا والمروة حللت من حجك وعمرتك جميعا قالت يارسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت قال فاذهب بها ياعبدالرحمن فأعمرها من التنعيم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وروى البيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم
وفي
البيهقي أيضا عن ابن عباس أنه كان يلزم ما بين الركن والباب وكان يقول ما
بين الركن والباب يدعي الملتزم لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله شيئا إلا
أعطاه إياه
وأما الحطيم فقيل فيه أقوال أحدها أنه ما بين الركن والباب
وهو الملتزم وقيل هو جدار الحجر لأن البيت رفع وترك هذا الجدار محطوما
والصحيح أن الحطيم الحجر نفسه وهو الذي ذكره البخاري في صحيحه واحتج عليه
بحديث الإسراء قال بينا أنا نائم في الحطيم وربما قال في الحجر قال وهو
حطيم بمعنى محطوم كقتيل بمعنى مقتول
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وذهب سفيان الثوري وجماعة إلى أنه يصليهما بإقامة واحدة لهما كما جاء في بعض روايات حديث ابن عمر
قال ابن عبد البر وهو محفوظ من روايات الثقات أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة
قلت وقد ثبت ذلك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الصلاتين بالمزدلفة بإقامة واحدة
وقال مالك صليهما بأذانين وإقامتين وهو مذهب ابن مسعود
وفي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود أنه صلى صلاتين كل واحدة وحدها بأذان وإقامة
قال ابن المنذر وروى هذا عمر رضي الله عنه
قال ابن عبد البر ولا أعلم في ذلك حديثا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و
سلم بوجه من الوجوه ولكنه روى عن عمر بن الخطاب أنه صلاهما بالمزدلفة كذلك
ومذهب إسحاق وسالم والقاسم أنه يصليهما بإقامتين فقط وحجتهم حديث ابن
عمر المتقدم هو رواية عن أحمد ومذهب أحمد والشافعي في الأصح عنه وأبي ثور
وعبدالملك الماجشون والطحاوي أنه يصليهما بأذان واحد وإقامتين
وحجتهم حديث جابر الطويل
وقد تكلف قوم الجمع بين هذه الأحاديث بضروب من التكلف
وعن ابن عمر في ذلك ثلاث روايات
إحداهن أنه جمع بينهما بإقامتين فقط والثانية أنه جمع بينهما بإقامة واحدة
لهما وقد ذكر أبو داود الروايتين والثالثة أنه صلاهما بلا أذان ولا إقامة
ذكر ذلك البغوي حدثنا الحجاج بن المنهال حدثنا حماد بن سلمة عن أنس بن
سيرين قال وقفت مع ابن عمر بعرفة وكان يكثر أن يقول لا إله إلا الله وحده
لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فلما أفضنا من عرفة دخل
الشعب فتوضأ ثم جاء إلى جمع فعرض راحلته ثم قال الصلاة
فصلى المغرب ولم يؤذن ولم يقم ثم سلم ثم قال الصلاة ثم صلى العشاء ولم يؤذن ولم يقم
والصحيح في ذلك كله الأخذ بحديث جابر وهو الجمع بينهما بأذان وإقامتين
لوجيهن اثنين أحدهما أن الأحاديث سواء مضطربة مختلفة فهذا حديث ابن عمر في
غاية الاضطراب كما تقدم فروي عن ابن عمر من فعله الجمع بينهما بلا أذان ولا
إقامة وروي عنه الجمع بينهما بإقامة واحدة وروي عنه الجمع بينهما بأذان
واحد وإقامة واحدة وروي عنه مسندا إلى النبي صلى الله عليه و سلم الجمع
بينهما بإقامة واحدة وروي عنه مرفوعا الجمع بينهما بإقامتين وعنه أيضا
مرفوعا الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة لهما وعنه مرفوعا الجمع
بينهما دون ذكر أذان ولا إقامة وهذه الروايات صحيحة عنه فيسقط الأخذ بها
لاختلافها واضطرابها
وأما حديث ابن مسعود فإنه موقوف عليه من فعله
وأما حديث ابن عباس فغايته أن يكون شهادة على نفي الأذان والإقامة
الثابتين ومن أثبتهما فمعه زيادة علم وقد شهد على أمر ثابت عاينه وسمعه
وأما حديث أسامة فليس فيه الإتيان بعدد الإقامة لهما وسكت عن الأذان وليس
سكوته عنه مقدما على حديث من أثبته سماعا صريحا بل لو نفاه جملة لقدم عليه
حديث من أثبته لتضمنه زيادة على خفيت على النافي
الوجه الثاني أنه قد
صح من حديث جابر في جمعه صلى الله عليه و سلم بعرفة أنه جمع بينهما بأذان
وإقامتين ولم يأت في حديث ثابت قط خلافه والجمع بين الصلاتين بمزدلفة
كالجمع بينهما بعرفة لا يفترقان إلا في التقديم والتأخير فلو فرضنا تدافع
أحاديث الجمع بمزدلفة جملة لأخذنا حكم الجمع من جمع عرفة
قال
الحافظ شمس الدين بن القيم قال ابن عبد البر كان الإمام أحمد يدفع حديث أم
سلمة هذا ويضعفه قال ابن عبدالبر وأجمع المسلمون على أن النبي صلى الله
عليه و سلم إنما رماها ضحى ذلك اليوم وقال جابر رأيت النبي صلى الله عليه و
سلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر وحده ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس أخرجه
مسلم وقال أبو داود اختلفوا في رميها قبل طلوع الشمس فمن رماها قبل طلوع
الشمس
يجزه وعليه الإعادة
قال ابن عبد البر وحجته أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم رماها بعد طلوع الشمس فمن رماها قبل طلوع الشمس كان
مخالفا للسنة ولزمه إعادتها
قال زعم ابن المنذر أنه لا يعلم خلافا فيمن رماها قبل طلوع الشمس وبعد الفجر أنه يجزئه
قال ولو علمت أن في ذلك خلافا لأوجبت على فاعل ذلك الإعادة
قال ولم يعلم قول الثوري يعني أنه لا يجوز رميها إلا بعد طلوع الشمس وهو قول مجاهد وإبراهيم النخعي
فمقتضى مذهب ابن المنذر أنه يجب الإعادة على من رماها قبل طلوع الشمس
وحديث ابن عباس صريح في توقيتها بطلوع الشمس وفعله صلى الله عليه و سلم
متفق عليه بين الأمة فهذا فعله وهذا قوله وحديث أم سلمة قد أنكره الإمام
أحمد وضعفه
وقال مالك لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أرخص لأحد في الرمي قبل طلوع الفجر
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله والحديث الذي أشار إليه هو مافي
الصحيحين عن عبد الله مولى أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت
تصلي فصلت ساعة ثم قالت يابني هل غاب القمر قلت نعم قالت فارتحلوا فارتحلنا
فمضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها ياهنتاه ما
أرانا إلا قد غلسنا قالت يابني إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن للظعن
وفي لفظ لمسلم لظعنه
وليس في هذا دليل على جواز رميها بعد نصف الليل
فإن القمر يتأخر في الليلة العاشرة إلى قبيل الفجر وقد ذهبت أسماء بعد
غيابه من مزدلفة إلى منى فلعلها وصلت مع الفجر أو بعده فهي واقعة عين ومع
هذا فهي رخصة للظعن وإن دلت على تقدم الرمي فإنما تدل على الرمي بعد طلوع
الفجر وهذا قول أحمد في رواية واختيار ابن المنذر وهو مذهب مالك وأبي حنيفة
وأصحابهما
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله والقرآن قد
صرح بأن الأذان يوم الحج الأكبر ولا خلاف أن النداء بذلك إنما وقع يوم
النحر بمنى فهذا دليل قاطع على أن يوم الحج الأكبر يوم النحر
وذهب عمر بن الخطاب وابنه عبد الله والشافعي إلى أنه يوم عرفة
وقيل أيام الحج كلها فعبر عن الأيام باليوم كما قالوا يوم الجمل ويوم صفين قاله الثوري
والصواب القول الأول
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقال علي بن المديني عروة بن مضرس لم يرو عنه غير الشعبي
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله بعد قول المنذري وأما ما روي عن
عثمان أنه تأهل بمكة فيرده سفر النبي صلى الله عليه و سلم بزوجاته انتهى
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وأما ما روي عن عثمان أنه تأهل
بمكة فيرده أن هذا غير معروف بل المعروف أنه لم يكن له بها أهل ولا مال وقد
ذكر مالك في الموطأ أنه بلغه أن عثمان بن عفان كان إذا اعتمر ربما لم يحطط
راحلته حتى يرجع
ويردده ما تقدم أن عثمان من المهاجرين الأولين وليس لهم أن يقيموا بمكة بعد الهجرة
وقال ابن عبد البر وأصح ما قيل فيه أن عثمان أخذ بالإباحة في ذلك
وقال غيره اعتقد عثمان وعائشة في قصر النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان رخصة أخذ بالأيسر رفقا بأمته فأخذا بالعزيمة وتركا الرخصة
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قد صح عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم أنه رمى الجمرة بسبع حصيات من رواية عبد الله بن عباس وجابر بن
عبد الله وعبد الله بن عمر
وشك الشاك لا يؤثر في جزم الجازم
واختلف الناس في ذلك فالذي ذهب إليه الجمهور وجوب استيفاء السبع في كل رمي
وحكى الطبري عن بعضهم أنه لو ترك رمي جميعهن بعد أن يكبر عند كل جمرة سبع
تكبيرات أجزأه ذلك قال وإنما جعل الرمي بالحصى في ذلك سببا لحفظ التكبيرات
السبع
وقال عطاء إن رمى بخمس أجزأه وقال مجاهد إن رمى بست فلا شيء عليه وبه قال إسحاق
وقال الإمام أحمد إن نقص حصاة أو حصاتين فلا بأس وقال مرة إن رمى بست ناسيا فلا شيء عليه ولا ينبغي أن يتعمدة فإن تعمده تصدق بشيء
وكان عمر يقول ما أبالي رميت بست أو بسبع وقال مرة لا يجزيه أقل من سبع
وروى النسائي والبيهقي في سننه والأثرم وغيرهم عن ابن أبي نجيح سئل طاووس
عن رجل ترك حصاة قال يطعم لقمة فقال أبو عبدالرحمن لم تسمع قول سعد قال سعد
بن مالك رجعنا في حجة رسول الله صلى الله عليه و سلم فمنا من يقول رميت
