258 النوع التاسع والعشرون معرفة الإسناد العالى
والنازل
قوله الثالث العلو
بالنسبة إلى رواية الصحيحين أو أحدهما أو غيرهما من الكتب المعروفة ثم قال ثم اعلم
أن هذا النوع من العلو علو تابع لنزول إذ لولا نزول ذلك الإمام فى إسناده لم تعل
أنت فى إسنادك انتهى أطلق المصنف أن هذا
النوع من العلو تابع لنزول وليس على إطلاقه وإنما هو الغالب وربما يكون هذا النوع
من العلو غير تابع لنزول بل يكون عاليا من حديث ذلك الإمام أيضا ومثاله حديث ابن
مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان على موسى يوم كلمه الله كساء صوف
وجبة صوف الحديث رواه الترمذي عن على بن
حجر عن خلف ابن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود وقد وقع
لنا عاليا بدرجتين أخبرنى به أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومى أنبأنا
أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم الحرانى وأخبرنى أبو عبد الله محمد بن إسماعيل
بن إبراهيم
259 الأنصارى بقراءتى عليه بدمشق فى الرحلة الألى
قال أنبأنا أحمد بن عبد الدايم المقدسى قراءة عليه وأنا أحاضر قالا أنبأنا عبد
المنعم بن عبد الوهاب أنبأنا على بن أحمد بن محمد بن بيان قال أنبأنا محمد بن محمد
بن ابراهيم بن مخلد قال أنبأنا اسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا الحسن عن عرفة
أنبأنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كلم الله موسى عليه
السلام كانت عليه جبة صوف وسراويل صوف وكساء صوف وكمة صوف ونعلاه من جلد حمار غير
ذكى فهذا الحديث بهذا الإسناد لا يقع
لأحد فى هذه الأزمان أعلا منه على وجه الدنيا من حيث العدد وهو علو مطلق ليس تابعا
لنزول فإنه عال للترمذى أيضا فإن خلف بن خليفة من التابعين وأعلى ما يقع للترمذى
روايته عن اتباع التابعين وأما علو طريقنا فأمر واضح فإن شيخنا أبا الفتح آخر من
روى عن النجيب عبد اللطيف بالسماع والنجيب آخر من روى عن عبد المنعم بن كليب
بالسماع وابن كليب آخر من روى عن ابن بيان وابن بيان آخر من روى عن ابن مخلد وابن
مخلد آخر من روى عن الصفار والصفار آخر من روى عن ابن عرفة فيما ذكره الحافظ أبو
سعيد العلائى وابن عرفة آخر من روى عن خلف بن خليفة وخلف بن خليفة آخر من رأى
الصحابة فهو علو مطلق والله أعلم
263 النوع الموفى ثلاثين معرفة المشهور
قوله وكما بلغنا عن
أحمد بن حنبل رضى الله عنه أنه قال أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأسواق ليس لها
أصل من بشرنى بخروج آذار بشرته بالجنة
ومن آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة ويوم نحركم يوم صومكم وللسائل حق وإن جاء على
فرس قلت لا يصح هذا الكلام عن الإمام
أحمد فإنه أخرج حديثا منها فى المسند وهو حديث للسائل حق وإن جاء على فرس وقد ورد
من حديث الحسين بن على وابنه على وابن عباس والهرماس بن زياد أما حديث الحسين بن
على بن أبى طالب فأخرجه
264 أبو داود من رواية يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة
بنت الحسين عن حسين بن على قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل حق وإن جاء على فرس ورواه أحمد فى مسنده عن وكيع وعبد الرحمن بن
محمد كلاهما عن سفيان عن مصعب بن محمد عن يعلى بن أبي يحيى وهذا إسناد جيد وقد سكت
عليه أبو داود فهو عنده صالح ويعلى هذا ذكره ابن حبان في الثقات وجهله أبو حاتم
وباقى رجاله ثقات وأما حديث على فأخرجه أبو داود أيضا من رواية زهير عن شيخ قال
رأيت سفيان عنده عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن على عن النبى صلى الله عليه وسلم مثله
وأما حديث ابن عباس فرواه ابن عدى فى الكامل من رواية إبراهيم بن يزيد عن
سليمان الأحول عن طاووس عن ابن عباس أن النبى
صلى الله عليه وسلم مثله أورده فى
ترجمة إبراهيم بن عبد السلام المكى المخزومى راويه عن إبراهيم بن يزيد وقال هذا
معروف بغير إبراهيم هذا عن إبراهيم بن يزيد سرقه ممن هو معروف به قال وإبراهيم بن
عبد السلام فى جملة الضعفاء المجهولين
وأما حديث الهرماس بن زياد فرواه الطبرانى من رواية عثمان بن فايد عن عكرمة
بن عمار عن الهرماس بن زياد قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكره وعثمان
ابن فايد ضعفه ابن معين والبخارى وابن حبان وغيرهم وكذلك حديث من آذى ذميا هو
معروف أيضا بنحوه رواه أبو داود من رواية صفوان بن مسلم عن عدة من أبناء أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم دنية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إلا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه
فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة سكت عليه أبو داود أيضا فهو عنده صالح وهو
كذلك إسناده جيد وهو وإن كان فيه من لم يسم فانهم عدة من أبناء الصحابة يبلغون حد
التواتر الذى لا يشترط فيه العدالة فقد رويناه فى سنن البيهقى الكبرى فقال فى
روايته عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأما الحديثان
الآخران فلا أصل لهما قال ابن الجوزى فى الموضوعات ويذكر عن العوام أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال من بشرنى بخروج آذار بشرته بالجنة قال أحمد
265 ابن حنبل لا أصل لهذا وروى الطبرانى من رواية
أبى شيبة القاضى عن آدم بن على عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هلك قوم إلا فى آذار ولا تقوم الساعة إلا فى
آذار أبو شيبة قاضى واسط اسمه ابراهيم
بن عثمان وهو جد أبى بكر بن أبى شيبة كذبه شعبة وقال ابن معين ليس بثقة وبالجملة
فهو متفق على ضعفه وروى الإمام أبو بكر محمد بن رمضان بن شاكر الزيات فى كتاب له
فيه أخبار عن مالك والشافعى وابن وهب وابن عبد الحكم قال قال محمد بن عبد الله هو
ابن عبد الحكم فى الحديث الذى روى أن النبى
صلى الله عليه وسلم قال يوم
صومكم يوم نحركم قال هذا من حديث
الكذابين والله أعلم قوله ومن المشهور
المتواتر الذى يذكره أهل الفقه وأصوله وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر
بمعناه الخاص وإن كان الحافظ الخطيب قد ذكره ففى كلامه ما تشعر بأنه اتبع فيه غير
أهل الحديث ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ولا يكاد يوجد فى رواياتهم فإنه عبارة
عن الحبر الذى يحصل العلم بصدقه ضرورة انتهى
266 وقد اعترض عليه بأنه قد ذكره أبو عبد الله
الحاكم وأبو محمد بن حزم وأبو عمر ابن عبد البر وغيرهم من أهل الحديث والجواب عن
المصنف أنه إنما نفى عن أهل الحديث ذكره باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص وهؤلاء
المذكورون لم يقع فى كلامهم التعبير عنه بما فسره به الأصوليون وإنما يقع فى
كلامهم أنه تواتر عنه صلى الله عليه
وسلم كذا وكذا أو ان الحديث الفلانى
متواتر وكقول ابن عبد البر فى حديث المسح على الخفين أنه استفاض وتواتر وقد يريدون
بالتواتر الاشتهار لا المعنى الذى فسره به الأصوليون والله أعلم قوله ومن سئل عن ابراز مثال لذلك أعياه
تطلبه وحديث إنما الأعمال بالنيات ليس من ذلك بسبيل وان نقله عدد التواتر وزيادة
لأن ذلك طرأ عليه فى وسط إسناده ولم يوجد فى أوائله على ما سبق ذكره نعم حديث من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من
النار نراه مثالا لذلك إلى أن قال وذكر
بعض الحفاظ أنه رواه عنه صلى الله عليه
وسلم اثنان وستون نفسا من الصحابة وفهيم
العشرة المشهود لهم بالجنة قال وليس فى الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة غيره
ولا يعرف حديث يروى عن اكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد
267 قال المصنف وبلغ به بعض أهل الحديث أكثر
من هذا العدد انتهى وفيه أمور الأول
انه اعترض عليه بأن حديث الأعمال ذكر بن منده أن جماعة من الصحابة رووه فبلغوا
العشرين قلت لم يبلغ بهم ابن منده هذا العدد وإنما بلغ بهم ثمانية عشر فقط فذكر
مجرد أسمائهم من غير رواية لشئ منها ولا عزو لمن رواه وليس هو أبا عبد الله محمد
بن إسحق بن منده وإنما هو ابنه أبو القاسم عبد الرحمن ذكر ذلك فى كتاب له سماه
المستخرج من كتب الناس للتذكرة فقال وممن رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعلى بن أبى
طالب وسعد بن أبى وقاص وأبو سعيد الخدرى وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد
الله بن عباس وأنس بن مالك وأبو هريرة ومعاوية ابن أبى سفيان وعتبة بن عبد السلمى
وهلال بن سويد وعبادة بن الصامت وجابر بن عبد الله وعقبة بن عامر وأبو ذر الغفارى
وعتبة بن النذر وعتبة بن مسلم هكذا عد سبعة عشر غير عمر قلت وفى المذكورين أثنان
ليست لهما صحبة وهما هلال ابن سويد وعتبة بن مسلم وقد ذكرهما ابن حبان فى ثقات
التابعين فبقى خمسة عشر غير عمر وبلغنى
أن الحافظ أبا الحجاج المزى سئل عن كلام ابن منده هذا فأنكره واستبعده وقد تتبعت
أحاديث المذكورين فوجدت أكثرها فى مطلق النية لا بلفظ إنما الأعمال بالنيات وفيها
ما هو بهذا اللفظ وقد رأيت عزوها لمن خرجها ليستفاد فحديث على ابن أبى طالب رواه
ابن الاشعث فى سننه والحافظ أبو بكر محمد بن ياسر الجيانى فى الأربعين العلوية من
طريق أهل البيت بلفظ الأعمال بالنية وفى إسناده من لا يعرف وحديث سعد بن أبى وقاص
كأنه أراد به قوله صلى الله عليه وسلم
لسعد إنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه
الله إلا أجرت فيها الحديث رواه الأئمة
الستة وحديث أبى سعيد الخدرى رواه الدارقطنى فى غرايب مالك والخطابى فى معالم
السنن بلفظ حديث عمر
268 وحديث ابن مسعود رواه الطبرانى فى المعجم
الكبير فى قصة مهاجر أم قيس وهو حديث غريب ورجاله ثقات لأحمد فى مسنده من حديثه أن
أكبر شهداء أمتى لأصحاب الفرش ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته وحديث ابن عباس اتفق عليه الشيخان بلفظ لا
هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وحديث أنس بن مالك رواه البيهقى فى سننه بلفظ لا
عمل لمن لا نية له وفى إسناده من لم يسم وقد رواه ابن عساكر فى جزء من أماليه بلفظ
حديث عمر من رواية يحيى ابن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن انس فقال غريب جدا
والمحفوظ حديث عمر وروينا فى مسند الشهاب للقضاعى من حديث أنس نية المؤمن خير من
عمله وحديث أبى هريرة رويناه فى جزء
من تخريج الرشيد العطار بلفظ حديث عمر ولابن ماجه من حديث أبى هريرة إنما يبعث
الناس على نياتهم وحديث معاوية رواه ابن ماجه بلفظ إنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله
طاب أعلاه وحديث عبادة بن الصامت رواه النسائى بلفظ من غزا فى سبيل الله وهو لا
ينوى إلا عقالا فله ما نوى وحديث جابر
بن عبد الله رواه ابن ماجه بلفظ يحشر الناس على نياتهم وحديث عقبة بن عامر رواه
أصحاب السنن بلفظ إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة فذكره وفيه وصانعه يحتسب
فى صنعته الأجر وحديث أبى ذر رواه
النسائى بلفظ من أتى فراشه وهو ينوى أنه يقوم يصلى من الليل فغلبته عينه حتى يصبح
كتب له ما نوى الحديث قلت وفى الباب
أيضا مما لم يذكره ابن منده عن أبى الدرداء وسهل بن سعد والنواس ابن سمعان وأبى
موسى الأشعرى وصهيب بن سنان وأبى أمام الباهلى وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وصفوان
بن أمية وغزية بن الحارث أو الحارث بن غزية وعائشة
269 وأم سلمة وأم حبيبة وصفية بنت حيى فحديث ابى
الدرداء رواه النسائى وابن ماجه بلفظ حديث أبى ذر المتقدم وحديث سهل بن سعد رواه
الطبرانى فى المعجم الكبير بلفظ نية المؤمن خير عمله وعمل المنافق خير من نيته وكل
يعمل على نيته وحديث النواس بن سمعان رواه الطبرانى أيضا بلفظ نية المؤمن خير من
عمله وحديث أبى موسى رواه أبو منصور الديلمى فى مسند الفردوس بهذا اللفظ وحديث
صهيب رواه الطبرانى فى المعجم الكبير بلفظ أيما رجل تزوج امرأة فنوى أن لا يعطيها
من صداقها شيئا مات يوم يموت وهو زان وأيما رجل اشترى من رجل بيعا فنوى أن لا
يعطيه من ثمنه شيئا مات يوم يموت وهو خائن وحديث أبى أمامة رواه الطبرانى الكبير
بلفظ من ادان دينا وهو ينوى أن يؤديه أداه الله عنه يوم القيامة ومن ادان دينا وهو
ينوى أن لا يؤديه الحديث وحديث زيد بن
ثابت ورافع بن خديج رواه أحمد فى مسنده فى قصة لحديث أبى سعيد بحديث لا هجرة بعد
الفتح ولكن جهاد ونية وقول مروان له كذبت وعنده زيد بن ثابت ورافع بن خديج معه على
السرير وإن أبا سعيد قال لو شاء هذان لحدثاك فقالا صدق وحديث غزية بن الحارث رواه
فى الطبرانى فى الكبير بلفظ لا هجرة بعد الفتح إنما هى ثلاث الجهاد والنية والحشر
وحديث عائشة رواه مسلم فى قصة الجيش الذين يخسف بهم وفيه يبعثهم الله على نياتهم
وحديث أم سلمة رواه مسلم وأبو داود بلفظ يبعثون على نياتهم وحديث أم حبيبة رواه الطبرانى
فى المعجم الأوسط بلفظ ثم يبعث كل امرئ على نيته وحديث صفية رواه ابن ماجه بلفظ يبعثهم الله
على ما فى أنفسهم الأمر الثانى أن ما
حكاه المصنف عن بعض الحفاظ من أنه رواه أثنان وستون من الصحابة وفيهم العشرة فأبهم
المصنف ذكره هو الحافظ أبو الفرج بن الجوزى فإنه ذكر ذلك فى النسخة الأولى من
الموضوعات فذكر أنه رواه أحد وستون نفسا ثم ذكر روى بعد ذلك عن أبى بكر محمد بن
أحمد بن عبد الوهاب النيسابورى أنه ليس فى الدنيا حديث اجتمع عليه العشرة غيره ثم
قال ابن الجوزى أنه ما وقعت له رواية عبد الرحمن
270 ابن عوف إلى الآن قال ولا أعرف حديثا رواه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وستون صحابيا وعلى قول هذا الحافظ اثنان
وستون الا هذا الحديث انتهى هكذا
نقلته من نسخه الموضوعات بخط الحافظ زكى الدين عبد العظيم المنذرى وهذه النسخة هى
النسخة الأولى من الكتاب ثم زاد بن الجوزى فى الكتاب المذكور أشياء وهى النسخة
الأخيرة فقال فيها رواه من الصحابة ثمانية وتسعون نفسا هكذا نقلته من خط على ولد
المصنف من الموضوعات الأمر الثالث ما
ذكره الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب النيسابورى من أنه لا يعرف حديث
اجتمع عليه العشرة غيره وأقره ابن الجوزى على ذلك وكذلك المصنف ناقلا له عن بعض
الحفاظ منهما ليس بجيد من حيث أن حديث أن رفع اليدين فى الصلاة بهذا الوصف وكذلك
حديث المسح على الخفين فأما حديث رفع
اليدين فذكره الحافظ أبو عبد الله الحاكم فيما نقل البيهقى عنه أنه سمعه يقول لا
نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم الخلفاء
الأربعة ثم العشرة الذين شهد لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم فى
البلاد الشاسعة غير هذه السنة قال البيهقي وهو كما قال أستادنا أبو عبد الله رضي
الله عنه فقد روى عن هذه السنة عن العشرة وغيرهم وكذلك ذكر أبو القاسم عبد الرحمن
بن منده فى كتاب المستخرج من كتب الناس للتذكرة وأما حديث المسح على الخفين فذكر أبو
القاسم بن عبد الله بن منده فى كتاب المذكور أنه رواه العشرة أيضا الأمر الرابع قول ابن الجوزى أنه لا يعرف
حديث يروى عن أكثر من ستين من الصحابة إلا حديث من كذب على منقوض بحديث المسح على
الخفين فقد
271 ذكر أبو القاسم بن منده فى كتاب المستخرج عدة
من رواه من الصحابة فزادوا على الستين وذكر الشيخ تقى الدين بن دقيق العيد فى كتاب
الامام عن ابن المنذر قال روينا عن الحسن أنه قال حدثنى سبعون من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين
الأمر الخامس ما ذكره المصنف عن بعض أهل الحديث أنه بلغ به أكثر من هذا
العدد أى أكثر من اثنين وستين نفسا قد جمع طرقا أبو القاسم الطبرانى ومن المتأخرين
الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل فى جزأين فزاد فيه على هذا العدد وقد رأيت عدد من
روى حديثه من الصحابة هكذا وهم يزيدون على السبعين مرتبين على الحروف وهم أسامة بن
زيد وأنس بن مالك وأوس بن أوس والبراء بن عازب وبريدة بن الخطيب وجابر بن حابس
وجابر بن عبد الله وحذيفة بن أسيد وحذيفة بن اليمان وخالد بن عرفطة ورافع بن خديج
والزبير بن العوام وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت والسايب بن يزيد وسعد بن المدحاش
وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد وسفينة وسلمان بن خالد الخزاعى وسلمان الفارسى
وسلمان بن الأكوع وصهيب بن سنان وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن أبى أوفى وعبد
الله بن الزبير وعبد الله بن زغب وقيل إنه لا صحبة له وعبد الله بن عباس وعبد الله
بن عمر وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن ابن عوف وعتبة بن غزوان وعثمان بن عفان
والعرس بن عميرة وعفان ابن حبيب وعقبة بن عامر وعلى بن أبى طالب وعمار بن ياسر
وعمر بن الخطاب وعمران ابن حصين وعمرو بن حريث وعمرو بن عنبسة وعمرو بن عوف وعمرو
بن مرة الجهنى وقيس بن سعد بن عبادة وكعب بن قطنة ومعاذ بن جبل ومعاوية بن حيدة
ومعاوية ابن أبى سفيان والمغيرة بن شعبة والمنقع التميمى ونبيط بن شريط وواثلة بن
الأسقع ويزيد بن أسد ويعلى بن مرة وأبو أمامة وأبو بكر الصديق وأبو الحمراء وأبو
ذر
272 وأبو رافع وأبو رمثة وأبو سعيد الخدرى وأبو
عبيدة بن الجراح وأبو قتادة وأبو قرصافة وأبو كبشة الأنمارى وأبو موسى الأشعرى
وأبو موسى الغافقى وأبو ميمون الكردى وأبو هريرة وأبو العشراء الدارمى عن أبيه
وأبو مالك الأشجعى عن أبيه وعائشة أم أيمن فهؤلاء خمسة وسبعون نفسا يصح من نحو
حديث نحو عشرين منهم اتفق الشيخان على إخراج أحاديث أربعة منهم وانفرد البخارى
بثلاثة ومسلم بواحد وإنما يصح من حديث خمسة من العشرة والباقى أسانيدها ضعيفة ولا
يمكن التواتر فى شئ من طرق هذا الحديث لأنه يتعذر وجود ذلك فى الطرفين والوسط بل
بعض طرقه الصحيحة إنما هى افراد عن بعض رواتها وقد زاد بعضهم فى عدد هذا الحديث
حتى جاوز الماية ولكنه ليس هذا المتن وإنما هى أحاديث فى مطلق الكذب عليه كحديث من
حدث عنى بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ونحو ذلك فحذفتها لذلك ولم اعدها
فى طرق الحديث وقد أخبرنى بعض الحفاظ أنه رأى فى كلام بعض الحفاظ أنه رواه مائتان
من الصحابة ثم رأيته بعد ذلك فى شرح مسلم للنووى ولعل هذا محمول على الأحاديث
الواردة فى مطلق الكذب لا هذا المتن بعينه والله أعلم الأمر السادس قول المصنف أن من سئل عن
ابراز مثال للمتواتر أعياه تطلبه ثم لم يذكر مثالا إلا حديث من كذب على وقد وصف
غيره من الأئمة عدة أحاديث بأنها متواترة فمن ذلك أحاديث حوض النبى صلى الله عليه وسلم ورد ذلك عن أزيد من ثلاثين
صحابيا واوردها البيهقى فى كتاب البعث والنشور أفردها المقدسى بالجمع قال القاضى
عياض وحديثه متواتر بالنقل رواه خلائق من الصحابة فذكر جماعة من رواته ثم قال وفى
بعض هذا ما يقتضى كون الحديث متواترا ومن ذلك أحاديث الشفاعة فذكر القاضى عياض
أيضا أنه بلغ مجموعها التواتر ومن ذلك أحاديث المسح على الخفين فقال ابن عبد البر
رواه نحو أربعين من الصحابة واستفاض وتواتر وكذا قال ابن حزم فى المحلى أنه نقل
تواتر يوجب العلم ومن ذلك أحاديث النهى عن الصلاة فى معاطن الابل قال ابن حزم فى
المحلى أنه نقل تواتر يوجب العلم ومن ذلك أحاديث النهى عن اتخاذ القبور مساجد قال
ابن حزم إنها متواترة ومن ذاك أحاديث رفع اليدين فى الصلاة للاحرام والركوع والرفع
منه قال ابن حزم إنها متواترة توجب يقين العلم
ومن ذلك الأحاديث الواردة فى قول المصلى ربنا لك الحمد ملء السموات وملء
الأرض وملء ما شئت من شئ بعد قال ابن حزم إنها أحاديث متواترة
273 النوع الحادى والثلاثون معرفة الغريب
والعزيز
قوله وينقسم الغريب
أيضا من وجه آخر فمنه ما هو غريب متنا وإسنادا ومنه ما هو غريب إسنادا لا متنا ثم
قال ولا أرى هذا النوع ينعكس فلا يوجد إذا ما هو غريب متنا وليس غريبا إسنادا إلا
إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به فرواه عنه عدد كثيرون فإنه يصير غريبا مشهورا
وغريبا متنا وغير غريب إسنادا لكن بالنظر إلى أحد طرفى الإسناد فإن إسناده متصف
بالغرابة فى طرفه الأول متصف بالشهرة فى طرفه الآخر كحديث إنما الأعمال بالنيات
انتهى استبعد المصنف وجود حديث غريب
متنا لا إسنادا إلا بالنسبة إلى طرفى الإسناد وأثبت أبو الفتح اليعمرى هذا القسم
مطلقا من غير حمل له على ما ذكره المصنف فقال فى شرح الترمذى الغريب على أقسام
غريب سندا ومتنا ومتنا لا سندا وسندا لا متنا وغريب بعض السند فقط وغريب بعض المتن
فقط ثم أشار إلى أنه أخذ ذلك من كلام محمد بن طاهر المقدسى فانه قسم الغرايب
والأفراد إلى خمسة أنواع خامسها أسانيد ومتون ينفرد بها أهل بلد لا توجد إلا من
روايتهم وسنن يتفرد بالعمل بها أهل مصر لا يعمل بها فى غير مصرهم ثم تكلم أبو
الفتح على الأقسام التى ذكرها ابن طاهر إلى أن قال وأما النوع الخامس فيشمل الغريب
كله سندا ومتنا أو أحدهما دون الآخر
274 قال وقد ذكر أبو محمد بن أبى حاتم بسند
له أن رجلا سأل مالكا عن تخليل أصابع الرجلين فى الوضوء فقال له مالك إن شئت خلل
وإن شئت لا تخلل وكان عبد الله بن وهب حاضرا فعجب من جواب مالك وذكر لمالك فى ذلك
حديثا بسند مصرى صحيح وزعم أنه معروف عندهم فاستعاد مالك الحديث واستعاد السائل
فأمره بالتخليل هذا أو معناه انتهى كلامه
والحديث المذكور رواه أبو داود والترمذى من رواية ابن لهيعة عن يزيد بن
عمرو المغافرى عن أبى عبد الرحمن الحيلى عن المستورد بن شداد قال الترمذى حديث حسن
غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة انتهى
ولم ينفرد به ابن لهيعة بل تابعه عليه الليث بن سعد وعمرو بن الحريث كما
رواه ابن أبى حاتم عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه عبد الله بن وهب عن
الثلاثة المذكورين وصححه ابن القطان لتوثيقه لابن أخى ابن وهب فقد زالت الغرابة عن
الإسناد بمتابعة الليث وعمرو بن الحارث لابن لهيعة والمتن غريب والله أعلم ويحتمل أن يريد بكونه غريب المتن لا الإسناد
أن يكون ذلك الإسناد مشهورا جادة لعده من الأحاديث بأن يكونوا مشهورين برواية
بعضهم عن بعض ويكون المتن غريبا لانفرادهم به والله أعلم
276 النوع الثالث والثلاثون معرفة المسلسل
قوله ونوعه الحاكم أبو
عبد الله إلى ثمانية أنواع والذى ذكره فيها إنما هو صور وأمثلة ثمانية ولا انحصار
لذلك فى ثمانية كما ذكرناه انتهى قلت
لم يحصر الحاكم مطلق أنواع التسلسل إلى ثمانية أنواع وإنما ذكر أنواع التسلسل
الدالة على الاتصال لا مطلق المتسلسل ويظهر ذلك بعدها وتعبيره عنها فالأول
277 المسلسل بسمعت والثانى المسلسل بقولهم قم فصب
على حتى أريك وضوء فلان والثالث المسلسل بمطلق ما يدل على الاتصال من سمعت أو أنا
أو ثنا وإن اختلفت ألفاظ الرواة فى ألفاظ الأداء والرابع المسلسل بقولهم فان قيل
لفلان من أمرك بهذا قال يقول أمرنى فلان والخامس المسلسل بالأخذ باللحية وقولهم
آمنت بالقدر خيره وشره والسادس المسلسل بقولهم وعدهن فى يدى والسابع المسلسل
بقولهم شهدت على فلان والثامن المسلسل بالتشبيك باليد ثم قال الحاكم فهذه أنواع
المسلسل من الأسانيد المتصلة التى لا يشوبها تدليس وآثار السماع بين الراويين
ظاهرة انتهى فلم يذكر الحاكم من
المسلسلات إلا ما دل على الاتصال دون استيعاب بقية المسلسلات نعم بقى على الحاكم
عدة من المسلسلات الدالة على الاتصال لم يذكرها كالمسلسل بقوله أطعمنا وسقانا
والمسلسل بقوله أضافنا على الأسودين التمر والماء والمسلسل بقوله أخذ فلان بيدى
والمسلسل بالمصافحة والمسلسل بقص الأظفار يوم الخميس والله أعلم
278 النوع الرابع والثلاثون معرفة ناسخ الحديث
ومنسوخه
قوله وهو عبارة عن رفع
الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر فهذا حد وقع لنا سالم من اعتراضات وردت على
غيره انتهى وهذا الذى حده به المصنف
تبع فيه القاضى أبا بكر الباقلانى فإنه حده برفع الحكم واختاره الآمدى وابن الحاجب
قال الحازمى وقد أطبق المتأخرون على ما حده به القاضى أنه الخطاب الدال على ارتفاع
الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه قال الحازمى
وهذا حد صحيح انتهى وقد اعترض عليه بأن
التعبير برفع الحكم ليس بجيد لأن الحكم قديم لا يرتفع والجواب عنه أنه إنما المراد
برفع الحكم قطع تعليقه بالمكلف واعترض صاحب المحصول أيضا على هذا الحد بأوجه أخر
فى كثير منها نظر ليس هذا موضع إيرادها
279 قوله ومنها ما يعرف بقول الصحابى كما
رواه الترمذى وغيره عن أبى بن كعب أنه قال كان الماء من الماء رخصة فى أول الإسلام
ثم نهى عنها وكما أخرجه النسائى عن جابر بن عبد الله قال كان آخر الأمرين من رسول
الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار فى أشباه لذلك
انتهى أطلق المصنف أن النسخ يعرف بقول
الصحابى لكن هل يكتفى بقوله هذا ناسخ أو هذا منسوخ أو لابد من التصريح بأن هذا
متأخر عن هذا فالذى ذكره الأصوليون كصاحب المحصول والآمدى وابن الحاجب أنه لابد من
إخباره بأن أحدهما متأخر ولا يكتفى بقوله هذا ناسخ لاحتمال أن يقوله عن اجتهاد
ونحن لا نرى ما يراه وحكى صاحب المحصول عن الكرخى أنه يكفى إخباره بالنسخ إذ لولا
ظهور النسخ فيه لم يطلقه وما ذهب إليه الكرخى هو الظاهر وفى عبارة الشافعى ما
يقتضى الاكتفاء بذلك فإنه قال ولا يستدل على الناسخ والمنسوخ إلا بخبر عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أو بوقت يدل على
أن أحدهما بعد الآخر أو بقول من سمع الحديث أو العامة هكذا رواه البيهقى فى المدخل
بإسناده إلى الشافعى فقوله أو بقول من سمع الحديث أراد به قول الصحابى مطلقا لا
قوله هذا متأخر فقط لأن هذه الصورة قد دخلت فى قوله أو بوقت يدل على أن أحدهما بعد
الآخر والله أعلم
280 قوله ومنها ما يعرف بالإجماع كحديث قتل
شارب الخمر فى المرة الرابعة فإنه منسوخ عرف نسخه بانعقاد الاجماع على ترك العمل
به انتهى وفيه أمور أحدها أنه ورد فى
الحديث نسخه فلا حاجة للاستدلال عليه بالإجماع أما المنسوخ فهو ما رواه أصحاب
السنن الاربعة من حديث معاوية قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فى الرابعة
فاقتلوه ورواه أحمد فى مسنده من حديث
عبد الله بن عمرو وشرحبيل بن أوس وصحابى لم يسم ورواه الطبرانى من حديث جرير بن
عبد الله والشريد بن أوس وأما الناسخ
فهو ما رواه البزار فى مسنده من رواية محمد بن اسحق عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد
الله أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فى الرابعة
فاقتلوه قال فأتى بالنعيمان قد شرب الرابعة فجلده ولم يقتله فكان ذلك ناسخا
للقتل قال البزار لا نعلم أحدا حدث به
إلا ابن اسحق وذكره الترمذى تعليقا من حديث ابن إسحق ثم قال وكذلك روى عن الزهرى
عن قبيصة بن ذؤيب عن النبى صلى الله عليه
وسلم نحو هذا قال فرفع القتل وكانت رخصة
انتهى وقبيصة ذكره بن عبد البر فى
الصحابة قال ولد فى أول سنة من الهجرة وقيل ولد عام الفتح قال ويقال إنه أتى به
للنبى صلى الله عليه وسلم ودعا له انتهى
281 والصحيح أنه ولد عام الفتح الثانى أن دعوى
الإجماع فى هذا ليس بجيد وان كان الترمذى قد سبق إلى ذلك فقال فى العلل التى فى
آخر الجامع جميع ما فى هذا الكتاب معمول به وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا
حديثين فذكر منهما حديث إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فى الرابعة فاقتلوه قال النووى فى شرح مسلم وهو كما قاله فهو
حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه وفيما قالوه نظر فقد روى أحمد بن حنبل فى مسنده عن
عبد الله بن عمرو أنه قال ائتوني برجل قد شرب الخمر فى الرابعة فلكم على أن أقتله
وحكى أيضا عن الحسن البصرى وهو قول ابن حزم فلا إجماع إذا وإن قلنا إن خلاف أهل
الظاهر لا يقدح فى الإجماع على أحد القولين فقد قال به بعض الصحابة والتابعين
والله أعلم الثالث إذا ظهر أن الخلاف
فى قتل شارب الخمر فى الرابعة موجود فينبغى أن يمثل بمثال آخر أجمعوا على ترك
العمل به فنقول روى أبو عيسى الترمذى من حديث جابر قال كنا إذا حججنا مع
النبى صلى الله عليه وسلم نلبى عن النساء ونرمى عن الصبيان قال الترمذى
بعد تخريجه هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال وقد أجمع أهل العلم أن المرأة لا يلبى
عنها غيرها هى تلبى عن نفسها فهذا حديث قد أجمعوا على ترك العمل به وهو فى كتاب
الترمذى فكان ينبغى له أن يستثنيه فى العلل حين استثنى الحديثين المتقدمين والجواب عن الترمذى من ثلاثة أوجه أحدها أن
هذا الحديث قد قال ببعضه بعض أهل العلم وهو الرمى عن الصبيان فلم يجمع على ترك
العمل بجميع الحديث والوجه الثانى أن
هذا الحديث قد اختلف فى لفظه على ابن نمير فرواه الترمذى عن محمد بن إسماعيل
الواسطى عنه هكذا ورواه أبو بكر بن أبى شيبة عن ابن نمير بلفظ حججنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء
والصبيان فلبينا عن الصبيان وروينا عنهم هكذا رواه ابن أبى شيبة فى المصنف ومن
طريقه رواه ابن ماجه فى سننه قال أبو الحسن بن القطان وهذا أولى بالصواب وأشبه به
انتهى وإذا ترجح أن لفظ رواية الترمذى
غلط فلك أن تقول نحن لا نحكم على الحديث
282 بالنسخ عند ترك العمل به إجماعا إلا إذا
علمنا صحته وقد أشار إلى ذلك الفقيه أبو بكر الصيرفى فى كتاب الدلائل عند الكلام
على تعارض حديثين فقال فان أجمع على إبطال حكم أحدهما فأحدهما منسوخ أو غلط والآخر
ثابت فيمكن حمل كلام الصيرفى على ما إذا لم يثبت الحديث الذى أجمع عن ترك العمل به
فإن الحكم عليه بالنسخ فرع عن ثبوته ويمكن حمل كلامه على ما إذا كان صحيحا أيضا
وهو خبر آحاد وأجمعوا على ترك العمل به ولا يتعين المصير إلى النسخ لاحتمال وجود
الغلط من راويه فهو كما قال منسوخ أو غلط والله أعلم الوجه الثالث أن الحافظ محب الدين الطبرى فى
كتاب القرى حمل لفظ رواية الترمذى فى هذا الحديث على أن المراد رفع الصوت بالتلبية
لا مطلق التلبية وأن فيه استعمال المجاز بجعله عن النساء للاجتزاء بجهر الرجال
بالتلبية عن استحبابه فى حق النساء فكأن الرجال قاموا بذلك عن النساء وفيه تكلف
وبعد والله أعلم
286 النوع السادس والثلاثون معرفة مختلف الحديث
قوله كالترجيح بكثرة
الرواة أو بصفاتهم فى خمسين وجها من وجوه الترجيحات فأكثر ولتفصيلها موضع غير ذا
انتهى اقتصر المصنف على هذا المقدار
من وجوه الترجيح وتبع فى ذاك الحازمى فانه قال فى كتاب الاعتبار فى الناسخ
والمنسوخ ووجوه الترجيحات كثيرة أنا أذكر معظمها فذكر خمسين وجها ثم قال فهذا
القدر كاف فى ذكر الترجيحات وثم وجوه كثيرة اضربتا عن ذكرها كى لا يطول به هذا
المختصر انتهى كلام الحازمى ووجوه
الترجيحات تزيد على المائة وقد رأيت عدها مختصرا فأبدأ بالخمسين التى عدها الحازمى
ثم أسرد بقيتها على الولاء الأول كثرة الرواة الثانى كون أحد الراويين اتقن واحفظ
الثالث كونه متفقا على عدالته الرابع كونه بالغا حالة التحمل الخامس كون سماعه
تحديثا والآخر عرضا السادس كون أحدهما سماعا أو عرضا والآخر كتابة أو وجادة أو
مناولة السابع كونه مباشرا لما رواه الثامن كونه صاحب القصة التاسع كونه أحسن
سياقا واستقصاء العاشر كونه أقرب مكانا من النبى
صلى الله عليه وسلم حالة تحمله الحادى عشر كونه أكثر ملازمة لشيخه الثانى
عشر كونه سمعه من مشايخ بلده الثالث عشر كون أحد الحديثين له مخارج الرابع عشر كون
إسناده حجازيا الخامس عشر كون رواته من بلد لا يرضون بالتدليس السادس عشر دلالة
ألفاظه على الاتصال كسمعت وحدثنا السابع عشر كونه مشاهدا لشيخه عند الأخذ الثامن
عشر كون الحديث لم يختلف فيه التاسع عشر كون راويه لم يضطرب لفظه العشرون كون
الحديث متفقا على رفعه الحادى والعشرون كونه متفقا على اتصاله الثانى والعشرون كون
راويه لا يجيز الرواية بالمعنى الثالث والعشرون كونه فقيها الرابع والعشرون كونه
صاحب كتاب يرجع اليه الخامس والعشرون كون أحد الحديثين نصا وقولا والآخر ينسب اليه
287 استدلالا واجتهادا والسادس والعشرون كون
القول يقارنه الفعل السابع والعشرون كونه موافقا لظاهر القرآن الثامن والعشرون
كونه موافقا لسنه أخرى التاسع والعشرون كونه موافقا للقياس الثلاثون كونه معه حديث
آخر مرسل أو منقطع الحادى والثلاثون كونه عمل به الخلفاء الراشدون الثانى
والثلاثون كونه معه عمل الأمة الثالث والثلاثون كون ما تضمنه من الحكم منطوقا الرابع
والثلاثون كونه مستقلا لا يحتاج إلى إضمار الخامس والثلاثون كون حكمه مقرونا بصفة
والآخر بالاسم السادس والثلاثون كونه مقرونا بتفسير الراوى السابع والثلاثون كون
أحدهما قولا والآخر فعلا فيرجح الثامن والثلاثون كونه لم يدخله التخصيص التاسع
والثلاثون كونه غير مشعر بنوع قدح فى الصحابة الأربعون كونه مطلقا والآخر ورد على
سبب الحادى والأربعون كون الاشتقاق يدل عليه دون الآخر الثانى والأربعون كون أحد
الخصمين قائلا بالخبرين الثالث والأربعون كون أحد الحديثين فيه زيادة الرابع
والأربعون كونه فيه احتياط للفرض وبراءة الذمة الخامس والأربعون كون أحد الحديثين
له نظير متفق على حكمه السادس والأربعون كونه يدل على التحريم والآخر على الإباحة
السابع والأربعون كونه يثبت حكما موافقا لما قبل الشرع فقيل هو أولى وقيل هما سواء
الثامن والأربعون كون أحد الخبرين مسقطا للحد فقيل هو أولى وقيل لا يرجح التاسع
والأربعون كونه إثباتا يتضمن النقل عن حكم العقل والآخر نفيا يتضمن الإقرار على
حكم العقل الخمسون كون الحديثين فى
الأقضية وراوى أحدهما على أو فى الفرائض وراوي أحدهما زيد أو فى الحلال والحرام
وراوى أحدهما معاذ وهلم جرا فالصحيح الذى عليه الأكثرون الترجيح بذلك الحادى
والخمسون كونه أعلا إسنادا الثانى والخمسون كون راويه عالما بالعربية الثالث
والخمسون كونه عالما باللغة الرابع والخمسون كونه أفضل فى الفقه أو العربية أو
اللغة الخامس والخمسون كونه حسن الاعتقاد السادس والخمسون كونه ورعا السابع والخمسون
كونه جليسا للمحدثين أو غيرهم من العلماء الثامن والخمسون كونه أكثر مجالسة لهم
التاسع والخمسون كونه عرفت عدالته بالاختبار والممارسة وعرفت عدالة الآخر بالتزكية
أو العمل على روايته الستون كون المزكى
زكاه وعمل بخبره وزكى الآخر وروى خبره الحادى والستون
288 كونه ذكر سبب تعديله الثانى والستون كونه ذكرا
الثالث والستون كونه حرا الرابع
والستون شهرة الراوى الخامس والستون شهرة نسبه السادس والستون عدم التباس اسمه
السابع والستون كونه له إسم واحد على من له إسمان فأكثر الثامن والستون كثرة
المزكين التاسع والستون كثرة علم المزكين السبعون كونه دام عقله فلم يختلط هكذا أطلقه جماعة وشرط فى المحصول مع ذلك
أنه لا يعلم هل رواه فى حال سلامته أو اختلاطه الحادى والسبعون تأخر إسلام الراوى
وقيل عكسه وبه جزم الآمدى الثانى
والسبعون كونه من أكابر الصحابة الثالث والسبعون كون الخبر حكى سبب وروده إن كانا
خاصين فإن كانا عامين فبالعكس الرابع والسبعون كونه حكى فيه لفظ الرسول الخامس
والسبعون كونه لم ينكره راوى الأصل أو لم يتردد فيه السادس والسبعون كونه مشعرا بعلو شأن
الرسول وتمكنه السابع والسبعون كونه مدنيا والآخر مكى الثامن والسبعون كونه متضمنا
للتخفيف وقيل بالعكس التاسع والسبعون كونه مطلق التاريخ على المؤرخ بتاريخ مؤخر
الثمانون كونه مؤرخا بتاريخ مؤخر على مطلق التاريخ الحادى والثمانون كون الراوى
تحمله فى الإسلام على ما تحمله راويه فى الكفر أو شك فيه الثانى والثمانون كون الحديث
لفظه فصيحا والآخر ركيكا الثالث والثمانون كونه بلغة قريش الرابع والثمانون كون
لفظه حقيقة الخامس والثمانون كونه أشبه بالحقيقة السادس والثمانون كون أحدهما
حقيقة شرعية والآخر حقيقة عرفية أو لغوية السابع والثمانون كون أحدهما حقيقة عرفية
والآخر حقيقة لغوية الثامن والثمانون كونه يدل على المراد من وجهين التاسع والثمانون كونه يدل على المراد بغير
واسطة التسعون كونه يومى إلى علة الحكم الحادى والتسعون كونه ذكر معه معارضة
الثانى والتسعون كونه مقرونا بالتهديد الثالث والتسعون كونه أشد تهديدا الرابع
والتسعون كون أحد الخبرين يقل فيه اللبس الخامس والتسعون كون اللفظ متفقا على وضعه
لمسماه السادس والتسعون كونه منصوصا على حكمه مع تشبيهه لمحل آخر السابع والتسعون
كونه مؤكدا بالتكرار الثامن والتسعون كون أحد الخبرين دلالته بمفهوم الموافقة
289 والآخر بمفهوم المخالفة وقيل بالعكس
التاسع والتسعون كونه قصد به الحكم المختلف فيه ولم يقصد بالآخر ذلك المائة كون
أحد الخبرين مرويا بالإسناد والآخر معزوا إلى كتاب معروف الحادى بعد المائة كون أحدهما معزوا إلى
كتاب معروف والآخر مشهور الثانى بعد
المائة كون أحدهما اتفق عليه الشيخان الثالث بعد المائة كون العموم فى أحد الخبرين
مستفادا من الشرط والجزاء والآخر من النكرة المنفية الرابع بعد المائة كون الخطاب
فى أحدهما تكليفيا وفى الآخر وضعيا الخامس بعد المائة كون الحكم فى أحد الخبرين
معقول المعنى السادس بعد المائة كون الخطاب فى أحدهما شفاهيا فيقدم على خطاب
الغيبة فى حق من ورد الخطاب عليه السابع بعد المائة كون الخطاب على الغيبة فيقدم
على الشفاهى فى حق الغائبين الثامن بعد المائة كون أحد الخبرين قدم فيه ذكر العلة
وقيل بالعكس التاسع بعد المائة كون العموم فى أحدهما مستفادا من الجمع المعرف فيقدم
على المستفاد من ما ومن العاشر بعد المائة كونه مستفادا من الكل فيقدم على
المستفاد من الجنس المعرف لاحتمال العهد وثم وجوه أخر للترجيح فى بعضها نظر وفى
بعض ما ذكر أيضا نظر وإنما ذكرت هذا أيضا منها لقول المصنف أن وجوه الترجيح خمسون
فأكثر والله أعلم
291 النوع التاسع والثلاثون معرفة الصحابة
قوله فالمعروف من طريقة
أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فهو من الصحابة قال
البخارى فى صحيحه من صحب النبى صلى الله عليه
وسلم أو رآه من المسلمين فهو صحابى من أصحابه انتهى
292 والحد الذى ذكر المصنف أنه المعروف لا
يدخل فيه من لم يره صلى الله عليه
وسلم لمانع كالعمى كابن أم مكتوم مثلا وهو
داخل فى الحد الذى ذكره البخارى وفى دخول الأعمى الذى جئ به إلى النبى صلى الله عليه وسلم مسلما ولم يصحبه ولم يجالسه فى عبارة البخارى
نظر فالعبارة السالمة من الاعتراض أن يقال الصحابى من لقى النبى صلى الله عليه وسلم مسلما ثم مات على الإسلام ليخرج بذلك من ارتد
ومات كافرا كعبد الله بن خطل وربيعة بن أمية ومقيس بن صبابة ونحوهم ولا شك أن هؤلاء لا يطلق عليهم اسم الصحابة
وهم داخلون فى الحد إلا أن نقول بأحد قولى الأشعرى أن إطلاق اسم الكفر والايمان هو
باعتبار الخاتمة فإن من مات كافرا لم يزك كافرا ومن مات مسلما لم يزل مسلما فعلى
هذا لم يدخل هؤلاء فى الحد أما من
ارتد منهم ثم عاد إلى الاسلام فى حياته
صلى الله عليه وسلم فالصحبة عائدة
إليهم بصحبتهم له ثانيا كعبد الله بن أبى سرح وأما من ارتد منهم فى حياته وبعد
موته ثم عاد إلى الإسلام بعد موته صلى
الله عليه وسلم كالأشعث بن قيس ففى عود
الصحبة له نظر عند من يقول إن الردة محبطة للعمل وإن لم يتصل بها الموت وهو قول
أبى حنيفة وفى عبارة الشافعى فى الأم
ما يدل عليه نعم الذى حكاه الرافعى عن الشافعى أنها إنما تحبط العمل بشرط اتصالها
بالموت ووراء ذلك أمور فى اشتراط أمور أخر من التمييز أو البلوغ فى الرأى واشتراط
كون الرؤية بعد النبوة أو أعم من ذلك واشتراط كونه صلى الله عليه وسلم حيا حتى يخرج ما لو رآه بعد موته قبل الدفن
واشتراط كون الرؤية له فى عالم الشهادة دون عالم الغيب فأما التمييز فظاهر كلامهم
اشتراطه كما هو موجود فى كلام يحيى بن معين وأبى زرعة وأبى حاتم وأبى داود وابن
عبد البر وغيرهم وهم جماعة أتى بهم النبى
صلى الله عليه وسلم وهم أطفال فحنكهم ومسح وجوههم أو تفل فى أفواههم فلم
يكتبوا لهم صحبة كحمد بن حاطب بن الحارث وعبد الرحمن بن عثمان التيمى ومحمود ابن
الربيع وعبيد الله بن معمر وعبد الله بن الحارث بن نوفل وعبد الله بن أبى طلحة
ومحمد بن ثابت بن قيس بن شماس ويحيى بن خلاد بن رافع الزرقى ومحمد بن طلحة ابن
عبيد الله وعبد الله بن ثعلبة بن صعير وعبد الله بن عامر بن كريز وعبد الرحمن ابن
عبد القارى ونحوهم
293 فأما محمد بن حاطب فإنه ولد بأرض الحبشة
قال يحيى بن معين له رواية ولا تذكر له صحبة وأما عبد الرحمن بن عثمان التميى فقال
أبو حاتم الرازى كان صغيرا له رؤية وليست له صحبة وأما محمود بن الربيع فهو الذى
عقل منه صلى الله عليه وسلم مجة مجها فى وجهه وهو ابن خمس سنين كما ثبت فى
صحيح البخارى وقال أبو حاتم له رؤية وليست له صحبة وأما عبيد الله بن معمر فقال ابن عبد البر
ذكر بعضهم أن له صحبة وهو غلط بل له رؤية وهو غلام صغير وأما عبد الله بن الحارث
بن نوفل فإنه الملقب بشبة ذكر ابن عبد البر أنه ولد على عهده صلى الله عليه وسلم وأنه أتى به فحنكه ودعا له قال العلائى فى كتاب جامع التحصيل ولا صحبة
له بل ولا رؤية قطعا وحديثه مرسل قطعا
وأما عبد الله بن أبى طلحة فهو أخو أنس لأمه وأتى به النبى صلى الله عليه وسلم فحنكه كما ثبت فى الصحيح قال العلائى ولا يعرف له رؤية بل هو تابعى
وحديثه مرسل وأما محمد بن ثابت ابن قيس بن شماس فأتى به النبى صلى الله عليه وسلم فحنكه وسماه محمدا قال العلائى وليست له صحبة
فحديثه مرسل وأما ابن حبان فذكره فى الصحابة وأما يحيى ابن
جلاد بن رافع الزرقى فذكر ابن عبد البر أنه اتى به النبى صلى الله عليه وسلم فحنكه وسماه قال العلائى وهو تابعى لا يثبت له
رؤية وأما محمد بن طلحة بن عبيد الله
فهو الملقب بالسجاد أتى به أبوه إلى النبى
صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه
وسماه محمدا وكناه أبا القاسم قال العلائى ولم يذكر أحد فيما وقفت عليه له رؤية بل
هو تابعى وأما عبد الله بن ثعلبة بن
صعير وقيل ابن أبى صعير فروى البخارى فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم مسح وجهه عام الفتح قال أبو حاتم رأى النبى صلى الله عليه وسلم وهو صغير قال العلائى قيل أنه لما توفى
النبى صلى الله عليه وسلم كان ابن أربع سنين وأما عبد الله بن عامر بن كريز فإن
النبى صلى الله عليه وسلم أتى به وهو صغير
فتفل
294 فى فيه من ريقه قال ابن عبد البر وما أظنه
سمع منه ولا حفظ عنه بل حديثه مرسل
وأما عبد الرحمن بن عبد القارى فقال أبو داود أتى به النبى صلى الله عليه وسلم وهو طفل قال ابن عبد البر ليس له سماع ولا
رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم بل هو من التابعين وذكر أبو حاتم أن يوسف بن
عبد الله بن سلام له رؤية ولا صحبة له انتهى
هذا مع كونه حفظ عن النبى صلى الله
عليه وسلم أنه رآه أخذ كسرة من خبز
شعير ووضع عليها تمرة وقال هذه إدام هذه
رواه أبو داود والترمذى فى الشمايل وروى أبو داود أيضا من حديث أنه سمع
النبى صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر ما على أحدكم إن وجد أن يتخذ ثوبين لجمعته
سوى ثوبى مهنته لا جرم أن البخارى عد
يوسف فى الصحابة فأنكر ذلك عليه أبو حاتم وقال له رؤية ولا صحبة له وممن أثبت له
بعضهم الرؤية دون الصحبة طارق بن شهاب فقال أبو زرعة وأبو داود له رؤية وليست له
صحبة انتهى وهذا ليس من باب الرؤية فى
الصغر فإن طارق بن شهاب هذا قد أدرك الجاهلية وغزا مع أبى بكر رضى الله عنه وإنما
يحمل هذا على أحد وجهين إما أن يكون رآه قبل أن يسلم فلم يره فى حالة إسلامه ثم
جاء فقاتل مع أبى بكر وإما أن يكون ذلك محمولا على أنهما لا يكتفيان فى حصول
الصحبة بمجرد الرؤية كما سيأتى نقله عن أهل الأصول وعلى هذا يحمل أيضا قول عاصم الأحول أن عبد
الله بن سرجس رأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم غير أنه لم يكن له صحبة قال ابن عبد
البر لا يختلفون فى ذكره فى الصحابة ويقولون له صحبة على مذهبهم فى اللقاء والرؤية
والسماع وأما عاصم الأحول فأحسبه أراد
الصحبة التى يذهب إليها العلماء وأولئك قليل انتهى وأما تمثيل الشيخ تاج الدين التبريزى فى
اختصاره لكتاب ابن الصلاح لمن رأى النبى
صلى الله عليه وسلم كافرا ثم أسلم
بعد وفاته كعبد الله بن سرجس وشريح فليس بصحيح لما ثبت فى صحيح مسلم من حديث عبد
الله بن سرجس قال رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما وذكر الحديث فى رؤيته لخاتم النبوة واستغفار
النبى صلى الله عليه وسلم له والصحيح أيضا أن شريحا القاضى لم ير
النبى صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ولا
بعدها وهو تابعى أدرك الجاهلية وقد عده مسلم فى المخضرمين وذكره المصنف فيهم والله
أعلم
295 وأما اشتراط البلوغ فى حالة الرؤية فحكاه
الواقدى عن أهل العلم فقال رأيت أهل العلم يقولون كل من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أدرك الحلم فأسلم وعقل أمر الدين ورضيه فهو
عندنا ممن صحب النبى صلى الله عليه
وسلم ولو ساعة من نهار انتهى والصحيح أن البلوغ ليس شرطا فى حد الصحابى
وإلا لخرج بذلك من أجمع العلماء على عدهم فى الصحابة كعبد الله بن الزبير والحسن
والحسين رضى الله عنهم وأما كون المعتبر فى الرؤية وقوعها بعد النبوة فلم أر من
تعرض لذلك إلا ابن منده ذكر فى الصحابة زيد بن عمرو بن نفيل وإنما رأى النبى صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ومات قبلها وقد روى النسائى أن
النبى صلى الله عليه وسلم قال
إنه يبعث يوم القيامة أمة وحده
وأما كون المعتبر فى الرواية وقوعها وهو حى فالظاهر اشتراطه فإنه قد انقطعت
النبوة بوفاته صلى الله عليه وسلم وأما كون رؤيته صلى الله عليه وسلم فى عالم الشهادة فالظاهر اشتراطه أيضا حتى لا
يطلق اسم الصحبة على من رآه من الملائكة والنبيين فى السماوات ليلة الإسراء أما
الملائكة فلم يذكرهم أحد فى الصحابة وقد استشكل ابن الأثير فى كتاب أسد الغابة ذكر
من ذكر منهم بعض الجن الذين آمنوا بالنبى
صلى الله عليه وسلم وذكرت أسما هم
فإن جبريل وغيره ممن رآه من الملائكة أولى بالذكر من هؤلاء وليس كما زعم لأن الجن
من جملة المكلفين الذين شملتهم الرسالة والبعثة فكان ذكر من عرف اسمه ممن رآه حسنا
بخلاف الملائكة والله أعلم وأما
الأنبياء الذين رآهم فى السماوات ليلة الإسراء الذين ماتوا منهم كإبراهيم ويوسف وموسى
وهرون ويحيى لا شك أنهم لا يطلق عليهم اسم الصحبة لكون رؤيتهم له بعد الموت مع كون
مقاماتهم أجل وأعظم من رتبة أكبر الصحابة وأما من هو حى إلى الآن لم يمت كعيسى صلى
الله عليه وسلم فإنه سينزل إلى الأرض فى آخر الزمان ويراه خلق من المسلمين فهل
يوصف من يراه بأنه من التابعين لكونه رأى من له رؤية من النبى صلى الله عليه وسلم أم المراد بالصحابة من لقيه
من أمته الذين أرسل إليهم حتى لا يدخل فيهم عيسى والخضر وإلياس على قول من يقول
بحياتهما من الأئمة هذا محل نظر ولم أر من تعرض لذلك من أهل الحديث والظاهر أن من
رآه منهم فى الأرض وهو حى له حكم الصحبة فإن كان الخضر أو إلياس حيا أو كان قد رأى
عيسى فى الأرض فالظاهر إطلاق اسم الصحبة عليهم فأما رؤية عيسى له فى السماء فقد
يقال السماء
296 ليست محلا للتكليف ولا لثبوت الأحكام الجارية
على المكلفين فلا يثبت بذلك اسم الصحبة لمن رآه فيها وأما رؤيته لعيسى فى الأرض
فقد ثبت فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيتنى فى الحجر وقريش تسألنى عن مسراى
فتسألنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط فرفعه الله
لى أنظر إليه ما يسألوننى عن شئ إلا أنبأتهم به وقد رأيتنى فى جماعة من الأنبياء
الحديث وفيه وإذا عيسى بن مريم قائم يصلى الحديث وفيه فحانت الصلاة فأممتهم فلما
فرغت من الصلاة قال قائل يا محمد هذا مالك خازن النار فسلم عليه فالتفت إليه
فبدأنى بالسلام وظاهر هذا أنه رآه ببيت المقدس وإذا كان كذلك فلا مانع من اطلاق
الصحبة عليه لأنه حين ينزل يكون مقتديا بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم لا بشريعته المتقدمة وروى أحمد فى مسنده من
حديث جابر مرفوعا لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعنى والله
أعلم قوله وبلغنا عن أبى المظفر
السمعانى المروزى أنه قال أصحاب الحديث يطلقون على كل من روى عنه حديثا أو كلمه
ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة وهذا لشرف منزلة النبى صلى الله عليه وسلم اعطوا كل من رآه حكم الصحبة وذكر أن اسم
الصحابى من حيث اللغة والظاهر يقع على من طالت صحبته للنبى صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له على طريق
التبع والأخذ عنه قال وهذا طريق الأصوليين انتهى وفيما قاله ابن السمعانى نظر من وجهين
أحدهما أن ما حكاه عن أهل اللغة قد نقل القاضى أبو بكر بن الباقلانى إجماع أهل
اللغة على خلافه كما نقله عنه الخطيب فى الكفاية أنه قال لا خلاف بين أهل اللغة أن
الصحابى مشتق من الصحبة وأنه ليس
297 بمشتق من قدر منها مخصوص بل هو جار على كل من
صحب غيره قليلا كان أو كثيرا يقال صحبت فلانا حولا ودهرا وسنة وشهرا ويوما وساعة
قال وذلك يوجب فى حكم اللغة إجراءها على من صحب النبى صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار هذا هو الأصل فى اشتقاق الاسم ومع
ذلك فقد تقرر للأئمة عرف فى أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن كثرت صحبته
واستمر لقاؤه ولا يجرون ذلك على من لقى المرء ساعة ومشى معه خطا وسمع منه حديثا
فوجب لذلك أن لا يجرى هذا الاسم فى عرف الأستعمال الا على من هذه حاله انتهى الوجه الثانى أن ما حكاه عن الأصوليين هو
قول بعض أئمتهم والذى حكاه الآمدى عن أكثر اصحابنا أن الصحابى من رآه وقال إنه
الأشبه واختاره ابن الحاجب نعم الذى اختاره القاضى أبو بكر ونقله عن الأئمة أنه
يعتبر فى ذلك كثرة الصحبة واستمرار اللقاء وتقدم أن ابن عبد البر حكى عن العلماء
نحو ذلك وبه جزم ابن الصباغ فى كتاب العدة فى أصول الفقه فقال الصحابى هو الذى لقى
النبى صلى الله عليه وسلم وأقام عنده واتبعه فأما من وفد عليه وانصرف عنه
من غير مصاحبة ومتابعة فلا ينصرف إليه هذا الاسم قوله وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه كان
لا يعد الصحابى إلا من أقام مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين وكأن المراد بهذا
إن صح عنه راجع إلى المحكى عن الأصوليين ولكن فى عبارته ضيق يوجب أن لا يعد من
الصحابة جرير بن عبد الله البجلى ومن شاركه فى فقد ظاهر ما اشترطه فيهم ممن لا
يعرف خلافا فى عده من الصحابة انتهى وفيه أمران أحدهما أن المصنف علق القول بصحة
ذلك عن سعيد بن المسيب وهو لا يصح عنه فإن فى الإسناد إليه محمد بن عمر الواقدى
وهو ضعيف فى الحديث
298 الأمر الثانى أنه اعترض على المصنف بأن
فى الأوسط للطبرانى أن جريرا أسلم فى أول البعثة وكأن المعترض أوقعه فى ذلك ما
رواه الطبرانى من رواية قيس بن أبى حازم عن جرير قال لما بعث النبى صلى الله عليه وسلم أتيته لأبايعه فقال لأى شئ جئت يا جرير قلت جئت
لأسلم على يديك قال فدعانى إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله وتقيم
الصلاة المكتوبة وتؤتى الزكاة المفروضة وتؤمن بالقدر خيره وشره قال فألقى إلى كساء
ثم أقبل على أصحابه فقال إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه وهو فى الكبير أيضا والجواب
عنه أن هذا الحديث غير صحيح فإنه من رواية الحصين بن عمر الأحمسى وهو منكر الحديث
كما قاله البخارى وضعفه أيضا أحمد وابن معين وأبو حاتم وغيرهم ولو كان صحيحا لما
كان فيه تقدم إسلامه لأنه لا تلزم الفورية فى جواب لما والصواب أن جريرا متأخر
الإسلام فقد ثبت فى الصحيحين عن إبراهيم النخعى أن إسلام جرير كان بعد نزول
المائدة وللبخارى عن إبراهيم أن جريرا كان من آخر من أسلم وعند أبى داود أيضا من حديث جرير أنه قال
ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة وإنما يريد بذلك أنه بعد نزول قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة
فاغسلوا وجوهكم الآية وإلا فقد نزل بعض
المائدة بعد إسلام جرير كما سيأتى ولكن لا يلزم من هذا أنه لم يقم معه سنة فإن
نزول الآية كان فى غزوة المريسيع على المشهور وكانت فى سنة ست والمعروف أن إسلامه
بدون سنة من وفاة النبى صلى الله عليه
وسلم فقد ذكر البخارى فى التاريخ الكبير
عن إبراهيم عن جرير وكان أتى النبى صلى
الله عليه وسلم فى العام الذى توفى فيه
وكذا قال الواقدى كان إسلامه فى السنة التى توفى فيها النبى صلى الله عليه وسلم ومن أطلق ذلك لا يريدون بذلك أنه أسلم فى سنة
إحدى عشرة إنما يريدون بذلك سنة ملفقة وصرح بذلك الخطيب فقال أسلم فى السنة التى
توفى فيها رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهى سنة عشر من الهجرة فى شهر رمضان
منها وكذا قال ابن حبان فى الصحابة إن
إسلامه كان فى سنة عشر من الهجرة فى شهر رمضان وأما ما جزم به ابن عبد البر فى
الاستيعاب أن جريرا قال أسلمت قبل وفاة النبى
صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما
فهذا لا يصح عن جرير ويرده ما ثبت فى الصحيحين من حديث جرير أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له فى حجة الوداع استنصت الناس
299 الحديث فكان إسلامه قبل حجة الوداع فى شهر
رمضان على المشهور فما استشكله المصنف على قول سعيد بن المسيب فى أمر جرير واضح لو
صح عنه ولكنه لم يصح عنه والله أعلم
قوله وروينا عن شعبة عن موسى السبلاني وأثنى عليه خيرا إلى آخره وقع فى
النسخ الصحيحة التى قرأت على المصنف السيلانى بفتح السين المهملة وفتح الباء
الموحدة والمعروف إنما هو بسكون الياء المثناة من تحت هكذا ضبطه السمعانى فى
الأنساب قوله ثم إن كون الواحد منهم
صحابيا تارة يعرف بالتواتر وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر وتارة بأن يروى عن
آحاد الصحابة أنه صحابى وتارة بقوله وإخباره عن نفسه بعد ثبوت عدالته بأنه صحابى
انتهى هكذا أطلق المصنف أنه يقبل قول
من ثبتت عدالته أنه صحابى وتبع فى ذلك الخطيب فإنه قال فى الكفاية فى آخر كلام
رواه عن القاضى أبى بكر الباقلانى ما صورته وقد يحكم بأنه صحابى إذا كان ثقة أمينا
مقبول القول إذا قال صحبت النبى صلى الله
عليه وسلم وكثر لقائى له فتحكم بأنه صحابى فى الظاهر لموضع عدالته وقبول خبره وإن
لم يقطع بذلك كما يعمل بروايته انتهى
والظاهر أن هذا الكلام بقية كلام القاضى أبو بكر فإنه يشترط فى الصحابى
كثرة الصحبة واستمرار اللقاء كما تقدم نقله عنه وأما الخطيب فلا يشترط ذلك على رأى
300 المحدثين وعلى كل تقدير فلابد من تقييد ما
أطلقه بأن يكون ادعاؤه لذلك يقتضيه الظاهر أما لو ادعاه بعد مائة سنة من
وفاته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقبل ذلك منه كجماعة ادعوا الصحبة بعد
ذلك كأبى الدنيا الأشج ومكلبة بن ملكان ورتن الهندى فقد أجمع أهل الحديث على
تكذيبهم وذلك لما ثبت فى الصحيحين من حديث ابن عمر قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء فى آخر حياته فلما سلم
قام فقال أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر
الأرض أحد الحديث وكان إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك قبل موته بشهر كما ثبت فى صحيح مسلم من
حديث جابر قال سمعت النبى صلى الله عليه
وسلم يقول قبل أن يموت بشهر تسألوننى عن
الساعة وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة يأتى عليها
مائة سنة وفى رواية له ما من نفس منفوسة اليوم يأتى عليها مائة سنة وهى حية يومئذ
وهذه الرواية المقيدة باليوم يحمل عليها قوله
صلى الله عليه وسلم فى بعض طرق
حديث جابر عند مسلم ما من نفس منفوسة تبلغ مائة سنة فقد رأيت بعض أهل العلم استدل بهذه الرواية
على أن أحدا لا يعيش مائة سنة ونازعته فى ذلك فأصر عليه مع أن فى بقية الحديث عنده
فقال سالم يعنى ابن أبى الجعد وهو الراوى له عن جابر يذاكرنا ذلك عنده إنما هى كل
نفس مخلوقة يومئذ وعند مسلم أيضا من حديث أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتى مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة
اليوم والصواب أن ذلك محمول على
التقييد بالظرف فقد جاوز جماعة من العلماء الماية وحدثوا بعد الماية وهم معروفو
المولد كالقاضى أبى الطيب طاهر بن عبد الله الطبرى أحد أئمة الشافعية والحافظ أبى
طاهر أحمد بن محمد السلفى وغيرهما وقد ورد فى بعض طرق هذا الحديث أن المراد
بالمائة من الهجرة لا من وفاته صلى الله
عليه وسلم رواه أبو يعلى الموصلى فى مسنده
من رواية قيس بن وهب الهمدانى عن أنس قال حدثنا أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال لا يأتى مائة سنة من الهجرة ومنكم عين
تطرف وهذا يرد قول من ادعى أنه تأخر
بعد أبى الطفيل أحد من الصحابة كما سيأتى ذلك فى آخر من مات من الصحابة إن شاء
الله تعالى
301 فعلى هذا لا يقبل قول أحد أدعى الصحبة بعد
مائة سنة من الهجرة وكلام الأصوليين أيضا يقتضى ما ذكرناه فإنهم اشترطوا فى ثبوت
ذلك بادعائه أن يكون قد عرفت معاصرته للنبى
صلى الله عليه وسلم قال الآمدى فى الأحكام
فلو قال من عاصره أنا صحابى مع إسلامه وعدالته فالظاهر صدقه وحكاهما ابن الحاجب
احتمالين من غير ترجيح قال ويحمل أن لا يصدق لكونه متهما بدعوى رتبة يثبتها لنفسه
والله أعلم قوله الثانية للصحابة
بأسرهم خصيصة وهى أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم إلى أن قال وفى نصوص السنة
الشاهدة بذلك كثرة منها حديث أبى سعيد المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا أصحابى فوالذى نفسى بيده لو أن
أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة
ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم
302 فى الإجماع إحسانا للظن بهم ونظرا إلى ما
تمهد لهم من المآثر فكان الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة
الشريعة والله أعلم فيه أمران أحدهما
أنه اعترض على المصنف فى استدلاله بحديث أبى سعيد وذلك لأنه قاله النبى صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد لما تقاول
هو وعبد الرحمن ابن عوف أى أنه أراد بذلك صحبة خاصة والجواب أنه لا يلزم من كونه
ورد على سبب خاص فى شخص معين أنه لا يعم جميع أصحابه ولا شك أن خالدا من أصحابه
وإنه منهى عن سبه وإنما درجات الصحبة متفاوتة فالعبرة إذا بعموم اللفظ فى قوله لا
تسبوا أصحابى وإذا نهى الصحابى عن سب الصحابى فغير الصحابى أولى بالنهى عن سب
الصحابى الأمر الثانى أن ما حكاه
المصنف من إجماع الأمة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم كأنه أخذه من كلام ابن
عبد البر فإنه حكى فى الاستيعاب إجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة
والجماعة على أن الصحابة كلهم عدول انتهى
وفى حكاية الإجماع نظر ولكنه قول الجمهور كما حكاه ابن الحاجب والآمدى وقال
إنه المختار وحكيا معا قولا آخر انهم كغيرهم فى لزوم البحث عن عدالتهم مطلقا وقولا
آخر إنهم عدول إلى وقوع الفتن وأما بعد ذلك فلابد من البحث عمن ليس ظاهر العدالة
وذهب المعتزلة إلى تفسيق من قاتل على بن أبى طالب منهم وقيل يرد الداخلون فى الفتن
كلهم لأن أحد الفريقين فاسق من غير تعيين وقيل نقبل الداخل فى الفتن إذا انفرد لأن
الأصل العدالة وشككنا فى فسقه ولا يقبل مع مخالفه لتحقق فسق أحدهما من غير تعيين
والله أعلم
303 قوله ويلتحق بابن مسعود فى ذلك سائر
العبادلة المسمين بعبد الله من الصحابة وهم نحو مائتين وعشرون نفسا والله أعلم
انتهى وما ذكره من كون المسمين بعبد
الله من الصحابة نحو مائتين وعشرون ليس بجيد بل هم أكثر من ذلك بكثير وكأن المصنف
أخذ ما ذكره من الاستيعاب لابن عبد البر فإنه عد ممن اسمه عبد الله مائتين وثلاثين
ومنهم من لم يصحح له صحبة ومنهم من ذكره للمعاصرة من غير رؤية على قاعدته ومنهم من
كرره للاختلاف فى اسم أبيه ومنهم
304 من اختلف فى اسمه أيضا هل يسمى بعبد الله أو
غيره ومجموعهم أكثر من عشرة فبقى منهم نحو مائتين وعشرين نفسا كما ذكر ولكن قد فات
ابن عبد البر منهم جماعة ذكرهم غيره ممن صنف في الصحابة وذكر منهم الحافظ أبو بكر
بن فتحون فى ذيله على الاستيعاب مائة وأربعة وستين نفسا زيادة على من ذكرهم ابن
عبد البر ومنهم أيضا من عاصر ولم ير أو لم تصح له صحبة أو كرر للاخلاف فى اسم أبيه
كما تقدم ولكن يجتمع من المجموع نحو ثلاثمائة رجل والله أعلم قوله وروينا عن مسروق قال وجدت علم أصحاب
النبى صلى الله عليه وسلم انتهى إلى ستة
عمر وعلى وأبى وزيد وأبى الدرداء وعبد الله بن مسعود ثم انتهى علم هؤلاء الستة إلى
اثنين على وعبد الله وروينا نحوه عن مطرف عن الشعبى عن مسروق لكن ذكر أن أبا موسى
بدل أبى الدرداء انتهى
305 وقد يستشكل قول مسروق أن علم الستة
المذكورين انتهى إلى على وعبد الله من حيث أن عليا وابن مسعود ماتا قبل زيد بن
ثابت وأبى موسى الأشعرى بلا خلاف فكيف ينتهى علم من تأخرت وفاته إلى من مات قبله
وما وجه ذلك وقد يقال فى الجواب عن
ذلك أن المراد بكون علم المذكورين انتهى إلى على وعبد الله أنهما ضما علم المذكورين
إلى علمهما فى حياة المذكورين وإن تأخرت وفاة بعض المذكورين عنهما والله أعلم قوله وروينا عن أبى زرعة أيضا أنه قيل له
أليس يقال حديث النبى صلى الله عليه
وسلم أربعة آلاف حديث قال ومن قال ذا قلقل
الله أنيابه هذا قول الزنادقة ومن يحصى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر الفا من الصحابة ممن رآه وسمع
منه انتهى وفى هذا التحديد بهذا العدد
المذكور نظر كبير وكيف يمكن الاطلاع على تحرير ذلك مع تفرق الصحابة فى البوادى
والقرى والموجود عن أبى زرعة بالأسانيد المتصلة إليه ترك التحديد فى ذلك وانهم
يزيدون على مائة ألف كما رواه أبو موسى المدينى فى ذيله على الصحابة لابن منده
بإسناده إلى أبى جعفر أحمد بن عيسى الهمدانى قال
306 قال أبو زرعة الرازى توفى النبى صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من
رجل وامرأة وكل قدورى عنه سماعا أو رؤية انتهى وهذا قريب لكونه لا تحديد فيه بهذا
القدر الخاص وأما ما ذكره المصنف عن
أبى زرعة فلم أقف له على إسناد ولا هو فى كتب التواريخ المشهورة وقد ذكره أبو موسى
المدينى فى ذيله على الصحابى بغير إسناد فقال ذكر سليمان بن إبراهيم بخطه قال قيل
لأبى زرعة فذكره دون قوله قلقل الله أنيابه وقد جاء عن الشافعى أيضا عدة من توفى
عنه النبى صلى الله عليه وسلم من الصحابة ولكنه دون هذا بكثير ورواه أبو بكر
الساجى فى مناقب الشافعى عن محمد ابن عبد الله بن عبد الحكم قال أنبأنا الشافعى
قال قبض الله رسول الله صلى الله عليه
وسلم والمسلمون ستون ألفا ثلاثون بالمدينة
وثلاثون الفا فى قبايل العرب وغير ذلك وهذا إسناد جيد ومع ذلك فجميع من صنف
الصحابة لم يبلغ مجموع ما فى تصانيفهم عشرة آلاف مع هذا كونهم يذكرون من توفى فى
حياته صلى الله عليه وسلم فى المغازى وغيرها ومن عاصره وهو مسلم وإن لم
يره وجميع من ذكره ابن منده فى الصحابة كما قال أبو موسى قريب من ثلاثة آلاف
وثمانمائة ترجمة مما رآه أو صحبه أو سمع منه أو ولد فى عصره أو أدرك زمانه أو من
ذكر فيهم وإن لم يثبت ومن اختلف له فى ذلك ولا شك أنه لا يمكن حصرهم بعد فشو
الإسلام وقد ثبت فى صحيح البخارى أن كعب بن مالك قال فى قصة تخلفه عن غزوة تبوك
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير
لا يجمعهم كتاب حافظ يعنى الديوان الحديث هذا فى غزوة خاصة وهم مجتمعون فكيف بجميع
من رآه مسلما والله أعلم
307 قوله وفى نص القرآن تفضيل السابقين الأولين
من المهاجرين والأنصار إلى أن قال وعن محمد بن كعب القرظى وعطاء بن يسار أنهما
قالا هم أهل بدر روى ذلك عنهما ابن عبد البر فيما وجدناه عنه انتهى ولم يوصل ابن
عبد البر إسناده بذلك إليهما وإنما ذكره عن سنيد وإسناد سنيد فيه ضعيف جدا فإنه
رواه عن شيخ له لم يسم عن موسى بن عبيدة الربذى هو ضعيف
308 قوله اختلف السلف فى أولهم إسلاما فقيل أبو
بكر الصديق روى عن ابن عباس وحسان بن ثابت إلى آخر كلامه وقد اختلف على ابن عباس
فى ذلك على ثلاثة أقوال أحدها أبو بكر والثانى خديجة والثالث على وحكى المصنف
الأولين ولم يحك الثالث وسيأتى ذكره بعد هذا والله أعلم قوله قال الحاكم أبو عبد الله لا أعلم خلافا
بين أصحاب التواريخ أن على بن أبى طالب أولهم إسلاما واستنكر هذا من الحاكم انتهى
قلت إن كان الحاكم أراد بكلامه هذا من الذكور فهو قريب من الصحة إلا أن دعوى إجماع
أصحاب التواريخ على ذلك ليس بجيد فإن عمر بن شبة منهم وقد ادعى أن خالد بن سعيد بن
العاص أسلم قبل على بن أبى طالب وهذا وإن كان الصحيح خلافه فإنما ذكرته لدعوى
الحاكم نفى الخلاف بين المؤرخين وهو إنما ادعى نفى علمه بالخلاف ولا اعتراض عليه
فى ذلك ومع دعواه ذلك فقد صحح أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال البالغين فقال بعد
ذلك والصحيح عند الجماعة أن أبا بكر الصديق أول من أسلم من الرجال البالغين لحديث
عمرو بن عنبسة يريد بذلك ما رواه مسلم فى صحيحه من حديث عمرو بن عنبسة فى قصة
إسلامه
309 وقوله للنبى
صلى الله عليه وسلم من معك على هذا
قال حر وعبد قال ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به وكان ينبغى للحاكم أن يقول
من الرجال البالغين الأحرار كما قال المصنف فى آخر كلامه فإن المعروف عند أهل
السير أن زيد بن حارثة أسلم قبل أبى بكر
والصحيح أن عليا أول ذكر أسلم وحكى ابن عبد البر الاتفاق عليه كما
سيأتى وقال ابن إسحاق فى السيرة أول
من آمن خديجة ثم على بن أبى طالب وكان أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين ثم زيد بن
حارثة فكان أول ذكر أسلم بعد على ثم أبو بكر فأظهر إسلامه إلى آخر كلامه وما ذكرنا
أنه الصحيح من أن عليا أول ذكر أسلم هو قول أكثر الصحابة أبى ذر وسلمان الفارسى
وخباب بن الأرت وخزيمة بن ثابت وزيد بن أرقم وأبى أيوب الأنصارى والمقداد بن
الأسود ويعلى بن مرة وجابر بن عبد الله وأبى سعيد الخدرى وأنس بن مالك وعفيف
الكندى وأنشد أبو عبيد الله المرزبانى لخزيمة بن ثابت
ما كنت أحسب هذا الأمر
منصرفا عن هاشم ثم منها عن أبى
الحسن أليس أول من صلى
لقبلتهم وأعلم الناس بالقرآن والسنن
وأنشد القضاعى لعلى رضى
الله عنه
سبقتكم إلى الإسلام
طرا صغيرا ما بلغت أوان حلمى
وأنشد ابن عبد البر
لبكر بن حمام التاهرتى
قل لابن ملجم والأقدار
غالبة هدمت ويلك للاسلام أركانا
قتلت أفضل من يمشى على
قدم وأول الناس إسلاما وإيمانا
وأنشد الفرغانى فى
الذيل لعبد الله بن المعتز يذكر عليا وسابقته
وأول من ظل فى
موقف يصلى مع الطاهر الطيب
وكان ابن المعتز يرمى
بأنه ناصبى والفضل ما شهدت به الأعداء
وذهب غير واحد من
الصحابة والتابعين إلى أن أول الصحابة إسلاما أبو بكر وهو قول ابن عباس فيما حكاه
المصنف عنه كما تقدم وحسان بن ثابت ورواه الترمذى أيضا عن أبى بكر نفسه من رواية
أبى نضرة عن أبى سعيد قال قال أبو بكر ألست أول من أسلم الحديث
310 ورواه أيضا من رواية أبى نضرة قال قال أبو
بكر قال وهذا أصح وإلى هذا ذهب إبراهيم النخعى والشعبى واستدل على ذلك بشعر حسان
كما رواه الحاكم فى المستدرك من رواية خالد بن سعيد قال سئل الشعبى من أول من أسلم
فقال أما سمعت قول حسان
إذا تذكرت شجوا من أخى
ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها
وأعدلها بعد النبى وأوفاها بما حملا
والثانى التالى المحمود
مشهده وأول الناس منهم صدق الرسلا
هكذا رواه الحاكم فى
المستدرك أن الشعبى هو المسئول عن ذلك وراه الطبرانى فى المعجم الكبير من هذا
الوجه فجعل ابن عباس هو المسئول فقال عن الشعبى قال سألت ابن عباس من أول من أسلم
قال أبو بكر أما سمعت قول حسان فذكره إلا أنه قال إلا النبى مكان بعد النبى وقد روى عن ابن عباس من طرق أن أول من أسلم
على رواه الترمذى من رواية أبى بلج عن عمر بن ميمون عن ابن عباس قال أول من صلى
على وقال هذا حديث غريب وروى الطبرانى بإسناد صحيح من رواية عبد الرزاق عن معمر عن
ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال أول من أسلم على ومن رواية عبد الرزاق أيضا عن
معمر عن عثمان الجزرى عن مقسم عن ابن عباس مثله وروى مرفوعا من حديثه وحديث أبى ذر
وسلمان رواه الطبرانى أيضا من رواية مجاهد عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال السبق ثلاثة السابق إلى موسى يوشع بن نون
والسابق إلى عيسى صاحب ياسين والسابق إلى محمد
صلى الله عليه وسلم على بن أبى
طالب وفى إسناده حسين الأشقر واسم أبيه الحسن كوفى منكر الحديث قاله أبو زرعة وقال
البخارى فيه نظر وروى الطبرانى أيضا
من رواية أبى سخيلة عن أبى ذر وعن سلمان قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد على فقال إن هذا أول من آمن بى الحديث
وفى إسناده إسماعيل بن موسى السدى قال ابن عدى أنكروا منه غلوه فى
التشيع وقال أبو حاتم صدوق وقال النسائى ليس به بأس
وروى الطبرانى أيضا من رواية
311 عليم الكندى عن سلمان قال أول هذه الأمة
ورودا على نبيها أولها إسلاما على بن أبى طالب رضى الله عنه وروى الطبرانى أيضا من رواية شريك عن أبى
إسحاق أن عليا لما تزوج فاطمة الحديث وفيه فقال النبى صلى الله عليه وسلم لقد زوجتكه وإنه لأول أصحابى سلما وأكثرهم علما
وأعظمهم حلما وهذا منقطع ورواه أحمد فى مسنده من وجه آخر من رواية نافع ابن أبى
نافع عن معقل بن يسار فى أثناء حديث قال عبد الله بن أحمد وجدت فى كتاب أبى بخط
يده فى هذا الحديث قال أما ترضين أن زوجتك أقدم أمتى سلما فذكره نافع ابن أبى نافع
هذا مجهول قاله على بن المدينى وجعله أبو حاتم نفيعا أبا داود أحد الهلكى وأما
المزى فجعله آخر ثقة تبعا لصاحب الكمال والأول هو الصواب وروى أحمد فى مسنده من
رواية حبة العرنى قال رأيت عليا عليه السلام يضحك على المنبر لم أره ضحك ضحكا أكثر
منه الحديث وفيه ثم قال اللهم لا أعترف أن عبدا من هذه الأمة عبدك قبلى غير نبيك
ثلاث مرات لقد صليت قبل أن يصلى الناس سبعا وروى أحمد أيضا من هذا الوجه عن على
قال أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وحبة بن جوين العرنى ضعفه
الجمهور وهو من غلاة الشيعة ووثقه العجلى وقد ورد عن ابن عباس أن خديجة أسلمت قبل
على رواه أحمد والطبرانى من رواية أبى بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس فذكر
فضايل لعلى ثم قال وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة وهذا إسناد جيد وأبو بلج وإن قال البخارى
فيه نظر فقد وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائى وابن سعد والدارقطنى وهذا يبين أنه
أراد بما تقدم نقله عنه من تقدم إسلام على أنه أراد من الذكور وقد نقل ابن عبد
البر الاتفاق عليه وجمع بين القولين الآخرين فى أبى بكر وعلى بما نذكره فقال
اتفقوا على أن خديجة أول من آمن ثم على بعدها ثم ذكر أن الصحيح أن أبا بكر أول من
أظهر إسلامه ثم روى عن محمد بن كعب القرظى أن عليا أخفى إسلامه من أبى طالب وأظهر
أبو بكر إسلامه ولذلك شبه على الناس وهذا وإن كان مرسلا ففى مسند أحمد من رواية
حبة العرنى عن على فى الحديث المتقدم فى ضحكه على المنبر أنه يذكر أبا طالب حين
اطلع عليه يصلى مع النبى صلى الله عليه
وسلم بنخلة الحديث وروى الطبرانى فى الكبير من رواية محمد بن
312 عبيد الله بن أبى رافع عن أبيه عن جده قال
صلى النبي صلى الله عليه وسلم غداة الإثنين وصلت خديجة يوم الإثنين من آخر
النهار وصلى على يوم الثلاثاء فمكث على يصلى مستخفيا سبع سنين وأشهرا قبل أن يصلى
أحد والتقييد بسبع سنين فيه نظر ولا يصح ذلك وفى إسناده يحيى بن الحميد الحمانى
وفى كلام ابن اسحق المتقدم نقله عنه ما يشير إلى هذا الجمع فإنه قال ثم أبو بكر
فأظهر إسلامه ففيه ما يشير إلى أن من أسلم قبله لم يظهر إسلامه وينبغى أن يقال إن
أول من آمن من الرجال ورقة بن نوفل لما ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة فى قصة بدء
الوحى ونزول اقرأ باسم ربك ورجوعه ودخوله على خديجة وفيه فانطلقت به
خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل فقالت له اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخى
ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه
وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس
الذى نزل الله على موسى يا ليتنى فيها جذعا الحديث إلى أن قال وإن يدركنى يومك
انصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحى ففى هذا أن الوحى تتابع فى
حياة ورقة وأنه آمن به وصدقه وقد روى
أبو يعلى الموصلى وأبو بكر البزار فى مسنديهما من رواية مجالد عن الشعبى عن جابر
بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة بن نوفل فقال ابصرته فى بطنان
الجنة عليه سندس لفظ أبى يعلى وقال البزار عليه حلة من سندس وروى البزار أيضا من
حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا تسبوا ورقة فإنى رأيت له جنة أو جنتين وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات
وقد ذكر ورقة فى الصحابة أبو عبد الله بن منده وقال اختلف فى إسلامه انتهى وما
تقدم من الأحاديث يدل على إسلامه والله أعلم
قوله آخرهم على الإطلاق موتا أبو الطفيل عامر بن واثلة مات سنة مائة
انتهى وقد اعترض عليه بأن عكراش بن
ذؤيب عاش بعد الجمل مائة سنة فيما حكاه ابن دريد فى الاشتقاق قلت هذا خطأ صريح ممن
زعم ذلك وابن دريد لا يرجع اليه فى ذلك وابن دريد أخذه من ابن قتيبة فانه حكى فى
المعارف هذه الحكاية التى حكاها ابن دريد
313 وابن قتيبة أيضا كثير الغلط ومع ذلك فالحكاية
بغير إسناد وهى محتملة لأنه إنما أراد أنه أكمل بعد ذلك مائة سنة وهو الظاهر فان
حاصل الحكاية المذكورة أنه حضر مع على وقعة الجمل وأنه مسح رأسه فعاش بعد ذلك مائة
سنة لم يشب فالظاهر أنه أراد أكمل مائة سنة
والصواب ما ذكره المصنف أن آخرهم موتا على الإطلاق أبو الطفيل ولم يختلف فى
ذلك أحد من أهل الحديث إلا قول جرير بن حازم أن آخر الصحابة موتا سهل بن سعد
والظاهر أنه أراد بالمدينة وأخذه من قول سهل حيث سمعه يقول لو مت لم تسمعوا أحدا
يقول قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم وانما كان خطابه هذا لأهل المدينة أو
أنه لم يطلق اسم الصحبة على أبى الطفيل فقد عده بعضهم فى التابعين وما ذكرناه من
أن أبا الطفيل آخرهم موتا جزم به مسلم بن الحجاج ومصعب بن عبد الله وأبو زكريا بن
منده وغيرهم وروينا فى صحيح مسلم بإسناده إلى أبى الطفيل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما على وجه الأرض رجل رآه غيرى وأما كون وفاته سنة مائة فروينا فى صحيح
مسلم من رواية إبراهيم بن محمد بن سفيان قال قال مسلم مات أبو الطفيل سنة مائة
وكان آخر من مات من أصحاب أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وكذا قال شباب
العصفرى فيما رواه الحاكم فى المستدرك أنه مات سنة مائة وكذا جزم به ابن عبد البر
وفى وفاته أقوال آخر أحدها أنه بقى إلى سنة عشر ومائة وهو الذى صححه الذهبى فى
الوفيات وروى وهب بن جرير ابن حازم عن أبيه قال كنت بمكة سنة عشر ومائة فرأيت
جنازة فسألت عنها فقالوا هذا أبو الطفيل والقول الثانى أنه توفى سنة سبع ومائة
وجزم به أبو حاتم ابن حبان وابن قانع وأبو زكريا بن منده والقول الثالث أنه توفى سنة اثنين ومائة قال
مصعب بن عبد الله الزبيرى وكيف يظن عاقل أنه يتأخر رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى بلد من البلاد أو حى من
أحياء العرب بعد الصحابة أجمعهم بثلاثين سنة فأكثر لا يقصده أحد من التابعين
والرواة والعلماء ولا يطلع عليه أحد من المحدثين وقد ادعى جماعة بعد ذلك أن لهم
صحبة وهم فى ذلك كاذبون فقصدوا لذلك وأخذ عنهم أفيكون عكراش بن ذؤيب الذى
314 حديثه فى السنن واجتماعه به صلى الله عليه وسلم وأكله معه مشهور ثم لا يطلع عليه أحد ولا ينقل
فى خبر صحيح ولا ضعيف أنه لقيه أحد أو أخذ عنه أو عرفت وفاته هذا مالا يحتمل وقوعه
بوجه من الوجوه والله أعلم قوله فآخر
من مات منهم بالمدينة جابر بن عبد الله رواه أحمد بن حنبل عن قتادة وقيل سهل بن
سعد وقيل السائب بن يزيد انتهى وفيه أمران أحدهما أن كلام المصنف يقتضى ترجيح
القول الأول لأنه صدر كلامه به من غير أن يقدم اسم قائله وهو قول ضعيف لأن السائب
بن يزيد تأخر بعده وقد مات بالمدينة بلا خلاف والذى عليه الجمهور أن آخرهم موتا
بها سهل بن سعد قاله على بن المدينى وإبراهيم بن المنذر الحرامى والواقدى ومحمد بن
سعد وأبو حاتم بن حبان وابن قانع وأبو زكريا بن منده ونقل ابن سعد الاتفاق على ذلك
فقال ليس بيننا اختلاف فى ذلك وفى حكاية الإتفاق نظر لأنه اختلف فى وفاته هل كانت
بالمدينة أم لا فقال قتادة أنه توفى بمصر ولذلك جعل قتادة آخرهم وفاة بالمدينة
جابرا وقال أبو بكر بن أبى داود أنه توفى بالأسكندرية ولذلك جعل آخرهم وفاة
بالمدينة السائب بن يزيد والجمهور على أنه مات بالمدينة الأمر الثانى قد تأخر بعد الثلاثة المذكورين
بالمدينة ومحمود بن الربيع محمود بن لبيد فأما محمود بن الربيع فهو الذى عقل من
النبى صلى الله عليه وسلم مجة مجها فى
وجهه كما رواه البخارى فى صحيحه واستدل بذلك على صحة سماع الصغير وتوفى محمود بن
الربيع سنة تسع وتسعين بتقديم التاء على السين فيهما وأما محمود بن لبيد الأشهلى
فقد ذكر البخارى وابن حبان أن له صحبة وتوفى محمود بن لبيد سنة ست أو خمس وتسعين
فقد تأخر كل منهما عن الثلاثة المذكورين قطعا فإن سهل بن سعد والسائب بن يزيد أكثر
ما قيل ما تأخر وفاتهما إلى سنة إحدى وتسعين وهو قول ابن حبان فيهما وقيل سنة ثمان
وثمانين وقيل قبل ذلك إلا أن مسلم بن الحجاج وجماعة عدوا محمود بن لبيد فى
التابعين فعلى هذا يكون آخر الصحابة موتا بالمدينة محمود بن الربيع والله أعلم
315 قوله وآخر من مات منهم بالبصرة أنس بن
مالك قال أبو عمر بن عبد البر ما أعلم أحدا مات بعده ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا الطفيل انتهى أقر المصنف كلام ابن عبد البر على هذا وفيه
نظر فإن محمود بن الربيع تأخر بعد أنس بلا خلاف فإنه توفى سنة تسع وتسعين كما تقدم
وقد ثبت فى صحيح البخارى أنه رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعقل عنه كما
تقدم وأيضا فقد ذكر أبو زكريا بن منده فى جزء له جمعه فى آخر من مات من الصحابة عن
عكرمة بن عمار قال لقيت الهرماس ابن زياد سنة اثنين ومائة وقد ذكر المصنف بعد هذا عن بعضهم أنه آخر
من مات من الصحابة باليمامة فإن ثبت قول عكرمة بن عمار فقد تأخر أيضا بعد أنس
وأيضا فقد ذكر أبو عبد الله بن منده وأبو زكريا بن منده أن عبد الله بن بسر
المازنى توفى سنة ست وتسعين وهكذا قال عبد الصمد بن سعيد فعلى هذا يكون تأخر بعد
أنس أيضا لكن المشهور فى وفاة عبد الله بن بسر أنها فى سنة ثمانى وثمانين وأيضا فقد روى الخطيب فى كتاب المتفق
والمفترق عن محمد بن الحسن الزعفرانى أن عمرو بن حريث توفى سنة ثمان وتسعين فإن
كان كذلك فقد بقى بعد أنس أيضا وقيل أن عمرو بن حريث توفى سنة خمس وثمانين فعلى
هذا يكون وفاته قبل أنس والله أعلم
قوله وتبسط بعضهم فقال آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر عبد الله بن الحرث بن
جزء الزبيدى إلى آخر كلامه هذا الذى أبهم المصنف
316 ذكره هو أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن
منده فإنه قال ذلك فى جزء جمعه فى آخر من مات من الصحابة وبقى على المصنف مما ذكره
ابن منده آخران من الصحابة بريدة ابن الحصيب والعداء بن خالد بن هودة فقال أبو
زكريا بن منده أن بريدة آخر من مات بخراسان من الصحابة وأن العداء بن هودة آخر من
مات بالرخج منهم والرخج بضم الراء وسكون الخاء المعجمة بعدها جيم من أعمال سجستان
فكان ينبغى للمصنف أن يذكر بقية كلامه
ولكن ما ذكره فى بريدة فيه نظر فإن بريدة توفى بخراسان سنة ثلاث وستين كما
قال محمد بن سعد وكذا قال أبو عبيد أنه مات سنة ثلاث وستين وعلى هذا فقد تأخر بعده
بخراسان أبو برزة الأسلمى قال خليفة بن خياط وافى أبو برزى خراسان ومات بها بعد
سنة أربع وستين وقال الواقدى ومحمد بن سعد غزا خراسان ومات بها وكذا قال الخطيب
وقيل مات بنيسابور وقيل مات فى مفازة بين سجستان وهراة وقيل مات بالبصرة حكى هذه الأقوال الحاكم فى تاريخ نيسابور
ومما لم يذكره ابن منده ولا ابن الصلاح أن النابغة الجعدى آخر من مات من الصحابة
بأصبهان وقد ذكره أبو الشيخ ابن حيان طبقات الأصبهانيين وأبو نعيم فى تاريخ أصبهان
فيمن توفى بأصبهان وأنه عاش مائة وعشرين سنة وذكر عمر بن شبة عن أشياخه أنه عاش
مائة وثمانين سنة وأنشد قوله لعمر ثلاثة أهلين افنيتهم فقال له عمر كم لبثت مع كل أهل
قال ستين سنة وقال ابن قتيبة عمر
مائتين وعشرين سنة ومات بأصبهان قال ابن عبد البر وهذا
317 أيضا لا يدفع لأنه قال فى الشعر الذى أنشده
عمر أنه أفنى ثلاثة قرون كل قرن ستين سنة فهذه مائة وثمانون سنة ثم عمر إلى زمن
ابن الزبير وإلى أن هاجا أوس بن معن ثم ليلى الأخيلية واسم النابغة قيس بن عبد الله بن عدس هذا
هو المشهور وبه جزم أبو نعيم فى تاريخ أصبهان والسمعانى فى الأنساب وقيل اسمه حيان
بن قيس بن عبد الله حكاه ابن عبد البر وآخر من مات بالطائف من الصحابة عبد الله بن
عباس وآخر من مات بسمرقند منهم قثم ابن العباس
النوع الموفى أربعين
معرفة التابعين
قوله قال الخطيب الحافظ
التابعى من صحب الصحابى قلت ومطلقه مخصوص بالتابعى بإحسان ويقال للواحد منهم تابع
وتابعى وكلام الحاكم أبى عبد الله وغيره مشعر بأنه يكفى فيه أن يسمع من الصحابى أو
يلقاه وإن لم توجد الصحبة العرفية
والإكتفاء فى هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه فى الصحابى نظرا إلى مقتضى
اللفظين فيهما انتهى وفيه أمور أحدها أن تقديم المصنف كلام الخطيب فى حد التابعى
على كلام الحاكم وغيره وتصديره به كلامه ربما يوهم ترجيحه على القول الذى بعده
وليس كذلك بل الراجح الذى عليه العمل قول الحاكم وغيره فلا في الإكتفاء بمجرد
الرؤية دون اشتراط الصحبة وعليه يدل عمل أئمة الحديث مسلم بن الحجاج وأبى حاتم بن
حبان وأبى عبد الله الحاكم وعبد الغنى بن سعيد وغيرهم وقد ذكر مسلم بن الحجاج فى
كتاب
318 كتاب الطبقات سليمان بن مهران الأعمش فى طبقة
التابعين وكذلك ذكره ابن حبان فيهم
وقال إنما أخرجناه فى هذه الطبقة لأن له لقيا وحفظا رأى أنس بن مالك وإن لم
يصح له سماع المسند عن أنس وقال على بن المدينى لم يسمع الأعمش من أنس إنما رآه
رؤية بمكة يصلى خلف المقام فأما طرق
الأعمش عن أنس فإنما يرويها عن يزيد الرقاشى عن أنس وقال يحيى بن معين كل ما روى الأعمش عن أنس
فهو مرسل وقد أنكر على أحمد بن عبد الجبار العطاردى حديثه عن فضيل عن الأعمش قال
رأيت أنسا بال فغسل ذكره غسلا شديدا ثم توضأ ومسح على خفيه فصلى بنا وحدثنا فى
بيته وقال الترمذى لم يسمع من أحد من الصحابة وأما رواية الأعمش عن عبد الله بن
أبى أوفى عن النبى صلى الله عليه
وسلم أنه قال الخوارج كلاب النار فهو مرسل
فقد قال أبو حاتم الرازى أنه لم يسمع من ابن أبى أوفى وهذا الحديث وإن رواه إسحق
الأزرق عنه هكذا كما رواه ابن ماجه فى سننه فقد رواه عبيد الله بن نمير عن الأعمش
عن الحسين بن واقد عن أبى غالب عن أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم وليس للأعمش رواية عن أحد
من الصحابة فى شئ من الكتب الستة الا هذا الحديث الواحد عند ابن ماجه وكذلك عد عبد
الغنى بن سعيد الأزدى الأعمش فى التابعين فى جزء له جمع فيه من روى من التابعين عن
عمرو بن شعيب وكذلك عد فيهم أيضا يحيى بن أبى كثير لكونه لقى أنسا وقد قال أبو
حاتم الرازى أنه لم يدرك أحدا من الصحابة إلا أنس بن مالك فانه رآه رؤية ولم يسمع
منه كذا قال البخارى وأبو زرعة قال أبو زرعة وحديثه عن أنس مرسل قلت فى صحيح مسلم روايته عن أبى أمامة عن
عمرو بن عنبسة لحديث إسلامه ولكن
319 مسلما قرن رواية يحيى بن أبى كثير مع رواية
شداد أبى عمار وكان اعتماد مسلم على رواية شداد فقط فانه قال فيه قال عكرمة ولقى
شداد أبا أمامة فذكره وسكت عن رواية يحيى بن أبى كثير عن أبى أمامة وهى بصيغة
العنعنة والله أعلم وذكر عبد الغنى بن
سعيد أيضا جرير بن حازم فى التابعين لكونه رأى أنسا وقد روى عن جرير أنه قال مات أنس ولى خمس
سنين وذكر عبد الغنى بن سعيد أيضا موسى بن أبى عائشة فى التابعين لكونه لقى عمرو
بن حريث وقال الحاكم أبو عبد الله فى
علوم الحديث فى النوع الرابع عشر هم طبقات خمس عشرة طبقة آخرهم من لقى أنس بن مالك
من أهل البصرة ومن لقى عبد الله من أبى أوفى من أهل الكوفى ومن لقى السائب بن يزيد
من أهل المدينة إلى آخر كلامه ففى
كلام هؤلاء الأئمة الاكتفاء فى التابعى بمجرد رؤية الصحابى ولقيه له دون اشتراط
الصحبة الا ان ابن حبان اشترط فى ذلك أن تكون رؤيته له فى سن من يحفظ عنه فان كان
صغيرا لم يحفظ عنه فلا عبرة برؤيته كخلف بن خليفة فانه عده فى اتباع التابعين وإن
كان رأى عمرو بن حريث لكونه كان صغيرا
وقال روى الترمذى فى الشمائل عن على بن حجر عن خلف بن خليفة قال رأيت عمرو
بن حريث صاحب النبى صلى الله عليه وسلم
وأنا غلام صغير وهذا إسناد صحيح وما اختاره ابن حبان له وجه يقدم مثله فى الرؤية
المقتضية للصحبة هل يشترط فيها التمييز أم لا
الأمر الثانى أن الخطيب وان كان قال فى كتاب الكفاية ما حكاه عنه المصنف من
أن التابعى من صحب الصحابى فانه عد منصور بن المعتمر من التابعين فى جزء له جمع
فيه رواية الستة من التابعين بعضهم عن بعض وذلك فى الحديث الذى رواه الترمذى
والنسائى من رواية منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن ربيع بن خيثم عن عمرو ابن
ميمون عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبى أيوب مرفوعا قل هو
الله أحد ثلث القرآن قال الخطيب منصور بن المعتمر له ابن أبى أوفى قلت وانما له رؤية له فقط دون الصحبة
والسماع
320 وقد ذكره مسلم وابن حبان وغيرهما فى طبقة
اتباع التابعين ولم أر من عده فى طبقة التابعين وقال النووى فى شرح مسلم ليس بتابعى ولكنه
من اتباع التابعين فقد عده الخطيب فى التابعين وان لم يعرف له صحبة لابن أبى أوفى
فيحمل قوله فى الكفاية من صحب الصحابى على أن المراد اللقى جمعا بين كلاميه والله
أعلم الأمر الثالث أن تعقب المصنف
لكلام الخطيب بقوله قلت ومطلقه مخصوص بالتابعى باحسان فيه نظر من حيث أنه إن أراد
بالإحسان أن لا يرتكب أمرا يخرجه عن الإسلام فهو كذلك وأهل الحديث وإن اطلقوا أن
التابعى من لقى أحدا من الصحابة فمرادهم مع الإسلام الا أن الإحسان أمر زائد على الإيمان
والإسلام كما فسره به النبى صلى الله عليه
وسلم فى سؤال جبريل له فى الحديث المتفق عليه وان أراد المصنف بالإحسان الكمال فى
الإسلام أو العدالة فلم أر من اشتراط ذلك فى حد التابعى بل من صنف فى الطبقات دخل
فيهم التقات وغيرهم والله أعلم قوله
عند ذكر سعيد بن المسيب وقد قال بعضهم لا تصح له رواية عن أحد من العشرة إلا سعد
بن أبى وقاص انتهى قلت هكذا أبهم المصنف قائل ذلك والظاهر أنه أخذ ذلك من قول
قتادة الذى رواه مسلم فى مقدمة صحيحه من رواية همام قال دخل أبو داود الأعمى على
قتادة فلما قام قالوا إن هذا يزعم أنه لقى ثمانية عشر بدريا
321 فقال قتادة هذا كان سائلا قبل الجارف لا يعرض
فى شئ من هذا ولا يتكلم فيه فوالله ما حدثنا الحسن عن بدرى مشافهة ولا حدثنا سعيد
بن المسيب عن بدرى مشافهة إلا عن سعد بن مالك انتهى وقد اختلف الأئمة فى سماعه من عمر فأنكر
صحة سماعه منه الجمهور كيحيى بن سعيد الأنصارى ويحيى بن معين وأبى حاتم الرازى
واثبت سماعه منه أحمد بن حنبل فقال قد رآه وسمع منه وقال يحيى بن معين رأى عمر
وكان صغيرا وقال أبو حاتم الرازى رآه على المنبر ينعى النعمان بن مقرن وأما سماعه
من عثمان وعلى فإنه ممكن غير ممتنع ولكن لم أر فى الصحيح التصريح بسماعه من واحد
منهما وذكر الحافظ أبو الحجاج المزى فى تهذيب الكمال أن روايته عنهما لفى الصحيحين
ولم أر له عنهما فى الصحيحين إلا قوله إن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك أى الاستلقاء
فى المسجد وحديثه قال اختلف على وعثمان رضى الله عنهما وهما بعسفان فى المتعة فقال
على ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله النبى
صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث لم
يعزه الحافظ أبو الحجاج المزى فى الأطراف إلى واحد من الشيخين بل عزاه النسائى فقط
وهو متفق عليه كما ذكرته ولم أر لسعيد فى الصحيح عن عمر وعثمان وعلى غير هذا من
غير تصريح بالسماع نعم روينا فى مسند
أحمد من رواية موسى بن وردان قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت عثمان رضى الله
عنه يقول وهو يخطب على المنبر كنت أبتاع التمر من بطن من اليهود يقال لهم بنو
قينقاع فابتعته بربح فبلغ ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال يا عثمان
إذا اشتريت فاكتل إذا بعت فكل ورواه البزار فى مسنده أيضا من هذا الوجه وفيه قال
سمعت عثمان يقول على المنبر كنت ابتاع التمر فأكتال فى أوعيتى ثم أهبط به إلى
السوق فأقول فيه كذا وكذا فآخذ ربحى وأخلى بينهم وبينه فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فقال إذا ابتعت فأكتل وإذا بعت فكل وموسى بن وردان وإن كان وثقه العجلى وأبو
داود فإن الحديث من رواية ابن لهيعة عنه قال البزار لانعلمه يروى عن عثمان إلا من
هذا الوجه بهذا الإسناد انتهى والحديث
رواه ابن ماجه فى سننه إلا أنه قال فيه عن عثمان لم يصرح بسماع سعيد منه والله
أعلم
322 وله حديث آخر فى المسند صرح بالسماع فيه
من عثمان قال فيه ورأيت عثمان قاعدا فى المقاعد فدعا بطعام مما مسته النار فأكله
ثم قام إلى الصلاة فصلى ثم قال عثمان قعدت مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلت طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصليت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده جيد قال فيه أحمد حدثنا الوليد بن مسلم
حدثنى شعيب أبو شيبة سمعت عطاء الخراسانى يقول سمعت سعيد بن المسيب يقول رأيت
عثمان وهؤلاء كلهم محتج بهم فى الصحيح إلا أبا شيبة وهو شعيب بن زريق المقدسى وقد
وثقه دحيم وابن حبان والدارقطنى وثبت سماعه من عثمان والله أعلم قوله الثانية المخضرمون من التابعين وهم
الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأسلموا ولا صحبة لهم واحدهم مخضرم بفتح الراء كأنه
خضرم أى قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغيرها انتهى هكذا اقتصر المصنف على أن المخضرم مأخوذ من
الخضرمة وهى القطع وأنه بفتح الراء والذى رجحه العسكرى فى اشتقاقه غير ما ذكره
المصنف فقال فى كتاب الأوائل المخضرمة من الإبل التى نتجت من العراب واليمانية
فقيل رجل مخضرم إذا عاش فى الجاهلية والإسلام قال وهذا أعجب القولين إلى
انتهى قلت فكأنه مأخوذ من الشئ
المتردد بين أمرين هل هو من هذا أو من هذا
قال الجوهرى لحم مخضرم بفتح الراء لا يدرى من ذكر هو أم أنثى قال والمخضرم
أيضا الشاعر الذى أدرك الجاهلية والإسلام مثل لبيد ورجل مخضرم النسب أى دعى وقال صاحب المحكم رجل مخضرم إذا كان نصف
عمره فى الجاهلية ونصفه فى الإسلام
ورجل مخضرم أبوه أبيض وهو أسود ورجل مخضرم ناقص الحسب وقيل هو الذى
323 ليس بكريم النسب وقيل هو الدعى وقيل المخضرم
فى نسبه المختلط من أطرافه وقيل هو الذى لا يعرف أبواه وقيل هو الذى ولدته السرارى
ثم قال ولحم مخضرم لا يدرى أمن ذكر هو أم أنثى وطعام مخضرم حكاه ابن الأعرابى ولم
يفسره قال وعندى أنه الذى ليس بحلو
ولا مر وماء مخضرم غير عذب عنه أيضا انتهى
فالمخضرم على هذا متردد بين الصحابة لإدراكه زمن الجاهلية والاسلام وبين
التابعين لعدم رؤية النبى صلى الله عليه
وسلم فهو متردد بين أمرين ويحتمل أنه من
النقص لكونه ناقص الرتبة عن الصحابة لعدم الرؤية مع إمكانها قال صاحب النهاية واصل
الخضرمة أن تجعل الشئ بين بين فإذا قطع بعض الأذن فهى بين الوافرة والناقصة قال
وكان أهل الجاهلية يخضرمون نعمهم فلما جاء الإسلام أمرهم النبى صلى الله عليه وسلم أن يخضرموا من غير الموضع الذى يخضرم منه أهل
الجاهلية قال ومنه قيل لكل من أدرك الجاهلية والإسلام مخضرم لأنه أدرك الخضرمتين
وروى أبو داود من حديث زبيب العنبرى أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم قد كنا أسلمنا وخضرمنا آذان النعم الحديث وقد
ضبط بعضهم المخضرمين بكسر الراء على الفاعلية فكأنهم كانوا إذا أسلموا خضرموا آذان
نعمهم ليعرف بذلك إسلامهم فلا يتعرض لهم
فعلى هذا هل يشترط فى حد المخضرم من حيث الإصطلاح أن يكون إسلامه فى حياة
النبى صلى الله عليه وسلم حتى لا يدخل فيهم من أدرك الجاهلية والإسلام ثم
أسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أولا يشترط وقوع إسلامه فى حياته بل ولو أسلم
بعده سمى مخضرما أطلق المصنف الإسلام ولم يقيده بحياته صلى الله عليه وسلم ويدل على ذلك أن مسلما رحمه
الله تعالى عد فى المخضرمين جبير بن نفير وإنما أسلم فى خلافة أبى بكر قاله أبو
حسان الزنادى ثم ما المراد بإدراك الجاهلية تقدم فى كلام صاحب المحكم أن نصف عمره
فى الجاهلية ونصفه فى الإسلام وهذا ليس بشرط فى المخضرم فى اصطلاح أهل الحديث ولم
يشترط أهل اللغة أيضا كونهم ليست لهم صحبة فالصحابة الذين عاشوا ستين فى الجاهلية
وستين فى الإسلام كحكيم بن حزام وحسان بن ثابت ومن تقدم ذكرهم معهم فى النوع الذى
قبله مخضرمون من حيث إصطلاح أهل الحديث ثم ما المرد بإدراك الجاهلية
324 ذكر النووى فى شرح مسلم عند قول مسلم
وهذا أبو عثمان النهدى وأبو رافع الصايغ وهما ممن أدركا الجاهلية أن معناه كانا
رجلين قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال والجاهلية ما قبل بعثة رسول
الله صلى الله عليه وسلم سموا بذلك لكثرة جهالاتهم انتهى وفيما قاله نظر والظاهر أن المراد بإدراك
الجاهلية إدراك قومه أو غيره على الكفر قبل فتح فإن العرب بادروا إلى الإسلام بعد
فتح مكة وزال أمر الجاهلية وخطب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فى الفتح
بإبطال أمور الجاهلية إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة الكعبة وقد ذكر مسلم فى المخضرمين يسير بن عمرو
وإنما ولد بعد زمن الهجرة وكان له عند موت النبى
صلى الله عليه وسلم دون العشر سنين فأدرك بعض زمن الجاهلية فى قومه والله
أعلم قوله وذكرهم مسلم فبلغ بهم عشرين
نفسا منهم أبو عمرو الشيبانى وسويد بن غفلة الكندى وعمرو بن ميمون الأودى وعبد خير
بن يزيد الخيوانى وأبو عثمان النهدى وعبد الرحمن بن مل وأبو الحلال العتكى ربيعة
بن زرارة وممن لم يذكره مسلم منهم أبو مسلم الخولانى عبد الله بن ثوب والأحنف بن
قيس انتهى اقتصر المصنف على ذكر ستة
ممن ذكرهم مسلم وزاد من عنده اثنين آخرين يشير بذلك إلى أن مسلما أهمل بعضهم فنذكر
أولا بقية العشرين الذين ذكرهم مسلم ثم نذكر زيادة عليه وعلى المصنف فأما بقية
الذين ذكرهم مسلم فهم شريح بن هانئ الحارثى والأسود بن يزيد النخعى والأسود بن
هلال المحاربى والمعرور بن سويد ومسعود ابن حراش أخو ربعى بن حراش ومالك بن عمير
وشبيل بن عوف الأحمسى وأبو رجاء العطاردى واسمه عمران بن ملحان وغنيم بن قيس ويكنى
أبا العنبر وأبو رافع الصائغ واسمه نفيع وخالد بن عبير العدوى وثمامة بن حزن
القشيرى وجبير بن نفير الحصرمى ويسير ويقال أسير بن عمرو وأهل البصرة يقولون ابن
جابر
325 هؤلاء الذين ذكرهم مسلم رحمه الله وممن
لم يذكره مسلم ولا المصنف أسلم مولى عمر وأويس بن عامر القرنى والوسط البجلى وجبير
بن الحويرث وحابس اليمانى وحجر ابن عنبس وشريح بن الحارث القاضى وأبو وائل شقيق بن
سلمة وعبد الله بن عكيم وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحى وعبد الرحمن بن غنم وعبد
الرحمن بن يربوع وعبيدة بن عمرو السلمانى وعلقمة بن قيس وقيس بن أبى حازم وكعب
الأحبار ومرة بن شراحيل الطبيب ومسروق بن الأجدع وأبو عنبة الخولانى وأبو فالج
الأنمارى ولا يعرف اسم واحد منهما قال
أبو أحمد الحاكم وقيل اسم أبى عنبة عبد الله وقيل اسمه عمارة وأبو عنبة وأبو فالج
كلاهما أكل الدم فى الجاهلية وكلاهما مختلف فى صحبته وكذلك اختلف فى صحبة بعض من
تقدمهما والصحيح أنه لا صحبة لمن ذكرناه وفى سنن ابن ماجه التصريح بسماع أبى عنبة
من النبى صلى الله عليه وسلم وأنه ممن صلى
معه القبلتين لكن بإسناد فيه جهالة
فهؤلاء عشرون نفرا من المخضرومين لم يذكرهم مسلم ولا المصنف والله أعلم
326 قوله وأعجبنى ما وجدته عن الشيخ أبى عبد
الله بن خفيف الزاهد الشيرازى فى كتاب له قال اختلف الناس فى أفضل التابعين فأهل
المدينة يقولون سعيد بن المسيب وأهل الكوفة يقولون أويس القرنى وأهلى البصرة
يقولون الحسن البصرى انتهى والصواب ما
ذهب إليه أهل الكوفة لما روى مسلم فى صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول إن خير التابعين رجل يقال له أويس الحديث وقد يحتمل ما ذهب إليه أهل المدينة
وأحمد أيضا من تفضيل سعيد بن المسيب على سائر التابعين أنهم أرادوا فضيلة العلم لا
الخيرية الواردة فى الحديث والله أعلم
327 قوله الخامسة روينا عن الحاكم أبى عبد
الله قال طبقة تعد فى التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة منهم إبراهيم بن
سويد النخعي وليس بإبراهيم بن زيد النخعى الفقيه وبكير بن أبى السميط وبكير بن عبد
الله بن الأشج وذكر غيرهم قال وطبقة عدادهم عند الناس فى اتباع التابعين التابعين
وقد لقوا الصحابة منهم أبو الزناد عبد الله ابن ذكوان لقى عبد الله بن عمر وانسا
إلى آخر كلامه ثم قال وفى بعض ما قاله مقال انتهى لم يبين المصنف الموضع الذى على
الحاكم فيه مقال وذلك فى موضعين أحدهما أن بكير بن عبد الله بن الأشج قد عده فى
التابعين عبد الغنى بن سعيد كما سيأتى فى النوع الآتى بعد هذا وقد روى عن جماعة من
الصحابة منهم ربيعة بن عباد والسائب بن يزيد ورايته عن ربيعة بن عباد فى المعجم
الكبير للطبرانى بإسناد جيد إليه أنه حدث عن ربيعة بن عباد قال رأيت أبا لهب بعكاظ
وهو يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحديث لكن لم أر فى شئ من حديثه التصريح بسماعه من أحد من الصحابة إلا أن النسائى روى فى سننه بإسناد على شرط
مسلم أن بكير بن عبد الله قال سمعت
328 محمود بن لبيد يقول أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات الحديث ومحمود
بن لبيد عده غير واحد فى الصحابة منهم أحمد فى مسنده وقال البخارى إن له صحبة وكذا قال ابن حبان
فى الصحابة وله فى مسند أحمد بإسناد صحيح قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا المغرب فى مسجدنا الحديث وفى المسند
أيضا بإسناد صحيح أنه عقل رسول الله صلى
الله عليه وسلم وعقل مجة مجها النبى صلى الله عليه وسلم من دلو كان فى دارهم والمعروف أن هذه القصة
لمحمود بن الربيع كما هو فى صحيح البخارى وقد عد مسلم محمود بن لبيد فى الطبقات من
التابعين وقال أبو حاتم الرازى لا
يعرف له صحبة وقال المزى فى الأطراف أنه لا يصح له صحبة ولا رؤية وهو معارض بما
ذكرناه من المسند والله أعلم والموضع
الثانى أن أبا الزناد لم يدرك ابن عمر كما قاله أبو حاتم الرازى والحاكم تبع فيما
ذكره خليفة بن خياط فإنه قال طبقة عدادهم عند الناس فى اتباع التابعين وقد لقوا
الصحابة منهم أبو الزناد قد لقى عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبا أمامة ابن سهل
بن حنيف انتهى وقول أبو حاتم لم يدرك بن عمر أى لم يدرك السماع منه فإن أبا الزناد
عاش ستا وستين سنة فقيل توفى فى سنة ثلاثين ومائة وقيل سنة اثنين وثلاثين ومات بن
عمر سنة اربع وسبعين أو سنة ثلاث وسبعين فعلى هذا أدرك من حياة بن عمر سبع سنين أو
ثمانيا أو تسعا على اختلاف الأقوال والله أعلم
النوع الحادى والأربعون
معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر
قوله وقد صح عن عائشة
رضى الله عنها أنها قالت أمرنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم انتهى جزم المصنف بصحة حديث
عائشة وفيه نظر فإن مسلما رحمه الله ذكره فى مقدمة صحيحه بغير إسناد بصيغة التمريض
فقال وقد
329 ذكر عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت أمرنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقد رواه أبو داود فى سننه فى افراده من
رواية ميمون بن أبى شبيب عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلوا الناس منازلهم ثم قال أبو داود بعد تخريجه ميمون بن أبى
شبيب لم يدرك عائشة فلم يسكت عليه أبو داود بل أعله بالانقطاع فلا يكون صحيحا عنده
ولكن المصنف تبع فى تصحيحه الحاكم فإنه قال فى علوم الحديث فى فى النوع السادس عشر
منه فقد صحت الرواية عن عائشة رضى الله عنها فذكره وليس فيه حجة للمصنف فإن المصنف
لا يرى ما انفرد الحاكم بتصحيحه صحيحا بل إن لم نجد فيه علة تقتضى رده حكمنا عليه
بأنه حسن ذكر ذلك عند ذكر ما رواه الحاكم بإسناده فى المستدرك وهذا لم يروه الحاكم فيه ولا فى علوم
الحديث وقد قال الحافظ أبو بكر البزار فى مسنده بعد أن خرجه من رواية ميمون بن أبى
شبيب عن عائشة هذا الحديث لا يعلم عن النبى
صلى الله عليه وسلم إلا من هذا
الوجه قال وقد روى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا انتهى قلت بل له وجه آخر
مرفوع يذكره بعد ذلك وكان المصنف لم يوافق أبا داود على الإنقطاع بين ميمون بن أبى
شبيب وبين عائشة فإنه قال فى كتاب التحرير فيما قاله أبو داود نظر فإنه كوفى متقدم
قد أدرك المغيرة بن شعبة ومات المغيرة قبل عائشة قال وعند مسلم التعاصر مع إمكان
التلاقى كاف فى ثبوت الإدراك فلو ورد عن ميمون أنه قال لم ألق عائشة استقام لأبى
داود الجزم بعد إدراكه وهيهات ذلك انتهى كلام المصنف فى التحرير وليس بجيد فإنه
وإن أدرك المغيرة وروى عنه فهو مدلس لا تقبل عنعنته بإجماع من لا يحتج بالمرسل فقد
أرسل عن جماعة من الصحابة وقد قال أبو حاتم الرازى فيما حكاه عنه ابنه فى الجرح
والتعديل روى عن أبى ذر مرسلا وعن على مرسلا وعن معاذ بن جبل مرسلا وقال عمرو بن على الفلاس لم أخبر أن أحدا
يزعم أنه سمع من أصحاب النبى صلى الله
عليه وسلم وقال على بن المدينى خفى علينا أمره وقال يحيى بن معين ضعيف نعم قال فيه
أبو حاتم الرازى صالح الحديث ذكره بن حبان فى الثقات ومع ذلك فلا يقتضى قبول
عنعنته والله أعلم ولم أر أحدا صرح
بسماعه من المغيرة ولكن المؤلف لما رأى مسلما روى فى مقدمة
330 صحيحه حديثه عن المغيرة بن شعبة عن
النبى صلى الله عليه وسلم من حدث عنى
بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين حمله على الاتصال اكتفاء بمذهب مسلم ومسلم
إنما رواه استشهادا بعد أن رواه من حديث ابن أبى ليلى عن سمرة وحكم عليه مسلم بأنه
مشهور والشهرة لا تلازم الصحة بل قد يكون المشهور صحيحا وقد يكون ضعيفا وأما الطريق الآخر الذى وعدنا بذكره فقد
رواه البيهقى فى كتاب الأدب والخطيب فى كتاب المتفق والمفترق من رواية أسامة بن
زيد عن عمرو بن مخراق عن عائشة هكذا رواه الخطيب من طريق الطبرانى فقال فيه عمرو
بن مخراق وإنما هو عمر بضم العين وهكذا رويناه فى الأدب للبيهقى فى الأصل وفى بعض
النسخ عمرو ولا أعلم روى عنه إلا
أسامه بن زيد الليثى وأيضا عمر بن مخراق وبين عائشة فيه رجل لم يسم قال البخارى فى التاريخ الكبير له عمر بن
مخارق عن رجل عن عائشة مرسل روى عنه أسامة بن زيد وكذا قال ابن أبى حاتم فى الجرح
والتعديل عن أبيه دون قوله مرسل وكذا رواه ابن حبان فى اتباع التابعين كذلك وعلى
هذا فلا يصح إسناده والله أعلم ويحتمل
أن الرجل الذى ابهمه عمر بن مخراق هو ميمون بن أبى شبيب فلا يكون له إلا وجه واحد
كما قال البزار وقد ورد من حديث معاذ بن جبل رواه الخرائطى فى كتاب مكارم الأخلاق
بلفظ أنزل الناس منازلهم من الخير والشر
331 قوله وكعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله
بن عمرو بن العاص لم يكن من التابعين وروى عنه أكثر من عشرين نفسا من التابعين
جمعهم عبد الغنى بن سعيد الحافظ فى كتيب له انتهى وفيه أمور أحدها ان جزم المصنف
بكون عمرو بن شعيب ليس من التابعين ليس بجيد فقد سمع من غير واحد من الصحابة سمع
من زينب بنت أبى سلمة ربيبة النبى صلى
الله عليه وسلم والربيع بنت معوذ بن عفراء وهما صحابيتان وكأن المصنف أخذ ذلك من
الذى ذكره بعد هذا أنه قرأه بخط الحافظ أبى محمد الطبسى قال عمرو بن شعيب ليس
بتابعى كذا كناه ابن الصلاح أبا محمد وانما هو أبو الفضل محمد ابن أبى جعفر الطبسى
هكذا كناه وسماه الحافظ أبو سعد السمعانى فى الأنساب ووصفه بالحافظ صاحب التصانيف
الكثيرة كتب عن الحاكم أبى عبد الله وأبى طاهر بن محمش الزيادى إلى أن قال وكانت
وفاته فى حدود سنة ثمانين وأربعمائة بطبس وهى بين نيسابور وأصبهان وكرمان ولم يفتح
من زمان عمر من خراسان سواها وقد سبق الطبسى إلى ذلك أبو بكر محمد بن الحسن بن
محمد النقاش المصرى المفسر وهو ضعيف قال الدارقطنى سمعت أبا بكر النقاش يقول عمرو بن
شعيب ليس من التابعين
232 وقد روى عنه عشرون من التابعين قال
الدارقطنى فتتبعت ذلك فوجدتهم أكثر من عشرين
قال الحافظ أبو الحجاج المزى فى التهذيب بعد حكايته لذلك وكأن الدارقطنى قد
وافقه على أنه ليس من التابعين وليس كذلك ثم ذكر سماعه من الربيع بنت معوذ وزينب
ابنة أبى سلمة الأمر الثانى أن قول
المصنف روى عنه أكثر من عشرين نفسا من التابعين جمعهم عبد الغنى بن سعيد الحافظ فى
كتيب له ليس بجيد فإن عبد الغنى عدهم فى الجزء المذكور أربعين نفسا إلا واحدا وهذه
أسماؤهم مرتبين على الحروف إبراهيم بن ميسرة وأيوب السختيانى وبكير بن الأشج وثابت
البنانى وجرير بن حازم وحبيب بن أبى موسى وجرير بن عثمان الرحبى والحكم بن عتيبة
وحميد الطويل وداود بن قيس وداود بن أبى هند والزبير بن عدى وسعيد بن أبى هلال
وأبو حازم سلمة بن دينار وأبو أسحاق الشيبانى وابنه سليمان بن أبى سليمان وسليمان
بن مهران الأعمش وعاصم الأحول قال عبد
الغنى بن سعيد وفيه نظر وعبد الله بن عون وعبد الله بن أبى مليكة وعبد الرحمن بن
حرملة وعبد العزيز بن رفيع وعبد الله بن عمر العمرى وعطاء بن أبى رباح وعطاء بن السائب
وعطاء الخراسانى وعلى بن الحكم البنانى وعمرو بن دينار وأبو إسحق السبيعى واسمه
عمرو بن عبد الله وقتادة وأبو الزبير محمد بن مسلم ومحمد بن مسلم الزهرى ومطر
الوراق ومكحول وموسى بن أبى عائشة وهشام بن عروة ووهب بن منبه ويحيى بن سعيد ويحيى
بن أبى كثير ويزيد بن أبى حبيب وقال عبد الغنى بن سعيد بعد أن روى حديث يزيد بن
أبى حبيب هو بيزيد بن الهاد أشبه
الأمر الثالث أنه قد روى عنه جماعة كثيرون من التابعين غير هؤلاء لم يذكرهم
عبد الغنى وهم ثابت بن عجلان وحسان بن عطية وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى
الطائفى وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج والعلاء بن الحرث الشامى ومحمد بن إسحاق
ابن يسار ومحمد بن جحادة ومحمد بن عجلان وأبو حنيفة النعمان بن ثابت وهشام بن
الغاد ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ويعقوب بن عطاء بن أبى رباح فهؤلاء
زيادة على الخمسين من التابعين قد رووا عنه
وقد حكى المصنف عقب هذا عن الطبسى أنه روى عنه نيف وسبعون من التابعين
والله أعلم
233 النوع الثانى والأربعون معرفة المدبج وما
عداه من رواية الأقران بعضهم عن بعض
قوله اعلم أن رواية
القرين عن القرين تنقسم فمنها المدبج وهو أن يروى القرينان كل واحد منهما عن الآخر
انتهى
وفيه أمران أحدهما أن
تقييد المصنف للمدبج بالقرينين إذا روى كل واحد منهما عن الآخر تبع فيه الحاكم فى
علوم الحديث فإنه قال فى علوم الحديث فى النوع السادس والأربعين منه رواية الأقران
وإنما القرينان إذا تقارب سنهما وإسنادهما وهو على ثلاثة أجناس فالجنس الأول منه
الذى سماه بعض مشايخنا المدبج وهو أن يروى قرين عن قرينه ثم يروى ذلك القرين عنه
فهو المدبج انتهى وما قصره الحاكم
وتبعه ابن الصلاح على أن المدبج رواية القرينين ليس على ما ذكراه وإنما المدبج أن
يروى كل من الراويين عن الآخر سواء كانا قرينين أم كان أحدهما أكبر من الآخر فيكون
رواية أحدهما عن الآخر من رواية الأكابر عن
334 الأصاغر فإن الحاكم نقل هذه التسمية عن بعض
شيوخه من غير أن يسميه والمراد به الدارقطنى فإنه أحد شيوخه وهو أول من سماه بذلك
فيما أعلم وصنف فيه كتابا حافلا سماه المدبج فى مجلد وعندى به نسخة صحيحة ولم
يتقيد فى ذلك بكونهما قرينين فإنه ذكر فيه رواية أبى بكر عن النبى صلى الله عليه وسلم ورواية النبى
صلى الله عليه وسلم عن أبى بكر
ورواية عمر عن النبى صلى الله عليه
وسلم وروايته صلى الله عليه وسلم عن عمر رضى الله عنه ورواية سعد بن عبادة عن
النبى صلى الله عليه وسلم وروايته عن سعد
وذكر فيه أيضا رواية الصحابة عن التابعين الذين رووا عنهم كرواية عمر عن كعب
الأحبار ورواية كعب عن عمر ورواية ابن مسعود عن ذر عنهم كرواية عمر عن كعب الأحبار
ورواية كعب عن عمر ورواية ابن مسعود عن ذر ابن حبيش ورواية زر عن عنه ورواية ابن
عمر عن عطية العوفى وبكر بن عبد الله المزنى ورواية كل منهما عن ابن عمر ورواية
ابن عباس عن عمرو بن دينار وأبى سلمة ابن عبد الرحمن وعكرمة مولاه ورواية كل من
الثلاثة عن ابن عباس ورواية أبى سعيد الخدرى عن أبى نضرة العبدى ورواية أبى نضرة
عنه ورواية أنس بن مالك عن بكر ابن عبد الله المزنى ورواية بكر عنه وذكر فيه أيضا
رواية التابعين عن أتباع التابعين كرواية عبد الله بن عون ويحيى بن سعيد الأنصارى
عن مالك ورواية مالك عن كل منهما ورواية عمرو بن دينار وأبى إسحاق السبيعى وسليمان
بن مهران الأعمش عن سفيان بن عيينة ورواية ابن عيينة عن كل من الثلاثة ورواية أبى
إسحق السبيعى عن ابنه يونس بن أبى إسحق ورواية يونس عن أبيه وذكر فيه أيضا رواية
أتباع أتباع التابعين عن أتباع الأتباع كرواية معمر عن عبد الرزاق ورواية عبد
الرزاق عن معمر وكذلك ذكر فيه رواية عبد الرزاق عن أحمد بن حنبل وعلى بن المدينى
ويحيى بن معين وروايتهم عنه وكذلك ذكر فيه رواية أحمد عن أبي داود السجستاني وعن
ابنه عبد الله بن أحمد ورواية كل منهما عن أحمد وغير ذلك فهذا يدل على المدبج لا
يختص بكون الراويين الذين روى كل منهما عن الآخر قرينين بل الحكم أعم من ذلك والله
أعلم الأمر الثانى ما المناسبة
المقتضية لتسمية هذا النوع بالمدبج ومن أى شئ اشتقاقه ولم أر من تعرض لذلك إلا أن
الظاهر أنه سمى بذلك لحسنه فإن المدبج لغة هو المزين قال صاحب المحكم الدبج النقش والتزيين فارسى
معرب قال وديباجه الوجه حسن بشرته
335 ومنه تسميه ابن مسعود الحواميم ديباج القرآن
وإذا كان هذا منه فان الإسناد الذى يجتمع فيه قرينان أو أحدهما أكبر والآخر من
رواية الأصاغر عن الأكابر إنما يقع ذلك غالبا فيما إذا كانا عالمين أو حافظين أو
فيهما أو فى أحدهما نوع من وجوه الترجيح حتى عدل الراوى عن العلو للمساواة أو
النزول لأجل ذلك فحصل للإسناد بذلك تحسين وتزيين كرواية أحمد بن حنبل عن يحيى بن
معين ورو4اية ابن معين عن أحمد وإنما يقع رواية الأقران غالبا من أهل العلم
المتميزين بالمعرفة ويحتمل أن يقال إن القرينين الواقعين فى المدبج فى طبقة واحدة
بمنزلة واحدة فشبها بالخدين فان الخدين يقال لهما الديباجتان كما قاله صاحبا
المحكم والصحاح وهذا المعنى يتجه على ما قاله الحاكم وابن الصلاح أن المدبج مختص
بالقرينين ويحتمل أنه سمى بذلك لنزول الإسناد فإنهما إن كانا قرينين نزل كل منهما
درجة وان كان من رواية الأكابر عن الأصاغر نزل درجتين وقد روينا عن يحيى بن معين
قال الإسناد النازل قرحة فى الوجه وروينا عن على بن المدينى وأبى عمرو المستملى
قالا النزول شؤم فعلى هذا لا يكون المدبج مدحا له ويكون ذلك من قولهم رجل مدبج
قبيح الوجه والهامه حكاه صاحب المحكم وفيه بعد والظاهر أنه إنما هو مدح لهذا النوع
أو يكون من الاحتمال الثانى والله أعلم
قوله وذكر الحاكم فى هذا رواية أحمد عن عبد الرزاق ورواية عبد الرزاق عن
أحمد وليس هذا بمرض انتهى قلت والحاكم إنما تبع فى ذلك شيخه أبا الحسن الدارقطنى
الذى سمى هذا النوع بهذا الاسم ووضع فيه مصنفا كما تقدم ولم يخص ذلك بالأقران فلا
اعتراض حينئذ على الحاكم قوله ومنها
غير المدبج وهو أن يروى أحد القرينين عن الآخر ولا يروى الآخر عنه فيما نعلم مثاله
رواية سليمان التيمى عن مسعر وهما قرينان ولا يعلم لمسعر رواية عن التيمى ولذلك
أمثال كثيرة انتهى وفيه أمران أحدهما أن هذا المثال الذى ذكره
336 المصنف ليس بصحيح وهو من القسم الأول وهو
المدبج فقد روى مسعر أيضا عن سليمان التيمى كما ذكره الدارقطنى فى كتاب المدبج ثم
روى من رواية الحكم بن مروان حدثنا مسعر عن أبى المعتمر وهو سليمان التيمى عن امرأة
يقال لها أم خداش قالت رأيت على بن أبى طالب يصطبغ بخل خمرة الأمر الثانى أن المصنف أشار إلى بقية
الأسئلة لذلك بقوله ولذلك أمثلة كثيرة فينبغى أن يذكرههنا مثالا صحيحا لهذا القسم الثانى وقد ذكر الحاكم فى علوم
الحديث لذلك أمثلة أربعة أحدها هذا الذى ذكره المصنف والثانى رواية زائدة بن قدامة
عن زهير بن معاوية قال الحاكم زائدة بن قدامة وزهير بن معاوية قرينان إلا أنى لا
أحفظ لزهير عن زائدة رواية والمثال الثالث رواية يزيد بن عبد الله بن أسامة بن
الهاد عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف قال الحاكم يزيد بن عبد
الله بن أسامة بن الهاد وإن كان أسند وأقدم من ابراهيم بن سعد بن ابراهيم فإنهما
فى أكثر الأسانيد قرينان ولا أحفظ لإبراهيم بن سعد عنه رواية انتهى قلت بل قد روى عنه إبراهيم بن سعد وروايته
عنه فى صحيح مسلم وسنن النسائى والله أعلم
والمثال الرابع رواية سليمان بن طرخان التيمى عن رقبة بن مصقلة قال الحاكم
سليمان بن طرخان ورقبة بن مصقلة قرينان ولا أحفظ لرقبة عنه رواية انتهى قلت بل قد
روى رقبة عن سليمان التيمى كما ذكره الدارقطنى فى كتأب المدبج ثم روى له من رواية
أبى عوانة عن رقبة عن سليمان التيمى عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم قال يا حبذا المتخللون من أمتى والحديث رواه الطبرانى فى المعجم الأوسط
فجعله من رواية رقبة عن أنس من غير ذكر سليمان التيمى فلم يصح من هذه الأمثلة
الأربعة التى ذكرها الحاكم إلا المثال الثانى فقط وهو رواية زائدة بن قدامة عن
زهير ابن معاوية والأمثلة الثلاثة الذى اقتصر عليه ابن الصلاح واللذان زادهما
الحاكم حقها أن تذكر فى القسم الأول وهو المدبج كما فعل الدارقطنى والله أعلم
337 النوع الثالث والأربعون معرفة الإخوة
والأخوات
قوله ومن التابعين عمرو
بن شرحبيل أبو ميسرة وأخوة أرقم بن شرحبيل كلاهما من أفاضل أصحاب ابن مسعود هزيل
بن شرحبيل وأرقم بن شرحبيل أخوان آخران من أصحاب ابن مسعود أيضا انتهى
هذا الذى ذكره المصنف
من كون أرقم ابن شرحبيل اثنين أحدهما أخو عمرو بن شرحبيل والآخر أخو هزيل بن
شرحبيل ليس بصحيح وأرقم بن شرحبيل واحد وإنما اختلف كلام التاريخيين والنسابين هل
الثلاثة إخوة وهم عمرو بن شرحبيل وأرقم بن شرحبيل وهزيل بن شرحبيل أو أن أرقم
وهزيلا أخوان وليس عمرو أخا لهما فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى الأول قال هم ثلاثة
إخوة والصحيح الذى عليه الجمهور أن أرقم وهزيلا أخوان فقط وهو الذى اقتصر عليه
البخارى فى التاريخ الكبير وابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل وحكاه عن أبيه أبى
حاتم وعن أبى زرعة وكذلك ابن حبان فى الثقات واقتصر عليه الحاكم أيضا فى علوم
الحديث فى النوع السادس والثلاثين وكذلك اقتصر المزى فى تهذيب الكمال
338 على أن أرقم وهزيلا أخوان ذكر ذلك فى ترجمة
أرقم وترجمة هزيل ولم يتعرض فى ترجمة عمرو لشئ من ذلك وما ذكره ابن عبد البر من
كونهم الثلاثة إخوة ليس بجيد فإن عمرو بن شرحبيل همدانى وهزيل وأخوه أرقم أوديان
ولا تجتمع همدان الكبرى ولا همدان الصغرى مع أود أما همدان الكبرى فينتسبون إلى
همدان فهو أوسلة ابن مالك بن زيد أو سلة بن ربيعة بن الجبار بن ملكان وقيل مالك بن
زيد بن كهلان وأما همدان الصغرى فينتسبون إلى همدان بن زياد بن حسان بن سهل بن زيد
بن عمرو ابن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس وأما الذى ينسب إليه هزيل وأرقم أبنا
شرحبيل الأوديان فهو أود بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج ولا يجتمع مع همدان
فالصواب قول الجمهور والله أعلم وعلى
كل فما ذكره المصنف ليس موافقا لقول الجمهور ولا لقول ابن عبد البر قوله ومن أمثلة الخمسة ما نرويه عن الحاكم
أبى عبد الله قال سمعت أبا على الحسين ابن على الحافظ غير مرة يقول آدم بن عيينة
وعمران بن عيينة ومحمد بن عيينة وسفيان ابن عيينة وإبراهيم بن عيينة حدثوا عن
آخرهم انتهى اقتصر المؤلف على كونهم خمسة وهؤلاء هم المشهورون من أولاد عيينة وإلا
فقد ذكر غير واحد أنهم عشرة منهم عبد الغنى ابن سرور وقد سمى لنا منهم سبعة الخمسة
المذكورون ولم يذكر ابن أبى حاتم فى الجرح والتعديل غيرهم واقتصر البخارى فى
التاريخ الكبير على ذكر أربعة منهم فلم يذكر آدم والسادس أحمد بن عيينة ذكره
الدارقطنى وابن ماكولا والسابع مخلد بن عيينة ذكره أبو بكر بن المقرى عن بعض أولادهم
قال ابن المقرى سمعت أبا العباس أحمد ابن زكريا بن يحيى بن الفضل بن سفيان بن
عيينة بن ميمون الهلالى يقول سفيان ابن عيينة ومحمد بن عيينة وإبراهيم بن عيينة
وعمران بن عيينة ومخلد بن عيينة إخوة
فإن قيل إنما اقتصر المصنف على الخمسة المذكورين لكونهم الذين حدثوا منهم
دون الباقين كما حكاه المزى فى التهذيب عن بعضهم فقال وقيل كان بنو عيينة عشرة
إخوة خزازين حدث منهم خمسة فذكرهم قلنا وقد حدث أحمد بن عيينة أيضا قال الدارقطنى
فى المؤتلف والمختلف عيينة بن أبى عمران الهلالى والد سفيان وإبراهيم وعمران وآدم
ومحمد وأحمد بن عيينة المحدثون وكذا ذكرهم ابن ماكولا فى الإكمال قال وكلهم محدثون
339 قوله ومثاله الستة أولاد سيرين ستة
تابعيون وهم محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة ثم حكى أن الحاكم ذكر فى تاريخه
عن شيخه أبى على الحافظ أنه ذكر فيهم خالد بن سيرين ولم يذكر كريمة وذكر أن أصغرهم
حفصة بنت سيرين انتهى وفيه أمران أحدهما أنه قد اعترض على المصنف بأنهم عشرة أنس
وخالد ومحمد ومعبد ويحيى وحفصة وسودة وعمرة وكريمة وأم سليم فإن ابن سعد ذكر فى
الطبقات عمرة بنت سيرين وسودة بنت سيرين أنهما أم ولد كانت لأنس بن مالك وذكر أيضا
أم سليم فى خمسة من ولد سيرين منهم محمد أمهم صفية والجواب عنه أن المشهور ما ذكره
المصنف من أنهم ستة وأما السابع فهو خالد فإن المصنف قد ذكره فلا يرد عليه مع أنى
لم أجد له رواية ولم أقف له على ترجمة
وقال محمد بن أحمد بن محمد بن أبى بكر المقدمى خالد بن سيرين لم يخرج
حديثه وأما الطبرانى فقال كلهم قد
حدثوا بعد أن عد فيهم خالد بن سيرين وأما عمرة وأم سليم وسودة فلم أر من ذكر لهن
رواية فلا يردن على المصنف الأمر
الثانى أن ما قاله الحافظ أبو على النيسابورى من أن أصغرهم حفصة بنت سيرين وسكت
عليه المصنف ليس بجيد وإنما أصغرهم أنس بن سيرين كما قاله عمرو ابن على الفلاس وهو
الصواب فإن المشهور أنه ولد لست بقيت من خلافة عثمان وبه صدر المزى كلامه وتوفى فى
قول أحمد بن حنبل ومحمد بن أحمد المقدمى سنة عشرين ومائة قال أحمد وهو ابن ست
وثمانين سنة وقال الذهبى فى العبر خمس وثمانون سنة فعلى هذا يكون مولده سنة أربع وثلاثين وأما
حفصة فإنها توفيت سنة إحدى ومائة
340 وعاشت إما سبعين سنة وإما تسعين سنة بتقديم
المثناة وعلى كل تقدير فهى أكبر من أنس بن سيرين والله أعلم وقال ابن سعد فى أواخر الطبقات أخبرنا بكار
بن محمد من ولد محمد بن سيرين قال كانت حفصة بنت سيرين أكبر ولد سيرين من الرجال
والنساء من ولد صفية وكان ولد صفية محمدا ويحيى وحفصة وكريمة وأم سليم قوله وقد روى عن محمد عن يحيى عن أنس بن
مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لبيك حقا حقا تعبدا ورقا قال وهذه غريبة عايا بها بعضهم فقال أى ثلاثة إخوة روى
بعضهم عن بعض انتهى قلت وزاد بعضهم فى
هذا الإسناد معبد بن سيرين فاجتمع فيه أربعة أخوة يروى بعضهم عن بعض ذكره محمد بن
طاهر المقدسى فى تخريجه لأبى منصور عبد المحسن ابن محمد بن على الشيرازى فقال روى
هذا الحديث محمد بن سيرين عن أخيه يحيى عن أخيه معبد عن أخيه أنس بن سيرين ولكن
المشهور ما ذكره المصنف من كونهم ثلاثة وكذلك رواه الدارقطنى فى كتاب العلل من
رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أخيه يحيى عن أخيه أنس عن أنس بن مالك إلا
أنه قال حجا حقا ولا نعرف ليحيى ابن سيرين رواية عن أخيه معبد ولا لمعبد رواية عن
أخيه أنس قال على بن المدينى لم يرو عن معبد إلا أخوه أنس كذا قال وقد روى عنه
أيضا أخوه محمد وروايته عنه فى الصحيحين وقد جعله بعضهم من رواية ابنين من ولد
سيرين رواه أبو بكر البزار فى مسنده من رواية هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أخيه
يحيى عن أنس بن مالك وذكر الدارقطنى
فى العلل الاختلاف فيه وقال إن الصحيح ما رواه حماد بن زيد ويحيى القطان عن يحيى
بن سيرين عن أنس بن مالك قوله وفعله
قوله ومثال السبعة النعمان بن مقرن وإخوته معقل وعقيل وسويد وسنان وعبد
الرحمن وسابع لم يسم لنا بنو مقرن المزينون سبعة إخوة هاجروا وصحبوا رسول الله
341 صلى الله عليه وسلم ولم يشاركهم فيما ذكره ابن عبد البر وجماعة فى
هذه المكرمة سواهم انتهى وفيه أمران أحدهما أنه قد سمى لنا سابع وثامن وتاسع وهم
نعيم بن مقرن وضرار بن مقرن وعبد الله بن مقرن فأما نعيم فذكره ابن عبد البر فى الاستيعاب
فقال نعيم بن مقرن أخو النعمان ابن مقرن خلف أخاه حين قتل بنهاوند وكانت على يديه
فتوح كثيرة وهو واخوته من جلة الصحابة وأما ضرار بن مقرن فذكره الحافظ أبو بكر
محمد بن خلف بن سليمان ابن خلف بن فتحون فى ذيله على الاستيعاب وإن خالد بن الوليد
لما دخل الحيرة فى أيام أبى بكر أمر ضرارا هذا على جماعة من المسلمين وقال ذكره
الطبرى وسيف وأما عبد الله بن مقرن
فذكره بن فتحون أيضا فى ذيله على الاستيعاب وقال إنه كان على ميسرة أبى بكر رضى
الله عنه فى خروجه لقتال أهل الردة إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ذكره الطبرى وسيف وذكره ابن منده وأبو
نعيم أيضا فى معرفة الصحابة وهذا يدل على انهم أكثر من سبعة وقد قال الطبرى انهم
كانوا عشرة إخوة انتهى وإنما اشتهر
كونهم سبعة لما روى مسلم فى صحيحه من حديث سويد بن مقرن قال لقد رأيتنى سابع سبعة
من بنى مقرن ما لنا خادم إلا واحدة فلطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها ويحتمل أن من أطلق كونهم سبعة أراد من هاجر
منهم قال مصعب بن الزبير هاجر النعمان ومعه سبعة اخوة وسمى ابن عبد البر فى
الاستيعاب منهم ستة وهم سنان وسويد وعقيل ومعقل والنعمان ونعيم وسمى ابن فتحون فى
ذيله الباقين وهم ضرار وعبد الله وعبد الرحمن وقال إن عبد الرحمن ذكره فى الصحابة
الطبرى وابن السكن والله أعلم الأمر
الثانى أن ما حكاه المصنف عن ابن عبد البر وجماعة من انقراد بنى مقرن
342 بهذه المكرمة من كونهم السبعة هاجروا وصحبوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن عبد البر فى الاستيعاب فى ترجمة معقل
بن مقرن فقال وليس ذلك لأحد من العرب سواهم قاله الواقدى ومحمد بن عبد الله بن
نمير انتهى وفيما قالوه نظر فإن أولاد
الحارث بن قيس السهمى كلهم هاجر وصحب النبى
صلى الله عليه وسلم وعدهم ابن إسحق
فيمن هاجر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة سبعة لم يعد فيهم تميما ولا حجاجا الآتى
ذكرهما وقد تتبعت أسماءهم فوجدتهم تسعة بتقديم المثناة وهم بشر وتميم والحارث
والحجاج والسائب وسعيد وعبد الله ومعمر وأبو قيس أولاد الحارث بن قيس السهمى وسمى
الكلبى معمر بن الحرث معبدا والمشهور الأول وقد ذكر ابن عبد البر فى الاستيعاب
التسعة المذكورين كل واحد فى موضعه وأنهم هاجروا إلى أرض الحبشة وقال فى ترجمة
سعيد بن الحارث هاجر هو واخوته كلهم إلى أرض الحبشة فهؤلاء تسعة إخوة هاجروا
وصحبوا النبى صلى الله عليه وسلم وهم أشرف نسبا فى الجاهلية والإسلام وزادوا على
بقية الإخوة بأن استشهد منهم سبعة فى سبيل الله فقتل تميم والحرث والحجاج بأجنادين
وقتل سعد يوم اليرموك وقتل السائب يوم فحل وقيل يوم الطايف وقتل عبد الله يوم
الطايف وقيل باليمامة ا وقال الطبرى إنه مات بالحبشة مهاجرا فى زمنه صلى الله عليه وسلم وقتل أبو قيس يوم اليمامة واعترض الحافظ أبو
بكر محمد بن خلف بن فتحون على ابن عبد البر فى هذا الإطلاق فى التبيه على ما أوهمه
ابن عبد البر أو وهم فيه بأن معاوية بن الحكم السلمى واخوته الستة فى مثل عددهم
وفضيلتهم ثم روى من طريق أبى على بن السكن بإسناده إلى معاوية بن الحكم قال وفدت
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وستة إخوة لى فأبرز على بن الحكم فرسه
خندقا فقصرت الفرس فدق جدار الخندق ساقه فأتينا به النبى صلى الله عليه وسلم فمسح ساقه فما نزل عنها حتى
برأ فقال معاوية بن الحكم فى قصيدة
فأنزلها على فهوى
تهوى هوى الدلو تنزعه برجل
ففضت رجله فسما
عليها سمو الصقر صادف يوم طل
فقال محمد صلى
عليه مليك الناس قولا غير فعل
لعا لك فاستمر بها
سويا وكانت بعد ذاك أصح رجل
343 قلت والحديث رواه الطبرانى فى المعجم
الكبير مع اختلاف فى إيراد الشعر وفى غيره ولم يقل فيه إنه وفد معه ستة إخوة وأيضا
ففى إسناده جهالة وأيضا فلم يقل فيه إنهم هاجروا حتى يعدوا مهاجرين فعلهم وفدوا
عام قدوم الوفود ولا هجرة بعد الفتح وأيضا فلم تعرف بقية أسمائهم وإنما سمى منهم
معاوية وعلى عمران كان مالك حفظه وإلا فقد قال على بن المدينى والبخارى إن مالكا
وهم فى قوله عمر بن الحكم وإنما هو معاوية بن الحكم والله أعلم قوله ولم نطول بما زاد على السبعة لندرتهم
ولعدم الحاجة إليه فى غرضنا ههنا انتهى
وقد رأيت أن أذكر من المشهورين من الإخوة والأخوات من زاد على السبعة
للفائدة فمثال الثمانية من الصحابة أسماء وحمران وخراش وذؤيب وسلمة وفضالة ومالك
وهند بن حارثة بن سعيد بن عبد الله الأسلميون أسلموا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدوا معه بيعة الرضوان بالحديبية ذكر ذلك أبو
القاسم البغوى وذكره ابن عبد البر فى الاستيعاب فى ترجمة هند قال ولم يشهدها أى
بيعة الرضوان إخوة فى عددهم غيرهم ولزم النبى
صلى الله عليه وسلم منهم اثنان
أسماء وهند وكانا من أهل الصفة ومثالهم فى التابعين أولاد أبى بكرة وهم عبد الله
وعبيد الله وعبد الرحمن وعبد العزيز ومسلم ورواد ويزيد وعتبة سماهم ابن سعد فى
الطبقات مجتمعين وله ابنة اسمها كيسة وروايتها عن أبيها فى سنن أبى داود فيكون هذا
من أمثلة التسعة وقد قال ابن سعد
وتوفى أبو بكرة عن أربعين ولدا من بين ذكر وأنثى فأعقب منهم سبعة ومثال التسعة أولاد الحرث بن قيس السهمى
وكلهم صحب النبى صلى الله عليه وسلم وهاجر
إلى أرض الحبشة وتقدمت أسماؤهم فى الاعتراض الذى يليه هذا ومثال العشرة بنو العباس بن عبد المطلب وهم
الفضل وعبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وقثم ومعبد وعون والحارث وكثير وتمام وكان
أصغرهم وكان العباس
344 يحمله ويقول
تموا بتمام فصاروا
عشرة يا رب فجعلهم كراما
برره
واحل لهم ذكرا وانم
الثمرة
وكان للعباس ثلاث بنات
أم كلثوم وأم حبيب وأميمة وقيل له رابعة وهى أم قثم فقد اوردها ابن سعد فى الطبقات وروى لها
اثرا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه وقال هكذا جاء فى الحديث ولم نجد العباس
إبنة تسمى أم قثم ومثال الإثنى عشر
أولاد عبد الله بن أبى طلحة وهم إبراهيم وإسحق وإسمعيل وزيد وعبد الله وعمارة وعمر
وعمير والقاسم ومحمد ويعقوب ويعمر وكانوا كلهم قرأوا القرآن وقال أبو نعيم كلهم
حمل عنه العلم كذا سماهم ابن الجوزى اثنى عشر وسماهم ابن عبد البر وغير واحد عشرة
345 ومثال الثلاثة عشر أو الأربعة عشر أولاد
العباس بن عبد المطلب الذكور والإناث وقد تقدم تسميتهم عند العشرة وأكثر ما رأيت مسمى من الإخوة والأخوات من
أولاد المشهور سعد بن أبى وقاص سمى له ابن الجوزى خمسة وثلاثين ولدا وقد روى عنه
من اولاده فى الكتب الستة أو بعضها إبراهيم وعامر وعمر ومحمد ومصعب وعائشة وقد كان اولاد أنس بن مالك يزيدون على
المائة وسمى لنا ممن روى عنه من أولاده لصلبه عشرة وثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم دعا له
اللهم أكثر ماله وولده
النوع الرابع والأربعون
معرفة رواية الآباء عن الأبناء
قوله وآخر ما رويناه من
هذا النوع وأقربه عهدا ما حدثنيه أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبى سعيد
المروزى رحمه الله بها من لفظه قال أنبأنى والدى عنى فيما قرأت بخطه قال حدثنى
ولدى أبو المظفر عبد الرحيم من لفظه وأصله فذكر بإسناده عن أبى أمامة عن
النبى صلى الله عليه وسلم قال احضروا موائدكم البقل فإنه مطردة للشيطان مع
التسمية انتهى
وقد أبهم المصنف ذكر
إسناده والسمعانى رواه فى الذيل من رواية العلاء بن مسلمة الرواس عن إسماعيل بن
مغر الكرمانى عن ابن عياش وهو إسمعيل عن برد عن مكحول عن أبى أمامة وهو حديث موضوع
فأبهم المصنف منه موضع العلة وسكت عليه وقد ذكر المصنف فى النوع الحادى والعشرين
أنه لا يحمل رواية الحديث الموضوع لأحد علم حاله فى أى معنى كان إلا مقرونا ببيان
وضعه وهذا الحديث ذكر غير واحد من الحفاظ أنه موضوع وقد رواه أبو حاتم بن حبان فى
تاريخ الضعفاء فى ترجمة العلاء
346 ابن مسلمة الرواس بهذا الإسناد وقال فيه يروى
عن الثقات الموضوعات به بحال وقال أبو الفتح الأزدى كان رجل سوء لا يبالى ما روى
وعلى ما أقدم لا يحل لمن عرفه أن يروى عنه وقال محمد بن طاهر كان يضع الحديث وذكر
ابن الجوزى هذا الحديث فى الموضوعات وقال هذا حديث لا أصل له وقد يجاب عن المصنف
بأنه لا يرى أنه موضوع وإن كان فى إسناده وضاع فكأنه ما أعترف بوضعه وقد تقدم أن
المصنف أنكر على من جمع الموضوعات فى عصره فأدخل فيها ما ليس بموضوع يشير بذاك إلى
ابن الجوزى والله أعلم قوله وأما
الحديث الذى رويناه عن أبى بكر الصديق عن عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فى الحبة السوداء شفاء من كل داء فهو
غلط ممن رواه إلى آخر كلامه هو كما ذكره المصنف من أن من وصف أبا بكر الراوى لهذا
الحديث عن عائشة بأنه الصديق فقد غلط فإنه أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن
ابن أبى بكر وهكذا رواه البخارى فى صحيحه ولكن ذكر ابن الجوزى فى كتاب التلقيح أن
أبا بكر الصديق روى عن ابنته عائشة رضى الله عنها حديثين والله أعلم قوله هؤلاء هم الذين قال فيهم موسى بن عقبة
لا نعرف أربعة أدركوا النبى صلى الله عليه
وسلم هم وأبناؤهم إلا هؤلاء الأربعة فذكر أبا بكر الصديق وأباه وابنه عبد الرحمن
وأبنه محمدا أبا عتيق والله أعلم وقد
يعترض على هذا الإطلاق بصورة أخرى وهى أبو قحافة وابنه أبو بكر وابنته أسماء
وابنها عبد الله بن الزبير فإنه عبر بقوله هم وأبناؤهم وهذا صادق عليه ولا يرد
347 ذلك عن عبارة أبى عمر بن عبد البر فإنه قال
يقال إنه لم يدرك النبى صلى الله عليه
وسلم أربعة ولا أب وبنوه إلا هؤلاء فذكرهم
وقد ذكر ابن منده فى معرفة الصحابة كلا من موسى بن عقبة بصيغة لا يرد على إطلاقها
هذه الصورة فقال ما نعلم أربعة فى الإسلام ادركوا النبى صلى الله عليه وسلم الآباء مع الأبناء إلا أبو
قحافة فذكرهم فالتعبير بالآباء يخرج الامهات ولكن من عبر بأربعة صحابة بعضهم أولاد
بعض فالأحسن التمثيل بعبد الله بن الزبير وأمه وابيها وجدها لأن لعبد الله بن
الزبير صحبة وأما محمد بن عبد الرحمن
فقال ابن حبان فى الصحابة أن له رؤية وقد مضى فى كلام أهل هذا الشأن عند ذكر
الصحابى أن المعتبر مع التمييز والله أعلم
النوع الخامس والأربعون
معرفة رواية الأبناء عن الآباء
قوله ومن أظرف ذلك
رواية أبى الفرج عبد الوهاب التميمى الفقيه الحنبلى عن أبيه فى تسعة من آبائه نسقا
فرواها من تاريخ بغداد لأثر موقوف على على بن أبى طالب
348 فى تفسير الحنان المنان قلت وقد وقع لنا حديث
مرفوع من هذا الوجه وقع فيه التسلسل باثنى عشر أبا وهو أعجب مما ذكره المصنف
أخبرنا به جماعة من شيوخنا منهم شيخنا العلامة برهان الدين إبراهيم بن لاجين
الرشيدى قال انبأنا أحمد بن محمد بن إسحق الهمذاني قال أنبأنا عبد الله بن أحمد بن
محمد القلانسى قراءة عليه وانا حاضر بشيراز انبأنا عبد العزيز بن منصور الآدمى
حدثنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمى سمعت أبى أبا الفرج عبد الوهاب يقول سمعت
أبى أبا الحسن عبد العزيز يقول سمعت أبى أبا بكر الحرث يقول سمعت أبى أسدا يقول
سمعت أبى الليث يقول سمعت أبى سليمان يقول سمعت أبى الأسود يقول سمعت أبى سفيان
يقول سمعت أبى يزيد يقول سمعت أبى أكينة يقول سمعت أبى الهيثم يقول سمعت أبى عبد
الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول ما اجتمع قوم على ذكر إلا
حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة أخبرنا
الحافظ أبو سعيد بن العلائى فى كتاب الوشى المعلم قال هذا إسناد غريب جدا ورزق
الله كان إمام الحنابلة فى زمانه من الكبار المشهورين متقدما فى عدة علوم مات سنة
ثمانى وثمانين وأربع مائة وأبوه أبو الفرج إمام مشهور أيضا ولكن جده عبد العزيز
متكلم فيه كثيرا على إمامته واشتهر بوضع الحديث وبقية آبائه مجهولون لا ذكر لهم فى
شئ من الكتب أصلا وقد تخبط فيهم عبد العزيز أيضا بالتعبير انتهى وأكثر ما وقع لنا بتسلسل رواية الأبناء عن
الآباء أربعة عشر رجلا من رواية
349 أبى محمد الحسن بن على قال حدثنى والدى على
بن أبى طالب قال حدثنى والدى أبو طالب الحسن بن عبيد الله قال حدثنى والدى عبيد
الله بن محمد قال حدثنى محمد بن عبيد الله قال حدثنى والدى عبيد الله بن على قال
حدثنى والدى على بن الحسن قال حدثنى والدى الحسن بن الحسين قال حدثنى والدى الحسين
بن جعفر أول من دخل بلخ من هذه الطائفة قال حدثنى والدى جعفر بن عبد الله قال
حدثنى والدى عبيد الله قال حدثنى والدى الحسين الأصغر قال حدثنى والدى على زين
العابدين قال حدثنى والدى الحسين حدثنى والدى على بن أبى طالب رضى الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المجالس بالأمانة رواه الحافظ أبو سعيد بن السمعانى فى الذيل
قال أنبأنا أبو شجاع عمر ابن أبى الحسن البسطامى الإمام بقراءتى وأبو بكر محمد بن
على بن ياسر الجيانى من لفظه قالا حدثنا السيد أبو محمد الحسن بن على بن أبى طالب
فذكره أورده فى ترجمة الحسن بن على هذا
وقال كان أحد الكبار المشهورين بالجود والسخاء وفعل الخيرات ومحبة أهل العلم
والصلاح وداره كانت مجمع الفقهاء والفضلاء إلى أن قال توفى فى رجب سنة اثنتين
وخمسمائة قلت وفى آبائه من لا يعرف حاله وهذا الحديث من جملة أربعين حديثا منها
مناكير والله أعلم
350 النوع السادس والأربعون معرفة من اشترك عنه
راويان متقدم ومتأخر
قوله وكذلك مالك بن أنس
الإمام حدث عنه الزهرى وزكريا بن دويد الكندى وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة
أو أكثر ومات الزهرى سنة أربع وعشرين ومائة انتهى وقد اعترض على المصنف بأن وفاة زكريا بن
دويد هذا لا تعرف لكنه حدث عنه سنة نيف وستين ومائتين وهذا الاعتراض لا يرد عليه
لأن المصنف احترز عن ذلك بقوله أو أكثر وإذا كان قد حدث عن مالك سنة نيف وستين
ومائتين فأقل ما بينه وبين وفاة الزهرى مائة وسبع وثلاثون سنة كما قال فإن كان
تأخر بعد ذلك فقد أشار إليه بقوله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق