مراجع في مصطلح الحدبث واللغة العربية

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

السبت، 2 أكتوبر 2021

الموقف المضطرب د ماهر الفحل

 

رابع عشر : ( ص 32 ) : قالا : (( هذا الموقف المضطرب من توثيق ابن حبان والعجلي وابن سعد وأضرابهم ، والذي يمكن تقديم عشرات الأمثلة عليه    لا يمكن إحالته على سبب من الأسباب ، سوى الابتعاد عن المنهج وخلو الكتاب منه ، ومثله مثل مئات التراجم التي لم يحررها تحريراً جيداً ، بحيث ضعَّف ثقات ، ووثق ضعفاء ، وقبل مجاهيل ، واستعمل عبارات غير دقيقة في المختلف فيهم مما سيجده القارئ الباحث في مئات الانتقادات والتعقبات التي أثبتناها في " تحرير أحكام التقريب " )) .

أما القاعدة الصحيحة في الموقف من توثيق ابن حبان ، فهي كما يلي :

1- ما ذكره في كتابه " الثقات " وتفرد بالرواية عنه واحدسواء أكان ثقة أم غير ثقةولم يذكر لفظاً يفهم منه توثيقه ، ولم يوثقه غيره ، فهو يعد مجهول العين ، وهي القاعدة التي سار عليها ابن القطان الفاسي       وشمس الدين الذهبي ، ولهما فيها سلف عند الجهابذة ، فقد قال علي ابن المديني في جري بن كليب السدوسي البصري : (( مجهول لا أعلم روى عنه غير قتادة )) ، وقال في جعفر بن يحيى بن ثوبان : (( شيخ مجهول لم يرو عنه غير أبي عاصم ( الضحاك بن مخلد النبيل ) )) ، وقال أبو حاتم الرازي في حاضر بن المهاجر الباهلي : (( مجهول )) مع أن   شعبة بن الحجاج روى عنه .

2- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه اثنان ، فهو مجهول الحال .

3- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه ثلاثة ، فهو مقبول في المتابعات والشواهد .

4- إذا ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " وروى عنه أربعة فأكثر ، فهو صدوق حسن الحديث .

5 - إذا صرح ابن حبان بأنه مستقيم الحديث أو لفظة أخرى تدل على التوثيق  فمعنى هذا أنه فتش حديثه فوجده صحيحاً مستقيماً موافقاً لأحاديث الثقات ، فمثل هذا يوثق مثله مثل أي توثيق لواحد من الأئمة الكبار ، لما لابن حبان من المنـزلة الرفيعة في الجرح والتعديل .

6- أما تضعيفه ، فينبغي أن يعد مع الجهابذة المجودين ، لما بينه في كتابه من الجرح المفسر ، وربما يعترض معترض علينا في عدم اعتبار ذكر ابن حبان لراو تفرد عنه الواحد والاثنان في " الثقات " ، فنقول : إن ابن حبان ذكر في " الثقات " كل من لم يعرف بجرح ، وإن كان لا يعرفه ، وهذا لا يدل على توثيق أصلاً ، فقد قال في " الثقات " مثلاً : (( سلمة ، يروي عن ابن عمر ، روى عنه سعيد بن سلمة ، لا أدري من هو ولا ابن من هو )) ! وقال في موضع آخر : (( جميل ، شيخ يروي عن أبي المليح بن أسامة  روى عنه عبد الله بن عون ، لا أدري من هو ولا ابن من هو )) وقال في ترجمة الحسن بن مسلم الهذلي : (( يروي عن مكحول  روى عن شعبة ، إن لم يكن ابن عمران فلا أدري من هو )) .

أقول مستعيناً بالله : انطوى كلامهما هذا بطوله على جملة من التوهمات والقواعد الباطلة والتناقضات الواضحة ، أقتصر الرد فيها على الأمور الآتية :

أولاً : وصفهما لكتاب ابن حجر بالخلو من المنهج والابتعاد عنه ، تهمة قذفا بها الحافظ وهي بهما أحق ، ومن خلال تتبعي لتراجم تحريرهما وقفت على جملة أشياء ، تثبت بما لا يقبل الشك ، خلو تحريرهما من المنهج ، وافتقارهما إلى سبيل واضحة يسيران عليها ، الأمر الذي نجم عنه ظهور ما يأتي :

1- من بدهيات علم التحقيق : أن المحقق يسير على طريق واضحة ، يتخذها نهجاً له في الكتاب كله ، والمحرران تجردا في تحقيقهما لنص التقريب من أي منهج ، ومن الأمثلة على هذا أنهما اضطربا في مسألة إثبات الصواب في المتن أو الهامش ، وسأجلي لك عظم هذا  الاضطراب من الإحصائية   الآتية :

أ. أثبتا الصواب في الأصل ، وأشارا إلى الخطأ في الهامش   ، في مئة وثمان وعشرين ( 128 ) ترجمة ، وإليك أرقامها :

عقيب : 85 ، 395 ، 535 ، 549 ، 558 ، 598 ، 601 ، 609 ، 773  882 ، عقيب : 901 ، 907 ، 1092 ، 1459 ، 1521 ، 1580  1599 ، 1618 ، 1620 ، 1664 ، 1875 ، 1997 ، 2024 ، 2207  2442 ، 2600 ، 2669 ، 2763 ، 2823 ، 2900 ، 2912 ، 2949  3288 ، 3327 ، 3388 ، 3436 ، 3503 ، 3510 ، 3539 ، 3577  3616 ، 3654 ، 3760 ، 3795 ، 4035 ، 4217 ، 4278 ، 4383  4598 ، 4629 ، 4630 ، 4827 ، 4886 ، 4941 ، عقيب : 5262  5531 ، 5735 ، 5746 ، 5822 ، 5862 ، 5913 ، 5934 ، 5992  6019 ، 6065 ، 6098 ، 6139 ، 6140 ، 6225 ، 6229 ، 6241  6312 ، 6412 ، 6440 ، 6448 ، 6491 ، 6498 ، 6499 ، 6546  6576 ، 6592 ، 6648 ، 6673 ، 6700 ، 6722 ، 6750 ، 6777  6778 ، 6822 ، 6926 ، 6954 ، 6988 ، 7070 ، 7081 ، 7241  7349 ، 7359 ، 7386 ، 7427 ، 7472 ، 7497 ، 7603 ، 7626  7627 ، 7639 ، 7682 ، 7756 ، 7783 ، 7883 ، 7888 ، 7932  7946 ، 8049 ، 8102 ، 8148 ، 8174 ، 8237 ، 8239 ، 8327  8339 ، 8349 ، 8421 ، 8447 ، 8685 ، 8801 ، عقيب : 8807  عقيب : 8813 ، 8822 .

ب. أثبتا الخطأ في الأصل ، وأشارا إلي الصواب في الهامش ، في مئة وأربع وأربعين ( 144 ) ترجمة ، وإليك أرقامها :

38 ، 44 ، 56 ، 146 ، 176 ، 193 ، 223 ، 262 ، 336 ، 368 418 ، 444 ، 568 ، 573 ، 589 ، 607 ، 643 ، 670 ، 783  815 ، 836 ، 861 ، 894 ، 910 ، 946 ، 952 ، 954 ، 962  967 ، 1007 ، 1028 ، 1070 ، 1124 ، 1150 ، 1154 ، 1591  1619 ، 1628 ، 1859 ، 1974 ، 2059 ، 2108 ، 2466 ، 2490  2589 ، 2602 ، 2802 ، 2833 ، 2964 ، 3044 ، 3136 ، 3264  3303 ، 3314 ، 3325 ، 3348 ، 3396 ، 3398 ، 3454 ، 3457  3486 ، 3491 ، 3500 ، 3517 ، 3524 ، 3534 ، 3585 ، 3607  3615 ، 3648 ، 3667 ، 3677 ، 3689 ، 3724 ، 3728 ، 3766  4060 ، 4127 ، 4277 ، 4300 ، 4304 ، 4314 ، 4315 ، 4333  4336 ، 4378 ، 4384 ، 4397 ، 4416 ، 4417 ، 4440 ، 4482  4491 ، 4817 ، 4879 ، 5004 ، 5329 ، 5465 ، 5679 ، 5970  6079 ، 6114 ، 6178 ، 6314 ، 6569 ، 6867 ، 6890 ، 6993  7110 ، 7150 ، 7162 ، 7203 ، 7224 ، 7226 ، 7244 ، 7304  7334 ، 7347 ، 7354 ، 7414 ، 7456 ، 7532 ، 7553 ، 7565  7616 ، 7680 ، 7749 ، 7847 ، 7859 ، 7872 ، 7873 ، 8013  8275 ، إحالة 4 / 243 ( أبو عمر الندبي ) ، 8283 ، إحالة 4 / 344      ( العائذي ) ، إحالة 4 / 353 ( الهجري ) ، إحالة 4 / 365 ( زوج درة ) إحالة 4 / 366 ( سابق العرب ) ، 8522 ، 8573 ، 8745 ، 8799 .

أفليس هذا من الابتعاد عن المنهج وعدم الالتزام به ؟! .

2 ومن الأمثلة على فقدان المنهج عند المحررين ، أنهما أضافا ترجمتين ادعيا أنهما من عندهماولست أريد هنا أن أدخل في نقاش معهما في ذلك فقد تناولت ذلك مفصلاً في موضعه من كتابي " كشف الإيهام "– ولكن الذي تجدر الإشارة إليه أنهما لما أضافا ترجمة ( زياد بن عمرو بن هند الجملي ) كررا رقم الترجمة التي قبله وأعقباها بحرف ( ب )   ولما أضافا ترجمة ( عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي ) كررا أيضاً رقم الترجمة التي قبله ، وأعقباها بحرف ( م ) .

فهل هذا من المنهج في شيء ؟ ولو كان لديهما منهج لظهر هنا ، إذ الأمر في منتهى اليسر فليست سوى ترجمتين ، فأي الكتابين أبعد عن المنهج ؟!

وقس أنت الأمور واحكم ، فلئن أخلا بالمنهجية في هذه الجزئية الصغيرة ، فما بقي كان أعظم ؟!

ثانيا : وضعا جملة من المباحث أسموها (( قاعدة صحيحة )) في الموقف من توثيق ابن حبان ، وهي أمور في المنتهى من الغرابة ، أوجز الرد عليها بما يأتي :

1- إن مَنْ يُنَظِّر شيئاً ينبغي عليه أن يكون أول العاملين به ، وهذا مما أخل به المحرران ، فقد نصا في الفقرة الأخيرة من كلامهما على : (( أن ابن حبان ذكر في " الثقات " كل من لم يعرف بجرح ، وإن كان لا يعرفه ، وهذا لا يدل على توثيق أصلاً )) والمحرران بهذا يرميان إلى التفريق بين ذكر ابن حبان للراوي فقط دون النص على توثيقه ، وبين ذكره مع النص على توثيقه ، وهذا أمر نتفق معهم على بعضه ؛ لكن المحررين نسيا هذه    القاعدة البتة أثناء عملهما في المجلد الأول من تحريرهما ، ولم تخطر هذه القاعدة لهما على بالٍ إلا في ثلاثة تراجم ( 420 ، 964 ، 1694 ) وستجد الكثير مما أشرت إليه في كتابي" كشف الإيهام "  ، وكذلك نسيا هذه القاعدة في كثير من المواضع للمجلدات الأخرى ، عزبت عن التنبيه إليها هنا خشية الإطالة .

2- تكلم المحرران في الفقرة (6) عن تضعيف ابن حبان فقالا : (( أما تضعيفه  فينبغي أن يعد مع الجهابذة المجودين، لما بينه في كتابه من الجرح المفسر ))

أقول : إن كان ابن حبان في جرحه للرواة في مصاف الجهابذة المجودين ، فهل يصح أن نهمل أو نغمر جرح من هو جهبذ مجود ، كلما عنَّ ذلك لسبب أو لغير سبب ؟! وإليك نماذج لتراجم تركا فيها قول ابن حبان ، فقالا بغير قوله من غير ما التفات إلى ما ذكرا :

أ- الترجمة (2723) لم يعتدا بجرح ابن حبان وغمزا قوله : (( ربما خالف ))

ب- الترجمة ( 3282 ) وصفا جرحه بالتعنت ، وقرعا بالحافظ لاعتداده بجرحه .

ج- الترجمة ( 3336 ) غمزا فيها جرح ابن حبان .

د- الترجمة ( 3745 ) ردا فيها جرح ابن حبان .

فكيف سيكون قولك إذا علمت أن ابن حبان لم ينفرد بجرحه ؟ بل جرح المترجمَ سيدُ النقاد الإمام البخاري بالصفة نفسها التي جرحه بها ابن حبان  والمحرران يلمحان إلى رد نقدهما فقالا : (( أما قول ابن حبان في           " الثقات " : يخطئ ويهم ، فنظنه أخذه من البخاري )) ، فكيف الأمر وقد ردا جهبذين مجودين ؟!!!

هـ- الترجمة ( 4275 ) أقذعا القول فيها لابن حبان ، فقالا : (( فهذا       يردان جرحه للراويمن قعقة ابن حبان )) .

و- الترجمة ( 5846 ) غمزا ابن حبان ، فقالا : (( وذكره ابن حبان وحده في   " الثقات " ، وقال : يخطئ ويخالف ، وهذا من عجائبه ! )) .

فحتى وإن سلمنا جدلاً بأن ابن حبان  أخطأ في بعض هذا فلسنا ندعي عصمته ، فقد كان لازماً عليهما أن يتحدثا عنه بكل أدب واحترام .

3- اضطرب موقف المحررين من توثيق ابن حبانحسب ما يستجد لهما من قرائن ، وليت استقراء القرائن عندهما كان دقيقاً ، فهما يعميان الأمر على القارئ ، فإذا أرادا توثيق الراوي قالا : وثقه ابن حبان ، وحقيقة الأمر أنه إنما ذكره فقط ، وإذا تكلما في الراوي ضربا عن توثيقه صفحاً ، وإليك مثُل ذلك :

أ- الترجمة ( 2906 ) قالا : (( ولم يوثقه سوى ابن حبان ، وتوثيقه شبه      لا شيء )) .

ب- الترجمة ( 3343 ) قالا : (( ولم يوثقه سوى العجلي وابن حبان   وتوثيقه شبه لا شيء عند انفرادهما )) .

ج- الترجمة ( 3349 ) جهلا الراوي وقالا : (( حينما ذكره ابن حبان وحده في " الثقات " قال : يخطئ )) .

د- الترجمة ( 3360 ) اعتدا فيها بذكر ابن حبان له في الثقات .

هـ- الترجمة ( 3617 ) ضعفا الراوي ثم قالا : (( وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال : يخطئ ويخالف )) وهذا اعتداد منهما بالجرح دون التوثيق .

4- بخصوص نص ابن حبان على توثيق الرواة ، قالا : (( إذا صرح ابن حبان بأنه مستقيم الحديث أو لفظة أخرى تدل على التوثيق ، فمعنى هذا أنه فتش حديثه ووجده صحيحاً مستقيماً موافقاً لأحاديث الثقات ، فمثل هذا يُوثق مثله مثل أي توثيق لواحد من الأئمة الكبار ، لما لابن حبان من المنـزلة الرفيعة في الجرح والتعديل )) .

أقول : من أسس قاعدة ثم هدمها بمعول مخالفته لها ، حريٌّ بمن بعده عدم الأخذ بها ، وأكتفي هنا بمثالين ، جاءت إدانتهما فيه من قلميهما ، فقد قال الحافظ ابن حجر في الترجمة ( 3660 ) : (( عبد الله بن نافع الكوفي ، أبو جعفر الهاشمي مولاهم : صدوق ، من الثالثة . د عس )) .

فتعقباه بقولهما : (( بل مجهول ، تفرد بالرواية عنه الحكم بن عتيبة ، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال : صدوق )) فأين المنـزلة الرفيعة ؟ وأين أنزلا توثيق ابن حبان من توثيق الأئمة الكبار ؟؟ وهل الأمر سوى محاولة تعقب الحافظ ابن حجر ؟ نسأل الله السلامة .

والمثال الثاني : قال الحافظ ( 1221 ) الحسن بن جعفر البخاري : (( ثقة )) وقد تعقباه بقولهما : (( بل مقبول ، روى عنه اثنان ولم يوثقه سوى ابن   حبان )) .

أقول : وابن حبان قد صرح بتوثيقه ( 8 / 173 ) فقال : (( الحسن بن جعفر من أهل بخارا ، ثقة )) وتصريح ابن حبان في توثيقه للمترجم نقله الإمام المزي في " تهذيب الكمال " ( 6 / 73 ) ، وابن حجر في " تهذيب التهذيب "       ( 2 / 260 ) .

ثالثاً : مسألة كثرة الرواة عن الشخص هل تعني توثيقاً ؟ أو تحسن من حال الراوي ؟ وهي مسألة أحب الدخول معهم بصددها في نقاش علمي ، ولذا سيتمحور ردي في كل فقرة منه على محورين ، الأول : إبطال ما قعداه ، الثاني إيراد أمثلة عملا فيها بخلاف ما قعداه ؛ ولكنني وقبل الولوج في هذا أود أن أتناول قاعدة لهج بها المحرران كثيراً في كتابهما ، ألا وهي رواية الجمع ، فقد كررا القول مراراً : (( روى عنه جمع )) فهل رواية الجمع تنفع الراوي أم لا ؟ .

أقول : لا بد في كل راوٍلكي تقبل روايتهمن معرفة حاله ، وخبرة سيرته  حتى يتسنى للناقد الحكم بقبول رواية ذلك الراوي أو ردها ، إلا أن بعض الرواة لم يستطع العلماء أن يتعرفوا حالهم ، وهم الذين يدعون ( بالمجاهيل ) وليسوا في طبقة واحدة ، بل المشهور أنهم ثلاثة : مجهول العدالة ظاهراً وباطناً ، ومجهول العدالة باطناً وهو الذي يسمى ( مجهول الحال ) ، ومجهول العين .

وقد نصت كتب المصطلح أن من روى عنه شخص واحد ، ولم يعلم حاله فهو مجهول العين فإن روى عنه آخر صار مجهول الحال  ، فزيادة العدد هنا قد حسنت من حال الراوي ، لكن ينبغي التنبه لثلاثة أمور :

الأول : إن هذه الزيادة لم تخرجه عن حيز الجهالة ، بل غاية نفعها أن أزالت عنه شيئاً من جهالته ، فنقلته من مرتبة جهالة إلى مرتبة جهالة أخرى أخف منها .

الثاني : إن هذه الزيادة حتى وإن عظمت فبلغت أكثر من اثنين غير مقتضية لإثبات العدالة ، وقد نص الخطيب البغدادي وغيره على ذلك ، فقال : أقل ما ترتفع به الجهالةيعني : جهالة العينأن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم كذلك ؟إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه )) (الكفاية : ص :150 ).

الثالث : إن العبرة أصلاً ليست بكثرة الرواة وقلتهم ، بل بالمعرفة والسبر  وللحافظ ابن القطان الفاسي كلام نفيس في كتابه " بيان الوهم والإيهام " ( 4 / 13 عقيب 1432 ) حول قبول رواية المستور   فقالرحمه الله - : (( والحق في هذا أنه لا تقبل روايته ، ولو روى عنه جماعة ، ما لم تثبت عدالته ، ومن يذكر في كتب الرجال برواية أكثر من واحد عنه مهملاً من الجرح والتعديل ، فهو غير معروف الحال عند ذاكره بذلك ، وربما وقع التصريح بذلك في بعضهم )) .

وقال الإمام السيوطي في شرحه لألفية العراقي ( ص 244 ) : (( الرواية تعريف له – [ يعني : للراوي ] والعدالة بالخبرة ، وبأنه قد لا يعلم عدالته ولا جرحه ))

وقال أحد الباحثين : (( ذكرت في المبحث السابق عن عدد من أئمة النقد أنهم قد يعدون الراوي مجهولاً إذا لم يرو عنه إلا راوٍ واحد ، وقد يعدّونه ثقة ، وقد يجهلون من روى عنه جماعة ، وقد يوثقونه ، أو يذكرون أنه معروف ، وهذا يعني أن العبرة عندهم ليست في عدد الرواة عن الشيخ ، وإنما العبرة بمعرفته واستقامة روايته )) ( رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل        ص ( 194  ) ) .

والآن حان الوقت للدخول في مناقشة كلام المحررين :

1- إن من ذكره ابن حبان في ثقاته ، وكان له راوٍ واحد ، فهو مجهول العين  وهذه قاعدة تكاد تكون محل اتفاق المحدثين ، إلا أن المحررين لم يلتزما ذلك  رغم كونها عميقة الأصالة لدى المحدثين ، وسأسوق أمثلة على ذلك :

أ- الترجمة ( 188 ) ، تفرد بالرواية عنه الأوزاعي ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 6 / 21 ) ، وقال ابن حجر : مجهول ، تعقباه بأنه : ثقة !!

ب- الترجمة ( 1385 ) ، تفرد بالرواية عنه الزهري ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 4/159 ) وقال ابن حجر : صدوق الحديث ، ولم يتعقباه !!

ج- الترجمة ( 1722 ) تفرد بالرواية عنه محمد إسحاق ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 6/271 ) وقال ابن حجر : مقبول ، فتعقباه بأنه : ثقة !!

د- الترجمة ( 3569 ) تفرد بالرواية عنه أبو سعيد جعثل بنص الذهبي في الميزان ( 2 / 483 و 499 ) وذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 51 ) قال عنه ابن حجر : صدوق ، فتعقباه بأنه : ثقة !!

هـ- الترجمة ( 3669 ) ، تفرد بالرواية عنه عبد الله بن أبي مليكة بنصهما  وذكره ابن حبان في ثقاته ( 5 / 47 ) ، وقال عنه ابن حجر : وثقه النسائي ، فتعقباه بأنه : ثقة !!

و- الترجمة ( 5091 ) تفرد بالرواية عنه أبو إسحاق السبيعي بنصهما  وذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 180 ) ، قال الحافظ عنه : مقبول  فتعقباه بأنه : ثقة !!

ز- الترجمة ( 5214 ) ، تفرد بالرواية عنه عمرو بن دينار ، ذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 281 ) قال الحافظ : ليس بمشهور ، تعقباه بأنه : صدوق حسن الحديث !!

ح- الترجمة ( 5878 ) تفرد بالرواية عنه سليمان بن حرب ، وذكره ابن حبان في الثقات ( 7 / 422 ) ، قال الحافظ : مقبول ، فتعقباه بأنه : ثقة !!

ط- الترجمة ( 7200 ) تفرد بالرواية عنه الأوزاعي ، ذكره ابن حبان في الثقات ( 7 / 545 ) قال الحافظ : ثقة ، فتعقباه بأنه : صدوق حسن الحديث !!

ي- الترجمة ( 7338 ) تفرد بالرواية عنه عبد الله بن عون ، ذكره ابن حبان في الثقات (7/573) قال الحافظ : مجهول ، فتعقباه بأنه : ثقة !!

ك- الترجمة ( 8349 ) تفرد بالرواية عنه أبو مجاهد سعد الطائي ، ذكره ابن حبان في الثقات ( 5 / 72 ) ، قال الحافظ : مقبول ، فتعقباه بأنه : صدوق حسن الحديث !!

وبهذا القدر أكتفي خشية الإطالة وإملال القارئ ؛ لكن المحررين ربما اعتذرا عن بعض ذلك بوجود من وثقه ، وهذا العذر لا يسعفهم في شيء ، فقد أكثرا من الذهاب إلى تجهيل من انفرد عنه بالرواية واحد ، وإن وثقه الجمع  أما الحافظ ابن حجر فربما عدّل من حاله هكذا لقرينة خاصة كصحة أحاديث الراوي أو غيرها .

2- من ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه اثنان ، فهو مجهول الحال ، أود الإشارة هنا إلى أن المحررين لم يعتدا هنا بذكر ابن حبان للراوي في الثقات  وذلك لأن رواية الاثنين عن الشيخ رافعة لجهالة العين مبقية على جهالة الحال ، وهو أمر شاع بين المحدثين ، فما قيمة ذكر ابن حبان عندهما هنا ؟!

وقول المحررين قول شاذ غريب ؛ لأننا لم نعهد عن أحد من العلماء المتقدمين إهمال ذكر ابن حبان للراوي في ثقاته بالكلية ، وإنما كانوا يفصلون في ذلك  فيفرقون بين شيوخه وبين من عرفهم وبين غيرهم كما سيأتي إيضاحه ، فلا يحكمون لأول وهلة بل يوازنون ويقارنون .

3- من ذكره ابن حبان في الثقات ، وروى عنه ثلاثة ، فهو مقبول في المتابعات والشواهد ، أقول : هذا تنظير غير صحيح ، فكيف يختلف لديهما الحكم من اثنين إلى ثالث ، وقد سبق الكلام على أن رواية الجمع لا تؤثر في التوثيق  وكيف يفرقان بين هذه الفقرة وبين التي قبلها في الحكم ، والمحصلة النهائية لحكمهما واحد ، إذ إن كلاً منهما مقبول في المتابعات والشواهد .

وهذا التنظير يعدم بالكلية الفائدة من ذكر ابن حبان للرواة في الثقات بالمرة  إذ إن المخشي من توثيق ابن حبان توثيق المجاهيل ، فإذا كان المترجم من شيوخه أو شيوخ شيوخه ، أو ممن عرفهم وجالسهم فما المانع من قبول توثيقه ؟!

4- من ذكره ابن حبان في الثقات ، وروى عنه أربعة فأكثر ، فهو صدوق حسن الحديث .

أقول : ما بال زيادة راوٍ واحد نقلت الشيخ من فلك إلى فلك آخر ، ومن رتبة إلى أخرى ، وقد سبق قولي: إن العدد لا يؤثر في توثيق الراوي ، وما يَرِدُ على الفقرة السابقة يَرِدُ هنا ، فقد يكون الراوي من شيوخه أو شيوخ شيوخه أو من أهل بلده أو ممن عرفهم !!

ويحسن بنا ونحن في هذا المقام أن نعرض لما قرره العلامة المعلمي اليمانيرحمه اللهوشاع بين كثير من الناس ، إذ قال في التنكيل ( 2 / 450 – 451 )       ( مجلة الحكمة العدد السابع عشر ص 393 ) : (( والتحقيق أن توثيقه على درجات :

الأولى : أن يصرح به ، كأن يقول : (( كان متقناً )) أو (( مستقيم الحديث )) أو نحو ذلك .

الثانية : أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم .

الثالثة : أن يكون الرجل من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة .

الرابعة : أن يظهر من سياق كلامه أنه عرف ذلك الرجل معرفة جيدة .

الخامسة : ما دون ذلك .

فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة ، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم  والثانية قريب منها ، والثالثة مقبولة ، والرابعة صالحة ، والخامسة لا يؤمن فيها الخللوالله أعلم - )) .

وقال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله - معقباً على كلام المعلمي : (( هذا تفصيل دقيق يدل على معرفة المؤلف المعلميرحمه اللهوتمكنه من علم الجرح والتعديل  وهو مما لم أره لغيره فجزاه الله خيراً .

غير أنه قد ثبت لدي بالممارسة أن من كان منهم من الدرجة الخامسة فهو على الغالب مجهول لا يعرف ، ويشهد بذلك صنيع الحفاظ كالذهبي والعسقلاني وغيرهما من المحققين ، فإنهم نادراً ما يعتمدون على توثيق ابن حبان وحده ممن كان في هذه الدرجة ، بل والتي قبلها أحيانا )) .

والحق في ذلك أن ما قرره العلامتان  المعلمي والألباني إطلاق يفتقر إلى تقييد ، لتصحح هذه القاعدة ، وقد أجاد بعض الباحثين في تفصيل ذلك ، إذ قسم الرجال الذين ترجم لهم ابن حبان في ثقاته إلى قسمين :

القسم الأول : الذين انفرد بالترجمة لهم .

القسم الثاني : الذين اشترك مع غيره بالترجمة لهم ، وهم على قسمين أيضاً :

الأول : الرواة الذين أطلق عليهم ألفاظ الجرح والتعديل ، وهؤلاء الرواة لم يكونوا على درجة واحدة ، بل كان فيهم الحافظ والصدوق والمجروح والضعيف والمجهول .

الثاني : الرواة الذين سكت عنهم ، وفيهم الحافظ والصدوق والمستور والمجهول والضعيف ومنكر الحديث .

وختاماً نص الباحث نفسه فقال : (( والفصل في الرواة الذين سكت عليهم ابن حبان هو عرضهم على كتب النقد الأخرى ، فإن وجدنا فيها كلاماً أخذنا بما نراه صواباً مما قاله أصحاب كتب النقد ، وإن لم نجد فيها كلاماً شافياً طبقنا قواعد النقاد عليهم ، وقواعد ابن حبان نفسه .

وأغلب الرواة الذين يسكت عليهم ابن حبان ، ويكون الواحد منهم قد روى عنه ثقة ، وروى عن ثقة ، يكونون مستورين ، يقبلون في المتابعات والشواهد ولذلك فإنني قلت في رسالتي عن ابن حبان في الرواة الذين ترجمهم ساكتاً عليهم : بأنهم على ثلاث درجات :

1- فمنهم الثقات وأهل الصدق .

2- ومنهم رواة مرتبة الاعتبار .

3- ومنهم الرواة الذين لا تنطبق عليهم شروط ابن حبان النقدية في المقبول ، وهؤلاء ذكرهم للمعرفةوالله أعلم - )) ( رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل         ( ص72 )  ) .

والذي أميل إليه : أن ما ذهب إليه المحرران من تقييد ذلك بعدد الرواة خطأ محض نشأ عن تسرع في الأحكام وعجلة كان ينبغي بمن مثلهما أن لا يقع فيها  وأن ما ذهب إليه اليماني وتابعه عليه العلامة الألباني وما نظره الباحث جيد ؛ غير أن الأولى أن يقال أن ذلك لا يناط تحت قاعدة كلية مطردة بل الأمر يختلف من راوٍ إلى راوٍ حسب المرجحات والقرائن المحيطة التي تحف الراوي ، فعندها يحكم على ذلك ، وعليه يحمل صنيع الإمامين الجهبذين الذهبي وابن حجر ، إذ إنهما لم يعملا ذلك تحت قاعدة كلية ، بل مرجع ذلك إلى القرائن المحيطة وحال الراوي وقرب عهده من بُعْدِه ، وكونه من المعروفين أو غير المعروفين ، وكونه من أهل بلد ابن حبان من غيرهم ، ولو أدرك المحرران لما وصفا صنيع الحافظ باضطراب المنهج وخلو كتابه من المنهجية ، نسأل الله الستر والعافية .

تعارض الوقف و الرفع د ماهر الفحل

 

 تعارض الوقف و الرفع

الوقف: مَصْدَر للفعل وقف وَهُوَ مَصْدَر بمعنى المفعول ، أي مَوْقُوْف ([1]) .

والمَوْقُوْف : هُوَ مَا يروى عن الصَّحَابَة y من أقوالهم ، أو أفعالهم ونحوها فيوقف عَلَيْهِمْ وَلاَ يتجاوز بِهِ إلى رَسُوْل الله r.([2])

والرَّفْع : مَصْدَر للفعل رَفَعَ ، وَهُوَ مَصْدَر بمعنى المفعول ، أي : مَرْفُوْع([3]) ، والمَرْفُوْع : هُوَ مَا أضيف إلى رَسُوْل الله r خَاصَّة ([4]).

والاختلاف في بَعْض الأحاديث رفعاً ووقفاً أمرٌ طبيعي ، وجد في كثيرٍ من الأحاديث ، و الحَدِيْث الواحد الَّذِي يختلف بِهِ هكذا محل نظر عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ ، وَهُوَ أن المُحَدِّثِيْنَ إذا وجدوا حديثاً روي مرفوعاً إلى النَّبيّ r ، ثُمَّ نجد الحَدِيْث عينه قَدْ روي عن الصَّحَابيّ نفسه موقوفاً عَلَيْهِ ، فهنا يقف النقاد أزاء ذَلِكَ؛ لاحتمال كون المَرْفُوْع خطأً
من بَعْض الرواة و الصَّوَاب الوقف ، أو لاحتمال كون الوقف خطأ و الصَّوَاب الرفع ؛ إذ إن الرفع علة للموقوف و الوقف علة للمرفوع . فإذا حصل مِثْل هَذَا في حَدِيث ما ، فإنه يَكُون محل نظر وخلاف عِنْدَ العُلَمَاء وخلاصة أقوالهم فِيْمَا يأتي:

       إذا كَانَ السَّنَد نظيفاً خالياً من بقية العلل ؛ فإنّ للعلماء فِيهِ الأقوال الآتية :

القَوْل الأول : يحكم للحديث بالرفع

لأن راويه مثبت وغيره ساكت، وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي ؛ لأَنَّهُ علم ما خفي ، وَقَدْ عدوا ذَلِكَ أيضاً من قبيل زيادة الثِّقَة، وَهُوَ قَوْل كَثِيْر من المُحَدِّثِيْنَ ، وَهُوَ قَوْل أكثر أهل الفقه و الأصول([5])، قَالَ العراقي: (( الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أن الرَّاوِي إذا رَوَى الحَدِيْث مرفوعاً وموقوفاً فالحكم للرفع ، لأن مَعَهُ في حالة الرفع زيادة ، هَذَا هُوَ المرجح عِنْدَ أهل الحَدِيْث )) ([6]) .

القَوْل الثَّانِي: الحكم للوقف([7]) .

القَوْل الثَّالِث : التفصيل

فالرفع زيادة ، و الزيادة من الثِّقَة مقبولة ، إلا أن يوقفه الأكثر ويرفعه واحد ، لظاهر غلطه ([8]) .

       والترجيح برواية الأكثر هُوَ الذي عَلَيْهِ العَمَل عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ؛ لأن رِوَايَة الجمع إذا كانوا ثقات أتقن وأحسن و أصح و أقرب للصواب ؛ لذا قَالَ ابن المبارك : (( الحفاظ عن ابن شهاب ثلاثةٌ : مَالِك ومعمر و ابن عيينة ، فإذا اجتمع اثنان عَلَى قولٍ أخذنا بِهِ ، وتركنا قَوْل الآخر )) ([9]) .

       قَالَ العلائي : (( إن الجماعة إذا اختلفوا في إسناد حَدِيث كَانَ القَوْل فِيْهِمْ للأكثر عدداً أو للأحفظ و الأتقن... ويترجح هَذَا أيضاً من جهة المَعْنَى ، بأن مدار قبول خبر الواحد عَلَى غلبة الظن ، وعند الاختلاف فِيْمَا هُوَ مقتضى لصحة الحَدِيْث أو لتعليله ، يرجع إلى قَوْل الأكثر عدداً لبعدهم عن الغلط و السهو ، وَذَلِكَ عِنْدَ التساوي في الحفظ والإتقان . فإن تفارقوا واستوى العدد فإلى قَوْل الأحفظ و الأكثر إتقاناً ، وهذه قاعدة متفق عَلَى العَمَل بِهَا عِنْدَ أهل الحَدِيْث )) ([10]) .

القَوْل الرابع : يحمل المَوْقُوْف عَلَى مَذْهَب الرَّاوِي ، و المُسْنَد عَلَى أَنَّهُ روايته فَلاَ تعارض([11]). وَقَدْ رجح الإمام النَّوَوِيّ من هذِهِ الأقوال القَوْل الأول([12]) ، ومشى عَلَيْهِ في تصانيفه ، و أكثر من القَوْل بِهِ .

والذي ظهر لي – من صنيع جهابذة المُحَدِّثِيْنَ ونقادهم – : أنهم لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث الَّذِي اختلف فِيهِ عَلَى هَذَا النحو أول وهلة ، بَلْ يوازنون ويقارنون ثُمَّ يحكمون عَلَى الحَدِيْث بما يليق بِهِ ، فَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة المرفوعة ، وَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة الموقوفة ، عَلَى حسب المرجحات والقرائن المحيطة بالروايات ؛ فعلى هَذَا فإن حكم المُحَدِّثِيْنَ في مِثْل هَذَا لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية مطردة تقع تحتها جَمِيْع الأحاديث ؛ لِذلِكَ فإن مَا أطلق الإمام النَّوَوِيّ ترجيحه يمكن أن يَكُون مقيداً عَلَى النحو الآتي :

الحكم للرفع - لأن راويه مثبت وغيره ساكت ، وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي ؛ لأَنَّهُ علم مَا خفي - ، إلا إذَا قام لدى الناقد دليل أو ظهرت قرائن يترجح معها الوقف .

وسأسوق أمثلة لأحاديث اختلف في رفعها ووقفها متفرعة عَلَى حسب ترجيحات المُحَدِّثِيْنَ .

فمثال مَا اختلف في رفعه ووقفه وكانت كلتا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيْحَة :

حَدِيث عَلِيٍّ t : (( ينضح من بول الغلام ، ويغسل بول الجارية )). قَالَ الإمام
التِّرْمِذِي : (( رفع هشام الدستوائي هَذَا الحَدِيْث عن قتادة وأوقفه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، وَلَمْ يرفعه )) ([13]) .

وَقَالَ الحافظ ابن حجر : (( إسناده صَحِيْح إلا أَنَّهُ اختلف في رفعه ووقفه ، وَفِي وصله وإرساله ، وَقَدْ رجح البُخَارِيّ صحته وكذا الدَّارَقُطْنِيّ )) ([14]) .

والرواية المرفوعة : رواها معاذ بن هشام ([15])، قَالَ: حَدَّثَني أبي([16])، عن
قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ([17]) ، عن أبيه ([18]) ، عن عَلِيّ بن أبي طالب ،

مرفوعاً ([19]) .

قَالَ البزار : (( هَذَا الحَدِيْث لا نعلمه يروى عن النَّبيّ r ، إلا من هَذَا الوجه بهذا الإسناد ، وإنما أسنده معاذ بن هشام ، عن أبيه ، وَقَدْ رَواهُ غَيْر معاذ بن هشام ، عن قتادة، عن أبي حرب ، عن أبيه ، عن عَلِيّ ، موقوفاً )) ([20]) .

أقول : إطلاق البزار في حكمه عَلَى تفرد معاذ بن هشام بالرفع غَيْر صَحِيْح إِذْ إن معاذاً قَدْ توبع عَلَى ذَلِكَ تابعه عَبْد الصمد بن عَبْد الوارث ([21]) عِنْدَ أحمد ([22]) ،
والدارقطني ([23]) ، لذا فإن قَوْل الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ أدق حِيْنَ قَالَ : (( يرويه قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، رفعه هشام بن أبي عَبْد الله من رِوَايَة ابنه معاذ وعبدالصمد بن عَبْد الوارث ، عن هشام ، ووقفه غيرهما عن هشام )) ([24]) .

والرواية الموقوفة : رواها يَحْيَى بن سعيد ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، عن عَلِيّ ، فذكره موقوفاً ([25]) .

فالرواية الموقوفة إسنادها صَحِيْح عَلَى أن الحَدِيْث مرفوعٌ صححه جهابذة المُحَدِّثِيْنَ: البُخَارِيّ والدارقطني - كَمَا سبق - وابن خزيمة ([26]) ، وابن حبان ([27]) ، والحاكم([28]) - وَلَمْ يتعقبه الذهبي – ، ونقل صاحب عون المعبود عن المنذري([29]) قَالَ :    (( قَالَ البُخَارِيّ : سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهشام يرفعه ، وَهُوَ حافظ )) ([30]) .

أقول : هكذا صَحّح الأئمة رفع هَذَا الحَدِيْث ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ موقوفاً أيضاً ؛ وهذا يدل عَلَى أن الحَدِيْث إذا صَحَّ رفعه ، ووقفه ، فإن الحكم عندهم للرفع ، وَلاَ تضر الرِّوَايَة الموقوفة إلا إذا قامت قرائن تدل عَلَى أن الرفع خطأ . 



([1]) انظر: لسان العرب 9/360 (وقف) .

([2]) انظر في الموقوف :

مَعْرِفَة علوم الحَدِيْث:19 ، والكفاية (58 ت ، 21ه‍) ، والتمهيد 1/25 ، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث: 41-42،و117 طبعتنا، والإرشاد 1/158 ، و التقريب: 51 ، 95 طبعتنا ، و الاقتراح 194 ، و المنهل الروي:40 ،و الخلاصة:64،و الموقظة : 41 ، و اختصار علوم الحَدِيْث: 45 ، و المقنع 1/114 ، وشرح التبصرة و التذكرة 1/123،و1/184 طبعتنا، ونزهة النظر:154،و المختصر: 145،وفتح المغيث 1/103، وألفية السيوطي 21 ، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي 146 ، وفتح الباقي 1/123 ، 1/177 طبعتنا ، وتوضيح الأفكار 1/261 ، وظفر الأماني: 325 ، وقواعد التحديث: 130 .

([3]) انظر : مقاييس اللغة 2/423 ، مادة ( رفع ) .

([4]) انظر: في المَرْفُوْع :

الكفاية (58ت ، 21ه‍) ، و التمهيد 1/25 ، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث: 117 طبعتنا وإرشاد طلاب الحقائق 1/157 ، و التقريب 50 ، و 94 طبعتنا ، و الاقتراح: 195 ، و المنهل الروي: 40 ،
والخلاصة :46 ، والموقظة: 41 ، و اختصار علوم الحَدِيْث: 45 ، و المقنع 1/113 ، وشرح التبصرة والتذكرة 1/116 ، و1/181 طبعتنا ، ونزهة النظر: 140 ، و المختصر: 119 ، وفتح المغيث 1/98 ، و ألفية السيوطي: 21 ، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي: 143 ، وفتح الباقي 1/116 ، و1/171 طبعتنا ، وتوضيح الأفكار 1/254 ، وظفر الأماني: 227 ، وقواعد التحديث 123 .

([5]) شرح التبصرة و التذكرة 1/177 ، و 1/233 طبعتنا ، ومقدمة جامع الأصول 1/170 ،
وفتح المغيث 1/194 ، و المحصول 2/229-230 ، و الكفاية (588ت-417ه‍) ، شرح ألفية
السيوطي 29 .

([6]) فتح المغيث 1/168 ط عَبْد الرحمان مُحَمَّد عُثْمَان ، و 1/195 ط عويضة .

([7])مقدمة جامع الأصول 1/170 ، فتح المغيث 1/194 ، شرح ألفية السيوطي : 29 . 

([8]) شرح التبصرة والتذكرة 1/179 ، 1/233 طبعتنا ، وفتح المغيث 1/195، وشرح ألفية السيوطي:29.

([9]) نقله عَنْهُ النَّسَائِيّ في السُّنَن الكبرى 1/632 عقيب (2072) ، ونقله عَنْهُ العلائي في نظم الفرائد:
367 بلفظ :
(( حُفَّاظ علم الزُّهْرِيّ ثلاثة: مَالِك ومعمر وابن عيينة ، فإذا اختلفوا أخذنا بقول رجلين مِنْهُمْ )) .

([10]) نظم الفرائد : 367 .

([11]) فتح المغيث 1/168 ط عَبْد الرحمان مُحَمَّد ، و 1/195 ط عويضة .

([12]) مقدمة شرح النَّوَوِيّ عَلَى صَحِيْح مُسْلِم 1/25 ، و التقريب : 62-63 ، و 107-108 طبعتنا ، والإرشاد 1/202 .

([13]) جامع التِّرْمِذِي عقب حَدِيث ( 610 ) .

([14]) التلخيص الحبير طبعة العلمية 1/187 ، وطبعة شعبان 1/50 .

([15]) هُوَ معاذ بن هشام بن أبي عَبْد الله الدستوائي ، البصري ، وَقَدْ سكن اليمن ، ( صدوق رُبَّمَا وهم ) ، مات سنة مئتين ، أخرج حديثه أصحاب الكُتُب الستة . التقريب ( 6742 ) .

([16]) هُوَ هشام بن أبي عَبْد الله :سَنْبَر – بمهملة ثُمَّ نون موحدة ، وزن جَعْفَر – ، أبو بَكْر البصري الدستوائي ، ( ثِقَة ، ثبت )، مات سنة مئة وأربع وخمسين ، أخرج حديثه أصحاب الكُتُب الستة.الطبقات لابن سعد 7/279-280 ، وتذكرة الحفاظ 1/164 ، والتقريب (7299).

([17]) هُوَ أبو حرب بن أبي الأسود الديلي ، البصري ، ( ثِقَة ) ، قِيلَ : اسمه محجن ، وَقِيلَ : عطاء ، مات سنة ثمان ومئة ، أخرج حديثه مُسْلِم وأصحاب السُّنَن الأربعة . التقريب ( 8042 ) .

([18]) هُوَ أَبُو الأسود الديلي – بكسر المُهْمَلَة وسكون التحتانية – ، ويقال : الدؤلي 0 بالضم بعدها
همزة مفتوحة – ، البصري ، اسمه : ظالم بن عَمْرو بن سُفْيَان ، ويقال : عَمْرو بن ظالم ، ويقال : بالتصغير فِيْهِمَا ، ويقال : عَمْرو بن عُثْمَان ، أو عُثْمَان بن عَمْرو : ( ثِقَة ، فاضل ، مخضرم ) ، مات سنة تسع وستين ، أخرج حديثه أصحاب الكُتُب الستة . التقريب ( 7940 ) .

([19]) هذِهِ الرِّوَايَة أخرجها : أحمد 1/ 97 و 137 ، وأبو دَاوُد ( 378 ) ، وابن ماجه ( 525 ) ، والترمذي ( 610 ) ، وَفِي علله الكبير ( 38 ) ، والبزار ( 717 ) ، وأبو يعلى ( 307 ) ، وابن خزيمة ( 284 ) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/92 ، وابن حبان ( 1372 ) ، وطبعة الرسالة ( 1375 ) ، والدارقطني 1/129 ، والحاكم 1/165-166 ، والبيهقي 2/415 ، والبغوي ( 296 ) .

([20]) البحر الزخار 2/295 .

([21]) هو أبو سهل التميمي العنبري عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد ، توفي سنة ( 207 ه‍ ) .

الطبقات الكبرى 7/300 ، وسير أعلام النبلاء 9/516 ، وشذرات الذهب 2/17 .

([22]) المُسْنَد 1/76 .

([23]) السُّنَن 1/129 ؟

([24]) علل الدَّارَقُطْنِيّ 4/184-185 س ( 495 ) .

تنبيه : مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ من أن غَيْر معاذ وعبد الصمد روياه عن هشام موقوفاً فإني لَمْ أجد هَذَا في شيء من كتب الحَدِيْث ، ولعله وهمٌ من الدَّارَقُطْنِيّ يفسر ذَلِكَ قوله في السُّنَن 1/129 لما ساق رِوَايَة معاذ : ((تابعه عَبْد الصمد ، عن هشام ، ووقفه ابن أبي عروبة ، عن قتادة )) . فلو كَانَتْ ثمة مخالفة قريبة لما ذهب إلى رِوَايَة ابن أبي عروبة ، والله أعلم .

([25]) وهذه الرِّوَايَة الموقوفة أخرجها عَبْد الرزاق ( 1488 ) ، وابن أبي شَيْبَة ( 1292 ) ، وأبو دَاوُد ( 377)، والبيهقي 2/415 .

([26]) صَحِيْح ابن خزيمة ( 284 ) ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يحكم عَلَيْهِ بلفظه ، إلا انا قلنا ذَلِكَ عَنْهُ لالتزامه الصحة في كتابه قَالَ العماد بن كَثِيْر في اختصار علوم الحَدِيْث : 27 ، وطبعة العاصمة 1/109 : (( وكتب أخر التزم أصحابها صحتها كابن خزيمة ، وابن حبان )) . وَقَالَ الحافظ ابن حجر في نكته عَلَى كِتَاب ابن
الصَّلاح 1/291 :
(( حكم الأحاديث الَّتِي في كِتَاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بِهَا )) . عَلَى أن الكِتَاب فِيهِ بَعْض مَا انتقد عَلَيْهِ .

([27]) صحيحه ( 1372 ) ، وطبعة الرسالة ( 1375 ) ، وانظر الهامش السابق .

([28]) المستدرك 1/165-166 .

([29]) هو أبو مُحَمَّد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري الشامي الأصل ، ولد سنة ( 581 ه‍ ) ، من مصنفاته " المعجم " ، واختصر " صحيح مسلم " و " سنن أبي داود " ، توفي سنة ( 656ه‍ ) .

سير أعلام النبلاء 23/319 و 320 ، والعبر 5/232 ، وتذكرة الحفاظ 4/1436 .

([30]) عون المعبود 1/145 .