بست ومنا من يقول رميت بسبع فلم يعب ذلك بعضنا على بعض
قال الحافظ
شمس الدين بن القيم رحمه الله لم يتكلم المنذري عل هذا الحديث وهو وهم فإن
رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يعتمر في شوال قط فإنه لا ريب أنه اعتمر
عمرة الحديبية وكانت في ذي القعدة ثم اعتمر من العام القادم عمرة القضية
وكانت في ذي القعدة ثم غزا غزاة الفتح ودخل مكة غير محرم ثم خرج إلى هوازن
وحرب ثقيف ثم رجع إلى مكة فاعتمر من الجعرانة وكانت في ذي القعدة ثم اعتمر
مع حجته عمرة قرنها بها وكان ابتداؤها في ذي القعدة وسيأتي حديث أنس بعد
هذا في أن عمرة صلى الله عليه و سلم كلها كانت في ذي القعدة
وقد روى
مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
لم يعتمر إلا ثلاثا إحداهن في شوال واثنتين في ذي القعدة
وهذا مرسل عند جميع رواة الموطأ
قال ابن عبد البر وقد روى مسندا عن عائشة وليس رواته مسندا ممن يذكر مع مالك في صحة النقل
وقال ابن شهاب اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث عمر اعتمر عام
الحديبية فصده الذين كفروا في ذي القعدة سنة ست واعتمر من العام المقبل في
ذي القعدة سنة سبع آمنا هو وأصحابه ثم اعتمر العمرة الثالثة في ذي القعدة
سنة ثمان حين أقبل من الطائف من الجعرانة
وروى معمر عن الزهري أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم اعتمر أربعا فذكر مثل هذا وكذلك في حديث عبد
الله بن عمرو وغيره وكذلك ذكر موسى بن عقبة وزاد ومنهن واحدة مع حجته وكذلك
قال جابر اعتمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث عمر
كلهن في ذي القعدة إحداهن زمن الحديبية والأخرى في
صلح قريش والأخرى في رجعته من الطائف ومن حنين من الجعرانة وهذا لا يناقض
ما روى الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
حج ثلاث حجج قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معها عمرة فإن جابرا أراد عمرته
المفردة التي أنشأ لها سفرا لأجل العمرة ولا يناقض هذا أيضا حديث ابن عمر
أنه صلى الله عليه و سلم اعتمر عمرتين كما سيأتي بعد هذا فإن كان هذا
محفوظا عن عائشة أنه اعتمر في شوال فلعله عرض لها في ذلك ما عرض لابن عمر
من قوله إنه اعتمر في رجب وإن لم يكن محفوظا عن عائشة كان الوهم من عروة أو
من هشام والله أعلم بل أن يحمل على أنه ابتدأ إحرامها في شوال وفعلها في
ذي القعدة
فتتفق الأحاديث كلها
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال ابن حزم صدقت عائشة وصدق ابن عمر
لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يعتمر منذ هاجر إلى المدينة عمرة كاملة مفردة
إلا اثنتين كما قال ابن عمر وهما عمرة القضاء
وعمرة الجعرانة عام حنين
وعدت عائشة وأنس إلى هاتين لعمرتين عمرة الحديبية التي صد عنها والعمرة التي قرنها بحجته فتألفت أقوالهم وانتفى التعارض عنها
ثم قال الشيخ ابن القيم رحمه الله بعد قول المنذري وذكر بعضهم أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم خرج معتمرا في رمضان إلى أن قال المنذري وكان
ابتداء خرجوهم لها في رمضان وهذا لا يصح لأنه صلى الله عليه و سلم يخرج في
رمضان إلى مكة إلا في غزاة الفتح ولم يعتمر منها
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هكذا قال ابن عمر وقال جابر في حديثه الطويل ثم أفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر
رواه مسلم وقالت عائشة أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها الحديث وسيأتي
فاختلف الناس في ذلك فرجحت طائفة منهم ابن حزم وغيره حديث جابر وأنه صلى الظهر بمكة
قالوا وقد وافقته عائشة واختصاصها به وقربها منه واختصاص جابر وحرصه على الاقتداء به أمر لا يرتاب فيه
قالوا ولأنه صلى الله عليه و سلم رمى الجمرة وحلق رأسه وخطب الناس ونحر
مائة بدنة هو وعلي وانتظر حتى سلخت وأخذ من كل بدنة بضعة فطبخت وأكلا من
لحمها
قال ابن حزم وكانت حجته في آذار ولا يتسع النهار لفعل هذا جميعه
مع الإفاضة إلى البيت والطواف وصلاة الركعتين ثم يرجع إلى منى ووقت الظهر
باق
وقالت طائفة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره الذي يرجح أنه إنما
صلى الظهر بمنى لوجوه أحدها أنه لو صلى الظهر بمكة لأناب عنه في إمامة
الناس بمنى إماما يصلي بهم الظهر ولم ينقل ذلك أحد
ومحتال أن يصلي
بالمسلمين الظهر بمنى نائب له ولا ينقله أحد فقد نقل الناس نيابة عبدالرحمن
بن عوف لما صلى بهم الفجر في السفر ونيابة الصديق لما خرج صلى الله عليه و
سلم يصلح بين بني عمرو بن عوف ونيابته في مرضه ولا يحتاج إلى ذكر من صلى
بهم بمكة لأن إمامهم الراتب الذي كان مستمرا على الصلاة قبل ذلك وبعده هو
الذي كان يصلي بهم
الثاني أنه لو صلى بهم بمكة لكان أهل مكة مقيمين
فكان يتعين عليهم الإتمام ولم يقل لهم النبي صلى الله عليه و سلم أتموا
صلاتكم فإنا قوم سفر كما قاله في غزاة الفتح
الثالث أنه يمكن اشتباه الظهر المقصورة بركعتي الطواف ولا سيما والناس يصلونهما معه ويقتدون به فيهما فظنهما الرائي الظهر
وأما صلاته بمنى والناس خلفه فهذه لا يمكن اشتباهها بغيرها أصلا لا سيما
وهو صلى الله عليه و سلم كان إمام الحج الذي لا يصلي لهم سواه فكيف يدعهم
بلا إمام يصلون أفرادا ولا يقيم لهم من يصلي بهم هذا في غاية البعد
وأما حديث عائشة فقد فهم منه جماعة منهم المحب الطبري وغيره أنه صلى الظهر
بمنى ثم أفاض إلى البيت بعد ما صلى الظهر لأنها قالت أفاض من آخر يومه حين
صلى الظهر ثم رجع إلى منى
قالوا ولعله صلى الظهر بأصحابه ثم جاء إلى مكة فصلى الظهر بمن لم يصل كما قال جابر
ثم رجع إلى منى فرأى قوما لم يصلوا فصلى بهم ثالثة كما قال ابن عمر وهذه
حرفشة في العلم وطريقة يسلكها القاصرون فيه وأما فحول أهل العلم فيقطعون
ببطلان ذلك ويحيلون الاختلاف على الوهم والنسيان الذي هو عرض البشر ومن له
إلمام بالسنة ومعرفة بحجته صلى الله عليه و سلم يقطع بأنه لم يصل الظهر في
ذلك اليوم ثلاث مرات بثلاث جماعات بل ولا مرتين
وإنما صلاها على عادته المستمرة قبل ذلك اليوم وبعده صلى الله عليه و سلم
وفهم منه آخرون منهم ابن حزم وغيره أنه أفاض حين صلاها بمكة
وفي نسخة من نسخ السنن أفاض حتى صلى الظهر ثم رجع وهذه الرواية ظاهرة في
أنه صلاها بمكة كما قال جابر ورواية حين محتملة للأمرين والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هذا الحديث يرويه ابن إسحاق عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه وعن أمه زينب بنت أبي سلمة يحدثانه عن أم سلمة وقال أبو عبيدة وحدثتني أم قيس بنت محصن وكانت جارة لهم قالت خرج من عندي عكاشة بن محصن في نفر من بني أسد متقمصا عشية يوم النحر ثم رجعوا إلي عشاء وقمصهم على أيديهم يحملونها فقلت أي عكاشة مالكم خرجتم متقمصين ثم رجعتم وقمصكم على أيديكم تحملونها فقال أخبرتنا أم قيس كان هذا يوما رخص فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم لنا إذا نحن رمينا الجمرة حللنا من كل ما أحرمنا منه إلا ما كان من النساء حتى نطوف بالبيت فإذا أمسينا ولم نطف جعلنا قمصنا على أيدينا وهذا يدل على أن الحديث محفوظ فإن أبا عبيدة رواه عن أبيه وعن أمه وعن أم قيس
وقد استشكله الناس قال البيهقي وهذا حكم لا أعلم أحدا من الفقهاء يقول به
تم كلامه
وقد روى أبو داود عن عقبة عن أبي الزبير عن عائشة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل
وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن وأخرجه البخاري تعليقا
وكأن رواية أبي داود له عقب حديث أم سلمة استدلال منه على أنه أولى من
حديث أم سلمة لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم حل قبل طوافه بالبيت ثم
أخره إلى الليل
لكن هذا الحديث وهم فإن المعلوم من فعله صلى الله عليه
و سلم أنه إنما طاف طواف الإفاضة نهارا بعد الزوال كما قاله جابر وعبد
الله بن عمر وعائشة وهذا أمر لا يرتاب فيه أهل العلم والحديث وقد تقدم قول
عائشة أفاض رسول الله صلى الله عليه و سلم حين صلى الظهر من رواية أبي سلمة
والقاسم عنها قال البيهقي وحديث أبي سلمة عن عائشة أصح
وقال البخاري في سماع أبي الزبير من عائشة نظر وقد سمع من ابن عباس
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله ويمكن أن يحمل قولها أخر طواف يوم النحر إلى الليل على أنه أذن في ذلك فنسب إليه وله نظائر
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله في حديث اكتبوا لأبي شاه فيه أن مكة فتحت عنوة
وفيه تحريم قطع شجر الحرم وتحريم التعرض لصيده بالتنفير فما فوقه
وفيه أن لقطتها لا يجوز أخذها إلا لتعريفها أبدا والحفظ على صاحبها
وفيه جواز قطع الإذخر خاصة رطبه ويابسه
وفيه أن اللاجىء إلى الحرم لا يتعرض له ما دام فيه ويؤيده قوله في الصحيحين في هذا الحديث فلا يحل لأحد أن يسفك بها دما
وفيه جواز تأخير الاستثناء عن المستثنى منه وأنه لا يشترط اتصاله به ولا نيته من أول الكلام
وفيه الإذن في كتابة السنن وأن النهي عن ذلك المنسوخ
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال ابن القطان وعندي أنه ضعيف
لأنه من رواية يوسف بن ماهك عن أمه مسيكة وهي مجهولة لا نعرف روى عنها غير
ابنها
والصواب تحسين الحديث فإن يوسف بن ماهك من التابعين وقد سمع أم
هانىء وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وقد روى عن أمه ولم يعلم فيها
جرح ومثل هذا الحديث حسن عند أهل العلم بالحديث وأمه تابعية قد سمعت عائشة
6
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد أبعد بعض المتكلفين وقال
يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله عليه و سلم وأن
لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات
كالعبد الذي لا يأتي في
العام إلا مرتين قال ويؤيد هذا التأويل ما جاء في الحديث نفسه لا تجعلوا
بيوتكم قبورا أي لا تتركوا الصلاة في بيوتكم حتى تجعلوها كالقبور التي لا
يصلى فيها
قال بعضهم وزيارة قبره صلوات الله وسلامه عليه غنية عن
هذا التكلف البارد والتأويل الفاسد الذي يعلم فساده من تأمل سياق الحديث
ودلالة اللفظ على معناه وقوله في آخره وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث
كنتم وهل في الألغاز أبعد من دلالة من يريد الترغيب في الإكثار من الشيء
وملازمته بقوله لا تجعله عيدا وقوله ولا تتخذوا بيوتكم قبورا نهى لهم أن
يجعلوه بمنزلة القبور التي لا يصلى فيها وكذلك نهيه لهم أن يتخذوا قبره
عيدا نهي لهم أن يجعلوه مجمعا
كالأعياد التي يقصد الناس الاجتماع
إليها للصلاة بل يزار قبره صلوات الله وسلامه عليه كما كان يزوره الصحابة
رضوان الله عليهم على الوجه الذي يرضيه ويحبه صلوات الله وسلامه عليه
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد قال بقول عائشة في رضاع الكبير الليث بن سعد وعطاء وأهل الظاهر
والأكثرون حملوا الحديث إما على الخصوص وإما على النسخ واستدلوا على النسخ
بأن قصة سالم كانت في أول الهجرة لأنها هاجرت عقب نزول الآية والآية نزلت
في أوائل الهجرة
وأما أحاديث الحكم بأن التحريم يختص بالصغر
فرواها من تأخر إسلامهم من الصحابة نحو أبي هريرة وابن عباس وغيرهم فتكون أولى
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفي الاستدلال بهذا نظر فإن هذا
حكم من النبي صلى الله عليه و سلم مؤيد مؤكد بالقسم ولكن حلف المسور بن
مخرمة أنه لا يوصل إليه أبدا ظاهر فيه ثقته بالله في إبراره
وفيه رد
على من يقول إن المسور ولد بمكة في السنة الثانية من الهجرة وكان له يوم
موت النبي صلى الله عليه و سلم ثمان سنين هذا قول أكثرهم
وقوله وأنا يومئذ محتلم هذا الكلمة ثابتة في الصحيحين
وفيه تحريم أذى النبي صلى الله عليه و سلم بكل وجه من الوجوه وإن كان بفعل
مباح فإذا تأذى به رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يجز فعله لقوله تعالى
وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله
وفيه غيرة الرجل وغضبه لابنته وحرمته
وفيه بقاء عار الآباء في الأعقاب لقوله بنت عدو الله فدل على أن لهذا
الوصف تأثيرا في المنع وإلا لم يذكره مع كونها مسلمة وعليه بقاء أثر صلاح
الآباء في الأعقاب لقوله تعالى وكان أبوهما صالحا
وفيه أوضح دليل على فضل فاطمة وأنها سيدة نساء هذه الأمة لكونها بضعة من النبي صلى الله عليه و سلم
وفيه ثناء الرجل على زوج ابنته بجميل أوصافه ومحاسن أفعاله
وفيه أن أذى أهل بيته صلى الله عليه و سلم وإرابتهم أذى له
وقوله يريبني ما أرابها يقول رابني فلان إذا رأيت منه ما يريبك وتكرههه وأرابني أيضا قال الفراء هما بمعنى واحد
وفرق آخرون بينهما بأن رابني تحققت منه الريبة
وأرابني إذا ظننت ذلك به كأنه أوقعك فيها
والصهر الذي ذكره النبي صلى الله عليه و سلم هو أبو العاص بن الربيع وزوجته زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم
وبنت أبي جهل هذه المخطوبة قال عبدالغني بن سعيد وغيره اسمها العوراء
وهذه العبارة ذكر بعضها المنذري بمعناها
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وأما ابن عباس فإنه سلك هذا
المسلك في إباحتها عند الحاجة والضرورة ولم يبحها مطلقا فلما بلغه إكثار
الناس منها رجع وكان يحمل التحريم على من لم يحتج إليها
قال الخطابي
حدثنا ابن السماك حدثنا الحسن بن سلام حدثنا الفضل بن دكين حدثنا عبدالسلام
عن الحجاج عن أبي خالد عن المنهال عن ابن جبير قال قلت لابن عباس هل تدري
ما صنعت وبما أفتيت قد سارت بفتياك الركبان وقالت فيه الشعراء
قال وما
قالوا قلت قالوا قد قلت للشيخ لما طال محبسه ياصاح هل في فتيا ابن عباس هل
لك في رخصة الأطراف آنسة تكون مثواك حتى رجعة الناس فقال ابن عباس إنا لله
وإنا إليه راجعون والله ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت ولا أحللت إلا مثل ما
أحل الله الميتة والدم ولحم الخنزير وما تحل إلا للمضطر وما هي إلا كالميتة
والدم ولحم الخنزير
وقال إسحاق بن راهويه حدثنا روح بن عبادة حدثنا
موسى بن عبيدة سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عن ابن عباس قال كانت المتعة
في أول الإسلام متعة النساء فكان الرجل يقدم بسلعته البلد ليس له من يحفظ
عليه شيئه ويضم إليه متاعه فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنه يقضي حاجته
وقد كانت تقرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن حتى نزلت
حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله محصنين غير مسافحين فتركت المتعة وكان الإحصان
إذا شاء طلق وإذا شاء أمسك ويتوارثان وليس لهما من الأمر شيء
فهاتان الروايتان المقيدتان عن ابن عباس تفسران مراده من الرواية المطلقة المقيدة والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى ابن حبان في صحيحه من
حديث عبدالرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم لا شغار في الإسلام ومن حديث حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن عمران
بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا جلب ولا جنب ولا شغار
ومن انتهب نهبة فليس منا
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وحديث جابر الذي أشار إليه رواه الترمذي من حديث مجالد عن الشعبي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن المحلل والمحلل له قال هكذا روى أشعث بن عبدالرحمن عن مجالد عن عامر عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم وهذا حديث ليس إسناده بالقائم لأن مجالد بن سعيد قد ضعفه بعض أهل
العلم منهم أحمد بن حنبل وروى عبد
الله بن نمير هذا الحديث عن مجالد عن عامر عن جابر عن علي وهذا وهم وهم فيه
ابن نمير والحديث الأول أصح قال وقد روى الحديث عن علي من غير وجه قال في
الباب عن أبي هريرة وعقبة بن عامر وابن عباس قال والعمل على هذا الحديث عند
أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم منهم عمر بن الخطاب وعثمان
بن عفان وعبد الله بن عمر وغيرهم وهو قول الفقهاء من التابعين وبه يقول
سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قال وسمعت الجارود يذكر
عن وكيع أنه قال بهذا وقال ينبغي أن يرمى بهذا الباب من قول أصحاب الرأي
قال وكيع وقال سفيان إذا تزوج الرجل المرأة ليحلها ثم بدا له أن يمسكها فلا
يحل له أن يمسكها حتى يتزوجها بنكاح جديد
تم كلامه
وقال إبراهيم
النخعي لا يحلها لزوجها الأول إلا بنكاح رغبة فإن كانت نية أحد الثلاثة
الزوج الأول أو الثاني أو المرأة أن تحلل فالنكاح باطل ولا تحل للأول
وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي في كتاب العلل سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن وعبد الله بن جعفر المخزمي صدوق ثقة وعثمان بن محمد الأخنسي ثقة وكنت أظن أن عثمان لم يسمع من سعيد المقبري
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وذكر الطبري أن بعضهم
قال نهيه أن يخطب الرجل على خطبة أخيه منسوخ بخطبته صلى الله عليه و سلم
لأسامة فاطمة بنت قيس
قال الشيخ ابن قيم الجوزية يعني بعد أن خطبها معاوية وأبو جهم
قال وهذا
غلط فإن فاطمة لم تركن إلى واحد منهما وإنما جاءت مستشيرة للنبي صلى الله
عليه و سلم فأشار عليها بما هو الأصلح لها والأرضى لله ولرسوله ولم يخطبها
لنفسه ومورد النهي إنما هو خطبة الرجل لنفسه على خطبة أخيه فأما إشارته على
المرأة إذا استشارته بالكفء الصالح فأين ذلك من الخطبة على خطبة أخيه فقد
تبين غلط القائل والحمد لله
وأيضا فإن هذا من الأحكام الممتنع نسخها فإن صاحب الشرع علله بالأخوة وهي علة مطلوبة البقاء والدوام لا يلحقها نسخ ولا إبطال
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال الشافعي ينظر إلى وجهها وكفيها وهي متغطية ولا ينظر إلى ما وراء ذلك
وقال داود ينظر إلى سائر جسدها
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وعن أحمد ثلاث روايات إحداهن
ينظر إلى وجهها ويديها والثانية ينظر ما يظهر غالبا كالرقبة والساقين
ونحوهما والثالثة ينظر إليها كلها عورة وغيرها فإنه نص على أنه يجوز أن
ينظر إليها متجردة واللفظ الذي ذكره مسلم ليس بصريح في نظر الخاطب وقد رواه
النسائي خطب رجل امرأة من الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم
هل نظرت إليها قال لا فأمره أن ينظر إليها رواه من طريق يزيد بن كيسان عن
أبي حازم عن أبي هريرة
قال مروان بن معاوية الفزاري عن يزيد
خطب رجل امرأة
وقال سفيان عن يزيد عن أبي حازم عن أبي هريرة
أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة وهذا مفسر لحديث مسلم أنه أخبره أنه تزوج
امرأة وقد روي من حديث بكر بن عبد الله المزني عن المغيرة بن شعبة قال خطبت
امرأة على عهد النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم
أنظرت إليها قلت
لا قال فانظر فإنه أحرى أن يؤدم بينكما
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال الترمذي وذكر سليمان بن موسى راويه عن الزهري عن عروة عن عائشة سليمان بن
موسى ثقة عند أهل الحديث
لم يتكلم فيه أحد من المتقدمين إلا البخاري وحده فإنه تكلم فيه من أجل
أحاديث انفرد بها وذكره دحيم فقال في حديثه بعض اضطراب وقال لم يكن في
أصحاب مكحول أثبت منه وقال النسائي
في حديثه شيء وقال البزار سليمان بن موسى أجل من ابن جريج وقال الزهري
سليمان بن موسى أحفظ من مكحول وقال البيهقي مع ما في مذهب أهل العلم بالحديث من وجوب قبول خبر الصادق وإن نسيه من أخبره عنه
قال الترمذي ورواه الحجاج بن أرطاة وجعفر بن أبي ربيعة عن الزهري عن عروة
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم وروي عن هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم
قال ابن جريج ثم لقيت الزهري
فسألته فأنكره فضعفوا هذا الحديث من أجل هذا وذكر عن يحيى بن معين أنه قال
لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج إلا إسماعيل بن إبراهيم قال يحيى بن معين
وسماع إسماعيل بن إبراهيم من ابن جريج ليس بذاك
إنما صحح كتبه على كتب عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد فيما سمع من ابن جريج وضعف يحيى رواية إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج
قال الترمذي
والعمل على حديث النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الباب لا نكاح إلا بولي
عند أهل العلم من اصحاب النبي صلى الله عليه و سلم منهم عمر بن الخطاب
وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وغيرهم
وهكذا روي عن فقهاء التابعين أنهم قالوا لا نكاح إلا بولي منهم سعيد بن المسيب والحسن البصري وشريح وإبراهيم النخعي
وعمر بن عبدالعزيز وغيرهم
وبهذا يقول سفيان الثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال الترمذي وحديث أبي موسى حديث فيه اختلاف رواه إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم ورواه أسباط بن محمد وزيد بن حبان عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم وروى أبو عبيدة الحداد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم ونحوه ولم يذكر فيه عن أبي إسحاق وقد روى عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه و سلم وروى شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم لا نكاح إلا بولي وقد ذكر بعض أصحاب سفيان عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى ولا يصح ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم لا نكاح إلا بولي عندي أصح لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة وإن كان شعبة والثوري أحفظ وأثبت من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث فإن رواية هؤلاء عندي أشبه وأصح لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد ومما يدل على ذلك ما حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود حدثنا شعبة قال سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق
أسمعت أبا بردة يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا
نكاح إلا بولي فقال نعمفدل هذا الحديث على أن سماع شعبة والثوري هذا الحديث
في وقت واحد وإسرائيل هو ثبت في أبي إسحاق سمعت محمد بن المثنى يقول سمعت
عبدالرحمن بن مهدي يقول ما فاتني الذي فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق
إلا لما اتكلت به على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم
هذا آخر كلام الترمذي
وقال علي بن المديني
حديث إسرائيل صحيح في لا نكاح إلا بولي
وسئل عنه البخاري فقال
الزيادة من الثقة مقبولة وإسرائيل ثقة فإن كان شعبة والثوري أرسلاه فإن ذلك لا يضر الحديث
وقال قبيصة بن عقبة جاءني علي بن المديني فسألني عن هذا الحديث فحدثته به
عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى لم يذكر فيه أبا إسحاق فقال
استرحنا من خلاف أبي إسحاق
قلت وكذلك رواه الحسن بن محمد بن الصباح عن أسباط بن محمد عن يونس عن أبي بردة عن أبي موسى ذكره الحاكم في المستدرك فهذا وجه
الثاني رواية عيسى ابنه وحجاج بن محمد المصيصي والحسن بن قتيبة وغيرهم عن
أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا
الثالث رواية شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه و سلم مرسلا
هذه رواية أكثر الأثبات عنهما
الرابع رواية يزيد بن زريع عن شعبة ورواية مؤمل بن إسماعيل وبشر بن منصور
عن الثوري كليهما عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه موصولا
فهذه أربعة أوجه
والترجيح لحديث إسرائيل في وصله من وجهوه عديدة أحدها تصحيح من تقدم من
الأئمة له وحكمهم لروايته بالصحة كالبخاري وعلي بن المديني والترمذي وبعدهم
الحاكم وابن حبان وابن خزيمة
الثاني ترجيح إسرائيل في حفظه وإتقانه
لحديث أبي إسحاق وهذا شهادة الأئمة له وإن كان شعبة والثوري أجل منه لكنه
لحديث أبي إسحاق أتقن وبه أعرف
الثالث متابعة من وافق إسرائيل على وصله كشريك ويونس بن أبي إسحاق
قال عثمان الدارمي سألت يحيى بن معين شريك أحب إليك في أبي إسحاق أو
إسرائيل فقال شريك أحب إلي وهو أقدم وإسرائيل صدوق قلت يونس بن أبي إسحاق
أحب إليك أو إسرائيل فقال كل ثقة
الرابع ما ذكره الترمذي وهو أن سماع الذين وصلوه عن أبي إسحاق كان في أوقات مختلفة وشعبة والثوري سمعاه منه في مجلس واحد
الخامس أن وصله زيادة من ثقة ليس دون من أرسله والزيادة إذا كان هذا حالها فهي مقبولة كما أشار إليه البخاري والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هذا هو المعروف المعلوم عند أهل
العلم أن الذي زوج أم حبيبة للنبي صلى الله عليه و سلم هو النجاشي في أرض
الحبشة وأمهرها من عنده وزوجها الأول التي كانت معه في الحبشة هو عبيد الله
بن جحش بن رئاب أخو زينب بنت جحش زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم تنصر
بأرض الحبشة ومات بها نصرانيا فتزوج امرأته رسول الله صلى الله عليه و سلم
وفي اسمها قولان أحدهما رملة وهو الأشهر والثاني
هند وتزويج النجاشي لها حقيقة فإنه كان مسلما وهو أمير البلد وسلطانه
وقد تأوله بعض المتكلفين على أنه ساق المهر من عنده
فأضيف التزويج إليه وتأوله بعضهم على أنه كان هو الخاطب والذي ولي العقد عثمان بن عفان وقيل عمرو بن أمية الضمري
والصحيح أن عمرو بن أمية كان وكيل رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك
بعث به النجاشي يزوجه إياها وقيل الذي ولي العقد عليها خالد بن سعيد بن
العاص ابن عم أبيها
وقد روى مسلم في الصحيح من حديث عكرمة بن عمار عن
ابن عباس قال كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال
للنبي صلى الله عليه و سلم يانبي الله ثلاث أعطيتهن قال نعم قال عندي أحسن
العرب وأجملها أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال نعم قال ومعاوية تجعله
كاتبا بين يديك
قال نعم قال وتأمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل
المسلمين قال نعم وقد رد هذا الحديث جماعة من الحفاظ وعدوه من الأغلاط في
كتاب مسلم قال ابن حزم هذا حديث موضوع لا شك في وضعه والآفة فيه من عكرمة
بن عمار فإنه لم يختلف في أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوجها قبل
الفتح بدهر وأبوها كافر وقال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الكشف له هذا
الحديث وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد وقد اتهموا به عكرمة بن عمار
راويه وقد ضعف أحاديثه يحيى بن سعيد الأنصاري وقال ليست بصحاح وكذلك قال
أحمد بن حنبل هي أحاديث ضعاف وكذلك لم يخرج عنه البخاري إنما أخرج عنه مسلم
لقول يحيى بن معين ثقة
قال وإنما قلنا إن هذا وهم لأن أهل التاريخ
أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبيد الله بن جحش وولدت له وهاجر بها وهما
مسلمان إلى أرض الحبشة ثم تنصر وثبتت أم حبيبة على
دينها فبعث
رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى النجاشي يخطبها عليه فزوجه إياها
وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعة آلاف درهم وذلك سنة سبع من
الهجرة وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة فدخل عليها فنحت بساط رسول الله صلى
الله عليه و سلم حتى لا يجلس عليه ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في
فتح مكة سنة ثمان ولا يعرف أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أبا سفيان
وقد تكلف أقوام تأويلات فاسدة لتصحيح الحديث كقول بعضهم إنه سأله
تجديد النكاح عليها وقول بعضهم إنه ظن أن النكاح بغير إذنه وتزويجه غير تام
فسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يزوجه إياها نكاحا تاما فسلم له
النبي صلى الله عليه و سلم حاله وطيب قلبه بإجابته وقول بعضهم إنه ظن أن
التخيير كان طلاقا فسأل رجعتها وابتداء النكاح عليها وقول بعضهم إنه استشعر
كراهة النبي صلى الله عليه و سلم لها وأراد بلفظ التزويج استدامة نكاحها
لا ابتداءه وقول بعضهم يحتمل أن يكون وقع طلاق فسأل تجديد النكاح وقول
بعضهم يحتمل أن يكون أبو سفيان قال ذلك قبل إسلامه كالمشترط له في إسلامه
ويكون التقدير ثلاث إن أسلمت تعطينيهن وعلى هذا اعتمد المحب الطبري في
جواباته للمسائل الواردة عليه وطول في تقريره
وقال بعضهم إنما سأله أن
يزوجه ابنته الأخرى وهي أختها وخفي عليه تحريم الجمع بين الأختين لقرب
عهده بالإسلام فقد خفي ذلك على ابنته أم حبيبة حتى سألت رسول الله صلى الله
عليه و سلم ذلك وغلط الراوي في اسمها
وهذه التأويلات في غاية الفساد
والبطلان وأئمة الحديث والعلم لا يرضون بأمثالها ولا يصححون أغلاط الرواة
بمثل هذه الخيالات الفاسدة والتأويلات الباردة التي يكفي في العلم بفسادها
تصورها وتأمل الحديث
وهذا التأويل الأخير وإن كان في الظاهر أقل فسادا
فهو أكذبها وأبطلها وصريح الحديث يرده فإنه قال أم حبيبة أزوجكها قال نعم
فلو كان المسؤول تزويج أختها لما أنعم له بذلك صلى الله عليه و سلم فالحديث
غلط لا ينبغي التردد فيه والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن
القيم رحمه الله وقد استشكل بعض المفسرين معنى وراثتهم النساء المنهي عنها
حتى قال المعنى لا يحل لكم أن ترثوا نكاحهن لترثوا أموالهن كرها
قال وفي المراد بميراثهن وجهان
أحدهما ما يصل إلى الأزواج من أموالهن بالموت دون الحياة على ما يقتضيه الظاهر من لفظ الميراث
الثاني الوصول إلى أموالهن في الحياة وبعدها وقد يسمى ما وصل في الحياة ميراثا كما قال تعالى الذين يرثون الفردوس
وهذا تكلف وخروج عن مقتضى الآية بل الذي منعوا منه أن يجعلوا حق الزوجية
حقا موروثا ينتقل إلى الوارث كسائر حقوقه وهذه كانت شبهتهم أن حق الزوجية
انتقل إليهم من مورثهم فأبطل الله ذلك وحكم بأن الزوجية لا تنتقل بالميراث
إلى الوارث بل إذا مات الزوج كانت المرأة أحق بنفسها ولم يرث بضعها أحد
وليس البضع كالمال فينتقل بالميراث
وقوله فوعظ الله ذلك فيه وجهان أحدهما أي يقدر فيه حرف جر أي في ذلك
والثاني أي يضمن وعظ معنى منع وحذر ونحوه
واستنبط بعضهم من الآية أنه لا يحلل للرجل أن يمسك امرأته ولا أرب له فيها طمعا أن تموت فيرث مالها وفيه نظر
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وعلى طريقة البيهقي وأكثر
الفقهاء وجيمع أهل الأصول هذا حديث صحيح لأن جرير بن حازم ثقة ثبت وقد وصله
وهم يقولون زيادة الثقة مقبولة فما بالها تقبل في موضع بل في أكثر المواضع
التي توافق مذهب المقلد وترد في موضع يخالف مذهبه وقد قبلوا زيادة الثقة
في أكثر من مائتين من الأحاديث رفعا ووصلا وزيادة لفظ ونحوه وهذا لو انفرد
به جرير فكيف وقد تابعه على رفعه عن أيوب زيد بن حبان ذكره ابن ماجه في
سننه
وأما حديث جابر فهو حديث يرويه شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن
عطاء عن جابر أن رجلا زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت النبي صلى الله
عليه و سلم ففرق بينهما رواه النسائي ورواه أيضا من حديث أبي حفص التنيسي
سمعت الأوزاعي قال حدثني إبراهيم بن مرة عن عطاء بن أبي رباح قال زوج رجل
ابنته وهي بكر وساق الحديث وهذا الإرسال لا يدل على أن الموصول خطأ بمجرده
وأما حديث جرير الذي أشار البيهقي إلى أنه أخطأ فيه على أيوب فرواه
النسائي أيضا من حديث جرير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن جارية بكرا أتت
النبي صلى الله عليه و سلم فقالت إن أبي زوجني وهي كارهة فرد النبي صلى
الله عليه و سلم نكاحها ورجاله محتج بهم في الصحيح وقد تقدم قول النبي صلى
الله عليه و سلم لا تنكح البكر إلا بإذنها وهذا نهي صريح في المنع فحمله
على الاستحباب بعيد جدا
وفي حديث ابن عباس والبكر يستأمرها أبوها رواه
مسلم وسيأتي فهذا خبر في معنى الأمر على إحدى الطريقتين أو خبر محض ويكون
خبرا عن حكم الشرع لا خبرا عن الواقع وهي طريقة المحققين
فقد توافق
أمره صلى الله عليه و سلم وخبره ونهيه على أن البكر لا تزوج إلا بإذنها
ومثل هذا يقرب من القاطع ويبعد كل البعد حمله على الاستحباب وروى النسائي
من حديث عكرمة عن ابن عباس قال أنكح رجل من بني المنذر ابنته وهي كارهة
فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فرد نكاحها وروى أيضا من حديث عبد الله بن
بريدة عن عائشة أن فتاة دخلت عليها فقالت إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي
خسيسته وأنا كارهة قالت أجلسي حتى يأتي النبي صلى الله عليه و سلم فجاء
رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر
إليها فقالت يارسول الله قد اخترت ما صنع أبي ولكني أردت أن أعلم أن للنساء
من الأمر شيء وروى أيضا عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال أنكح رجل من
بني المنذر ابنته وهي كارهة فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فرد نكاحها
وعمل هذه القضايا وأشباهها على الثيب دون البكر خلاف مقتضاها لأن النبي
صلى الله عليه و سلم لم يسأل عن ذلك ولا استفصل ولو كان الحكم يختلف بذلك
لاستفصل وسأل عنه والشافعي ينزل هذا منزلة العموم ويحتج به كثيرا
وذكر
أبو محمد بن حزم من طريق قاسم بن أصبغ عن ابن عمر أن رجلا روج ابنته بكرا
فأتت النبي صلى الله عليه و سلم فرد نكاحها وذكر الدارقطني هذا الحديث في
سننه وفي كتاب العلل وأعله برواية من روى أن عمها زوجها بعد وفاة أبيها
وزوجها من عبيد الله بن عمر وهي بنت عثمان بن مظعون وعمها قدمة فكرهته ففرق
رسول الله صلى الله عليه و سلم بينهما فتزوجها المغيرة بن شعبة
قال وهذا أصح من قول من قال زوجها أبوها والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد اختلف في خنساء هذه هل كانت بكرا أو ثيبا فقال مالك هي ثيب وكذلك ذكره البخاري في صحيحه من حديث مالك عن عبدالرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبدالرحمن ومجمع ابني يزيد بن جرير عن خنساء
وخالف مالكا سفيان الثوري فرواه عن عبدالرحمن بن القاسم عن
عبد الله بن يزيد عن خنساء قالت أنكحني أبي وأنا كارهة وأنا بكر فشكوت ذلك
للنبي صلى الله عليه و سلم فقال لا تنكحها وهي كارهة رواه النسائي من حديث
ابن المبارك عن سفيان
قال عبدالحق روى أنها كانت بكرا ووقع ذلك في كتاب أبي داود والنسائي والصحيح أنها كانت ثيبا
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله وادعى بعضهم أن هذا الحديث منسوخ بقوله لا نكاح إلا بولي ولا يصح ذلك فإن الموهوبة كانت تحل لرسول الله صلى الله عليه و سلم وقد جعلت أمرها إليه فزوجها بالولاية وأما دعوى الخصوص في الحديث فإنها من وجه دون وجه فالمخصوص به صلى الله عليه و سلم هو نكاحه بالهبة لقوله تعالى وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إلى قوله خالصة لك من دون المؤمنين
وأما تزويج المرأة على تعليم القرآن فكثير من أهل العلم يجيزه كالشافعي وأحمد وأصحابهما وكثير يمنعه كأبي حنيفة ومالك وفيه جواز نكاح المعدم الذي لا مال له وفيه الرد على من قال بتقدير أقل الصداق إما بخمسة دراهم كقول ابن شبرمة أو بعشرة كقول أبي حنيفة أو بأربعين درهما كقول النخعي أو بخمسين كقول سعيد بن جبير أو ثلاثة دراهم أو ربع دينار كقول مالك وليس لشيء من هذه الأقوال حجة يجب المصير إليها وليس بعضها بأولى من بعض وغاية ما ذكره المقدرون قياس استباحة البضع على قطع يد السارق وهذا القياس مع مخالفته للنص فاسد إذ ليس بين البابين علة مشتركة توجب إلحاق أحدهما بالآخر وأين قطع يد السارق من باب الصداق وهذا هو الوصف الطردي المحض الذي لا أثر له في تعليق الأحكام به وفيه جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح وفيه جواز كون الولي هو الخاطب وترجم عليه البخاري في صحيحه كذلك وذكر الحديث وفيه جواز سكوت العالم ومن سئل شيئا لم يرد قضاءه ولا الجواب عنه وذلك ألين في صرف السائل وأجمل من جهة الرد وهو من مكارم الأخلاق وفيه دليل على جواز أن تكون منافع الحر صداقا وفيه نظر والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفيه أن الصواب في قول واحد ولا يكون القولان المتضادان صوابا معا
وهو منصوص الأئمة الأربعة والسلف
وأكثر الخلف
وفيه أن الله تعالى هو الموفق للصواب الملهم له بتوفيقه وإعانته وأن الخطأ من النفس
والشيطان ولا يضاف إلى الله ولا إلى رسوله
ولا حجة فيه للقدرية المجوسية إذا إضافته إلى النفس والشيطان إضافة إلى
محله ومصدره وهو النفس وشبهها وهو الشيطان وتلبيسه الحق بالباطل بل فيه رد
على القدرية الجبرية الذين يبرئون النفس والشيطان من الأفعال البتة ولا
يرون للمكلف فعلا اختياريا يكون صوابا أو خطأ
والذي دل عليه قول ابن مسعود وهو قول الصحابة كلهم وأئمة السنة من التابعين ومن بعدهم هو إثبات القدر الذي هو نظام التوحيد
إثبات فعل العبد الأختياري
الذي هو نظام الأمر والنهي
وهو متعلق المدح والذم والثواب والعقاب والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى النسائي في سننه من حديث عمرو بن شعيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
أن رجلا كلم النبي صلى الله عليه و سلم في شيء فقال النبي صلى الله عليه و
سلم إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا
هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله أما بعد والأحاديث كلها متفقة على أن نسعينه ونستغفره ونعوذ به
بالنون والشهادتان بالإفراد وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله
قال شيخ الإسلام ابن تيمية لما كانت كلمة الشهادة لا يتحملها أحد عن أحد ولا تقبل النيابة بحال أفرد الشهادة بها
ولما كانت الاستعانة والاستعاذة والاستغفار يقبل ذلك فيستغفر الرجل لغيره
ويستعين الله له ويستعيذ بالله له أتى فيها بلفظ الجمع ولهذا يقول اللهم
أعنا وأعذنا واغفر لنا
قال ذلك في حديث ابن مسعود وليس فيه نحمده وفي
حديث ابن عباس نحمده بالنون مع أن الحمد لا يتحمله أحد عن أحد ولا يقبل
النيابة فإن كانت هذه اللفظة محفوظة فيه إلى إلفاظ الحمد والاستعانة على
نسق واحد
وفيه معنى آخر وهو أن الاستعانة والاستعاذة والاستغفار طلب
وإنشاء فيستحب للطالب أن يطلبه لنفسه ولإخوانه المؤمنين وأما الشهادة فهي
إخبار عن شهادته لله بالواحدانية ولنبيه بالرسالة وهي خبر يطابق عقد القلب
وتصديقه وهذا إنما يخبر به الإنسان عن نفسه لعلمه بحاله بخلاف إخباره عن
غيره فإنه إنما يخبر عن قوله ونطقه لا عن عقد قلبه
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى النسائي وغيره من حديث عدي بن حاتم قال تشهد رجلان عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال أحدهما من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصمها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بئس الخطيب أنت فإن صح حديث عمران بن داور فلعله رواه بعضهم بالمعنى فظن أن اللفظين سواء ولم يبلغه حديث بئس الخطيب أنت وليس عمران بذلك الحافظ
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وروى النسائي من حديث هشام بن
عروة عن بيه عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تزوجها لسبع سنين ودخل
عليها لتسع سنين ثم روى من حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عنها أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم تزوجها
وهي بنت تسع ومات عنها وهي بنت ثمان
عشرة ثم روى من حديث مطرف بن طريف عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال قالت
عائشة تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم لتسع سنين وصحبته تسعا وليس
شيء من هذا بمختلف فإن عقده صلى الله عليه و سلم عليها كان وقد استكملت ست
سنين ودخلت في السابعة وبناؤه بها كان لتسع سنين من مولدها فعبر عن العقد
بالتزويج وكان لست سنين وعبر عن البناء بها بالتزويج وكان لتسع
فالروايتان حق
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله على قول الخطابي في معنى رفأ
فعلى الأول أصله رفأ بالهمز ثم خفف فقيل رفأ وعلى الثاني أصله الواو فهو من
المعتل
قال الجوهري رفوت الرجل سكنته من الرعب ثم ذكر بيت أبي خراش الهذلي والمرافاة الاتفاق
قال ولما أن رأيت أبا رويم يرافيني ويكره أن يلاما والرفا الالتحام
والاتفاق ويقال رفيته ترفية إذا قلت للمتزوج بالرفاء والبنين قال ابن
السكيت
وإن شئت كان معناه بالسكون والطمأنينة من رفوت الرجل إذا سكنته
تم كلامه
ثم ذكر المنذري حديث عقيل
قال ابن القيم رحمه الله بعده وقد رواه النسائي في سننه عن الحسن قال تزوج
عقيل بن أبي طالب امرأة من بني خيثم فقيل له بالرفاء والبنين
فقال قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
بارك الله فيكم وبارك لكم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هذا الحديث قد اضطرب في سنده وحكمه واسم الصحابي راويه
فقيل بصرة بالباء الموحدة والصاد المهملة وقيل نضرة بالنون المفتوحة
والضاد المعجمة وقيل نضلة بالنون والضاد المعجمة واللام وقيل بسرة بالباء
الموحدة والسين المهملة وقيل نضرة بن أكثم الخزاعي وقيل الأنصاري وذكر
بعضهم أنه بصرة بن أبي بصرة الغفاري ووهم قائله
وقيل بصرة هذا مجهول وله علة عجيبة وهي أنه حديث يرويه ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار
وابن جريج لم يسمعه من صفوان إنما رواه عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن صفوان وإبراهيم هذا متروك الحديث تركه أحمد بن
حنبل ويحيى بن معين وابن المبارك وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان وغيرهم وسئل عنه مالك بن أنس أكان ثقة فقال لا ولا في دينه
وله علة أخرى وهي أن المعروف أنه إنما يروي مرسلا عن سعيد بن المسيب عن
النبي صلى الله عليه و سلم كذا رواه قتادة ويزيد بن نعيم وعطاء الخراساني
كلهم عن سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم
ذكر عبدالحق هذين التعليلين ثم قال والإرسال هو الصحيح
وقد اشتمل على أربعة أحكام أحدها وجوب الصداق عليه بما استحل من فرجها وهو
ظاهر لأن الوطء فيه غايته أن يكون وطء شبهة إن لم يصح النكاح
الثاني بطلان نكاح الحامل من الزنا
وقد اختلف في نكاح الزانية
فمذهب الإمام أحمد بن حنبل أنه لا يجوز تزوجها حتى تتوب وتنقضي عدتها فمتى
تزوجها قبل التوبة أو قبل انقضاء عدتها كان النكاح فاسدا ويفرق بينهما وهل
عدتها ثلاث حيض أو حيضة على روايتين عنه
ومذهب الثلاثة أنه يجوز أن يتزوجها قبل توبتها والزنا لا يمنع عندهم صحة العقد كما لم يوجب طريانه فسخه
ثم اختلف هؤلاء في نكاحها في عدتها فمنعه مالك احتراما لماء الزوج وصيانة
لاختلاط النسب الصريح بولد الزنا وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه يجوز
العقد عليها من غير انقضاء عدة ثم اختلفا فقال الشافعي
يجوز العقد
عليها وإن كانت حاملا لأنه لا حرمة لهذا الحمل وقال أبو يوسف وأبو حنيفة في
إحدى الروايتين عنه لا يجوز العقد عليها حتى تضع الحمل لئلا يكون الزوج قد
سقى ماءه زرع غيره ونهى النبي صلى الله عليه و سلم أن توطأ المسبية الحامل
حتى تضع مع أن حملها مملوك له فالحامل من الزنا أولى أن لا توطأ حتى تضع
ولأن ماء الزاني وإن لم يكن له حرمة فماء الزوج محترم فكيف يسوغ له أن
يخلطه بماء الفجور ولأن النبي صلى الله عليه و سلم هم بلعن الذي يريد أن
يطأ أمته الحامل من غيره
وكانت مسبية مع انقطاع الولد عن أبيه وكونه مملوكا له
وقال أبو حنيفة في الرواية الأخرى يصح العقد عليها ولكن لا توطأ حتى تضع
الثالث وجوب الحد بالحبل وهذا مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين وحجتهم
قول عمر رضي الله عنه والرجم حق على من زنى من الرجال والنساء إذا كان
محصنا إذا قامت البينة أو كان حمل أو اعتراف متفق عليه ولأن وجود الحمل
أمارة ظاهرة على الزنا أظهر من دلالة البينة وما يتطرق إلى دلالة الحمل
يتطرق مثله إلى دلالة البينة وأكثر
وحديث بصرة هذا فيه أنه أمره بجلدها بمجرد الحمل من غير اعتبار بينة ولا إقرار
ونظير هذا
حد الصحابة في الخمر بالرائحة والقيء
الحكم الرابع إرفاق ولد الزنا وهو موضع الإشكال في الحديث وبعض الرواة لم
يذكره في حديثه كذلك رواه سعيد وغيره وإنما قالوا ففرق بينهما وجعل لها
الصداق وجلدها مائة وعلى هذا فلا إشكال في الحديث وإن ثبتت هذه اللفظة فقد
قيل إن هذا لعله كان في أول الإسلام حين كان الرق يثبت على الحر المدين ثم
نسخ وقيل إن هذا مجاز والمراد به استخدامه
قال الحافظ شمس الدين بن
القيم رحمه الله وقد أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه و سلم قال لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها
قال الترمذي هذا حديث حسن غريب صحيح قال وفي الباب عن معاذ بن جبل
وسراقة بن مالك وعائشة وابن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وطلق بن علي وأم
سلمة وأنس وابن عمر
فهذه أحد عشر حديثا
فحديث ابن أبي أوفي رواه
أحمد في مسنده قال لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه و سلم
فقال ما هذا يامعاذ قال أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم
فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا
تفعلوا فلو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها
والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها
نفسها وهي على قتب لم تمنعه ورواه ابن ماجه
وروى
النسائي من
حديث حفص بن أخي عن أنس رفعه لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن
يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ورواه أحمد
وفيه زيادة والذي نفسي بيده
لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنجبس بالقيح والصديد
ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه
وروى النسائي أيضا من حديث أبي عتبة عن عائشة قالت سألت النبي صلى الله عليه و سلم أي الناس أعظم حقا على المرأة قال
زوجها قلت فأي الناس أعظم حقا على الرجل قال أمه
وروى النسائي وابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و
سلم قال لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه وقد روى
الترمذي وابن ماجه من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أيما
امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة قال الترمذي حسن غريب
وفي
الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا دعا
الرجل امرأته لفراشه فأبت أن تجيء فبات غضبانا عليها لعنتها الملائكة حتى
تصبح
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله في قوله صلى الله
عليه و سلم كيف يورثه وهو لا يحل له قولان أحدهما أن ذلك الحمل قد يكون من
زوجها المشرك فلا يحل له استلحاقه وتوريثه
وقد يكون إذا وطئها تنفش ما كان في الظاهر حملا وتعلق منه فيظنه عبده وهو ولده فيستخدمه استخدام العبد وينفيه عنه
وهذان الوجهان ذكر معناهما المنذري
قال ابن القيم وهذا القول ضعيف فإن النبي صلى الله عليه و سلم جمع بين إنكار الأمرين
استخدامه واستلحاقه وقد جاء كيف يستعبده ويورثه ومعلوم أن استلحاقه
واستعباده جمع بين المتناقضين وكذا إذا تفشى الذي هو حمل في الظاهر وعلقت
منه لا يتصور فيه الاستلحاق والاستعباد
فالصواب القول الثاني وهو أنه إذا وطئها حاملا صار في الحمل جزء منه
فإن الوطء يزيد في تخليقه وهو قد علم أنه عبد له فهو باق على أن يستعبده
ويجعله كالمال الموروث عنه فيورثه أي يجعله مالا موروثا عنه
وقد صار فيه جزء من الأب
قال الإمام أحمد الوطء يزيد في سمعه وبصره
وقد صرح النبي صلى الله عليه و سلم بهذا المعنى في قوله لا يحل لرجل أن
يسقي ماءه زرع غيره ومعلوم أن الماء الذي يسقى به الزرع يزيد فيه ويتكون
الزرع منه وقد شبه وطء الحامل بساقي الزرع الماء وقد جعل الله تبارك وتعالى
محل الوطء حرثا وشبه النبي صلى الله عليه و سلم الحمل بالزرع ووطء الحامل
بسقي الزرع
وهذا دليل ظاهر جدا على أنه لا يجوز نكاح الزانية حتى تعلم
براءة رحمها إما بثلاث حيض أو بحيضة والحيضة أقوى لأن الماء الذي من الزنا
والحمل وإن يكن له حرمة فلماء الزوج حرمة وهو
لا يحل له أن ينفي عنه ما قد يكون من مائه ووطئه
وقد صار فيه جزء منه كما لا يحل لواطىء المسبية الحامل ذلك ولا فرق بينهما
فلهذا قال الإمام أحمد في إحدى الروايات عنه إنه إذا تزوج الأمة وأحبلها
ثم ملكها حاملا أنه إن وطئها صارت أم ولد له تعتق بموته لأن الولد قد يلحق
من مائه الأول والثاني والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم
رحمه الله هذا الذي أخرجه أبو داود في هذا الباب وقد بقي في الباب أحاديث
أخرجها النسائي ونحن نذكرها
الأول عن خزيمة بن ثابت أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن
الثاني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه و سلم أن
رجلا سأله عن الرجل يأتي امرأة في دبرها قال تلك اللوطية الصغرى رفعه همام
عن قتادة عن عمرو ووقفه سفيان عن حميد الأعرج عن عمرو وتابعه مطر الوراق عن
عمرو بن شعيب موقوفا
الثالث عن كريب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في دبرها
هذا حديث اختلف فيه فرواه الضحاك ابن عثمان عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن
ابن عباس ورواه وكيع عن الضحاك موقوفا ورواه أبو خالد عنه مرفوعا وصحح
البستي رفعه وأبو خالد هو الأحمر
الرابع عن ابن الهاد عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تأتوا النساء في أدبارهن
الخامس حديث أبي هريرة وقد تقدم
وله عن النبي صلى الله عليه و سلم لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأة في دبرها
السادس عن علي بن طلق قال جاء إعرابي فقال يارسول الله إنا نكون في
البادية فيكون من أحدنا الرويحة فقال إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا
النساء في أعجازهن
السابع عن ابن عباس قال جاء عمر بن الخطاب إلى رسول
الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما الذي أهلكك قال
حولت رحلي الليلة فلم يرد عليه شيئا
فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة
قال أبو عبد الله الحاكم وتفسير الصحابي في حكم المرفوع
الثامن عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من أتى حائضا
أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم
ثم ذكر أبو داود تفسير ابن عباس لقول الله تعالى فأتوا حرثكم
ثم قال الشيخ شمس الدين وهذا الذي فسر به ابن عباس فسر به ابن عمر
وإنما وهموا عليه لم يهم هو
فروى النسائي عن أبي النصر أنه قال لنافع قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر إنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن
قال نافع لقد كذبوا علي ولكن سأخبرك كيف كان الأمر إن ابن عمر عرض المصحف
يوما وأنا عنده حتى بلغ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال يانافع هل
تعلم ما أمر هذه الآية إنا كنا معشر قريش نجبي النساء فلما دخلنا المدينة
ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد من نسائنا فإذا هن قد كرهن
ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله عزوجل
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم
فهذا هو الثابت عن ابن عمر ولم يفهم عنه من نقل عنه غير ذلك
ويدل عليه أيضا ما روى النسائي عن عبدالرحمن بن القاسم قال قلت لمالك إن عندنا
بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحرث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال قلت لابن عمر
إنا نشتري الجواري فنحمض لهن قال وما التحميض قال نأتيهن في أدبارهن قال
أف أو يعمل هذا مسلم فقال لي مالك فأشهد على ربيعة أنه يحدثني عن سعيد بن
يسار أنه سأل ابن عمر عنه فقال لا بأس به فقد صح عن ابن عمر أنه فسر الآية
بالإتيان في الفرج من ناحية الدبر وهو الذي رواه عنه نافع وأخطأ من أخطأ
على نافع فتوهم أن الدبر محل للوطء لا طريق إلى وطء الفرج فكذبهم نافع
وكذلك مسألة الجواري إن كان قد حفظ عن ابن عمر أنه رخص في الإحماض لهن
فإنما مراده إتيانهن من طريق الدبر فإنه قد صرح في الرواية الأخرى بالإنكار
على من وطئهن في الدبر وقال أو يفعل هذا مسلم فهذا يبين تصادق الروايات
وتوافقها عنه
فإن قيل فما تصنعون بما رواه النسائي من حديث سليمان بن
بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أن رجلا أتى امرأته في دبرها في
عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجد من ذلك وجدا شديدا فأنزل الله
عزوجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم قيل هذا غلط بلا شك غلط فيه
سليمان بن بلال أو ابن أبي أويس راويه عنه وانقلبت عليه لفظة من بلفظة في
وإنما هو أتى امرأة من دبرها ولعل هذه هي قصة عمر بن الخطاب بعينها لما حول
رحله ووجد من ذلك وجدا شديدا فقال لرسول الله صلى الله عليه و سلم هلكت
وقد تقدمت أو يكون بعض الرواة ظن أن ذلك هو الوطء في الدبر فرواه بالمعنى
الذي ظنه مع أن هشام بن سعد قد خالف سليمان في هذا فرواه عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسار مرسلا
والذي يبين هذا ويزيده وضوحا أن هذا الغلط قد عرض
مثله لبعض الصحابة حين أفتاه النبي صلى الله عليه و سلم بجواز الوطء في
قبلها من دبرها حتى يبين له صلى الله عليه و سلم ذلك بيانا شافيا قال
الشافعي أخبرني عمي قال أخبرني عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة
بن الجلاح أو عن عمرو بن فلان بن أحيحة قال الشافعي أنا شككت عن خزيمة بن
ثابت أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو
إتيان الرجل امرأته في دبرها فقال النبي صلى الله عليه و سلم حلال فلما
ولى الرجال دعاه أو أمر به فدعي فقال كيف قلت في أي الخربتين أو في أي
الخرزتين أو في أي الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها
فلا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن
قال الشافعي
عمي ثقة وعبد الله بن علي ثقة وقد أخبرني محمد وهو عمه محمد بن علي عن
الأنصاري المحدث به أنه أثنى عليه خيرا وخزيمة من لا يشك عالم في ثقته
والأنصاري الذي أشار إليه هو عمرو بن أحيحة
فوقع الاشتباه في كون الدبر طريقا إلى موضع الوطء أو هو مأتى
واشتبه على من اشتبه عليه معنى من بمعنى في فوقع الوهم
فإن قيل فما تقولون فيما رواه البيهقي عن الحاكم حدثنا الأصم قال سمعت
محمد بن عبد الله بن عبدالحكم يقول سمعت الشافعي يقول ليس فيه عن رسول الله
صلى الله عليه و سلم في التحريم والتحليل حديث ثابت والقياس أنه حلال وقد
غلط سفيان في حديث ابن الهاد يريد حديثه عن عمارة بن خزيمة عن أبيه يرفعه
إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن ويريد بغلطه أن ابن
الهاد قال فيه مرة عن عبيد الله بن عبد الله بن حصين عن هرمي بن عبد الله
الواقفي عن خزيمة ثم اختلف فيه عن عبيد الله
فقيل عنه عن عبدالملك بن
عمرو بن قيس الخطمي عن هرمي عن خزيمة وقيل عن عبد الله بن هرمي فمداره على
هرمي بن عبد الله عن خزيمة وليس لعمارة بن خزيمة فيه أصل إلا من حديث ابن
عيينة
وأهل العلم بالحديث يرونه خطأ
هذا كلام البيهقي
قيل
هذه الحكاية مختصرة من مناظرة حكاها الشافعي جرت بينه وبين محمد بن الحسن
يكون منه تحريم إتيان غيره فالإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في
القبل محرم بدلالة الكتاب ثم السنة فذكر حديث عمه ثم قال ولست أرخص به
أنهي عنه
فلعل الشافعي رحمه الله توقف فيه أولا ثم لما تبين له
التحريم وثبوت الحديث فيه رجع إليه وهو أولى بجلالته ومنصبه وإمامته من أن
يناظر على مسألة يعتقد بطلانها يذب بها عن أهل المدينة جدلا ثم يقول
والقياس حله ويقول ليس فيه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في التحريم
والتحليل حديث ثابت على طريق الجدل بل إن كان ابن عبدالحكم حفظ ذلك عن
الشافعي فهو مما قد رجع عنه لما تبين له صريح التحريم
والله أعلم
وفي سياقها دلالة على أنه إنما قصد الذب عن أهل المدينة على طريق الجدل فأما هو فقد نص في كتاب عشرة النساء على تحريمه
هذا جواب البيهقي والشافعي رحمه الله قد صرح في كتبه المصرية بالتحريم واحتج بحديث خزيمة ووثق رواته كما ذكرنا
وقال في الجديد قال الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وبين
أن موضع الحرث هو موضع الولد وأن الله تعالى أباح الاتيان فيه إلا في وقت
الحيض وأنى شئتم بمعنى من أين شئتم قال وإباحة الإتيان في موضع الحرث يشبه
أن
1 - يكون غرسا للزرع
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله
وقد تقدم في الصحيحين حديث عائشة كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه و
سلم من إناء واحد كلانا جنب وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض
قال الشافعي قال بعض أهل العلم بالقرآن في قوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض يعني في موضع الحيض
وكانت الآية محتملة لما قال ومحتملة اعتزال جميع أبدانهن فدلت سنة رسول
الله صلى الله عليه و سلم على اعتزال ما تحت الإزار منها وإباحة ما فوقه
وحديث أنس هذا ظاهر في أن التحريم إنما وقع على موضع الحيض خاصة وهو النكاح وأباح كل ما دونه
وأحاديث الإزار لا تناقضه لأن ذلك أبلغ في اجتناب الأذى وهو أولى
وأما حديث معاذ قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عما يحل للرجل من
امرأته وهي حائض فقال ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل ففيه بقية عن سعد
الأغطش وهما ضعيفان
قال عبدالحق رواه أبو داود ثم قال ورواه أبو داود
من طريق حزام بن حكيم وهو ضعيف عن عمه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و
سلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض فقال لك ما فوق الإزار قال ويروي عن عمر
بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه و سلم ذكره أبو بكر بن أبي شيبة وليس
بقوي
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هذا الحديث قد رواه
عفان وجماعة عن شعبة موقوفا وكذلك رواه عبدالرحمن بن مهدي عنه موقوفا ثم
قال قيل لشعبة إنك كنت ترفعه
فذكر ما تقدم
وقال النسائي بعد ما
رواه شعبة موقوفا قال شعبة أنا حفظي مرفوع وقال فلان وفلان إنه كان لا
يرفعه فقال بعض القوم ياأبا بسطام حدثنا بحفظك ودعنا من فلان فقال والله ما
أحب أني حدثت بهذا أو سكت عن هذا وأني عمرت في الدنيا عمر نوح في قومه
وقد روى النسائي من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلا أخبر النبي صلى
الله عليه و سلم أنه أصاب امرأته وهي حائض فأمره أن يعتق نسمة وله علتان
أشار إليهما النسائي
إحداهما أن هذا الحديث يرويه الوليد بن مسلم عن
ابن جابر عن علي بن يذيمة عن ابن جبير عن ابن عباس واختلف على الوليد فرواه
عنه موسى بن أيوب كذلك وخالفه محمود بن خالد فرواه عن الوليد عن عبدالرحمن
بن يزيد السلمي قال النسائي هو عبدالرحمن بن يزيد بن تميم ضعيف
العلة الثانية الوقف على ابن عباس ذكره النسائي
وقال عبدالحق حديث الكفارة في إتيان الحائض لا يروى بإسناد يحتج به ولا يصح في إتيان الحائض إلا التحريم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله فاليهود ظنت أن العزل بمنزلة الوأد في إعدام ما انعقد بسبب خلقه فكذبهم في ذلك
وأخبر أنه لو أراد الله خلقه ما صرفه أحد
وأما تسميته وأدا خفيا فلأن الرجل إنما يعزل عن امرأته هربا من الولد وحرصا على أن لا يكون
فجرى قصده ونيته وحرصه على ذلك مجرى من أعدم الولد بوأده لكن ذاك وأد ظاهر من العبد فعلا وقصدا
وهذا وأد خفي له إنما أراده ونواه عزما ونية فكان خفيا
وقد روى الشافعي تعليقا عن سليمان التيمي عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود في العزل قال هو الوأد الخفي
وقد اختلف السلف والخلف في العزل فقال الشافعي وغيره يروي عن عدد من أصحاب
النبي صلى الله عليه و سلم أنهم رخصوا في ذلك ولم يروا به بأسا
قال البيهقي وروينا الرخصة فيه من الصحابة عن سعد بن أبي وقاص وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن ثابت وابن عباس وغيرهم
وذكر غيره أنه روى عن علي وخباب بن الأرت وجابر بن عبد الله والمعروف عن علي وابن مسعود كراهته
قال البيهقي ورويت عنهما الرخصة ورويت الرخصة من التابعين عن سعيد بن المسيب وطاوس وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه
وألزمهم الشافعي المنع منه فروى عن علي وعبد الله بن مسعود المنع منه ثم
قال وليسوا يأخذون بهذا ولا يرون بالعزل بأسا ذكر ذلك فيما خالف فيه
العراقيون عليا وعبد الله
وأما قول الإمام أحمد فيه فأكثر نصوصه أن
له أن يعزل عن سريته وأما زوجته فإن كانت حرة لم يعزل عنها إلا بإذنها وإن
كانت أمة لم يعزل إلا بإذن سيدها
ورويت كراهة العزل عن عمر بن الخطاب ورويت عن أبي بكر الصديق وعن علي وابن مسعود في المشهور عنهما وعن ابن عمر
وقالت طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم يحرم كل عزل وقال بعض أصحابه يباح مطلقا
وقد روى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله
عليه و سلم فقال إني أعزل عن امرأتي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
لم تفعل ذلك فقال الرجل أشفق على ولدها أو على أولادها فقال رسول الله صلى
الله عليه و سلم لو كان ذلك ضارا أحدا ضر فارس والروم
وفي الصحيحين من حديث جابر كنا نعزل والقرآن ينزل فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن
وفي صحيح مسلم عنه في هذا الحديث كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فلم ينهنا
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد قال ذكر العزل عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال وما ذاكم قالوا الرجل تكون له المرأة
ترضع فيصيب منها ويكره أن تحمل منه قال فلا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم فإنما
هو القدر قال ابن عون فحدثت به الحسن فقال والله لكان هذا زجر
وفي لفظ في الصحيحين قال محمد بن سيرين قوله لا عليكم أقرب إلى النهي
ووجه ذلك والله أعلم أنه إنما نفي الحرج عن عدم الفعل
فقال لا عليكم أن لا تفعلوا يعني في أن لا تفعلوا وهي يدل بمفهومه على
ثبوت الحرج في الفعل فإنه لو أراد نفي الحرج عن الفعل لقال لا عليكم أن
تفعلوا
والحكم بزيادة لا خلاف الأصل فلهذا فهم الحسن وابن سيرين من الحديث الزجر
والله أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وفيه دليل على جواز استرقاق العرب ووطء سباياهم وكن كتابيات
وقد تقدم حديث أبي سعيد
في سبايا أوطاس وإباحة وطئهن وهن من العرب
وحديثه الآخر لا توطأ حامل حتى تضع
وكان أكثر سبايا الصحابة في عصر النبي صلى الله عليه و سلم من العرب
وكانوا يطأوهن بإذن النبي صلى الله عليه و سلم ولم يشترط في الوطء غير
استبرائهن لم يشترط إسلامهن وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز
وقد دفع أبو بكر إلى سلمة بن الأكوع امرأة من السبي نفله إياها من العرب
وأخذ عمرو بن أمية من سبي بني حنيفة
وأخذ الصحابة من سبي المجوس ولم ينقل أنهم اجتنبوهن
قال ابن عبدالبر إباحة وطئهن منسوخ بقوله ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن
وهذا في غاية الضعف لأنه في النكاح وسأل محمد بن الحكم أحمد عن ذلك فقال لا
أدري أكانوا أسلموا أم لا
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه
الله قوله في الحديث وليصفق النساء دليل على أن قوله في حديث سهل بن سعد
المتفق عليه التصفيق للنساء أنه إذن وإباحة لهن في التصفيق في الصلاة عند
نائبة تنوب لا أنه عيب وذم
قال الشافعي حكم النساء التصفيق وكذا قاله أحمد
وذهب مالك إلى أن المرأة لا تصفق وأنها تسبح
واحتج له الباجي وغيره بقوله صلى الله عليه و سلم من نابه شيء في صلاته فليسبح قالوا وهذا عام في الرجال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق